حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
من روائع زكريا تامر - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: لغـــــــة وأدب (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=78) +--- الموضوع: من روائع زكريا تامر (/showthread.php?tid=37890) |
من روائع زكريا تامر - هاله - 07-06-2010 عباد الله فرح الحفاة، فالسحب كانت رحيمة وتحب الاحسان إلى عباد الله المعوزين، فأمطرت أحذية من مختلف المقاييس غير أن عبد الله بن سليمان كان نائماً فلم يفرح إذ لم يظفر بحذاء ظلت قدماه حافيتين. وهكذا فقد حدق عبد الله بن سليمان إلى أحذية الناس السائرين في الطرقان بينما يفترسه الحسد. والحسد وقانا الله منه أصل البلاء، وهو كما تعلمون شر عظيم والمرء الحسود ينال ما يستحق من عقاب، فالله ساهر لا تخفى عليه خافية، لا يهمل ولا يمهل. لقد ولد عبد الله بن سليمان حافياً، وترعرع حافياً، ويسير حثيثاً إلى القبر بقدمين حافيتين ولكن ابليس اللعين خزاه الله وسوس في أذنيه وزين له أن يصير من عباد الله مالكي الأحذية، فلم يرفض عبد الله بن سليمان اغراء ابليس انما خضع له. ولا بد أنكم تعلمون أن ابليس ذو وجه يخلو من الوسامة ، وله قرنان وذيل. ولم يكن عبد الله بن سليمان يملك من النقود ما يكفي لشراء حذاء، ولذا لم يتردد في اللحاق برجل حذاؤه جميل لامع الجلد، ثم انتهز فرصة سيره في طريق فرعية تخلو من المارة، فانقض عليه بخنجره المحدودب النصل الذي ورثه عن أبيه، وطعنه في صدره طعنة واحدة، فهوى الرجل في الحال كحجر ثقيل وارتطم بالأرض، فسارع عبد الله بن سليمان إلى الركوع بجواره محاولا انتزاع الحذاء من قدميه. وفي تلك اللحظة مرت دورية من رجال الشرطة، فقبضت على عبد الله بن سليمان الذي لم يجرؤ على انكار فعلته البشعة، فالخنجر ملطخ بالدم، والرجل الممزق الصدر يتخبط في دمه وتتحشرج أنفاسه وقد أشار إلى عبد الله بن سليمان معلنا أنه هو قاتله. حدث ما حدث في يوم السبت ، فقضى عبد الله بن سليمان يوم الأحد في السجن، واقتيد إلى المحكمة في اليوم التالي ثم أعيد إلى السجن في اليوم نفسه، وبقي فيه حتى يوم الجمعة. ولا بد أنه كما تعلمون قد أجهش البكاء، نادما تائبا، وطلب من الله المغفرة وحسن الختام، ولعن ابليس الوسواس الخناس. وفي يوم الجمعة أفاق الناس من نومهم، وتناولوا طعام الافطار بشهية ثم تمطوا وتثاءبوا بتكاسل غير أن بعضهم أدى تمرينات رياضية، فالرياضة كما تعلمون مفيدة للاية وتنشط الدورة الدموية. وما أن تعالت أصوات المؤذنين فيما بعد داعية إلى صلاة الظهر حتى لبى الرجال النداء وغادروا بيوتهم قاصدين المسجد، وهناك أدوا صلاة الظهر ثم طالبوا الله في ختامها بمنحهم ما يبغون لأنهم من عبيده الصالحين المتقين. وعندما انتهت صلاة الظهر غادر المصلون المساجد، وساروا في الطرقات مشدودي القامات، وكانت وجوههم مطمئنة راضية، وأحذيتهم تضرب الأرصفة ببهجة. وعندئذ اقتيد عبد الله بن سليمان إلى ساحة واسعة ترابية الأرض، ويطوقها الجند المسلحون بالبنادق. وبادر الناس إلى الوقوف خلف الجند، وراحوا يتزاحمون ويتصايحون. وأقف عبد الله بن سليمان في وسط الساحة، وأوثقت يداه خلف ظهره ثم جاء رجل ذو لحية بيضاء طويلة ووقف بالقرب منه، وبدأ يقرأ في ورقة صفراء. وحين انتهى الرجل الملتحي من القراءة، دلف إلى وسط الساحة رجال عديدون يرتدون الثياب البيض. "- من هؤلاء؟". " – أهل القتيل رحمه الله". وابتدأ الرجال يطوفون حول عبد الله بن سليمان المقيد اليدين. الله أكبر . الله أكبر. وأطلقت امرأة ما زغاريد مديدة حادة في اللحظة التي انقض فيها الرجال على عبد الله بن سليمان منتضين خناجرهم المحدودبة النصال. وترنح عبد الله بن سليمان بينما كانت الخناجر تغرز في لحمه ثم سحب منه بحركات غاضبة حتى صار جسمه كله ثقوبا يتدفق منها الدم بغزارة. ولم يستطع الصمود طويلا فسقط على الأرض. وجثا الرجال متحلقين حوله، وتابعوا تسديد الطعنات إلى جسده ذي القدمين الحافيتين. وبعد قليل حمل عبد الله بن سليمان إلى سيارة الاسعاف كتلة لحم ممزقة تقطر دما. وهكذا كما ترون دحر ابليس، ودفن عبد الله بن سليمان حافي القدمين في حفرة وأهيل فوقه التراب، وكانت نهايته عبرة للضالين الذين لا يريدون أن يظلوا حفاة حتى موتهم. RE: من روائع زكريا تامر - هاله - 07-26-2010 النمور في اليوم العاشر رحلت الغابات بعيداً عن النمر السجين في قفص، ولكنه لم يستطع نسيانه، وحدق غاضباً إلى رجال يتحلقون حول قفصه وأعينهم تتأمله بفضول ودونما خوف وكان أحدهم يتكلم بصوت هادئ ذي نبرة آمرة: إذا أردتم حقاً أن تتعلموا مهنتي، مهنة الترويض، عليكم ألا تنسوا في أي لحظة أن معدة خصمكم هدفكم الأول، وسترون أنها مهمة صعبة وسهلة في آن واحد. انظروا الآن إلى هذا النمر: إنه نمر شرس متعجرف، شديد الفخر بحريته وقوته وبطشه، ولكنه سيتغير ويصبح وديعاً ومطيعاً كطفل صغير.. فراقبوا ما سيجري بين من يملك الطعام وبين من لا يملكه، وتعلموا. فبادر الرجال إلى القول إنهم سيكونون التلاميذ المخلصين لمهنة الترويض. فابتسم المروض مبتهجا، ثم خاطب النمر متسائلا بلهجة ساخرة: كيف حال ضيفنا العزيز؟ قال النمر: أحضر لي ما آكله، فقد حان وقت طعامي. فقال المروض بدهشة مصطنعة: أتأمرني وأنت سجيني؟ يالك من نمر مضحك!! عليك أن تدرك أني الوحيد الذي يحق له هنا إصدار الأوامر. قال النمر: لا أحد يأمر النمور. قال المروض: ولكنك الآن لست نمراً. أنت في الغابات نمر. وقد صرت في القفص، فأنت الآن مجرد عبد تمتثل للأوامر وتفعل ما أشاء. قال النمر بنزق: لن أكون عبداً لأحد. قال المروض: أنت مرغم على إطاعتي؛ لأني أنا الذي أملك الطعام. قال النمر: لا أريد طعامك. قال المروض: إذن جع كما تشاء، فلن أرغمك على فعل ما لا ترغب فيه. وأضاف مخاطباً تلاميذه: سترون كيف سيتبدل؛ فالرأس المرفوع لا يشبع معدة جائعة. وجاع النمر، وتذكر بأسى أيامًا كان فيها ينطلق كريح دون قيود مطارداً فرائسه. وفي اليوم الثاني أحاط المروض وتلاميذه بقفص النمر، وقال المروض: ألست جائعاً؟ أنت بالتأكيد جائع جوعاً يعذب ويؤلم.. قل إنك جائع فتحصل على ما تبغي من اللحم. ظل النمر ساكتاً، فقال المروض له: افعل ما أقول ولا تكن أحمق. اعترف بأنك جائع فتشبع فوراً. قال النمر: أنا جائع. فضحك المروض وقال لتلاميذه :ها هو ذا قد سقط في فخ لن ينجو منه. وأصدر أوامره، فظفر النمر بلحم كثير. وفي اليوم الثالث قال المروض للنمر: إذا أردت اليوم أن تنال طعاماً، فنفذ ما سأطلب منك. قال النمر: لن أطيعك. قال المروض: لا تكن متسرعاً، فطلبي بسيط جداً . أنت الآن تحوم في قفصك، وحين أقول لك: قف، فعليك أن تقف. قال النمر لنفسه: إنه فعلاً طلب تافه، ولا يستحق أن أكون عنيداً وأجوع. وصاح المروض بلهجة قاسية آمرة: قف. فتجمد النمر تواً، وقال المروض بصوت مرح: أحسنت. فسر النمر، وأكل بنهم، بينما كان المروض يقول لتلاميذه: سيصبح بعد أيام نمراً من ورق. وفي اليوم الرابع، قال النمر للمروض: أنا جائع فاطلب مني أن أقف. فقال المروض لتلاميذه: ها هو ذا قد بدأ يحب أوامري. ثم تابع موجهاً كلامه إلى النمر: لن تأكل اليوم إلا إذا قلدت مواء القطط. وقلد مواء القطط، فعبس المروض، وقال باستنكار: تقليدك فاشل. هل تعد الزمجرة مواء. فقلد النمر ثانية مواء القطط، ولكن المروض ظل متهجم الوجه، وقال بازدراء: اسكت.. اسكت.. تقليدك ما زال فاشلاً. سأتركك اليوم تتدرب على مواء القطط، وغداً سأمتحنك. فإذا نجحت أكلت أما إذا لم تنجح فلن تأكل. وابتعد المروض عن قفص النمر وهو يمشي بخطى متباطئة، وتبعه تلاميذه وهم يتهامسون متضاحكين. ونادى النمر الغابات بضراعة، ولكنها كانت نائية. وفي اليوم الخامس، قال المروض للنمر: هيا، إذا قلدت مواء القطط بنجاح نلت قطعة كبيرة من اللحم الطازج. قلد النمر مواء القطط، فصفق المروض، وقال بغبطة: عظيم! أنت تموء كقط في شباط. ورمى إليه بقطعة كبيرة من اللحم. وفي اليوم السادس، وما إن اقترب المروض من النمر حتى سارع النمر إلى تقليد مواء القطط، ولكن المروض ظل واجمًا مقطب الجبين، فقال النمر: ها أنا قد قلدت مواء القطط. قال المروض: قلد نهيق الحمار. قال النمر باستياء: أنا النمر الذي تخشاه حيوانات الغابات، أُقلد الحمار؟ سأموت ولن أنفذ طلبك! فابتعد المروض عن قفص النمر دون أن يتفوه بكلمة. وفي اليوم السابع، أقبل المروض نحو قفص النمر باسم الوجه وديعا، وقال للنمر: ألا تريد أن تأكل؟ قال النمر: أُريد أن آكل. قال المروض: اللحم الذي ستأكله له ثمن، انهق كالحمار تحصل على الطعام. فحاول النمر أن يتذكر الغابات، فأخفق، واندفع ينهق مغمض العينين، فقال المروض: نهيقك ليس ناجحاً، ولكني سأعطيك قطعة من اللحم إشفاقاً عليك. وفي اليوم الثامن، قال المروض: سألقي مطلع خطبة، وحين سأنتهي صفق إعجاباً. قال النمر: سأصفق. فابتدأ المروض إلقاء خطبته، فقال: "أيها المواطنون.. سبق لنا في مناسبات عديدة أن أوضحنا موقفنا من كل القضايا المصيرية، وهذا الموقف الحازم الصريح لن يتبدل مهما تآمرت القوى المعادية، وبالإيمان سننتصر" . قال النمر: لم أفهم ما قلت. قال المروض: عليك أن تعجب بكل ما أقول، وأن تصفق إعجاباً به. قال النمر: سامحني أنا جاهل أُميٌّ وكلامك رائع وسأصفق كما تبغي. وصفق النمر فقال المروض: أنا لا أحب النفاق والمنافقين ستحرم اليوم من الطعام عقاباً لك. وفي اليوم التاسع جاء المروض حاملاً حزمة من الحشائش، وألقى بها للنمر، وقال: كل، قال النمر: ما هذا؟ أنا من آكلي اللحوم. قال المروض: منذ اليوم لن تأكل سوى الحشائش. ولما اشتد جوع النمر حاول أن يأكل الحشائش فصدمه طعمها، وابتعد عنها مشمئزاً، ولكنه عاد إليها ثانية، وابتدأ يستسيغ طعمها رويداً رويداً. وفي اليوم العاشر اختفى المروض وتلاميذه والنمر والقفص؛ فصار النمر مواطناً، والقفص مدينة. |