نادي الفكر العربي
هذه إحدى سمات دول المخابرات - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+--- الموضوع: هذه إحدى سمات دول المخابرات (/showthread.php?tid=31173)



هذه إحدى سمات دول المخابرات - arfan - 02-26-2005

حتى لو لم تكن لسورية يدٌ في اغتيال رفيق الحريريّ فإنها متَّهمة. شهودُ إثبات الجريمة حاضرون ومتحمسون، بينما شهود النفي لا صوت لهم. لا حظوا فقط كيف يلقون مرافعاتهم في الفضائيات غمغمةً وعلى استحياء.
حتى لو كانتْ السلطات السورية بريئة فهي في مأزقٍ يجعل من مناصريها يتساقطون تعباً وهم يدافعون عنها.
وقد تكون هذه إحدى سمات دول المخابرات: أنها تحشد لها مناصرين ومطيبين كثراً وتمدّهم بأسبابِ الهتاف والذبّ عنها لكنها ـ كأنها تريد اختبار جَلَدِهم ـ تفجؤهم قبل أعدائها بكارثةٍ من العيار الثقيل تتركهم أسرى حيرتهم.
لا أحد بمقدوره التنبؤ بما يدور في غرفة العمليات الطارئة لدولة المخابرات. ألم يكن صدام يتسلى بإبقاء الدهشة على وجوه عشاقه وهو يقود العراق والمنطقة من هاوية لأعمق منها. إلى أن أتعبَ المغرمين بشواربه فافرنقعوا عنه بعد انكشاف سردابه؟!

الفعلُ السياسيّ هو وحده ما يمكن حسابه، استنتاجه، التنبؤ به وتوقّعه. لكنْ في هذه الدول السعيدة بمخابراتها لا وجود للسياسة. القرارات المصيرية فيها لا يتخذها الساسةُ ولا يُستشارون فيها، إنها تخرج من المنطقة المظلمة التي، لفرط سريّتها، لا تقال أبداً ولا تُسمّى. أما الدبلوماسيّة فتأتي لاحقاً لتبرير هذه القرارات الملحميّة.
والآن
كيف يصنع من يريد الدفاع عن سورية؟
رأيت مقابلات عدّة لوزير الإعلام السوريّ، كان أداؤه مثيراً للشفقة. لا سلاح بيده سوى التساؤل عن مكسب سورية من قتل الحريريّ؟ يقولها وهو يائس من إقناع المصوّر في الأستوديو قبل المشاهدين.
(ما مكسب سورية؟!) هذا السؤال يسأله الجميع اليوم، كما سُئل كثيراً عن مكسب صدام من كل مغامراته ولا جواب، وكما سُئل عن مكسب القذافي من محاولة اغتيال الأمير عبد الله، أو لوكربي. لن نسمع جواباً لأن مَنْ في فمه الجواب لا أحد يعرفه على وجه التحديد، حتى ولا السيّد وزير الإعلام نفسه. صاحب الجواب يقبع في المنطقة المظلمة التي يدافع عن قراراتها الملحمية المرتجَلة وزراءٌ وصحفيون وكتّابٌ كثيرون بلا جدوى.
السؤالُ بلا معنى لأننا لسنا في السياسة بعدُ، السياسةُ التي يمكن تتبّع أسباب وعِللِ كلّ واقعةٍ فيها. هذا عملُ هيئاتٍ اختصاصُها الوحيدُ ابتداع جرائمَ وإدارتها دون أن تأبه كثيراً لتبريرها، فهي من أجل ذلك أوجدتْ وزارة للإعلام وصرفتْ أموالاً طائلةً على شراء التلفزيونات والضمائر.
بدل هذا السؤال غير المجدي، ينبغي على من يحبّ سورية والسوريين أن يدخل في السياسة رأساً ليسأل: (ما مكسب سورية من البقاء في لبنان؟).
كان لافتاً أن مثقفين سوريين بادروا إلى هذا السؤال قبل غيرهم وطلبوا من حكومتهم الاسراع بالخروج من هذا المأزق.
وهذا أقصى ما يمكن أن يفعله كلّ خائف على سورية اليوم. لأن البقاء في لبنان غدا فادحاً ويسحب وراءه لهيب كراهية بين الشعبين، ناراً ينهمك كثيرون "بقصد أو بدونه" في إذكائها كلما خبتْ.
لن ينفع خروج الجيش السوريّ وحده. هناك الوجود السوريّ السريّ الذي يثقل خاطر اللبنانيين، هذا الوجود سببٌ أساسٍ للصوق التهمة بسورية، فقد تمكنتْ سورية من اقناع الجميع بأنْ لا شيء يحدث في لبنان إلا تحت نظرها وعلى عينها، وهاهو حدث جلل يقع فكيف تتبرأ منه أجهزةٌ تعرف متى تسقط الشعرة من رأس أيّ معارض لبنانيّ؟! كانت هذه قوّة سورية في لبنان وهي اليوم ضعفها ومأزقها.
ليس غريباً بعد ذلك أن يكتب شاعر لبنانيّ مخاطباً السوريين: أعيدوا لنا القمر والحقل والبيدر والمطر والطفولة وكلّ شيء ثم اذهبوا لا نريد منكم شيئاً!
ثمة إحساس (فيه كثير من الوهم طبعاً) أن كل مفقودات لبنان هي في جيب سورية الآن. هذا الهاجس خطير ويتفاقم بشدّة على ما أقرأ. سببه لا العسكر السوريّ فقط بل بدرجة أساسٍ ذلك الوجود الأخفى، هذا الذي يجعل اللبنانيّ يرى إلى ساسته مرتهَنين لدمشق، ويترك المواطن خائفاً من مخابراتٍ هي ليست مخابرات بلده.
انسحاب سورية (بقضّها وقضيضها) من لبنان، مع هذا الوعي الذي أبداه المثقفون السوريون الأحرار هو مكسب لسورية أولاً وانقاذ للبنانيين من كراهيةٍ تنتظر لحظة انفجارها. وكلّ حديث بعد ذلك عن الأخوّة والشعب الواحد في دولتين لم يعدْ يقنع قائله قبل سامعه.

يذهب الحكام مصحوبين باللعنات، ويذهب معهم المجهول الساكن في الغرفة المظلمة، ولا يتركون للشعوب إلا كراهيةً وحقداً هي بذورُ حروبٍ قادمة.
هكذا.. بين العراقيين والكويتيين ما لن يمسحه إلا سنوات عملٍ دؤوب لمثقفي البلدين.
وبين سورية ولبنان ما يمكن إنقاذه، لكنْ الآن الآن وليس غداً!:
الإنسحاب الكامل من حياة اللبنانيين لا من أرضهم فقط.

http://aqwas.com