حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
مفهوم النفس في القرآن ,أين أخطأ المفسرون؟( اعادة تفسير لايات النفس) - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: الحوار الديني (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=58)
+--- الموضوع: مفهوم النفس في القرآن ,أين أخطأ المفسرون؟( اعادة تفسير لايات النفس) (/showthread.php?tid=34253)



مفهوم النفس في القرآن ,أين أخطأ المفسرون؟( اعادة تفسير لايات النفس) - الصفي - 07-30-2009

ملخص بحث :
عندما نزل القرآن الكريم ، كانت كلمة ( نفس ) في اللغة العربية تعني الإنسان في حد ذاته، لذلك كان العربي يقول : عندي ثلاث أنفس ، يعني أن عنده في داره ثلاثة أشخاص . و هذا هو نفس المعنى الذّي قصد إليه الشاعر العربي حين قال :
يا قابض الروح من نفس إذا احتضرت وغافر الذنب زحزحني من النار
يقصد بذلك : يا قابض الروح من إنسان إذا احتضر.
ولم تكن كلمة ( النفس ) في لغة العرب تعنى ( الروح ) . و إنما ظهر هذا المفهوم في نهاية القرن الهجري الأول عندما ترجم كتاب أرسطو (De Anima) إلى العربية تحت اسم (في النفس). و شاع هذا المفهوم بين الناس ، و دخل في كتب تفسير القرآن الكريم.
هذا البحث يتناول الآيات التي فسرت بناء على مفهوم أن النفس و الروح شئ واحد ، مما أخل بفهم مقصد القرآن الكريم من هذه الآيات .
النفس و الروح
اختلف المفسرون في مسألة الروح و النفس ، هـل همـا شئ واحد أم لا ؟ ومعظم المفسرين على أنهما واحد. ونحن نعتقد بخلاف ذلك. وقد أوضحنا هذا الأمر في بحث سابق باسم (النفس والروح : القران يصحح المفاهيم) وفي هذا البحث سنقوم بإيضاح الأسباب التي أدت إلى اختلاف المفسرين في أمر النفس ؛ وبعد ذلك إيضاح ما ترتب على هذا الاختلاف.
1- في بداية عهد الدولة الأموية ، أمر خالد بن يزيد (ت 85هـ) أن تترجم له كتب الحكمة اليونانية ، إذ كان زاهدا في الحكم.
2- قام المترجمون السريان بترجمة كثير من كتب الطـب والفلسفة اليونانية، وكانت طريقة الترجمة حرفية و هي نقل الجملة المترجمة من لغة إلى أخرى كلمة..كلمة ( مرجع رقم 4 روزنتال، ترجمة فريحة ص.75 و 76).
3- من أخطاء الترجمة اعتبار أن كتاب أرسطو De Anima يتكلم عن النفس فسمى الكتاب في العربية ( في النفس ) . ( مرجع رقم 5 ألدو مييلي؛ ترجمة النجار ص 128).
وبما أن أرسطو كان يعتبر أن Anima أو Psyche هي التي تميز الكائن الحي عن الجسد الميت ، فقد نتج من ترجمة اسم الكتاب أن النفس مرادفة للروح .
- اعتبر أرسطو في كتابه De Anima أن النفس هي أول مراتب الوجود في الجسد الطبيعي : “على أية حال ، فالنفس متشبثة بالجسم و لا يمكن أن تفارقه (كما ظن الفيثاغورثيون ). إنها غير منفصلة عنه ، فهي صورته و حقيقة وجوده ، فكل جسم مكون من جسد و نفس ” . ( مرجع رقم 6 سارتون ترجمة الأهواني ص 255 ).
6- ولكن الاضطراب الواضح في ترجمة الكلمة إلى اللغة العربية ، لم يثر الانتباه ، فما هو معنى Anima بالضبط في اللغة العربية ؟
ففي كتاب تأريخ العلم لجورج سارتون قام المترجمون بترجمة كلمة Anima ومرادفاتها Spiritus و thymus Psyche بمعنى الروح، رغم أن كتاب أرسطو هذا سمــي سابقا (في النفس).
(مرجع رقم 6 تاريخ العلم جورج سارتون مقارنا مع المرجع رقم 4 العلم عند العرب ألدو مييلي).
7- ومنذ ترجمة كتاب ارسطو تغلغل مفهوم أن النفس تعني أيضا الروح ، وبالتالي إعتبروا أن النفس التي يتكلم عنها القرآن هي النفس التي يتكلم عنها فلاسفة اليونان.
8- فقد اعتبر الاصبهاني أن قوله تعالى :
( إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)
(ص : 72 )
إن المقصود بالروح هو النفس . ( مرجع رقم 7 الذريعة إلي مكارم الشريعة للأصبهاني)
9- ولكن القرآن الكريم فرق بين النفس و الروح تفرقة واضحة ، فالقرآن أورد كلمة النفس بمعنــى الإنسان ذاته ، كما في قوله تعالى :
( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم )
( النور : 61 )
( فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم )
( النور :61 )

10- أما الروح فقد وردت في القرآن الكريم بعدة معان كلها تفيد معنى الإحياء، سواء كان إحياء معنويا بالوحي و الرسالات أو إحياء ماديا بسر الحياة ( لسان العرب ، مادة : روح ) مثل قوله تعالى :
( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) . ( ص : 72 )
( ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا و صدقت بكلمات ربها وكانت مــــــــــن القانتين )
( التحريم : 12 )
11- و رغم أن القرآن الكريم فرق بين النفس و الروح ، إلا أن ترجمة العلم اليوناني أدت إلي دخــول مفهوم غريب في اللغة العربية، وهو أن النفس و الروح شئ واحد .
12- و قد كانت العرب تفرق بين الروح والنفس مثلما جاء في القرآن ، فقال الشاعر :
يا قابض الروح من نفس إذا احتضرت وغافر الذنب زحزحني من النار
فالشاعر لا يمكن أن يقصد بالنفس هنا الروح و إنما قصد بالنفس الإنسان .
13- وكما تأثر الفلاسفة المسلمون بالفلسفة اليونانية فقد تقبل المتكلمون و الفقهاء بعض آراء اليونــان باعتبار أنها لا تتعارض مع الإسلام . فنجد الإمام الغزالي يقول بخلود النفس ، كما يقول فلاسفة اليونـان ، مع أن القرآن الكريم يقرر خلاف ذلك( أنظر المرجع رقم 8 ، معارج القدس ص 95/96 ) :
( كل نفس ذائقة الموت ) (الأنبياء : 35 )
(كل نفس ذائقة الموت ) (العنكبوت : 57 )
( كل نفس ذائقة الموت) (آل عمران : 185)
(و ما تدرى نفس بأي أرض تموت ) (لقمان:25)
و من المؤكد أن الخلود ليس من صفات من كتب عليه الموت ، لقوله تعالى :
(وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ) (الأنبياء:34)
أنظر المرجع رقم (7) معارج القدسي ، الغزالي ص 95/96)
14- وحتى إبن قيم الجوزبة الإمام السلفي تأثر بهذا القول، فنراه يعقد في كتاب (الروح ) فـصــلا بعنـوان ( هل النفس و الروح شئ واحد أو شيئان مختلفان ) , (مرجع رقم 9 كتاب الروح ، ابن القيم ص 264 ).
15 - وقد دخل مفهوم أن الروح هي النفس إلى كتب تفسير القرآن لكريم أيضاً،فعلى سبيل المثال نجد القرطبي في الجامع لأحكام القرآن يورد في تفسير الآية ( الله يتوفى الأنفس حين موتها و التي لم تمت في منامها ) الآتي :
“ فيها أربع مسائل :
الأولى: …
الثانية : و قد اختلف الناس من هذه الآية في النفس و الروح هل هما شئ واحد أو شيئان على ما ذكرنا .
و الأظهر أنهما شئ واحد . و هو الذي تدل عليه الآثار الصحيحة . ( أنظر المرجع رقم 10 الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ج 15 ص 290 )
16- أدى مفهوم أن النفس هي الروح إلى فهم الآيات القرآنية عن محاسبة الناس يوم القيامة ( توفي الأنفس ) بمعنى ( قبض الأرواح) عند الموت .
17- و مع أن كلمة ( الوفاة ) في اللغة العربية قد تعني بجانب الموت ، معان أخرى مثل قضاء الدين و المحاسبة و قضاء الأجل ، إلا أن المفسرين أولوا كلمة ( وفاة ) بمعنى واحد فقط هو الموت .
(مرجع رقم 2 لسان العرب ، ابن منظور مادة : وفاة )
و بما أنهم إعتبروا أن النفس هي الروح ، فقد ترتب علي ذلك خطأ فادح في تفسير الآيات التي تذكر كلمة النفس بدل كلمة الإنسان .
18- الموت و الوفاة في القرآن الكريم :
إذا كان معنى كلمة (موت) انعدام الحياة ، فان كلمة ( الوفاة ) قد تعني الموت وقد لا تعني الموت . وقـد ذكـر القرآن الكريم الموت في مواضع كثيرة منها :
( كل نفس ذائقة الموت و إنما توفون أجوركم يوم القيامة ) .
(آل عمران : 85 )
( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ).
(السجدة:11 )
و إذا كان معنى كلمة (موت) في الآيتين واحد ، فمن الواضح أن معنى كلمة (توفـــون) و( يتوفاكم )، ليس معنـى واحدا. فالوفاة في الآية الأولى تعني المحاسبة (و إ نما توفون أجوركم يوم القيامة ) و الوفـاة الثـانيـة تعنـــي الإماتة . ( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ).
19- والمعنى الذي تؤديه كلمة الوفاة يستدل به من سياق الآية ، لأنه دائما توجد قرينة تدل على المعنى المراد للكلمة . وحيث لا توجد قرينة لغوية تدل على أن كلــمة وفاة المراد بها ( الموت ) فيجب حمل معنى الوفاة بمعانيها الأخرى. مثال ذلك :
( فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت ) .( النساء :15)
( حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ). ( الأنعام : 61 )
( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ). (السجدة :11)
(و الله خلقكم ثم يتوفاكم و منكم من يرد إلى أرذل العمر ). ( النور : 70 )
ففي هذه الآيات قرن بين الموت و الخلق و أرذل العمر ، فدلت هذه القرائن على أن الوفاة المقصودة هنا هي ( الإماتة ) .
أما الوفاة بمعنى توفى الحساب فقد وردت في مواضع عديدة منها :
( و الذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه و الله سريع الحساب ). (النور : 39 )
فمن سياق هذه الآية يفهم أن كلمة ( وفاة ) هنا أتت بمعنى المحاسبة يوم القيامة. ومثل ذلك قوله تعالى:
( يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون . يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق و يعلمون أن الله هو الحق المبين ) .( النور : 24-25 )
و قد ترد كلمة وفاة مقرونة مع كلمة ( نفس) ويكون المعنى المقصود هو توفية الإنسان حسابه يـوم القــيامة . ولا تعني أبدا ( الموت ) . ودلك بيّن في مثل قوله تعالى :
( فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه، و وفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) . (آل عمران : 25 )
(و ما كان لنبي أن يغل ، و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) ( آل عمران: 161 )
( و وفُيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون ) ( الزمر : )
21- وإذا أخذنا في الاعتبار النتيجة السابقة التي توصلنا إليهـا وهـي أن المقصود بكلمة (نفس) فـــي القرآن الكريم هو الإنسان في ذاته وليس ( النفس ) التي يتكلم عنها الفلاسفة ، يتبين لتا الخطأ في اعتبار أن النفس و الروح هما شئ واحد . كما يتبين لنا الخطأ الثاني الذي ترتب على الخطأ الأول ، وهو الخطأ في تفسير الآيات القرآنية التي تُذكر فيها لفظــة ( النفس ) بدلا عن كلمة الإنسان .
فالقرآن الكريم عندما يذكر أن كل نفس بما كسبت رهينة ، يقصد أن كل إنسان بما كسب رهين ، و عندما يقول ( و في أنفسكم أفلا تبصرون ) فإن من المؤكد أنه لا يقصد النفس التي يتكلم عنها الفلاسفة أو يقصد الروح ، فكلاهما لا يبصر.

22- ولما إنصرف تفكير معظم المفسرين إلى فهم أن ( النفس القرآنية ) هي (النفس الفلسفية) التي يتكلم عنها اليونانيون، واقتبسها منهم المسلمون، انصرف تفكيرهم إلي تأويل آيات توفي الأنفس إلي معنى (قبض الأرواح) أو توفيها عند الموت. وهذا تأويل ترتبت عليه معان لم يقصدها القرآن الكريم، كما أن هذه التفاسير قد جعلت من الصعب فهم النص القرآني . و سنعرض فيما يلي لهذه الآيات التي أُخطأ تفسيرها :
23- أول مثال نسوقه هو تفسير قوله تعالى في سورة الأنعام آية 93 :
( و لو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت و الملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم ، اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق و كنتم عن آياته تستكبرون ) . (الأنعام : 93 )
فاعتبار المفسرين أن ( النفس ) هي (الروح ) ترتب عليه أن تجاهلوا المفسرون أن الآية تقــول ( اليوم ) أي يوم القيامة ، كما ترتب عليه أن يقولوا بأن الملائكة تخاطب الناس عند لحظة الموت ، وهو ما لم تقصده الآية كما أن القرآن لا يقرر مخاطبة الناس بواسطة الملائكة في الحياة الدنيا إلا في حالات الرسل الذين خاطبهم الله تعالى بواسطة الملائكة ، و بصـــورة استثنائية مريم ابنة عمران .
24- تفسير الآية السابقة عند ابن جرير الطبري :
“يقول تعالى ذكره ولو ترى يا محمد حين يغمر الموت بسكراته هؤلاء الظالمين العادلين بربهم الآلهة و الأنداد ، و القائلين ما أنزل الله على بشر من شئ، و المفترين على الله كذبا الزاعمين أن الله أوحى إليه و لم يوح إليه شئ، و القائلين سأنزل مثل ما أنزل الله ، فتعاينهم وقد غشيتهم سكرات الموت، و نزل بهم أمر الله وحان فناء آجالهم و الملائكة باسطوا أيديهم يضربون وجوههم كما قال جل ثناؤه ( فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم) ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله و كرهوا رضوانه، يقولون لهم ( أخرجوا أنفسكم ) ، و الغمرات جمع غمرة و كل شئ كثرته و معظمه ، وأصله الشئ الذي يغمر الأشياء فيغطيها و منه قول الشاعر :
و هل ينجي من الغمرات إلا تراك للقتال أو الفرار
و يروى عن ابن عباس ما حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال: قال ابن عباس ، قوله ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت ) قال سكرات الموت. حدثت عن الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ قال سمعت الضحاك يقول في قوله تعالى ( في غمرات الموت ) بمعنى سكرات الموت . و أما بسط الملائكة أيديهم فانــه مـدها و اختلف أهل التأويل في سبب بسطها فقال بعضهم بنحو الذي قلنا في ذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن على بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت و الملائكة باسطوا أيديهم ) قال هذا عند الموت . و البسط الضرب ، يضربون وجوههم و أدبارهم . حدثني محمد ابن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله ( و لو ترى اذ الظالـمون في غمرات الموت و الملائكة باسطوا أبدبهم ) يضربون وجههم و أدبارهم , و الظالمون في غمرات الموت و ملك الموت يتوفاهم . حدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط عن السدي : ( و الملائكة باسطوا أيديهم ) يضربونهم . و قال آخرون بان بسطها أيديها بالعذاب . ذكر من قال ذلك : حدثنا وكيع قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن جويبر عن الضحاك ( و الملائكة باسطوا أيديهم ) قال بالعذاب. حدثني المثني قال حدثنــا اسحق قال حدثنا عبد الله بن الزبير عن ابن عيينة عن اسماعيل عن أبي خالد عن أبي صالح ( والملائكة باسطوا أيديهم ) بالعذاب. وكان بعض نحويي الكوفيين يتأول ذلك بمعنى (باسطوا أيديهم) بإخراج أنفسهم، فإن قال قائل ما وجه قوله (أخرجوا أنفسكم) ونفوس بني آدم إنما يخرجها من أبدانها رب العالمين، فكيف خوطب هؤلاء الكفار وأُمروا فــي حال الموت بإخراج أنفسهم، فإن كان ذلك كذلك فقد وجب أن يكون بني آدم هم يقبضون أنفس أجسامهم؟ قيل إن معنى ذلك بخلاف الذي ذهبت، وإنما ذلك الأمر من الله على ألسن رسله الّذين يقبضون أرواح هؤلاء القوم من أجسامهم بأداء ما أسكنها ربها من الأرواح إليه وتسليمها إلى رسلها الذين بتوفونها.
القول في تأويل قوله (اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق و كنتم عن آياته تستكبرون )، وهذا خبر من الله جل ثناؤه عما تقول رسل الله التي تقبض أرواح هؤلاء الكفار لها، يخبر عنها تقول لأجسامهم وأصحابها أحرجوا أنفسكم لسخط الله ولعنته فأنكم اليوم تثابون على كفركم بالله وقيلكم عليه الباطل وزعمكم أن الله أوحى إليكم ولم يوح إليكم شئ وإنكاركم أن يكون أنه أنزل على بشر شيئا واستكباركم عن الخضوع لأمر الله وأمر رسوله والانقياد لطاعته (عذاب الهون) وهو عذاب جهنم الّذي يهينهم فيذلهم حتى يعرفوا صغار أنفسهم وذلتها. كما حدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط عن السدى : أما عذاب الهون فالذي يهينهم، حدثنا القاسم حدثنا الحسين فال حدثنا حجاج عن ابن جريج (اليوم تجزون عذاب الهون) قال عذاب الهون في الآخرة بما كنتم تعملون، والعرب إذا أرادت بالهون معنى الهوان ضمت الهاء، وإذا أرادت به الرفق والدعة وخفة المؤونة فتحت الهاء، فقالوا هو قليل هون المؤنة ومنه قول الله (والذين يمشون على الأرض هونا) يعني بالرفق والسكينة والوقار، ومنه قول المثنى بن جندب الطهوى :
و نقض أيام نقض أسره هونا و ألغى كل شيخ فخره
25- تفسير ابن كثير للآية :
(ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت) أي في سكراته و غمراته وكرباته (والملائكة باسطوا أيديهم ) أي بالضرب كقوله ( لئن بسط إليّ يدك لتقتلني ) الآية ، و قوله (لبسطوا إليكم أيديهم و ألسنتهم بالسوء ) الآية . وقال الضحاك و أبو صالح (باسطوا أيديهم) بالعذاب كقوله تعالى : (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم) ولهذا قال (والملائكة باسطوا أيديهم) أي بالضرب لهم حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم ولهذا يقولون لهم (أخرجوا أنفسكم) ذلك أن الكافر إذا حضر بشرته الملائكة بالعذاب و النكال و الأغلال و السلاسل و الجحيم و غضب الرحمن الرحيم . فتتفرق روحه في جسده و تعصى وتأبى الخروج فتضرب الملائكة حتى تخرجهم أرواحهم من أجسادهم قائلين لهم ( أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق ) الآية : أي اليوم تهانون غاية الإهانـــة كما كنتم تكذبون على الله و تستكبرون عن إتباع آياته و الانقياد لرسله. وقد وردت الأحاديث المتواترة في كيفية احتضار المؤمن و الكافر و ههنا حديثا مطولا جدا عن طريق غريب عن الضحاك عن ابن عبــاس مرفوعا و الله أعلم .
26- تفسير البيضاوي للآية :
(ولو ترى إذ الظالمون) حذف مفعوله لدلالة الظرف عليه أي ولو ترى الظالمين (غمرات الموت) شدائده من غمره الماء إذا غشيه ( و الملائكة باسطوا أيديهم ) تقبض أرواحهم كالمتقاض الغليظ أو بالعذاب .
(أخرجوا أنفسكم ) أي يقولون لهم أخرجوها ألينا من أجسادكم تغليظا و تعنيفا عليهم أو أخرجوها من العذاب و خلصوها من أيدينا ( اليوم) يريد وقت الإماتة أو الوقت الممتد من الإماتة إلى ما لانهاية له . ( تجزون عذاب الهون ) أي الهوان يريد العذاب المتضمن لشدة و إهانة ، و إضافته إلى الهون لعراقته و تمكنه فيه .
27- التفسير المنطقي لهذه الآية :
ما كان للمفسرين أن يخطئوا في تفسير هذه الآية لولا أن تفكيرهم انصرف إلى جزء محدد من الآية دون سواه وهو قوله تعالى ( أخرجوا أنفسكم ) فهم تحت تأثير الفلسفة أخذوا النفس بمعنى الروح ، وبالتالي يكون معنى (أخرجوا أنفسكم) في النص (أخرجوا أرواحكم )، وبما أن خروج الروح يكون عند لحظة الموت فبالتالي اعتقدوا أن الآية تتحدث عن لحظة احتضار الكفار ، رغم أن كل القرائن تدل على أن هذا الموقف سيكون في يوم الحساب في الآخرة . فعبارة (اليوم تجزون عذاب الهون ) تشير إلـي يـوم معلـوم محدد معرّف بالألف و اللام ، وهو يوم الحساب فلا يوجد حساب يوم الاحتضار ولا يوجد خطاب بين الملائكـة و الناس . كما أن الآية التالية لهذه الآية مكملة لها و مبينة لتفاصيل هذا اليوم . يقول تعالى : (ولقد جئتمونا فرادا كما خلقناكم أول مرة و تركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعائكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء ، لقد تقطعت بينكم و ضل عنكم ما كنتم تزعمون ) . و نلاحظ هنا أن انصراف المفسرين لتفسير قوله ( أخرجوا أنفسكم) أنساهم حتى أن يبحثوا عن الكلمة التي توضح أن المقصود (باليوم ) هــو وقت الاحتضار وهذه الكلمة هي كلمة ( وفاة ) .و الآية لم تذكر كلمة ( وفاة ) أو كلمة ( موت ) .
أما التفسير الذي رجح عندنا فهو أن هذه الآية تتكلم عن مشهد الحساب يوم القيامة و الظالمون في النار يعانون من غمرات الموت و شدائده و لا يموتون ، فتقول لهم الملائكة متحدية (أخرجوا من النار) ، و هوما لن يستطيعوه ، كما في قوله تعالى ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها و ذوقوا عذاب الحريق ) الحج : 22 . و مسألة خروج الكفار من النار أو سؤالهم لله تعالى أن يخرجهم منها مسألة تكرر ذكرها في القرآن الكريم، لذا فإن تحدي الملائكة لهم بأن يخرجوا أنفسهم من النار إذا استطاعوا ، كمــا بيناه في الآية التي نحن بصدد تفسيرها فهو ليس بالمستبعد. و الآيات الأخرى التي تذكر الخروج من النار هي :
1- (و قال الذّين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم و ما هم بخرجين من النار ) (البقرة : 163)
2- ( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها و لهم عذاب مقيم ) (المائدة : 27 )
3- ( و الذّين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور () وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذّي كنا نعمل (37) (فاطر : 36و37 )
4- ( قالوا ربنا أمتنا اثنتين و أحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل )
( غافر : 11 )
28- المثال الثاني الذي نسوقه لإبانة الخطأ الذي وقع فيه المفسرون هو تأويلهم لقوله تعالى :
( ولو ترى إذ يتوفى الذّين كفروا الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم وذوقوا عذاب الحريق )
(الأنفال : 51)
فعلى الرغم من أن الآية ذكرت كلمة ( يتوفى ) فقط ولم تورد عبارة ( توفي الأنفس) التي دائما ما يأخذها المفسرون بمعنى ( قبض الأرواح ) إلا أنهم حملوا كلمة ( يتوفى ) هنا بمعنى تقبض أرواحهم ، ففهموا الآية بخلاف معناها .
29- تفسير الطبري للآية :
( ولو ترى إذ يتوفى الذّين كفروا الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم و ذوقوا عذاب الحريق ) يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ولو تعاين يا محمد حين تتوفى الملائكة أرواح الكفار فتنزعها من أجسادهم تضرب الوجوه منهم و الاستاه . و يقولون لهم ذوقوا عذاب النار التي تحرقكم يوم ورودكم جهنم . وبنحو الذّي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله ( إذ يتوفى الذّين كفروا الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم ) قال يوم بدر حدثنا ابن وكيع قال حدثنا يحي بن أسلم عن إسمـاعيل بن كثير عن مجـاهـد ( يضربون وجوههم و أدبارهم ) قال استاهم . ولكن الله كريم يكني . حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي حدثنـا سفيان عن أبي هاشم عن مجاهد قوله ( يضربون وجوههم و أدبارهم ) قال و استاهم ، لكن الله كريم يكني . حدثنا محمد بن المثني قال حدثنا وهب بن جرير قال : قال أخبرنا شعبة عن يعلى بن مسلم عن سعيد ابن جبير في قوله( يضربون وجوههم و أدبارهم ) قال إن الله كنى و لو شاء لقال استاهم، و إنما عني بأدبارهم استاهم .
حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال استاهم يوم بدر . قال ابن جريج قال ابن عباس ( إذا أقبل المشركون بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيوف و إذا ولوا أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم ) حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا عباد ابن راشد عن الحسن قال قال رجل يا رسول الله إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك ، ففما ذلك ؟ قال : ضرب الملائكة حدثنا محمد قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا إسرائيل عن منصور عن مجاهد أن رجلا قال للنبي (ص) إني حملت على رجل من المشركين فذهبت لأضربه فندر رأسه . قال سبقك إليه الملك…
30- تفسير ابن كثير للآية :
( و لو ترى إذ يتوفى الذّين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق (50) ذلك بما قدمت أيديكم وان الله ليس بظلام للعبيد (51) .
يقول تعالى ولو عاينت يا محمد حال توفي الملائكة أرواح الكفار ، لرأيت أمرا عظيما هائلا فظيعا منكرا ، إذ يضربون وجوههم و أدبارهم و يقولون ذوقوا عذاب الحريق . قال ابن جريج عن مجاهد أدبارهم استاهم قال يوم بدر ، قال ابن جريج قال ابن عباس إذا أقبل المشركون بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيوف و إذا ولوا أدركتهم الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم . وقال ابن نجيح عن مجاهد في قوله ( إذ يتوفى الذّين كفروا الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم ) يوم بدر ، و قال وكيع عن سفيان الثوري عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير عن مجاهد وعن شعبة عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير ( يضربون وجوههم و أدبارهم ) قال و استاهم و لكن الله يكني وكذا قال عمر مولى عفرة . و عن الحسن البصري قال قال رجل يا رسول الله إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشوك. قال ذاك ضرب الملائكة . رواه ابن جرير وهو مرسل . وهذا السياق وان كان سببه وقعة بدر ولكنه عام في حق كل كافر … الخ.
31- تفسير البيضاوي للآية :
(ولو ترى) فلو رأيت فان لو تجعل المضارع ماضيا عكس إن ( إذ يتوفى الذّين كفروا الملائكة ) ببدر. و إذ ظرف ترى و المفعول محذوف أي ولو ترى الكفرة و حالهم حينئذ و الملائكة فاعل يتوفى ، و يدل عليه قراءة ابن عامر بالتاء . و يجوز أن تكـون الـفاعل ضمير الله عز و جل وهو مبتدأ خبره ( يضربون وجوههم ) و الجملة حال من الذّين كفروا و استغني منه بالضمير عن الواو وهو على الأول حال منهم أو من الملائكة أو منها لاستعماله على الضميرين ( و أدبارهم ) ظهورهم و استاهم و لعل المراد تعميم الضرب أي يضربون ما قبل منهم وما أدبر ( و ذوقوا عذاب الحريق ) عطف على يضربون بإضمار القول أي ويقولون ذوقوا بشارة لهم بعذاب الآخرة .
32- ةالتفسير المنطقي لهذه الآية:
رأينا كيف أن إصرار المفسرين على أن (الوفاة) هي (قبض الروح) - متجاهلين بأن أحد معاني هذه الكلمة هو إيفاء الدين أو المحاسبة - قد فرض عليهم أن يؤلوا توفي الملائكة للذّين كفروا بأنها قبض أرواحهم عند الموت و ذكروا أن ضرب الوجوه والأدبار كان يوم وقعة بدر و أوردوا أحاديث معلولة لتعضيد تفسيرهم و نسبوا لمجاهد قوله إن المسلمين يضربون وجوه الكفار بسيوفهم فإذا ولوا ضربت الملائكة أدبارهم ، مع أن الآية لم تذكر المسلمين و سيوفهم من قريب أو بعيد ، و لكنها قالت إن الملائكة هم الذّين يضربون وجوه وأدبار الكفار .
و إذا اعتبرنا أن (التوفي) المذكور في هذه الآية هو المحاسبة ، فإن معنى الآية يكون في منتهى الوضوح :
و لو ترى حين توفي الملائكة الذّين كفروا حسابهم يوم القيامة وهم يضربون وجوههم و أدبارهم يقولون لهم ذوقوا عذاب الحريق ، كما تبين الملائكة لهؤلاء الكفار سبب العذاب ( ذلك بما قدمت أيديكم ) و هو ما اقترفوه من آثام في الحياة الدنيا ( و أن الله ليس بظلام للعبيد ) و ذلك تصديقا لقوله تعالى ( فاليوم لا تظلم نفس شيئا و لا تجزون إلا ما كنتم تعملون). يس : 54
33- المثال الثالث الذّي نسوقه هو قوله تعالي في سورة النحل :
( الذّين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء . بلى إن الله عليــم بما كنتم تعملون )
(النحل : 28 )
وقوله تعالى :
( الذّين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون)
(النحل : 32 )
34- تفسير الطبري للآيتين :
( الذّين تتوفاهم الملائكة) الذّين تقبض أرواحهم الملائكة ( ظالمي أنفسهم ) يعني و هم على كفرهم و شركهم بالله . و قيل انه عني بذلك من قتل من قريش ببدر وقد أخرج إليها كرها … الخ..
( الذّين تتوفاهم الملائكة طيبين ) يقول تعالى ذكره : كذلك يجزي الله المتقين الذّين تقبض أرواحهم ملائكة الله وهم طيبون، يتطبب الله إياهم بنظافة الإيمان و طهر الإسلام في حال حياتهم و مماتهم .
حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد مثله . و قوله ( يقولون سلام عليكم ) يعني جل ثناؤه أن الملائكة تقبض أرواح هؤلاء المتقين وهي تقول لهم سلام عليكم صيروا إلى الجنة ، بشارة من الله تبشرهم بها الملائكة .
35- تفسير ابن كثير لآيات سورة النحل :
( الذّين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كناس نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون . فأدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين) يخبر تعالى عن حال المشركين الظالمي أنفسهم عند إحتضارهم و مجئ الملائكة إليهم لقبض أرواحهم الخبيثة ( فألقوا السلم ) أي أظهروا السمع و الطاعة و الانقياد قائلين (ما كنا نعمل من سوء) قال الله مكذبا لهم (بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فأدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين) أي بئس المقيل و المقام و المكان من دار هوان لمن كان متكبرا عن آيات الله و إتباع رسله . و هم يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم و ينال أجسادهم من قبورها من حرها و سمومها فإذا كان يوم القيامة سكنت أرواحهم في أجسادهم و خلدت في نار جهنم ( لا يقضى عليهم فيموتوا و لا يخفف عنهم عذابها ) كما قال الله تعالى ( النار يعرضون عليها غدوا و عشيا و يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب).
( الذّين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كمنتم تعملون ) .. ثم أخبر تعالى عن حالهم عند الاحتضار انهم طيبون مخلصّون من الشرك و كل سوء و أن الملائكة تسلم عليهم و تبشرهم بالجنة كقوله تعالى ( نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة ) و قد قدمنا الأحاديث الواردة في قبض روح المؤمن و روح الكافر عند قوله تعالى ( يثبت الله الذّين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و الآخرة )
36- تفسير البيضاوي لهذه الآيات :
( الذّين تتوفاهم الملائكة ) و قرأ حمزة بالياء وقرئ بإدغام التاء في التاء و موضع الموصول يحتمل الأوجه الثلاثة ( ظالمي أنفسهم ) بأن عرضوها للعذاب المخلّد . ( فألقوا السلم ) فسالموا و اخبتوا حين عاينوا الموت ( ما كنا نعمل من سوء ) قائلين ما كنا نعمل من سوء كفران و عدوان و يجوز أن يكون تفسير السلم على أن المراد به القول الدال على الاستسلام (بلى) أي تجيبهم الملائكة بلى (إن الله عليم بما كنتم تعملون) فهو يجازيكم عليه . و قيل قوله ( فألقوا السلم ..) إلى آخر الآية استئناف و رجوع إلى شرح حالهم يوم القيامة .. الخ.
( الذّين تتوفاهم الملائكة طيبين ) طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر و المعاصي لأنه في مقابلة ظالمي أنفسهم وقيل فرحين ببشارة الملائكة إياهم بالجنة أو حين تقبض أرواحهم لتوجه أنفسهم بالكلية إلى حضرة القدس ( يقولون سلام عليكم ) لا يلحقكم بعد مكروه ( أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) حين تبعثون فإنها معدة لكم على أعمالكم. و قيل هذا التوفي وفاة الحشر لأن الأمر بالدخول حينئذ .
ملحوظة : نلاحظ هنا ما أورده البيضاوي : ( و قيل هذا التوفي وفاة الحشر لأن الأمر بالدخول يكون حينئذ ) و هذا القول ينسب إلى الحسن البصري وقد ذكره النيسابوري في تفسيره على هامش تفسير الطبري حيث قال في تأويل هذه الآية ( أكثر المفسرين على أن هذا التوفي هو قبض الأرواح . وعن الحسن أن المراد بهذا التوفي هو وفاة الحشر لأنه لا يقال عند قبض الروح في الدنيا أدخلوا الجنة ) . و لكن النيسابوري يرد على هذا الرأي بقوله ( و الأولون قالوا البشارة بالجنة غيره الدخول فيها ) .
37-التفسير المنطقي لهذه الآية :
في هذه الآيات ذهب المفسرون أيضا إلى أن كلمة ( تتوفاهم ) المقصود بها (تقبض أرواحهم ) لدرجة أنهم أهملوا السياق الذي وردت فيه هذه الآيات . و حتى تضح الرؤية فإننا نورد الآيات جميعها التي توجد بينها وحدة موضوعية لا تُخطأ ، حيث إن الآية السابقة لآية (التوفي) تتكلم صراحة عن يوم القيامة ، حيث يقول تعالى ( ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذّين كنتم تشاقون فيهم ، قال الذّين اوتوا العلم إن الخزي اليوم و السوء على الكافرين (27) الذّين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم. فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء ، بلى إن الله عليم بما كنتم تعلمون (28) .
وإذا لم تقف في القراءة عند الفاصلة بين الآيتين و وصلنا بينهما فنقرأ الآيات ( قال الذّين أوتوا العلم إن الخزي اليوم و السوء على الكافرين الذيّن تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ..) و بهذا يكون المعنى واضحا و هو أن الملائكة يوم القيامة توفي الكافرين حسابهم ، و تقول لهم ( فأدخلوا أبواب جهنم خالين فيها فلبئس مثوى المتكبرين (29) .
و نفس الشئ يقال عن الذّين تتوفاهم الملائكة طيبين ، حيث أن هذه الآية ترد في نفس سياق الآيات السابقة ( و قيل للّذين اتقوا ما أنزل ربكم ، قالوا خيرا ، للذّين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة و لدار الآخرة خبر و لنعم دار المتقين . جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار ، لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين . الذّين تتوفاهم الملائكة طيبين ، يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) . و لو أننا لم نقف في قراءتنا عند الفاصلة بين الآيتين و قرأناهما ( كذلك يجزي الله المتقين الذّين تتوفاهم الملائكة طيبين ) فيكون معنى الآية : إن الملائكة توفي حساب المتقين الذّين يجزيهم الله جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار ، فتقول لهم ( سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون).
38- و تتضح الصورة التي تعطينا لها هذه الآيات عن يوم القيامة و نوفي الحساب إذا قرأناها مع آيات سورة الزمر حيث تتكرر نفس الألفاظ و المعاني السابقة .
و نفخ في الصور فصعق من في السموات و الأرض إلا من شاء الله ، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون(68) و أشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب و جئ بالنبيين و الشهداء و قضي بينهم بالحق و هم لا يظلمون (69) و وفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون (70) و سيق الذّين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها و قال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم و ينذرونكم لقاء يومكم هذا، قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين (71) قيل أدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين (72) و سيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها و فتحت أبوابها و قال لهم خزنتها سلام عليكم ، طبتم فادخلوها خالدين (73) و قالوا الحمد لله الذّي صدقنا وعده و أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين (74)
فبالإضافة إلى تكرر آية كاملة في سورتي النحل و الزمر و هي قوله تعالى في النحل (فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ) و في سورة الزمر قوله تعالى (قيل أدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين )، فإن المعاني و الألفاظ تتشابه في السورتين مما يدل على أن آيات سورة النحل تتحدث عن توفي الحساب يوم القيامة وهو نفس موضوع آيات سورة الزمر .
39 - المثال الرابع لآيات التوفي :
( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته ، أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا و شهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ).
الأعراف :37
40-تفسير الطبري لهذه الآية :
بعني جل ثناؤه بقوله ( حتى إذا جاءتهم رسلنا ) إلى أن جاءتهم رسلنا. يقول جل ثناؤه : و هؤلاء الذّين افتروا على الله الكذب أو كذبوا بآيات ربهم ينالهم حظوظهم التي كتب الله لهم و سبق في علمه لهم من رزق و عمل و أجل و خير و شر في الدنيا إلى أن تأتيهم رسلنا لتقبض أرواحهم فإذا ( جاءتهم رسلنا ) يعني ملك الموت و جنده (يتوفونهم) يستوفون عبورهم من الدنيا إلى الآخرة ( قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله) يقول : قالت الرسل أين الذّين كنتم تدعونهم أولياء من دون الله و تعبدونهم ، لا يدفعون عنكم ما قد جاء من أمر الله الذّي هو خالقهم و خالقكم و ما قد نزل ساحتكم من عظيم البلاء ، و هلا يغيثونكم من كرب ما أنتم فيه فينقذونكم منه . فأجابهم الأشقياء فقالوا ( ضلوا عنا ) أولياءنا فلم ينفعونا . يقول جل ثناؤه : و شهد القوم حينئذ على أنفسهم أنهم كانوا كافرين بالله ، جاحدين وحدانيته .
41-تفسير ابن كثير لهذه الآية :
يخبر تعالى أن الملائكة إذا توفت المشركين تفزعهم عند الموت و قبض أرواحهم إلى النار يقولون لهم ( أين ما كنتم تدعون من دون الله ) أين الذّين كنتم تشركون بهم في الحياة الدنيا و تدعونهم و تعبدونهم من دون الله ، دعوهم يخلصونكم مما انتم فيه قالوا (ضلوا عنا) أي ذهبوا منا فلا نرجوا فيهم ولا خيرهم (وشهدوا على أنفسهم) أي أقروا و إعترفوا على أنفسهم ( أنهم كانوا كافرين).
42 -تفسير البيضاوي لهذه الآية :
( حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم ) أي يتوفون أرواحهم . و هو حال من الرسل و حتى غاية لينلهم و هي التي يبدأ بعدها الكلام .
43-التفسير المنطقي لهذه الآية :
معنى ( يتوفونهم ) أي يوفونهم حسابهم ، و هذا يكون في يوم الحساب في الآخرة و ليس عند الموت. و المعروف أن سورة الأعراف اختصت ببيان حال أهل النار و أهل الجنة يوم القيامة . و الآيات التي تلي هذه الآية مباشرة تدل على إن كل هذه الأحداث هي عند المحاسبة و ليست عند الموت . لذا فإن الآية التي نحن بصدد تفسيرها تقول ( حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم ) أي حتى إذا جاءت الملائكة توفي هؤلاء المكذبين بآيات الله المفترين عليه الكذب ، حسابهم سألتهم ( أين ما كنتم تدعون من دون الله ) و لما شهدوا على أنفسهم بكفرانهم ( قال فادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن و الإنس في النار ، كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم ضعفا من النار، قال لكل ضعف ولكن لا تعملون) .
و قد ذكر البيضاوي في قوله ( قال أدخلوا ) أي قال لهم يوم القيامة واحد من الملائكة .
44-المثال الخامس :
قوله تعالى: ( فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم ) .
محمد : 27
45-تفسير ابن كثير لهذه الآية :
أي كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم و تعاصت الأرواح في أجسادهم و استخرجتها الملائكة بالعنف و القهر و الضرب .
46- التفسير المنطقي لهذه الآية
قد مر القول في مثله في سورة الأنفال إذ أن ( التوفي ) المقصود هنا هو توفي الحساب حيث الضرب في الوجوه و الأدبار ، و الذّي لا يكون عند الموت .
47- المثال السادس :
قوله تعالى ( إن الذّين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ، فأولئك مثواهم جهنم و ساءت مصيرا )
(النساء : 97 )
47- التفسير المنطقي لهذه الآيةة:
يكون هذا الحوار بين الملائكة و الذّين ظلموا أنفسهم بتخلفهم في ديار المشركين، يوم توفيهم الملائكة حسابهم في الآخرة . لذلك قال تعالى : ( فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيرا ).
48 -المثال السابع الذّي نسوقه هو قوله تعالى :
( يا أيتها النفس المطمئنة(27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28) و ادخلي في عبادي (29) و ادخلي جنتي (30)
(الفجر 27-30 )
49-تفسير الطبري لهذه الآيات :
و قوله ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملائكة لأوليائه يوم القيامة : يا أيتها النفس المطمئنة يعني بالمطمئنة التي اطمأنت إلى وعد الله الذّي وعد أهل الإيمان به في الدنيا ، من الكرامة في الآخرة فصدقت بذلك . وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم نحو الذّي قلنا . ذكر من قال ذلك: حدثني علي قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس ( يا أيتها النفس المطمئنة ) يقول المصدقة . حدثنا بشر قال حدثني يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قوله (يا أيتها النفس المطمئنة) هو المؤمن اطمأنت نفسه إلى ما وعد الله. حدثنا ابن عبد الأعلى قال: حدثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة و الحسن في قوله (يا أيتها النفس المطمئنة) قال المطمئنة إلى ما قاله الله، والمصدقة بما قال. وقال آخرون: بل معنى ذلك: المصدقة الموقنة بأن الله ربها المسلمة لأمره فيما هو فاعل بها. ذكر من قال ذلك الخ.
وقوله (ارجعي إلى ربك) اختلف أهل التأويل في تأويله فقال بعضهم : هذا خبر من الله جل ثناؤه عن قيل الملائكة لنفس المؤمن عند البعث ، تأمرها أن ترجع في جسد صاحبها، وعنى بالرد ها هنا صاحبها . ذكر من قال ذلك : حدتي محمد بن سعد قال حدثني أبي ، قال حدثني عمي قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) قال ترد الأرواح المطمئنة يوم القيامة في الأحشاء .
حدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ يقول سمعت الضحاك يقول في قوله تعالى (فأدخلي في عبادي و أدخلي جنتي) يأمر الله الأرواح يوم القيامة أن ترجع إلى الأجساد ، فيأتون الله كما خلقهم أول مرة . حدثنا ابن عبد الأعلى قال حدثنا المعتمر عن أبيه عن عكرمة في هذه الآية ( ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) إلى الجسد و قال آخرون بل يقال ذلك عند الموت . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد قال حدثنا مهران عن سفيان عن إسماعيل عن أبي خالد عن أبي صالح ( ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) قال هذا عند الموت (فأدخلي في عبادي ) قال هذا يوم القيامة . وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذّي ذكرناه عن ابن عباس والضحاك ، إن ذلك إنما يقال لهم عند رد الأرواح إلى الأجساد يوم البعث لدلالة قوله ( فأدخلي في عبادي و أدخلي جنتي ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك فأدخلي في عبادي الصالحين ، و أدخلي جنتي . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنـا سعـيد عن قتـادة قوله ( فأدخلي في عبادي ) قال ادحلي في عبادي الصالحين ( و أدخلي جنتي ) و قال آخرون : معنى ذلك فأدخلي في طاعتي و أدخلي جنتي. ذكر من قال ذلك : حدثنا وكيع عن نعيم بن ضمضم عن محمد بن مزاحم أخي الضحاك بن مزاحم ( فأدخلي في عبادي ) قال في طاعتي ( و أدخلي جنتي ) قال رحمتي .. الخ
50- تفسير ابن كثير :
( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) أي إلي جواره و ثوابه وما أعد لعباده في جنته ( راضية ) أي في نفسها ( مرضية ) أي قد رضيت عن الله و رضى عنها و أرضاها ( فأدخلي في عبادي ) أي في جملتهم ( و أدخلي جنتي ) و هذا يقال لها عند الاحتضار و في يوم القيامة أيضا . كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند موته و عند قيامه من قبره فكذلك ههنا .
ثم اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآية ، فروى الضحاك عن ابن عباس : نزلت في عثمان بن عفان ، و عن بريدة بن الحصيب نزلت في حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه . و قال الحوفي عن ابن عباس : يقال للأرواح المطمئنة يوم القيامة ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك) يعني صاحبك و هو بدنها الذّي كانت تعمره في الدنيا راضية مرضية . و روي عنه أنه كان يقرؤها (فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي) وكذا قال عكرمة و الكلبي واختاره ابن جرير وهو غريب ، و الظاهر الأول لقوله تعالى (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق)، ( وان مردنا إلى الله ) أي إلى حكمه و الوقوف بين يديه . الخ ..
51-تفسير البيضاوي :
( يا أيتها النفس المطمئنة ) على إرادة القول و هي التي اطمأنت بذكر الله فإن النفس تترقى في سلسلة الأسباب و المسببات إلى الواجب بذاته ، فتستقر دوما معرفته و تستغني به عن غيره . أو إلى الحق بحيث لا يريبها شك و الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن وقد قرئ بها ( ارجعي إلى ربك) إلى أمره أو موعده بالموت و يشعر ذلك بقول من قال كانت النفوس قبل الأبدان موجودة في عالم القدس أو بالبعث (راضية ) بما أوتيت ( مرضية ) عند الله ( فأدخلي في عبادي ) في جملة عبادي الصالحين ( و أدخلي جنتي ) معهم . أو في زمرة المقربين فتستضئ بنورهم فإن الجواهر القدسية كالمرايا المتقابلة، أو ادخلي في أحشاء عبادي التي فارقت عنها و أدخلي دار ثوابي التي أعددت لك .
59-التفسير المنطقي لهذه الآية:
إذا ذهب أكثر المفسرين إلى الأخذ بمفهوم الفلاسفة للنفس، فإن هناك إشكال لغوي يواجه هذا التأويل : فالنفس التي تؤمر بالعودة إلى ربها و الدخول في أحشاء عباده إذا كانت النفس التي بمعنى الروح كان للنص القرآني أن يرد بصورة أخرى . فالنفس المخاطبة مفردة و العباد جمع ، فكان لكلمة (نفس) أن ترد على صيغة الجمع (النفوس) ما دامت ستدخل في (عباد) التي وردت بصورة الجمع . أو كان على النص القرآني أن يورد كلمة (عبادي) بصيغة المفرد ( عبدي ) ما دامت ( النفس ) التي ستدخل فيه نفس واحدة . فتكون الصيغة : ( يا أيتها “النفوس ” المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في “عبادي ” و أدخلي جنتي ) .
أو يكون النص : ( يا أيتها “ النفس ” المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية و أدخلي في “ عبدي ” و أدخلي جنتي ) .
أما إذا اعتبرنا كلمة ( نفس ) مقصود بها ( الإنسان ) فإن معنى الآية يكون خلافا لما قاله معظم المفسرين و هو : يا أبها الإنسان المطمئن ارجع إلى ربك راض مرضي ، و أدخل في عبادي ( اي زمرتهم )و أدخل جنتي .
53- ومثل هذا المعنى “ بالدخول ” في زمرة أو مجموعة قد ورد في القرآن الكريم في عدة مواضع منها:
1-( قال أدخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن و الإنس في النار )
الأعراف : 38 .
2-( و الذّين آمنوا و عملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين )
العنكبوت : 7.
3- ( و أدخلني برحمتك في الصالحين ) .
النمل : 19

انتهى بحمد الله

مراجع البحث

(1) القرآن الكريم
(2) إبن منظور ، لسان العرب
(3) فرانتز روزنتال ، مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي، ترجمة أنيس فريحة، دار الثقافة ، بيروت ، 1961.
(4) الدو ميلي ، العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالمي ، ترجمة: محمد يوسف موسي و عبد المنعم النجار دار العلم القاهرة طبعة : 1،1962م
(5) جروج سارتون ، تأريخ العلم ، ترجمة الأهواني و آخرين ، دار المعارف القــاهرة، الجزء (1) الطبعة الثانية، 1963
(6) الراغب الأصفهاني ، الذريعة إلى مكارم الشريعة ، تحقيق أبو اليزيد لعجمي ، الناشر مناهل الفرقان بيروت .ب.ت
(7) الغزالي ، معارج القدس في مدارج معرفة النفس ، مطبعة الاستقامة القاهرة ، دون تأريخ .
(8) ابن قيم الجوزية ،الروح ، دار الفكر ، بيروت 1989 .
(9) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ، دار الكاتب العربي للطباعة و النشر، 1967م.


RE: مفهوم النفس في القرآن ,أين أخطأ المفسرون؟( اعادة تفسير لايات النفس) - الحسن الهاشمي المختار - 08-03-2009

بحث قيم. بارك الله فيك.


RE: مفهوم النفس في القرآن ,أين أخطأ المفسرون؟( اعادة تفسير لايات النفس) - المعتزلي - 08-03-2009

بحث ممتاز و ليت الأخ الصفي يوضح ايضا اللبس الحادث حول مفهوم كلمة "شهيد"


RE: مفهوم النفس في القرآن ,أين أخطأ المفسرون؟( اعادة تفسير لايات النفس) - الصفي - 08-03-2009

(08-03-2009, 07:41 AM)الحسن الهاشمي المختار كتب:  بحث قيم. بارك الله فيك.
شكرا اخي الكريم الحسن .
(08-03-2009, 03:05 PM)المعتزلي كتب:  بحث ممتاز و ليت الأخ الصفي يوضح ايضا اللبس الحادث حول مفهوم كلمة "شهيد"
شكرا جزيلا لمرورك .



RE: مفهوم النفس في القرآن ,أين أخطأ المفسرون؟( اعادة تفسير لايات النفس) - اسحق - 10-11-2009

سفر التثنية [ 12 : 23 ] :

" الدم هو النفس "
تحياتى


RE: مفهوم النفس في القرآن ,أين أخطأ المفسرون؟( اعادة تفسير لايات النفس) - الصفي - 10-17-2009

(10-11-2009, 09:54 AM)اسحق كتب:  سفر التثنية [ 12 : 23 ] :

" الدم هو النفس "
تحياتى
الدم احد معان كلمة نفس حسب المعاجم العربية زميلي اسحق. و لكن هذا المعنى ليس من القران الكريم.