حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
مع المفكر الصادق النيهوم ( 2 ) - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: مع المفكر الصادق النيهوم ( 2 ) (/showthread.php?tid=35051) |
مع المفكر الصادق النيهوم ( 2 ) - أبو النور - 10-24-2009 السادة الكرام تحية طيبة , و بعد يقول المقال الثاني : التخلف ليس مرضا , بل مشكلة وراثية مثل قصر القامة , صفتها الأولى , أنها لا توجع أحدا , و صفتها الثانية أن القصير - صاحب الشأن - هو آخر من يعلم بأنه قصير . و إذا علم ذات مرة , فإن مشكلته غير قابلة للحل أصلا , لا في جيل واحد , و لا في بضعة أجيال . إن التخلف مصير شبه أبدي , ((مكتوب )) في أصول الخلايا الأولية نفسها . لهذا السبب لا يمكن (( محاربة )) التخلف , و لا يمكن (( القضاء عليه )) , و لا يعني ترديد مثل هذه الكلمات في اللغة السياسية على طول العالم الثالث , سوى انحراف واضح - و متوقع - في فهم المشكلة من أساسها : فالتخلف ليس شيئا تقتله , بل تحييه . إنه إرث يعيش و يتنفس في واقع الناس , و هو دائما إرث مريض , و غير فعال , و بالغ الضرر , لكن (( القضاء عليه )) ليس علاجا , بل جريمة قتل عادية , لأنه قضاء على الجذور الوحيدة , الحية فعلا في ثقافة الناس . و لعل رفع شعار (( محاربة التخلف )) لأول مرة في العالم الثالث , على يد رجل مثل مصطفى كمال أتاتورك , دليل في حد ذاته , على أن اختيار كلمة ((الحرب )) , مجرد تعبير خاطيء , من جندي مهزوم , (( يعاقب )) واقعه على الهزيمة , و ليست خطة مدروسة لحل مشكلة التخلف نفسها . فشيوع الفقر و الجهل بين أغلبية الناس , ليس سببا في تخلفهم , بل ترجمة حرفية له . أما السبب الوحيد , فهو الخلل الأداري القديم الدائم الذي تمثل منذ فجر الحضارة , في خروج الأدارة من أيدي الأغلبية , و تحويل مشروع الدولة من مشروع جماعي , إلى إقطاعية مسلحة خاصة . و منذ عصر فرعون , كان التخلف قد أصبح مصير الأغلبية في كل مكان , و في جميع الحضارات . فلم تصل نسبة التعليم مثلا إلى أكثر من شخص واحد , بين مئات الألوف , حتى في عصور , يعتبرها المؤرخون قريبة و مزدهرة , مثل عصر الباشا محمد علي . . أ سوأ من ذلك , تعرضت الأغلبية لحملة نفسية مروعة , قادها السحرة منذ عصر سومر , لتبرير سلطة الملك- الأله , في برنامج معقد من الخرافات و الأساطير , استهدف تخريب عقول الناس , و حرق كل جسر , يربطهم بواقعهم . و طوال سبعة آلاف سنة , من هذه الحرب السحرية , كان التخلف الجماعي هدفا ترمي الدولة إلى تحقيقه , و ليس إلى محاربته , و كانت جميع حكومات العالم - بما في ذلك حكومات الهنود الحمر - تتبنى سياسة واحدة , موجهة رسميا , لحرمان الأغلبية من التعليم . و قد جاء في وصية ملك الأنكا : (( إن العلم لم يقصد به أن يمنح لرعاع الشعب , بل لأصحاب الدم النبيل , فالذين هم من أصل خسيس , يفقدهم العلم صوابهم , و يؤدي بهم إلى الغرور . كما لا يجوز لمثل هؤلاء , أن يتدخلوا في شؤون الدولة , لأن تدخلهم , يسيء إلى جلالة المناصب العليا , و يلحق الضرر بسير الأدارة . . )) . تحت إدارة هذا الملك المدبر بالذات , أبيد الأنكا على يد الأسبان , و أعدم الملك نفسه , خنقا بالأيدي , في مطلع العصر الذي شهد , غارة الأوربيين , على قارات العالم الجديد , و نجاح الرأسمالية , في بناء أول دولة ديموقراطية , قائمة على مبدأ سلطة الأغلبية عن طريق الأقتراع العام . إذ ذاك - فقط - بدأ (( التخلف )) يصبح مشكلة . و إذ ذاك - فقط - أصبح التعليم حقا جماعيا , و حرية الرأي حقا جماعيا , و وصل قطاع الخدمات إلى القاعدة العريضة , و بدأ التخلف ينحسر , مخليا مكانه أمام مسيرة الأدارة الجماعية في غرب أوربا , و في مستوطنات الغربيين وحدهم . أما بقية شعوب العالم , فقد ظلت خارج المسيرة الجديدة , و ظلت تعايش ظروف الأدارة الحكومية نفسها , كما ولدت حرفيا في حكومة فرعون , حتى فاجأها الأوربيون الغربيون في مطلع عصر الأحتلال , بالحضارة العجيبة الجديدة , التي خطفت أبصار رجل مثل أتاتورك , إلى حد جعله يعتقد , أن (( التخلف )) هو أن لا تكون أوربيا غربيا . لكن أتاتورك , كان يحدق في ضوء ساطع . فالتخلف هو أن تكون أي شيء , و أن تسمي نفسك بكل الأسماء , ما عدا أن تمتلك - بالفعل - دستورا للأدارة الجماعية , قادر على حماية الأغلبية من التخلف . من دون هذا الدستور , تستطيع أن تنشر العلم في كل مكان , و تجعل السماء تمطر ذهبا , لكن غياب الأدارة الجماعية , سوف يجعل الذهب يتجمع كله في خزانة رجل واحد , و العلم يتجمع كله بين أيدي (( عالم )) واحد , ينطق دائما بصوت رسمي , مثل البابا لاكتانتيوس , الذي كان يقول ردا على كروية الأرض : (( هل يجن الناس , إلى هذا الحد , فيدخل في عقولهم أن البلدان و الأشجار تتدلى من الناحية الأخرى ؟ ... )) و الواقع أنه - في غياب الأدارة الجماعية - كان الأوربيون انفسهم , أكثر شعوب العالم تخلفا و فقرا , و كانوا قد قضوا ألف سنة يطاردون الساحرات و القطط السوداء , و يشترون تذاكر للجنة , و يعالجون السعال الديكي بلبن الحمير , في دولة تدعو نفسها (( الأمبراطورية الرومانية المقدسة )) , و تدار رسميا بمباركة من البابا المعصوم عن الخطأ . و عندما انفجر بركان الثورة الجماعية التي افتتحت عصر الديموقراطيات الحديثة في غرب أوربا , لم يكن الأوربيون الفقراء , قد تعرفوا بعد على الصابون . إن الأدارة الجماعية , هي التي غيرت ذلك الحال , إلى هذا الحال , و وضعت خاتمة لعذاب الأغلبية , لأول مرة في التاريخ , لأنها بالفعل , الحل الصحيح و الوحيد , لأصل مشكلة التخلف الجماعي بالذات . لكن ثمة مشكلة أخرى : فالصيغة الأوربية للأدارة الجماعية , صيغة قامت على نظام الحزب الرأسمالي . و هو قوة جديدة طارئة على العالم , لم يعرفها تاريخ الأدارة من قبل , و لا يملكها أحد أصلا سوى الأوربيين الغربيين , لأنها قوة ظهرت , بفضل استيطان قارات العالم الجديد , و مولد شركات العصر الصناعي , التي تولت خلق ادارة رأسمالية , غير خاضعة لسلطة الجيش أو سلطة الأقطاع . من دون رأس المال , تنهار الصيغة الأوربية للديموقراطية , و تصبح نظاما لغويا صرفا , فتخرج الأدارة من أيدي الأغلبية , و يعاد فتح الباب مرة أخرى , أمام كل سبب ممكن للتخاف . و لو أن بقية شعوب العالم , كانت قد (( اكتشفت )) قارات جديدة , و وجدت هنودا حمرا , لكي تبيدهم , و تحتل أراضيهم , لكانت الصيغة الرأسمالية , وصفة عالمية حقا (( للقضاء على التخلف )) . لكن بقية شعوب العالم , مجرد ناس معدمين مثل الهنود الحمر أنفسهم . لا أحد منهم دخل العصر الصناعي , أو أصبح من أصحاب رأس المال . و لا أحد منهم , يستطيع بالتالي أن يوجه جهاز الدولة لمحاربة التخلف , إلا إذا وجد ضمانة أخرى للأدارة الجماعية , غير ضمانة رأ س المال . و هو شرط يعني بوضوح , أن الخطوة الأولى للقضاء على التخلف , تبدأ - فقط - عندما تضع كل أمة , نظام الحزب الرأسمالي على الرف , و تفتش عن الضمانة الشرعية داخل خزانتها . في هذه النقطة أثبت أتاتورك , أنه يفتش في الخزانة الخاطئة . فالأسلام أيضا ضمانة للأدارة الجماعية , و هي ضمانة كانت متاحة - مجانا مثل الشمس - أمام أتاتورك , و كانت صيغتها جاهزة في لغته . و لو أن شعار (( القضاء على التخلف )) كان يمثل خطة مدروسة لتحقيق هذا الهدف فعلا , لما احتاج أتاتورك و أن يدير ظهره للحل الصحيح الممكن , و يتطوع للبحث عن حل رأسمالي , في بلد من دون رأس مال . لكن شعار (( القضاء على التخلف )) مجرد ترجمة مقلوبة لشعار (( تقليد الأوربيين )) , تلك الفكرة المسكينة - و المستحيلة - التي تكاد أن تقول إن قصر القامة , علاجه شراء بدلة طويلة . أن الحل هو وحده الحل , و القضاء على التخلف ممكن - فقط - بعد استعادة الأدارة , إلى جانب الأغلبية نفسها . أما استيراد الصيغة الرأسمالية من دون رأس مال , أو الصيغة الشيوعية من دون شيوعيين , فإنه عمل - مثل إعلان الحرب على العمامة باسم الطربوش - نشاط عسكري لا لزوم له , في حرب زائدة , من دون رأس . ....... أنتهى نص المقال الثاني مع تحياتي للجميع http://al3dm.com/vb/showthread.php?t=230&page=2 . RE: مع المفكر الصادق النيهوم ( 2 ) - بهجت - 10-30-2009 (10-24-2009, 12:54 PM)أبو النور كتب: السادة الكراملم يعرف الإسلام قط تلك الإدارة الجماعية . هذا المقال يغفل كلية نجاح التنمية في مجتمعات ليست ذات تاريخ استعماري ، في روسيا و الصين و الهند و ..... ، هذه الدول لم تستعض عن الشركات الرأسمالية بالإسلام !!. يعني فلتانه قوي هذه المداخلة . RE: مع المفكر الصادق النيهوم ( 2 ) - هاله - 10-30-2009 أستاذ بهجت الكاتب يدرك خصوصية المجتمعات و اختلافاتها الثقافية و لم يطرح الاسلام كبديل لكل المجتمعات فهو يقول: اقتباس:أن الخطوة الأولى للقضاء على التخلف , تبدأ - فقط - عندما تضع كل أمة , نظام الحزب الرأسمالي على الرف , و تفتش عن الضمانة الشرعية داخل خزانتها. بالنسبة لروسيا و الصين و الهند نعم لم يصطفيها الله فينعم الله عليها بنعمة الاسلام لكن اعتمدت فيها التنمية على الادارة الجماعية فالثورة البلشفية و الاشتراكية الماوية و تجربة راجيف غاندي في الهند هي ادارات جماعية. هذا ان كان الكاتب أصلا يتحدث عن تنمية اقتصادية فقط كما ذهبت أنت و ليس عن نهضة شاملة و تحديث كما فهمت أنا. اقتباس:لم يعرف الإسلام قط تلك الإدارة الجماعية . أنا فهمت الكاتب بطريقة مغايرة لما تفضلت به فهو لا يطرح الاسلام كعنصر "اقتصادي" يحل محل رأس المال في مجتمعاتنا -التي لا تملك راس مال- بل يطرحه كأحد عناصر أو مقومات النهضة و تجاوز التخلف أو كقاسم مشترك يوحد الجماعة . أو كراسمال رمزي. فهو هوية و ثقافة جامعة يرى انه ممكن الانطلاق منها و البناء عليها بدلا من الأوربة أو التغريب. أو بدون القطيعة مع التراث بل التواصل معه. و الأمثلة التي تفضلت أنت بذكرها كنماذج تنموية ناجحة هي أيضا لم تعلن تلك القطيعة. و لا أعتقد أبدا أن الكاتب ممكن أن يطرح فكرة الادارة الجماعية الاسلامية بمعنى ضيق يقتصر على الاقتصاد أو التنمية فالمقالات الأخرى تنفي هكذا احتمال نفيا تاما. فدماغ بهذا الحجم أستبعد تماما أن يرتكب فضيحة فكرية في عز الظهر كتلك. و يكفي .. بلاش اؤخرك عن صلاة الجمعة .. نهارك سعيد RE: مع المفكر الصادق النيهوم ( 2 ) - بهجت - 10-30-2009 هالة . يا صديقتنا العزيزة . كعادة التعليقات السريعة لا يمكن فهمها خارج السياق العام للكاتب ، ما كتبته عبارات متصلة بطرح طويل سابق ، و كي أفسر ذلك سيكون علي أن أنقر على الكي بورد لوقت طويل ، فليكن . لم أفهم أن المقصود هو إدارة الإقتصاد بل إدارة المجتمع كله ،و عندما تحدثت عن افتقاد الصين للإسلام العظيم القوة الدافعة الجماعية الرائعة ، كنت بالطبع أتحدث لاذعا و ليس خابرا ، كي أعيد طرح مداخلتي أقول أن الطيب لم يدرك في مداخلته طبيعة الحضارة المعاصرة خاصة مرحلة ما بعد الكولونيالية ، لم يدرك القواسم المشتركة لتلك الحضارة ،و التي تقوم أساسا على قيم العقلانية و التنوير و ليس على العقائد الدينية المحلية ، إن وجود موروث جمعي قوي لا يعني صحة هذا الموروث أو إمكانية إعادة البناء عليه ، في عالم اليوم لا يمكن لأحد أن يمارس الوجود الإنساني في معزل عن إطار المجتمع العالمي الذي يجب فيه على الجميع أن يتفقوا- شاءوا أم أبوا- على معايير العيش المشترك، بصرف النظر عن موروثاتهم الحضارية المختلفة، بل لا يمكن تفادي التعددية أيضا فيما يختص بالنظرة إلى العالم حتى في داخل المجتمعات التي ما زالت تهيمن عليها موروثات ثقافية قوية مثل المجتمعات الإسلامية ، ليس هذا فقط فحتى في المجتمعات المنسجمة حضارياً انسجاماً نسبياً لم يعد ثمة مفرٌّ من إعادة قراءة الموروثات العقائدية السائدة التي تنادي بإقصاء الآخر في ضوء ثقافة معاصرة ترى استحالة هذا الإقصاء . لم يعد العالم يقبل بمثل الأصوليات الإسلامية المنغلقة ، فحتى بين عقلاء الأصوليين يجب أن ينمو وعي متزايد بضرورة أن تتوافق "الحقائق" الدينية الخاصة مع العلم غير الديني المعترف به من الجميع . الآن أصبح واضحا لكافة العقلاء أن الرؤيا الليبرالية للتاريخ هي التي صنعت الحضارة وليست الرؤيا الأصولية التي تنظر باستمرار إلى الوراء لا إلى الأمام، أن قيم العلمانية الغربية ليست نتاجا حضاريا مترفا للمسيحية الغربية ، لكنها تجسد مسارا عالميا أشمل و حلا عبقريا للحروب الدينية ، إن الليبرالية صنعت الحضارة التي ننعم بها جميعا - بما في ذلك الأصوليين - من خلال الصراع الدامي والشرس مع الرؤيا الأصولية التي كانت تعرقلها وتضع العصي في دواليبها في كل مرحلة بل و في كل خطوة. لذلك نقول بأن كل تاريخ الحداثة يلخصه هذا الصراع بين الرؤيا الأصولية والرؤيا الليبرالية أو العقلانية التنويرية للتاريخ. هنا أحب ان أفرق بين الحداثة modernity وهي بالطبيعة معولمة و بين التحديث modernisationاو التغريب westernisation و هي ممارسة خاطئة ،إن رفض التغريب لا يعني رفض الحداثة ، تلك قضية طويلة لن يتسع لها المجال هنا ،و لكني أشبعتها كلاما و لتا و عجنا في أكثر من شريط منه شريط خاص عن الثوابت و ماهي ، الحداثة هي الأسس التي قامت عليها الحضارة مثل العلم و التكنولوجيا و الحرية و الإدارة الحديثة و ... ، اما التحديث فهو استيراد منتجات الحداثة بدون قيمها . ................................. ثقي أن رؤيتي لأي كاتب لا تكون بسيطة أو سطحية ، فلا أهتم منذ سنوات طويلة سوى بتأمل الأفكار و دراستها بل وملاحقتها في نماذجها ، نعم ليس لي خبرة طويلة بالطيب نيهوم ،و لكن لي خبرة بالأفكار الشعبوية في تجلياتها المختلفة ، الماركسية و الإسلامية و القومية ، و بداية أعترف بأني نخبوي عن تعمد ، أرى أن كثيرا من المثقفين العرب شعبويون بأكثر مما ينبغي ، فهم كمن وجد إنسانا رأسه لا تعمل فحاول أن يجعله يفكر بجسمه كله بدلآ أن يشغل عقل ذلك البائس .. ترك الممكن في طلب المحال ، إن كل المذاهب السياسية الرئيسية في العالم العربي ما بعد الحرب العالمية ( قومية – ماركسية – إسلامية ) اتفقت على تقديس ثقافة الجماهير و تكريسها كل وفقا لدعواه ،وهذا أدى إلى تعطيل أي نقد حقيقي لتلك الثقافة و بالتالي تسرب الفرص التاريخية لتطوير ثقافات النخب بعيدا عن الصيغ الأيديولوجية كما حدث في مجتمعات أكثر حكمة مثل الهند . أن يكون الناس متساوون في الحقوق و الواجبات لا يعني أن تكون أفكارهم و ممارساتهم متساوية ، وهذا يعني أن مبدأ المساوة الإنسانية و التعبير عنه في المجتمع ليسا نفس الشيء ، نتيجة التفاوت في التعليم و التربية و القدرات فالناس يتطورون على نحو متفاوت رغم أنهم ولدوا متساويين ، هذه الملاحظة هي الفكرة الأساسية التي تقوم عليها أي حركة إصلاحية حقيقية في المجتمع . ألاحظ أن المثقفين العرب عموما يحجمون عن التعبير عن أفكارهم إذا كانت نخبوية خوفا من التحريض ضدهم وهذه خطيئة ، إن المثقفين العرب مستسلمون عادة لمنطق متصلب مصمت عن المساواة ،وفقا لمعادلة منطقية على النحو التالي :" طالما كان الناس كلهم متساوون ، فيجب أن يكون كل شيء يفعلونه متساويا كذلك " ،وفقا لهذا المنطق الخاطئ فهم يرفضون نقد ثقافة الجماهير باعتبار هذا النقد متعاليا و نخبويا ، إن الإسلاميين ليسوا منفردين في تقديس ثقافة الجماهير الدينية ، بل لعل الماركسية هي أكثر الأيديولوجيات عبادة للجماهير ( الطبقة العاملة ) و كانوا يعتبرون أن الطبقة العاملة لا تجسد فقط نظاما إقتصاديا و إجتماعيا أرقى بل ثقافة أرقى كذلك ، و هكذا وجدنا كيف كانت حركة الثقافة البروليتارية السوفيتية تدعوا العمال أن يبدعوا فورا أشكالهم الإشتراكية الخاصة في الفكر و الأحاسيس و مفردات الحياة اليومية ، و القطيعة التامة مع التفسخ و التشاؤم البرجوازي ، حتى أولئك الذين عارضوا القفز مباشرة إلى ثقافة العمال و الفلاحين كانوا يعتقدون أن ثقافة الطبقة العاملة مختلفة عن ثقافة البرجوازية و أنها أكثر رقيا ، و كانوا يتطلعون إلى مسقبل أفضل للبشرية ، هل تجد اليوم من يؤمن بهذه الأفكار الطوباوية غير المنعزلين في مكاتبهم البعيدة ، إنني و بوضوح من الذين يرون أن الدعوة إلى الشعبوية هي دعوة معادية للحياة بل مدمرة لها ، فهي مملؤة بالبريق الفاسد و التسطيح الأخلاقي ، وهي تميل نحو التماثل ، هي ببساطة نوع من المشاركة في التفاهة رغم كونها تفاهة مركزية ضخمة تشمل الجميع ، إن دعم الديموقراطية و المساواة لا تعني الموافقة على كل منتجاتهما ، بل على العكس لابد من حماية القيم العليا برفع يد الجماهير عنها .إن القبول بهيمنة الثقافة الجماهيرية يعني تجميد التاريخ و توقف التغيير . يا سيدتي إن تدليل الجماهير كالأطفال و التوقف عن نقد ثقافتها هو إهانة لها و نوع من النفاق الضال ، وبدلا من المساهمة في صناعة ثقافة جماهيرية جديدة أكثر عقلانية و ملائمة للتطور نترك ثقافة الجماهير المفارقة للحضارة هي التي تصنعنا ، وهذا ما نخشاه و نعمل على إصلاحه . عن الأسطورة التي تتحدث عن دور سواد الشعب لا النخب أيضا سوف نختلف ، إن النهضة لا يمكن أن تتم سوى بالشعب كأدوات مادية و ليس كممارسة لعقائدها التي ربما كانت مفارقة للعصر كله ، علينا إما القبول أو الرفض للأصولية الإسلامية من حيث هي عقيدة مطلقة فلا حل وسط ، ولو كان خيارنا هو الأخير فسوف نكتشف أننا تحررنا من وهم كبير ، لقد انتهى عصر الأيديولوجيا ... الحلم بنهضة الشعوب و الحلول الراديكالية هي أفكار قد شبعت موتا و أصبحت شيئا من الماضي البعيد ، لقد سقطت الأيديولوجيا مع أندحار الإتحاد السوفيتي ، لا يوجد أحد الان يحلم باليوتوبيا أو يتصور حلا سحريا و أن المستقبل يمكن أن يتجاوز الحاضر بصورة أساسية ، إن تلك الأحلام و عبادة الشعوب التي تحمل الحقيقة و ستنهض بعد سماع النفير الثوري هو نوع من ( اللااتصال بالواقع ) ، قليلون هم الذين يتصورون أن يكون المستقبل شيئا سوى صورة مطابقة للحاضر .. حسنا ربما نسخة معدلة من اليوم على أفضل التصورات ،إن التاريخ قد رفض الآمال المبالغ فيها و المتعلقة بالثورة ، لقد أخفقت الراديكالية و أصبحنا في زمن الإنهاك و التراجع السياسي العالمي و المحلي ، لا بدائل أخرى .. تلك هي حكمة هذا الزمان ، إن واجب النخب الأقوى و الأذكى و الأكثر حضارة ان تفرض قيم التنوير و الحداثة على الجهلاء فرضا فالعالم مهدد بالفناء بسبب ذلك الجهل و الفقر و التعصب ، إن تمكين الشعوب الجاهلة و المتعصبة و المتخلفة معرفيا لن يكون لصالحها بل مجرد حلولا طوباوية يقترحها منعزلون ،فالمنعزلون الحقيقيون ليسوا من يقترح الحلول كنخب بل من يثقون بوعي الجماهير و يؤمنون بفضائل لم يمارسها أحد أبدا . لو انتظرنا الشعوب فلن نتحرك سوى قبيل قيام الساعة بأيام قليلة ، العالم لا يفعل ذلك ، كل الشعوب التي نهضت من سباتها تقدمت خلال النخب ، النخب هي التي تقود الهند و تعطي لهذه القارة ديمقراطية ليبرالية وسط شعب أصولي متدين و فقير ، النخب الشيوعية هي التي تقود الصين لإقتصاد السوق ، المشكلة دائما هي النخب لا الشعوب ، النخب الهشة الفاسدة كنخبنا العربية هي التي تحيل مشاكلها للشعوب التي يجب ان تتفرغ للعمل و ممارسة أكبر قدر متاح من السعادة ، علينا ألا نرهق الشعوب بالتفكير فهي غير مؤهلة ولا تريد ذلك ، علينا فقط ان نوفر لها الدين و القيم و العقائد كمنتجات نهائية جاهزة ( هوم دليفري ) ، وقتها سنبدأ بالتحرك كما تفعل آسيا اليوم . ................................ بالمناسبة لم تأخريني عن صلاة الجمعة ، فقد صليتها منذ 20 عام تقريبا ، ألا يكفي ذلك ؟. |