حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
مع المفكر الصادق النيهوم ( 3 ) - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: مع المفكر الصادق النيهوم ( 3 ) (/showthread.php?tid=35052) |
مع المفكر الصادق النيهوم ( 3 ) - أبو النور - 10-24-2009 السادة الكرام بعد التحية إليكم المقال الثالث للأديب و المفكر الكتور الصادق النيهوم , و هو يقول : ......عند مطلع الألف الثالث قبل الميلاد , تم تطوير السفينة النهرية , لنقل المتاجر عبر البحار . و احتل المصريون , من دون أن يدروا, بوابة الطريق الدولي الوحيد الذي يربط بين أسواق العالم القديم . و من حانوت صغير في إحدى موانئ مصر الفرعونية , خرجت الفكرة الساحرة التي سوف تسحر الدنيا عيانا , و تطلع ناطحات السحاب من خيام الهنود الحمر في منهاتن . فقد دعت ظروف التجارة الدولية إلى البحث عن عملة دولية . و انتهى البحث سريعا باعتماد الذهب و الفضة لتغطية جميع السلع بسعر موحد . و هو قرار , ترتبت عليه نتائج جانبية , لها غرابة السحر , منها , أن حانوت كل صائغ في العالم القديم , تحول فجأة من مجرد حانوت إلى (( مصرف , بنك )) . في إحدى هذه الحوانيت , عاش الرجل الذي ابتكر [ سعر الفائدة ] , و افتتح اول مصرف رأسمالي في التاريخ . فحرفة الصائغ , جعلت حانوته , خزانة دائمة لحلي الذهب و الفضة التي يعدها سنويا للتسويق . و إذا نجح في إقناع زبائنه بأن يودعوها لديه , مقابل فائدة محدودة , فإن ودائعه لا تصبح حليا , بل تصبح [ضمانة مصرفية ] يمكن إستثمارها في تمويل التجارة الدولية , لتحقيق ربح غير محدود . و هي معادلة , كانت تبدو صحيحة - و شرعية - في لغة الأرقام على الأقل . خلال عصر الأهرام , حوالي سنة 2650 قبل الميلاد , كانت دكاكين الصاغة , قد خرجت من أيدي الصاغة , و تحولت إلى بيوت مالية متخصصة , تتولى جميع اعمال الصيرفة , من تغيير العملات إلى تمويل مشروعات الحكومة بقروض طويلة الأجل . و عندما خرج بيبي الأول , لتأمين خطوط التجارة الدولية , حوالي سنة 2400 قبل الميلاد , كانت المصارف المصرية هي التي مولت هذا المجهود الحربي الضخم , على جبهة إمتدت من فلسطين شمالا إلى النوبة جنوبا , و كان التمويل منتظما إلى حد ضمن تحقيق النصر . إن فرعون العائد من جبهة القتال , يكتشف لنفسه طريقا من الذهب . فقد أثبت [ التمويل المنتظم ] أن المصرف ليس دكانا للنقود , بل سلاحا جديدا قادرا على إحداث انقلاب شامل في خطط الحرب , بسبب قدرته على حشد قوات عسكرية بالأجرة , و ضمان تمويل المعركة لزمن طويل . و هما ميزتان لا تتوفران لأحد من أصحاب الأقطاعيات الصغيرة المتناثرة على حدود مصر , الذين وجدوا أنفسهم فجأة , في مواجهة حشود عسكرية محترفة , تفوقهم عددا و سلاحا , و تضرب حصارا مطولا حول قلاعهم , مبدية قدرة متزايدة على إطالة أمد الحصار , بفضل خطوطها التموينية المنتظمة . هذه الخطوط , كانت تمولها المصارف من موردين : الأول : مورد الضرائب التي تجمعها المصارف لحسابها , مقابل تقديم قروض عاجلة لفرعون . و هي خدمة , ألزمت فرعون بأن يوفر للمصارف حماية بوليسية , و يضمن لها استرداد ديونها , بكل قانون يقع , بين مصادرة أراضي الفلاحين , و بين بيع الفلاحين أنفسهم . المورد الثاني : تمثل في الجزية , و هي ضرائب تفرض على سكان المستعمرات الذين يخطط فرعون لإنهاك إقتصادهم , بمصادرة فائض الإنتاج سنويا . و في هذه المستعمرات , أصبح سعر الفائدة سلاحا في ايدي المصارف , لتنفيذ سياسة الإستنزاف الرسمي , و تحول الإستعمار إلى مشروع رأسمالي مربح , لأول مرة في التاريخ . عند نهاية القرن العشرين قبل الميلاد , كان نظام المصرف , قد نقل الدولة الإقطاعية من مرحلة المملكة إلى مرحلة الإمبراطورية . و كان أمنحوتب الثالث يدير من قصره في طيبة إقطاعية تمتد من الشام إلى النوبة , و يملك من الذهب - و الوقت - ما ينفقه في بناء المعابد الضخمة التي سوف تضمن له موقع الصدارة بين جميع الملوك البنائين في العالم القديم . فقد أعطى المصرف لفرعون , تنظيما ماليا قادرا على توفير القروض . و أتقن فرعون استثمار هذه القروض , لتحقيق التفوق العسكري الذي ضمن له سدادها من رسوم التجارة و عوائد الجزية و بيع الأسرى و الأسلاب . و في وقت قصير , كانت الفكرة , قد أثبتت عمليا أنها فكرة مربحة على الأقل , و كان كل إقطاعي على حدة , يعرف وجه العلاقة , بين [ التفوق العسكري ] و بين [ التمويل المنتظم ]. إن مصر سوف تنعم بمئتي سنة من الرخاء , تحت حراسة جيشها المتفوق , خلال عصر سيطرت فيه كتائب المشاة المدرعين على جبهات القتال . لكن الغيوم كانت تتجمع وراء الأفق . ففي هذا الـوقت , تم استأناس الحصان لأغراض الحرب , و امتطى آلاف من بدو شبه الجزيرة خيولهم , و انطلقوا غربا , قاصدين خـزائـن فرعون في طيبة .وقد بادر الفـرعون إلى حشد مشاته كالعادة , و قادهم في تشكيلات متراصة , طبقا لخطته في سحق أعدائه تحت جدار من الدروع . لـكن المعركة جـرت لغير صالحه هذه المرة , و أحاط فرسـان البدو بمشاته المذهولين , الذين لم يعرفوا للوهلة الأولى ما إذا كان الفارس و حصانه حيوانا واحدا أو إثنين . و هو انطباع سوف يستعيره الأغريق , لشعب همجي من العالم السفلي , اسمه قنطورس , رأسه بشر , و جسده حصان . حوالي سنة 1700 قبل الميلاد , كانت معظم أراضي مصر قد سقطت في أيدي الهكسوس . و كان فـرعون يتحصن وراء أسوار طيبة , و يدير أعمال المقاومة المسلحة التي سوف تنجح في تحرير مصر , بعد مئتي سنة طويلة أخرى . و خلال هذا الوقت .كان التعامل مع الهكسوس خيانة وطنية لا تروق في أعين المصريين ,و كان النشاط المصرفي في مناطق الإحتلال حرفة مشبوهة ,تثير شكوك الفرعون و الهكسوس معا , مما حصر اعمال الصيرفة تلقائيا ,في أيدي عملاء مغتربين من قبائل البدو المهاجرة التي دخلت مصر , مستأنسة بسلطة الهكسوس . إحدى هذه القبائل , كانت تدعو نفسها باسم [ العبرانيين , أي الرحّل ]. وكانت قد تسللت إلى مصر في زمن ما , بعد القرن الثامن عشر قبل الميلاد , و تفرقت داخل المدن المحتلة , حيث اشتغل رجالها في ميادين الحرف اليديوية , على عادة المهاجرين الذين لا يملكون نصيبا في الأرض . و كانت صياغة الذهب - و من ورائها المصرف - أكثر الحرف إثارة بالنسبة إلى كل مهاجر غريب . ان التاريخ يدبر في مصرلقاء مفيدا , بين أجنبي يريد أن يحكم , و بين اجنبي يريد ان يعيش . في عـصر يوسف , كانت مصارف العبرانيين قد احتكرت تمويل حكومة الإحتلال , مقابل جمع الضرائب من المصريين , و نجحت في السيطرة على إقتصاد الدولة , إلى حد أرغم ملك الهكسوس على أن يتقاسم السلطة مع يوسف , قائلا في يأس : [ أنت تكون على بيتي - أي رئيس الوزراء - و على فمك يقبل جميع الشعب - أي يطيعون أمرك - إلا أن الكرسي , أكون فيه أعظم منك ] ( تكوين 41 ). و هي مساومة سوف تتكرر بلغات كثيرة على مرّ العصور . من موقع " الرجل الثاني ", كان بوسع المصارف العبرانية , أن تسخر اقتصاد مصر لخدمة رأس المال الأجنبي , و تستغل سنوات الجفاف , لرفع نسبة العمولة على القروض , إلى حد يتجاوز قدرة المزارعين على السداد , و يعرض أراضيهم للمصادرة . و في اعقاب هذه الغارة المصرفية ,كان يوسف [ قد اشترى كل أرض مصر لفرعون . إذ باع المصريون كل واحد حقله , لأن الجوع اشتد عليهم , فصارت الرض لفرعون] (تكوين47 ). إن فرعون الحقيقي, كان إذ ذاك يعاني من الحصار و المجاعة في طيبة ,وكان يتميز غيظا من العبرانيين بالذات . حوالي سنة 1550 قبل الميلاد , اجتاح المصريون قلاع الهكسوس , و انطلقوا يطاردونهم على خيول مدربة إلى العريش , في معركة أعادت ميزان القوى إلى نصابه , و أفقدت البدو احتكارها لسلاح الفرسان. و عندما رجع فرعون الظافر من ميدان القتال ,كان الوقت قد حان , لتصفية الحساب مع رأس المال الجنبي ,و كان رأس المال الأجنبي في أيدي العبرانيين . إن فرعون يؤمم مصارف " اليهود ", من قبل أن يعرف اسمهم . فحتى ذلك الوقت , لم يكن العبرانيون قد اكتشفوا اسمهم السماوي ,و لم تكن التوراة قد أخبرتهم بأنهم شعب الله المختار . لأن هذه الفكرة الصاعقة لم تولد في الواقع إلا بعد طرد العبرانيين من مصر , بأربعين سنة على الأقل , عندما طالت [سنوات التيه ] ,و ادرك المصرفي العبراني بطول التامل , أن رأس المال الذي اشترى أرض مصر لحساب الهكسوس , لم يستطع أن يضمن رأسه في مصر ,و أن تصحيح هذه الغلطة الفادحة , هو أن يشتري رأس المال أرضا لحسابه في فلسطين . إذ ذاك - فقط - ولدت فكرة [أرض الميعاد ] ,و بدأ جبل الطور يرتعد خاشعا أمام أنبياء العصر المصرفي . ففي سيناء القاحلة - و تحت ظروف حافلة بالتحديات - جلس قادة العبرانيين الهاربين برؤوس اموالهم من مصر , لكي يكتبوا النسخة الأولى من دستور الدولة الراسمالية الحديثة , ويؤسسوا أول جمهورية ديموقراطية في التاريخ . وهو دستور سوف يستعيره اللورد كرومويل , عندما يفتتح عصر الجمهوريات الإوربية , بعد ألفي سنة أخرى , ضامنا لليهود جميع حقوق التاليف . .. البند الأول في هذا الدستور , مخصص لإنهاء عصر الإقطاع , بتقليص سلطات الملك , و توزيع أجهزة الإدارة بين إثني عشرة قبيلة من [ اسباط إسرائيل ] . و في هذا الصدد , وضعت التوراة ,مواصفات الملكية الدستورية , كما تعرفها أوربا الآن : { من وسط أخوتك , تجعل عليك ملكا .. ولكن لا يكثر له الخيل , و لا يكثر له نساء .و فضة و ذهبا , لا يكثر تكثيرا } ( سفر التثنية ,17) البند الثاني , مخصص لضمان شرعية الربا ,و تسخير جهاز الدولة لحماية قروض المصارف في الداخل و الخارج . و في هذا الصدد , وضعت التوراة خطة العمل التي تنفذها المصارف الغربية الآن : { يباركك الرب إلهك . فتقرض أمما كثيرة , و أنت لا تقترض , و تتسلط على أمم كثيرة , و هم عليك لا يتسلطون } ( سفر التثنية , 18) البند الثالث , مخصص لتأمين قاعدة رأس المال الوطني , بمنع الربا بين اليهود , وتصفية ديونهم بالإبراء العام ,مرة كل سبع سنوات .و هومبدأ ينم عن معرفة متطورة بشؤون المصارف , مهمته أن يحرر رأس المال الوطني , من عبء الفوائد , و يوجهه بالتالي لخدمة مشروعات الإنتاج البعيدة الأمد , في قطاعات الصناعة و الزراعة , مما يحيل [ الوطن الرأسمالي ] إلى قلعة محصنة ضد الخوف و الجوع معا . في المقابل ,جعلت التوراة إقراض الأجنبي بالربا فريضة دينية , يؤديها اليهودي الورع , بموجب نص الشريعة . و هو مبدأ مصرفي آخر , وظيفته أن يزيد رأس المال الوطني , على حساب [ الأجانب ] بوسائل محاسبتيةبحتة ,منها زيادة سعر الفائدةعلى القروض , و منها إحتكار السلع , و ضرب الشركات المحلية , بالذراع الضخمة التي توفرها بيوت المال المتحدة . و في رعاية هذه الشريعة. و في رعاية هذه الشريعة , تضاعف رأس المال اليهودي سنويا , بنسبة تتراوح بين خمسة , إلى خمسين في المائة , طوال ألفي سنة حتى الآن ,و ضمنت التوراة قيام المصرف الإستثماري المنظم الذي بدأ براس مال قدره بضعة آلاف راع بدوي على تلال سيناء , ثم استرى الكرة الأرضية باسرها . إن اليهود سوف يعيدون كتابة التاريخ كله من جديد , و سوف تختفي علاقتهم بالهكسوس من ((المراجع العلمية )) ,وتصاغ قصة خروجهم من مصر , في صيغة تليق بمقام الغنياء , و ينال فرعون العقاب الذي يستحقه , كل منيهدد أمن المصرف ,فتغرقه التوراة في البحر الحمر , ويلعنه رجال الدين إلى الأبد . لكن هذا الإنقلاب اللغوي ,لا يستطيع أن يفسر أحداث التاريخ إلا بلغة السحرة , و لا يصلح بديلا عن القول , بأن نظام المصرف الحر , الذي ولد في مصر , كان قدتلقى درسا موجعا في أول معركته مع القطاع , و أدرك حاجته الماسة إلى وطن . و أن { أرض الميعاد } التي بشرت بها التوراة , فكرة ولدت من حاجة المصرفالحر إلى دولة راسمالية , و ليس من حاجة الرعاة العبرانيين إلى مصرف . في عصر سليمان - حوالي سنة 950قبل الميلاد - كان التجاراليهود , هم أصحاب اليد العليا في اقتصاد الشرق الأوسط ,و كانت المصارف اليهودية , تدير أكبر أسطول تجاري في المنطقة , وتسيطر على أسواق عالمية , تمتد بين الصين و بين اليمن ,و تملك بريدا جويا للربط بينفروعها المتباعدة بفرق من الحمام الزاجل . وعندما جاءت الملكة بلقيس لزيارة سليمان في القدس,كانت [ إسرائيل ] دولة غنية , يقصدها حكام الشرق الوسط , في طلبالمساعدات و القروض , وكان حلم التوراة قد تحقق حرفيا . أن سلاح المصرف الحر , يحيل قبيلة من الرعاة البسطاء , إلى مستوطنين ناجحين , في مستوطنة غنية ناجحة . و هو سلاح سوف تتجلى قدراته الهائلة على مسرح آخر , في مستوطنات بعيدة واسعة , تسمى [ الولايات المتحدة الأمريكية ] . أما في فلسطين , فقد كان المسرح ضيقا أكثر مما ينبغي , و كان عدد اليهود المحدود , قد جعل دولتهم مجرد مصرف سمين , وسط بحر من الإقطاعيين المفلسين , مما تسبب في اجتياح أراضيهم منذ سنة 722 قبل الميلاد , و انتهى بترحيلهم أسرى إلى بابل بعد 136سنة أخرى . و بينما كان جنود نبوخذنصر , يوزعون اليهود للعمل في مزارع الملك الواسعة , كان على التاريخ أن يستنتج - مخطئا- أن الإقطاع قد انتصر على نظام المصرف الحر في الشرق الوسط , و أن نظرية الدولة الرأسمالية , قد ماتت إلى الأبد . خلال الألف سنة التالية , تفرق اليهود في جهات الأرض الأربع , و تحولت أعمال المصرف الراسمالي - من دون دولته الرأسمالية - إلى كارثة محققة على اقتصاد جميع الأمم . فدفع فائدة محدودة على القروض , فكرة ممكنة - فقط - إذا كانت القروض موجهة للأستثمار التجاري , في سوق حرة , قادرة على تحقيق ربح غير محدود . أما في مجتمعات ذات اقتصاد زراعي يدوي , مثل مجتمعات العالم القديم , فإن هامش الربح الضيق - و غير المضمون - لا يستطيع أن يغطي سعر الفائدة أصلا , و لا يطوع نفسه للأستثمار المصرفي , إلا في مشروعات مشبوهة قادرة على تحقيق ربح سريع في زمن قصير , مثل تمويل الخمارات و نوادي القمار , و تجهيز عصابات القراصنة لخطف الرقيق . و هي مشروعات ما لبثت أن أدانت اليهود أخلاقيا , و أدانت فكرة الفائدة على القروض , و دعت رجلا مسالما مثل السيد المسيح إلى أن يحمل عصاه , و يخرج لطرد الصرافين من ساحة المعبد , معلنا إفلاس مشروع التوراة رسميا . في ظروف هذا السخط العارم , على مصارف المرابين اليهود , غابت ثلاث حقائق هامة : الأولى : ان اليهود لم يخترعوا المصرف الحر , بل اكتشفوا قدرة راس المال على العمل في مجتمع ديموقراطي , و هي تجربة متاحة أمام جميع شعوب العالم على حد سواء . الثانية : ان نظرية أرض الميعاد ليست نظرية دينية بل مصرفية , و أن المصارف التي خسرت وطنها في الشرق الوسط , سوف تشتري لنفسها وطنا جديدا في مكان آخر . الثالثة :ان تحصيل سعر الفائدة على القروض , ليس وصية لليهود , بل وصية لأصحاب رأس المال العاملين في ميادين التجارة الدولية , و سوف تذهب معهم , إلى كل بلد يذهبون إليه . إن الكنيسة المسيحية التي رفعت عصاها غاضبة في وجه المرابين اليهود , لا ترى شيئا من أبعاد الصورة الحقيقية , و لا تكتشف القوة الصاعقة وراء نظام المصرف الحر في مجتمع ديموقراطي . بل تخلط بين الربا القائم على تاجير النقود , و بين الكسب الناجم عن زيادة حجم الغنتاج , و تورط نفسها في نظرية مؤداها , أن الحياة الدنيا مشروع خاسر من أوله . في ظل الكنيسة , تكلم الإقتصاد فجأة بلغة الرهبان , فصار الفقر "فضيلة تستحق التمجيد " , و صار الزهد في المال "علامة على غنى النفس " , و بات على الرجل الغني " أن يعبر من عين الإبرة , قبل ان يدخل في مملكة يسوع " , و تصاعدت الحرب ضد " متاع الحياة الدنيا " , حتى قرر سمعان العمودي , أن يقضي حياته فوق عمود . إن عداء الكنيسة للمرابين اليهود , يصبح عقدة نفسية في حاجة إلى علاج , و يحفر خندقا غير قابل للردم بين الدين و بين رأس المال . بعد خمسة قرون من نشأة الكنيسة , كان إقتصاد الشرق الوسط لا يزال يقف , حيث تركه نبوخذنصر , و كانت كلمة [ الرخاء الإجتماعي ] كلمة تزداد غرابة كل يوم , في مدن مفلسة , تزدحم بالشحاذين و طلاب الصدقات . و قد اختارت الكنيسة أن تمجد صورة المواطن - الحاج , الذي يهجر عياله و عمله , و ينطلق حافيا إلى الحج , في محاولة إعلامية , لتشجيع البطالة على حساب الإنتاج . و عندما ولد النبي محمد سنة 570 , كان المواطن العاطل عن العمل , اسمه [ناسك صالح ] , و كانت مدينة الإسكندرية وحدها , تضم ثلاثين ألفا من هؤلاء " النساك" . إن النبي محمدا , يبذل جهدا خارقا , لإنهاء معركة الدين المفتعلة ضد رأس المال , لكنه لا يستطيع ان يكسب الحرب . فقد استعاد النبي صيغة [ الجمهورية ] تحت شعار حكم الجماعة . و هي الصيغة الإدارية الصحيحة , لتنمية رأس المال في محتمع ديموقراطي . و بعد ذلك , تقدم القرآن بمبدأ جديد في تأميم المصارف , بأن سمى المال كله [ مال الله ] , و أعاد توزيعه بين ثلاث خانات : الخانة الأولى : تضم ميزانية الدولة , التي سماها النبي [ بيت المال ] و حدد القرآن , أوجه اتفاقها في قوله { إنما الصدقات للفقراء و المساكين , و العاملين عليها , و المؤلفة قلوبهم , و في الرقاب , و الغارمين , و في سبيل الله , و ابن السبيل } و هي لا ئحة لا تفرق بين دين و آخر - كما فعلت التوراة - و لا تفرق بين لون و آخر - كما ستفعل الراسمالية البيضاء في وقت لاحق - بل تتقدم بقانون عالمي للضمان الإجتماعي , مهمته حفظ قاعدة المجتمع الديموقراطي , في كل مكان , و في جميع العصور . و يلفت النظر هنا , أن أوربا الغربية , لم تكتشف فكرة الضمان الإجتماعي , إلا في عصر الملكة فيكتوريا , بعد ألف و مائة سنة من نزول القرآن , و أن العرب الذين وصلهم البلاغ منذ القرن السابع , لا يملكون ميزانية للضمان الإجتماعي حتى الآن . الخانة الثانية : تضم رأس المال الخاص . و هو ليس رأس مال شخصي , ينفقه صاحبه على أهوائه الشخصية , بل قرضا من مال الله , له فائدة سنوية لا تقل عن عشرة في المائة , تدفع للمجتمع بموجب فريضة [ الزكاة] . و قد أغلق القرآن أبواب الإستثمار المشبوه , بأن أحل البيع , و حرم الربا , و ضمن تجزئة رأس المال المتراكم , بتوزيع الإرث بين الجيال , و إقرار حق المرأة في الميراث . و هو حق , كانت التوراة قد تجاهلته , لكي لا يخرج رأس المال اليهودي من أيدي اليهود . و سوف يبطله الفقه الإسلامي , بتحريم زواج المسلمة من غير المسلم , لتحقيق هذا الغرض الإقتصادي بالذات . الخانة الثالثة : تضم رأس المال المستجد , من استصلاح الأراضي البور إلى فتح أسواق جديدة و تطوير وسائل الإنتاج . و في هذا المجال , أطلق القرآن يد الفرد و الجماعة لزيادة دخلهم من دون حدود . و دعا إلى تنمية جميع الموارد المالية في الرض و السماء , مشترطا - فقط - أن لا تتم التنمية على حساب البيئة , فلا أحدث يثقب الأوزون في سماء الله , و لا أحد يبيد عجول البحر , لحساب تجار الفراء . للموضوع بقية ... تحياتي السادة الكرام تقول بقية المقال : سنة 632م , توفى السول محمد, تاركا لعرب القرن السابع , أكفأ التشريعات الأدارية في التاريخ , و أكثرها قدرة على تحقيق آمال الناس , في ضرب الأقطاع و المؤسسات الدينية , و أنهاء عصر الفقر و البطالة , و أطلاق الطاقة الكامنة في مجتمع ديموقراطي حر . و لو أتيح للعرب , زمنا كافيا , لكي يعيشوا تجربة الشرع الجماعي في الأسلام , لتغير مجرى التاريخ الحديث من قبل أن يبدأ , و كتبت قصة الحضارة من اليمين الى الشمال . لكن العرب لم يكسبوا زمنا كافيا . أن جمهورية الأسلام الأولى - و الأخيرة - تصبح أقطاعية قريشية , قبل مرور ربع قرن على وفاة الرسول . فيستولي الأمويون على بيت المال , و يؤممون ( مال الله ) لحساب أسرة واحدة . وخلال عشر سنوات فقط , كان أقتصاد العرب - و أخلاقهم - قد ربطا مرة أخرى الى عجلة الأقطاع , و كان كرسي عمر بن الخطاب , يشغله طاغية دموي , أسمه يزيد بن معاوية , أكبر منجزاته التاريخية أنه أباد أسرة الرسول , و ثأر لمقتل أجداده في بدر من سكان المدينة الأنصار. و رغم أن العرب لم يختفوا من مسرح التاريخ , الا بعد ثمانية قرون أخرى , فان مصيرهم قد تقرر منذ منتصف القرن السابع , و كانوا قد خسروا المعركة كلها من دون أن يدروا , و خسروا نظامهم الجمهوري - و من ورائه المصرف الحر - و بات عليهم أن يدفعوا ثمن الفشل من خبزهم و خبز عيالهم , في عالم رأسمالي لا يرحم الفاشلين . خلال الفترة الواقعة بين الأنقلاب الأموي سنة 656 م , و بين بداية الحروب الصليبية سنة 1050 م , كان العالم القديم , لا يزال قديما على حاله كما تركه فرعون . و كان سكان الشرق الأوسط لا يزالون يحتلون بوابة الطريق على خط التجارة الدولية , و ينعمون بأعلى مستوى للدخل في العالم . و في ظروف هذا الأزدهار التجاري النسبي , نجح العرب في تطوير السفينة البحرية , لنقل المتاجر عبر المحيط , و أرتادوا بسفنهم مناطق نائية مثل اليابان و أوستراليا , ملقين مراسيهم على بعد مرمى حجر من كنوز لا تفنى في القارات العذراء الغائبة وراء المحيط الأطلسي . لكن هذا الأنجاز المثير كان مجرد جهد فردي , يموله صغار التجار في مغامرات مثيرة , مثل قصص السندباد. و لم يكن بوسعه أن يلبي حاجات الصراع البحري القادم , لأستيطان قارات العالم الجديد . أن تطوير السفينة المحيطية على يد العرب , خلال القرن الثاني عشر , يصبح أنجازا تقنيا , لا يقل أهمية - أو أثارة للمشاعر - عن تطوير سفن الفضاء في القرن العشرين . فقد فتحت ثغرة في جدار المحيط , و أكتشفت أرضا جديدة , تزيد مرتين على مساحة القمر , فضاعفت بذلك حجم السوق التجاري , و أضافت اليه عشرات السلع الجديدة من الذرة و البطاطس و ديوك الحبش , الى التبغ و الكوكايين . لكن العرب - أصحاب الأختراع - لا يملكون رأس المال القادر على تمويل حملات الأستيطان , و لا ينالهم من وراء تطوير السفينة المحيطية , سوى حبسهم في القمقم شرقي مضيق جبل طارق , بينما كان كولومبس ينطلق غربا سنة 1492م قاصدا أمريكا في سفن عربية , و بأجهزة ملاحية عربية . و في هذه المرة , نزل الستار مثل المقصلة , و خسر العرب خطوط التجارة الدولية الى الأبد . ان الشرق الأوسط الذي أبتكر التجارة و المصارف و النقود, يعلن أفلاسه بعد أربعة آلاف سنة من حكم الأقطاع و رجال الدين . في هذا الوقت , كان نظام المصرف اليهودي - الذي مات في الشرق الأوسط - قد بعث الى الحياة في بلدان غرب أوربا , و كانت حركة البروتستانت قد هيأت في هذه المنطقة , جوا من التسامح الديني , ما لبث أن شجع اليهود على الهجرة في موجات متلاحقة , الى أمستردام سنة 1593 , و هامبورغ سنة 1612 , و نيو يورك سنة 1654 . و عندما كتب شيكسبير مسرحية (( تاجر البندقية )) حوالي سنة 1595 ,معلنا سخطه على شايلوخ المرابي الذي ينوي أن يسلخ جلد تاجر مسيحي , كان اليهود هم أصحاب المصارف التي تجمع الضرائب من البريطانيين لحساب الملكة اليزابيث , و كانت النقمة الشعبية تتصاعد ضدهم , كما حدث لهم دائما منذ عصر الهكسوس . ان اليهود لم يظفروا أبدا بأعجاب البروتستانت , لكن نظامهم المصرفي الناجح أثار أنتباه الحكومات البروتستانتية الثائرة على سلطة البابا , التي رأت أن تحريم سعر الفائدة , غلطة أقتصادية مميتة , تضاف الى أغلاط الكنيسة الكاثوليكية , فشرعت تستعد لأحياء نظام المصرف الحر , في عصر تميز بأستيطان أمريكا, و تطوير السفينة المحيطية , من مركب مسلح بمنجنيق , الى قلعة عائمة , ذات طاقة نارية , تزيد على مئة مدفع . و منذ بداية هذا السباق , كانت بريطانيا قد ضمنت لنفسها فوزا مبكرا لسببين : الأول : ان بريطانيا أستعادت صيغة الملكية الدستورية التي أبتكرها اليهود . و هي صيغة تقوم على سلطة المصارف و تسخير جهاز الدولة لخدمة رأس المال . و رغم أن بقية دول غرب أوربا , عادت فاكتشفت هذه الصيغة في وقت لاحق , فان بريطانيا كانت قد سبقتها جميعا الى موضع الكنز بمئة و ثلاث و عشرين سنة على الأقل . السبب الثاني ,أن موقع بريطانيا الجغرافي , قد أعفاها من عبء الحرب البرية , و أتاح لها تركيز الأنفاق العسكري في بناء الأسطول , و تطوير ماسورة المدفع , و زيادة سرعة الطوربيد , خلال عصر تميز بنقل مسرح الصراع الدولي الى أعالي البحار , و جعل بريطانيا قرش البحر القاتل, الذي لا ينازعه أحد على سيادة المحيط . في هذه المرة أيضا , أكتشف البريطانيون علاقة التمويل المنتظم بالتفوق العسكري . فعندما تأسس ( بنك لندن) سنة 1648 , كانت ميزانية بريطانيا العسكرية , لا تزيد على خمسين مليون أسترليني , منها 32 مليون , يغطيها دخل الدولة , و الباقي قروض من المصارف . لكن هذا الرقم , ما لبث أن تضاعف أربعين مرة , خلال قرن قصير واحد , فبلغ مليارين تقريبا سنة 1812 , منها 440 مليونا مقدمة من المصارف . و قبل أن تولد كلمة ( الدول العظمى ) , كان نظام المصرف الحر قد أحال دول أوربا , الى قلاع عسكرية ضخمة , يزداد حجمها باضطراد . فتضاعف حجم الجيش البروسي , بمعدل مرة كل عشر سنوات،من30 ألف جندي سنة 1700 الى 270 ألف جندي سنة 1812 , بينما زادت أمبراطورية آل هابسبورغ في فيينا , حجم قواتها في الفترة نفسها من 50 ألف جندي الى ربع مليون . و تضاعف الجيش الروسي من 170 ألف جندي الى نصف مليون , و حشدت فرنسا تحت راية نابليون , 600 ألف مقاتل . و هو أكبر حشد عسكري عرفه التاريخ حتى ذلك الوقت . أما بريطانيا التي افتتحت مسيرة المصرف الحر , فقد تضاعف حجم قواتها البرية أربع مرات , و ارتفع عدد سفن الأسطول من مئة بارجة الى 214 بارجة , أي ضعف ما تملكه جميع دول العالم مجتمعة . ان الفرعون بيبي الأول الذي سخر السلاح المصرفي لضرب أعدائه بحشود عسكرية ضخمة , كان قد فتح القمقم المسحور من دون أن يدري . في الفترة الواقعة بين تحطيم الأسطول الأسباني على يد البريطانيين سنة 1558 , و بين هزيمة نابوليون في واترلو سنة 1815 , كان نظام المصرف الحر , قد أحال دول أوربا الى مصارف رأسمالية عملاقة, تتصارع على حيازة الأسواق و مصادر المواد الخام , في جبهة أمتدت من كندا الى مصر . و كان جهاز الدولة قد تغير جذريا في موقعين : في الموقع الأول , لم تعد الدولة سلطة حاكمة , بل أصبحت ( أدارة ) , تتولى الأشراف على مصالح رأس المال , تحت سلطة المصارف . و هي صيغة منقولة حرفيا من كتاب التوراه, بعثت نظام الجمهورية اليهودية تحت أسماء مختلفة في قارات مختلفة , و جعلت اسرائيل القديمة , نموذج الدولة الحديثة في العصر الرأسمالي . في الموقع الثاني , لم تعد الكنيسة هي مصدر التشريع , و لم يعد بوسعها أن تفسر موقفها البدائي من سعر الفائدة , بعد أن أثبتت الثورة الصناعية , أن رأس المال قابل للنمو بزيادة حجم العمل , و أن فكرة المصرف الحر - التي كانت فكرة ضارة في المجتمع الزراعي اليدوي - أصبحت فكرة نافعة في عصر الآلة القادرة على زيادة الأنتاج الى ما لا نهاية . فقد صار بوسع النول الميكانيكي أن ينتج من الجوارب في يوم واحد , ما لا ينتجه عمال الهند . و صار بوسع قطار من مئة عربة أن ينقل حمولة جميع القوافل التي تعبر قارة أفريقيا في سنة . و أثبتت ثورة العلم أن راس المال , لا ينمو على حساب الناس , بل ينمو بقوته الكامنة في تطوير الموارد عن طريق الأستثمار , و أن المصرف الحر , طريق لا بد منه لتأمين هذا الأستثمار بالحجم المطلوب . تحت رعاية هذه الدولة المصرفية , استعاد اليهود حق المواطنة على الكرة الأرضية , لأول مرة منذ نبوخذنصر . فمنحتهم الثورة الفرنسية حق الحصول على الجنسية , و بادرت بريطانيا الى منحهم الحق نفسه , لقطع الطريق على نابوليون في أستمالة مصارف اليهود . و خلال وقت قصير كان الأوربيون - و منهم الأتراك - يتنافسون في أضفاء جنسياتهم على اليهود , و كانت أوربا بأسرها قد تحولت الى ( أرض الميعاد ) . لكن اليهود أنفسهم , كانوا ينظرون بعيدا عن أوربا , عبر المحيط . ففي أراضي القارة الأمريكية العذراء و في مناجمها التي تحوي نصف احتياطي العالم من الذهب , كان حلم التوراه بأرض الميعاد في بلد صغير مثل فلسطين , مجرد مشروع بائس لا يثير شهية رأس المال اليهودي , و كان اليهود قد وضعوا فكرة أرض الميعاد جانبا , و انطلقوا الى نيويورك , حيث أنشأوا مصارفهم النشطة التي نجحت في أحتواء الأحتياطي الأمريكي الضخم , و تولت تسخيره لزيادة الأنتاج على نطاق لم يسبق له مثيل . و في الفترة الواقعة بين نهاية الحرب الأمريكية سنة 1865 , و بين نهاية الحرب الأسبانية سنة 1898 - و هي فترة عشرين سنة فقط - كان نظام المصرف الحر , قد ضاعف الأنتاج الأمريكي بأرقام فلكية ؛ فزاد أنتاج الدقيق بنسبة 460 في المئة , و القمح بنسبة 800 في المئة , و السكر بنسبة 460 في المئة و الصلب بنسبة 523 في المئة , بينما تضاعف انتاج النفط من 300 ألف برميل الى 55 مليون برميل , و تضاعفت ميزانية الدولة , بمعدل مرة كل ثلآث سنوات , من 334 مليون الى مليارين و نصف تقريبا . و في هذه الأرض التي تفيض - فعلا - باللبن و العسل , كان مشروع التوراه القديم , يبدو قديما أكثر مما يجب , و كان على اليهود أن يعيدوا صياغة ( الشريعة ) بلغة العصر . في هذه النسخة الجديدة , تحرر نظام الدولة الرأسمالية من قاموس التوراه , و استعاد لغته الأصلية في قاموس المصرف الحر . فلم تعد الدولة اليهودية , هي دولة اليهود , بل أصبحت هي دولة المصارف (( الليبرالية )) التي لا تتعامل مع الزبون على أساس لونه أو دينه , و لا تضع شروطا مسبقة لهذا التعامل , سوى شرط الربح المادي , و لا تحتاج الى سياسة أخرى سوى سياسة (( الباب المفتوح )) التي تتيح لرأس المال أن يستقبل زبائنه - أو يذهب اليهم - في الليل و النهار . ان كلمة ( أفتح يا سمسم ) تفتح كنزا حقيقيا لأول مرة . فقد نجحت الدولة المصرفية في تطوير فكرة ( الباب المفتوح ) الى سياسة قومية , و اعتبرت فتح السوق العالمي أمام رأس المال , شرطا في تولي الأدارة , و ضمنت بذلك مستقبل المصرف الحر, رغم أنها لم تضمن مستقبل البشرية نفسها . و في الفترة الواقعة بين ظهور الولايات المتحدة , و بين ضرب اليابان بالقنابل الذرية , كان نظام المصرف الحر يجتاح الدول و القارات , و كانت أذرع رأس المال الغربي , قد أمتدت من وراء المحيط , و احتوت المنطقة الواقعة داخل نفوذ الأتراك , و اشترت امتيازات سكة حديد بغداد , و أبار النفط في البحرين , مفتتحة معركة المصرف الحر ضد الأقطاع تحت سماء الشرق الأوسط , للمرة الثانية منذ عصر فرعون . في هذا الوقت , كان الشرق الأوسط , لا يزال على حاله كما تركه فرعون . فمن جهة , كانت حكوماته مجرد أقطاعيات متناحرة , تدار بنظم بدائية , لا تستطيع أن تحتوي نظام المصرف الحر, و لا تضمن له الأمان المطلوب . و من جهة أخرى , كان الشرق الأوسط لا يزال في موقعه الجغرافي الممتاز, على بوابة التجارة الدولية بين قارات العالم القديم . و هو موقع تحتاج المصارف الى مراكز مستقرة فيه , بأي طريقة , و أي ثمن . ان حل هذه المعضلة كان يكمن في ايجاد ( وطن ) للمصرف الحر في الشرق الأوسط , لكن الدول الرأسمالية أختلفت بين حلين : الحل الأول , تبنته فرنسا . و قد تمثل في انشاء جمهورية لبنان التي قامت على وصفة أدارية مختلفة , هدفها أن توزع السلطة المحلية بين خصوم ذوي مصالح متناقضة , لا يستطيع أحد منهم أن يمتلك من القوة أو الشرعية , مايهدد به نظام المصرف الحر . و هي صيغة نجحت مؤقتا في أجتذاب رأس المال الى لبنان , تمثّل في تأسيس ( بنك انترا ) و هو أول مصرف رأسمالي في تاريخ العرب, الذي سارعت المصارف الغربية الى قتله في المهد , بأعلان أفلاسه في وقت لاحق . الحل الثاني , تبنته الولايات المتحدة . و قد تمثل في احياء مشروع اسرائيل التي قامت - هذه المرة - على خطة مصرفية صريحة , هدفها ان تكسب رأس المال اليهودي , و تضمن للمصرف الحر وطنا آمنا بين أقطاعيات الشرق الأوسط . و هي فكرة لم تولد بين طبقات الشعب الأمريكي , و لم يوافق عليها أعضاء الكونغرس , بل ولدت سرّا في مكاتب أصحاب المصارف الأمريكية , الذين سخّروا الرئيس ترومان لتنفيذها بأسلحة مالية بحتة , منها تهديد بريطانيا بقطع المعونة عنها اذا رفضت دخول اليهود الى فلسطين سنة 1947 . و منها ألزام ألمانيا بدفع التعويضات الى أسرائيل , مقابل حصولها على معونات من مشروع مارشال . و الواقع ان الرئيس ترومان أعلن أعترافه باسرائيل , قبل أن يوافق الكونغرس على هذا الأعلان , و قبل أن تقوم أسرائيل نفسها بربع ساعة تقريبا . سنة 1948 , كان المصرف الحر يملك وطنين في الشرق الأوسط . الأول , في لبنان , و الثاني في اسرائيل . و كان من الواضح ان المبارزة توشك أن تبدأ بين خصمين غير متكافئين : فالصيغة الأدارية في لبنان , صيغة عشائرية من بقايا العصر الأقطاعي في العالم القديم , لا تملك تعريفا حقيقيا لكلمة ( الوطن الرأسمالي ) , و لم تتعرف على نظام المصرف الحر أصلا . و رغم أن السياسيين اللبنانيين , بذلوا جهدا اعلاميا صاخبا , لأحتواء النظرية الرأسمالية في تراث لبنان الفينيقي , فان هذا الجهد كان مجرد علامة أخرى , على أن لبنان لم يستوعب ما حدث في غرب أوربا , و لم يكتشف الفرق المميت بين تاجر فينيقي أعزل , و بين تاجر رأسمالي مسلح بالصواريخ . و قد تقدم اللبنانيون بصيغة مستحيلة ( لوطن رأسمالي من دون جيش ) و هي صيغة خرافية , لم يعرفها التاريخ أبدا , الا في بقايا في بقايا الأقطاعيات التي التمست الحماية تحت مظلة الجيوش الأوربية , مثل أمارة موناكو و ليختنشتاين و لوكسومبورغ . لكن اللبنانيين لم يكتشفوا هذه الثغرة الواسعة في نظامهم الفينيقي , بل دأبوا على تسمية بلدهم باسم ( سويسرا الشرق ) , متجاهلين - من باب الجهل - أن سويسرا بالذات تملك أكفأ جيش دفاعي في التاريخ . على الجبهة الأخرى , كانت المصارف الرأسمالية , قد أقامت في فلسطين جمهورية يهودية للمرة الثانية منذ عصر التوراه . و كانت النسخة القديمة قد تغيرت جذريا , فلم تقم اسرائيل العشائرية التي تتوزع فيها السلطات بين قبائل العبرانيين , بل قامت اسرائيل-المصرف , التي يديرها التجار و العمال , في أئتلافات حزبية مجهزة أصلا لخدمة رأس المال . و في هذا الوطن ((اليهودي )) , كان اليهود يموتون دفاعا عن أسهم الشركات البريطانية في قناة السويس , و يحرسون آبار النفط الأمريكية في الخليج , و يديرون المصارف التي تشرف على التجارة الدولية بين أفريقيا و آسيا , و يظفرون بالأطراء المستمر , في جميع أجهزة الأعلام الرأسمالية , على عادة الرجل الغني في الولع بكلب حراسته الناجح ى. ان العرب الذين جاءوا لتحرير فلسطين تحت راية نبوخذنصر , يتعرضون - هذه المرة - لأكثر من مفاجأة . سنة 1967 , وقعت المواجهة المستحيلة بين ( مئة مليون عربي ) , وبين ثلاثة ملايين اسرائيلي . و كان من المتوقع أن تنتهي المعركة خلال ساعات معدودة , كما حدث في عصر نبوخذنصر , لولا أن عصر الملوك الفاتحين , كان قد انتهى منذ 2500سنة , و كانت المصارف الرأسمالية قد غيرت سوقية الحرب رأسا على عقب . فالمئة مليون عربي , كان لديهم مئة ألف جندي فقط مقابل أربعمئة ألف جندي أسرائيلي. و لديهم سبعون طائرة مقابل خمسمائة . و لديهم ألف دبابة متوسطة مقابل ألفي دبابة ألمانية من طراز ليوبارد . بالأضافة الى ذلك , كان احتياطي العرب المحدود من العملات الصعبة , لا يسمح لهم بموصلة القتال , الا لبضعة أيام قصيرة , ريثما تنفذ ذخائرهم , بينما كانت اسرائيل تؤمن لنفسها قروضا مستمرة من المصارف الغربية, و تتمتع بقدرة كبيرة على أطالة أمد الحرب كما تشاء . ان العرب يعودون من المعركة , بدرس موجع و نافع , لكن حكوماتهم الأمية , لا تحسن قراءة الدرس . فقد أعلن الرئيس السادات أن (( 99 في المئة من أوراق اللعبة في يد أمريكا )), و هو يقصد في يد المصارف الرأسمالية التي تبحث عن وطن في الشرق الأوسط . و كان من المتوقع , أن يؤدي هذا الأكتشاف الى تصحيح الخلل في الأدارة العربية , و البحث عن صيغة تحتوي نظام المصرف الحر , في دولة ديمقراطية قادرة على التعامل مع رأس المال . لكن الرئيس السادات اختار أن يعتمد أساليب الشطارة والفهلوة , و يضحك على ذقون المصارف , بتمثيلية صاخبة عن الأحزاب و حرية الصحافة , آملا أن يحمل أليه الغربيون مدخرات مواطنيهم , من دون حاجة الى ضمانات أخرى . و هي فكرة مميتة , ذهب وراءها بسذاجة رجل قروي , و فعل من أجلها , كل ما يفعله الرجل القروي , بما في ذلك أن يعزم روكفلر على العشاء . لكن المصارف رفضت أن تأكل . أننا نقف على بعد خمسة آلاف سنة من مولد المصرف الرأسمالي في الشرق الأوسط , فنجد الشرق الأوسط لا يملك مصرفا رأسماليا واحدا , و لا يملك صيغة ادارية قادرة على ضمان حرية رأس المال . و في ظروف هذا العجز الشامل, عن قراءة لغة العصر , كانت ثقافة العرب السياسية, مجرد ثقافة أمية , لا تفهم شيئا مما يدور حولها . و كان العرب المقلوبون على رؤوسهم , ينظرون الى الدنيا من زاوية المقلوبين . ان مستقبل أجيال العرب , رهن بتصحيح هذا المنظور , في أقرب وقت ممكن , بأقل كلام ممكن , في خمسة نقاط : الأولى : ان اسرائيل ليست ( صنيعة) الولايات المتحدة - كما يعتقد الساسة العرب - بل أن الولايات المتحدة و اسرائيل معا , صنيعتان للمصرف الرأسمالي الحر . الثانية : ان نظرية ( الضغط الأمريكي على اسرائيل ) , نظرية خرافية بحتة , لأن اسرائيل مشروع مالي مستقل مثل الولايات المتحدة نفسها . الثالثة : أن العرب لم يخسروا المعركة ضد اسرائيل , بل خسروها ضد نظام الدولة الرأسمالية منذ استيطان امريكا في القرن السابع عشر . و أن هزيمة قديمة من هذا الحجم , لا يمكن تعويضها حتى بأستعادة الأندلس و فلسطين . الرابعة : ان العرب الذين فشلوا في تطوير ادارة ديموقراطية , لا يستطيعون أن يمتلكوا نظاما مصرفيا حرا و ليس في وسعهم أن يكسبوا السباق في هذا العصر المصرفي . الخامسة : ان السياسة الناجحة هي ثمرة القراءة الصحيحة للتاريخ , و أن سياسة العرب المرتبكة و الفاشلة , مصدرها تورط العرب في ثقافة مزورة , تفسر الأسلام بلغة السحرة , و تتجاهل دستور الشرع الجماعي , و تعطي ( مال الله ) للأقطاع و تقرأ التاريخ بلسان فقيه , غائب عن التاريخ , منذ أن حبسه الصليبيون في زنزانة البحر المتوسط , قبل خمسمائة سنة على الأقل .. http://al3dm.com/vb/index.php |