حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
سيدتي كوني لطيفة - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: لغـــــــة وأدب (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=78) +--- الموضوع: سيدتي كوني لطيفة (/showthread.php?tid=3152) |
سيدتي كوني لطيفة - فخري الليبي - 09-19-2008 هذه أقصوصة حدثت مع أحدهم أخيرا، كتبت برؤية واقعية صادقة ، ثم كتبت أيضا على هيئة مقال مستوحى من إحداثها ، ما كتب باللون الأسود هو الأقصوصة ، و ما كتب باللون الأحمر هو المقال المستوحى منها ، أما ما كتب بلون ثالث فهو مقتطفات تسلط المزيد من الضوء عن المقصود قوله.
..... الموضوع يحتاج لصبر و قراءة متأنية، أعني يمكن قراءة الأقصوصة وهي الأجزاء السوداء بتتابع متجاوزين اللون الأحمر، أو قراءة الأجزاء الحمراء وهي المقال، ثم العودة للأقصوصة. - - - - - - - - - - - - - - سيدتي.. كوني لطيفة ......... الخيال مفيد أحيانا، شرط أن يتمسك بالواقع بقوة ..... أرى الكثيرين من العرب يرون المسالة بشكل أحادى،الخارج هو السبب، أو الداخل هو السبب،الموقف مزيج من العاملين معا فلن نتجاهل كون الرأسمالية العالمية لها مطامع وتمارس الهيمنة والاستغلال وهناك بنية وعى المجتمعات العربية ونظامها الاجتماعي و السياسي ، ومن ينكر هذا يدافع عن بنية وعيه العتيقة..حسام يوسف .................. جاءوا من شمال شرق العالم ليعملوا في المدينة الساحلية ، لم يسبق أن شاهدوا صحراء، فوجدوا أنفسهم ملاصقين للصحراء الكبرى، سمعوا من مرضاهم أن هناك بحيرة في غياهب تلك الصحراء بدون واحة ! ذلك لأن مياه تلك البحيرة معدنية حارة تشفي الكثير من الأمراض الجلدية و غيرها، كان سماعهم عن تلك البحيرة خير حجة و أكبر دافع لهم لاقتحام الصحراء، التي يتشوقون لرؤيتها، كما نتشوق نحن لرؤية المسطحات الجليدية و السير بأقدامنا فوق الأنهار المتجمدة لديهم. الحق في المعلومة شيء مقدس, وكذلك الحق في المعرفة وفي التعبير والتواصل...عائشة التاج .... يأتون غالبا من شمال العالم إلى جنوبه بغية الاستكشاف والدراسة وامكانية السيطرة والنهب الصريح ، أراض تتميز بالموقع الممتاز و غنية بمختلف المواد التي يحتاجونها و لا يعرف أهل الأرض قيمتها ولا كيفية استغلالها، سمحت ظروف تقدمهم ، وتطورهم الفكري بأن يأتوا مكتشفين دارسين ، لكي يزرعوا الحجج للغزو والسيطرة ، فهل كنا سنقوم بنفس الشيء لو كنا نقيم بشمال العالم وهم يقيمون بجنوبه ؟ - - - - - - - - - - وكان لدي البعض منهم رغبة جامحة في زيارة السيدة لطيفة، تجمعت الرغبتان ووجدتا الحجة الرسمية للقيام بمغامرة الاقتحام المحفوفة بالمخاطر، في سبيل رؤية البحيرة و استجلاب بعض العينات منها للتحليل والدراسة ثم زيارة السيدة لطيفة، وفي الطريق قد ينالون بعض اللون البرونزي الذي تهبه شمس الصحراء لذوي البشرة شديدة البياض، و يتمتعون ببعض حمامات الرمل للتخلص من رطوبة الشتاء الماضي. قال كارل ماركس: (مادام الإنسان لا يرى الدنيا إلا من خلال عين الإنسان ذاته، فإن علاقته بالدنيا، علاقة إنسانية بالضرورة،فلا يولد الحب إلا بالحب ولا الإيمان إلا بالإيمان ..لأن كل علاقتك بالجماعة الإنسانية والطبيعية، تعبير محدد عن نيتك. ولعل كارل ماركس يفتقر إلى سلاسة الأسلوب بعض الشيء ، لكن من الواضح أنه يريد أن يقول ( كل نفس بما كسبت رهينة ) المدثر/38 ) ..... ولقد تناوبت الحجج طوال التاريخ بين الأعذار التاريخية أو الدينية ، والاجتماعية ، في محاولة اخفاء الأسباب الحقيقية وهي ، التمتع بما تهبه تلك الأراضي من معطيات لا يملكونها . - - - - - - - - - - - رغم أن السيارة كانت مخصصة لاقتحام التلال الرملية، و مكيفة الهواء لكنها لا تملك بوصلة، ولا خريطة تقودها ذاتيا للبحيرة ولا للطيفة. كانت البوصلة و الخريطة داخل دماغ سائق ادْعى الاحتراف، و أنه يعرف الصحراء كما يعرف كف يده، ركبوا مركبته، آملين أن يأخذهم للبحيرة والسيدة لطيفة و أن يهبهم بعض البرونز و يخلصهم من رطوبتهم،مقابل حفنة دنانير. لا أحد يستطيع أن يركب ظهرك إلا إذا كنت منحنيا. . مارتن لوثر. ..... لا تدخل البلاد إلا بأهلها ، قول سار ، طبـَّقه المستعمرون جيدا ، وفي كل بقاع المستعمرات السابقة وجد المستعمر الخسيس ، من يجندهم عملاء له ، رجال دين أو متسلقي سياسة، بمعرفتهم أو بغير درايتهم، أو لحسن نيتهم فيه، أو لحاجاتهم المختلفة له. - - - - - - - - - - - وضح احتراف السائق الدليل في قيادتهم مباشرة للبحيرة، ولكنه تاه بهم في سبيل السيدة لطيفة!! حاول إلى أن اضمحل وقود مركبته، فاعتمد على جهاز اللاسلكي طلبا للنجدة المصحوبة ببعض الوقود. الله برئ من أخطاء أتباعه، ولذلك نحتاج إلى قوانين أرضية تحمينا من أغبياءهم….الراشدي .... قد تسمح قوة الغازين و من جنـَّدوهم أعوانا لهم ، بالسيطرة على البلدان نظرا لتفوق قوتهم العسكرية وتقدمهم التقني ، ولكن سيطرتهم على وجدان الشعب بما يغمره من إيمان بحقه في أرضه و خيراتها و إيمانه بمعتقداته وتراثه ، هو الأمر الذي كان أول عقبة في طريق غزاة عالمنا ، يستعين المستعمر بالمتعاونين معه ، و يقدم لهم كل ما يعينهم من قواه لكي يعـِينوه. - - - - - - - - - - - وصلتني الرسالة بأنهم يطلبونني بالاسم، لأنني من حدثهم سابقا عن السيدة لطيفة و يتمنون لو استطعت القدوم لمدة 24 ساعة مصحوبا ببعض الوقود و بوصلة و خريطة معينة رأوها معي بينما كنت أحدثهم عن تلك السيدة ذات ليلة سمر على شاطئ المدينة الآمن. لن تستكمل البشرية إنسانيتها إلا عبر تحقيق سلم شامل على سطح الكرة الأرضية وتعزيز سبل التعايش ما بين الشعوب والثقافات والحضارات انطلاقا من منطق الاحترام والتقدير. فهل يتعبأ عقلاء البشرية من أجل هكذا أهداف؟؟ عائشة التاج .... وعندما يعجز المستعمر و أعوانه عن اقناع المواطنين بشرعية سيطرته ، يلجأ إلى النخبة و المثقفين الصادقين مباشرة ، بعد أن يعترف بعجزه أمام حقائقهم، طالبا تعاونهم ، ليخلصوه من ورطته ، إذ أن المستعمر يعرف جيدا أن أصحاب العمائم البيضاء أو السوداء ، اثبتوا دائما قدرتهم على الارتكان للظلام في عرقلتهم المؤقتة ، لكن المثقفين و غيرهم من الأحرار اثبتوا دائما قدرتهم على الارتكان للتنوير في مواصلة مكافحة التشوه و التخلف لإزاحة المعرقلات من طريق النهضة. - - - - - - - - - - - - - - - - رويت لهم أن السيدة لطيفة هذه ليست ضريحا، مثل ضريح السيدة عائشة أو حتى زينب عليهن رضوان الله، إنها قاذفة ،طائرة أمريكية، كان سلاح الجو الأمريكي يسميها ) سيدتي كوني لطيفة ) Lady be good) ) استعمـِلت في الحرب العالمية الثانية ، ولقد سـُجلت على أنها مفقودة هي و طاقمها المكون من أربعة أفراد ، إلى أن جاءت مرحلة نقل العتاد الحربي عبر الصحراء، بشاحنات ليبية من قلب العروبة النابض، أيام زخمه، دعما لثوار الجزائر العرب، في أواخر خمسينات القرن الماضي، حيث عـثر بعضهم على بقايا تلك الطائرة، في غياهب التلال الرملية، فأصروا على معرفة قصتها و كيفية وصولها إلى هذه المنطقة ، إذ من الواضح أنها من مخلفات الحرب العالمية الثانية. لا تـُبنى نهضة إلا فوق أنقاض موروث متهالك..وفاء السيد ....... إن إيمان اولئك المثقفين ، بأوطانهم و بحرية فكرهم ، لا يعني رفض كل ما تأتي به من وسائل التقدم والمدنية، لمجرد أنها قادمة من المنافس، كما لا يعني خضوعهم للهلوسة الدينية، لدرجة التخلف عن الركب الحضاري، في إضاعة الوقت في الدوران حول أضرحة المتوفين من مئات السنين ، أو مواكبة الذين – لشعورهم بالضآلة - يحوِّرون كل اكتشاف أو اختراع إلى وحي دينهم، متجاهلين أنه لو كان كذلك لاكتشفه أو اخترعه أهل الدين ذاته، و أن السبيل الوحيد للتقدم والتحضر – مهما اختلفنا عن ماهيته – هو الالتزام بالعلم الحديث و الثورة على الهوس الديني البغيض و السير بثقة على درب التراث الخالي من التشوه، والداعي للفخر، عندها سنكتشف و نخترع، ثم نحلق أسرع من الآخرين، منطلقين مما يزخر به تاريخنا من جهاد وتضحيات تـُـفعمنا بالثقة، و تنشر الأمل و تحبط الإحباط، مستندين على ما أنجزناه من تقدم في زمن كان بقية العالم في شبه غيبوبة التخلف. ------------------ هواء الصحراء الجاف والخالي من الرطوبة تقريبا، حافظ على هيكل الطائرة و رقمها المخطوط على جنبها، واضحا سليما بنسبة جيدة، ومن هذا الرقم تمت مراجعة السجلات الحربية للحرب العالمية الثانية، أتت بعثة متخصصة لتفقد الطائرة والبحث عن جثامين الطاقم، وجدوا هياكل أعضاء الطاقم على مسافات متباعدة ، في اتجاه الشمال . كما وجدوا بعض المتعلقات و المذكرات، فاتضح من كل ذلك أن الطائرة كانت متوجهة من الشمال لقصف مدينتنا الساحلة حيث الجيوش الألمانية والإيطالية، أفرغت حمولتها مما تيسر من القنابل فوق اسطح منازلنا البريئة، ثم توجهت قاصدة منطقة عسكرية كان الإنجليز قد دحروا الألمان فيها، وحدث أن نظر احدهم من شباك الطائرة حيث يتوقع أن يرى اليابسة، لكنه رأي بحرا هائجا بشكل غريب بدون عاصفة !!! سجل ذلك الاكتشاف المذهل في مفكرته، و شك في أجهزته التي لا تشير إلى و جود بحر تحته. اعتمد على الرؤية المجردة ، إلى أن نفذ وقوده واضطر للهبوط الاضطراري، إلا أنه اكتشف أثناء هبوطه أن ما كان يعتقد أنه أمواج عاتية تحت نور القمر، لم يكن سوى بحر الرمال المتحركة المذكور في كتب الجغرافيا، ليست أمواجا، بل تلال من الرمال ينعكس عليها نور القمر فيشكل مع ضلالها ما يشبه الأمواج العاتية عند رؤيتها من ارتفاع عال. كان الهبوط على سفح جبل من الرمال المتحركة، قد قصم ظهر الطائرة نصفين و ذيل فقط، ونظرا لنفاذ وقودها لم تشتعل فيها نيران، ولافراغها حمولتها من هدايا السطوح، لم تنفجر، لم يصب طاقمها إلا ببعض الكدمات البسيطة، التي لم تمنعهم من التوجه شمالا على الأقدام ، علهم يعثرون على مدينة ما، أو واحة قد يستطيعون منها الاتصال بالجيش الانجليزي الحليف والقادم من العلمين . إلى أن عـُثـِر عليهم في نهاية الخمسينات الماضية، إذ أن بحر الرمال عظيم ، لا ينجو من محاولة السباحة فيه طويلا أي بشر، لم تتوفر في جيناته،ما يتطلبه عبوره من صلابة. قيل : إن تنظر هذا شيء ، و أن ترى ما نظرت إليه هذا شيء آخر ، وأن تفهم ما رأيته هذا شيء ثالث ......... التاريخ لا يكذب ، فهو مثل سجلات النفوس معبأ بالأسماء والأرقام، ولا بد أن تتوافق التواريخ والأحداث أمام الأجيال اللاحقة لتعطي صورة عن حقيقة الأحداث صادقة، و إلا اتضح الزيف والتزييف، فالمحافل العلمية و إن اخفت أمورا لسبب ما مرحلي، فلا بد أن تعترف بالحقائق ولو بعد حين، و آثار الغزاة باقية و ستبقى تشير إلى الشمال دائما، فتعرقلهم ثم انسحابهم ، ذهابهم وبقائنا،دائما هو دليل على عدم رؤيتهم الصحيحة لمعدننا و إصرارنا على النهضة، رغم كل المعرقلات الباقية من آثارهم أو التي قد يغزونا بها بطرق خفية مستعينين بثقافتنا المشوهة وهوسنا ، لكنهم لا يدركون أن بحر إرادتنا هزم العديد من المؤامرات، بشهادة التاريخ ذاته. - - - - - - - - - - - جاءت روايتي لهذه القصة لمجموعة الرفقاء في ليلة السمر الآمنة تلك، بينما كنا نتحدث عن النجوم والاهتداء بها ليلا، الأمر الذي قاد إلى الحديث عن الصحراء وكيفية السير فيها بدون معالم، كما تسير السفن في البحر، وخاصة أنه في المساحات الشاسعة تختلف رؤية الأشياء عنها في المدن، فمثلا قد ترى شاحنة كبيرة عن بعد، فتظن أنها علبة صفيح صدئة، لأنه لا يوجد بجوارها البعيد ما تقارن حجمها به تلقائيا، كما نفعل لا شعوريا في المناطق المكتظة بالمعالم والحياة الطبيعية، ولا تسمع صوتها إلى أن تقترب بشكل كاف، نظرا لعدم و جود مصادات تحشر الصوت في شارع طويل تقف أنت في نهايته، وهذا قادني للحديث عن الخرائط التي نستعملها في الحقول النفطية، و كيف أن المناطق الصحراوية تقسم إلى مربعات مرقمة و متساوية على سطح ورقة، مستغلة بعض المعالم المتواضعة كنقط رئيسية، ثم بحساب الاتجاه و والمساحة التي تمثلها المربعات على مقياس رسم معين ، يصبح الأمر بسيطا هينا ، وقلت أن لدي إحدى تلك الخرائط احتفظ بها للذكرى، عرضتها عليهم في وقت لاحق ، هذا ما تسبب في إزعاجي وهدر وقتي لمحاولة نجدة الرفاق المتهورين، المغامرين في تهور بدون بوصلة آمنة أو خريطة معتمدة. .... إنك لم ولن تفعل ما يكفي، مادام هناك احتمال بأن لديك شيئا ذا قيمة تستطيع أن تسهم به ..... إنهم كتومون ، ونادرا ما يتحدثون في الخصوصيات ، يخططون للبعيد، يكوِّنون خلايا الاستخبارات لتمدهم بحقائق عنك قد لا تكون شائعة، فيتعرفون على تـَشوُه ثقافتك ويقومون بشراء الأرضي والاستثمارات، ويستفيدون بكل ذلك في استنباط حجج و أعذار لدخولهم البلاد والسيطرة عليها وعلى مقدرات أهلها، فلطالما جاءت غزواتهم في غفلة من أهل القطر، فتتم سيطرتهم في سهولة وبراعة، متسلحين بالحجج والمعلومات. - - - - - - وبمعرفة موقعهم بالضبط حسب ما وصفوه عن زمن وزاوية الاتجاه من البحيرة و لون التربة و شكل المسطح الأرضي التي بنوا عليه مخيمهم في انتظار الوقود، بينما يتخلصون من رطوبة الشتاء الماضي ، عرفت موقعهم على وجه التقريب ، وبعد الاستعداد الكافي وترتيب من يتابع رحلتي على موجة لاسلكية تحوطا لأي طارئ، توجهت لنجدتهم بوقود يكفيني إلى أحد المعسكرات النفطية في منتصف المسافة ، والتي عزمت على المرور عليه للاستراحة وإعادة الكشف على المركبة و تموينها ، و من ثم الاتفاق معهم على تمويني و الرفقاء بالوقود والمياه الباردة، في طريق العودة مما سيمكنهم من العودة إلى الساحل، إذ رتبت أن احمل لهم ما يكفيهم من الوقود للعودة إلى هذا المعسكر النفطي فقط، تخفيفا للحمل على المركبات الذي يساعد على تسلق الكثبان الرملية ذات زوايا الانحدار الحادة، و يمكـِّنْ من سرعة السير على المسطحات. أساليب تعلمتاها أثناء الكفاح بثقة، لتحدي قيض الصحراء واستخراج خيرات باطنها. إن العقل البشري غير ضيق على الإطلاق ويستطيع أن يتمحص و يبحث و يحلل، فيستنبط رؤى جديدة ، لحل المشاكل غير منطلق من نفس عقلية مسبباتها .... هنا وبعد الصدمة الأولي للنكسة ، ينفجر الوجدان العربي بمكنوناته من القيم ، فيتكتل الشعب و يكتشف مخزون قدراته ، لتجتمع كل قواه الثقافية والسياسية فيخطط عسكريا و سياسيا ، مستعملا وجهي القطعة النقدية في حركة كفاح شريفة ، غير مستند على ضريح ولا عمالة لآخرين، ولو قابل هذا تحرير كامل ترابه، فاستعادة الوطن لا يمكن أن يكون باستبدال ذل المستعمر بالتفريط في الكرامة والعزة . - - - - - - - - وصلت لهم قبل الغروب بحوالي الساعة ، حيث تـُدهــِن الشمس في طريقها للغروب، تلك التضاريس بلون ذهبي خلاب يبث الطمأنينة والاحساس بالهدوء والأمن، كما تزين أشعة الشمس، صفحة السماء بألوان و زخرفات بديعة لا ترى إلا في مثل تلك السموات الخالية من التلوث البشري. عند الاقتراب من مخيمهم رأيتهم يشيرون و يتصايحون مهللين، و هم يرتدون أقل قدر من الملابس لكي يعرضوا أكبر قدر من أجسامهم لشمس ما بين العصر والمغرب ، بينما أمازحهم عن طريق اللاسلكي، قائلا إن مشاهدة الفريق الناعم بينكم بملابس شط البحر هذه، تستحق كل هذا التعب و أكثر . .... إن الأفراد الخليقين بالمجد هم الذين تدميهم المصائب وتقع عليهم النائبات .... ومهما صعبت المعركة ، و انتكست القوى المادية المحدودة ، وأوشك اليأس والقنوط أن يحل على المجاهدين ، فإن قيمهم ومناقبهم تمدهم دائما بقوة روحية تشع بحب الفداء الآمن، وتخبرهم بأن نضالهم لن يضيع سدى، رغم الخونة والمدسوسين والجهلاء ، فتظهر صورة المستعمر عارية ، تفضح مناقبه و خواءه الروحي الأمر الذي يجعل عتاده الحربي الحديث عاجزا عن مواجهة قوة الإرادة والتصميم الصادق. - - - - - - - - - - كنت أنوى الاستراحة قليلا ثم العودة متسرعا، لانشغالي و ضيق وقتي، لكن الحديث أخذنا إلى أنهم لم يبتعدوا عن موقع البحيرة كثيرا، وأن السيدة اللطيفة تقع ناحية الغرب و ليس الشرق ، مما يحتم المرور بالقرب من البحيرة أثناء مواصلة الرحلة للسيدة لطيفة ، هذا شجعهم على الرغبة في العودة إليها ، و قضاء الليل على شاطئها ، حيث بالتأكيد ستكون حرارة مياهها المعدنية ، مقبولة تشجعهم على المزيد من الخوض فيها، لم أجد بد من القبول بقضاء ليلة بجوار بحيرة تحوطها النجوم ، لأواصل رحلة العودة فجرا ولكي اقتنص أطول وقت من جو الصحراء الصباحي المنعش لي و لمركبتي، ثم أتابع - لاسلكيا - عودتهم إلى معسكر التموين ثم إلى أول طريق مسفلت يقودهم إلى الساحل مباشرة. .... فالسياسة فن الممكن، و العنجهية المتهورة هي التمسك بلعبة الحماس البلهاء. .... في مرحلة تالية ، يجنح المستعمر إلى التعذر بوجوب العلاقات الإنسانية وحسن الجوار وغير ذلك مستندا على أمور و ارتباطات أصبحت واقعا لا يمكن تجاهله ، مما لا يمنع من المبادلات التجارية والثقافية و السياسية، بغض النظر عن اختلاف العقيدة و عن آلام الماضي الذي تحتم المعطيات وجوب نسيانه ، أسلوب لا يمنعه من استغلال الظروف القاهرة لبلد لم يودع الاستعمار إلا قريبا، كي يبادر إلى استنباط أسلوب جديد، يمكنه مما حرم منه و كان قد تعود عليه من نهب لخيرات ذلك البلد، و إن كان بمبادل مادي أو معنوي. ولرغبة بلد نامي في اللحاق بموكب التقدم ، قد تفرض عليه الظرف تقبل بعض التنازلات المتبادلة و المؤقتة بحكمة، مرفوع الرأس متوج بعزته و كرامته. - - - - - - - ....... في جلسة سمر داخل بحيرة مياه معدنية و تحت سقف ينثر النجوم على ضوء نار فحم مشتعل يغلي مياه القهوة ، من ناحية و يشوي بعض اللحوم على الجانب الملتهب منه، قالت أحداهن ، لم نسمع عن هذه البحيرة التي أعدها ثروة.. سابقا ، وقال أحدهم ما يدهشني هو عدم الاهتمام بما رأيته من أفرع و أشجار متحجرة ، تعد ثروة مـُتحفية، ثم أن الرسوم البدائية التي شاهدناها على جدار و داخل أحد الكهوف ، هي دليل على أن هذه الأرض كانت تزخر بالكثير من الحياة المفعمة والنشطة ، صور لزرافات ، و ثيران ، و أفيال ، وصيادون يلاحقون كل ذلك برماح حادة الرؤوس، وعلى بعد قريب أسد يمتطي لبـْوه متمهلا، ذلك دليل خصوبة و فحولة غمرت المنطقة في التاريخ السحيق وهو غير مستغـَـل سياحيا، ليس من حقهم حجب هذه المعالم عن العالم . قلت له أن عالمنا العربي بالذات مهد لكثير من الحضارات ، و هناك الكثير من المعالم الأثرية المعروفة و المعلن عنها، و هناك الكثير مما لم يـُهتم به ، إما لبعده عن العمران فهو متروك ذخرا للأجيال القادمة ، أو لأن ( ثقافتنا المشوهة ) تجعلنا نهتم ببعض الأمور التافهة أكثر من المهمة. ...... - أو تعترف بأنكم متأخرون و أن لديكم ثقافة مشوهة ؟؟ - بالتأكيد المطمئن، اعترف بهذا ولا يشعرني بالعار، فإن المعرقلات التي تكالبت على هذه المنطقة العربية الكبيرة، والتي تشبه القارة في تنوع تضاريسها و في مـِسحتها و مـَساحتها، تسببت في تخلفها ، و تشوه ثقافتها ، كما أن النقاش المحتدم حاليا كله، يؤكد هذا ولا ينفيه ، و تمر الحياة الثقافية في بلادنا بمرحلة مخاض ، تتفق على أن بثقافتنا تشوهات ، وبعقائدنا مدسوسات، و تعمل على تنقيتها، بشراسة لا يعوقها إلا شراسة سفالة بعض المندسين مرتدي قبعة العروبة واضحة الزيف، وهذا الصراع دليل صحة و يبشر بالأمل. بل هو نصف الطريق الصحيح إلى التوفيق التام. الانكسارات الداخلية لا تقود إلا إلى الهزائم الخارجية أصبت ببعض الصداع الذي يحتاج لبضعة كؤوس لاسعة تطرده، وتحل مكانه في دماغي المزدحم ببقايا أصوات محرك المركبة يصارع الكثبان، و ضجيج جهاز اللاسلكي الذي لم ينقطع طوال الطريق، خرجت منجذبا لموقع الزجاجات و الأكواب التي ينعكس عليها لون اللهب، فيهب أسطحها ألوانا و أشكالا تصرخ بالاغراءات الكريمة، التي لم استحي من قبولها بشراهة منتقمة من شراسة المشوار والأيام . ..... في هدوء ما بعد المعركة، أثناء مرحلة التخاطب الإنساني بالمبادلات المختلفة، تدرك الأمة التي نالت استقلالها لتوها، ما كان قد فاتها استثماره من ثمار أرضها ، واستفاد منه المستعمـرْ بإمكاناته العلمية والثقافية، فتستوعب مدى هوة التخلف والفارق الحضاري بينها و بين الآخر، و تلتزم بنهج طريق العلم في بناء مقومات دولتها الحديثة، مما يلزمها بتنقية معرقلات ثقافتها، وإعادة بناءها بما يناسب العصر من فكر و أساليب ، تبـْعـُد عن العنجهية و الشعارات التي أثبتت عقمها، إن بروز هذا الفكر الحكيم الذي لا ينفي التخلف الثقافي، بل يواجهه ويعمل على تنقيته و ترقيته، لابد له من أن يفرض نفسه في كل شعب عريق، منبثقا من قواه الحكيمة التي حاربت بالسلاح قوى أضخم منها، فدحرت مستعمريها، إذا بامكانها أن تغزو كل الميادين لتنال حقها من العلم والتفوق. غيرأن للتخلف أنيابا، فآثاره تفرز رؤى عند البعض مخالفة لروح العصر، متمسكة بمخلفات العرف وقمامة المنسوبات للعقيدة زورا، متخذة منها سلاحا يعرقل مسيرة التقدم، مندفعة من جهل، والبعض من مصلحة والبعض الكثير بدفع من الآخر عينه، هذه المعرقلات هي أشد خطرا من الاستعمار ذاته، بل هي ابغض أنواع الاستعمار، استعمار يحتل العقول ويهشم الاحساس بالوطنية، ويفسد الأرض بدلا من أن يعمرها، أو يستعمرها، فتصبح المشكلة مركبة و معقدة تبدو و كأنها تستعصي عن الحل، لدرجة قد تبث اليأس في صدور البعض ، فيهرب من الساحة بحثا عن لقمة أكثر نقاوة، في ثقافة مخالفة، آملا أن تأتي أجيال تالية ، تواصل ما أنهك قواه من المشوار. لم أتورط في الحديث عنهم إلا باعتبارهم مجرد مظهر ملموس لحقيقة متناهية القبح ، تأخذ بخناق انساننا المعاصر و تحجب عن عينيه صفحة السماء الخيــِّرَة والأصيلة، بسماء مزيفة ملبدة بغيوم ترسم أشكالا مرعبة تقطر أنيابها ذقونا و دماء. - - - - - - - - - - الخلاصة من المرتفع المجاور حيث انفردت مع بعضهم، رِأيت منظر سطح البحيرة خلابا، تنعكس على سطحه أشكالا فضية يمتصها من النجوم مباشرة، وعلى حافتها القصوى، تنعكس كتلة من الألوان الناتجة عن ارتداد ضوء اللهب على الوجوه المتدانية إلي مأدبة العشاء، و تفاعل عدم التركيز الناتج عن انهاك المشوار مع ما زخرت به الأكواب من كرم صارخ النداء. فنشط الخيال النزق ليرسم لي على سطح البحيرة أشكالا متكونة من ضوء النجوم الذي يسبح على سطحها، منسجما مع انعكاس ألوان اللهب والجمر، فبدا لي شكل نخلة عربية يانعة، و ليس بعيدا عنها شكل ناقة عربية يتبعها رضيعها المتقافز، و على ظهرها هودج به عروس تتحدى ببهجة عينيها العربية بهجة النجوم، و رأيت طاقم الطائرة، يمصون أصابعهم منبهرين بالعيون العربية و تمور النخلة الشهية، حك أحدهم فروة رأسه، فطفت على السطح من حركته نجمة سداسية بغيضة، داس على أحد أطرافها ثلة شجاعة من الثوار الجزائريين العرب ووجهوا بنادقهم المقدسة نحو الطاقم في خط مستقيم. ..... هنا لم أتمالك نفسي من الغيرة على عروستي و نخلتي و ناقتي وثواري ، فألقيت بنفسي وسط ذلك المشهد، راغبا في حوار طاقم الطائرة الأمريكية الذليل، مجرد حوار متعقل ، أما الناقة و صغيرها وعروستي وبهجة عيناها و نخلتي و تمرها ، فلم أقلق عليهم من الطاقم الأمريكي كله، إذ كيف أقلق وأنا لدي ثلة الثوار التي تذل الطاقم الغازي. .... التحقت بذلك المشهد في منتصف البحيرة إلا قليلا ، قلت لكبيرهم الذي يكاد يموت عطشا وهو يسترق النظر لضرع الناقة ، لا شك أنك نادم لعدم معرفتك كيف يمكن أن تستلطفها ، لكي ترويك عند الحاجة ! فلو اهتممت بالتعرف الجيد عليها ، لوجدت منها كل ترحيب ، ولروتك حين ظمأ ، لكنك اعتقدت أن وجودك مرتفعا فوقها كثيرا يغنيك عن وجوب فهمها، اعلم فيما قرأت أنك بعد أن لفحتك شمس الصحراء و تيقنت من قرب موتك جافا مثل غصن شجرة متحجر، قد كتبت في مفكرتك متسائلا: What the hell am I doing here?? I don’t blame the Arabs when they drink the camels urine or kill their camels to get rid of this horrible thirst feeling. ماذا افعل هنا بحق الجحيم ؟؟ إني لا ألوم العرب الذين قد يشربون بول إبلهم أو يبقرونها لاطفاء نار عطشهم. لكنك في ارتفاعك السابق كنت تسخر ممن يأكل لحم الإبل فما بالك تتمنى شرب بـَوْله الآن ؟؟ ( إن الاحساس بالأخوة الإنسانية ، شعور لا تعرف قيمته ، ولا تفتقده ولا تقدره ، إلا عندما تقف ناظرا لكوكبنا الأزرق وأنت تقف وحيدا على سطح القمر ) ...... لم يجد ما يقوله إلا أنه حك رأسه في صمت و خفة، فانتشرت من رأسه جحافل متجحفلة من البراغيث التي ترعرعت في رأسه منذ انقسام طائرته إلى قسمين متساويين و ذيل مذلول. توجهت تلك البراغيث نحو رأس النخلة مباشرة ، و البعض الآخر اتجه نحو العروس العربية، فغمر و جهها الجميل بغطاء حجب شعرها ورقبتها و جمال وجهها ، كما أصبح رأس النخلة يرتدي عمامة متناوبة الألوان بين الأبيض والأسود، و مع حركة البراغيث الدسيسة أتضح أنها تحاول بجهد شديد أن ترسم شكل قلنسوة قميئة أعلى النخلة!! كما بادر بغزو الثوار، يرسم ذقونا قميئة على وجوههم . ..... وعندما رأي أفراد الطاقم ما حل بنخلتي و عروستي و ثواري ، و اندهاشي لهذا الوضع المزري، واشمئزازي من البراغيث القذرة الصفيقة، تشجعوا وقال أحدهم ، إن ناقتك هذه حيوان يوحي بالكبرياء في شموخ رأسه ، لكنه لا يدرك أن رقبته منحنية بشكل مضحك ، سمعت الناقة هذا القول فما كان منها إلا أن مدت عنقها في خط مستقيم، وقضمت ذراع الأهوج فقصمته إلى نصفين متساويين. ............................. إن صاحب الكلمة الصادقة والمنطلقة من الإخلاص، لابد أن يدرك جواز وقبول الاختلاف ولن ينتظر تصفيقا أو تأييدا، بقدر ما يتوقع اختلافا و يتمنى تفنيدا أو إقناعا ..... |