نادي الفكر العربي
صدمة الحداثة . - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+--- الموضوع: صدمة الحداثة . (/showthread.php?tid=3539)

الصفحات: 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10


صدمة الحداثة . - بهجت - 08-25-2008


هل هناك تناقض جوهري بين المسلم المعاصر و العالم الحديث ؟

..............................................................
ردا على الأخ وليد و في مداخلة لزميل كريم ، طرح الزميل رأيه في أن ما يكتبه الأخ وليد ،و ما نكتبه بالتالي من نقد للثقافات الأصولية السائدة ، هو نوع من التجني و لا هدف له سوى
(( تبرير سياسة عسكرية وضعتها شركات المال والنفط والسلاح الأمريكية والبريطانية للمنطقة العربية من أجل إخضاعها لاستعمار مباشر يهدف إلى سرقة ثرواتها أولاً (العراق والخليج والسودان)، وإلى حماية ونصرة حليفها الاستراتيجي الديني (اسرائيل) ثانياً. وبالتالي فباسم تشخيص المشكلة وطرح الحلول لمجتمعك أنت تعمل على تدميره وهزيمته أمام أعدائه فوق دماره وهزيمته الحالية)) .
أي أن هدفنا الوحيد هو خدمة الإستعمار و الغرب ، و أن كل شيء على ما يرام ، ولا ينقص العرب شيئا سوى التخلص من العملاء و الخونة و الكفرة أعداء الدين و الوطن ، أولئك المرجفون في المدينة و المشككين في نهضتها الإسلامية / القومية الباسقة ، هذه المداخلة جعلتني أتوقف لأعيد النظر في الأمر كله ، و أتسائل .. هل هناك تناقض حقيقي بين المسلمين و الحداثة ، أم أن الأمر كله دعاية صهيونية أمريكية مغرضة ، لتبرير عدوانها المستمر على العرب و المسلمين ؟، خاصة أن مثل هذه المداخلة تتكرر أحيانا من زملاء و زميلات ، بعضهم ينتقل من تمجيد أبو مصعب الزرقاوي و لعن الإرهاب الذي يمارسه في رشاقة آسرة ، و بالطبع حسب توفر المادة المتاحة و التي يلزقها في مداخلاته أو مداخلاتها .
قبل أن أصل إلى نتيجة أحب أن أتوقف عند محطة أخرى .. في لقاء متلفز مع د . أحمد زويل أثناء تكريمه في إسبانيا ، قال أنه تألم عندما شاهد برنامجا تلفزيونيا عن الصين ، وعندما سأل المذيع جمهورا من الصينيين ، حول ما يعرفونه عن المسلمين ، كانت إجابة الجميع تتفاوت ما بين أنهم الشعب الذي يمارس الإرهاب ضد كل الشعوب الأخرى ، و بين أنهم الشعب الذي يضطهد النساء و أصحاب العقائد المخالفة ،و غير ذلك من الصفات السلبية ، هذه إجابة شعب كان يعد تلقائيا صديقا للعرب و المسلمين ، فكيف بغيره من شعوب العالم ؟.
نعم .. هناك بالقطع تناقض قائم و ملموس بين المسلم المعاصر و العالم حوله ، هذا التناقض موجود بصرف النظر عن مسؤولية الأطراف المختلفة ، و أيضا بصرف النظر عما إذا كنا ندركه و نسلم به أم لا ، هذا التناقض هو العنصر الشائك الذي يؤدي إلى استمرارا القضية الفلسطينية بلا حل حتى الآن ، و كحالة استثنائية من قضايا التحرر الوطني ، وهو أيضا الذي أدى إلى تعقيدات جديدة في القضية ، تقودها بعيدا عن فضاء التحرر الوطني إلى كهوف الميثولوجيا و اللامعقول ، أخطر من ذلك هناك قضايا إسلامية جديدة أخذت تنافس القضية الفلسطينية في التعقيد ، أهمها على الإطلاق مأساة غزو و احتلال العراق ، و القضية الأخيرة لم تلق من العرب و العالم ما تستحقه من اهتمام ، فالعراق جرى إحتلاله بلا سند قانوني أو أخلاقي على الإطلاق ، ليكون هذا الاحتلال بمثابة عكس لتاريخ التحرر الإنساني ، و إنتكاسة في النظام العالمي و تحطيم لأسسه ، ففي الوقت الذي انتهى فيه الإستعمار -القديم منه على الأقل- نجد أهم دولة عربية و أغناها يتم غزوها على مرأى من العالم كله ، ثم يعاد إحتلالها كلية كأصغر مستعمرة على تخوم إفريقيا الإستوائية ، كل ذلك دون أن يحرك العرب ولا العالم ساكنا ، اللهم سوى بعض المظاهرات التي سرعان ما تنفض ، و من المؤلم أن أداء العراقيين حيال الإحتلال كان أسوأ حتى من الإحتلال ذاته ، فبدلا من مواجهة المحتل كشعب واحد ، انخرط العراقيون في حرب أهلية بشعة بلا عقل .
وضع الأزمة الذي يحكم علاقة المسلمين بغيرهم ، يمتد أيضا ليشمل علاقة المسلمين البينية داخل مجتمعاتهم ، فمعظم الدول الفاشلة هي دول إسلامية ، ولا توجد دولة إسلامية واحدة حققت إنجازا ما في مجال التحديث و الحضارة باستثناء ماليزيا متعددة الأعراق و الديانات ، أما فكرة الدولة القومية ذاتها ، فهي غير راسخة في عقلية الشعوب الإسلامية كلها تقريبا ، و الحديث عن شيء قريب من العقد الإجتماعي على النمط الذي وضعه هوبز Hobbes و صاغة جان جاك روسو Roussu يبدوا بلا معنى في الشعوب الإسلامية ، حيث النص لا الفرد هو محور المجتمع ، فالإنسان في تلك المجتمعات ينظر إليه كجزء من مجموعة و ليس فردا ،وهو بالتالي يعطي ثقة محدودة في الدولة التي يكتفي غالبا بالغناء لها و تحية العلم ، و لكنه لا يجد نفسه سوى داخل شبكة الإنتماء الجماعية الخاصة به ، كالقبيلة و العشيرة و الطائفة الدينية و الإقليم ، و يؤدي تعدد الإنتماءات في المجتمعات الإسلامية إلى عرقلة ممارسة الدولة للسلطة و السيادة و احتكار ( العنف المشروع ) ، فالصراعات الطائفية العنيفة تكاد تحرق الجميع ، من العراق و لبنان و السودان و الفلسطينيين و اليمن و الجزائر حتى دولآ مركزية قديمة مثل مصر .
و تعاني المجتمعات الإسلامية من ظاهرة تعارض نموذج الدولة مع الثقافات المحلية القوية ، ففي تلك المجتمعات يظهر فهم خاص للسياسة باعتبارها أداة لممارسة الدين ، و هذه الرؤية تؤدي إلى معضلة غير واضحة لدى معظم السياسيين و المفكرين و بالطبع غير مفهومة مطلقا لدى العامة ، أمام تلك المعضلة هناك حلان : الأول هو إعطاء الأسبقية للثقافة المحلية سواء بشكل إيحيائي كإيران أو بشكل تقليدي كالسعودية ، أما الحل الثاني فهو تبني الطبقة الحاكمة للمارسات السياسية و الدبلوماسية الغربية ( المعولمة ) مخاطرة بعدم فهم الجماهير لها ووصمها كسلطة خائنة و عميلة أو كافرة ، وهذا هو الحال السائد في مجتمعات أصولية ذات سلطة شبه علمانية مثل مصر و باكستان و الجزائر و السلطة الفلسطينية ، في هذه الحالة تتاح الفرصة لنشأة كيانات فرعية مستقلة كثقوب سوداء خارج سلطة الدولة تلعب بأوراقها الخاصة على المسرح الدولي ،و لعل أوضح الأمثلة هي حركة الإخوان المسلمين في مصر و تنظيم القاعدة السعودي و حركة حماس الفلسطينية و حزب الله اللبناني .
إن الدولة في العالم الإسلامي تفقد قوتها و ربما هويتها باستمرار ، فالدولة الحديثة كأي مؤسسة إجتماعية أخرى نشأت لكي تلبي احتياجات زمنية بعينها ، و لكنها في العالم الإسلامي نشأت لمحاكاة النموذج الأوروبي ، هذا النموذج الذي جرى تعميمه في العالم كله ، و لكن غالبا بدون تحقيق النضج الحضاري الضروري لتبنيه ، لقد اكتسب النموذج قوته أساسا بسبب تعميمه نتيجة للنفوذ الغربي ،و مع ضعف هذا النفوذ أصبحت الدولة القومية مطالبة بالثبات نتيجة قوتها الذاتية و هذا لم يتحقق في معظم الدول الإسلامية ، و يعود ذلك لأسباب عديدة منها عدم مصداقية الدولة إقتصاديا ، كما فشلت الدولة غالبا في مواجهة الفساد و الأنشطة الإقتصادية الغير رسمية .
من أخطر مظاهر التناقض بين المسلمين و العالم الحديث حولهم ، هو تفاقم الإرهاب الدولي ( الإسلامي ) و فشل الدولة في التصدي له في كثير من الحالات كما يحدث في العراق ، من جانب آخر أصبح المسلمون رموزا للإرهاب في العالم كله ، ومن النادر أن يكون هناك شريط فيديو لنشاط إرهابي لا يعلوه قول (( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله )) ، و هكذاأصبحتا اللحية و النقاب رمزين للإسلام و الإرهاب في نفس الوقت ، إذا نحن في مواجهة تناقض عميق ، يؤدي كثيرا إلى كسر الإحتكار الأمني للدولة ،و تشجيع ترتيبات الحماية الخاصة و المحلية كما يحدث في ( صحوة العشائر ) في المناطق السنية في العراق ،وكما حدث كثيرا في الجزائر عن طريق تسليح السكان المحليين و تشجيعهم على تشكيل ميليشيات للحماية من الأعمال الثورية / الإرهابية .
هناك أيضا ظاهرة إنتشار اللاعبين الذين يفلتون من سيادة الدولة بحكم الواقع ، و هؤلاء يزدادون بقوة ثورة الإتصالات و عولمة الإعلام ،و هناك أمثلة عديدة لذلك مثل تنظيم القاعدة و الإخوان المسلمين ، وهذا ما أجج الصراعات بين الشعوب الإسلامية ، الأمر الذي ليس له أثر مدمر على مصالح العرب فقط ، بل يضرب سمعتهم الحضارية و السياسية في الصميم .
و للتأملات بقية .
و يسعدني أن أتلقى أي نقد او تعليقات مؤيدة او معارضة .


تأملات حرة . - Yusuf - 08-25-2008

هناك تفسير لغياب مفهوم الدولة في العالم الثالث و إن لم أكن متأكد منه مئة بالمئة
و لكن سأعرضه على أى حال

وهو إن الإنسان كالحيوان منه ما هو مستأنس و منه ما هو متوحش
و بالطبع الناس في العالم المتحضر هم من النوع المستأنس
فتراهم يحترمون القانون (و يدفعون الضرائب مثلا) بالحد الأدنى من القوة التى تحتاجها حكوماتهم
و تتحول دولهم بسلاسة من دول عنصرية و دينية إلى دول علمانية و ليبرالية
الأمر متوقف فقط على قادة عقلاء يوجهونهم نحو أمر ما

هذا بعكس الناس في العالم المتخلف فهم من النوع المتوحش
و لا يمكن توجيههم إلا بصعوبة و بكثير من البطش
و طبيعي ألا يعترفوا بدولة أو قانون فتلك مظاهر التوحش

و الخلاصة أن الدولة الناجحة تحتاج إلى أمرين أساسيين :
1- قادة عقلاء
2- شعب من النوع المستأنس و هو ما ليس متوفر في بلادنا

ملحوظة : الفكرة مأخوذة من وصف ابن خلدون للعرب بالتوحش في مقدمته معللا بذلك معاداتهم للحضارة (بحسب رأيه).

تحياتى يا أستاذي العزيز
(f)


تأملات حرة . - سامع وجيب قلوب فحول النخيل - 08-25-2008

متى أردنا أن نجمع كل شيئ سلبي في الوجود لكي نلصقه بـ "نصّ / نظرية / عقيدة / ايديولوجية / دين / حلم / كابوس/ اسلوب حياة ... الخ" ، ثم نحدد من تلك كلها هدفاً واحداً وحيداً و أوحداً، لنطلق عليه مدافعنا ... مستهدفينه دون سواه ... سقطنا في هاوية تحميل الشيئ ما لا يحتمل ، وامعنّا في الكيل بمكاييل مزدوجة !!!

ومن كان يريد الخير فليكن منصفاً ، وليستقم في موازينه !

أقول لك يا بهجت : "إسرائيل" ... هي كيان عقائدي يقوم على خليط لا أول له ولا آخر من القومية والدين والشوفينية العنصرية التي لا تحدّها حدود ، ومع ذلك فهي تنجح في حربها ضد العرب والمسلمين بشكل عام بينما يفشلون ... حرباً و سلماً أيضاً ؟

هل الدين هو السبب ؟ لا ! ... فليكن عندك ذرّة من الإنصاف ولتعترف أن الدين الإسلامي يعتبر تقدّمياً جداً بالقياس على الأديان السابقة له ، وبالذات المسيحية واليهودية !
هل القومية هي السبب؟ لا ! ... فليكن عندك ذرة إنسانية ولتعترف أن البشر ، من حيث طبيعتهم كبشر متساويين ، أو ينبغي على الأقل أن يكونوا كذلك ! كما في ميثاق حقوق الإنسان ، مثلاً.


إذاّ هناك الكثير الكثير من المتغيرات من الأسباب والتعقيدات التي تتغير مكاناً و زماناً لتسبب التخلف والفقر والجوع والمرض وغيرها من الشرور ! هذا بديهي أساسي ... فلنتجاوزه لكي نتقدم ، إذا كنّاً حقاً نسعى للتقدّم !

ثم ، ليكن هناك القليل من الحياء ، والضمير، والإنسانية ، وليكن هناك إعتراف واضح أن جلد الضحيّة خطأ ، وأن الإعجاب بالمجرم خطاً ... لأن هؤلاء اللذين يفعلون ذلك .. متلذذين بالتشفي من الضحيّة ... ومطلقين صيحات الإعجاب بالجلاد ... هؤلاء أوغاد ، وليس فيهم فكر ، بل نذالة ! وأقل ما يقال فيهم أنهم متوحشين ، غير متحضرين ، وغير تقدّميين .. وغير صالحين أبداً ... بالتأكيد !

حسناً ، لسنا (نحن المسلمين العرب) ضحية بريئة تماماً ، نعم ، ونتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية ، نعم أيضاً ، غير أن ليس هناك عدل ، سواء في الإمعان بجلد الذات ، أو في تجريح النصّ وتحميل العقيدة ، أو أي شيئ ...كل خطايا وذنوب وشرور العالم !

لأن هناك الكثير الكثير من الأسباب والمتغيرات خارج إرادتنا ... تظافرت لتؤدي إلى هذا الوضع السيئ !

فهل نتجاهل كل حقائق الحاضر والماضي ، وكل شرور العالم ، لنتتفرغ لتجريح عقيدتنا وثقافتنا ومخزوننا الحضاري والتراثي والمعرفي ... أي مكوّنات هويتنا ، وأنفسنا فقط إمعاناً في جلد الذات ؟

ثم نزيد على ذلك التلذذ المازوخي المقرف ، الجدير بالمسوخ لا البشر، كيل الإعجاب بالآخر ... العدو ... الأشد إجراماً !!!

اليس ذلك بعينه هو الحماقة ، وقتل الأمل ، وتدمير المستقبل ، والتنصل من المسؤولية تجاه الضمير ، وأمام الأجيال القادمة ؟

أي مستقبل لمنتحر ؟

ولماذا ؟ هذا السؤال كبير جداً ... لماذا ؟

المبالغة والتعميم .. عندما تصدر عن جاهل ... شيئ ... وعندما تصدر عن مفكر ، تكون شيئاً آخر ... تماماً ، و البتّة !

ولك ـ وأنت تفكّر ـ أن تضع رأسك حيثما تشاء بين الرؤوس !

ألا تتفق معي أن قتل النفس جريمة ؟

على كل حال ، اتمنى لك الخير، والصحة ، والسعادة ، ولا أتفق معك في تصّورك وحلولك الجذريّة ، فهي متطرفة أيضاً .. وكثيراً في نظري ! كما لا اوافقك في المسار الذي تفكر فيه ، وأزعم أنني أرى الدنيا بشكل اوسع ، بكثير ، من تلك الزاوية الضيقة التي تقيس منها ، وكأنما حول بصيرتك حجاب ، يحدّ كثيراً من رؤيتك !

أنصحك صادقاً ... أخرج يا صديقي من الوكر الذي حشرت فيه نفسك ، وظلمتها ، إلى حريّة أكبر ... وإنسانية أعمق ، وأمل أفضل ... ولتكن لك نظرة جديدة إلى المجتمع العربي الإسلامي ... لأن هناك ايجابيات كثيرة وعديدة ينبغي لمثلك ... أن ينصف نفسه أولاً ... لكي يراها !

والسلام .


تأملات حرة . - jafar_ali60 - 08-25-2008


عزيزي بهجت

والمكاتيب والرسائل تُعرف من عنوانيها ، وكان يمكن ان نخوض في قلب موضعك القيم ، لولا تفضل الاخ ابن نجد ونقل مقالا عن قناة العربية حول فتوى او بالأحرى ـ رأي شخصي ـ لجمال البنا

لغايته هناك 222 رد يقول 95% منها ان هناك عدواة شرسة بين المسلم المعاصر وبين الحداثة

سأتابع سيل الردود هناك ومن ثم عودة

ولك الف تحية


تأملات حرة . - بهجت - 08-26-2008

Array
هناك تفسير لغياب مفهوم الدولة في العالم الثالث و إن لم أكن متأكد منه مئة بالمئة
و لكن سأعرضه على أى حال

وهو إن الإنسان كالحيوان منه ما هو مستأنس و منه ما هو متوحش
و بالطبع الناس في العالم المتحضر هم من النوع المستأنس
فتراهم يحترمون القانون (و يدفعون الضرائب مثلا) بالحد الأدنى من القوة التى تحتاجها حكوماتهم
و تتحول دولهم بسلاسة من دول عنصرية و دينية إلى دول علمانية و ليبرالية
الأمر متوقف فقط على قادة عقلاء يوجهونهم نحو أمر ما

هذا بعكس الناس في العالم المتخلف فهم من النوع المتوحش
و لا يمكن توجيههم إلا بصعوبة و بكثير من البطش
و طبيعي ألا يعترفوا بدولة أو قانون فتلك مظاهر التوحش

و الخلاصة أن الدولة الناجحة تحتاج إلى أمرين أساسيين :
1- قادة عقلاء
2- شعب من النوع المستأنس و هو ما ليس متوفر في بلادنا

ملحوظة : الفكرة مأخوذة من وصف ابن خلدون للعرب بالتوحش في مقدمته معللا بذلك معاداتهم للحضارة (بحسب رأيه).

تحياتى يا أستاذي العزيز
(f)
[/quote]
الأخ يوسف .
أشكر لك اهتمامك و مساهمتك .
لماذا يعادي المسلم الحضارة الإنسانية المعاصرة ؟ ، نتوقع أن يكون لدينا العديد من وجهات النظر وهذا طبيعي و منتظر ، بداية سينكر البعض وجود أي تناقض أو صراع بين المسلمين و العالم المحيط بهم ، و هناك السلفيون المنغلقون الذين يرون أنه على العالم أن يتوافق مع الإسلام و ليس العكس ، وأيضا سنجد من يخلط بين عدالة كثير من قضايا المسلمين ، وردود فعلهم الإرهابية الحمقاء ، و يعتقدون أنهما ( العدالة و الإرهاب الأحمق ) متلازمان بالضرورة ، و بالتالي يبررون جرائم القاعدة في باريس و لندن و نيويورك مثلا بعدالة القضية الفلسطينية ، و هناك من سيقر بهذا التناقض و خطورته ،و لكنه سيجد أسبابا متعددة له .
في هذا السياق يقع ما تقدمه من تفسير متفقا فيه مع ابن خلدون ، وهذا التفسير له وجاهته و نقاط قوته ، فنحن نلمس في مجتمعاتنا – مصر تحديدا – أن هناك عداءا أصيلا للحداثة ، فالعشوائية و الإرتجال و الخرافة الفكرية هي صفات شعبية و حكومية لها قداستها ، نعض عليها بالنواجذ و كأنها ميراث الأجداد ، ومن الصعب أن نرى ما يحدث دون أن نعتقد أن التخلف هي جينات وراثية و ليست ثقافة إجتماعية ، رغم كل ذلك فإني أدين بالفلسفة المادية ، التي لا ترى وجود أي شيء ثابت أو جوهر ،و أن الشيء ليس سوى مجموعة من الظواهر المحسوسة ، إني بالتالي لا أعتقد في ثبات الطبائع البشرية ، و لكني أعتقد أنها تتشكل وفقا للمتغيرات الزمانية و المكانية ، و علينا البحث عن الجذور الاجتماعية و الاقتصادية لأي ظاهرة إنسانية بما في ذلك التناقض بين الإسلام المعاصر و الحداثة ، فلا أعتقد أن العربي متوحش بالطبيعة إلى الأبد ، والعربي المعاصر ليس هو البدوي القديم الذي غزا المجتمعات المحيطة باسم الإسلام و نهبها ، و لكنه نتاج عملية صهر تاريخية شملت مجتمعات الشرق الأوسط القديم كله ، و بالتالي هو الوريث الحصري لحضارات العالم القديمة في أوجها ، فهنا ظهرت حضارات بين النهرين و الحضارة المصرية القديمة و الفينيقية ، من جانب آخر فلو نظرنا إلى تاريخ الشعوب سيدهشنا التغيرات العميقة التي تمر بها ، فمنذ 60 عام كان الصيني رمزا للقذارة و إدمان المخدرات و الدعارة و النفاق و الكذب و الخداع ، و لكنه اليوم أصبح رمزا للتقدم المعجز على مختلف الأصعدة ، قرأت كتابا يعود إلى بداية القرن الماضي كان يؤكد مؤلفه أن الياباني لا يصلح سوى للتقليد ،و لكن لا يمكنه إنشاء البنوك الكبيرة ،و اليوم أكبر بنكين في العالم توجد في اليابان ، كان هناك كتاب شهير في بداية القرن 19 ، هو كتاب ( تاريخ الهند ) لجيمس ميل ،و كان مرجعا لكل العاملين الإنجليز في الهند ، كان الكتاب يصف الهنود بأنهم (خلف مظهرهم المسالم ترقد نزعة عامة إلى الخديعة و الخيانة) ، و بين هؤلاء الهنود ( المخادعين الخونة ) ظهر المهاتما غاندي ، الرجل الإنساني النبيل و نبي الهند الكبير ، لكل هذا لا أعتقد أن هناك لحظة تاريخية تبقى إلى الأبد ، و أن التغيير ممكن دائما ، لو توفر الوعي بضرورة هذا التغيير ،و الإرادة الحقيقية للقيام به في الإتجاه الحضاري الصحيح ، بعيدا عن الأصولية و الشعارات الغبية ، من عينة أن الإسلام هو الحل ، يكفي و زيادة ألا يكون هو المشكلة .
لهذا أعتقد أنه علينا ألا ننظر بعيدا عن جذور ثقافية دائمة للتناقض مع الغرب و العالم ،و لكن علينا العودة ليس أبعد من 500 سنة أو أقل ، إني أيضا لست ممن يرون الإسلام هو سبب المشكلة ،و لكني أراها في الثقافة التي تقرأ الإسلام ، أي في رؤية العرب و المسلمين لدور الدين ، و يمكن بالتالي أن أقول أن الهوية الإسلامية الإنفرادية هي التي تقودنا إلى هذا التناقض ، إن محاولة جعل الإسلام إطارا حصريا لكل ممارسات المسلمين السياسية و الإجتماعية و الثقافية ، مع إقصاء كافة الهويات و الإنتماءات الحضارية الأخرى ، هو الذي يدفع المسلمين إلى الصراع مع العالم كله بلا غاية سوى تدمير الذات .


تأملات حرة . - بهجت - 08-26-2008

سامع الفحول .
أشكر لك اهتمامك و مساهمتك .
بداية لن تكون أول من يتحدث بعصبية حديثا مرسلا ، يصلح لكل مناسبة و لكل موضوع ،و بالتالي لا يصلح ردا على الإطلاق ، هل تعتقد حقا أن من يخالفك يفعل ذلك لأنه مجرد من الضمير و الأخلاق ؟، هلا سمعت شيئا يدعى إختلاف وجهات النظر ؟، إن أول ما يجب أن يتعلمه المحاور الراقي ، سواء في نوادي الحوار أو في الحياة الواقعية أن يكون موضوعيا ، أي لا يطلق الأحكام على محاوره الذي لا يعرفه ،و يقتصر نقده على النص المطروح للحوار ،وهذا ما لا تفعله في هذا الشريط و لا غيره ، لهذا أتمنى أن تراعي ذلك في أي حوار قادم ، فقط عليك أن تتذكر دائما أن أبواب النعيم و الجحيم متقاربة ، و لننتقل إلى ما أثرته من تعليقات .
أولا : هذه التعليقات لا علاقة لها بموضوع الحوار ، فأنت تفترض مقولات من عندك ثم ترد عليها ، وهذه بداية غير مطمئنة ،و النتيجة أنه في الخلاصة و بعد مداخلة طويلة – أشكرك عليها - لم أعرف منك هل تقر بوجود تناقضات بين الإسلام و الحداثة أم لا ؟، سؤال واضح و مباشر ، هل تعتقد حقا أن علاقة المسلمين بهذا العصر و حضارته و شعوبه على ما يرام ؟ ، هذا هو المدخل للموضوع كله ، الإقرار بوجود هذا التناقض لا يعني أن الخطأ هو من مسؤولية المسلمين ، فربما يكون الخطأ من الجانب الاخر ،و الذي هو في حالتنا العالم كله ، و إذا كنت تقر بوجود التناقض ، فما هو سببه كما تعتقد ؟، هذا هو الأمر كله ، فهل هناك دائما ضرورة لإيضاح الواضح ؟.
ثانيا : لماذا تعتقد أني أو غيري من العقلانيين أو التنويريين معجبون بإسرائيل أو الغرب كله ؟، هذا وهم من خيالات الأصوليين ، إننا ننتمي لأفضل القيم الحضارية في هذا العصر ، و هي نتاج لتراكمات حضارية عديدة ، منها بالقطع الحضارة الإسلامية في أوج ازدهارها ، ربما يجسد الغرب الآن القيم الحضارية العليا ، و لكن كما كتبت مرارا ليس كل ما في الغرب حضاري بل أقله كذلك ، و يمكنك العودة لشريطي عن سجن الهوية ، ففي روايته الإفتتاحية أفضت في شرح هذه الفرعية ، و التي كثيرا ما تطرقت إليها في الموضوعات التي طرحتها ، خاصة في شريط طرحته بعنوان ( الثوابت القومية الدينية . ما هي و لماذا ؟ ) وهو موجود في أرشيف النادي ، إن موقفي من الغرب و من غيره هو موقف انتقائي ، وفقا لمعايير أومن بها ، و لدي بالفعل معاييري الخاصة بما هو حضاري و ما هو همجي معادي للحضارة ، و أحكم على كل قضية وفقا لتلك المعايير ، إني ضد الأصوليات كلها ، خاصة الأصولية الصهيونية العدوانية ، و كذلك الأصولية الإسلامية الإرهابية ، و أراهما مصدر الشرور في المنطقة ، هذا ليس موقفا متعصبا من اليهود أو المسلمين ، فإني ضد التقسيمات الدينية للشعوب ، و لكنه موقف مبدئي ضد الظلم و العنف مجردا من جنسية الجاني و الضحية أو ديانته ، لقد طرحت العديد من الموضوعات حول الأصولية الصهيونية تحديدا ، و عندما كنت مشرفا مشاركا على ساحة التاريخ و الميثولوجيا ، أفردت قسما خاصا بالتاريخ الفلسطيني من أجل تعميق الرؤية غير التوراتية لتاريخ فلسطين و الشرق الأوسط ، إن موقفي ضد إسرائيل و الصهيوينة لا علاقة له بكوني عربيا أو مسلما ، أو بعلاقاتي بالفلسطينيين كزملاء دراسة و رفاق سلاح ، و لكنه موقف إنساني ما كان ليتغير لو كنت بوذيا من كمبوديا أو ملحدا من روسيا ، هو موقف يستجيب لأفضل ما أومن به من قيم العدالة و الإنصاف ، إن الحس الجمالي المنزرع في أعمق ما في النفس البشرية ، هو الذي يقود أفكاري في هذه القضية .


تأملات حرة . - عمر أبو رصاع - 08-26-2008

تحية طيبة دكتور بهجت و بعد
مما لا شك فيه اني اتفق معك تماماً في مسألة شكل الظاهرة و هو ظهور الانسان المسلم عموماً كانسان معادي للآخر و معادي للدولة المدنية و رافض للانخراط في البنية الاجتماعية للدولة بالمفهوم الحديث و يتعامل بمنطق الجماعة لا منطق الفرد المواطن.
أما (لماذا؟) فهذا هو الجانب الأهم في دراسة و تحليل هذه الاشكالية ، أقصد أنه حتى يمكن تصور الحلول و المخارج للتخلص من هذه الظاهرة او تجاوزها فلا بد من فهم الأسباب فهماً جيداً جداً.
إذا اردنا ان نتطلع إلى نشأة الدولة العربية الحديثة لوجدنا انها كانت محاولة جادة فعلاً لبناء دولة مدنية على اساس المواطنة في مصر و في سوريا و في تونس و رغم كل ما قيل من محاولات تشويه تلك التجارب الأولية خاصة تجربة محمد علي باشا و ابنه ابراهيم و عموماً الملكية المصرية و تجربة الهاشميين في المشرق العربي لاحقاً و بعدها تجربة بورقيبة في تونس فقد نجحت هذه التجارب بهذا المقدار او ذاك بالتأسيس للدولة المدنية دولة الدستور و المؤسسات الحزبية و البرلمان و التعددية السياسية و تأمين الحريات العامة و الفردية الاساسية إلا ان موجة الاستعمار الكلاسيكي كان لهذه التجربة بالمرصاد احبطها و ارغمها على التراجع فضاعة طلائعها السياسية في خضم الطحن السياسي الداخلي و التنافس على السلطة في ظل وجود سلطة استعمارية عليا تستلب هذه القوى و تديم انهاكها في حلقة جهنمية ، فجاءت الانقلابات العسكرية انقلاب الضباط الاحرار في مصر 52 و انقلاب قاسم و عارف في العراق لاحقاً و سلسلة الانقلابات التي اجهضت الدولة المدنية و التعددية السياسية و دولة المواطنة لتختزل مفهوم الدولة في الزعيم الملهم او المستبد العادل ، هذه الشمولية السياسية و ان لم تكن ترتدي رداء ديني بل ربما بالعكس من ذلك قدمت نفسها كبديل علماني فإن اخطر ما جاءت به هو وأد التنوع الداخلي و القضاء المبرم على التعددية السياسية و على جذورها الاجتماعية و الاقتصادية فتمت التضحية على مذبح الثورة مثلاً ببراعم الطبقة البرجوازية في سوريا الكبرى و احزابها السياسية و الطبقة الارستقراطية المصرية التي كانت مرشحة للتحول نحو الرأسمالية او الخميرة الاجتماعية لهذا الدور ، ان هذا النظام الشمولي الجديد مسخ المجتمع و وأد عناصر تطوره الذاتي الطبيعية أراد أن يعيد انتاج المجتمع بمخياله هو ، تجربة سموها تطبيق الاشتراكية و معناها الحقيقي عندهم و أد التنوع الاقتصادي الاجتماعي و ما ينتج عنه من تنوع سياسي و لا شك ان هذه التجربة نجحت في احداث عملية المسخ و الاختزال لمجتمعاتها ، ثم هزمت هزيمة نكراء عام 67 ليواجه المجتمع المعلب الجديد غير المنتج و غير المتنوع و غير المنفتح فراغاً هائلاً لم يكن من مفر لملئه و بالتأكيد كانت الايديولوجية السياسية الدينية الشمولية هي البديل المرشح ، مستفيدة من الخلل الهائل في توزيع الدخل في العالم العربي و الاسلامي لمصلحة الاكثر تخلفاً فيه و حيث تتمركز سلطة عشائرية تتبنى مذهباً دينياً هو الاكثر انغلاقاً و تشدداً و رفضاً للآخر نظام ما كان له ان يسيطر و يستمر لولا الدخول النفطية.
قرأت فيما قرأت تعليقاً لاحد رجال الكونغرس الامريكي لرجل عارض بشدة دعم هزيمة العرب بذلك الشكل عام 67 على اساس انها ضرب للعلمانية هناك (مع تحفظي الشديد على شكل تلك العلمانية) اضاف الرجل ان الغرب سيندم على إلحاق هذه الهزيمة و بهذا الشكل بنظم علمانية في العالم العربي.
فكم هو مدهش حقاً كم التحول و شكله في عالمنا العربي عندما نتخلى كلياً عن كل الارث الذاتي في تجربة قرن من محاولات التمدن لنبحث عن ابو الأعلى المودودي التبرير الديني لباكستان الاقليم الهندي الذي لا يجد له مصوغ هوية تميزه عن الامة الهندية إلا الدين و بهجرة من ابشع اشكال الهجرة في تاريخ الانسان ، لقد تم انتحال ابو الأعلى المودودي ليصير معبراً عن الهوية في ظل الخواء الذي واجهناه و انتج السادات و سوق فيما سوق لدولة العلم و الايمان و الرئيس المؤمن و صار الجهاد في افغانستان ضد الشيوعية الكافرة مجالاً حيوياً لتفريغ الاحتقان الداخلي من ناحية و خدمة المصالح الامريكية في حربها الباردة هناك ، لماذا واجهنا هذا الخواء ؟ ليس فقط لهزيمتنا عام 67 بل الاهم لان نظم الانقلابات قامت بوأد التنوع الاجتماعي الاقتصادي و الاختلاف بكل انواعه و قضت على المؤسسة في عالمنا العربي سواء كانت هذه المؤسسة سياسية او اقتصادية من اي نوع و اختزلت المجتمع كله في الحكومة و الحكومة في شخص الزعيم الملهم القديس المخلص المستبد العادل ، هذا الخواء هو الذي سمح بالتحول الخطير الذي عاشته المجتمعات العربية على كل المستويات حتى اصبحت و في غضون عقدين مجتمعات مختلفة تماماً في مفاهيمها و قيمها عن ما كانت عليه.
ثم نأتي لما هو اسوء برأيي و هو ان الطليعة العربية الجديدة و التي تعي المسألة بشكل جيد تعجز عن بلورة نفسها و طرح فكرها و تصورها بقوة و وضوح بل يمكن القول و بثورية ، انها تفتقر إلى ارضية اجتماعية اقتصادية تدعمها و تكرسها لأن سلوك الدول الغربية و اسرائيل من ناحية و هيمنة المتطرفين و المتخلفين و الفاسدين على موارد الامة مما يحرمها من سند طبقي يتماها مع قيمه و افكاره من ناحية اخرى يجعلها حركة ضعيفة و مبعثرة الجهود يريدها الغرب انبطاحية لمشاريعه و ترهبها السلطة القائمة بالغول المتطرف المتربص بالسلطة فهي اذن واقعة بين سندان المشاريع الاستعارية النفطية و الصهيونية للمنطقة و حلفائها من ابناء الطبقة الكمبرادورية العربية و مطرقة التطرف و الارهاب بإسم الدين.
للحديث بقية


تأملات حرة . - عمر أبو رصاع - 08-26-2008

مسيحية حزام العفة و حروب الصليب و مسيحية المحبة و السلام .............نموذجاً

هل العلة في العقيدة اي عقيدة ام العلة في فهمها؟
ان النص اي نص لا ينطق دلالته منفرداً ، ليس هناك نص او خطاب معلق في فراغ ، و بالتالي فإن اي قراءة او فهم لنص او خطاب عملية تفاعلية لها اكثر من مشترك في تكوين التصور النهائي لدى المتلقي ، اننا امام عملية يشترك فيها عقل المتلقي تماماً كما يشترك فيها عقل الصائغ ناهيك عن عقل الصيغة او مادتها و هي هنا اللغة ، لهذا فإن اي قراءة لاي نص و نعني هنا القراءة الواعية لا يمكن ان تصل إلى درجة التماهي مع النص نفسه كما ان عقل الصائغ و هو يصوغ فكرته لا يمكن ان يتماها مع اداة صياغة الفكرة و هي هنا اللغة ، صائغ الفكرة و هو يفعل يتفاعل مع لغة الصياغة و يحده سقفها كما يحده كذلك معقولية المتلقي و إلا كان خطابه بلا معنى ، و القراءة الناتجة او الفهم يشارك فيه و يحده تكوين المتلقي للخطاب ، باختصار ان فهم الخطاب اي خطاب من اي متلقي لا يمكن اطلاقاً ان يزعم انه تماهى مع عقل الصائغ انه و هو يقرأ يسهم في انتاج المعنى ، فإذا كان الموضوع نصاً ثابت الشكل فإن الفهم متحول دائماً.
لماذا نقول هذا؟
نقوله كمدخل نقرر به ان فهم الدين اي دين ليس الدين نفسه بل هو فهم صاحب هذا الفهم ، و بالتالي نحن امام امكانيات غير محدودة لتكوين مفاهيم للنص الديني كنص او بدقة كخطاب (في حالة القرآن) ، فليس عجيباً اذن ان نكون ازاء مسيحية انتجت مفاهيم الغزو و الإلغاء و حزام العفة و صكوك الغفران كما نحن ازاء مسيحية من نوع آخر مسيحية القيم السمحة و السلام و المحبة ، إن العقلانية التي انتجت هذا الفهم هي المختلفة عن العقلانية التي انتجت الفهم الآخر مع ان كليهما قدما فهماً لذات الدين ، انه نموذج تاريخي حي يصلح مدخلاً نقول من خلاله أن العلة ليست في القرآن مثلاً او الاسلام انما العلة فيمن يفهمونه او يقدمون قراءة له ، و بالتالي المطلوب انتاج انسان سامي متماهي مع قيم عصره لينتج بالتالي فهماً بهذا المستوى لدينه.
آمل ان اكون واضحاً فيما طرحت
تحياتي


تأملات حرة . - jafar_ali60 - 08-27-2008


العزيز بهجت

إضافات ومداخلات الاخ عمر ابو رصاع قيّمة وتستخق التأمل ، قهي من ناحية تؤرخ للتسرطن السلفي والاسلام السياسي ومن ناحية أخرى تذهب مذهب المفكر نصر حامد ابو زيد حول إشكالية النص والثقافة " مفهوم النص "

بهذين البعدين التاريخي والأسباب المفاجئة المؤدية للتسرطن المذكور وبموازاة تأثير النص في الثقافة أو كيفية قراء الثقافة للنص نستطيع أن نبني ونؤسس لهذا العداء بين المسلم المعاصر والخداثة

كنت قد ذكرت سابقا في اول رد انني اتابع رابط وضعه الاخ ابن نجد عن موقع العربية ، فيه خبر من الدانيمارك حول مقيم عراقي متزوج بزوجتين فطلبت منه السلطات اما تطليق احداهما او مغادرة البلاد ، فقام جمال البنا فادلى بدلوه في الموضوع وكان رأيه ان يطلق احداهن ورقيا وتبقى اسلاميا زوجته وامام القوانين الدانماركية التي تُقدس حقوق الانسان ان تكون عشيقته ، فجائت ردود القراء واستطيع ان احصي اكثر من 90% منها بتسفيه جمال البنا ، واصبح جميع اخوتنا هناك وهم على فكرة مسلمين معاصرين واستطيع ان اقول انهم مثقفين لأنهم يستعملون الانترنت بطريقة عصرية أصبحوا شيوخ إفتاء ، فمنهم من يريد ان تقوم الدانيمارك باحترام شعائر المسلمين والسماح له بالجمع بين زوجتين الي الذي يعتبرها بلاد كفار ولا تجوز الاقامة فيها وعليه الرجوع الي نعيم العراق

هذا فقط مثال واقعي حسي آني يُظهر بلا ادنى شك ان هناك ثقب اسود بين المسلمين وبين الحداثة ، تلك الحداثة المتشعبة ولكن تبقى على رأسها كما ذكرت عزيزي في بداية مقالك " مفهوم الدولة " الذي ارتكز عليه معظم بنود المقال .

مع خالص التحية وللحديث بقية


تأملات حرة . - بهجت - 08-27-2008

الأخ جعفر علي .
البيت بيتك ، و يسعدني ان تشارك في الشريط في أي وقت ،و بالكيفية التي تراها .
لنا عودة لمداخلتك الأخيرة ، فلم يتسع المجال للرد عليها ,
.................................................................
الأخ عمر أبو رصاع .
تحياتي و تقديري .
يا عزيزي .. ربما كان موضوع الأصولية الإسلامية هو أكثر الموضوعات التي طرحتها وشاركت فيها ، و بالتالي من الصعوبة أن أوجز أفكاري في هذه المداخلة ، و لكني أستطيع أن أقول أن رؤيتي لأسباب تفشي الأصولية تختلف كثيرا عن رؤية المفكرين العرب الذي تعرضوا للظاهرة ، خاصة فيما يتعلق بمصر تحديدا ، لأني أرى أن مصر كغيرها من المجتمعات العربية الشرقية كانت دائما مجتمعا أصوليا ،و لم تكن أبدا مجتمعا ليبراليا أو علمانيا ، حتى نبحث عن أسباب انتكاسته الفكرية ، ما يشيع الإضطراب أحيانا هو تركيزنا المبالغ فيه على التجربة المصرية الليبرالية في بداية القرن الماضي ، فقد مرت بمصر فترة ليبرالية في العشرينات و الثلاثينات من القرن العشرين ، تلك الفترة التي يمكن أن نطلق عليها ( الربيع الليبرالي ) تنتمي حصريا للطبقة الأرستقراطية ، و التي تكونت نتيجة لمشروع محمد علي باشا و تحلقت حول العرش ، و لكنها لا تنتمي للشعب المصري و ثقافته السائدة ، لهذا سرعان ما خبت تلك التجربة الليبرالية ، و لعل في إنشاء جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 و انتشارها السرطاني بين الطبقة البورجوازية الصغرى ، هو التعبير البليغ للثقافة الأصولية الشعبية للمصريين ، أكثر من ذلك سنجد أن كثيرا من الليبراليين ينتكسون و يتخلون عن فكرهم التنويري إرضاء للمزاج الشعبي ، و يمكننا أن نذكر العقاد كمثال واضح للغاية للفكر الليبرالي المنتكس ، بحثا عن الرزق الحلال بين شعب موغل في الأصولية ، بل و حتى طه حسين و محمد حسين هيكل و علي عبد الرازق انتكسوا بشكل أو آخر ، و يشمل ذلك الإنتكاس كل التنويرين الجدد فباستثناءات قليلة مثل فرج فوده و نوال السعداوي أصابهم جميعا الإرتكاس المصري الشهير ، و ما يحدث الآن ليس جديدا فالمصريون يمدون الخط على استقامته ، المرض ليس جديدا و لكنه فقط تفشى و ضرب الجسم كله ، و الأصولية تغولت و تعدت حتى مرحلة الخطر .
عكس المتوقع ساهمت العولمة في تفشي الأصولية ، فالعولمة الثقافية تحيطنا بتدفقات من المنتجات الثقافية و المعارف المتنوعة على مدار الساعة ، و لكن ردود أفعال البشر تجاه تلك التدفقات التي تقتحم إداركه ليست من نفس الطبيعة ، هناك الإنسان الذي نشأ في عالم الحداثة ، وهو يتفاعل مع التدفقات الثقافية بشكل إيجابي ، فهي جزء من تكوينه العقلي ،و هو بالتالي مؤهل للتفاعل معها ، و لكن من جانب آخر هناك الإنسان الذي ينتمي للشرق الأوسط ، مثل هذا الإنسان يصاب بالذعر من المعرفة العصرية ، فهذه المعرفة تتنناقض مع كل الثوابت و المسلمات و التحيزات التي نشأ عليها ، هي تتناقض مع الأساطير الدينية ، و تتناقض مع تصوره للكون و تتناقض مع إدراكه لذاته و للآخر ، فأبوه آدم المبجل كان معلقا من قدمه على شجرة موز منذ مليون سنة ، كأحد فصائل القردة العليا ، أما أولاد القردة و الخنازير فهم سادة العالم الذي يعيش على هامشه ، كما اكتشف أن كل معلوماته الدينية عن الكون لا تساوي ثمن الأحبار التي كتبت بها ، فالشمس لا تغرب في عين حمأة ،و لكن الأرض هي التي تدور حولها ،و النجوم ليست زينة معلقة في السماء بل هي أجسام ضخمة يفوق بعضها حجم الأرض بما لا يقارن ، و من ثم يهرب الإنسان إلى الماضي بحثا على عالم يعرفه ، وعن لحظة متوافقة معه بلا أزمة ، فالأصولية هي ظاهرة ثقافية بالأساس ، و بالتالي تنشأ في العقل نتيجة لعدم قدرة هذا العقل على فهم الواقع و التعايش معه ، أو مواجهة تحدياته بشكل فعال .
هناك وجه آخر لابد من إداركه ، فالنظام العالمي يعمل لصالح الأغنياء و ضد الفقراء ، و هذه قضية هيكلية معقدة تحتاج لوقفة خاصة ، لهذا نجد أن جهود التنمية المتواصلة تضيع هباءا في معظم المجتمعات الإسلامية الفقيرة أصلا مخلفة مزيدا من الفقر ، هذا الفشل يكون عصيا على الفهم و ينسب عادة للحكام المتعاونين مع الغرب ، و هكذا يستدعى الدين من جديد مثل الذي يستنجد بذكرى أبيه في الملمات حتى بعد وفاته ، فالثقافة الشعبية تعزو الفشل للبعد عن الله و عدم اتباع قواعد الدين ، رغم أن المجتمعات المتدينة هي الأشد فقرا و الأكثر فشلا .
هناك أيضا أن المسلم الحديث يقع تحت تأثير إنطباع طاغ بأن العلوم هي نتاج مادية الغرب ، لهذا يختار المسلمون ساحة أخرى لمنافسة الغرب ، و ذلك بتعزيز أفضلية المسلمين في الأمور الروحية و الدينية ، فالقوميات المعادية للإستعمار الغربي مثل تلك الإسلامية و الهندوسية و البوذية ، بدأت وقبل صراعها السياسي الطويل مع المحتل الغربي في خلق مجال نفوذها الخاص ، و ذلك بتقسيم العالم إلى عالم مادي يتعلق بالإقتصاد و السلاح و العلوم و التكنولوجيا ، و في هذا المجال يعترفون بتفوق الغرب الكاسح ، و حتمية تقليد الغرب في هذه المجالات الحيوية ، في المقابل فهناك المجال الروحاني ، حيث يتفوق الشرق و خاصة المسلمون كما يعتقدون في أنفسهم ، و كلما نجح الفرد أكثر في تقليد الغرب في المجالات المادية، كلما ازدادت حاجته للتمسك بالجوانب الروحية للحفاظ على الهوية المحلية من الضياع و الذوبان في الآخر ، و مع رفض الغرب الإعتراف بدور المسلمين و الهندوس و غيرهما من الشعوب الشرقية في صناعة الحضارة المادية ، نما الإتجاه بين المسلمين للتمسك بالثقافات الغيبية و تنظيمها و ترسيخها .
هذا التركيز الإنتقائي على الجوانب الروحية دون المادية ساهم - في جانب منه- في تقديم تعويض معنوي مؤثر لموازنة تخلف المسلمين ، و لكنه يسلم بتجاهل جزء هام جدا من ميراث العرب في العلوم و الرياضيات و الفنون ،و قد أدى هذا الموقف إلى ترسيخ الإحساس بين المسلمين – كغيرهم من شعوب شرقية عديدة – بأنهم يتميزون بهوية روحية خاصة و أنهم ( الآخر ) في هذا العالم ، و هكذا وجدنا العديد من الإتجاهات الإحيائية التي انخرطت في جهود عنيفة من أجل إعادة تعريف الذات ،و استكشاف الهوية الإسلامية الخاصة و تحديد ملامحها ، مثل الحركات الوهابية و المهدية و الإخوان المسلمين و الجماعات الجهادية ، و بالرغم أن تلك الجهود تهدف أساسا إلى مفارقة العصر الإستعماري و محو أثاره ، إلا أنها تعتمد في الأساس على الأفكار الغربية و لكن في شكل سلبي ، و هذا الموقف خلق ما يمكن أن نطلق عليه ( العقلية الأسيرة ) ، هذه العقلية التي سبق أن وصفناها ب (العقل المستعمَر) تقود المسلمين إلى إدراك الذات بشكل إرتجاعي ضيق و مشوه شديد الضحالة و التحيز ، مثل هذا العقل كما أوضحنا سوف يجد صعوبة مستمرة في إدراك الذات بشكل حضاري منفتح ، و ذلك كله يؤدي إلى آثار شديدة الوطأة على عالمنا المعاصر ، يدفع المسلمون ثمنه بالأساس ، سواء في تخلفهم و ضياعهم الفكري أو المادي على السواء ، هذه الجهود أثمرت مسخات مثل نظام البشير في السودان و تنظيم القاعدة و حركة الإخوان كما رأيناها في غزة و مصر .