حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
من هو فوكو - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +---- المنتدى: تـاريخ و ميثولوجيـا (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=7) +---- الموضوع: من هو فوكو (/showthread.php?tid=33120) |
من هو فوكو - محارب النور - 10-26-2004 شباب من يعرف هذا الفيلسوف الفرنسي صاحب كتاب تاريخ الجنون ,ميشيل فوكو , ارجو منكم نبذة عن فلسفتة ,افكارة وحياتة ان امكن وشكر مقدما محارب النور من هو فوكو - Awarfie - 10-27-2004 http://www.google.com/search?hl=en&q=%D9%8...G=Google+Search من هو فوكو - محارب النور - 10-27-2004 اورفاي :o اورفاي العزيز انا خبير برمجة وانت تبعث لي لنك لغوغل عن الفيلسوف فوكو , انا تحطمت الى اجزاء من هذة فعلة سوف انتحر :brock: امزح معك لقد نبشت الانترنت بحثا عن فوكو وليس بمحرك غوغل فقط بالمناسبةاعطيك اسماء محركات بحث منافسة لغوغل www.alltheweb.cm www.ask.com خاصة المحرك الاول اقوى من غوغل في البحث عن الصور وفية ميزة بحث عن الافلام والاغاني كمان المقدر لشخصك الجميل اورفاي الغالي اريد نبذة عن فوكو شباب في حد دارسة فلسفة لاني ارى في فوكو شي لا ارة في الغير مع ان فوكو كان شاذا جنسيا ولكن دي حرية شخصية لا تفهموني غلط ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ محارب النور من هو فوكو - Jupiter - 01-06-2005 الموضوع : فوكو: بعد الشذوذ الجنسي وتجربة الاختراق http://www.fikrwanakd.aljabriabed.com/n51_04.htm من هو فوكو - Jupiter - 01-06-2005 الموضوع : فوكو: بعد الشذوذ الجنسي وتجربة الاختراق http://www.fikrwanakd.aljabriabed.com/n51_04.htm من هو فوكو - منى كريم - 01-07-2005 أهم كتب فوكو " حفريات المعرفة " و هنالك مترجمة عراقية اسمها خالدة حامد لها فضل كبير في الكتابة عن فوكو و ترجمة مقالات له أو عنه .. أرفق إحداها هنا : حقل فوكو * ... ترجمة : خالدة حامد بقلم : تشارلز ليمرت ما ميشيل فوكو ؟ هل هو ماركسي ؟ بنيوي ؟ سيميائيsemiotician ؟ فهو يستعمل مصطلحات ماركس : الطبقة ، الاقتصاد السياسي ، الإنتاج ، رأس المال ، سلطة العمل ، الصراع . لكنه وإن كان ماركسيا ، تبدو صلته بالماركسية غير واضحة . إذ نلمس اهتماما بنيويا بالأشكال الشمولية من الثقافة في حديث فوكو عن " النظام في حالته الأولية " وفي محاولته " كشف أعمق طبقات الثقافة الغربية (1) " . إلا إنه ينكر اتجاهه البنيوي ، على الرغم من ذلك ، ويبدو دوره السيميائي واضحا في دراساته للنحو العام في " الكلمات والأشياء " Les mots et les choses وللعلاقة بين العلامات signs والأعراض symptoms في " مولد العيادة " (2) Naissannce cliniqne . لكنه يبدو على الرغم من ذلك أكثر من محض سيميائي . إن الماركسي ، البنيوي ، السيميائي صفات يلصقها به قراؤه وليست صفاته شخصيا . فنحن حينما نقرأ له نراه يواجهنا في كتاباته بالجديد والغريب ، ونفعل ما يفعله بقية القراء أي نقرأ من المألوف إلى الغريب . ونظرا إلى أنه مفكر فرنسي يكتب بعد الحقبة الوجودية existentialist period ، نفترض أنه لابد أن يكون ماركسياً أو بنيوياً أو سيميائياً . فما الذي يمكن أن تجده في فرنسا هذه الحقبة عدا ما ذكرناه ؟ إن افتراضا من هذا النوع يثير مشكلات كثيرة . وقد تفيدنا مثل هذه الستراتيجية في القراءة فائدة كبرى في حالات معينة لكنها تخذلنا في حالة فوكو . فبعض المؤلفين يميل إلى ملاءمة المقولات بينما لا يفعل فوكو ذلك . تدفعنا كتابات فوكو بعيدا عن المألوف باتجاه الغريب ، ويكون القارئ عارفا بالسور المتين الذي يحيط بما لدينا من خزين المعرفة المألوفة ، والذي لا تنحل أواصره حينما نقرأ . فنحن لا نستطيع استغلال معرفتنا بالماركسية والبنيوية والسيمياء بل نحن مجبرون على الانتهاك وتجاوز حدود معرفتنا وفسح المجال أمام أنفسنا للسقوط في غياهب لغته وفكره الغريبين والتساؤل عما إذا كان لما نقرأه أية قيمة أصلاً ، إذ تبدو القواعد اللازمة لقراءة فوكو على النحو الآتي : لا تجعل منه شخصا آخر ، تعلّم أن تعيش معه كما هو ، توصلّ إلى أحكامك بعد قراءة الكثير . ومما لا شك فيه إنك ستتعلم الكثيرعن سوسيولوجيا العقاب في " المراقبة والمعاقبة" Discipline and punish ، وأبستمولوجيا العلوم الإنسانية في "الكلمات والأشياء" ، والتفكيك الفلسفي لنظرية السلطة في " تاريخ الجنس " The History of sexuality الجزء الأول ، والفلسفة الشارحة للمعرفة التاريخية في"حفريات المعرفة"Archaeology of Knowledge ، ونظرية الفكر السياسي في" الحقيقة والسلطة" Truth and power (3) ، والدراسات الأدبية لباتاي وبلانشو وفلوبير وروسيل ونيتشه في " اللغة والذاكرة المضادة والممارسة (4) " Language , counter –memory , and practice ونجد الكثير من هذه الموضوعات قائمة بذاتها ويمكن أن تذوب في موضوعات هي خارجية بالنسبة لفوكو إلا أن كل من لديه رغبة بفهم فوكو عليه أن لا يحوله إلى شيء آخر ، بل ينبغي له رؤيته من منظور مصطلحاته الصعبة الخاصة به . يبدو أن أحد الأسباب التي تدفع فوكو إلى إقصائنا خارج حدود المألوف هو أنه باريسي . فالمفكرون الباريسيون يعملون في حقل القوى الفكرية المعقد والمتغير بسرعة . (5) فالأفكار تغدو وتروح ، والنجوم الفكرية تبزغ وتأفل ، وقد يحدث ذلك في غضون أسابيع . ولا يوجد أي مكان فكري آخر في العالم الحديث يماثل باريس تماما ، فهي البؤرة التي تتمركز فيها معظم قوة ثقافة العالم وبالتالي صار لزاما على المؤلفين ، وعلى أفكارهم ، التنافس لاحتلال موقع في هذا الحقل ، وقلة هم الذين يحتفظون بمكانتهم لفترة طويلة . وينبغي للكتاب تلبية حاجات الجمهور الأدبي الملح والمتقلب . كما يكون المفكرون تحت أنظار صفحات جريدتي " اللوموند " أو " النوفيل أوبزيرفاتور" ، وعلى شاشات التلفزيون الفرنسية ، وعلى منصات الكوليج دي فرانس . وقلما نجد مخبأ من باريس كلها لأن القبول الأدبي علامة على القيمة الفكرية . فحالما يعرض الكاتب نفسه لهذا الجمهور تعصف به عندئذ قوة ذلك الجمهور . ولكي يتفادى المفكرون الباريسيون الإحراج يكونون تحت طائلة الضغط للبحث عن ملاذ لهم في ما هو غريب وجديد وهذا هو السبب وراء قلة شروحات الأدب الفرنسي والعلم الإنساني وغزارة شفراته (6) codes . وتعمل الابتكارية الأسلوبية والفكرية على حماية موقع المؤلف الثمين في مناخ ثقافي متأجج . ويشعر القراء الأجانب ، لا سيما الأميركان ، بهذا الأمر أولا . فنحن نكتشف ميرلو ـ بونتي ، سارتر ، ليفي شتراوس ، التوسير ، غورفتش، بارت ، دريدا ، كرستيفا ، هنري ـ ليفي ثم نندفع إلى باريس لزيارة هذه النُصُب لكننا لا نجد سوى الحجارة . فقد اكتسحتنا العاصفة نحن أيضاً ، والنجوم أفلتْ أو انتقلت إلى مجرة معجمية lexical أشد غرابة ، ولا أحد في باريس يرغب بالحديث عنها ، فقد وجد الفرنسيون أن اهتمامنا بالنصب التذكارية غريب تماما . يعد فوكو جزءا من هذا الحقل . وعلى الرغم من أنه لم يفقد مكانته الأدبية في باريس حتى الآن ، يبدو أن مؤلفاته تحمل علامات ضغوطها . وربما كان هذا الأمر غريبا إلى الحد الذي جعل فوكو يحتفظ بهذه المكانة عشرين عاما ، أي منذ نشر كتابه " تاريخ الجنون "(7) Histoire de la Folie في 1961 . ومع ذلك ، يوجد تفسير جوهري لغرابة فوكو . فهو قد حول شروط الفكر الباريسي المعقدة إلى منهج وضعي . لكن ينبغي لنا القول أن فوكو ليس ذا مزاج عابث . ومهما يكن حكمنا النهائي على عمله ، لابد من التشديد على أن فوكو يقصد الكتابة والعمل على النحو الذي يمارسه هو . وتؤكد نظريته الاجتماعية انتهاك الحدود المألوفة على نحو واضح . فوكو ـ الحدث : إن إطلاق اسم " الحدث "event على فوكو لا يعني الاحتفاء به أو جعله أكثر مما هو عليه ، بل يعني دراسته بمصطلحاته الخاصة ، فهو يرفض التاريخ التقليدي للأحداث الكبرى (الحروب والمعاهدات والاتفاقيات الدبلوماسية ، وما إلى ذلك ) ويقترح بدلا منه تاريخا يضفي صفة الحياة على الفهم الاعتيادي للأحداث التاريخية . فنجده يهتم بالأحداث القليلة الشأن في التاريخ أكثر من اهتمامه بالأحداث الكبرى : إذ يعنى بالراويات المنسية ، بتقرير عن جريمة ما ، بقصة خنثوية ، بمشهد واحد من الأعمال الكاملة لماغريب (8) . فالحدث لا يقاس بما يحمله من معنى أو أهمية ، بل بمكانته في مجال القوة الاجتماعية . فهو بؤرة لقلب المصادفة Chance reversal : " علينا أن نتقبل إدخال المصادفة بوصفها مقولة category في إنتاج الأحداث(9) " . فحدث فوكو لا يشكل المصدر الآني للتغير ، بل هو اللحظة المنفصلة المحدودة حينما يتضح التحول . ولهذا السبب فإننا حينما نتحدث عن فوكو ، فإن الحدث لا يعني السؤال عن المعاني المهمة أو المقاصد الخاصة أو الكليات totalities الاجتماعية التي يمثلها الحدث ، بل ينبغي لنا أن نضع جانبا الأسئلة الاعتيادية المتعلقة بخلفية فوكو وتراثه ومصادره وتأثيراته ، وخط اتصاله وأهميته ومعناه الأعمق . بل لا يتطلب الأمر سوى وضع كتاباته في محل تكون فيها مختلفة ومحددة بخصوص " شروط وجودها الخارجية (10) " . يعد فوكو حدثا يمكن فيه رؤية الانقلابين اللذين حلاّ في الفكر الفرنسي مؤخرا ، وإن لم يكن هو السبب وراءهما ، ولا ممثل لهما تماما ، بل كان بمثابة المركز البؤري لهما . ومع ذلك يمكن أن نلحظ من اختلافه عن الحقول التي كان جزءا منها مدى تجسيد [عينية] concreteness موقفه والسمات العامة للحقل الذي اشترط هذا الموقف . وقد مثلت الحركة البنيوية أول التحولين . إذ ظهر كتاب فوكو " تاريخ الجنون " 1961 في خضم الجدل البنيوي ، وكان عنفوان البنيوية واضحا في المدة المحصورة بين 1955 ( " المدارات الحزينة " Tristes Tropigues لليفي شتراوس) ومنتصف الستينيات ( من أجل ماركس " For Marx لألتوسير 1966 ، و"علم الدلالة البنيوي "Structural Semantics لغريماس 1966 و"السلطة السياسية والطبقات الاجتماعية " Political Power and Social Classes لبولانترة 1968)(11) . وعلى الرغم من أن البنيوية شكلت حركة متعددة الجوانب ، ولا شك أنها كانت النشاط الفكري الوحيد المتميز آنذاك ، نجدها طرحت أسئلة فصلتها عن وجودية وظاهراتية phenomenology ما بعد الحرب العالمية الثانية تماما : هل أن التاريخ يقبل التحول إلى أفعال actions تقوم بها الذات التاريخية ؟ ألا تفسر اللغة العقل الإنساني أفضل من الوعي ؟ كيف تكون دراسة الإنسان علمية ؟ يبدو جليا تداخل الأسئلة وإجاباتها . واستطاعت البنيوية تحويل الفكر الفرنسي ضمن الأنشطة المتراوحة بين استخدام ليفي شتراوس للسانيات linguistics ياكوبسن في نقد النزعة التاريخية historicism الماركسية . لكن على حين غرة ، اكتنف الشك الذات التاريخية وميتافيزيقيا الوعي ، ومسألة إعلاء شأن الهرمنيوطيقا hermeneutics (12) في العلوم الإنسانية . وحلت محلها أسئلة مختلفة تماما : ألا تعد الذات نتاج القوى الاجتماعية ؟ ألا يمكن قراءة الوعي من اللغة ؟ ألا يمكن وجود علم شكلي ، شامل في الأقل ، للإنسان من دون التأويل interpretation أو اللغة ؟ ما معرفة الإنسان ؟ وهكذا نجد أنها نشرت تعاقبية synchrony سوسير بإزاء النزعة التاريخية ، وأعلت شأن اللغة على الذات المتكلمة بإزاء الظاهراتية ، وعادت إلى تحليل الشكل والعام بإزاء الهرمنيوطيقا . كان فوكو حدثا ضمن هذا الجدل ، وطرح الأسئلة ذاتها إلا أنه رفض البنيوية قبل انصرام العقد(13) ، لأنه عمل في كتب تلك الحقبة ـ " تاريخ الجنون " و " الكلمات والأشياء" و " حفريات المعرفة " ـ في المجال الفكري ذاته الذي عملت فيه البنيوية ، وإن لم يكن يحمل صفة البنيوي . وحدث التحول الثاني في الفكر الفرنسي الحديث داخل البنيوية ذاتها . فقد ظهرت البنيوية كتكيف من الداخل ، إلا أن الأمر تحول على نحو أنذر بنهايتها ، وما بين كتب دريدا الثلاث في 1967 ( " الصوت والظاهرة "Speech and Phenomena و" الكتابة والاختلاف " writing and Difference " و " في الغراماتولوجيا (14) " Of Grammatology ) وكتاب دولوز وغواتاري " نقيض أوديب : الرأسمالية والشيزوفرينيا " Anti – Oedipus : Capitalism and Schizophrenia في 1072 ، وكتاب بورديو "نظرة في نظرية الممارسة "Outline of a Theory of Practice في 1973(15) ، جوبهت البنيوية في أضعف مواضعها : حيث تكمن آثار النزعة الإنسانية والتمركز حول الصوت phoncentrism عند سوسير وليفي شتراوس ، وعجز البنيوية عن تقديم تفسير سياسي للثقافات التاريخية ، ونزعتها الوضعية ، ولاسيما تغاضيها عن الذات الراغبة ، الممارسة . ولم يكن الانقطاع هنا واضحا على النحو الذي توضح فيه مع الوجودية . وأن ما يسمى بما بعد البنيوية قد سلَّم برفض البنيوية للميتافيزيقا واهتمامها باللغة والأدب ورفضها تحويل الإنسان إلى ذات مثالية . إلا أن هذه الحركة ما بعد البنيوية أفادت من الانبعاث اللاكاني(16) ، إلى حد ما ، ومن القراءات المستقلة لفرويد ونيتشه وماركس (وغيرهم) ، وتمكنت من إحياء قضايا الذاتية subjectivity والفعل التاريخي والممارسة . ولم تعد الذات تمثل ذاتية الوعي القديمة المتعالية ، بل أصبحت ذاتية الرغبة المتوسطة بين اللغة والأدب . وما عاد الفعل التاريخي يمثل مشاركة إنسانية بل صار سياسة الكتابة والجنون . وما عادت الممارسة تعبيراً عن المقاصد ، بل أصبحت استراتيجيات يحددها اتحاد القوى الاجتماعية والرغبة الإنسانية(17). وينبغي ألاّ نندهش إذا علمنا أن التحول الأخير أكدته سنة الثورة 1968 . ومن هذه اللحظة ، ما عاد بالإمكان التفكير ، على نحو تجريدي ، بالتعاقبات الجامدة ، بالإنسان التاريخي ، بالبنى الاجتماعية (بضمنها البنى اللسانية) بوصفها محددات ، أحادية الجانب ، للفعل الاجتماعي أو للذوات التي بلا رغبات أو التي لا تخشى تهديد الموت ، فإذا وضعت البنيوية حدا للبرالية الوجودية السرية فستمد الحركة ما بعد البنيوية حبالها إلى النزعة التجريدية abstractionism وإلغاء النزعة السياسية الكامنتين في البنيوية . ولا شك في أن فوكو يُعد حدثاً في هذا التحول الثاني وقد وضح في كلمته الافتتاحية التي ألقاها في الكوليج دي فرانس ، دور النقد في الدراسات التاريخية (18) . إلا إنه كان بعد ذلك ، أي في " المراقبة والمعاقبة " 1975 و " تاريخ الجنس " 1976 ، حذرا في محو آثار نظرية السلطة التحديدية غير المباشرة كلها . إذ ما عادت السلطة تأتي من الأعلى ، أي ما عادت تمثل فعل البنى الإقصائي على الأفراد ، بل صارت سيرورة محايثة immanent process مرتبطة بالمعرفة والخطاب بإحكام ، وتعمل بصفة تقنية على مستويات المجتمع كافة(19). وكان الفرد الراغب نتاجا للجنس ومنتجا له . ولم يكن الفكر السياسي الحَكَم الذي يتحدث إلى الجماهير وينوب عنهم ، بل أصبح الفكر العيني الذي يشترك في دراسات إقليمية (20) . لكن علينا توخي الحذر من احتمال إثارة جدل يشترك به فوكو مع نفسه . إذ لا يوجد فوكو مبكر وفوكو متأخر بالمعنى الذي اكتشف فيه فوكو ، بعد 1970 ، كلية وجود السلطة وسياسة الحقيقة [ أي أنها موجودة في كل زمان ومكان ]. فمنذ البداية كان ثمة نيتشه وباتيل وآرتو وفرويد(21). فلو لم يتغير فوكو ، لكان قد تميز بأحداث 1968 ، في الأقل . وهذا لا يعني أن فوكو ، الحدث ، بنيوي وما بعد بنيوي ، وإن كان لا يمثلهما معاً . فهو حادث في هذه التحولات إلا إنه يحتفظ بخصوصيته على الرغم من ذلك ومثلما إن هذين الانقلابين كانا أعظم من فوكو ، كان هو ، بالمقابل ، يزيد من وقعهما . وقد أفرزت هذه التحولات قضايا التاريخ واللغة والمعرفة ، وأخيراً ، السياسة . وكاد فوكو أن يكون حدثاً في عصره إلا إنه يشكل ، إلى جانب تلك القوى ، أعضاء في سلسلة الأحداث ، أي السلسلة التي سبقت البنيوية والتي لا شك في أنها سوف تدوم بعد زوال ما بعد البنيوية . وهكذا ، لا نستطيع التحدث عن خلفية فوكو ، بل عن مكانه ، بوصفه حدثا في السلسلة التي تظهر كقوى فكرية . ويرى فوكو أن قضية التاريخ من وضع ماركس ونيتشه ومؤرخي " الحوليات " Annals . كما يرى أن قضية المعرفة طرحها ، إلى حد كبير ، باشلار وكانغيلم ، وغيرهم بينما طرح قضية اللغة باتاي وبلانشو وآرتو ونيتشه وفرويد ، فحينما تقرأ فوكو تصل إلى سلسلة أسماء ، كتلك المذكورة آنفا . وتتباين هذه السلسلة وتتداخل عناصرها ، ولا تمثل هذه الأسماء مصادر فوكو ، بل هي طبقات متنوعة من الأحداث التي يعد فوكو عضوا ملائما فيها . فنحن إذا بدأنا بتسميات مألوفة ـ ماركسية ، بنيوية ، سيميائية ـ ثم ننبذها ، فإن هذا يعني الدخول في غرابة عينية فوكو ، فالأحداث العينية المتجسدة ، ضمن خصوصيتها ، تكون مألوفة أقل من الرموز التي نحاول تنظيم الأحداث من خلالها . ولا شك في أن فوكو يتميز بالماركسية والبنيوية والسيمياء إلا أن خصوصيته تبرز في تداخل هذا الاتجاهات معا والإسراف فيها ، أي في طريقته التي يستجيب فيها إلى قضايا التاريخ والمعرفة واللغة . التاريخ : إذا اعتمدنا على المألوف ، يبدو فوكو ماركسيا عندئذ . فهو يُعرف ماركس بأنه نقطة التحول الحاسمة في المنهج التاريخي (22) . فماركس هو قائد المنهج التفسيري الوضعي ومحرره من الإطار الأخلاقي (23) . ويشير فوكو في " المراقبة والعاقبة " بتحليل ماركس لرأس المال الثابت والمتغير في كتابه " رأس المال " Capital الجزء الأول لغرض توضيح السجن الحديث بوصفه أداة السلطة الانضباطية " . والحقيقة أن من غير الممكن الفصل بين عمليتي تراكم البشر وتراكم رأس المال ، ولعله كان من المتعذر حل مشكلة تراكم البشر من دون تطور أدوات الإنتاج القادرة على الإبقاء على هاتين العمليتين واستخدامهما . وعلى العكس من ذلك ، أدت التقنيات ، التي جعلت من كثرة البشر التراكمية مفيدة ، إلى تصعيد رأس المال "(24). وهذه واحدة من أبرز إشاراته إلى منهج ماركس ولا توجد أية إشارة غيرها . كما أن سجن المجانين في المصحات asylums ، في كتابه " تاريخ الجنون " ، والفقراء في العيادة التعليمية ، في كتابه " مولد العيادة " ، كلاهما مرتبط بنظرية العلامات الإنتاجية وإيجاد العمالة الفائضة واقتصاد الفقر السياسي . وقد اختلفت المصحة عن أشكال السجن الأخرى عند النقطة التي " أصبح فيها الفقر ظاهرة اقتصادية"(25) ولهذا السبب ، مع حلول القرن التاسع عشر تم فصل المجانين عن الفقراء والعاطلين غير المنتجين ، واحتاج الفقراء إلى معامله خاصة لأنهم كانوا يمثلون الفئات السكانية غير المنتجة على نحو يتعذر تغييره . وهنا ظهرت المصحة الحديثة ، وظهرت معها بداية علم النفس الإصلاحي الحديث . وعلى هذا الغرار ولد المستشفى التعليمي مع ظهور العصر اللبرالي من أجل الإفادة من أجساد الفقراء . " لقد مثلت هذه الأحداث بنود العقد الذي اشترك فيه الأغنياء والفقراء لتنظيم التجربة العياداتية [الإكلينيكية] . ومع نظام الحرية الاقتصادية وجدت المستشفى طريقة لفائدة الأغنياء ، إذ أن العيادة تشكل الانقلاب التقدمي للطرف الآخر في العقد . فهي تمثل الفائدة التي يدفعها الفقراء على رأس المال الذي وافق الأغنياء على استثماره في المستشفى ... فتحديقة gaze الطبيب تعد ادخاراً saving صغيراً جدا في تبادلات العالم اللبرالي المحسوبة(26). وفي " تاريخ الجنس" ارتبطت الميكانزمات الاجتماعية الخاصة بالانضباط وتنظيم الجنس بالاقتصاد السياسي الذي يحتاج الأجساد من أجل قوة العمل . " إذ أن مسألة تكييف تراكم البشر مع تراكم رأس المال ، ربط نمو الجماعات البشرية بتوسع الإنتاجية والتخصيص المتفاوت للربح ، أصبحت ممكنة إلى حد ما ، من خلال ممارسة نهج القوة الحياتية بمختلف أشكاله وأنماطه التطبيقية(27) ". لكن الأعم من ذلك هو أن المرء كثيرا ما يشعر بوجود صلة حميمة مع ماركس في نقد فوكو المتواصل للقرن التاسع عشر ، ذلك النقد الذي قدمه على نحو مدمر في إعلانه الشهير في " الكلمات والأشياء " عن موت اللبرالي . ويبدو تاريخ فوكو ماركسيا جدا ـ في مفرداته كما في منهجه ، لكننا نجده يحافظ ، على الرغم من ذلك ، على المسافة التي تفصله عن ماركس . " أنا أرى أن ثمة لعبة من نوع ما تخص بما أقوم به . فأنا كثيراً ما اقتبس من ماركس مفاهيم ونصوصا وعبارات من دون أن أشعر بأني مضطر إلى إضافة هامش محقق أو عبارة إطراء تصاحب اقتباسي . لأنك إذا فعلت ذلك سيشار إليك بوصفك شخصا يعرف ماركس ويعكسه وستكون موضع تبجيل ما يسمى الماركسية . إلا أني اقتبس من ماركس من دون أن أقول أني اقتبس منه ، ومن دون أن أضع علامات الاقتباس . ونظرا إلى عجز الناس عن التعرف إلى نصوص ماركس ، تراهم يعدونني شخصا لا يقتبس من ماركس . فهل يشعر الفيزيائي بضرورة الاقتباس من نيوتن وانينشتاين حينما يكتب بحثا في الفيزياء ؟ يستحيل ، في الوقت الراهن ، كتابة التاريخ من دون استخدام سلسلة كاملة من المفاهيم التي ترتبط بفكر ماركس ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، والتحليق في أفق الفكر الذي عرفه ماركس ووصفه . وقد يتساءل المرء عن الاختلاف الذي قد يظهر بين كون المرء مؤرخا وكونه ماركسيا(28)" . ولم يتمكن فوكو من تعيين هويته بوصفه ماركسيا مثلما إنه لم يتمكن من الانفصال عن الماركسية الفرنسية بوضوح أكبر وانحراف أكثر . وهذا أمر معتاد بالنسبة لمنهج فوكو ، فهو ليس ماركسيا وليس لا ماركسيا بل كليهما معا . وهكذا تجده يهاجم الشيوعية والنزعة الاقتصادية (29) . فقد تمثل التحول الأساس في فكره ، أي ظهور مفهوم سلطة المعرفة في كتابه " المراقبة والمعاقبة "، بنقد النزعة الاقتصادية الماركسية والتحليل الطبقي التقليدي . فالسلطة ، بوصفها سلطة معرفة ، لا تمثل هيمنة الطبقات الحاكمة . " إن السلطة تصدر من الأسفل ، أي ليس ثمة تعارض ثنائي وشمولي بين الحكام والمحكومين من جهة ، وأصل علاقات السلطة من جهة أخرى … بل ينبغي لنا أن نفترض أن علاقات القوة المتعددة التي تتخذ شكلها وتبدي فعلها في آلية الإنتاج والعائلات والجماعات المحدودة والمؤسسات تشكل الأساس الذي تقف عليه آثار الانقسام الواسع المدى الذي يظهر على الهيكل الاجتماعي كله (30) ". لاشك أن مرد هذا الاكتشاف قناعة راسخة تتخلل عمله كله ." لنوضح القضية على النحو الآتي : يتمتع السجن النفسي ، والتطبيق السايكولوجي للأفراد ، والمؤسسات الجزائية بأهمية محدودة إذا ما نظرنا إلى دلالتها الاقتصادية ، إلا أنها تكون أساسية ولا ريب ضمن السياق العام لآلية السلطة (31) ". ويعد فوكو ماركسيا واكثر من ماركسي . وهذا هو السبب وراء لا جدوى الحديث عن مصادر . فهو لا ينتمي للتراث بل يعمل بالمادة الخام الخاصة بالحاضر ، بالأحداث الخطابية الحاسمة . إذ إنه لا يكتب ضمن تراث ماركس بل أرجأ التفكير فيه بعد ماركس . ولهذا فهو يرى أن مواجهة التاريخ تتأتى من مفهوم اللامفكر فيه unthought (32) والمستحيل التفكير فيه unthinkable في الماركسية ، ومن مفهوم اللامفكر فيه في تراثين تاريخيين فرنسيين : " حوليات " التاريخ الاجتماعي وتاريخ العلم الباشلاري . وهو يرى أن النهج التاريخي محصور في الفضاء الواقع بين فكرتين : التاريخ الطويل الأمد والانفصال discontinuity . الأولى معروفة جيدا في الفكر الفرنسي المعاصر وفي كتاب فرناند برودل " المدة الطويلة " La longue duree ، والأخرى معروفة في كتاب لويس التوسير " القطيعة الابستمولوجية " coupure epistemologique (33) وكلا الفكرتين لهما سوابق : مارك بلوش ولويس فيفر في قضية برودل وغاستو باشلار وجورج كانغيلم في قضية التوسير . وتلتقي البنى المستقرة والانفصالات والتاريخ الطويل الأمد وتاريخ القطائع raptures عند فوكو . ويُقصَد بالالتقاء هنا أنها تشكل مجموعة جديدة من القضايا للتاريخ (34) . ويتحدى فوكو مفهومي السببية والاتصال في التاريخ التقليدي بصورة خاصة . ويكمن خلف هذين المفهومين بديهة مثالية تخص التاريخ المعنوي . وباختصار نقول إن فوكو يعمل بين " الحوليات " وباشلار ويقدم نقدا ماديا للتاريخ الميتافيزيقي وللتواريخ التي تفترض قوة سببية بين عظماء الناس أو الحضارات أو الأحداث ، أو تفترض ، بدلا من ذلك ، اتصالا ذا معنى يرتكز على اللوغوس المتعالي . لهذا السبب ينظر فوكو إلى التاريخ بوصفه " يحول الوثائق إلى نُصُب تذكارية "(35). ولا ينبغي تأويل وثيقة المؤرخ لكشف أسرار المقاصد الإنسانية ، بل أنها تتحول إلى نصب تذكاري جامد ينبغي ربطه بالنصوص بصورة مادية . وبناءً على ما سبق ، يعد منهج فوكو مدينا بالكثير لنقد " الحوليات " لموضوع " التاريخ التوثيقي". ولا تدرس الأحداث الإنسانية الكبرى إلا ضمن السياق الأوسع للبنى المادية والاقتصادية الطويلة الأمد . فكتاب برودل "البحر المتوسط " (36) ، مثلاً ، يقع في ثلاثة أجزاء : "دور البيئة " ، وهو يمثل دراسة للجبال والسهول والأنهار والمسالك البحرية والمناخ ، و"المصائر الجماعية " وهو يمثل تاريخ اقتصادي لمنطقة البحر المتوسط ، و " الأحداث والسياسية والناس " . وتوضح الأحداث الاجتماعية والسياسية إلى جانب البنى المادية والاقتصادية والطويلة الأمد . ولا يسير التاريخ على طول المسار الخطي للفعل الإنساني لأن الإنسان مشروط بالعالم المادي . ولذلك يعد منهج برودل وثيق الصلة بالموضوع إلا أن كتاب " البحر المتوسط " دراسة تذكارية في أرشيفات أوربا كلها . وقد تم أخذ الحسابات الإحصائية والبيانات الملاحية والخرائط القديمة والتقارير الزراعية ، وغيرها من الوثائق ( الرئيسة والثانوية ) ، وقسمت إلى أجزاء ثم رتبت في سلسلة . فالخارطة تكون ضمن سلسلة إلى جانب البيانات الإحصائية وتقارير الرعي وحقائق المناخ . كما لا تمثل الهجرة طريقة حياة حسب ، بل هي أحداث تقع ضمن بنى طويلة الأمد يُعاد بناؤها من الوثائق . ولا تتشكل السببية في التاريخ من حدث إنساني معين لتتحول إلى حدث آخر ، بل من الحدس بالقوى المادية الاقتصادية والاجتماعية . ولا يسير التاريخ عبر الزمن بل يكون في زمن الديمومة . وفي النهاية يكون الزمن متماكنا . لقد ترك منهج " الحوليات " بصماته على فوكو ، إذ ترتبط الحوليات الاستطرادية بحقولها الاستطرادية في " حفريات المعرفة " ويرتبط النحو العام ، وهو حدث في معرفة المنطق واللغة ، بالاستيمية [الوحدة المعرفية] المسطحة للعصر الكلاسي في " الكلمات والأشياء " . وتم تفسير السجن في " تاريخ الجنون " و " المراقبة والمعاقبة " بأنه راجع إلى الدوافع الاقتصادية للرأسمالية المبكرة ، أما في "مولد العيادة " فقد ارتبطت مراقبة الجسد بالتحولات الحاصلة في بنى العصر اللبرالي في مطلع القرن التاسع عشر ، إذ أصبحت البنية تفسر الأحداث الإنسانية . إلا أن بنى فوكو ليست ستاتيكية ، فهو لا يضع التحليل الزماني موضع التحليل المكاني ، كما أن الحفريات "لا تحاول تجميد الزمن واستبدال تدفق أحداثه بالارتباطات التي تحدد الشكل الساكن "(37) ، وتجده ، بدلا من ذلك ، يرفض ميتافيزيقا الزمن الإنساني السرية ويسمح لطبقات التشكل الاجتماعي كلها بتكوين أزمنتها الخاصة . وبذا ، يمكن أن يحصل تكرار وعودة وانفصال تماما مثل امكانية وجود اتصال . ولهذا السبب لا يتحدث فوكو عن التغيير الاجتماعي ، بل عن التحول(38) . وما عاد التاريخ يمثل قضية تقدم ، بل إعادة ترتيب للعلاقات بين قوى عدة ـ مادية ، اقتصادية اجتماعية ـ تتوسط عملية التشكل الاجتماعي . ويبدو جليا أن منهج " الحوليات " يعمل على مفهوم اللامفكر فيه الماركسي . وفي الوقت الذي يبدو فيه هذا المنهج مشاركاً للماركسية في نقد التاريخ اللبرالي التقدمي ، تجده دفع دراسة البنى الاقتصادية إلى حد أوصلها إلى بنى الجغرافية والمناخ المادية الطويلة الأمد . كما تمكن فوكو، ضمن المدى نفسه ، من الدخول في حلقة الصمت الأعظم الذي اكتنف التاريخ الواصف historiography [التاريخوغرافيا] للحوليات . فبعد أن بدأ مؤرخو الحوليات عملهم بصفة نقاد لتاريخ الأحداث الكبرى الوضعي نجد أن المتأخرين اتخذوا لأنفسهم فلسفة وضعية خاصة بهم . فقد أصبح لادوري ، مثلا ، يمجد التاريخ الكمي المحوسب computerized quantitative من دون أن ينتقده ، مدفوعا بالإحراج لا الاضطرار . وقد قام بذلك في مقالة نشرت له إلى جانب اعتراف بنقطة تاريخ " الحوليات " ، أي الحدث(39). وبعد أن رفض تراث الحوليات وضعية الأحداث الكبرى ، لم يقدم إلا نظرية أو تحليلاً صغيراً جدا لأحداث محددة جرى فيها التحول " بسبب تفضيل التاريخ الواصف لما هو كمي وإحصائي وبنيوي ، اضطر في الوقت الراهن إلى الخضوع لكي يحافظ على بقائه ، وهذا أمر يبعث على الآسي . فقد أصدر حكمه ، في العقود القليلة الماضية ، بالموت على تاريخ الأحداث السردي الذاتية الفردية "(40) . ويعد مفهوم اللامفكر فيه في " الحوليات " الحدث المنفصل المحدد ، وقد تخطى فوكو هذا الحد المحرج . وأصبح التناقض بين البنى المستقرة والقطائع واضحا فقد وثّق باشلار وكانغيلم وسير وغيرول والتوسير مكانة الحدث المنفصل ." ربما تتمثل واحدة من أهم سمات التاريخ الجديد بإزاحة المنفصل : أي انتقاله من العائق إلى العمل ذاته واندماجه مع خطاب المؤرخ على نحو ما عاد بامكانه فيه لعب دور الشرط الخارجي المراد تحويله ، بل أصبح يلعب دور المفهوم الفاعل"(41) . وهكذا ، ينتظم تاريخ فوكو حول الأحداث التي تتحول فيها قوى التاريخ وتتقلب : أول رواية حديثة ، أو مراقبة لأجساد المرضى ، اليوم الذي تم فيه تحرير المجانين من بيستر ، اختفاء " سفينة المجانين " ، تغير منظر التعذيب بالمشنقة . فإذا تمكنت البنى الطويلة الأمد من تحويل الامتياز غير المسوغ للإنسان في التاريخ ، يستطيع الحدث ، بوصفه واحدا من القطائع ، منع البنى من الظهور بصفة محددات غير مباشرة للفعل الإنساني . إن علاقة فوكو الساخرة بالتوسير تفسر كلا من استخدامه للفكرة الباشلارية وانتهاكه لها . فإذا تخطينا مبدأي الانفصال والقطائع ، نجد أن كلا من فوكو والتوسير يربط التاريخ بنظرية الخطاب ، ويشترك في إعادة بناء الآثار البنيوية ، ويعمل عند الحدود الواقعة بين المرئي واللامرئي ، وبين البراءة والشعور بالذنب . إلا أنهما يختلفان بشأن الانقطاع الأبستمولوجي عند ماركس . ويضع التوسير ماركس في المركز ، ويرى أن الانقطاع الابستمولوجي في الاقتصاد السياسي والمنهج التاريخي في القرن التاسع عشر يحدث في منتصف ماركس ، أي في 1845 . بينما يرى فوكو أن ماركس يشترك بأبستمولوجيا ريكاردو الاقتصادية(42). ويقتصر انقطاع ماركس على نظرية التاريخ والسياسة . ويقطع فوكو ماركس إلى أجزاء إلا أن من غير الممكن ترتيب هذه الأجزاء زمنيا على نحو خطي linearly لأنه يرى أن ماركس لا يمثل المنشأ ، أي المصدر الأصلي لحدث ما في تاريخ المعرفة ، بل تقسمه قوى أبستيمية معينة إلى أجزاء : إذ بقي علم الاقتصاد الذي جاء به ذا طابع سياسي لبرالي . بمعنى أنه في الوقت الذي يعمل فيه التوسير على تحقيب periodizes التاريخ وجعل ماركس شموليا ، فإن فوكو يقرأ ماركس بوصفه حدثا في وسط طبقات المعرفة المستقلة ، وللمعرفة الاقتصادية زمنها ، مثلما أن للتاريخ والسياسة زمنهما أيضاً ، وهذا يتوافق مع نظرية التحول العامة عند فوكو ، فالانفصال ليس مفهوما عاما بل أداة عمل ، ولا يمكن تحليل الانفصالات تحليلا صحيحا إلا ضمن علاقتها بحقل الأحداث التي تنتمي لها هذه الانفصالات التي تعكسها أحيانا . ويدحض فوكو كل شكلنة formalization في التاريخ : الكليات ، التحقيب ، البنى غير التاريخية . وهكذا نرى فوكو قريباً جداً من برودل الذي يرى أن المناخ والأرض والبحر والأنساق الإقتصادية وعلم السياسة جميعها تتمتع بزمنها الخاص ، وبهذا المعنى لا يعد فوكو مؤرخا للانفصالات بل للأحداث العينية المتجسدة في مجالات متجسدة . فما تاريخ فوكو ؟ فمع ماركس وبرودل وباشلار يرفض فوكو مثالية التاريخ التقليدي ووضعيته وخطيته . إلا أن فوكو ليس ماركسيا وعضوا في مدرسة "الحوليات" وتلميذا لألتوسير حسب ، بل يعمل في فضاء نسجه هؤلاء الثلاثة . فتراه يتحدث حينما يصمتون ، ويصمت حالما يتحدثون إلى بعضهم ، ويجتاز الحد الفاصل بين الما قيل the said وما لم يقال the unsaid لغرض إعادة توطيد حدود أخرى لا بد من انتهاكها . المعرفة : يعد فوكو مؤرخا للمعرفة ، قبل كل شيء ، ويتضح ذلك في الكلمات والأشياء " و "حفريات المعرفة " . ويعد " مولد العيادة " تاريخا لنهضة المعرفة الطبية أيضاً . أما " تاريخ الجنس " فيعد مقدمة لدراسة من أجزاء عدة بعنوان " إرادة المعرفة " . وحتى بالنسبة للدراسات التي تبدو معنية قليلاً بالمعرفة ، يعد " تاريخ الجنون " و " المراقبة والمعاقبة " تحليلان لعلاقة المعرفة بالسيطرة الاجتماعية . ويعد فوكو مؤرخا للمعرفة ، لكن مع ذلك تبدو المقولة محدودة جدا لأنها لا توضح سوى اختلافه عن بقية المؤرخين ، فهو يهمل البنى المادية على الرغم من أنه يعمل مع ، وضد ، تاريخ " الحوليات " . إذ أنه يضفي صفة المادية على دراسات المثالي . وضمن هذه الرؤية لا يعد فوكو مؤرخا للعلم على الرغم من أنه يعمل في ضوء تاريخ العلم الباشلاري . فهو لا يقول إلا القيل عن العلوم الفيزيائية التي كان باشلار منهمكا فيها ، أما حينما يتعامل مع العلوم البايولوجية ، مثلما فعل كانغيلم ، تجده يفعل ذلك بخصوص قضية المعرفة العامة . وتراه لا يبدي سوى اهتماما بسيطا باستخدام باشلار في إحياء المادية التاريخية بوصفها علما ، على العكس من شدة الاهتمام الذي كان يظهره التوسير . أما بخصوص التاريخ ، يقع تاريخ المعرفة عند فوكو في فضاء لا يشغله الذين تعلَّم هو منهم . " وهكذا فإن ما تحاول "الحفريات " وصفه ليس بنية العلوم المحددة ، بل حقل المعرفة المختلف جدا "(43). ومع ذلك يعد اهتمام فوكو بالمعرفة اهتماما باشلاريا في جوانبه الجوهرية ؛ فالانفصال ، والانقطاع ، الإنزياح displacement ، التشتت dispersion ، الإشكالية ، العائق الأبستمولوجي ، التعددية الأبستمولوجية ، تاريخ الخطأ ، نقد التاريخ المتصل ـ جميعها تشكل مفاهيم أساسية عند باشلار ، وتابعه كانغيلم (44) ومما لا شك فيه أنها أساسية عند فوكو أيضاً . إلا أن الأهم من ذلك أن فوكو ، مثل باشلار ، يتخطى التاريخ المتصل من خلال كتابة تاريخ الحقيقة من منظور الأخطاء . ويرى فوكو أن المزاوجات الشهيرة ـ الفلسفة / العلم ، الواقعية / العقلانية ، الحقيقة / الخطأ ـ ليست ثنائيات بل أقطاب . فهي ليست خيارات بل مُسلّمات . وللعلم أبعاده الفلسفية ، والفلسفة تنهل من العلم ، وببساطة نقول أن الواقعية والعقلانية ليسا منظورين فلسفيين شموليين متبادلين ، بل هما بعدين ضروريين لجانب أبستمولوجي(45). لذا ينبغي ألا يحصر التاريخ نفسه في نسق الحقائق ، بل ينبغي أن ينفتح على لحظات الخطأ التي يقال فيها " لا " للماضي ، والبدء من جديد . ونلاحظ في " الفكر العلمي الجديد " ( 1934 ) و " تكوين العقل العلمي " ( 1938) ، وهما من أوائل الدراسات التي قام بها باشلار عن العلم ، وصولا إلى بيانه الأبستمولوجي الواضح في " فلسفة الرفض " The Philosophy of No (1940) ، وتطويره لهذا الموقف في أعماله اللاحقة مثل " العقلانية التطبيقية " (1949 ) و " المادية العقلانية " (1953) ، أن باشلار عمل ، أو أعاد العمل ، على الفلسفة التعددية للمعرفة العلمية . ويصر تاريخ باشلار المنفصل ، خلافا لتطورية توماس كون Thomas Khun الخفية (46) ، على التباري المستمر بين القديم والجديد . وينبغي حتى على نسبية الفيزياء الحديثة العقلانية راديكاليا ، التي تشكل نموذج باشلار ومصدر اهتمامه الأعظم ، أن تقنع بمخلفات الواقعية الوضعية والأساسية . " إن الذي يثير الدهشة هو إن وحدة العلم المزعومة لا تقابل الحالة الثانية أبدا (47) " . فالأبستمولوجيا هي تاريخ الأبستمولوجيات .التي تكون كل واحدة منها حاضرة دائما ، بصورة ما ، وبدرجة ما ، لكن لكل واحدة منها تاريخها الخاص بالعالم العيني المتجسد الذي يؤكد الجديد برفض الماضي ، لكن باشلار يرى أن المفهوم المرفوض يبقى في جانب خاص . " إن رسم الذرة الذي اقترحه بوهر قبل ربع قرن من الزمان كان بمثابة صورة جيدة لم يتبق منها شيء لكنها كثيرا ما توحي بالرفض بما يكفي لتحويل دورها الذي لا يمكن الاستغناء عنه إلى بيداغولوجيا استهلالية . ويتم تنسيق هذه المرفوضات بسعادة لأنها تمثل مكونات الفيزياء المعاصرة المصغرة(48)" . وعلى هذا الغرار ، يرى فوكو أن المعرفة تعددية ، وأن الانفصالات في تاريخ المعرفة لا تعزل الماضي عن الحاضر . فالمعارف المتجسدة لها أزمنتها التي تتداخل فيها ، والعلم لا يكون صرفاً أبدا ، فهو يكون أيدلوجياً دائما ولهذا تراه مليئا بالأخطاء . إلا أن تصحيح الأخطاء لا يحرره من الأيدلوجية (49) . كما أن المعرفة التاريخية ليست صراعا بسيطا بين الواقعية والعقلانية ، بين ما هو تجريبي وما هو مفهومي ، بل أنها تتولد من التوتر tension بين هذين القطبين . وينتقد فوكو تاريخ الأفكار بالطريقة ذاتها التي ينتقد بها تاريخ الأحداث ، لكنه يفعل ذلك بأسلوبه الخاص . إلا أن الأوضح من ذلك أن فوكو يكتب تواريخ المعرفة خاصته من خلال الإشارة إلى الخطأ والفشل باستمرار : إنهيار الفرق بين العقل واللاعقل في " تاريخ الجنون " ، وخطأ المراقبات الجسدية من دون نظرية وافية للأنساق الرابطة في " مولد العيادة " ، والخطأ في أسطورة الإصلاح التكفيري في " المراقبة والمعاقبة " ، وخطأ فرضية الكبت في " تاريخ الجنس "، و … إلخ . وفي الوقت ذاته يشكل تاريخ العلم الباشلاري حدا تخطاه فوكو في عمله . ففي " حفريات المعرفة " يوضح فوكو مشروع دراسته لما تجاهله مؤرخو العلم (50)… بدءا بالفكرة الباشلارية ومؤداها أن العلوم ، المُعرَّفة عموما ، أزمنة غير منتظمة ومتغايرة الخواص ومشتتة (51). ويصف فوكو العتبات thresholds بأنها أربع عتبات منفصلة يمر بها العلم : حيث يلتقي أولاً بعتبة الوضعية حينما يتخذ نوع الخطاب فرديته الخاصة ، وإن كان مفتقرا إلى معايير الصلاحية validity أو المعايير الشكلية للحقيقة أو البديهيات ، ثم يصل إلى عتبة الأبستمولوجية epistemologization حينما تتم المحاولات ، غير الناجحة أحيانا ، الرامية إلى ترسيخ مادة معروفة متساوقة وصالحة وأصلية ، ثم عتبة العلم scientificity حينما تقوم مادة المعرفة بتحديد المعايير الشكلية التي يتم توظيفها في القوانين لبناء الفرضيات . وأخيراً نصل إلى عتبة الشكلنة حينما تعد البديهات الشكلية في العلم نقاط انطلاق مشروعة للمعرفة . يحدد فوكو عند العتبات المعرفية المتداخلة الثلاث ، ثلاثة أنواع من تاريخ العلم : 1ـ تاريخ الرياضيات عند عتبة الشكلنة 2ـ تاريخ العلوم الطبيعية والفيزيائية بين عتبتي الأبستمولوجية والعلمنة ، وهو المجال الذي عمل فيه كانغيلم وباشلار 3ـ تاريخ فوكو الحفرياتي عند عتبة الأبستمولوجية ، ويمثل الموضع الذي تبدأ فيه مادة المعرفة باستخدام خطاب متساوق مستقل ، ولا تعد هذه المجالات ذات طابع كلي [شمولي] ، بل تحتفظ بعض العلوم باستعارات metaphors بدائية إلى جانب البديهيات الشكلية (52) . إلا أن فوكو يتخطى الحدود التي وصلها باشلار حينما درس العلوم عند عتبات أكثر بدائية ، أي عند النقطة التي يصبح فيها خطابها أبستمولوجيا ، بمعنى حينما تصبح معارف . وهكذا فهو يهتم بالعلوم الإنسانية الأولى ، بدايات الطب العياداتي ، بعلم الأمراض النفسية ، بعلم الجريمة الذي يبحث في إدارة السجون ومعاملة المجرمين . وخلاصة القول أن فوكو يدرس العلوم التي يكون فيها الحد بين الخطأ والحقيقية ضعيفا جدا ولاسيما تلك التي يطغى عليها حضور الأيديولوجيا . يرى فوكو أن ذلك لا يمثل مغامرة مبرمجة قام بها معلموه لأن علمه ينفتح على مجال صمت عنه باشلار إلى حد كبير . وتراه يجعل من اللا مفكر فيه في العلم موضوعه الرئيس حينما يجعل تاريخ الخطأ راديكاليا . ويحاول تاريخ العلم " استعادة ما غفل عنه الوعي (العلمي) : التأثيرات التي أثرت فيه ، الفلسفات الضمنية التي كانت كامنة تحته ، الثيمات غير المصاغة ، العقبات غير المرئية ... أي إنه يصف لاوعي العلم . ويعد هذا الوعي الجانب السلبي من العلم ـ أي ما يقاومه ، يحرفه ، يزعجه . إلا أن الذي أرغب به أنا هو كشف لاوعي المعرفة الوضعي : المستوى الذي يفوت على وعي العالِم لكنه يشكل جزءا من الخطاب العلمي "(53) وهذا القول يجعل منه " باشلاراً " بل أكثر من باشلار . أما من الناحية النظرية ، تعد دراسة فوكو للعلوم الإنسانية بحثا في تلك العلوم التي يتفحص فيها الإنسان نفسه ، فمعرفة الإنسان ، من خلال الإنسان ، هي معرفة تفوق ما ملأه الخطأ ، فهي متناقضة في جوهرها لكنها تشكل في الوقت ذاته المعرفة الأكثر قربا واستحالة . أما في السوسيولوجيا فيتم التعرف على هذه المشكلة على نحو مبهم في الجدالات المتعلقة بموضوعية الدراسات الاجتماعية . ويرى فوكو أن هذه قضية فلسفية عامة يناقشها بإسهاب في نهاية " الكلمات والأشياء " . فقد برزت العلوم الإنسانية إلى دائرة الضوء في القرن التاسع من خلال ابتكار " الإنسان " الذي أصبح موضوع الفكر من خلال جعله ذات التاريخ الرئيسة . وعلى النقيض من ذلك ، تطلبت معرفة الإنسان تعالي الإنسان ؛ فالإنسان لا يستطيع التفكير بذاته إلا حينما يتعرف عليها وهي تتخطاه ، وثمة حدود مشتركة بين الفكر النقدي ومعرفة الإنسان الذاتية . فمنذ كانتْ Kant اشتملت قضية الإنسان على نقد معرفة الإنسان والاعتراف بحدوده . ومن غير الممكن أن تعتمد المعرفة على التطابق الديكارتي بين فكر الإنسان وكينونته being بل إن علوم القرن التاسع عشر الإنسانية استخدمت الإنسان المتعالي ، أي الذات الكلية [الشمولية] التي في ضوئها يستطيع الفكر الإنساني التفكير بالإنسان . ومن المعروف تماما أن فوكو ينتقد هذا الحل . فتمركز القرن التاسع عشر حول الإنسان هو في أفضل أحواله ميتافيزيقا غير معترف بها . فقد تم وضع الإنسان في مركز الفكر ، وفي مركز الكينونة التاريخية . وبذا فإنه شاطر الميتافيزيقا اهتمامها بالمعرفة الخاضعة للسيطرة . ولم يتحرر الإنسان إلا على نحو مصطنع . إذ سيطر فكر القرن التاسع عشر ، تحت ستار النزعة الإنسانية ، على الفكر سيطرة سرية من خلال تحويله إلى نموذج متعال . وهنا يردد فوكو الإعلان النيتشوي الشهير عن موت الإنسان . إذ يرى فوكو أن الإنسان لا يستطيع التفكير بذاته إلا من خلال البحث من دون إلغاء حدود الإنسان . فمعرفة الإنسان متجردة عن التمركز في الهامش الذي يفصل بين الحقيقة والخطأ ، البراءة والشعور بالذنب ، مفهومي اللا مفكر فيه والمستحيل التفكير فيه. " لم يكن بمقدور الإنسان وصف نفسه بأنه كائن في الأبستيمة من دون أن يكتشف الفكر في الوقت ذاته ، في ذاته وخارجها ، عنصر الظلام ، الكثافة التي ينطمر فيها هو ، أي مفهوم اللا مفكر فيه الذي يحتويه تماما ، لكنه مأسور فيه أيضاً . إن اللا مفكر فيه (بغض النظر عن الاسم الذي قد نطلقه عليه) لا يستقر في الإنسان مثل الطبيعة المتغضنة أو التاريخ الموزع إلى طبقات ، بل إنه يرتبط بالإنسان ، بالآخر the other ... أي الآخر الذي لا يكون شقيقا فقط بل توأما لا يولد من الإنسان ، ولا في الإنسان بل بجانبه ويشترك معه في الوقت ذاته بثنائية متعذر تفاديها " (54) . ويبدو جليا الآن أن اهتمام فوكو بمعرفة الإنسان هو بالدرجة الأساس اهتمام بالمعرفة والسلطة . ويعد عمله نظرية اجتماعية نقدية بالمعنى ما بعد الكانتي . فهو يدرس ، قبل كل شيء ، مولد تلك المعارف التي كانت تمثل في النزعة الإنسانية اللبرالية تكنولوجيات في الإقتصاد السياسي للعمل الخاضع للسيطرة . وهو يبحث في تلك الحقول المعرفية ، التي ولدت بصفة تصنيع لاوربا ، والتي عملت على السيطرة على السلوك الإنساني من وراء انماطها الاصلاحية المتنورة : علم الجريمة ، علم النفس ، الطب العياداتي ، علوم الحياة ، تعد المراقبة ممارسة ذات حدين (55) : السيطرة على المعرفة والحقيقة (مثل الطب العياداتي بوصفه مراقبة) والسيطرة على الأجساد والأشخاص لأغراض خاصة (مثل استخدام النظرية الطبية والاقتصادية في ضبط حجم العينات وسلوكهم). " إن ما استجد على القرن الثامن عشر هو أن المراقبات ، من خلال كونها ارتبطت معا وتعممت ، استطاعت الوصول إلى مستوى يقوم فيه تكوّن المعرفة وزيادة السلطة بتعزيز أحدهما الآخر في عملية نقدية . وعند هذا الموضع تحديدا تعبر المراقبات العتبة " التكنولوجية " . أولا المستشفى ، ثم المدرسة ثم لم تكن الورشة خاضعة لتنظيم المراقبات فأصبحت بفضل المراقبات أدوات خاصة بحيث صار بالإمكان استخدام أية ميكانزمة موضوعية فيها كأداة للإخضاع ، كما أن أي تنامي في السلطة قد يوصلها إلى فروع المعرفة الممكنة ضمن العنصر الانضباطي لتشكيل الطب العياداتي ، الطب النفسي ، علم نفس الطفل ، علم النفس التربوي ، عقلنة rationalization العمل . وبذا فإنها عملية مزدوجة : " الذوبان " الأبستمولوجي عبر تصفية علاقات السلطة ومضاعفة تأثيرات السلطة عبر تشكل وتراكم الأنماط الجديدة من المعرفة " (56) . باختصار ، تصبح طبقة فوكو الباشلارية حدا يستدعي العودة إلى ماركس عن طريق نيتشه . وتؤدي المعرفة إلى السلطة عن طريق اللغة . اللغة : إن اللغة هي الموضع الذي يفسر فوكو عنده وظيفة الحدود في فكره ، كما أنها في الوقت نفسه الموضع الذي لا يصبح فكره مفهوما عنده على نحو واضح . فالتاريخ ، المعرفة ثم اللغة .... ماركس ، باشلار ثم نيتشه وباتاي . فنحن الذين نقرأ فوكو من خارج حقله الفكري نكون عرضة لأن نجد مناقشاته للتاريخ والمعرفة مفهومة نسبيا . كما أننا تتلمذنا أيضاً على يد ماركس ، وفي الآونة الأخيرة على يد مؤرخي " الحوليات ". فإذا كنا أقل ألفة مع باشلار ، فعندئذ يمكن تخطي هذا النقص من خلال أُلفتنا بتاريخ العلم واطلاعنا الوثيق على توماس كون ، بغض النظر عن اختلافاته عن باشلار إلا أن اللغة بحث آخر . إذ نادراً ما وصل المنظِّرون الاجتماعيون خارج فرنسا وإيطاليا إلى حدود أبعد من سوسير وليفي شتراوس . وبالنتيجة صار من المحير أن نواجه الأسماء غير المألوفة في نظرية اللغة عند فوكو : باتاي ، بلانشو ، روسيل ، ساد ، حتى نيتشه يبقى اسما غريبا في الآفاق الأمريكية الشمالية . إن المشكلة لا تتعلق بقرائه الذين لا تتوفر لديهم معلومات جيدة . فاللغة عند فوكو قريبة من المفهوم . ويرى فوكو أن المفهومية حد ضروري . فهي المشروع المركزي في المثالية ، أما الوضعية ، الظاهراتية ، النزعة التاريخية ـ وهي المناهج التي يثور فوكو عليها (57) ـ فجميعها تخفق في إدراك تجسّد الأحداث لأنها أفرطت في تقويم المفهومية وأبخست قيمة الخطأ والحد . ولا تقف المعرفة عند المركز ، بل في هوامش الحياة ، أي ليست داخل الإنسان وعالمه بل عند حدهما ، وبالنهاية فإنها تقف عند موضع الموت . اللغة والموت ـ اقتران محير . إنها العلاقة التي ضمنها يطور فوكو نظريته الكاملة في التاريخ والمعرفة والخطاب والسلطة . وقد عمدت السيمياء البنيوية structuralist semiotics إلى عزل اللغة عن التعبير والمعنى . إذ رفضت فكرة أن اللغة نتاج الذات المتكلمة . أما البنيوية فقد أخرجت اللغة من الوعي ، وهي بعملها هذا طرحت قضية أشكال اللغة بذاتها . وقد اشترك فوكو بهذه القناعات من دون أن يؤمن بها . فقد تجاوز نطاق اللغة ذاتها منذ البداية . وحينما طُلب منه تحديد موقع نظرية اللغة خاصته تحديدا تاريخيا وأيدلوجيا قال : " أنا مختلف عن أولئك الذين يطلق عليهم اسم |