حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
العالم كلام.. كلام يحاصر بعضه بعضاً - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: لغـــــــة وأدب (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=78)
+--- الموضوع: العالم كلام.. كلام يحاصر بعضه بعضاً (/showthread.php?tid=32487)



العالم كلام.. كلام يحاصر بعضه بعضاً - nidal - 01-16-2005

يضع المخرج المصري سمير عبدالله نفسه، في فيلمه "كتّاب الحدود"، أمام المفارقة ذاتها التي تعود بنا إلى سؤال العلاقة بين ثقافة الكلمة، وثقافة الصورة، ومدى القدرة على الموازنة بين تدفق الكلمات، وتراسل الصور، خاصة عندما يتآلفان في نص سينمائي يريد الاتكاء عليهما معاً، لتقديم خطابه الذي يريد.
يبدو التحدي مأزقياً، خاصة وأن المخرج يريد، من خلال الصورة، رصد ذلك الانهمار اللغوي الكبير الذي يتورَّط به عدد من سادة البلاغة في عالمنا الراهن. ليس فقط عبر ثمانية من أبرز أعضاء برلمان الكتاب العالمي، القادمين من ثمانية بلدان، من أربع قارات العالم، هم وفق ما يقدمهم الفيلم:
1 راسل بانكس: روائي أميركي، رئيس برلمان الكتاب العالمي.
2 فينشنزو كونسولو: روائي إيطالي.
3 وول سوينكا: كاتب نيجيري، جائزة نوبل للآداب.
4 كريستيان سالمون: كاتب فرنسي، أمين عام برلمان الكتاب العالمي.
5 خوسيه ساراماغو: روائي برتغالي، جائزة نوبل للآداب.
6 برايتن برايتنباخ: شاعر وروائي جنوب أفريقي، يكتب باللغة الأفريكانو.
7 خوان غويتيسولو: روائي إسباني.
8 بيي داو: شاعر صيني، منفي في الولايات المتحدة الأميركية.
بل أيضاً، بالمؤازرة والتعاون والتعاضد فيما بينهم، من جهة أولى، والشاعر الفلسطيني محمود درويش، والمؤرخ إلياس صنبر، وأحمد دحبور، وحيدر عبد الشافي، وحسن الكاشف، وجورج إبراهيم، وألبير غازاريان.. من جهة تالية..
المخرج سمير عبد الله أدرك حقيقة أن موضوعه، على مستوى الكلمة، يتعلَّق بمجموعة من "سادة الكلمات"، في العالم، مشرقه ومغربه، وهو ما يمكن أن يجعل شريط الصوت نصاً إبداعياً حافلاً بالبلاغة والرؤى العميقة.. بينما جلّ الصور التي من الممكن له رصدها، وتوليفها، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، إنما تتَّصل بما صار من المعتاد للمتلقي رؤيته يومياً، على الأقل من خلال شاشات الفضائيات، والنشرات الإخبارية المُعدَّة على عجل.. وبالتالي لابد من اقتراحات فنية أسلوبية جديدة، ذكية، لإنجاح المهمة.
ههنا، ثمة تلاق بين مجموعة من المبدعين العالميين الذين امتلكوا ناصية الكلام، بعد أن خبروا الحياة، وعاشوا التاريخ، وقرأوه، وشهدوا الصراعات أو رصدوها، فنراهم يتألقون بحضورهم، على مستوى شريط الصوت، من جهة أولى!.. كما نرى محاولة مجتهدة من قبل المخرج سمير عبد الله، بالتعاون مع خوسيه ريينيس، لمواكبة ذلك الحضور من خلال رصده، ومزاوجته بالصورة الدالة، أو المعبرة، من جهة أخرى..
إنها الكاميرا.. "ما أقلّ عقلك!"..
ربما اعتقدت إحدى النساء الفلسطينيات المثقلات بالواقع؛ بالحاجز العسكري، وجندي الاحتلال، بالدروب الوعرة، ومشقَّة الوصول إلى البيت، كما بالأحمال الرابضة على رأسها، أو التي تجرها خلفها.. أنها إذ تتحدث إلى الكاميرا ستتمكن من التعبير عن حالتها الصعبة، وإيصال رسالتها إلى العالم، لعله يرى أيَّ مأزق تعيشه.. لذلك نراها ينفلت لسانها ببضع كلمات، وترسل يدها لوهلة إشارات تتناثر بين التأفف والانتصار، قبل أن تنبري فلسطينية أخرى، تسير خلفها، إلى زجرها، قائلة: "امشي.. إنتِ الأخرى.. ما أقلّ عقلك!"..
"ما أقلّ عقلك!".. إنها الكاميرا.. فماذا تستطيع فعله في حالتنا هذه؟.. يقول لسان حال تلك الفلسطينية.. ومع ذلك فإن المخرج سمير عبد الله، سوف يأخذنا، بعد ذلك، قرابة ثمانين دقيقة، (هي مدة الفيلم) في محاولة لإثبات أن الكاميرا تستطيع فعل شيء ما. على الأقل الرصد والمتابعة والتسجيل.. وصناعة وثيقة بصرية لا تنطفئ.
منذ البداية، يظهر التفاوت بين مستويين من الكلام؛ كلام الناس العاديين الذي يذهب مباشرة إلى القول ببساطة ووضوح.. وكلام الأدباء الضيوف على المأساة، الذين وجدوا أنفسهم أمام حقائق مذهلة، من التعاسة والبؤس، من القهر والفقر.. ولقد اعتمد المخرج على أسلوبين فنيين متمايزين في طريقة تقديم كل منهما. ففي حين اعتمد أسلوب التسجيل المباشر للصوت والصورة، معاً، فيما يخصّ الناس الفلسطينيين، المنكودين في أمكنتهم الحقيقية، نجد أنه اعتمد إلى المفارقة بين شريط الصوت والصورة، فيما يخصّ الأدباء، إذ غالباً ما يأتي صوت المتحدث منهم، من خارج الكادر، بينما الصورة ترصد تفاصيل موازية، أو رديفة.. تحاول أن تبيّن متكأ القول، ومبعثه.
الفلسطينيون يمكثون في أمكنتهم: أمام الحاجز أو خلفه، في زواريب المخيمات، أمام بقايا أنقاض بيوتهم المدمرة، أو أشلاء أشجارهم المقتولة، وعلى حوافي أراضيهم المصادرة.. يلهجون بالشكوى المريرة، حيناً، ويصعّدون انفعالاتهم وهم يعلنون الإصرار على البقاء. أحياناً أخرى.
والأدباء الضيوف الذين وجدوا أنفسهم في موقف المراقب، ينفلتون في تأملاتهم، يستعيدون ما حصل معهم قبل أن يصلوا إلى هذه البلاد، ما كان يعرفون، وما باتوا أكثر معرفة به.. فالفيلم، كما ضيوفه، ينطلق من إيمان بأن "وجود الكتّاب ضرورة هنا.. لا ليقوموا بدور أصحاب الخوذ الزرقاء.. بل ليسمعوا أصواتاً مختلفة.. ليواجهوا منطق الحرب، لا بقوات الفصل بين المتحاربين، بل بقوة التأويل".
فلسطين.. من الإنكار إلى التعيُّن..
كان من المناسب أن يبدأ الفيلم من حالة الإنكار التام، تلك التي صادفها الشاعر الصيني بيي داو أمام القنصلية الإسرائيلية في سان فرانسيسكو، وذلك عندما قال للشاب الواقف أمامها، إنه يريد السفر إلى فلسطين.. فقال له ذاك الشاب: "إن هذا البلد لا وجود له"!..
يأتي الشاعر إلى فلسطين، التي قال لها موظف القنصلية الإسرائيلية إنها غير موجودة.. وهنا، في فلسطين، سنرى داو يتحدث عن الجانب المأسوي للنكران. بل ينتبه إلى أن الموظف الإسرائيلي قد مارس النكران دون أي شعور بالإثم. لقد "قال ذلك بهدوء وبصورة طبيعية، وبنبرة لا تترك مجالاً للشك". إن اقتراف النكران مأساة بحدِّ ذاته، ولكن "نكران النكران"، هو مأساة أشد فظاعة!.. فهل هناك أقسى من أن يوجد امرؤ، في الدنيا، يمارس النكران "بهدوء وبصورة طبيعية"؟..
في عالم النكران، تغدو فلسطين لا أكثر من "بحر من الكآبة".. تستدعي التشبيهات الأكثر كآبة، فـ "الشمس المعلَّقة في كبد السماء كانت كفوهة مسدس موجّهة إلى رقابنا".. وسيكون أول ما يواجه الضيوف، على الرغم من شهرتهم العالمية، الاصطدام بممانعات عبور الحواجز، وذلّ إجراءات التفتيش، ومن ثم الاضطرار للسير على الطرق الالتفافية.
المثير في الأمر أن "جنود الاحتلال يبدون شباناً أنيقي المظهر".. والروائي الأميركي راسل بانكس يقول هامساً: "انظر.. هذا الفتى يقوم بعمله بصورة أفضل مما يجب". الجندي الأنيق المظهر يتفحَّص بطاقات الزوار، بملامح خالية من التعبير تماماً.. والشاعر الصيني داو يقول: "إن انعدام التعبير على قسماته، هو تعبير بحد ذاته. كأنه يقول: أنتم يا من تأكلون وتشبعون.. هل جئتم تبحثون هنا عن الموت؟".
هكذا.. كأنما فلسطين تنتقل من حالة "الإنكار"، هناك، أمام القنصلية الإسرائيلية في سان فرانسيسكو، إلى حالة "التعيّن"، هنا، باعتبارها "مكاناً للموت"، أمام الحواجز، أو على الطرقات.. في المدن المحاصرة، والمناطق المغلقة، كما في المخيمات البائسة.. حيث النساء الفلسطينيات المسنّات يشبهن "جوقة المرتّلات في التراجيديا اليونانية".
حرب على الكلام..
يحتفي الفلسطينيون بضيوفهم في رام الله. يقيمون لهم أمسية غنائية تؤديها كاميليا جبران، وأمسية شعرية لمحمود درويش.. والضيوف يتوالون على منبر الكلام. إنه مسرح القصبة الذي سيلفظ أنفاسه بعد ثلاثة أيام، فقط. بعد ثلاثة أيام من سفر الزوار، سوف تقتحم الدبابات الإسرائيلية مدينة رام الله، وتدوس مسرح القصبة. "كانت أصداء الكلمات التي قالها الزوار ما زالت تتردَّد في جنبات المكان.. حطَّم الجنود المسرح، كأنهم كانوا يحاولون تحطيم كل احتمال لاستعادة الكلام".
"إن سادة الكلمات لا يحتاجون إلى الكلمات الكبيرة أمام بلاغة الدم.. فلتكن كلماتنا بسيطة كحقوقنا. ليس في وسع أحد أن يحتكر الأرض والله والذاكرة"، يقول الشاعر محمود درويش، والفرنسي سالمون يعترف أنه تعلَّم كلمة، ليس من القواميس، لكن من الشوارع.. تحديداً من الطوابير على الحواجز. الكلمة هي "الصبر".. و"لأن عندكم الصبر عندكم المستقبل"!.. بينما الأميركي بانكس يرى أن "من الضروري ابتكار لغة تصف آلام وتاريخ الفلسطينيين كي يسمع العالم قصتهم.. اللغة القديمة شُوِّهت وأُفسدت ونُخرت".
قال آرثر كوستلر، ذات مرة: "تُخاض الحروب من أجل الكلمات، على صعيد المعنى"، والاستعانة به هنا تقود إلى قول أحدهم "وهذه الحرب لا تشكل استثناء.. إلا أننا هذه المرة نكاد نسمع بوضوح، صوت الكلمات التي تُسحق. هذه الحرب ليست مدانة فقط بجريمة قتل الكلمة، بسبب انحلال لغة الدعاية. وليس المدلول وحده في وضع صعب. يكفي أن نصيغ السمع، فعذابات الشعوب تغوص في أعماق الذاكرة. إنها تصيب الخيال. ليس حصار الأرض وحده مهانة للمستقبل. هنالك أيضاً الحصار البلاغي. لقد أصبحت اللغة عاجزة.. "إن فلسطين منطقة ذات لغة منهارة".
حرب على الجغرافيا..
"يُقال إن الجغرافيا تلعب دوراً رئيسياً في الحروب، بينما في فلسطين نرى أن دور الحرب هو القضاء على الجغرافيا". فما يجري هو عملية تفتيت للطبيعة، إذابة لها، أو إلغاؤها تماماً.. تماماً على النحو الذي لن يسمح لقيام دولة فلسطينية.. تتجلى على الأقل في مشاهد قتل أشجار الزيتون.. الجدار وهو يصادر الأراضي.. بشاعة الإسمنت والإسفلت.. التشويش الذي يجريه الاحتلال على الطبيعة.. الأسلاك الشائكة المنصوبة.. حقول الألغام.. المستوطنات على رؤوس التلال.. الحدود.. فمن شرفة بناء عال في رام الله يمكنك أن تميز المناطق بالكشافات العسكرية. والفرنسي سالمون يقول: "الاحتلال هو بتلك البساطة: الحق في تقرير ما هو مضاء وما هو غارق في العتمة. ما هو مرئي وما هو غير مرئي. ما هو سالك وما هو ممنوع. الحدود تتحكَّم حتى بتوزيع الظلمة والنور. إنها حدود خارقة للطبيعة".
تحطُّم الواقع.. قيامة الاستعارة..
بريبة وحذر شديدين، يذهب الضيوف في زيارة غير مُخطَّط لها، لمقابلة عرفات.. الريبة والحذر أمران طبيعيان في اللقاء فيما بين المثقف والسياسي، بين رجل الثقافة ورجل السلطة. فما الذي يمكن أن يجسر الهوة بينهما، سوى الخطابات التي ما عادت قادرة على بناء قامتها أمام حطام الواقع.
يبدو الشاعر داو الأكثر انتباهاً إلى عرفات، يدقق في بنيته الجسدية، ويرصد حركاته وتعبيراته، ليصل إلى الخلاصة الحازمة، إذ يجد أن عرفات "يعرف كيف يستخدم الاستعارات، وتلك هي موهبة حقيقية، طريقة لفهم العالم وتفسيره". وإذا كان من الضروري المقارنة، بين الخصمين، يعترف داو قائلاً: "لا أستطيع تخيّل شارون وهو يستخدم الاستعارات، فخطابه يصيب الهدف مباشرة.. إنها المصفحات، والحال هذه".
على طرفي النقيض، يمكن رؤية المسافة بين "قوة المصفّحة"، و"الاستقواء بالاستعارة"، وهو ما سيشكّل الأرضية المتينة التي بنى عليها ساراماغو قوله: "كل ما اعتقدت أنني أملكه من معلومات عن الأوضاع في فلسطين قد تحطَّم، فالمعلومات والصور شيء، والواقع شيء آخر. يجب أن تضع قدمك على الأرض لتعرف حقاً ما الذي جرى هنا. يجب قرع أجراس العالم بأسره لكي يعلم أن ما يحدث هنا جريمة يجب أن تتوقف. لا توجد أفران غاز هنا، ولكن القتل لا يتم فقط من خلال أفران الغاز. هناك أشياء تمّ فعلها من الجانب الإسرائيلي تحمل نفس أعمال النازي في أوشفيتز. إنها أمور لا تغتفر يتعرض لها الشعب الفلسطيني".
الميثولوجيات الكاذبة..
لن تأبه الأديبة الإسرائيلية يهوديت هاريل بغبار اللوم الذي أثاره عدد من الكتاب الإسرائيليين في وجه ساراماغو بسبب المقارنة بين ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وما جرى في أوشفيتز.. كما لن تتوقف عند مقولات يوري أفنيري، داعية السلام، الذي يعلن أنه يريد دمج الحكايتين، الفلسطينية والإسرائيلية، في حكاية مشتركة واحدة، حتى يفهم كل طرف الآخر.. ما يفكر، ويشعر به، وما هي دوافعه.
ستبدو يهوديث هاريل أكثر جرأة ووضوحاً، إذ تقول ببلاغة: "ربما لم يولد أبداً أي معسكر إسرائيلي للسلام. حتى لو افترضنا العكس، يمكننا التأكيد الآن على أنه اختفى منذ سنتين. على الأرجح بسبب سوء استخدام الكلمات، وبسبب الفكرة المتسلطة علينا، بشكل خاص، تلك التي تجعلنا نتكلم عن أنفسنا وعن الفلسطينيين باعتبارنا متساوين، بالمعنى السيئ للكلمة. وهذا يعني أننا نتعذب، كل من جهته، وأننا ندور في حلقة مفرغة من العنف المتبادل، وأن المسؤولية تقع على الطرفين بالتساوي. أريد الاحتجاج على هذا التوازن الكاذب، وهذا الاستخدام المغلوط للكلمات. فلا يوجد طرفان متساويان في دائرة العنف، أحد الطرفين هو المحتل، أحد الطرفين تدبَّر أمره كي يشغل منذ 50 سنة دور الضحية، ولازلنا نطلق صفة العنف على كل طفرة تمرد فلسطينية، وعلى كل حرب تحررية، وكل مقاومة للاحتلال الذي نمارسه.. هذا ليس عنفاً.. إنه ثورة شرعية.. إني أضع ثقتي فيكم، عندما تعودون إلى بلادكم، كي يساعدونا في التخلّص من هذه الميثولوجيات الكاذبة، التي أصبحنا نحن أيضاً ضحايا لها"..
وسنرى الشاعر والروائي الجنوب أفريقي برايتن برايتنباخ يقرأ رسالة مفتوحة إلى شارون.. لم يحب أن ينهيها إلا بقوله: "جنرال شارون.. بأي طريقة يمكن لنا وصف تصرفات جيشك عندما تجتاحنا فظاعة أعمالك؟.. السطوة ليست الحق".
جدوى الكلام..
"السطوة ليست الحق".. ومن الضفة الغربية، إلى تل أبيب، ومن ثم إلى غزة، كانت الجولة التي قامت بها تلك النخبة من الأدباء العالميين. وفيلم "كتاب الحدود" الذي وقفه المخرج سمير عبد الله لملاحقتهم ومرافقتهم، ورصد تأملاتهم، يحاول الوصول إلى خلاصات بلاغية، ومعارف واقعية لم تكن لتتوفر دون المعاينة المباشرة. "في الزيارة إلى فلسطين، فهمت إلى أي مدى يمكن للكلمات أن تحاصر من قبل كلمات أخرى. رأيت العذاب الذي تسببه المقاربات الحمقاء. ورأيت شهية وسائل الإعلام لهذه العذابات.. فالآلام عبارة عن لغة منهارة".
وأمام فلاحة فلسطينية، بملامحها التي جفَّت تحت الصقيع، أو الحرّ.. تبيع النعناع، أو الخبيزة، أو العكوب.. تذكَّر أحدهم بـ "أم سعد" لغسان كنفاني، و"الأم" لغوركي، و"الأم الشجاعة" لبريخت، و"الأم" لفيتوريني.. فيمدّ قوس العذاب إلى كل بقعة في العالم ترامت عليها، في لحظة غادرة من الزمن، ظلال محتل.
سيعود الثمانية إلى أوطانهم، ومشاغلهم، وشؤونهم.. وسننتهي من مشاهدة هذا الفيلم.. ولكن ستبقى ترين في الذهن والمخيلة صورهم وأصداؤهم.. والاعتراف الأخير لأحدهم: "أشعر بعدم جدوى الكلام، وبعدم تناظر واجبي في نقل شهادتي، مع الواقع الذي رأيناه، والأناس الذين التقينا بهم، والمأساة الكبيرة التي تجري هنا.. إلا أننا يجب أن نكتب".