حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
هواجس حول القراءة الأولى! - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: المدونــــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=83) +--- الموضوع: هواجس حول القراءة الأولى! (/showthread.php?tid=3833) |
هواجس حول القراءة الأولى! - سمير بن يونس - 08-07-2008 هواجس حول القراءة الأولى! في هذه الأيام أجد نفسي منكبّاً على مطالعة عددٍ من الكتب في آنٍ واحد. فأنا أقرأ في كتاب 'فن الشعر' للكاتب الأرجنتيني الرائع بورخيس، كما أقرأ في كتاب 'الوصايا المغدورة 'لميلان كوندير، بالإضافة إلى كتاب 'سباق المسافات الطويلة ' لعبد الرحمن منيف، وكتاب آخر هو 'ظل الغيمة' لحنا أبو حنا. لماذا هذا الإبحار في عباب محيطات الكتب وبحارها, ولماذا لا أختار كتاباً واحداً والقراءة فيه برويّة وتمهّل كما يفعل الأسوياء، إذا كان أصلاً هناك أسوياء بكل ما يتعلق بعملية القراءة؟ . هنا بالذات تحضرني كلمات الكاتب الأرجنتيني العظيم خورخي لويس بورخيس (الذي عاش بين 1899 - 1986م) حول القراءة والنص. فقد طرح بورخيس وهو يُعتبر القارىء الأكبر الكثير من الأسئلة كما فعل غيره قبله وبعده من المهتمين بالقراءة حول تلك العملية السحرية للقراءة وعلاقة القارىء بالنص. وقد أكبر بورخيس من شأن القارىء حتى أنه جعله في مرتبة أعلى من الكاتب. فكما يقول بورخيس إن الكتاب كثير لكن القارىء الجيد نادر الوجود. في هذا السياق لا أريد أن أطنب في وصف عملية القراءة وعن علاقة الودّ أو العداء السافر بين القارىء والنص، إذ يبدو لي أنه لا يدخل النهر شخصٌ مرتين ولا يقرأ شخص كتاباً مرتين, فعند القراءة الأولى تتحدد علاقتنا مع النص ونتخذ موقفاً مرةً حاسما ًوتارةً أخرى متخاذلاً من السطور الممتدة أمام ناظرين. وماذا مع المؤلف هل ما زال حيّاً؟! (أرمز هنا إلى نظريّة موت المؤلف التي تبلورت على يد الناقد الفرنسيّ رولان بارت 1915- 1980). القراءة الأولى لكتابٍ ما مثلها مثل رعشة الحب الأولى, مثل الأرض العطشى عند أول المطر. لا أستطيع مهما حييت نسيان انصهاري الكلي واللانهائي في الكتاب عند قراءتي الأولى. لا بل أكثر من ذلك.. حاولت كثيراً أن أعيد قراءة كتابِ ما فلم أنجح قطّ.. يبهرني الكاتب بعوالمه وأهوائه مهما كانت غرائبية أو جنونية. عند أول لقاء أتماهى تماماً مع أبطال الكاتب، أوافقه وأعارضه وأقارعه في ما يقول، أشعر بفرح جنوني، أستدعي أبطال الأساطير كلها، أهيم وَجداً بأطياف الكتاب السحرية، أتماهى معه وأفقد خصوصيتي وثقافتي وهويتي ولو إلى حين.. وأستعير هويةً وروحاً جديدين من كاتب النص.. لكن أن يعود هذا الوجد الأخّاذ بالكتاب بعد قراءته الأولى؟ فهيهات هيهات... الآن، وعلى وقع كلماتي السابقة والصاخبة إلى حدٍّ ما، أعود بذاكرتي لسنوات خلت عندما قرأت أجمل روايات الكاتب الكولومبي الشهير غابرئيل غارسيا ماركيز (ولد عام 1927) الذي ربما يعتبر أفضل من كتب رواية في التاريخ الإنساني قاطبةً، واسم الرواية 'مائة سنة من العزلة'. ذلك الكتاب الساحر لصاحب المدرسة الواقعية السحرية في أدب أمريكا اللاتنية الذي استطاع أن يبهر العالم بهوياته وأطياف ثقافاته الملونة والمختلفة تحت لواء الرواية وردائها الملون الجميل بشخصياتها الأسطورية التي تنفلت من ربقة الزمن وتعيش في حيز أسطوري وسحري، يختصر المسافات ويعلن انتصار الإنسان ببساطته وبلفافات تبغه ومرحه الطفولي, بحكايات العشق ومغامرات الإنسان الحالم بعالم آخر متحرر من الآلات العصرية المقيتة ودقات الساعة الرتيبة, عالم بهيج يضج بصياح ديكة بلدة ماكوندو الأسطورية عند الفجر وأصوات البهائم عندما يحلبها القرويون قبل أن يستيقظ الجميع، وأغاني الرعاة وأصوات الصبية المتناهية من آخر البلدة, واستعراضات الحركات اليسارية في أدغال امريكا اللاتنية, إنها عوالم ماركيز الخلابة والمحرضة على الفرح. ماركيز الذي عمم بساطة ثقافة موطنه بما تحويه من قصص وأرواح شريرة تطوف شوارع البلدة بعد مغيب الشمس بقليل, هذه العوالم والحكايات الجميلة وعروض السيرك وقوافل الغجر التي تعرض بضاعتها في شوارع البلدة وتقترح قراءة الكفّ على المارة من العاشقين الباحثين عن ملاذ لوجدهم. هذ الأجواء المحلقة والبديعة الساحرة لا تنفك عن ملاحقتي وتملك حيزاً من ذاكرتي، لهذا أزمعت على معاودة قراءة رواية ماركيز من جديد لكنني لم أنجح في عبور الصفحة الخامسة من الرواية رغم تأثري البالغ بها، وهي أعظم ما قرأت من روايات, وعلاقتي مع القراءة تفوق العشرين عاماً ونيّف. إن عجزي عن قراءة هذه الرواية الرائعة مرةً ثانية نابع من عمق التجربة الأولى ونضجها, القراءة الأولى التي حتماً تطغى على كل قراءة أخرى لا بل تتفرد كلياً بذهن القارىء وتحدد علاقته بالأشياء عامة وبعوالم الرواية ذاتها خاصة. أعود إلى سؤالي الأول: لماذا أقرأ كثيراً في هذه الأيام؟ لا أعرف إجابةً واضحةً أو محددة, ربما لشعوري المتعاظم يوماً بعد يوم من تقصيري في المطالعة، أقول لنفسي عندما أخلو بها عندما يتهادى القمر في مشيته من علٍ, أقول لنفسي: عليّ أن أصل الليل بالنهار حتى أسدد دَيني للمطالعة, عليّ مجاهدة نفسي وسرقة اللحظات كما تسرق النار المقدسة حتى أقرأ المزيد وأغوص في أكبر محيط من الكتب لعلي أسدد شيئاً من دَيني لكتّابٍ عظماء ما زالوا ينتظرون اجتماعي الأول بهم ويرغبون في حوار دافىء معي, لعلنا نجلس معاً حول الموقد في الشتاء البارد نشرب الشاي وندخن لفائف التبغ التي يتقن صنعها القرويون, نغني للمطر ونتبادل النكات تارة، ثم نبكي ونغرق في بحر من الحزن العميق ونتذكر كم مات من أطفال المخيم تارة أخرى. لكن ثمة سر دفين لماذا أقرأ أصلاً؟ ولماذا يقرأ الناس؟ هذا سؤال آخر يلح عليّ كثيراً لكنني الآن محاصر بالكتب المكدسة, المقدسة, سأهيم فيها على وجهي، سأفتحها فتحاً مبيناً وسأقرأها حتى آخر حرف وبعدها سأتصدى لهذا السؤال المباغت. |