![]() |
حالة انتظار - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: لغـــــــة وأدب (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=78) +--- الموضوع: حالة انتظار (/showthread.php?tid=34613) |
حالة انتظار - عادل نايف البعيني - 09-07-2009 حالة انتظار مسح مديته بثوبها دون أن يرتعش له جفن، لم يأبه لأحد، ولم يرد على تلك الهمهمات التي راحت تنهش قلبه، سار بهدوء سلحفاة حيث المصطبة التي طالما جلس عليها وإياها، أخذ علبة السجائر وراح يلف سيجارة من التبغ البلدي الثقيل من زرعه، وسلمى مكوّمة في حوش الدار، أولعها على عجل، وراح ينفث دخانها بأناة، بينما عشرات العيون راحت تبحلق فيه دون أن يلتفت لأيٍّ منها. كانت الدماء لا تزال تثغب ببطء من عشرات الطعنات التي تلقتها سلمى منه، أحدٌ ممن رآه يكيل لها الطعنات لم يحاول التدخّل لإنقاذها، ومن يجرؤ؟ فهذا "متعب الورّاق" الرجل الجلف والقاسي، فجميع أهل الضيعة، يخافونه، ولا يجرؤون على مواجهته، حتى باتوا مسلّمين بأنّه دائما على حقّ، ولا بدّ بأنّ سلمى تستحق ما فعله بها، وهم بذات الوقت موقنون بأن سلمى طاهرة لا يمكن أن تخون متعب، ولكن لماذا قتلها، فلا شك بأن ذنبها كبير تستحق عليه القتل، أحرق سيجارته العاشرة وهو في حالة انتظار، لم يحاول الهرب من وجه العدالة، بل وضع المدية أمامه، حيث لا يزال عالقا عليها شيء من آثار دماء سلمى، وجلس يترقّب وصول الشرطة، ..... وعلى الرغم من جبروته ورباطة جأشه، لم يستطع أن يمنع دمعة، راحت تلح عليه حتى طفرت مدغدغة مشاعره، راجعة به إلى ليالي أنسه، ونعيمه، مع سلمى، تلمّس بظاهر كفه الجيب الوحيد على قميصه، ضغط على ما فيه بغيظ، وغاب في مغارة تفكيره، محاولا إقناع نفسه بما فعل. بعد طول انتظار زحف نمل القلق إليه، وشعر بالزمن سلحفاة لا تكاد تمد رأسها لتسير حتى تعاود التوقف، تسلل خدر إلى مفاصله، فراحت تخزه من كل جانب، والعيون المتغيرة دائما لا تزال تنظر للجثة الثاغبة دماؤها، ثم تبحلق فيه وتمضي بأصحابها، وهو ساكن سكون رقاص ساعة خمد منذ زمن. بعد ساعات من الانتظار وصل دركيّان واقتاداه إلى مخفر المدينة. انسلّ الخبر، ومضى متلصّصًا من أسطح القرية، وعلى شرفاتها، وفي منعطفاتها: "سلمى حيّةُ من تحت تبن" "سلمى مخبّاية بثيابها" "سلمى صاحبة كار وما حدا عارف" قالت إحداهن:"مين كان يصدق إنو سلمى تعمل هيك" ترد أخرى:"يا ما وراء السواهي دواهي". بينما الصمت كان يأكلُ أم سلمى، وهي تندب ابنتها بشعر منفوش، وصوت يكاد لا يسمع متسائلة:"شو عْمِلْتِ يا سلمى؟". باتت سلمى حديث الناس نساء ورجالا. ولكن ماذا فعلت سلمى، ولماذا درزتها مدية "متعب"؟ لا أحد يعرف! التوقّعات كثيرة، لكنّ أحدًا لم يكن قد يعرف الحقيقة ولا يجرؤ على البحث عنها. ... قال القاضي مخاطبا متعب:"إذن قتلتها بداعي غسل الشرف؟" يجيب متعب:"نعم يا سيدي غسلت شرفي بدمها. = وهل لديك دليل ملموس على ما فعلت، أقبضت عليها بالجرم المشهود. _ نعم يا سيدي . بالجرم المشهود. = وما هو دليلك هاته لنر". مدّ "متعب" يده إلى جيب قميصه، وأخرج صورة، فَرَدَها على الطاولة أمام القاضي، وهو يقول:" تفضل يا سيدي، هذه صورتُه، ضبطتها، وهي تدسّها في صدرها، على عجل." جحظت عينا القاضي، وانهار على المقعد، وهو ينظر إلى صورة شابٍّ أشقر الوجه، أنثوي الملامح، يمسك ميكروفونا يغني من خلاله، كانت الصورة صورة المطرب الأميركي إلفيس بريسلي؟ محبتي ومودتي RE: حالة انتظار - هاله - 09-07-2009 عزيزي محمد الدرة أسهبت في سرد التفاصيل دون أن يساهم ذلك السرد في دفع فضول القارئ الى مستويات أعلى و بالتالي تحريضه على مواصلة و استعجال القراءة بهدف الوصول للحظة التنوير و لحظة التطهر. في القصة القصيرة -و أنت أخبر مني- لا بد من الاقتصاد في التعبير و ضغط الصورة أو المشهد قدر الامكان نظرا لحجمها المحدود و حتى تتكثف قدرتها على الاستحواذ على حواس القارئ. مثلا أنا بامكاني أن أقول: و كأن شيئا لم يكن .. مسح مديته في طرف ثوب القتيلة و جلس يدخن سيجارته بانتظار رجال الدرك. في المحكمة طلب القاضي دليلا على الجرم المشهود فأخرج صورة رآها تدسها في صدرها على عجل و اذا بصاحب الصورة "الفيس بريسلي. ها أنا اختصرت القصة في أقل من سطرين دون أن أخل بالفكرة. أما عن تصاعد الحدث فهو لم يوجد ولا في الصيغة الاصلية و لذلك جاءت القصة كخبر صحفي تنقل تفاصيلة بدم بارد و بدون حرفة أدبية. أجدت غمس القصة في طين الواقع و أنت تنقل أقوال أهل القرية و أمثالهم الشعبية. اذ استطاعت تلك العبارات أن ترسم لنا شخوصا واقعيين و قرية حقيقية و ثقافة و اقعية. تلك العبارات رأيتها أجمل ما في القصة. ![]() RE: حالة انتظار - عادل نايف البعيني - 09-15-2009 (09-07-2009, 07:53 PM)هاله كتب: عزيزي محمد الدرة الزميلة هالة ![]() تحية طيبة وشكرا على مرورك بالنص وأخذ نظرة إليه سيدتي مع كل الاحترام لرأيك فقد نشر النص في أكثر من موقع وبخاصة في منتدى القصة القصيرة حيث نال أخذ نصيبه من النقد على يد كتاب قصة مشهورين ونقاد قصة معروفين لكن احدا لم يشر للرتابة والبرودة التي قلت أنها موجودة . وأكثرهم أشاد بأسلوب السرد وتنامي الحدث وطريقة العرض وكان للنص حضوره ولكن مع ذلك سآخذ ما قلته بصدر رحب وأبحث عن الإطالة فيه تاركا لك ولبقية الزملاء النقاد إبداء الرأي أكثر قبل تثبيت النص بشكله النهائي.. لم أذكر ذلك ردا على ما قلته إنما لأنني لم أقتنع كثيرا بما وصلت إليه فالتحريض للقراءة لا يفارق القارئ إلا في حالة كونه غير مستعد نفسيا لأن يقرأ.وفيما يخص التكثيف فأنا أكتب قصة قصيرة وليس ق.ق.ج لأختصرها وأبترها راميا اللغة خلف ظهري المهم الآن أنّ النص بين أيديكم للتشريح والنقد، ورأي الجميع محترم والقرار في النهاية للكاتب شكرا لمرورك محبتي ومودتي |