حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
أصل الأخلاق - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: الحوار اللاديني (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=63) +--- الموضوع: أصل الأخلاق (/showthread.php?tid=38778) |
أصل الأخلاق - Egyptian Humanist - 08-31-2010 • ما هي الأخلاق ؟ لو شئنا الدقة فالأخلاق هي سلوكيات الإنسان سواء كانت سلوكيات حميدة أو خبيثة, فأخلاق الفلاحين تعني الراسخ و الشائع من سلوكيات الفلاحين و بنفس الطريقة أخلاق البوابين و أخلاق الجنود و حتى أخلاق الحليم و البخيل و النبيل و اللئيم. الأخلاق هي سلوك الإنسان بغض النظر عن المعايير و المقاييس التي نضعها لهذا السلوك. لكن الشائع لمعنى كلمة الأخلاق هو الأخلاق الجيدة بالتحديد, فبالنسبة لمعظم الناس الأخلاق هي الفضائل و ليس الرذائل و هذا الإختذال لمعنى كلمة الأخلاق في الأخلاق الجيدة فقط إن كان ينم على شيء فهو ينم على إحتقار المجتمع و الناس للأخلاق السيئة أو بمعنى أدق السلوكيات التي يعتقد المجتمع و الناس انها سيئة. و لذلك و لأن المعنى الشائع بين الناس عن الأخلاق أنها السلوكيات الجيدة فقط سيتم ذكر الأخلاق في هذا المقال على أنها السلوكيات الجيدة أو الحميدة. بالطبع إختذال الأخلاق في أنها السلوك الجيد يتضمن بالضرورة على فهم معين للأخلاق و هو الفهم البراجماتي أو العملي, فبالمنطق البراجماتي السلوك الجيد أو الصالح هو الأخلاق بغض النظر عن نوايا صاحبه او إرادته فحتى لو كان يقصد شرا و جاء سلوكه خيرا صار صاحب السلوك أخلاقيا و خيرا و لو رغم إرادته. لا أريد الإستعجال و لكنني لا أوافق على هذا المعنى للأخلاق. المشكلة أن الناس لا يمكنها حتى ان تتفق على معنى محدد أو تعريف معين لكلمة الأخلاق دون ان يفضح هذا توجههم الفكري و الفلسفي تجاه ما يسمى الأخلاق. و بالطبع لا يمكن الإستغناء عن الفهم البراجماتي أيضا فالسلوك السيء النابع من نوايا جيدة أيضا لا يعد اخلاقا و ذلك لأننا ببساطة لا يمكن أن نسمي سلوكيات سيئة بانها فضائل أو أخلاق. أعتقد ان التعريف المناسب للأخلاق هو انها السلوكيات الحميدة النابعة من أرادة حميدة / أو أنها الفضائل الصادرة من إرادة حرة خيرة. التعريف يبدو جيدا و لكننا لم نحدد بعد ما هي السلوكيات الجيدة أو بأي معنى أو منطق تكون جيدة. أرسطو لخص الأخلاق في نظريته الشهيرة المسماة (( الوسط الذهبي )) فالرجل السعيد الفاضل هو من توسط طرفين مرذولين فيسلك طريقا وسطا بين الرزائل الكثيرة الجاثمة على الجانبين و التي تهدد سعادته. ففي كل عمل و كل فكرة و كل عاطفة يمكن للمرء أن يكون مسرفا او مقصرا أو معتدلا, ففي مواجهة مخاطر الحياة يكون متهورا أو جبانا او شجاعا, و في شهواته يكون يكون نهما او زاهدا او معتدلا. و هذا يعني أن أفضل سلوك هو أن يلتزم المرء بالوسط الحميد في كل وقت و كل ظرف لأن الوسط الصحيح هو الطريق الفسيح المؤدي إلي السعادة. الكلام يبدو جميل و معقولا و لكنني أتصور ان الأفضل ليس هو التوسط في الأمور بالضرورة بل التوازن بحسب الظروف لانه في بعض الأحيان يكون علاج الأمور هو بالميل في إتجاه أحد الرذائل من أجل تحقيق التوازن. و هذا يعني أن الأخلاق القويمة أو الفاضلة تعتمد على الظروف و على تقييم كل شخص لتلك الظروف و كيفية علاج المشاكل الأخلاقية. الأخلاق الحقيقية ليست قوالب جامدة أو إكلشيهات جاهزة للتعاطي مع مشاكل الحياة بقدر ما هي تفكير و تقدير للأمور بحسب متغيرات الظروف. إن الأخلاق بهذا المعنى هي نسبية و متغيرة و ليست مطلقة و ثابتة. و لكنني أظن أن الأصل في الأخلاق هو "تحقيق الخير" و ليس إتباع الأساليب المعتدلة كانت او المتطرفة فحتى لو كانت الأساليب متطرفة و لكنها تحقق نتائج جيدة فهي سلوك فاضل. و تلك ليست براجماتية – و لو إن البراجماتية ليست سبة لنتبرأ منها – لأن البراجماتية لا تهتم بالإرادة إن كانت إرادة خيرة أو شريرة و لكن الأخلاق التي أعنيها الإرادة فيها عنصر أساسي. بإختصار الأساليب المتبعة لا تهم مادامت تنفذ بنية صادقة و تؤدي لنتائج جيدة .. بالطبع الوسط الذهبي او التوازن لا يمكنه ان ينطبق على كل السلوكيات لأن هناك وصايا أخلاقية أراها حاسمة و لا تحتمل التوسط مثل لا تقتل و لا تسرق و لا تؤذي. أن إيجاد تعريف جامع شامل للأخلاق يكون متفقا عليه بين كل الناس لهو أمر بالغ الصعوبة. و لكنني إلي حد كبير راضي عن تعريف الأخلاق بانها : - الأساليب و السلوكيات الصادرة من إرادة حرة خيرة و تحقق توازنا بين المصلحة الشخصية و المصلحة العامة, او فلنقل بإختصار أنها : السلوكيات النابعة من نوايا تقصد و تسهم فعلا في تحقيق هدف السعادة للجميع دون أن تحدث ضرر مقصود أو مباشر لأي إنسان. هذا يعني أن تعب الإنسان من أجل نفسه و من أجل مصلحته الشخصية هي عمل أخلاقي مادامت لا تؤذي احدا لان هدف السعادة للجميع يتضمن سعادة الإنسان نفسه صاحب السلوك. لكن تحقيق الخير للجميع هو هدف صعب و يكاد يكون مستحيلا. تحقيق الخير لشخص واحد أو إثنين أو اكثر هو هدف ممكن تحقيقه و إن كان يصعب التأكد من أن أي سلوك لا يضر ولا إنسان واحد. أيضا هناك مسئولية أخلاقية تجاه بقية الكائنات الحية و تجاه كوكب الأرض نفسه الذي هو موطننا كلنا فالمسئولية الأخلاقية ليست تجاه البشر فقط. عموما هذا هو أفضل تعريف أستطيع الحصول عليه رغم عيوبه و قصوره .. • النظريات العلمانية في الأخلاق منذ قديم الزمان و قبل الأديان تباحث الفلاسفة و الحكماء عن معنى الأخلاق و إختلفوا, و حين جاءت الأديان التوحيدية أغلقت باب البحث بواسطة أخلاق إلهية مطلقة ملزمة لا تحتمل شكا و لا جدالا. و بعد حوالي 15 قرنا جاءت عصور العقل و التنوير و بدا المد الديني يتراجع في اوربا ليبدأ الفلاسفة في فتح باب البحث مرة أخرى. في البداية جاء البحث في الأخلاق ليؤكد ما ذهبت إليه المسيحية بالذات ثم تحرر الفلاسفة بعد ذلك من الفكر المسيحي و بدأوا في التفكير بإستقلالية في معنى و طبيعة الأخلاق. أشهر النظريات الأخلاقية على الإطلاق هي أربع نظريات : 1- نظرية اللذة 2- نظرية السعادة الشخصية 3- نظرية المنفعة العامة 4- نظرية الواجب نظرية اللذة : هي من اوائل النظريات الأخلاقية و قد جاءت قبل الآديان لذلك تبدو بدائية إلي حد ما و خالية من عقدة الذنب التي رسختها الأديان التوحيدية. من رواد هذا المذهب أرستبس و أبيقور و قد دعوا إلي اللذات الحسية الفردية العاجلة و قالوا أن على المرء ان يستعجلها لان تأخيرها يثير في النفوس البؤس و الشقاء و الحرمان و هكذا يكون السلوك الذي يحقق اللذة أخلاقي و السلوك الذي يتسبب في الألم غير أخلاقي. نظرية اللذة قد تبدو ممتعة إلا أن السلوك بحسب نظرية اللذة لا يخلو من مشاكل, فالإنقياد للذة و الإكتفاء بها يجعل المرء غير عابئ بإنسانيته أو بترقيه في الحياة على أساس أن إشباع الأهواء بلا حساب يضعف الإرادة و يجعل الشخص يعتاد السهولة فتفقده القدرة على المقاومة و تجعل منه ضحية لدكتاتورية الجسد. فكرة ان اللذة أساس الأخلاق هي فكرة مستوحاة من الطبيعة الحيوانية للإنسان بمعنى أن المفكر هنا يعتقد ان الحاجات الأساسية و البدائية للإنسان تشكل كل متطلباته و هذا مخالف للواقع لأن الإنسان يحتاج فعلا للطعام و الشراب و الجنس و النوم و الأمان و لكن تصور الإنسان عن ذاته كان منذ البدء يتجاوز تلك الحقائق الجامدة فالإنسان يعتقد دائما انه كائن حي مميز عن بقية الحيوانات و بالتالي فإن إحتياجاته و سعادته تفوق الإحتياجات و اللذات العادية المباشرة, هذا التصور للإنسان عن ذاته هو الذي قاده لإنجاز الأعمال و الحضارات العظيمة. ثم إن الطبيعة لا تعمل بتلك الطريقة المباشرة الساذجة .. العالم الكبير / ريتشارد داوكنز يعتقد أن هناك أسباب جيدة من الناحية الداروينية الطبيعية تفسر تمتع الفرد بالإيثار و الكرم و الأخلاق الحميدة تجاه الآخرين بما يتجاوز فلسفة اللذة كثيرا .. إن المنطق الدارويني يفرض علينا إستنتاج أن الحياة و التكاثر هي حكر على الكائنات الأنانية اللاأخلاقية فالكائنات التي تبقى ستكون على حساب الكائنات المنافسة من خلال القانون الشهير : البقاء لمن هو أصلح للبقاء. لكن ما هي الكائنات المقصودة بالأنانية ؟ هل هي الحيوانات و الطيور و الزواحف و ما إلي ذلك .. ؟ داوكنز يقول لا, إنها الجينات هي الأنانية و ليس الكائن الحي نفسه أو نوعه. إن الجين هو من يبقى للأجيال القادمة او لا يبقى و هو من يصنع نسخا مطابقة لنفسه و يتنافس في موضوع النسخ الذاتي مع بقية الجينات و هكذا فالعلم الدارويني ينكر أن على الكائن الحي أن يكون انانيا أو لا أخلاقيا ليبقى هو و نوعه بعكس الجينات الأنانية بطبيعتها في صراعها للتكاثر و الإستمرار. إذن فكل كائن حي قد يتصرف تصرفات أنانية احيانا و مضحية أحيانا و لكن الجينات هي الأنانية دائما. لكن ما الذي قد يدفع الكائن الحي ليكون طيبا او مضحيا ؟ هناك ثلاثة أسباب لذلك كما يقول داوكنز. 1- وجود القرابة الجينية إن الطريقة البديهية للجينات لضمان أنانيتها هو أن تبرمج الكائنات الحية لتكون انانية و لكنها في أحيان كثيرة تستعمل تكتيك آخر حيث يضمن الجين بقاؤه بجعل الكائن يتصرف بطريقة فيها تضحية و تفاني من أجل الآخرين. فالكائن الحي الذي يحافظ و يدعم أطفاله سيحوز على الكثير من النسخ إحصائيا, و بمنطق دارويني خالص فالجين الذي يدعم بقاؤه من خلال أطفال الكائن الحي هو من سيقدر له البقاء و الإستمرار. و هكذا نرى النحل و النمل و سوس الخشب و نقار الخشب كلها طورت مجتمعات يقوم فيها الكبار برعاية صغارهم الذين يتقاسمون معهم الجينات. 2- التكافل النوع الآخر من السلوك الخير و الذي له تفسير طبيعي دارويني هو الإيثار المتبادل بمعنى : حك لي ظهري لأحك لك ظهرك. هذة النظرية قدمها لأول مرة البيولوجي روبرت تريفيرس و غالبا ما يعبر عنها بشكل رياضي. هذا النوع من السلوك لا يعتمد على إقتسام الجينات مع الأقارب و مع ذلك يعمل بشكل ممتاز و حتى بشكل أفضل مع غير الأقارب. المبدأ هو التبادل و المقايضة الذي يعتمده الإنسان, فالصياد يحتاج لرمح و الحداد يحتاج لحما و اللاتساوي بينهما يؤدي لعقد من نوع ما. 3- المظهر الإجتماعي في المجتمع الإنساني خاصة يوجد لغة و غيبة و بالتالي تصبح السمعة مهمة. فيكون احد الأفراد له سمعه كشخص لطيف أو كريم و آخر له سمعه كغشاش و كسول و لا يفي بوعده. البيولوجيين يستطيعون الإعتراف بان البقاء الدارويني يقتضي ليس فقط أن يكون الفرد مشاركا إجتماعيا و لكن أن يكون له سمعه جيدة كمشارك أيضا. عالم الإقتصاد النرويجي تورستين فيبلين و بطريقة أخرى عالم الحيوان الإسرائيلي اموتز زاهافي قالا أن الإيثار ربما يكون كدعاية أو إستعراض للسلطة و التفوق. و زاهافي على وجه الخصوص اكد أن إستعراض التفوق عن طريق إعطاء الهدايا أو الإهتمام بالآخرين له مردود إجتماعي كدعاية لشخص العاطي أو المهتم بل إن هذا السلوك يستطيع جذب عدد أكبر من الإناث عند الحيوانات و ذلك بإستعراض الكرم و الإستعداد للمخاطرة من اجل الآخرين. بإختصار : هناك من يظن أن السلوك الطيب و عمل الخير هي سلوكيات غير طبيعية و غير منطقية على أساس ان الطبيعة الإنسانية لا تختلف عن طبيعة الحيوانات في سعيها نحو اللذة. و لكن هذا الكلام غير علمي ليس لأن الإنسان له طبيعة مختلفة عن الحيوانات بل لأن الحيوانات نفسها لها ممارسات طيبة و لا أقول أخلاقية. إن نظرية اللذة تتجاهل السعي الطبيعي نحو المصلحة الفردية و الإجتماعية عن الإنسان و بقية الحيوانات و التي تدعم السلوكيات الخيرة. و لكن حتى السلوك الطيب بناء على ميول طبيعية لا يعتبر سلوكا أخلاقيا لأنه يفتقد لأهم شروط العمل الأخلاقي ألا و هو الإرادة الحرة. إن البحث عن اللذة فقط ليس سلوكا طبيعيا أو منطقيا لأن الطبيعة ألزمتنا ببعض السلوكيات الخيرة تجاه أنفسنا و الآخرين لكي نتكيف مع متطلبات الحياة و نعيش و لكن إلزام الطبيعة لنا بالتراحم و التواصل و الإيثار لا يعتبر سلوك أخلاقي لأنه لا ينبع من إرادة حرة .. إن السلوك الأخلاقي فعلا يجب ان يفوق الطبيعي بل و يكون ضد الطبيعي في احيان كثيرة. و يحضرني هنا كلام المسيح في متى 5 : 43-47 سمعتم انه قيل تحب قريبك و تبغض عدوك و اما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم و صلوا لاجل الذين يسيئون اليكم و يطردونكم. لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات فانه يشرق شمسه على الاشرار و الصالحين و يمطر على الابرار و الظالمين. لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك و ان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا. تلك الآيات لها قيمة أخلاقية كبيرة من حيث أنها تنتصر لإرادة الخير بداخلنا فوق إرادة الطبيعة. المسيح هنا كان موفقا بتأكيده على السلوك الإرادي للإنسان و الذي يفوق السلوك الطبيعي. العشارين يحبون من يحبونهم و يسلمون على إخوتهم و اقاربهم فقط .. و العلم يؤكد ان هناك سلوكيات طيبة تجاه الأقارب و أفراد المجتمع هي سلوكيات طبيعية تماما, يعني الحيوانات تهتم باطفالها و تدافع عن بقية أفراد العشيرة و لا يعتبر هذا سلوك أخلاقي لانه سلوك طبيعي. إن السلوك الأخلاقي هو سلوك يفوق الطبيعي أو حتى ضد الطبيعي في بعض الاحيان. السلوك الأخلاقي يجب أن يكون وفق إرادة حرة, محبة القريب سلوك طبيعي و لكن محبة الغريب هو سلوك إرادي أما محبة العدو فهو سلوك غير طبيعي و ربما يكون غير منطقي و لكنه ينتصر للإرادة الحرة للإنسان. طبعا هنا يأتي السؤال : و هل تلك الأخلاق أخلاق سهلة ؟ هل السلوك الفائق للطبيعي هو سلوك ممكن التحقيق ؟ و الإجابة هي أن محبة الأعداء تعبر عن إرادة إله و ليس إرادة إنسان. فالحيوان يحب قريبه و الإنسان يحب الغريب و الإله يحب العدو. بالطبع الإله الإبراهيمي يذبح أعداؤه و يلقي معارضيه في جهنم فأنا لا أتكلم عن هذا الإله. الإله الذي اعنيه هو السوبر مان كما تخيله البشر .. الإنسان الخير حقا و المحترم حقا هو من يحب أعداؤه و يرحم معارضيه. كما صلى المسيح و هو على الصليب : يا أبتاه إغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون, و كما لن يفعل الله في معارضيه و قاتلي إبنه. في نقط محددة أستخلص : - نظرية اللذة هي نظرية غير علمية و غير طبيعية. - هناك سلوكيات كثيرة طيبة و طبيعية عند الحيوانات و البشر و لكنها غير اخلاقية لأنها تفتقر للإرادة الحرة. - السلوك الأخلاقي هو سلوك إرادي حر غير ملزم و يرسخ فكرة أن الإنسان مخير لانه لو كانت الأخلاق سلوك طبيعي لكان الإنسان مسير. نظرية السعادة : ربما كانت اهم نظرية في السعادة عرفها تاريخ التفكير الأخلاقي – منذ عهد اليونان – هي نظرية أرسطو التي عرضها بالتفصيل في كتابه ( الأخلاق النيقوماخية ). و قد تصور أرسطو الأخلاق على أنها علم عملي يبحث في أفعال الإنسان و يهتم بتقرير ما ينبغي عمله و ما ينبغي تجنبه لتنظيم حياة الموجود البشري و تدبيرها على أكمل وجه. و لو اننا انعمنا النظر إلي مذهب أرسطو في السعادة لوجدنا من اهم مزايا هذا المذهب أنه قد نجح في التفرقة بين اللذة و السعادة من جهة بالإضافة إلي أنه قد فطن إلي ضرورة ربط مفهوم السعادة بمفهوم الكمال أو تحقيق الذات من جهة أخرى. إن نظرية السعادة هي تطوير لنظرية اللذة حيث ترى أن السعادة أشمل و أعم و أنفع من اللذة و لكنها لا تتجاوز الفرد و بالتالي فهي دافع أناني للأخلاق. يعني لو وضع كل فرد أمام عينية دائما الحصول على السعادة لنشأ من جراء هذا الهدف ضرب من الصراع و التعارض. ففي الكثير من الأحيان تتشابك مصالح الأفراد فيكون تحقيق الواحد لسعادته الخاصة هو على حساب سعادة الآخرين. نظرية المنفعة العامة : كانت العصور القديمة قد شهدت العديد من مذاهب ( السعادة الفردية ) حتى ظهور المشكلات الحديثة المتعلقة بالجماعة و الدولة و القانون مما عمل على قيام مذهب جديد في السعادة إتسم بالنزعة الإجتماعية ألا و هو مذهب المنفعة العامة. و لكن على حين أن أصحاب مذهب السعادة في العصور القديمة قد أقاموا نظرتهم إلي الخير على أساس فلسفي عقلي نجد أنصار مذهب المنفعة العامة في العصور الحديثة يريدون ان يقيموا نظرتهم إلي الخير على أساس علمي تجريبي. و حجة هؤلاء أنه ليس من سبيل إلي إثبات ان هذا الشيء أو ذاك مرغوب فيه إلا بإثبات أن الناس يرغبون فيه بالفعل. و يكفي ان نحتكم للتجربة لكي نتأكد بأنفسنا أن هذا الشيء الواحد الذي يريده الناس جميعا هو المنفعة العامة. بإختصار فالمنفعة في نظر أصحاب هذا المذهب هي المبدأ الأخلاقي الذي يقضي بتحقيق أكبر سعادة ممكنة لأكبر عدد ممكن من الناس. أطلق كل من بنتام و جون ستيوارت مل على مذهبه إسم ( أخلاق المنفعة العامة ) على أساس ان العقل يقضي بان يكون المرء أنفع بوجه عام للآخرين و أن ينشد منفعة البشر عامة حتى الحيوانات و قد إشترك مل مع بنتام في إقرار المنفعة العامة غاية للأفعال الإنسانية و معيارا للأخلاق. و تقاس أخلاقية الفعل بنتائجها لا بنوايا فاعلها و نتيجة الفعل هو العامل الوحيد لفعل الخير و تجنب الشر. هناك أيضا المذهب البراجماتي و يعد هذا المذهب صورة من الإتجاه النفعي او تطورا منه و يمثل هذا الإتجاه جون ديوي و وليم جيمس. بنتام تحدث عن مفهوم الخير و لكن الخير الذي كان يعنيه هو شيء محسوس و ملموس أو على الأصح ظاهرة تقبل الوزن و القياس, حتى انه يحاول أن يقيم الأخلاق على ما يسميه "حساب اللذات" فالحكمة تنحصر في تنظيم حياتنا بحيث يكون ميزان اللذات و الآلام لصالح اللذات بقدر الإمكان فنحقق فائضا من اللذات. و يربط بنتام خير الفرد بخير الجماعة فيقول أن البحث عن لذة الآخرين هو خير وسيلة يمكن أن تعين الفرد نفسه على الوصول إلي أكبر قسط ممكن من اللذة و معنى هذا أن المنفعة الشخصية مرتبطة بالمنفعة العامة, فليس الإيثار سوى تضحية الفرد بجانب من لذته في سبيل الحصول على قدر أكبر من اللذة لنفسه عن طريق العمل على خدمة مصالح الآخرين. أما جون ستيوارت مل فقد إتفق مع بنتام بأن الفارق بين الصواب الخلقي و الخطأ الخلقي رهن بنتائج أفعالنا و أنه يتوقف بالتالي على قدرة تلك النتائج على إشباع رغباتنا بحيث تحقق لنا و للآخرين ما نهدف إليه من سعادة. و يحاول مل أن يقيم فلسفته الأخلاقية أسس تجريبية من خلال المبادئ الخمسة : أ) اللذة هي الشيء الوحيد الذي يعد مرغوبا فيه ب) الدليل الوحيد على ان الشيء مرغوب فيه هو كون الناس يرغبون فيه بالفعل. ت) سعادة كل شخص تمثل خيرا بالقياس لهذا الشخص و على ذلك فإن السعادة العامة خير بالنسبة للجميع. ث) قد يرغب الناس في موضوعات أخرى و لكنهم لا يرغبون فيها إلا بإعتبارها وسيلة للسعادة. ج) إذا لقيت لذة ما (من بين لذتين مختلفتين) تفضيلا من جانب أولئك الذين هم على دراية بكلتا اللذتين فإن من حقنا ان نقول إن هذة اللذة المفضلة أسمى من اللذة الأخرى. أما جون ديوي فقد أرجع المثل الأخلاقية إلي نتائج الظروف الواقعية للإنسان فهي ليست مبادئ مطلقة ثابتة يضعها الفلاسفة كما يدعي المثاليون. و ليست من وضع المجتمع كما يدعي الوضعيون الإجتماعيون و ليست من وضع السماء كما يدعي رجال الدين فهو قد أنكر ان تكون للأخلاق غاية عليا سامية ثابتة او انها مبادئ مطلقة لا تقبل التغير لأن الحياة متطورة بطبيعتها و هكذا تقوم الأخلاق عند ديوي على المحاور التالية : أولا : هي أخلاق إنسانية تنبع من صميم الحياة التي يعيشها على ظهر هذة الأرض و ليست أخلاقا متعالية تفرض على الإنسان فرضا. ثانيا : هي أخلاق إجتماعية لا تحصر السيرة الفاضلة في داخل الفرد بينه و بين نفسه و لا تنبع من الذات أو النفس أو الضمير أو العقل. ثالثا : هي أخلاق يمكن بحثها علميا كما تبحث سائر العلوم الطبيعية و يمكن ضبطها و توجيهها كما تضبط العلوم. و يترتب على ذلك ان المشكلة الأخلاقية في العصر الحاضر إذا شئنا فهمها و حلها فينبغي ان توضع في إطار الحضارة الراهنة و ما تقوم عليه من نظم إقتصادية و إجتماعية و ثقافية, و اهم ظاهرة يمتاز بها العصر الحاضر هي تقدم العلوم الطبيعية و تغير الحياة الإقتصادية و الإجتماعية مما يقتضي تغير القواعد الأخلاقية تبعا لذلك. نظرية الواجب : الأخلاق عند الفيلسوف الألماني الكبير "كانت" هي اعلى صورة من صور الاخلاق الإلزامية أو أخلاق الواجب و التي نجدها في كتابه المشهور ( نقد العقل العلي ). أما الدعامة الأساسية للأخلاق عند كانت فهي الإرادة الخيرة و التي هي من بين جميع الأشياء التي يمكن تصورها في هذا العالم, الشيء الوحيد الذي نعده خيرا على الإطلاق دون ادنى قيد او شرط. صحيح أننا قد نعد المواهب الطبيعية كالذكاء و قوة الإرادة و الشجاعة و ما إلي ذلك او نعم الحظ كالمال و الجاه و الشرف و السلطة و ما إلي ذلك بمثابة خيرات متعددة نرغب في الحصول عليها و التمتع بها و لكن كل هذة المواهب و النعم لا يمكن ان تكون خيرات في ذاتها لأنها قد تستخدم لفعل الخير او الشر فهي جميعا لا تصبح خيرة إلا بالنسبة إلي القصد الذي ترجوه إرادتنا من وراء إستخدامها. فحتى فضيلة مثل السيطرة على النفس ليست خيرا في ذاتها لأنها لو توفرت لدى المجرم لأصبح مجرما خطيرا. فالإرادة الطيبة إذا إنعدمت من أي عمل خلقي فإنه لا يكون أخلاقا وقتها بينما إذا لم تنجح الإرادة الخيرة في تحقيق ما تريد ستظل لها قيمتها في ذاتها. و يرى كانت ان الإرادة الخيرة مرتبط بفكرة الواجب لأن ما يخلع على الإرادة الخيرة صفة الخير ليس هو النتائج الخيرة التي تترتب عليها بل هو الطابع الإلزامي الذي يتسم به فعلها. فالإرادة الخيرة كما يراها كانت لا يكون لها قانون آخر غير قانون الواجب. الخلاصة : نظرية اللذة في الأخلاق تبدو أنها السلوك الطبيعي للإنسان بدون أي تدخل من إرادته او قيم تعلو على غرائزه و لكن العلم بين لنا أن هذا ليس صحيحا لأن الأنانية هي سلوك الجينات و ليس سلوك الكائنات الحية و قد أكد العالم الكبير / ريتشارد داوكنز أن هناك سلوكيات طيبة كثيرة نراها في الكائنات الحية مثل رعاية الحيوانات لأطفالها و تعاون الحيوانات مع بعضها البعض من اجل مصالحها المشتركة بالإضافة للحوافز الإجتماعية التي تدعم التضحية و الإيثار عن الحيوانات و بشر. هذا يعني ان السلوك بحسب نظرية اللذة ليس سلوكا طبيعيا لأن السلوك الطبيعي للحيوانات لا يهتم فقط باللذات المباشرة فالكائنات الحية لديها من الذكاء ما يكفي لمعرفة مصالحها الأشمل من اللذة فما بالنا بالإنسان. حتى الفئران و الكثير من حيوانات التجارب تنجح في معرفة مصلحتها الغير مباشرة حين يختبر الباحثين ذكاءها في المعامل. إذن فنظرية السعادة تعتبر طبيعية اكثر و منطقية اكثر من نظرية اللذة المحتقرة للإنسان, على أساس أن السعادة ليست في اللذات السطحية و المباشرة فقط, و المصالح الشخصية أشمل و اعم من اللذات الحسية الوقتية لكن السعادة على كل حال مطلب شخصي أناني قد يفسر لنا السلوكيات الطيبة عند الكائنات الغير إجتماعية و لكن البشر و بقية الحيوانات الإجتماعية لديها سلوكيات من التضحية و الإيثار لا تفسرها نظرية السعادة. نظرية المنفعة العامة تبدو أكثر نضجا من نظرية السعادة و لكنها لا تختلف عنها فالباحث عن سعادته الشخصية يضطر للتضحية ببعض مصالحه في سبيل المجتمع و الناس من أجل أن يحصل على مصالح أخرى أكثر أو أفضل. نظرية المنفعة العامة تفسر تعقيد السلوك الأخلاقي بطريقة طبيعية و لكنها لازالت لا تفسر سلوكيات خيرة كثيرة من التضحية بالنفس في سبيل الآخرين بدون إنتظار لعائد أو ثواب. نظرية الواجب لكانت هي التي تنتصر للإرادة الحرة الخيرة في الإنسان و الوحيدة التي أكدت على إرادة الخير كأساس للأخلاق و لكنها إعتبرت ان الشعور بالواجب هو الدافع السليم للإرادة الخيرة و أهملت الدوافع الأخرى للأخلاق مثل السعادة و المنفعة العامة كما اهملت أهمية نتائج الأفعال و إكتفت بالتأكيد على النية الحسنة في الأخلاق. كل هذا يعني أننا محتاجين لنظرية أشمل تحدد لنا أسس الفعل الأخلاقي و دوافع الممارسات الأخلاقية بدون إهمال لأي دافع. • طبيعة الأخلاق قبل البحث عن نظرية شاملة للأخلاق نحتاج لتحديد طبيعة الأخلاق أولا .. فهناك أربع ممكنات لطبيعة الأخلاق : 1- أن تكون الأخلاق إلهية 2- أن تكون الأخلاق طبيعية 3- أن تكون الأخلاق إجتماعية 4- أن تكون الأخلاق فردية # هل الأخلاق إلهية ؟ لو قلنا أن الأخلاق إلهية فهذا يعني أن الله هو من أبدع الاخلاق و أهداها للإنسان و أن الله شخص طيب بطبيعته و لكنه خلق الإنسان بإرادة حرة ليفعل الخير او الشر. اتساءل لماذا ليس لله إرادة حرة هو الآخر ليفعل الخير او الشر و كيف يكون إلهنا مسير و نحن مخيرين, و أتساءل أيضا لماذا لم يخلق الله الإنسان طيب بطبيعته مثله و مثل الملائكة, و أتساءل إذا كان الله مالئ الكل و كل الوجود فمن أين أتى الشر !! تلك تساؤلات صعبة ولا أعتقد أن لها حلا و لكن لو فرضنا أن الله هو مخترع الأخلاق فبالتالي ستكون الأخلاق ثابتة و مطلقة مثل الله و لكن يحق لنا أن نسأل أيضا : هل الله شخص أخلاقي ؟ الإله في كل الأديان هو القاضي و المحامي و الجلاد. هو من يقرر إذا كان الشخص يستحق أو لا يستحق دخول المكان الرائع بعد الموت سواء كان جنة أو ملكوت او غيره, الإله هو من يقرر إذا كان الشخص أخلاقيا أم لا. لكن إذا كان الإله هو الحكم الوحيد على كل البشرية و لا راد لحكمه فهل هو شخص اخلاقي أم أنه يحكم على البشرية بما لا يفعله ؟ يعني إذا كان الله غير أخلاقي فلا يحق له محاكمة احد فضلا عن محاكمة كل البشرية. القاعدة المنطقية هي أن السلطة مفسدة و السلطة المطلقة مفسدة مطلقة, و هذا يعني أن شخص مثل الله لديه كل الحرية لفعل أي شيء هو أكثر المعرضين للإفساد, سأشرح بمثال : لو إمتلك أي واحد منا “طاقية الإخفاء” حتى أنه يستطيع أن يختفي و يذهب لأي مكان دون أن يراه أحد, ماذا سيفعل بهذة القدرة الخارقة ؟ أتصور أن هناك من سيسرق بنكا مستغلا إختفاؤه .. و آخر قد يتلصص على الفتيات أو حتى يغتصبهن .. و آخر سينتقم من أعداؤه شر إنتقام .. لكن فقط الشخص الاخلاقي هو من سيستغل تلك القدرة في اللهو الذي لا يؤذي أحدا و ربما لفعل بعض الخير أيضا. الكلام هنا عن قدرة واحدة بسيطة مثل القدرة على الإختفاء فما بال المرء بمن يمتلك كل القدرات و كل الحريات و كل السلطات التي يمتلكها الله. يعني لكي يفهم المرء مثل هذة الحالة عليه أن يتخيل إنسانا هبطت عليه قدرات الله فجأة .. لكن إله الأديان هو إله بقدراته و ليس إلها بأخلاقه. إله بقدراته لأنه يستطيع أن يفعل كل شئ و لكنه ليس إلها بأخلاقه لأنه لا يمتنع عن فعل بعض الأشياء التي يستطيعها. هو قد يضر الكثير من الناس و يؤذيهم بطريقة عشوائية من خلال الكوارث الطبيعية بل و يميت الكثير من الكائنات الحية يوميا و حتى حين ينفع بعض الناس فهو ينفع الناس المقربين له من الذين ينافقونه و يمدحونه و يتزلفون له. يعني حتى حين يستغل قدراته لفعل الخير فهو يقوم بذلك مدعما سلطانه و سلطان من يدينون له بالولاء و هذا يسمى عند البشر : سوء إستغلال للسلطة. أما كسره لقوانين الطبيعة من اجل خاطر من يصلون له أو يترجون منه فهذا يسمى غش و عدم إحترام لقواعد لعبة الحياة التي وضعها بنفسه. ثم إن الإله لا يعاني من شيطان ليغويه لانه يفوق الشيطان قوة و لا يعاني من ضعفات و لا فساد طبيعه ورثها من والديه و لا من ظروف معيشية قاسية. إن الإله بحسب الأديان شخص مرفه مدلل لا يلتزم بأي معايير أخلاقية يضعها لنفسه و يستغل قدراته في الضرر و الإيذاء أحيان كثيرة و يسيء إستغلال سلطاته و قدراته و كل هذا لا يجعله شخصا أخلاقيا, و بالتالي فإن فاقد الشيء لا يعطيه. و هذا يعني أن الإله لا يمكن أن يكون هو مصدر الأخلاق لأنه فاسد أخلاقيا بحسب القصص الدينية عن ممارساته و سلوكه. و حتى بحسب اللاهوت أو الموضوع الذي يبحث في صفات الإله – لا يمكن أن نسميه علما – فإن الإله ليس أخلاقيا لأن سلوكه هو سلوك طبيعي خاضع لطبيعته اللاهوتية الخيرة .. المفروض أن الملائكة لا تخطئ و لكن سلوكها لا يعد أخلاقيا لانها لا تتصرف وفق إرادة حرة بل وفق طبيعة ملزمة لها في تصرفاتها. بنفس المنطق أيضا لا يعتبر الإله في البحوث اللاهوتية هو شخص أخلاقي لانه يتصرف وفق طبيعته الإلهية الخيرة و ليس وفق إرادة حرة لها القدرة على الإختيار. عموما الإله يبدو كما لو كان ملك الملائكة أي أنه من صنف الملائكة و أقول يبدو لأن المؤمنين بالآلهة و الملائكة ينكرون ذلك بل و يصعب عليهم التفريق بين صنف الآلهة و صنف الملائكة. الكائن الحي الوحيد القادر على إتيان فعل أخلاقي هو الإنسان و ذلك لانه هو الوحيد القادر على مخالفة طبيعته أو تجاوز سلوكه الإفتراضي. مثلا لو إفترضنا أن السلوك الطبيعي للام هو أن ترعى أبنائها فنحن نرى أن هناك امهات قد تؤذي أطفالها و يعتبر هذا سلوك شرير لو حدث بوعي و إرادة و هكذا يكون رعاية الأمهات لاطفالها هو سلوك إختياري تحمد عليه الأمهات و يعتبر سلوكا فاضلا. الإنسان قادر على فعل الخير لأنه قادر على فعل الشر أيضا فالضد يوضح ضده أما الإله في البحوث اللاهوتية فهو قوة خيرة بطبيعتها مما يعني بأنه غير قادر على إتيان الشر و بالتالي هو ليس خيرا بوعي و إرادة حرة. بعكس الإله الديني مرتكب المذابح و المحرض على القتل و القتال فهو سيء الخلق بوجه عام. و هكذا رغم الطبيعة المتناقضة للإله بين الدين و اللاهوت فهو كائن غير أخلاقي في الحالتين. على كل حال اللاهوت متناقض أيضا فيما يخص الأخلاق, يعني لو سئل سؤال : هل الله اخلاقي ؟ لما خرج الجواب عن ثلاثة إحتمالات .. 1- ان الله أخلاقي و بالتالي فهو خاضع للمعايير الاخلاقية الموضوعية و هكذا لا يكون إلها لأنه خاضع مثلنا. 2- أن الله غير أخلاقي و في تلك الحالة لا يكون إلها لان الإله من المفروض انه كامل. 3- إن الله هو الأخلاق نفسها و هكذا لا يكون شخصا بل معنى لأن الخير أو الحب ليسوا شخوصا بل معاني. في كل الإحتمالات اللاهوتية لا يمكن أن يكون الله إلها و أخلاقيا في نفس الوقت. # هل الأخلاق طبيعية ؟ إن السؤال عن السلوك الطبيعي هل هو أخلاقي أم لا يحيلنا لسلوكيات الحيوانات, و هل هناك سلوكيات طبيعية مثل سلوك الحيوانات ؟ الحيوانات فقط هي التي تسعى في الأرض على طبيعتها و كما ولدتها أمهاتها ماعدا الحيوانات الأليفة و المستأنسة و التي علمناها بعض حيلنا الأخلاقية. مثلا : - هل إفتراس الأسد للغزال هو عمل فاسد او سلوك غير أخلاقي من الأسد ؟ لا, لأن الأسد تنقصه الإرادة الحرة و الوعي بالأخلاق و الفضائل .. - هل رعاية القطة لأطفالها هو عمل أخلاقي او سلوك فاضل من جانب القطة ؟ لا, لأن القطة تنقصها الإرادة الحرة و الوعي بالأخلاق و الفضائل .. إذن السلوك الطبيعي الغير واعي و اللاإرادي لا يمكن أن نعده سلوكا اخلاقيا و ذلك لأنه سلوك جبري و الجبر يعفي صاحبه من الأخلاق لأنه بلا حيلة و لا يستطيع أن يكون أو لا يكون أخلاقيا وفق إرادته فهو بلا إرادة أصلا. # هل الأخلاق إجتماعية ؟ لو فرضنا أن الأخلاق إجتماعية فيكون الوالدين هم من ينقلوا إلى الأبناء تشريع الأخلاق، لأن الطفل أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان؛ فهو يتلقى إنسانيته شيئاً فشيئاً كلما تلقى جانباً من التراث الخلقي والعقلي الذي خلفه له أسلافه. و هذا يعني أن الأخلاق نابعة من الوسط الذي يعيش فيه الفرد ويتفاعل معه فالاخلاق ظاهرة اجتماعية و الفرد ليس مؤهلا لصنع القيم الخلقية لانها ناشئة من الوجود الاجتماعي أي منبثقة من الضمير الجمعي وهو عبارة عن عادات وتقاليد يساهم الافراد في صنعها وهذا ما يؤكد عليه الفيلسوف الفرنسي دوركايم قائلا أن الاخلاق تنظيم اجتماعي فما يصح في المجتمع لايصح في مجتمع اخر و حينما يتكلم ضميرنا فالمجتمع هو الذي يتكلم فينا و هذا هو مفهوم الخير و الشر الذي يتلقاه الانسان من مجتمعه. يوافقه الفيلسوف ليفي برول قائلا النقطة الرئيسية هي ان الحقيقة الخلقية يجب ان تدرج منذ الان فصاعدا في الطبيعة الاجتماعية للافراد .معنى ذلك ان الاخلاق لاتدخل في مكونات الطبيعة انما هي ظاهرة ثقافية شكلها عبر سنين التجربة الاجتماعية . لكن إذا كان الإنسان الفرد حيوان غير أخلاقي فكيف إذن أقام المجتمعات التي رسخت فيه الميل الأخلاقي ؟ إن المجتمع لم يستطع ان يجعل كل أفراده يتصرفون بذات الطريقة لأن هناك فردانية و تلك الفردانية هي التي تجعل الناس تتصرف بطرق مختلفة في الخير و طرق مختلفة في الشر أيضا. فلو كان المجتمع قد إستطاع هداية سلوكنا و توجيه حريتنا لما كانت هناك مشاكل أخلاقية و لما كنا نتكلم عن القيم الأخلاقية الآن. الحقيقة أن الطبيعة تدفعنا لبعض السلوكيات الجيدة كما تدفعنا لبعض العنف و الكراهية و السلوكيات البغيضة أيضا كما أن المجتمع يدفعنا غالبا لسلوكيات جيدة و لكنه يدفعنا احيانا لبعض السلوكيات الخاطئة و الإجرامية ايضا. و نحن من نختار. نحن من نقرر أي السلوكيات تناسبنا و تناسب أخلاقنا .. ثم إن الحوافز الإجتماعية لا تصنع اخلاقا لأن الاخلاق لا تقوم على الحوافز المادية أو النفسية, يجب ان تكون هناك إرادة خيرة من داخل الإنسان الفرد كما قال كانت لكي يقوم بعمل الخير لأن صانع الخير إنما يقوم به رغم الظروف السيئة و رغم إنتشار الرذائل بين الناس و كلما صعبت الظروف و إنتشرت الرذائل كلما إحتاج الأمر لإرادة أقوى من إنسان فاضل لكي يقوم به. لكن أفضل ما يستطيع المجتمع فعله هو أن يرسخ عند الناس المعرفة الأخلاقية و تلك مهمة يستطيع المجتمع أن يقوم بها فعلا, و ليس المقصود هنا هو المجتمع الوطني بل العالمي. الكلام هو عن مشروع أخلاق ديموقراطية موضوعية عالمية يتعلمها كل الناس بحيث تعفي الأفراد من البحث في أسس الأخلاق و جدواها و نظرياتها و تكون المعرفة الأخلاقية متاحة لكل الناس. الأعلان العالمي لحقوق الإنسان يعتبر أول مشروع أخلاقي عالمي لتعليم الناس أسس الأخلاق السليمة و طبعا هذا لم يجعل كل الناس أخلاقيين لأن معرفة الخير و الشر ليست هي المعضلة الأخلاقية كما كان سقراط يظن بل قوة الإرادة فينا هي التي تجعلنا أخلاقيين. الكثير منا يعرف الفرق بين ما هو خير و ما هو شر و لكن ليس الكثيرين يقومون بفعل الخير حقا. إذن فالأخلاق ليست سلوكا إلهيا .. و هناك سلوك طبيعي يتسم بالخير و لكنه لا يعد أخلاقيا لانه يفتقر للإرادة الحرة, و هناك سلوك إجتماعي يتسم بالخير و لأن منبعه من خارج الإنسان الفرد.و مع ذلك لو قلنا أن الأخلاق فردية فقط فسنتجاهل السلوكيات الخيرة الإجتماعية و الطبيعية. في الواقع هناك اخلاق طبيعية يمكن التحكم فيها لو تحكمنا في الجينات و الظروف الطبيعية عموما و هناك أخلاق إجتماعية نستطيع أن ندعمها بالحوافز و القوانين و هناك أخلاق فردية يستطيع أن يختارها كل فرد بنفسه و هي ذروة الأخلاق. إذن فالأخلاق طبيعية و إجتماعية و فردية و ليست إحداهم فقط .. • حرية الإرادة : هل الإنسان مخير أم مسير ؟ مسألة الإرادة الحرة تناقش ما إذا كان شخصاً واعياً يملك تحكم كامل في قراراته وتصرفاته. تناول هذه المسألة يتطلب فهم العلاقة بين الحرية والسببية، وتحديد ما إذا كانت الأحداث في الطبيعة حتمية بسبب حدث آخر. الحتميون يقولون أن أحداث الكون حتمية الحدوث، وهذا يجعل من المستحيل أن يكون هناك إرادة حرة. أشد مناصري الحتمية السببية هو العالم لابلاس. الحتمية السببية هي أطروحة أن الأحداث المستقبلية هي نتيجة لأحداث الماضي والحاضر معاً وفقا لقوانين الطبيعة. يمكن توضيح فكرة الحتمية من التجربة الفكرية "شيطان لابلاس". والتي يتخيل فيها كيانا افتراضيا ما يعرف كل الحقائق عن الماضي والحاضر، ويعرف كل القوانين الطبيعية التي تحكم الكون. كيان من هذا القبيل سيكون قادرا على استخدام هذه المعرفة لتوقع المستقبل بأدق التفاصيل. الحرية النظرية هي الحرية المطلقة و هي شيء نظري غير قابل للتحقق أبدا، وبهذا المعنى يقول أندري لالاند: "إن فكرة الحرية المطلقة التي يمكن أن ننعتها بالميتافيزيقية، وخاصة في تعارضها مع الطبيعة تقتضي وجود فعل إنساني محرر من جميع العلل" .. و طبعا هذا مستحيل. نستنتج من هذا أن الحرية المطلقة هي القدرة على الفعل أو الامتناع عن الفعل في استقلال عن الإكراهات الخارجية والداخلية ( أفكار وغرائز وعادات ) و يمكن تسميتها أيضا بالحرية المستحيلة. أما الحتمية فهي الضرورة أو الإكراهات الخارجية والداخلة أو هي الخضوع لقوانين ومعطيات ومحددات وعلل كيفما كان مصدرها. هل تلغي العلوم البحتة (الفيزياء و البيولوجيا و .. ) الحرية و تنتصر للسببية ؟ هل يلغي التحليل النفسي الحرية و ينتصر للسببية إنطلاقا من مفهوم اللاشعور او اللاوعي؟ سبينوزا يقول أن الرغبات والجهل هي سبب اعتقاد الإنسان بأنه حر, و رونوفيي يقول أن حرية الإرادة هي اعتقاد الإنسان امتلاكه القدرة على الفعل كما لو أن أفعاله الصادرة عن وعيه لا يوجد ما يحددها سلفا بما في ذلك وضعيته قبل الفعل, فهل حقا نحن مسيرين أو مجبرين على السلوك بالطريقة التي نسلك بها ؟ هناك فلاسفة انتصروا للحرية الإنسانية ضد الحتمية: جان بول سارتر: يوجد الإنسان أولا ثم يختار ماهيته التي تتميز بالتغير وفق اختياراته التي لا تنتهي، لذلك يعرف الإنسان بأنه ما سوف يختاره، ما سوف يكونه وليس بما هو عليه فعلا, بإختصار: وجود الإنسان يسبق ماهيته. ميرلوبونتي: نوجد أولا في وضعية ما لا نختارها هي الوضعية التي نرثها لأسباب تتجاوز قدراتنا، لكن بعد ذلك لا نظل مكتوفي الأيدي أو سلبيي الإرادة، بل إننا نختار اتجاه أو اتجاهات أخرى غير تلك التلقائية التي وجدنا فيها، وهذا الاختيار انطلاقا من تلك الوضعية الأولية يعبر على أننا أحرارا لا نقبل بالوضعية المعطاة. فالإنسان ليس ميكانيزما ميكانيكيا بسيطا يمكن برمجته، إنه على العكس من ذلك عقدة علاقات. مونيي: يقاوم الإنسان ضغوطات وعوائق وضرورات تفرضها الحياة لأنه كائن واعي وقادر على مواجهة وضع ما وتحديه، وفي هذا المواجهة وعبر هذا الجهد المبذول يؤكد الإنسان حريته. عموما من الصعب تقديم برهنة على وجود الحرية فلقد اتجه مجموعة من الفلاسفة إلى الخبرة والتجربة والحياة كمجال لإثبات وجودها" ديكارت: حجة الانتباه تعرف حرية الإرادة بدون حجج، تعرف بواسطة التجربة التي نمتلكها عنها: فالانتباه هو حجة وجود حرية الإرادة، نعيش في وعينا تجربة حرية الإرادة اللامحدودة، يمكننا أن نرفض أمرا لإبراز قوة حرية إرادتنا، فلاشي يجبرنا على قبول بداهة واضحة ومتمايزة مثل "أنا أفكر إذن أنا موجود"، أملك الحرية لكي لا أعيرها انتباهي. ليبنتز: الإحساس الحيوي ما يؤكد على وجود حرية الإرادة هو الإحساس الداخلي الحيوي لحرية الإرادة: الحجة هي كوننا نعيشها بقوة كإحساس مسيطر. مين دو بيران:الجهد العضلي ما يدل على وجود حرية الإرادة هي تجربة الجهد العضلي: أرفع كرسيا إلى الأعلى فأحس بألم في ذراعي ورغم ذلك يمكنني إن أردت الاستمرار في بذل الجهد فأنا لست فقط جسما منقبضا ومتألما ولكنني إرادة متفوقة على الجسم تستمر في بذل الجهد رغم الألم. بوسيي: الفعل المجاني الفعل المجاني أو الفعل الذي لا بواعث له ولا أسباب ولا دوافع هو حجة على وجود حرية الإرادة: فلكي نحس بحرية إرادتنا يجب أن نبرهن عليها بفعل نقوم به بدون سبب أو داع أو باعث. مثال من رواية اندري جيد "أقبية الفاتيكان" مسافر يجد نفسه في مقصورة مع عجوز فتخطر له فكرة قتله بدون سبب، فيقر أن يعد من 1 إلى 12: فإذا لم يبصر ضوءا في الطريق قبل إنهاء العد يتراجع عن فكرة القتل، وإذا أبصر ضوءا في الطريق قبل إنهاء العد يقتله اعتراضات: سبينوزا: وهم حرية الإرادة ناتج عن الوعي بفعلنا مقرونا بجهل الأسباب التي تتحكم في وتحدده. بالطبع لو كان كل إنسان مجبر على السلوك بطريقة حتمية فهو إذن معفي أخلاقيا بحيث لا يمكن محاسبته على أي تصرف شرير يقوم به و لكن تعريف الحرية أو طريقة فهم الحرية من الممكن أن تكون هي السبب في جعل تحقيق الحرية مستحيلا. يعني بإختصار أن يكون الإنسان حرا حرية مطلقة هو أمر مستحيل الحدوث : الصفات الوراثية و البيئة يجبران الإنسان على أن يكون شخصا بعينه لحد كبير و بالتالي الحرية يجب أن تكون نسبية لكي يمكن تحقيقها. يقول كورليس لامونت الفيلسوف الإنساني الكبير : حرية الإرادة تعلن دائما بانها “الحرية ضد الجبرية.” لكن في الحقيقة فإن الحل لتلك المشكلة يجب أن يدرك أن في عالمنا المركب هذا فإن السؤال هو عن "الحرية و الجبرية". الجبرية, القانون الصارم للسبب و النتيجة ليس قانونا كلي القدرة, الحظ و الحرية الإنسانية كليهما من الممكن أن تتخلله. سيارتك تدور من خلال الطريقة الجبرية, لكن أنت و ليس السيارة الذي تقرر إلي أين الذهاب. أنا أؤكد على مبدأ حرية الإختيار لأنه إذا كانت الجبرية هي التي تحكمنا بالكامل لكنا مجرد بشر آليين و الأخلاقيات من أي نوع ليس لها معنى. إذا كان ما نقرره و نفعله, ما هو طيب و ما هو ردئ تم تحديدهما بواسطة سلسلة لانهائية من السبب-النتيجة, بالإمتداد بعيدا للخلف في مجرى الزمن, سنكون بهذة الطريقة فاقدين لأي مسئولية أخلاقية. تمجيد الأفعال الطيبة و لوم الأفعال السيئة سيكون بلامعنى. الحل إذن أننا مجبرين جزئيا و أحرار جزئيا .. و لكن هل هناك دليل على ان السلوك الطبيعي يمكن ان يكون عشوائيا و بلا سبب ؟ هناك بالفعل هذا الطرح من خلال ميكانيكا الكم : ميكانيكا الكم نظريّة فيزيائية أساسية، جاءت كتعميم وتصحيح لنظريات نيوتن الكلاسيكية في الميكانيكا. وخاصة على المستوى الذري ودون الذري. تسميتها بميكانيكا الكم يعود إلى أهميّة الكم في بنائها(وهو مصطلح فيزيائي يستخدم لوصف أصغر كمّية يمكن تقسيم الإشياء إليها، ويستخدم في للإشارة إلى كميات الطاقة المحددة التي تنبعث بشكل متقطع، وليس بشكل مستمر). كثيرا ما يستخدم مصطلحي فيزياء الكم والنظرية الكمومية كمرادفات لميكانيكا الكم. وبعض الكتّاب يستخدمون مصطلح ميكانيكا الكم للإشارة إلى ميكانيكا الكم غير النسبية. تقوم النظرية الكمومية بتقديم تصور غريب عن العالم الذري ودون الذري يصدمنا ويبعدنا عن كل ما الفناه في الواقع الحياتي وما تقدمه الفيزياء الكلاسيكية من تصورات. لكنها بالرغم من كل ذلك تنجح إلى حد بعيد في تفسير حقائق العالم دون الذري وتعزز صحتها يوما بعد يوم بتقديم تنبؤات غريبة لكن كل التجارب العلمية تأتي فيما بعد لتؤكد هذه التنبؤات. كل هذا أدخل ميكانيكا الكم في عمق نقاشات فلسفية حول طبيعة ما تطرحه ومدى قربه من الحقيقة، حتى أن ميكانيكا الكم طرحت نفس قضية الحقيقة كموضع سؤال، ومن أهم هذه المناقشات والتجارب الفكرية : قطة شرودنغر وصديق فاغنر. لقد قدمت عدة وجهات نظر لتفسير نتائج واستنتاجات النظرية الكمومية : أول هذه النظريات يعرف بتفسير كوبنهاجن ويعود بشكل أساسي إلى بور وزملائه، الذين يؤكدون أن الطبيعة الاحتمالية (بالإنجليزية: probabilistic) لتنبؤات نظرية الكم لا يمكن تفسيرها بأي نظرية حتمية (بالإنجليزية: deterministic) أخرى، وهي صفة أصيلة في الطبيعة التي نعيش بها وليست نتاجا لنقص في المعرفة والمعلومات نعاني منه. باختصار النظرية الكمومية ذات طبيعة احتمالية لأن الطبيعة ذات طبيعة احتمالية أساسا فما تفعله النظرية الكمومية هو تصوير الأمر كما هو. على الطرف الآخر وقف أينشتاين أحد مؤسسي الكمومية ليعلن رفضه للاحتمية الكمومية التي تنشأعن احتمالية القياسات، قائلا (إن الإله لا يلعب النرد (بالإنجليزية: God doesn’t play dice)). كانت هذه العبارة الشهيرة بمثابة رفض قاطع لفكرة ان تكون للطبيعة أصالة احتمالية، مرجحا فكرة ان هناك نقص في المعلومات المتوفرة لدينا يؤدي إلى تلك الطبيعة الاحتمالية للنتائج وعليه فنظرية الكم ناقصة ينبغي اكمالها عن طريق تعويض النقص بالمعلومات وهو ما دعاه بالمتغيرات الخفية (بالإنجليزية: hidden variables) فعن طريق هذه المتغيرات يمكن صياغة نظرية كاملة ذات طبيعة حتمية. ظهرت بعد ذلك بعض التفسيرات التي تضاهي بغرابتها نتائج ونبؤات الكمومية مثل نظرية العوالم المتعددة لايفريت، حيث تقول هذه النظرية بأن جميع الاحتمالات التي تطرحها نظرية الكم تحصل فعليا بنفس الوقت في عدد من العوالم المستقلة المتوازية. وبالتالي يكون الكون المتشعب حتميا في حين أن كل كون فرعي لن يكون الا احتماليا. هناك أيضا تفسير بوم يعود إلى ديفيد بوم ويفترض وجود دالة موجية عالمية غير محلية تسمح للجزيئات البعيدة بأن تتفاعل مع بعضها بشكل فوري. اعتمادا على هذا التفسير يحاول بوم أن يؤكد أن الواقع الفيزيائي ليس مجموعة من الجسيمات المنفصلة المتفاعلة مع بعضها كما يظهر لنا بل هو كل واحد غير منقسم ذو طبيعة حركية متغيرة دوما. بالطبع فإن وجود العوالم المتعددة هو أصعب على التصديق من نظرية الإحتمال اللاحتمي, و على كل حال فعالمنا في النهاية هو إحتمالي سواء كان هناك عوالم أخرى متشابكة أم لا. إذن فقوانين الإحتمال اللاحتمية هي التي تحكم ميكانيكا الكم و بالتالي الكون كله في الحالة الذرية ودون الذرية و طبعا هذا يعني أن السببية ليست هي أساس الإرادة بالضرورة بل إن هناك عشوائية لا بأس بها في إتخاذ القرارت الأخلاقية و غير الأخلاقية. على كل حال أريد أن أؤكد أن الإرادة الحرة لا تعني بالضرورة الإرادة المزاجية او العشوائية أو المعاندة للسبب و الحتمية, يعني إستيعاب الحتمية السببية و قبلولها هو جزء من إرادة الإنسان .. مثال : الجوع غريزة طبيعية و البحث عن الطعام سلوك طبيعي و لكننا لو إستوعبنا هذا السلوك و قبلناه في إرادتنا الحرة ثم رشدناه و وجهناه لكان هذا أكبر إنتصار لإرادتنا الحرة. صحيح أن الجوع هو أمر نحن مجبورين عليه و لكن شكل الإستجابة و نوعية الطعام و كميته و طريقة الطهي و .. ألخ هي أشياء نستطيع أن نحددها نحن و ننتصر فيها لإرادتنا الحرة الوليدة. و في النهاية نحن مجبرين جزئيا بالفعل و لكننا لسنا مجبرين بشكل مطلق بل إننا نستطيع أن نوسع من هامش الحرية المتاح لنا من خلال تقوية إرادتنا و الإصرار على إختياراتنا الأخلاقية رغم الظروف المعاكسة التي ترسخ الحتمية فينا. |