نادي الفكر العربي
تل الزعتر - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: قضايا اجتماعيــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=60)
+--- الموضوع: تل الزعتر (/showthread.php?tid=31994)



تل الزعتر - مدمر الملحدين - 02-03-2005

كانت عائلة ف. تقيم سابقا بتل الزعتر. بعد تدمير المخيم سنة 1976, وبعد وفاة الاب واحد والابناء, جاءت الزوجة ومن نجا من الاولاد للاقامة بشاتيلا. واليوم لا تزال صبحية ف. تقطن في شاتيلا مع من تبقى من عائلتها: ابنتها البكر وصفية وهي أم لثلاثة اولاد؛ بناتها الثلاث الاخريات, خديجة 22 عاما, وسوسن 12 عام, و زينب 11 عاما؛ الصبي الوحيد الباقي في قيد الحياة, عادل, 7 اعوام. كانت حماتها حاضرة في اثناء اللقاء, ثلاثة اجيال من النساء تشهد.

س: اخبريني بما حدث.
ج:" مساء الخميس كنا نجلس في البيت لما بدأ اطلاق القنابل المضيئة فوق المخيم. دخل علينا رجل فجأة وقال: الكتائب يقتلون الناس. لم نصدقه وأوينا لننام. في اليوم التالي وصل شخص اخر وهو يصرخ: الكتائب يقتلون أهالي المخيم!. شقيق زوجي, صبحي ف., يسكن بالقرب منا, ارتدى ثيابه بسرعة وخرج ليرى ما يحدث. وجد في الشوارع القريبة عشرات الجثث والكثير من الجرحى. فقرر نقلهم الى مستشفى عكا القريب. ذهب ليأتي بسيارته, وهناك قرب السفارة الكويتية شاهد المسلحين أول مرة, فعاد مسرعا وهو يقول: قوموا, لن نبقى هنا, يجب ان نرحل. في هذه اللحظة سمعنا مكبرات الصوت تدعو الاهالي الى التجمع في المدينة الرياضية: اذهبوا الى هناك وعليكم الامان. ما ان خرجنا من المنزل حتى فاجأنا ثلاثة رجال مسلحين, فأوقفونا وقالوا لنا: لا تخافوا, نحن من الكتائب, انتم فلسطينيون؟ فقلنا لهم اننا لبنانيون فأجابونا بأنهم لا يمسون اللبنانيين. ثم اقترب احدهم وكان متكئا على الجدار ويلبس سروالا كاكيا وطلب هوية احدنا الذي أجابه: وحياة الشيخ بشير أنا فلسطيني. فقال له الاخر: اذا أنتم جميعا فلسطينيون. الحقوني. بعد ان جمعوا الرجال, أي ابني خالد وعمر وشقيق زوجي صبحي وجارينا أبو فريد وابو شهاب, أمرونا بالسير. كنا خمس عائلات في هذا الحي, حرش تابت, قبالة مستشفى عكا. مشينا, الرجال من جهة والنساء والاولاد من جهة. كانوا قد شقوا طريقا وسط المخيم من خلال فجوات فتحوها في الجدران فصرنا نمر من منزل الى منزل. سرنا معهم هكذ لوقت طويل. فجأة طلبوا من الرجال التوقف وأمرونا بمتابعة سيرنا, فبدأنا بالبكاء والصراخ, فقالوا لنا: اذ تابعتم الصراخ نقتلكم انتم ايضا. ما ان تجاوزناهم ببضعة امتار حتى سمعنا الطلقات النارية فأدركنا انه قضي علينا ورحنا نصرخ من جديد. فقال احدهم لنا: ماذا تعتقدون, انها فوضى؟ نحن لا نقتل الناس, نستجوبهم ثم نحاكمهم. كنا نرجوهم ونطلب منهم: كرمال الله, كرمال النبي محمد لا تقتلوهم. وهم يجيبوننا: قتلتم الشيخ بشير. فحلفنا لهم ان لا علاقة لنا بهذا الاغتيال, حتى اننا قلنا: الله يقتل اللي قتله... نحن مسالمين ولا سلاح لدينا, نستسلم من دون مقاومة, لماذا تفعلون بنا هذا؟ فقال احدهم: ما في الله ولا محمد, نحن الله ومحمد, مشوا يا بنات ال..., وراح يشتمنا. سرنا حتى وصلنا الى بيت فيه فجوة كبيرة. هناك رأيت دبابة والاسرائيليين. كانوا داخل المخيم قبالة السفارة الكويتية. قالوا خذوهم الى المدينة الرياضية. لكنني تمكنت وكذلك تمكن الاخرون من رؤية حفرة عميقة مملوءة بالجثث. كانوا يقتلون الناس ويرمون جثثهم في الحفرة. الحفرة كانت بجانب السفارة الكويتية على امتداد الطريق. قبل ان يسمحوا لنا باستئناف المسير فأوقفونا بالصف, وغمز احد المسلحين رفيقه قائلا: اختر واحدة تستحق ان نذبحها. فأجابه رفيقه: لا نريد قتلهن الان. وأمرونا بالسير حتى المدينة الرياضية. هناك, ارغمنا ثلاثة عناصر مسلحين في سيارة جيب على العودة أدراجنا, فرحنا نشتكي من تناقض الاوامر. قطعنا المسافة مرتين بين السفارة الكويتية والمدينة الرياضية. في أحد الاوقات انفجر لغم او قنبلة انشطارية في طريقنا, فوقع جرحى واطلقت النار علينا. كان الجميع يفرون في مختلف الاتجاهات. ركضنا في اتجاه الجامعة العربية. التقينا في طريقنا سيارة فأوقفناها. كانوا مصورين اجانب, وبينهم واحد يتكلم العربية. صورونا وسألونا ماذا يجري. فقلنا لهم ان هناك مجزرة, لكنهم رفضوا تصديقنا. قلنا لهم اننا اول الناجين الذين خرجوا من المخيم. كنا في صباح يوم الجمعة, نحو السادسة صباحا.

س: كيف عرفتم ان اولادكن قتلوا, فقط من سماعكم الطلقات النارية؟
ج:" ذهب ابن عمي في اليوم التالي للبحث عن الاولاد وعن عمهم فلم يجدهم. واطمأن بعض الشيء لانه لم يعثر على جثثهم. لكنه سمع أزيز الرصاص فانتابه الخوف وفر مسرعا. من بعدها وصفت له تماما المكان الذي افترقنا فيه عنهم فقصده في اليوم التالي, وكان يوم أحد, فوجد جثثهم جميعا. كانوا أبعد قليلا عن المكان الذي تركناهم فيه, بالقرب من بيت وردي اللون. أوقفوهم صفا من ستة على امتداد الجدار. ستة رجال... وقتلوهم. ابني عمر اطلقوا عليه رصاصة في وجهه وضربوه بالفأس. عمه صبحي لقي المصير نفسه, ابني الثاني خالد بقي متكئا على الجدار وكانت ذراعيه مفتوحتين كأنه حاول المقاومة. لم يتعرف عليهم ابن عمهم لفرط ما شنعوا بهم. عرفهم من ثيابهم."

س: كم ولدا لدى شقيق زوجك؟
ج: ست بنات وثلاثة صبيان. البكر في السابعة عشرة, ووالدهم في الثالثة والاربعين, ويعمل بناء.

س: وولداك؟
ج: خالد في التاسعة عشرة وعمر في الخامسة عشرة, يعملان في حرفة التلحيم.

س: كم كان عمر ولدك الاول عندما قتل في تل الزعتر؟
ج: 16 سنة, ولكان بلغ الثانية والعشرين اليوم. بعد تل الزعتر سكنا في الدامور بعض الوقت ثم جئنا الى هنا, الى شاتيلا, ونقيم به منذ اربعة اعوام.

كان عادل الصغير, البالغ من العمر سبعة اعوام, حاضرا المقابلة لكنه كان يرفض الاجابة عن الاسئلة. يلتصق بأمه ولا يتكلم. كان مع عائلته يوم جاء عناصر الميليشيا لاخذهم. كانت معنا ايضا حماة صبحية, جدة الاولاد. عمرها سبعون عاما وهي التي آوتهم. أتوجه اليها بالسؤال:
س: متى جئتم الى شاتيلا؟
ج: سنة 1948, جئنا من حيفا. كانت الارض هنا مزروعة شجر توت. أقمنا عند احد أبناء عمي. ثم رفض مدير المخيم السماح لنا بالبقاء في شاتيلا. فقال احدهم لزوجي: لا بتق هنا, انهم يقيمون مخيما جديدا في تل الزعتر. قادنا اليه ليدلنا على المكان. ماذا أقول لك؟ تل الزعتر كان ملآنا بالشوك والافاعي. بكيت لما رأيت حالة المكان, فقال زوجي المسكين: أترك بيتي لاسكن هنا مع الافاعي!. هناك خيم على الاقل في شاتيلا, اما في تل الزعتر فلا شيء. مدير المخيم كان يدعى أبويوسف. أقمنا هناك مع الاولاد: سليم, زوج صبحية الذي قتل هناك؛ ابني صبحي الذي قتل هنا؛ ابني عرفه وابني عبد وابني عوض الصغير, الذي كان في الشهر الثالث من عمره آنذاك. كان لدي بنت ايضا تزوجت فيما بعد. عند وصولي الى تل الزعتر كان عندي خمس صبيان وبنت. ثم قامت الاونروا بتشييد البيوت, ماذا أقول لك عنها؟ مع احترامي لك فانها تشبه الزرائب أكثر من البيوت. لكننا كنا مضطرين الى السكن فيها, اذ لم يكن امامنا خيار آخر. كانت في الصيف حريق, وفي الشتاء غريق. أقمنا بها. أعطونا غرفة واحدة في البداية, كنا ثمانية أشخاص فأمضينا ثلاثة اعوام على هذه الحال, ثمانية في غرفة واحدة. ثم بدأوا توسيع البيوت وأعطونا غرفتين. بنى زوجي سورا صغيرا وأمضينا هناك 25 عاما حتى مذبحة 1976. زوجت أبنائي في هاتين الغرفتين. سليم وعرفه وصبحي. ثم سكن كل منهم مع عائلته. أحسن اولادي الاختيار, وانا أتفاهم جيدا مع زوجاتهم. توفي زوجي وفاة طبيعية. كان يملك مقهى لسائقي الشاحنات في المكلس, بالقرب من المخيم. بعد موته أقفلنا المقهى.

س: ماذا كان يعمل في فلسطين قبل التهجير عام 1948؟
ج: كان صيادا. كنا نعيش في يافا في حي العجمي من المدينة القديمة. كان يملك مركبا هربنا على متنه من يافا خلال الحرب. كانوا يقصفون المدينة من قرية البيرة. خفنا وغادرنا يافا مباشرة قبل دخول الصهيونيين.

س: يا صبحية, كيف مات زوجك وابنك البكر في تل الزعتر؟
ج: بعد حصار دام 54 يوما فرضته الكتائب على المخيم, استسلم السكان. كانوا يقولون لنا: سلم تسلم. كما حدث هنا. قتل زوجي وابني امام الصليب الاحمر الدولي الذي كان ينظم عملية اجلائنا. كان ابني محمد في السادسة عشرة من العمر, وكان اصيب في فخذه فحملته الى سينما فوزي في الدكوانة على بعد كيلومترات من المخيم. على الطريق اخذوا زوجي واطلقوا عليه النار امامي. سقط على وجهه ارضا. تركت ابني وهرعت اليه فوجدته ميتا. رجعت لاحمل ابني الجريح فلم اجده. كان معي عشرة اولاد. محمد المصاب كان البكر. فقدته في اللحظة التي قتلوا فيها اباه. رحت اجمع الاخرين, كانوا منتشرين في زوايا الشوراع. كان عمر عادل سبعة اشهر, وضعته على الرصيف ورحت اركض وراء الاخرين. التقطته اختي, وانا وجدت شابا مصابا فحملته. ساعدنه الله. اخذوا والده واعدموه في النهر. تمكنت من العثور على اولادي واقمنا بالدامور مع الناجين من تل الزعتر. بقينا هناك عاما واحدا ثم جئنا للاقامة بشاتيلا. أولادي الذين قتلوا هنا كانوا سندي الوحيد. لم يعد لدي سوى ابن واحد في السابعة واربع بنات. البكر متزوجة وعليها الاعتناء بأولادها الثلاثة, والثانية مصابة بداء الصرع. أما الاخريين, فواحدة في الثانية عشرة والاخرى في الحادية عشرة.

س: الم تخافي الاجتياح الاسرائيلي لبيروت؟
ج: يوم اغتيال بشير الجميل شعرنا جميعا بأن شيئا رهيبا سيحدث. كنا نمضي الليلة في منطقة الحمراء عند أقارب لنا. كان أولادي أحياء وبرفقتنا. صباح اليوم التالي اجتاح الجيش الاسرائيلي المدينة. بحثوا عن المقاتلين ولم يضايقوا المدنيين. فقلنا ان في امكاننا العودة الى بيتنا. عدنا الى شاتيلا الخميس, وصباح الجمعة جاء رجال مسلحون لاخذنا عند السادسة صباحا.

خليل أحمد لبناني. يوم المجزرة كان يمضي الليلة عند أمه القاطنة في صبرا. اقتيد كسائر الرجال الى المدينة الرياضية وأطلق في وقت لاحق. كانت مدرجات المدينة الرياضية تستخدم للاعتقال والتحقيق.

س: أين كنت عندما اجتاح المسلحون المخيم؟
ج: كنت عند أمي في مخيم صبرا, قبالة مستشفى غزة. أنا أسكن في الغبيري قرب مقبرة الشهداء. عند اشتداد القصف أرسلت زوجتي وعمي الى أحد الاحياء الهادئة, وتوجهت الى صبرا عند أمي. وكنت اذهب من وقت الى آخر لأتفقد منزلي وأرى ان كان اصيب بالقصف. قبل ايام كان الجيش اللبناني مركزا له قريبا من البيت, فبادرت مع بعض الجيران الى طلب حمايتهم. فقلنا لهم:" لماذا لا تدخلون المخيم لمنع العناصر الغريبة المسلحة من التسلل اليه؟" فأجابونا أنهم تلقوا الاوامر بالانسحاب, وفعلا اختفوا في اليوم التالي. وكانت قد شاعت اخبار مخيفة بأنهم يقتلون الناس في المخيم. لكننا لم نصدقها.

س: من كان هؤلاء الناس؟
ج: فلسطينيون من مخيم شاتيلا, هاربون من أحيائهم. آوينا منهم قدر المستطاع في الطبقة السفلية من المبنى, لكن الاغلبية غادرت عند الفجر. كانوا نساء وأطفالا ومدنيين. رأينا تلك الليلة مئات القنابل المضيئة تطلق في سماء المخيم. خلدنا الى النوم على الرغم من ذلك, من دون ان نعرف ماذا يحدث. صباح السبت, الساعة السادسة والدقيقة الثلاثين تقريبا, قال لي ابن أخي:" يا عمي, وصل الاسرائيليون, انهم في الخارج". نهضت مسرعا لأكلمهم وأوضح لهم ان لا وجود الا للمدنيين, واننا غير مسلحين. أردت لتحدث اليهم بلطف وتهذيب لاعتقادي أنهم جيش نظامي لا يريد ايذاء المدنيين, واننا غير مسلحين. صرخ بنا أحد الجنود عند مدخل البناية:" اخرجوا, اخرجوا جميعا من البناية". فقلت للجيران: "تعالوا, تعالوا, انهم الاسرائيليون, لن يؤذونا". عند اقترابنا منهم رأينا على بزاتهم الأرزة اللبنانية وعبارة القوات اللبنانية بالعربية. عندها توقفنا عن المجادلة, فطلبوا منا التوجه الى الساحة. وبما أننا كنا في ساحة صبرا لم نتحرك, فصرخوا بنا:" ليس هنا, الساحة الاخرى, هناك". كانوا يعاملوننا بفظاظة وعنف, يشتموننا وهم يدفعوننا الى التقدم. عند مرورنا بالمخيم شاهدنا الجثث منتشرة, والموتى في كل مكان... عندها أدركنا أن شائعات الليلة السابقة كانت صحيحة. صدقناها أخيرا لأننا رأينا الجثث بأم العين, جثث كبار السن خاصة, رجال تجاوزوا الخمسين من العمر. رأينا الجرافات تعمل. كان هناك أعضاء بشرية لا تزال معلقة بأسنان الجرافة, أرجل, أحشاء, والجرافات تزيل أكوام الجثث. سرنا حتى مدخل المخيم. قال لنا الجنود:" الرجال من جهة والنساء من جهة". فرحنا نصرخ:" ماذا تنوون أن تفعلوا بنا؟ نحن لبنانيون, ماذا تريدون أن تفعلوا بنا؟" فكانوا يردون علينا بالشتائم:" يا أولاد ال... ما قصرتوا معنا". وكنت أقول لهم:" لكننا لبنانيون", فيجيبون:" ولماذا تسكن بينهم؟ أصبحت لبنانيا الآن؟ يا ابن ال..." أوقفونا في الصف وساروا بنا نحو السفارة الكويتية. وفي الطريق كانوا يمسكون أحدنا ويرمونه أرضا, يرغمونه على وضع وجهه في الرمل ويديه فوق رأسه. ثم يركض أحد العناصر وهو بدين الجسم ويقفز فوق ظهر الرجل الممدد أرضا فيصرخ من الألم. ثم يعاودوا الكرة مع شخص آخر.

س: كم كان عددكم؟
ج: ألفان تقريبا في البداية, لكن وصل منا لى الملعب نحو 1300 شخص. الباقون قتلوا أو اقتيدوا, لا أعلم الى أين, بواسطة شاحنات. وهناك الذين انفجر بهم اللغم. بالقرب من نادي الفروسية قبل الوصول الى المدينة الرياضية, حاول البعض الهرب خلف كثبان الرمل. لكن الاسرائيليين نادوهم بمكبرات الصوت:" لا تهربوا, سيمسك بكم رجال سعد حداد ويقتلونكم. ابقوا هنا وسنختم لكم أوراقكم".