حدثت التحذيرات التالية: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
نقد أشواق الحرية - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: نقد أشواق الحرية (/showthread.php?tid=34375) الصفحات:
1
2
|
نقد أشواق الحرية - العاقل - 08-12-2009 (1) عن الأشواق سأتحدث اليوم عن الديمقراطية. وحديثي عنها مناسب لأجواء الانتخابات التي تحيط بنا: في الكويت، ولبنان، وايران... وما تقرر عندنا من تأجيل لانتخابات البلدية لعامين إضافيين. حديثي عن الديمقراطية سيتمحور حول كتاب الصديق نواف القديمي: أشواق الحرية، والذي أستطيع اعتباره أحد أهم الكتب التي ألفت هذه السنة... سأكتفي في هذه المقالة بعرض أهم الأفكار التي طرحها، وسأحاول في الأيام القادمة مناقشتها.
جاء الكتاب كامتداد للنقاش الطويل الذي جرى نتيجة للمقالة التي كتبها محمد حامد الأحمري بعيد انتخاب اوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، والذي شارك فيه بندر الشويقي وفؤاد الفرحان وناصر العمر ومنصور الهجلة وآخرين. بعد مدخل حول مفهومي "السلفية" و"الديمقراطي"، قرر القديمي القضية التالية: أن الشريعة جاءت بتفضيل اختيار الحاكم على تغلبه، وأنه لا شيء فيها يمنع- هذا إن لم يكن يؤكد- مراقبة الحكام. وعلى من لا يتفق مع أفضلية الاختيار وشرعية الرقابة إيراد نصوصه، وطرح ولو رؤية عامة عن البديل الذي يكفل تحقيق العدالة. وفي حال تم الاتفاق على هاتين النقطتين، يقرر الكاتب أن الديمقراطية هي أكثر الوسائل المتاحة لتحقيق هذين المطلبين. والديمقراطية- كما بين الكاتب- مجموعة وسائل ونظم ليست مبنية بالضرورة على مضمون أيديولوجي أو فلسفي ما. وهي تختلف عن الشورى من حيث كون الأخيرة مبدأ، في حين أن الأولى وسيلة أو طريقة تكفل عبر ركيزتيها الأساسيتين (النظام الانتخابي، وفصل السلطات) تحقيق تلك القيمة التي هي الشورى. وأشار الكاتب إلى الخلاف حول إلزامية الشورى من عدمها، لكنه انتهى إلى أنه مهما كان الموقف من هذا الخلاف فإنه لا أحد من المختلفين يحرم إلزاميتها. واعتبر رفض الديمقراطية انطلاقا من احتمالية أنها قد تأتي بغير الأكفاء ينطوي على إقرار بأن الواحد أكثر قدرة على الاختيار من المجموع. وعلى فرض حدوث ذلك، فعلى الأمة تحمل تبعات اختيارها، كما أن لديها فرصة تعديله متى شاءت، ويمكن أيضا وضع قيود موضوعية في الدستور للحيلولة دون وصول الأميين والجهال. والأولوية عموما لاستقلالية المنتخب التي تمنحها قدرة أكثر من كفاءات وشهادات المعين. والديمقراطية ليست بلا حدود، إذ لا وجود لحرية مطلقة، بل هي مقيدة بالدستور. والدستور يضعه الشعب، ولهم أن يجعلوه مقيدا بالشريعة الاسلامية. كما أن الشعب هم من يغير الدستور ويعدله، وإن كان ذلك يتم عادة عبر سلسلة من الاجراءات الصعبة. ولو فرضنا اتفاق غالبية الشعب على رفض الشريعة – على الرغم من ان احتمالية حدوث مثل هذا في مجتمع مسلم بعيد جدا- فإن موقف المتمسكين بالشريعة من هذه الدولة كموقفهم من الحاكم المستبد إذا تبنى غير شريعة الإسلام، بل إن مساحة التحرك والقدرة على التغيير السلمي في النظام الديمقراطي أكثر منه في النظام الاستبدادي. وبعد ذلك أكد الكاتب إلى أن سماح الديمقراطية بحق المعارضة يكفل سلمية تداول السلطة ويمنع استبداد تيار أو حزب بها. والتشريع الوضعي ليس مرتبطا بالضرورة بالديمقراطية، بل يمكن تحديدها بثوابت الشريعة وحصر الاختيار وسن النظم بالمساحة الهائلة التي تخليها الشريعة للمباح، هذه المساحة التي يحق للأمة أن تختار وتراقب من يستغلها لا أن تتنازل عنها لحاكم فرد. والخوض في احتماليات التشريع لما يصادم الشرع مماثل لاحتمالية حدوث ذلك في ظل الحاكم الفرد. أما مطالبات الاقليات فيمكن الحد منها بتضمين الدستور الخطوط الحمر الاساسية التي تمنع تشكل تيار من المضادين للشريعة، والتعامل مع الافراد كما تعامل الرسول مع المنافقين. وإن كانت الديمقراطية لا تضمن وصول أهل الحل والعقد للسلطة، فكذلك حكم الحاكم الفرد لا يضمن وصول هؤلاء... ويبقى أن احتمالية وصولهم عبر الديمقراطية أكثر من وصولهم عبر تعيينات المستبد. كما أن الديمقراطية ليست الليبرالية وليست العلمانية، بل هي حصرا نظام سياسي انتخابي رقابي يعتمد فصل السلطات أساسا له. والحديث عن الديمقراطية هو في النهاية حديث عن العدالة، التي انتشر ذكرها في كتاب الله، وغاب كثيرا عن خطاب السلفيين. وانتقد الكاتب كيفية تعرض الإسلاميين للديمقراطية خصوصا عندما يسعون لربطها بالعلمانية، أو يستدعون نماذج متطرفة لها، أو يجعلون تحليلاتهم العقلية حول عدم جدواها مرادفا لتقريرهم عدم شرعيتها، أو الهوس بالنموذج الامريكي باعتباره قمة الديمقراطية. وأخيرا عدم طرح بديل. أما الذين يقفون بوجه الديمقراطية في العالم العربي فهم الممانعون الداخليين لأسباب دينية أو ثقافية والممانعون الليبراليين لعدم قبولهم بنموذج للديمقراطية أقل من "الديمقراطية الليبرلية"، وأخيرا الغرب لأنه يعلم حتمية فوز الاسلاميين، الذي يعني إعاقة كاملة لمصالحه. ونقد الديمقراطية مباح، لكن المشكلة ان نقاده لا يطرحون بديلا من أجل تحقيق مطالب العدل والشورى، بل ولا حتى أفق بديل. وإن كان نقد الديمقراطية ينطلق من تفضيل الاستبداد عليها ففي الاستبداد الكثير من الاشكاليات. والمطالبة بالديمقراطية لا تعني اعتبارها حلا اوحدا، بل الباب مفتوح لتفحص كل جديد، لكن المرفوض هو توجيه النقد للنظام الديمقراطي، وهو وحده المتاح حاليا، دون طرح بديل، مما يؤدي لخدمة هذا النقد للنظام القائم: أي الاستبداد. والمطالبة بالديمقراطية، ليس انطلاقا من أن مجرد تحقيقها حل لجميع المشاكل وخلاص من كل المآزق، الديمقراطية ليست حلا سحريا، بل هي "أفق للحل"، وسير على الطريق الصحيح. وهذا لا يعني أن الديمقراطية لا تحتوي على مشاكلها الخاصة، ولا يعني أنها قد تواجه بعض المشاكل في بداياتها، لكن ما تحمله من آفاق للحل أكبر بكثير من غيرها. وختم القديمي كتابه بالإشارة إلى أن استشعار أهمية الحديث عن الديمقراطية ينطلق من ادراك لعمق المشكلة، ووعي بأزمتها. RE: نقد أشواق الحرية - العاقل - 08-13-2009 (٢) الديمقراطية السلفية أعتقد أن نواف القديمي نجح في كتابه "أشواق الحرية"- والذي استعرضنا أهم أفكاره في المقالة السابقة- أن يلغي كافة التحفظات التي تحيط بالموقف السلفي إزاء الديمقراطية. وأعتقد أيضا أن السلفي الذي يقول بحرمة النظام الديمقراطي، سيجد صعوبة كبيرة في تأكيد موقفه بعد قراءته لهذا الكتاب. ولكن، للأسف الشديد، لم يستطع القديمي أن يشيد بنيان نجاحه هذا، إلا على أنقاض، تجعل كل ما بناه غير ذا جدوى أو شديد الخطورة، هذه الأنقاض ليست شيئا أخر سوى "الدولة" نفسها. فالقديمي لم يستطع إقناع السلفيين بالديمقراطية، إلا بعد تجريدها من الدولة التي نشأت خلالها!
إن موقف السلفية من "الدولة" جزء لا يتجزأ من موقفها العام من كل ما هو دنيوي. فبالنسبة لها هناك غاية وحيدة وجد الإنسان من أجلها، وهي "تحقيق العبودية". فالآخرة هي الغاية، والدنيا هي مجرد وسيلة لتحقيق تلك الغاية. وبالتالي يعتبر كل شيء في الدنيا لا يخدم تلك الغاية: إما محرم يجب الابتعاد عنه، أو فضول يستحب الزهد فيه. إنطلاقا من هذا الموقف من الدنيا- والذي يعتبر مواردها ونعمها: ابتلاءات، على الانسان التعامل معها بحذر شديد- تبني السلفية رؤيتها للدولة. فالدولة جزء من هذه الدنيا، فهي إذن لا قيمة لها أكثر من قيمة الدنيا نفسها. إذا كانت الدولة تعين الفرد على تحقيق غايته التي خلق من أجلها، فهي إذن دولة شرعية، أما إن هي منعته من تحقيق عبوديته فتفقد شرعيتها فورا. فبحسب السلفية، تعتبر وظيفة الدولة الأساسية والجوهرية، هو أن تقوم بتوفير البيئة المناسبة كي يحقق الناس عبوديتهم، كل ما عدا ذلك: ثانوي، ومشتق من هذه الوظيفة الأساسية. وكما يقول عبدالله العروي، تضحي الدولة الفاضلة بالنسبة لهذا الرأي "هي التي تربي الفرد على الاستغناء عنها وتوجهه لخدمة ما هو أسمى منها". وبمطالعة كتب "الآداب السلطانية"- ككتاب الماوردي على سبيل المثال- نجد أن "حفظ الدين على أصوله المستقرة" تأتي دائما كأولى المهام المفروضة على الإمام. ونجد هذا الرأي يؤكد نفسه عبر الاستناد إلى مجموعة من النصوص، التي ترهن طاعة الحكام، بإقامتهم للصلاة والدين. هذا الموقف من الدولة، لم يتعرض له القديمي أبدا على امتداد صفحات كتابه، وإنما ركز حديثه حول الديمقراطية ومشروعيتها. بل إنه في سبيل تأكيد مشروعيتها، شدد على أن الديمقراطية محايدة أيديولوجيا، وسرد العديد من النقولات التي تنفي ارتباطها بأي جذور فلسفية أو دينية، وأنها مجرد مجموعة آليات ومؤسسات يمكن توظيفها لخدمة أي أيديولوجيا دينية كانت أم علمانية، وذلك بحسب الكلام الذي سيصاغ في الدستور، الذي يمكن تضمينه حصر النشاط الاسلامي بالإسلاميين وحدهم في حال وافق على ذلك الشعب. هذا التركيز والتشديد، الملازم لإهمال الحديث عن طبيعة النظرة السلفية للدولة: يؤدي إلى نتيجة، لا أعلم إن كان القديمي قصدها، ولكن هذا التلازم يقتضيها على كل حال... هذه النتيجة يمكن تسميتها بـ"الديمقراطية السلفية". فالسلفي الذي يطالع "أشواق الحرية" ويقتنع تمام الاقتناع بحجج القديمي حول مشروعية الديمقراطية، سينظر لهذه الديمقراطية انطلاقا من رؤيته السابقة للدولة. هو لن يقتنع فقط بمشروعية الديمقراطية، بل سيقتنع أيضا بأن الديمقراطية تجعل مهمة الدولة في تحقيق البيئة المناسبة للعبودية أضمن وأسهل وآكد. سيتعامل السلفي مع الديمقراطية، وسيدعو إليها، وقد يكون من أشرس المدافعين عنها حال قيامها، وذلك فقط لأنه اكتشف فيها -بفضل القديمي- بديلا أفضل في سبيل تحقيق تصوراته عن الدولة الإسلامية الشرعية. كل ما قام به القديمي هو نزع الديمقراطية من الدولة "الحديثة" وتقديمها للسلفي، الذي سيجد فيها حلا رائعا لإشكاليته مع الغربة والتغريب.. ومحاربته. فجزء كبير من مسوغات النظام الديمقراطي في الدولة الحديثة يستند على جانب مهم جدا. وهو أنه بالديمقراطية يستطيع المجتمع المدني أن يحمي نفسه من تدخلات السياسي، أنه بالديمقراطية يمكن تقليل المجال السياسي إلى حده الأدنى، هذا الطرح نجده عند جون لوك، مونتسكيو، الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، بنثام والنفعيين عموما، جون ستيوارت مل، ماكس فيبر، شومبتير.. وغيرهم. ولكن أطروحة القديمي، لا تلتفت أبدا للمجتمع المدني، وبالتالي تفتح الباب على مصراعيه للدولة أن تنتهك مجال الأفراد الخاص. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا تضع الأطروحة أي قيود حقوقية على كتابة الدستور، بل ترهنه كليا لمفهوم مجرد اسمه "إرادة الأمة"، متجاهلة أن النظام التمثيلي الديمقراطي الحديث يلقي ظلالا كبيرة من الشك على كونه فعلا معبرا عن "إرادة الأمة". سنعود لهذه النقطة لاحقا، لكن ما يهمنا هنا أن عدم التقيد بأي مرجعية حقوقية عند كتابة الدستور والارتهان كليا لإرادة الامة، يفتح الباب على مصراعيه أيضا لإهمال حقوق الإنسان وعدم الالتزام بها، خصوصا أن السلفية المحلية لديها حساسية من هذه الحقوق. ثالثة الأثافي، ما ذكره القديمي عن الطوائف المذهبية والعرقية قليلة العدد وأنها "قد تكون مرعوبة من سيادة النظام الديمقراطي، حتى لا تعاني المزيد تحت لافتة (دكيتاتورية الأغلبية)"، أي أنه في معرض اقناعه للسلفية بجدوى الديمقراطية، يؤكد لهم أنها لن تكون في صالح الأقليات التي يخشون تسلطها. وباختصار يمكن القول: أن القديمي في سبيل إثبات مشروعية الديمقراطية، قام بالتضحية بكل من المجتمع المدني، وحقوق الانسان، وحقوق الاقليات. وبدون هذه كلها تتحول الديمقراطية لآلية سلطوية لا تضع فروقات واضحة بين المجتمع والدولة، بل تدمج بينهما بشكل قد يكاد كليا. وأتسائل فعلا: مثل هذه الديمقراطية الغير متصادمة مع الشريعة، هل تكفل تحقيق العدل للمواطن بصفته مواطنا؟ أشك في ذلك... RE: نقد أشواق الحرية - Hameeduddin - 08-13-2009 النظام الاركاييكي الكهنوتي في المملكة الظلامية هو الذي احاط نفسه بستار حديدي وارمادا من الفقهاء الذين يتسترون بالدين لحماية ذلك النظام فكان اولى بمن ينتقدون الاسلام ان ينتقدوا النظام الظلامي القرن وسطي moyenageux لا الاسلام فالاسلام بريء من الوهابية الظلامية وما الوهابية الا نحلة وهرطقة فرضها البترودولار والافعى الامريكية الكل ينتقد الاسلام حامي الفضائل ورسالة الله الخالدة ولكن الكل يذهب لتقبيل يد ملوك الوهابية الطواغيت ليست الوهابية من يمثل الاسلام وان تكون الا في العالم العربي الذي ارتد الى الجاهلية الاولى برعاية القسيس ميشيل عفلق RE: نقد أشواق الحرية - العاقل - 08-13-2009 حميد الدين شلونك؟ وراك معصب؟ بدأت الدعوة الوهابية كان حوالي ١٧٥٠م واكتشف النفط بكميات تجارية في السعودية عام ١٩٣٨ ولم تبدأ الدولة بالاستفادة منه فعليا إلا في السبعينيات الميلادية. فكيف إذن، يكون اللاحق سببا في انتشار السابق؟ بعدين أطروحة" الخطأ في التطبيق وليس في النظرية" يتبناها كل فكر "سكولائي". يعني تقدر تبرئ الاسلام من كل الأحداث التي تمت تحت ظله، وكذلك الليبرالية والماركسية والمسيحية واليهودية...إلخ حتى "القرون الوسطى" يمكن تبرئتها مما حدث فيها، إذ ان الخطأ فقط في التطبيق...وهكذا. ننتهي إلى أن النظرية لن تطبق أبدا وكل انحراف في التطبيق سيعزى لأي شيء آخر سوى النظرية ذاتها. في هذه الحالة يصبح وجود النظرية مثل عدمه، بل استبدالها بغيرها لا يؤثر كثيرا على التطبيق. هذه الدعوة في التحليل الاخر: تفصل نهائيا بين العمل والفكر، ولا تجعلهما يلتقيان إلا في حال نجاح العمل، فيعزى هذا النجاح للفكر. RE: نقد أشواق الحرية - العلماني - 08-13-2009 أهلين بالعاقل ... كالعادة، مقال رصين عاقل، وعقل يحلل ويدقق ويبحث ويستقصي ويسبر الأعماق. اقتباس: " وباختصار يمكن القول: أن القديمي في سبيل إثبات مشروعية الديمقراطية، قام بالتضحية بكل من المجتمع المدني، وحقوق الانسان، وحقوق الاقليات. وبدون هذه كلها تتحول الديمقراطية لآلية سلطوية لا تضع فروقات واضحة بين المجتمع والدولة، بل تدمج بينهما بشكل قد يكاد كليا. وأتسائل فعلا: مثل هذه الديمقراطية الغير متصادمة مع الشريعة، هل تكفل تحقيق العدل للمواطن بصفته مواطنا؟ أشك في ذلك... ". عندما رأيت القسم الأول من موضوعك أمس، استثارتني عدة جمل بعينها وهممت بالرد قبل أن أتريث قليلاً وأنا أقول لنفسي: مهلاً، فالعاقل يعرض مقولات "القديمي"، وواضح من كلامه أن هناك ما لا يعجبه في هذه الطروحات. فلننتظر ولنرى ما سوف يأتي به. واليوم، عندما قرأت ما كتبته، ووصلت إلى الفقرة الأخير من القسم الثاني التي أقتبستها أعلاه، قلت في نفسي: ها هو العاقل قد كفاك مؤونة الرد، وأبلى بلاء حسناً. شكراً، أخيراً، على تبيان مفهوم الدولة عند "السلفيين"، فلقد نبهني هذا التبيان الى بعض الأمور التي كنت قد تساءلت عنها في معرض قراءاتي الأخرى. أخيراً، سعيد جداً برؤية اسمك في النادي من جديد. واسلم لي العلماني RE: نقد أشواق الحرية - NADYA - 08-13-2009 أشواق الحرية NICE ...... RESPECT.. RE: نقد أشواق الحرية - السلام الروحي - 08-13-2009 اقتباس:موقف السلفية من "الدولة" جزء لا يتجزأ من موقفها العام من كل ما هو دنيوي. فبالنسبة لها هناك غاية وحيدة وجد الإنسان من أجلها، وهي "تحقيق العبودية". فالآخرة هي الغاية، والدنيا هي مجرد وسيلة لتحقيق تلك الغاية. وبالتالي يعتبر كل شيء في الدنيا لا يخدم تلك الغاية: إما محرم يجب الابتعاد عنه، أو فضول يستحب الزهد فيه. إنطلاقا من هذا الموقف من الدنيا- والذي يعتبر مواردها ونعمها: ابتلاءات، على الانسان التعامل معها بحذر شديد- تبني السلفية رؤيتها للدولة. فالدولة جزء من هذه الدنيا، فهي إذن لا قيمة لها أكثر من قيمة الدنيا نفسها. إذا كانت الدولة تعين الفرد على تحقيق غايته التي خلق من أجلها، فهي إذن دولة شرعية، أما إن هي منعته من تحقيق عبوديته فتفقد شرعيتها فورا. فبحسب السلفية، تعتبر وظيفة الدولة الأساسية والجوهرية، هو أن تقوم بتوفير البيئة المناسبة كي يحقق الناس عبوديتهم، كل ما عدا ذلك: ثانوي، ومشتق من هذه الوظيفة الأساسية. وكما يقول عبدالله العروي، تضحي الدولة الفاضلة بالنسبة لهذا الرأي "هي التي تربي الفرد على الاستغناء عنها وتوجهه لخدمة ما هو أسمى منها". وبمطالعة كتب "الآداب السلطانية"- ككتاب الماوردي على سبيل المثال- نجد أن "حفظ الدين على أصوله المستقرة" تأتي دائما كأولى المهام المفروضة على الإمام. ونجد هذا الرأي يؤكد نفسه عبر الاستناد إلى مجموعة من النصوص، التي ترهن طاعة الحكام، بإقامتهم للصلاة والدين. كل صراخ السلفيين أنهم يفكرون بداية بصلاح آخرتهم من خلال دنياهم فلم تصلح دنياهم ولم يتبينوا آخرتهم ، في حين لو فكروا بداية بدنياهم لربما صلحت آحوالهم.. وفي كل جمعة في كل اسبوع في كل شهر وفي كل سنة خطبهم تدور حول إصلاح الآخرة وهم في الدنيا فاسدون! ولو سألتهم عن الحل لقالوا لك : نحتاج قربا من الآخرة أكثر وأكثر RE: نقد أشواق الحرية - طنطاوي - 08-14-2009 اقتباس:موقف السلفية من "الدولة" جزء لا يتجزأ من موقفها العام من كل ما هو دنيوي. فبالنسبة لها هناك غاية وحيدة وجد الإنسان من أجلها، وهي "تحقيق العبودية". فالآخرة هي الغاية، والدنيا هي مجرد وسيلة لتحقيق تلك الغاية. وبالتالي يعتبر كل شيء في الدنيا لا يخدم تلك الغاية: إما محرم يجب الابتعاد عنه، أو فضول يستحب الزهد فيه. إنطلاقا من هذا الموقف من الدنيا- والذي يعتبر مواردها ونعمها: ابتلاءات، على الانسان التعامل معها بحذر شديد- تبني السلفية رؤيتها للدولة. فالدولة جزء من هذه الدنيا، فهي إذن لا قيمة لها أكثر من قيمة الدنيا نفسها. إذا كانت الدولة تعين الفرد على تحقيق غايته التي خلق من أجلها، فهي إذن دولة شرعية، أما إن هي منعته من تحقيق عبوديته فتفقد شرعيتها فورا. فبحسب السلفية، تعتبر وظيفة الدولة الأساسية والجوهرية، هو أن تقوم بتوفير البيئة المناسبة كي يحقق الناس عبوديتهم، كل ما عدا ذلك: ثانوي، ومشتق من هذه الوظيفة الأساسية ممكن الادلة من الكتاب والسنة علي هذا الجزء؟ RE: نقد أشواق الحرية - العاقل - 08-14-2009 (08-13-2009, 10:15 PM)العلماني كتب: أهلين بالعاقل ... مرحبا بالعلماني وشكرا لك على لطفك وكرمك بخصوص مفهوم الدولة، فهو ليس خاصا بالسلفيين، بل يمكن تعميمه ليشمل كل رؤية تتعامل مع الدنيا على أنه مجرد محطة، بحيث يصبح أوغسطين- من هذه الزاوية- مماثلا تماما لأحمد بن حنبل. شكرا لك مرة أخرى (08-13-2009, 11:39 PM)NADYA كتب: أشواق الحرية أهلين (08-13-2009, 11:43 PM)السلام الروحي كتب:اقتباس:موقف السلفية من "الدولة" جزء لا يتجزأ من موقفها العام من كل ما هو دنيوي. فبالنسبة لها هناك غاية وحيدة وجد الإنسان من أجلها، وهي "تحقيق العبودية". فالآخرة هي الغاية، والدنيا هي مجرد وسيلة لتحقيق تلك الغاية. وبالتالي يعتبر كل شيء في الدنيا لا يخدم تلك الغاية: إما محرم يجب الابتعاد عنه، أو فضول يستحب الزهد فيه. إنطلاقا من هذا الموقف من الدنيا- والذي يعتبر مواردها ونعمها: ابتلاءات، على الانسان التعامل معها بحذر شديد- تبني السلفية رؤيتها للدولة. فالدولة جزء من هذه الدنيا، فهي إذن لا قيمة لها أكثر من قيمة الدنيا نفسها. إذا كانت الدولة تعين الفرد على تحقيق غايته التي خلق من أجلها، فهي إذن دولة شرعية، أما إن هي منعته من تحقيق عبوديته فتفقد شرعيتها فورا. فبحسب السلفية، تعتبر وظيفة الدولة الأساسية والجوهرية، هو أن تقوم بتوفير البيئة المناسبة كي يحقق الناس عبوديتهم، كل ما عدا ذلك: ثانوي، ومشتق من هذه الوظيفة الأساسية. وكما يقول عبدالله العروي، تضحي الدولة الفاضلة بالنسبة لهذا الرأي "هي التي تربي الفرد على الاستغناء عنها وتوجهه لخدمة ما هو أسمى منها". وبمطالعة كتب "الآداب السلطانية"- ككتاب الماوردي على سبيل المثال- نجد أن "حفظ الدين على أصوله المستقرة" تأتي دائما كأولى المهام المفروضة على الإمام. ونجد هذا الرأي يؤكد نفسه عبر الاستناد إلى مجموعة من النصوص، التي ترهن طاعة الحكام، بإقامتهم للصلاة والدين. شكرا لك على مداخلتك (08-14-2009, 07:35 AM)طنطاوي كتب:اقتباس:موقف السلفية من "الدولة" جزء لا يتجزأ من موقفها العام من كل ما هو دنيوي. فبالنسبة لها هناك غاية وحيدة وجد الإنسان من أجلها، وهي "تحقيق العبودية". فالآخرة هي الغاية، والدنيا هي مجرد وسيلة لتحقيق تلك الغاية. وبالتالي يعتبر كل شيء في الدنيا لا يخدم تلك الغاية: إما محرم يجب الابتعاد عنه، أو فضول يستحب الزهد فيه. إنطلاقا من هذا الموقف من الدنيا- والذي يعتبر مواردها ونعمها: ابتلاءات، على الانسان التعامل معها بحذر شديد- تبني السلفية رؤيتها للدولة. فالدولة جزء من هذه الدنيا، فهي إذن لا قيمة لها أكثر من قيمة الدنيا نفسها. إذا كانت الدولة تعين الفرد على تحقيق غايته التي خلق من أجلها، فهي إذن دولة شرعية، أما إن هي منعته من تحقيق عبوديته فتفقد شرعيتها فورا. فبحسب السلفية، تعتبر وظيفة الدولة الأساسية والجوهرية، هو أن تقوم بتوفير البيئة المناسبة كي يحقق الناس عبوديتهم، كل ما عدا ذلك: ثانوي، ومشتق من هذه الوظيفة الأساسية سأعطيك مقالة لأحد السلفيين، يقوم فيها بالتنظير لهذه النقطة ويورد فيها كل أدلته. وظيفة الإنسان بقلم ابراهيم السكران ما هي وظيفة الإنسان؟ هذا هو السؤال/المدخل الذي تعود إليه الاختلافات الجوهرية للاتجاهات الفكرية كما سبق أن أشرنا, وهناك اتجاهان رئيسيان في الجواب على هذا السؤال: أولهما هو "الاتجاه المدني" ويرى أن وظيفة خلق الإنسان هي "العمارة" وكل ماسوى ذلك وسيلة لها, فالوحي والشرائع والعبادات إنما هي وسائل لتحقيق العمارة والحضارة والمدنية, فالعمارة هي الغاية الجوهرية والأولوية الرئيسية للإنسان, وانبنى على ذلك أن اشتغل هذا الخطاب بقضية التمدن وتوجيه كافة المعطيات الأخرى إليها والتسامح في كل ماسواها, ومن ثم تقييم المجتمعات والثقافات والشخصيات بحسب منزلتها في هذه "المدنية" الدنيوية. و"المدنية" بحسب هذا الاتجاه مفهوم شامل يدخل فيها كل ما يدفع باتجاه تحقيق الرفاه البشري وسعادة الجنس الإنساني في كافة ميادين الحياة الدنيوية, والتقدم في العلوم الفلسفية والإنسانية والطبيعية والفنون, ونحوها. أما الاتجاه الثاني وهو "الاتجاه الشرعي" فيرى أن وظيفة الإنسان هي "العبودية" بمعنى أن الله خلق الإنسان وأرسل الرسل وأنزل الكتب لتدل الناس على الله وعبادته, وبيان دقائق ما ينبغي له سبحانه وما لا ينبغي في معاملته جل وعلا, وبيان قواعد تنظيم حقوق العباد, وأن كل ما في هذه الدنيا إنما هو متاع ولعب ولهو, فيجب أن يستعان بما يحتاج منها على عبودية الله, وكل ما لم يعن على عبودية الله ولم يؤد إلى هذا الغرض فهو دائر بين مرتبتين لا ثالث لهما: إما محرم يجب الكف عنه، وإما فضول يشرع الزهد فيه. فالعمارة والحضارة والمدنية مجرد وسيلة لإظهار الدين وإقامة الشعائر والشرائع, فلا يحمد من هذه المدنية إلا ما حقق هذه الغاية, وتتلخص منزلة المدنية بكل اختصار في المبدأ الأصولي الشهير المعروف بـ"بمقدمة الواجب" والذي ينص على أن: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، وعليه فإنه إذا تم بدونه فلا يجب. وحين تكلم الإمام ابن تيمية عن "وظيفة الدولة" حسب التصور الإسلامي في كتابه "السياسة الشرعية" قدم تلخيصاً هاماً يكشف وسيلية المدنية وكونها مرتبطة بالغاية الدينية, كما يقول الإمام ابن تيمية: (فالمقصود الواجب بالولايات: 1- إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسراناً مبيناً، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا. 2-إصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم). و"العبودية" بحسب هذا الاتجاه نظام من الشُّعَب التدريجية الشاملة أعلاها قول لاإله الا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق, فتبتدئ بإفراد الله وتجريد القلب له ويليها الفرائض العينية ثم الفروض الكفائية التي يتحقق بها نفع الناس في مصالحهم العامة. واذا تزاحمت شعبتان من شعب العبودية فلايقدم مايتعلق بالشأن المدني مطلقاً, بل ثمة قواعد شرعية دقيقة في المفاضلة والموازنة بين مراتب الاهتمامات والأعمال والشؤون العامة, ككون رعاية الفضيلة مقدمة على الحرية الفنية, وتقديم الفرض العيني على الكفائي, وتقديم النفع المتعدي على النفع الخاص, وتقديم الواجب على المندوب, ونحو ذلك. ولذلك فإن جمهور الأعمال العبادية المحضة تندرج في "الأحكام التكليفية" باعتبارها الصورة النهائية للمراد الإلهي, وجمهور الأعمال المدنية الدنيوية تندرج في "الأحكام الوضعية" كالسبب والعلة والشرط والمانع باعتبارها وسيلة للحكم التكليفي. ومن ثم ينبني على هذه الرؤية تقييم المجتمعات والثقافات والشخصيات بحسب منزلتها في هذه "العبودية". وتفريعاً على اختلاف هذين الاتجاهين في تحديد الوسيلة والغاية انبنت أكثر الفروق الهائلة والتفاصيل اللانهائية من الآثار, واستتبع ذلك تفاوتاً كبيراً في المواقف, فكل قضية فكرية يختلف فيها الناس تجد فريقاً لحظ أثر هذا الموقف على العبودية والفضيلة فاتخذ موقفا معينا, بينما الفريق الآخر لحظ علاقة هذه القضية بالحضارة والمدنية فاتخذ موقفاً مغايراً, فكل فريق معني بغايته ومقصده النهائي. والحقيقة أن كتاب الله سبحانه وتعالى لم يجعل هذه القضية عائمة أو محتملة أو نسبية, بل حسمها بشكل يقيني واضح صريح وكشف الغاية من خلق الإنسان بلغة حاصرة فقال سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وبين سبحانه أنه إنما بدأ خلق الإنسان في هذه الدنيا ثم بعثه بعد موته ليحاسبه على هذه الغاية وهي القيام بالعبودية كما قال سبحانه: {إِنَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ} [يونس:4] وفي كثير من المواضع ينبه سبحانه وتعالى بين ثنايا الآيات على أن وظيفة الخلق وغايته إنما هي ابتلاء الناس في هذه العبودية كما قال سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2]. وحسن العمل هذه الآية ونظائرها هو الإيمان والعمل الصالح على حسب درجاته الشرعية, ولو كانت عمارة الأرض بالحضارة والتمدن والعلوم الدنيوية هي المقصود الأولوي بحسن العمل لما أرسل الله الرسل في التاريخ البشري أصلاً, لأن الله سبحانه قد أثبت تميز تلك الأمم أصلاً في عمارة الأرض وعمق علمها بالدنيا, كما قال تعالى عن الأمم السابقة: {كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} [الروم:9] وقال عن علمهم المدني: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم:7] وبين سبحانه وتعالى وظيفة النبوات والكتب السماوية والشرائع وأنها كلها تهدف لتأكيد عبادة الله والاستعداد للحياة المستقبلية بعد الموت, وليست المنافسة العالمية في المدنية والحضارة الدنيوية, كما قال تعالى عن وظيفة الرسل: {ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ..الآية} [النحل:36] وذكر سبحانه السؤال الإلهي عن تحقيق هذه الغاية فقال سبحانه: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا} [الأنعام:130] وقال سبحانه مبيناً وظيفة الشرائع: {ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} [البينة:5] وغير ذلك كثير من محكمات الوحي التي كشفت بشكل حاسم غاية خلق الإنسان, والذي يعنينا هاهنا ذكر بعض الشواهد لا استقراؤها. RE: نقد أشواق الحرية - العاقل - 08-14-2009 (3)
خطر طغيان الأكثرية في المقالة السابقة بيّنا أن القديمي وحتى يثبت شرعية الديمقراطية، اضطر لتقديمها عارية عن ضمان حقوق الافراد والاقليات و"استقلالية المجتمع" من تغوّل الدولة. أي أن التسليم بالمسلمات والرؤية السلفية لن يقود لأكثر من هذا النوع من الديمقراطية. والمأخذ الرئيسي على أطروحة القديمي، الذي سنتحدث عنه اليوم هو أن الانطلاق من هذه المسلمات والرؤية السلفية لن يرى أي فائدة في الديمقراطية إلا عيبها الأساسي، العيب الذي ظلت لأجله الديمقراطية نظاما مهجوا وغير مرغوب فيه منذ سقوط ديمقراطية آثينا وحتى القرن التاسع عشر الميلادي، عنينا "طغيان الأكثرية". فالقديمي، بكل بساطة، وفي سياق المفاضلة مع حكم المستبد، كأنه يقول للسلفيين: الديمقراطية تعني "حكم الأغلبية"، وأنتم الأغلبية، فماذا تنتظرون؟ عنوان الكتاب هو "أشواق الحرية"، ويفرد الكاتب صفحات مميزة لتبيان أولوية العدالة ومركزيتها في نصوص الشريعة. لكن: هل هذه الديمقراطية التي لا تثبت شرعيتها إلا بالتنازل عن أي ضمانة لكل حق، ولا تثبت جدواها إلا عبر تحويل عيوبها إلى محاسن.. هل تحقق هذه الديمقراطية الحرية والعدالة؟ الإجابة هي: لا، وكل الذي يفعله هذا النموذج هو الانتقال من استبداد الفرد، إلى استبداد الاغلبية، وهذا الانتقال لا يضمن أي شيء، ولا يحقق الأهداف التي تبناها الكاتب نفسه. فالديمقراطية التي تعتبر "طغيان الأكثرية" ميزة، لن تسعى لحلها بل إلى الدفاع عنها وتبريرها باعتبار أن محاولة معالجتها هو لجوء لسلطة من خارج النظام الديمقراطي، أي سلطة غير الشعب، أي سلطة مستبدة في النهاية. وطالما أنه لا يمكن معالجتها- إذا افترضنا أن هناك رغبة في المعالجة- فلابد من القبول بها... لا كأمر واقع فقط، بل كأمر شرعي لأنها "إرادة الأمة". إن مفهوم "إرادة الأمة" هذا يعود حصرا إلى جان جاك روسو. فروسو ينظر للدولة باعتبارها نتيجة تعاقد أفرادها على أن يتخلوا عن حرياتهم، لا إلى حاكم فرد مطلق الصلاحية كما نادى قبله هوبز، بل يتخلون عنها إلى "الجميع"، أي أن يتخلى كل فرد منا عن حريته إلى نفسه المتضمنة في "المجموع". وهكذا يعتبر الشعب ذا سيادة مطلقة على الدولة، وقوانينها ليست شيئا سوى إرادة هذا الشعب العامة. من هذه الرؤية تخلقت جذور مفهوم "إرادة الأمة". والسؤال: كيف تترجم إرادة الأمة؟ هل تترجم عبر تصديق ما يدعيه حاكم متسلط بأنه ممثل للأمة؟ أم عبر كيان ديمقراطي؟... كانت إجابة روسو هي الديمقراطية. وروسو كان متسقا مع نفسه حتى النهاية، إذ رفض "الديمقراطية البرلمانية"، ولم يرض بأقل من ديمقراطية مباشرة وقال عن ديمقراطية إنجلترا النيابية في زمانه: “يظن الشعب الانجليزي أنه حر، إنه مخطئ خطأ جسيما؛ فهو ليس حرا إلا في أثناء انتخاب أعضاء البرلمان؛ وما إن ينتخب الأعضاء حتى يجري استعباد الشعب؛ إنه لا شيء". وفي حقيقة الأمر أنه حتى الديمقراطية لا تستطيع تحقيق "إرادة الأمة" وأن أقصى ما تستطيع تحقيقه هو "إرادة الأكثرية"، وهذه تختلف جذريا عن "الإرادة العامة"، باعتبارها تراعي الخير العام أو المصلحة العامة، إذ أنها بسهولة – ما لم يتم معالجتها- يمكن أن تتحول إلى "طغيان أكثرية". ومن هنا، وبنفس طريقة القديمي في مناقشاته، وكما أن الحاكم المتسلط لا يستطيع تمثيل إرادة الأمة، فكذلك "الأكثرية" لا تسطيع، وبكلا الحالتين لا يمكن اعتبار قراراتهما "شرعية"، إذا كان معنى الشرعية التطابق أو الاقتراب من إرادة الأمة. وليس صحيحا أننا لا نستطيع تفادي "طغيان الأكثرية" إلا باللجوء إلى سلطة خارج الشعب، فهذا القول لا يميز الفرق بين القانون والتشريع. فالقوانين هي مجموعة الأنظمة التي عليها ستكون الديمقراطية، أي أنها الشكل الذي ستكون عليه... بحيث ستتم هندستها بكيفية تمنع تلقائيا حدوث طغيان للأكثرية. أحد نماذج هذه القوانين، هو النظام الأمريكي. فتقسيم الكونجرس لمجلسين، وجعل طريقة تمثيل الأول تختلف عن الثاني، والفصل بين السلطات الثلاثة، وجعل الرئيس منتخبا أيضا، وله حق الفيتو ضد الكونغرس، وفصل الحكومة المركزية عن الادارة غير المركزية، كل هذه قوانين تضع عائقا أمام طغيان الاكثرية، لكنها بالمقابل تجعل التشريع بيد الشعب، أي أنه هو من سيتخذ القرارات. فالكونغرس هو الجهة التشريعية لكن بحسب هذا الشكل وهذه القوانين التي تمنع وجود أكثرية طاغية. قد يتبادر السؤال التالي: من له الحق بإلزام الأمة بهذا الشكل؟ الجواب: هو نفسه الذي له الحق بإلزامهم بالديمقراطية. لا أشك للحظة أن دافع الكاتب الرئيسي هو البحث عن العدالة، وأنا أتفق معه بأن الديمقراطية هي أقرب النظم الموجودة اليوم لتحقيق هذه القيمة. لكن الديمقراطية التي قدمها لنا لا تفعل ذلك. والسبب الرئيسي باعتقادي هو بحثه عنها انطلاقا من المسلمات والرؤية السلفية. فالكاتب، تجاوز مناقشة هذه المسلمات والرؤية نفسها، وحاول تأسيس الديمقراطية عليها عبر استغلال كافة الامكانيات التي توفرها، لكن ما تولد عن محاولته هذه هو مسخ، ديمقراطية تثير الرعب أكثر من كونها تحفز التفاؤل. |