حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
ألغاز ميلاد يسوع 2-3 - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: قــــــرأت لـك (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=79)
+---- المنتدى: مواضيـع منقــولة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=25)
+---- الموضوع: ألغاز ميلاد يسوع 2-3 (/showthread.php?tid=34368)



ألغاز ميلاد يسوع 2-3 - Gkhawam - 08-12-2009

بقلم فراس السواح

في الحلقة الأولى من هذه الدراسة تحدّثنا عن الغموض الذي يحيط بأسرة يسوع، وعن مشكلات سلسلتي نسب يسوع عند كلّ من متّى ولوقا، وعن البشارة السماوية، والحَبْل العذريّ. وفي هذه الحلقة سنتحدّث عن ألغاز قصّة الميلاد نفسها.
4 – قصّة الميلاد :
رواية متّى: بعد أن ختم متّى في الإصحاح الأوّل قصّة الحبل العذريّ بقوله: " وأخذ امرأته ولم يعرفها حتى وضعت ابنها البكر، ودعا اسمه يسوع"، يستهلّ قصّة الميلاد في الإصحاح الثاني فيقول :
" ولمّا ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودوس الملك، إذا مجوس من المشرق قد جاؤوا إلى أورشليم قائلين : أين هو المولود ملك اليهود؟ فإنّا رأينا نجمهُ في المشرق وأتينا لنسجد له. فلمّا سمع هيرودوس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه، فجمع كلّ رؤساء الكهنة وكَتَبة الشعب وسألهم : أين يولد المسيح؟ فقالوا له: في بيت لحم اليهودية، لأنّه هكذا مكتوب بالنبيّ: وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأنّ منك يخرج مُدبرٌ يرعى شعبي إسرائيل.
"حينئذ دعا هيرودوس المجوس سرّاً وتحقّق منهم زمان النجم الذي ظهر، ثم أرسلهم إلى بيت لحم وقال: اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبيّ، ومتى وجدتموه فاخبروني لكي آتي أنا أيضاً وأسجد له. فلمّا سمعوا من الملك ذهبوا، وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدّمهم حتى جاء ووقف فوق، حيث كان الصبيّ. فلمّا رأوا النجم فرحوا فرحاً عظيماً جدّاً وأتوا إلى البيت ورأوا الصبيّ مع مريم أمّه، فَخَرُّوا وسجدوا له، ثمّ فتحوا كنوزهم وقدّموا له ذهباً ولُباناً ومُرَّاً، ثمّ إذ أُوحي إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودوس، انصرفوا في طريق أخرى إلى كورتهم .
" وبعدما انصرفوا، إذا ملاك الربّ قد ظهر ليوسف في حلم قائلاً: قم وخذ الصبيّ وأمّه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك، لأنّ هيرودوس مزمع أن يطلب الصبيّ ليهلكه. فقام وأخذ الصبيّ وأمّه ليلاً وانصرف إلى مصر، وكان هناك إلى وفاة هيرودوس، لكي يتمّ ما قيل من الربّ بالنبيّ القائل: ومن مصر دعوت ابني. حينئذ لما رأى هيرودوس أنّ المجوس سخروا به غضب جداً، فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كلّ تخومها من ابن سنتين فما دون، بحسب الزمان الذي تحقّقه من المجوس. حينئذ تمّ ما قيل بإرميا النبيّ القائل: صوت سُمع في الرامة، نوح وبكاء وعويل كثير، راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزّى لأنهم ليسوا بموجودين .
" فلمّا مات هيرودوس، إذا ملاك الربّ قد ظهر في حلم ليوسف في مصر قائلاً: قم وخذ الصبيّ وأمّه واذهب إلى أرض إسرائيل، لأنّه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبيّ. فقام وأخذ الصبيّ وأمّه وجاء إلى أرض إسرائيل. ولكن لمّا سمع أن أرخيلاوس يملك على اليهودية عوضاً عن هيرودوس أبيه خاف أن يذهب إلى هناك. وإذ أُوحي إليه في حلم انصرف إلى نواحي الجليل وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة، لكي يتمّ ما قيل بالأنبياء إنه سيدعى ناصرياً. " (متى 2: 1-23) .
رواية لوقاً :
بعد أن ينتهي لوقا من سرد قصّة ميلاد يوحنا المعمدان التي شبكها مع قصّة ميلاد يسوع في إصحاحه الأول، ينتقل إلى القول :
" وفي تلك الأيام صدر أمر من أغسطس قيصر بأن يُكتتب كل المسكونة، وهذا الاكتتاب جرى إذ كان كيرينيوس والى سورية. فذهب الجميع ليكتتبوا كلّ واحد إلى مدينته. فصعد يوسف أيضاً من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم لكونه من بيت داود وعشيرته، ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى. وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد، فولدت ابنها البكر وقطمته وأضجعته في المذود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل (= النزل، الفندق، الخان) .
" وكان في تلك الكورة رعاة متبدون يحرسون حراسات الليل على رعيتهم. وإذا ملاك الربّ وقف بهم ومجدُ الرب أضاء حولهم فخافوا خوفاً عظيماً. فقال لهم الملاك: لا تخافوا، فها أنا أبشّركم بفرح عظيم يكون لكل الشعب، أنه قد ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلِّص هو المسيح الربّ، وهذه لكم العلامة، تجدون طفلاً مقمطاً مُضجعاً في مزود. وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين: المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرّة. ولما مضت عنهم الملائكة إلى السماء، قال الرعاة بعضهم لبعض لنذهب الآن إلى بيت لحم وننظر هذا الأمر الواقع الذي أعلمنا به الربّ. فجاؤوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مُضجعاً في مزود. فلما رأوه أَخبروا بالكلام الذي قيل لهم عن الصبيّ، وكل الذين سمعوا تعجّبوا مما قيل لهم من الرعاة. وأمّا مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكّرة به في قلبها. ثم رجع الرعاة وهم يمجّدون الله ويسبّحونه على كل ما سمعوه، ورأوه كما قيل لهم .
" ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبيّ سُمي يسوع كما تَسمَّى من الملاك قبل أن حُبل به في البطن، ولما تمّت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى صعدوا إلى أورشليم ليقدّموه للربّ، كما هو مكتوب في ناموس الربّ أن كل ذَكَر فاتح رحم يدعى قدوساً للربّ، ولكي يقدّموا ذبيحةً كما قيل في ناموس الربّ، زوج يمام أو فرخي حمام … ولما أكملوا كلّ شيء حسب ناموس الربّ رجعوا إلى الجليل إلى مدينتهم الناصرة، وكان الصبيّ ينمو ويتقوّى بالروح ممتلئاً حكمة، وكانت نعمة الربّ عليه. " ( لوقا 2: 1-40) .
من قراءة هاتين الروايتين اللتين لا تتفقان إلا عنصر الولادة في بيت لحم، نتوصّل إلى الملاحظات التالية :
1 – على الرغم من أن الروايتين تشتركان في عنصر الولادة في بيت لحم، لأنّ المسيح في النبوءات التوراتية يولد في هذا المدينة التي أنجبت سلفه الأوّل داود، إلا أنّ متّى الذي ينكر الأصل الجليلي للعائلة المقدسة ويجعل من بيت لحم موطنها الأصلي، يقول لنا بأنّ الولادة حصلت بشكل طبيعيّ في بيت العائلة، وذلك في عهد الملك هيرود الكبير الذي جعله الرومان ملكاً على فلسطين وحكم من عام 37 إلى عام 4 ق.م. وعليه فإنّ من المرجح أنّ ميلاد يسوع وفق رواية متّى قد حصل نحو عام 6 ق.م. أي قبل وفاة هيرود بعامين. أمّا لوقا الذي جعل من ناصرة الجليل الموطن الأصليّ للعائلة في قصّة الميلاد العذريّ، فقد جاء بيوسف ومريم من الناصرة إلى بيت لحم بداعي الإحصاء السكاني الذي أمر به الإمبراطور أوغسطس عندما كان كيرينيوس والياً على سورية. وبدلاً من ولادة مريم في بيت الأسرة في بيت لحم، يجعلها لوقا تلد خارج أحد الخانات على مشارف بيت لحم وتُضجع مولودها في مزود لعلف الحيوانات، وذلك لعدم وجود مكان لهما في الخان بسبب كثرة الواردين إلى المدينة من أجل الاكتتاب. وبما أنّ المعلومات التاريخية تقول لنا بأن كيرينيوس كان والياً على سورية عام 6م، بعد أن خلع أغسطس أرخيلاوس وجعل مقاطعة اليهودية تحت الحكم المباشر لروما، وفي عهده جرى مثل هذا الإحصاء الذي كان يهدف أساساً إلى إحصاء المكلفين ضريبياً (1)، فإنّ ميلاد يسوع وفق رواية لوقا يجب أن يكون في عام 6م، أي بعد التاريخ الذي نستنتجه من رواية متّى باثنتي عشرة سنة. وهنالك نقطة تستحقّ التوقف عندها فيما يتعلق بإحصاء كيرينيوس، فإذا كان هذا الإحصاء قد جرى لغاية محدّدة تتعلق بالتكليف الضريبي للمواطنين، فقد كان الأحرى بيوسف أن يبقى في مكان إقامته ومقرّ عمله لا أن يمضي إلى بيت لحم موطن أجداده .
2 – يقحم متّى على رواية الميلاد مجوسا آتين من الشرق رأوا نجم ولادة المسيح فتبعوه لكي يأتوا ويسجدوا له. وكانت صفة المجوس في ذلك الوقت تطلق على الحكماء المتضلّعين بالفلك وعلوم التنجيم. وعندما سمع هيرود بخبر ميلاد المسيح ملك اليهود اضطرب من ظهور منافس له على العرش، فدعا العارفين بالكتب وسألهم أين يولد المسيح، فقالوا به في بيت لحم. وهنا يقتبس متّى من سفر ملاخفي التوراتي نبوءته بخصوص ميلاد المسيح في بيت لحم بعد تحويرها على طريقته. وهنا لا يمكن لنا إلا أن نتساءل كيف يمكن لنجم يبعد عن الأرض مسافات تقاس بالسنوات الضوئية أن يشير إلى بيت بعينه في بلدة صغيرة على الكرة الأرضية؟
3 – يتحوّل مجوس متّى الذين رأوا نجم ملك اليهود في المشرق وتبعوه، إلى رعاة عند لوقا كانوا يحرسون غنمهم في الليل عندما ظهر لهم ملاك وبشّرهم بميلاد المخلص في بيت لحم. وهنا يضيف لوقا على هذا المشهد الميثولوجي عناصر تجعله أكثر فخامة، عندما ينضمّ إلى الملاك حشد كبير من جند السماء يسبحون الله .
4 – عندما تأكّد لهيرود في رواية متّى عدم قدرته على معرفة هوية الطفل بعد أن خدعه المجوس، أمر بقتل جميع المواليد في بيت لحم، ولكنّ الملاك أمر يوسف أن يأخذ زوجته وطفلها ويسافر بهما إلى مصر، ففعل ذلك تحت جنح الظلام وأقام في مصر مدّة غير محدّدة حتى أمره الملاك بالعودة لأنّ هيرود قد مات. وعندما وصل إلى الوطن عرف أنّ فلسطين قد قُسمت إلى عدّة ولايات بعد وفاة ملكها هيرود الكبير، وأنّ أرخيلاوس ابنه قد صار ملكاً على مقاطعة اليهودية، فخاف من الإقامة في بيت لحم، وتوجّه إلى الجليل حيث سكن في مدينة الناصرة. وبذلك يفسّر متّى كون يسوع جليلياً على الرغم من ولادته في بيت لحم.
وفي الحقيقة، فإنّ التاريخ قد حفظ لنا الكثير من مآثر هيرود الكبير ومن فظائعه وجرائمه التي لا تحصى أيضاً، ومنها قتل العديد من أفراد أسرته نفسها، ولكنّ مذبحة مواليد بيت لحم التي لا يتصوّرها عقل لم تحصل بالتأكيد ولم يتوفّر لدينا شاهد تاريخيّ على وقوعها. أما غرض متّى من ابتكار هذه القصّة فلاهوتيٌّ بالدرجة الأولى، لأنه أراد أن يجعل من يسوع موسى الثاني، ومن هيرود صنواً لفرعون. وكما أمر فرعون بقتل جميع مواليد العبرانيين من الذكور ولكنّ موسى الطفل نجا وحده عندما وضعته أمه في سفط من البردي وأسلمته إلى النهر (سفر الخروج : 1-2) ، كذلك فعل هيرود بمواليد بيت لحم ولكن يسوع وحده نجا. ويستشهد متّى بآية من سفر هوشع تقول: " ومن مصر دعوت ابني" ليفسّر بها سفر يسوع إلى مصر وعودته منها، علماً بأنّ هوشع هنا لم يكن يتحدّث عن دعوة المسيح من مصر، وإنّما عن دعوة بني إسرائيل المستعبدين هناك. والنص الكامل للآية التي أوردها متّى مجتزأة هو: " لما كان إسرائيل غلاماً أحببته، ومن مصر دعوت ابني" (هوشع 11: 1) .
5 – بما أنّ لوقا قد جعل ميلاد يسوع بعد مضيّ عشر سنوات على وفاة الملك هيرود، فإنّ قصّة مذبحة الأطفال والهرب إلى مصر، لم يكن لها مكان في روايته التي سارت أحداثها بعد الميلاد وبشكل روتيني. فقد انتظر الوالدان مدة ثمانية أيام وهي الفترة اللازمة لطهارة الوالدة بعد الوضع، ثم ختنا الطفل وذهبا على الهيكل حيث قدّما قرباناً عنه حسب شريعة موسى ثمّ رجعوا إلى الجليل. وبعد ذلك ينفرد لوقا بذكر قصّة لم ترد في بقية الأناجيل. فعندما كان يسوع في سن الثانية عشرة، قامت العائلة بزيارة أورشليم في عيد الفصح، وهناك افتقد الوالدان يسوع ولم يجداه فراحا يبحثان عنه في كل مكان حتى عثرا عليه في الهيكل يجادل الشيوخ مفصحاً عن حكمة لا تتوفّر عادة لمن هم في سنّه. (لوقا 2: 41-50) .
هذا كلّ ما لدينا في الأناجيل الرسمية عن أسرة يسوع وميلاده وحياته حتى بلوغه الثلاثين من العمر. أمّا أناجيل الطفولة المنحولة والتي لم تعترف بها الكنيسة، فلم تزد على معلوماتنا أيّ جديد لأنها اعتمدت أساساً روايتي متّى ولوقا وأضافت عليها الكثير من العناصر الميثولوجية. وبما أنّ هذه الأناجيل قد دوّنت بعد الأناجيل الأربعة بزمن طويل، وذلك فيما بين أواسط القرن الثاني الميلادي وأواسط القرن الرابع، فإنّه من غير المحتمل أن يكون مؤلّفوها قد اعتمدوا مصادر لم تكن متوفّرة زمن تدوين الأناجيل الرسمية. ولكنّ عنصراً واحداً في هذه الأناجيل يستحقّ التوقّف عنده، لأنه يقدّم لنا رواية ثالثة عن مكان ولادة يسوع، الذي لم يولد لا في بيت عاديّ من بيوت بيت لحم ولا في خان على مشارفها، وإنما في منتصف الطريق بين الناصرة وبيت لحم .
فعلى ما ورد في إنجيل يعقوب التمهيدي، فإنّ يوسف ينطلق مع زوجته الحبلى من أجل الاكتتاب في بيت لحم، ولما انتصف بهم الطريق قالت له مريم: أنزلني عن الأتان الآن، لأنّ الذي في بطني يضغط من أجل الخروج. فوجد يوسف هناك مغارة فأدخلها إليها ثم خرج ليبحث عن قابلة في محيط بيت لحم، فالتقى في طريقه امرأة تطوّعت لمساعدته بعد أن روى لها قصّته وكيف حبلت خطيبته من الروح القدس، وعندما وصلا إلى المغارة كانت مريم قد وضعت طفلها وألقمته صدرها. فتقدّمت المرأة وفحصتها فوجدتها ما زالت عذراء بعد الولادة (2) .
ولا أدَلَّ على تأثير هذه القصّة في نفوس المسيحيين الأوائل على الرغم من تعارضها مع قصّة الميلاد الرسمية، من أنّ الإمبراطورة هيلانة قد بنت كنيسة المهد فوق مغارة في بيت لحم كان الموروث الشعبي يعتقد أنها مغارة الميلاد، وذلك عام 330م. وما زالت هذه الكنيسة قائمة حتى الآن. وفي هذه الحادثة دلالة ذات أهمية، على أنّ الحدود لم تكن واضحة في أذهان المسيحيين بين الأناجيل الرسمية والأخرى المنحولة حتى ذلك الوقت المتأخر.
من كل ما تقدّم نخلص إلى نتيجة مفادها أنّ مؤلفَيْ إنجيلي متّى ولوقا لم يكن بين أيديهما أيّ معلومات بخصوص ميلاد يسوع وطفولته وشبابه، وأنهما ردما هذه الفجوة كل على طريقته بقصّة استلهمت عناصرها الرئيسية من القصص الديني الشائع شرقاً وغرباً عن ميلاد الطفل المؤلّه من عذراء. وهذا ما نجده في قصص ميلاد بوذا، والإله آتيس الذي غزا روما قادماً من شواطئ البحر الأسود، والإله أدونيس السوري، والإله الفارسي ميثرا، والمخلّص الزرداشتي شاوشيانط الذي سيظهر في نهاية التاريخ عندما تحبل به عذراء تنزل للاستحمام في مياه إحدى البحيرات حيث تتسرّب إلى رحمها بذور زرادشت التي حُفظت هناك منذ القدم. وقائمة هؤلاء المولودين من عذراء طويلة، وتتطلب بحدّ ذاتها دراسة مستقلّة تبحث في منشئها وبواعثها الفلسفية والنفسية .
على أننا سوف نتوقّف في الحلقة الثانية في هذا البحث لندقّق في عنصرين من عناصر قصّة الميلاد الإنجيلية، وهما ولادته في بيت لحم اليهودية، وحياته الأولى في مدينة الناصرة، لنرى أنّ ولادته في بيت لحم اليهودية مستبعدة، وأنّ مدينة الناصرة لم يكن لها وجود في ذلك الزمان.
الهوامش :
1 – من أجل طبيعة إحصاء كيرينيوس وغاياته راجع :
إ. س. سفينسيكلايا : المسيحيون الأوائل، ترجمة حسان ميخائيل إسحاق، دار علاء الدين، دمشق، 2006 ، ص 70 .
2 – من أجل النص الكامل لأنجيل يعقوب راجع كتاب :
- M.R. James , Apocryphal New Testament, Oxford, 1983, p. 38 ff