نادي الفكر العربي
هكذا أنظر إلى جبالك ووهادك.. إلى أرضك وسمائك.. يا وطني - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: لغـــــــة وأدب (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=78)
+--- الموضوع: هكذا أنظر إلى جبالك ووهادك.. إلى أرضك وسمائك.. يا وطني (/showthread.php?tid=31489)



هكذا أنظر إلى جبالك ووهادك.. إلى أرضك وسمائك.. يا وطني - علـي - 02-18-2005

<آخر كلاب الأثر>

كم أنت موحش أيها الليل
دون امرأة أو سلطة.
وكم أنت طويل أيها الطريق
دون شجرة أو ذكرى.

أيها المرأة الحلم
أيها المرأة الكارثة
صوتك الحنون كأجنحة مسافرة تتكسر
لو ناداني إلى الهلاك للبيته مغمض العينين.
ولكن من أنت؟
سفينة؟ أين أشرعتك؟
صحراء؟ أين رياحك ونخيلك؟
ثورة؟ أين راياتك وأصفادك؟
إنني لا أعرف عنك أكثر مما أعرف عن الليل
ولكن من يسلبك مني يغامر مع أعظم غضب في التاريخ
كمن يسلب الجنود الموتى
خواتمهم وبقايا نقودهم
وهم ما يزالوا ينزفون على أرض المعركة.

قولي لمن يريد:
هذا ولدي ولم أنجبه من أحشائي.
هذا مغتصبي ولم يمزق لي ثوباً أو يفض بكارة.
هذا وطني ولم أعرف له حدوداً
هذا محتلي ولم أرفع في وجهه صوتا أو حصاة
اهدروا دمه. اقتلوه
ولكن شريطة أن يسقط بين ذراعي

أيها المرأة البعيدة كالسماء.. كالحرية
أسرعي أسرعي
بين الوطن والمنفى
خطوة واحدة
أو قبلة واحدة
أنت خائفة ممن,
من العالم؟ أنا العالم
من الجوع؟ أنا السنابل
من الصحراء؟ أنا المطر
من الزمن؟ أما الطفولة
من القدر؟
وأنا خائف أيضاً
ودقات قلبي حينما ألمسك أو أراك
لا تشبهها إلا ضربات الغرباء
على أبواب المنازل المغلقة.

ولكن معك يصبح الخوف شجاعة
والذل كبرياء.
والخجل وطناً.
أسرعي يا حبيبتي أسرعي
عاشقان خائفان
عاشقان أعزلان إلا من الليل والتنهدات هما سيف الثورات وترسها.
إنني أناديك يا حبيتي
وأصابعي تحوم من فكرة إلى فكرة
ومن صفحة إلى صفحة
كغربان تشم رائحة جثث ولا تراها
إن موتي قريب كغصن فوق رأسي
فكوني الزهور الأخير الباسلة
فأنا آخر بستان للشعر في هذا العالم
ولا سياج لي.
إنني نجمة نائية في ليل الفقراء الطويل
يجب أن تطفأ.
صخرة نائية في الطريق في أي قمة
يتعثر بها ويلعنها الصاعدون والهابطون
يجب أن تزول.
فزمن الخدوش والعقبات الصغيرة قد ولى.
ولكنني حائر بين الم السقوط وعار النجدة
خائف من الموت وحيداً
في إحدى الغرف المظلمة النتنة
وأن لا تكتشف جثتي إلا من الرائحة
وتنشقات المارة
فأيامي معدودة
وساعات حبي تتناقص كالمؤن أيام الحصار.

يقال أن رؤوس المحكومين بالموت
في الثورات الجامحة
حتى بعد أن تطيح بها شفرات المقاصل
وتدحرجها نحو أرجل الجماهير،
تظل قسمات وجوهها محتفظة للحظات بتعابير الرعب والأمل والخيبة،
وتظل تتوسل إلى من حولها بنظرات الدهشة والعتاب والتساؤل.
هكذا أنظر إلى جبالك ووهادك
إلى أرضك وسمائك
يا وطني



محمد الماغوط