نادي الفكر العربي
العقــل الأسيــر . - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+--- الموضوع: العقــل الأسيــر . (/showthread.php?tid=3909)

الصفحات: 1 2


العقــل الأسيــر . - بهجت - 08-01-2008


( 1 من 2 )
" إذا بحثت شعوب الأرض جميعا عن وطن واحد يضمها بلا تفرقة و يسعهم لهم بلا حدود ، كان هذا الوطن هو الحرية " . برتراند راسل .


لم أنكر يوما افتناني بالحضارة الغربية و قيمها العلمانية ، و لكن هذا الحب لم يكن أبدا ذلك العشق الأعمى ، بل هو الحب المبصر الذي يدرك أن المحبوبة ليست بريئة تماما ، و أن لديها سجلها الإجرامي الخاص ، فالحضارة الغربية لم تكن أبدا مبرئة من الشوائب و العيوب ، علينا بداية أن نتفق أنه ليس كل ما هو موجود في الغرب بالضرورة حضاري ، و أن الحضارة الغربية ليست كما واحدا ، بل هي كتلة من المتناقضات ، و القيم الغربية ليست كلها حضارية ، بل أقلها كذلك ، فالغرب الذي أعطى للإنسان حقوقا أصيلة و حقيقية لأول مرة في التاريخ ، قصر هذه الحقوق غالبا على مواطنيه ،و الغرب الذي صنع لنا كل تلك الأدوات التي طورت نوعية الحياة على ظهر الأرض ، هو الذي صنع القنابل الذرية وألقاها على البشر في اليابان ،و مارس الحرب الكيماوية و البكترولوجية . و الغرب الذي حرر فرنسا و بلجيكا و هولندا من محتليها هو الذي دمر فيتنام و احتل العراق و يدعم البغي الصهيوني .
بالإضافة إلى ذلك هناك دائما محاولات محمومة لتوظيف الفكر الغربي حتى العلمي و الأكاديمي من أجل أغراض سياسية ،وبأساليب متنوعة . هذا الاتجاه لتزييف العلوم الإنسانية أصبح سافرا في السنوات ال 30 الأخيرة نتيجة لتوظيف استثمارات هائلة في مجال البحث العلمي الموجه سياسيا . و لا نغفل الجهود الصهيونية لإعادة طرح التاريخ البشري كله من منظور توراتي مقنع بل و سافر أحيانا ، ولو استطردنا في ذلك لحولنا الموضوع كله عن هدفه . و لكن هذه الحقيقة لا يجب أن تصرفنا عن الثقافة العالمية المعاصرة ،و لا أن نتقوقع على تراثنا الميت نبكيه ، بل على النقيض علينا أن نبذل جهدا خارقا كي نتواصل مع هذه الثقافة العالمية بشكل فعال ، و أن يكون لنا كلمتنا على الأقل فيما يخصنا نحن ، و علينا ان نعرف انه لا يمكن كسب السباق بالخروج منه عند أول منحنى .
الحضارة الغربية بالقطع هي أكثر الحضارات دموية في التاريخ البشري و من أشدها تعصبا و استعلاء ، هناك قليلون من أصحاب الضمير يمكنهم نسيان كيف أحال الأوربيون إفريقيا – الموطن الأصلي للجنس البشري - إلى غابة كبيرة يصطادون منها البشر ، ثم يصدرونهم إلى مستعمراتهم في العالم الجديد كعبيد ، هناك قليلون ينسون فرض تجارة الأفيون على الصينيين ، و جرائم الفرنسيين في الجزائر ، و مجازر الإنجليز في الهند ،و القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على هيروشيما و نجازاكي في اليابان .
إن أكثر الهنود تسامحا لا يستطيع نسيان مقتل 379 من الأبرياء العزل الذين اجتمعوا للإحتجاج بشكل سلمي يوم 13 إبريل عام 1919 في مدينة أمريتسار ، ولا يستطيع المصري نسيان الأبرياء من ضحايا دنشواى و قتل الأسرى في سيناء بدم بارد ، بل و هل يستطيع الفيتناميون نسيان مئات الألوف من ضحايا الغارات الجوية الأمريكية ، أكثر من ذلك ربما تقودنا الذاكرة إلى الحروب الصليبية ،و يتذكر البعض منا كيف نحر الصليبيون أكثر من 70 ألف مسلم في يوم واحد عندما دخلوا القدس في 14 يوليو عام 1099 تقربا للرب .
رغم هذا فإن أسوأ ما فعله الغربيون ليس فقط الإستنزاف الإستعماري للعالم القديم ، و لكنه إذلال الشعوب الشرقية و قتل روحها القومية ، و حرمانها من الفخر و الإحساس بالعنفوان و الزهو ، فالسلوك الإستعماري كان دائما سببا في توليد شعورا قويا بالمهانة ،و عبئا ثقيلا من الإحساس بالدونية ، فالشعوب يمكنها العيش بقليل من الغذاء و لكنها أبدا لا تعيش بلا كرامة و بلا تاريخ يزينه أجداد تفخر بهم ، إن تأثير العامل المعنوي الذي يشكل موقف المسلم أو الهندوسي و البوذي من الغرب ، لا يقل بحال عن تأثير النفوذ السياسي و الإقتصادي غير العادل للغرب اللذي فرضته الحقبة الإستعمارية .
هكذا نجد أن الموقف المعادي الذي يتخذه البعض من الغرب ليس متجنيا و لكنه مبرر أخلاقيا تماما ، فقط سوف أردف قائلا أنه رغم ذلك سيكون موقفا خاطئا ، لأنه يعني أن يعيش الإنسان في الماضي و يستغرق فيه ، و سيكون ذلك على حساب الحاضر الذي تفسده المرارة و الكراهية ، كما سوف يدفع ثمنه من فرص المستقبل الذي يتسرب من بين يديه دون أن يشعر ، بينما عقله و قلبه مثبتان في حقبة تاريخية بعينها قد تجاوزها الزمان ، و في مثل هذه المواقف أتذكر دائما قول برنارد شو :" ذلك الذي يقتل الملك ،و ذلك الذي يموت من أجله ،كلاهما عابد أصنام " ، وهذه ليست مبالغة لأن كلاهما سيعيش مستغرقا في مشاعر الحب أو الكراهية تجاه هدف واحد فقط .
بمكننا أن نطلق تعبير (العقل المستعمَر) على ذلك العقل المتهووس دائما بالعلاقة الإرتجاعية بالقوى الإستعمارية الغربية و جرائمها ضد الشعوب الشرقية ، مثل هذا العقل سوف يجد صعوبة مستمرة في إدراك الذات بشكل سليم ، لأن هذا ( الإدراك الإرتجاعي) للذات ينشأ فقط خلال الإستحضار الإنفعالي للعلاقات التاريخية المجحفة بالغرب ، و بالتالي فمثل هذا العقل لن يدرك وجوده التاريخي الفريد في هذا الكون سوى كمجرد ضحية لآخر هو الغرب ، هو لن يدرك معجزة الحياة و فرصها و تحدياتها ،و بالتالي لن يدرك كم هو كإنسان متفرد عظيم و نادر و ثمين ، ولن يرى نفسه سوى قطرة من بحر الكراهية و الإنتقام ، و كي نوضح فكرة إدراك الذات الإرتجاعي ، نضرب مثلا يختص بتفسير ماضي المسلمين و بالتالي إدراك الهوية الإسلامية ، فالمسلم الحديث يقع تحت تأثير إنطباع طاغ بأن العلوم هي نتاج مادية الغرب ، لهذا يختار المسلمون ساحة أخرى لمنافسة الغرب ، و ذلك بتعزيز أفضلية المسلمين في الأمور الروحية و الدينية ، فالقوميات المعادية للإستعمار الغربي مثل تلك الإسلامية و الهندوسية و البوذية ، بدأت وقبل صراعها السياسي الطويل مع المحتل الغربي في خلق مجال نفوذها الخاص ، و ذلك بتقسيم العالم إلى عالم مادي يتعلق بالإقتصاد و السلاح و العلوم و التكنولوجيا ، و في هذا المجال يعترفون بتفوق الغرب الكاسح ، و حتمية تقليد الغرب في هذه المجالات الحيوية ، في المقابل فهناك المجال الروحاني ، حيث يتفوق الشرق و خاصة المسلمون كما يعتقدون في أنفسهم ، و كلما نجح الفرد أكثر في تقليد الغرب في المجالات المادية، كلما ازدادت حاجته للتمسك بالجوانب الروحية للحفاظ على الهوية المحلية من الضياع و الذوبان في الآخر ، و مع رفض الغرب الإعتراف بدور المسلمين و الهندوس و غيرهما من الشعوب الشرقية في صناعة الحضارة المادية ، نما الإتجاه بين المسلمين للتمسك بالثقافات الغيبية و تنظيمها و ترسيخها ، هذا التركيز الإنتقائي على الجوانب الروحية دون المادية ساهم - في جانب منه- في تقديم تعويض معنوي مؤثر لموازنة تخلف المسلمين ، و لكنه يسلم بتجاهل جزء هام جدا من ميراث العرب في العلوم و الرياضيات و الفنون ،و قد أدى هذا الموقف إلى ترسيخ الإحساس بين المسلمين – كغيرهم من شعوب شرقية عديدة – بأنهم يتميزون بهوية روحية خاصة و أنهم ( الآخر ) في هذا العالم ، و هكذا وجدنا العديد من الإتجاهات الإحيائية التي انخرطت في جهود عنيفة من أجل إعادة تعريف الذات ،و استكشاف الهوية الإسلامية الخاصة و تحديد ملامحها ، مثل الحركات الوهابية و المهدية و الإخوان المسلمين و الجماعات الجهادية ، و بالرغم أن تلك الجهود تهدف أساسا إلى مفارقة العصر الإستعماري و محو أثاره ، إلا أنها تعتمد في الأساس على الأفكار الغربية و لكن في شكل سلبي ، و هذا الموقف خلق ما يمكن أن نطلق عليه ( العقلية الأسيرة ) ، هذه العقلية التي سبق أن وصفناها ب (العقل المستعمَر) تقود المسلمين إلى إدراك الذات بشكل إرتجاعي ضيق و مشوه شديد الضحالة و التحيز ، إن هذه الطريقة الإنفرادية من التفكير يمكن أن تؤدي إلى نتائج متعددة ، رغم أنها تقوم على التركيز على فترة تاريخية واحدة و اعتبارها محور الوجود الإنساني ، مثل هذا العقل كما أوضحنا سوف يجد صعوبة مستمرة في إدراك الذات بشكل حضاري منفتح ، و ذلك كله يؤدي إلى آثار شديدة الوطأة على عالمنا المعاصر ، يدفع المسلمون ثمنه بالأساس ، سواء في تخلفهم و ضياعهم الفكري أو المادي على السواء .


العقــل الأسيــر . - حمزة الصمادي - 08-01-2008

متابع بشوق

استاذ بهجت :wr:


العقــل الأسيــر . - بهجت - 08-04-2008

( 2 من 2 )
" إني لا أتحدث نيابة عن الهندوس ،و لكن عن الملايين الصامتين الكادحين الجائعين ، الذين يشكلون أكثر من 85% من الشعب الهندي " المهاتما غاندي .


هناك جهود حثيثة في العالم الإسلامي الآن لمقاومة التغريب ، و لكن مما يثير التعجب أن هذه الجهود تتجه لإجتثاث كثير من الأفكار التي لا تنتمي للفكر الغربي تحديدا ، بل هذه الجهود تعادي غالبا أفكارا تشكل جزءا من ماضينا الكوكبي المشترك لا يتميز به الغرب وحده ، فأفكار مثل حقوق الإنسان و حرية التفكير و التعبير و التنوع الفكري تلاقي هجوما متصلا كونها دخيلة على تقاليد الشرقيين ، كذلك أصبح الإهتمام بالعلوم و الرياضيات و الثقة بها نوعا من المادية الغربية و تحدي الذات الإلهية ، و يكفي أن تسمي أية قيمة مهما كانت سامية بكونها غربية ، حتى يندفع الفقهاء المسلمون و متبعيهم إلى إتخاذ موقف معادي منها ، فهناك قناعات راسخة بأن المسلم الصادق لابد أن يكون معاديا للغرب ، و هكذا أصبحت العقلية الإسلامية أسيرة هاجس واحد هو الغرب و فكره ، و من الجدير بالملاحظة المدققة أن هذا الهاجس هو مزيج من الإعجاب الضمني و النفور المعلن ، هذا الهاجس يلعب دورا سلبيا في حياة أصحاب العقلية الأسيرة ، ولهذا لابد من مكافحته و التغلب عليه ، إذا أريد للمسلمين وغيرهم أيضا من الشعوب الشرقية أن تساهم في الحياة الإنسانية كشركاء متساويين مع الغرب ، فليس من المعقول أو المفيد أن ينظر الإنسان إلى نفسه كمجرد سليل للضحايا ، حتى لو كان ذلك صحيحا في جانب كبير منه ، و حتى لو اتخذ هذا الهاجس شكلا إيجابيا أحيانا ، كدافع للتفوق و التغلب على الغرب ذاته في مجال تفوقه المادي ، لأنها ستجعل هوية الإنسان تابعة لعلاقاته بالآخرين ، فلا يفعل شيئا إيجابيا او سلبيا إلا خلال علاقته بالغير ، بل يجب أن يكون هذا التفوق استجابة للوجود الإنساني المتفرد ، و نابعا من الشخصية المستقلة كما فعلت اليابان و تفعل كوريا و غيرها من النمور الأسيوية ، فيقول لي كوان يو السياسي الفذ و رئيس وزراء سنغافوره التاريخي :" سنغافورة ليست دولة تابعة لأمريكا " ، وهو بذلك يعني ما هو أبعد من التبعية السياسية ، إنه يعني أن سنغافورة و غيرها من شعوب الهند الصينية قد تجاوزت ماضيها الإستعماري (الكولونيالي) ، أما الجوانب السلبية لظاهرة العقلية الإسيرة فهي ضخمة و مدمرة ، و يمكن تحديدها في 3 عناصر .
أولا : دعم الأصولية الدينية و الإرهاب العالمي .
محاولة الثأر من الغرب بسبب جرائمه السابقة ، ذريعة مناسبة تماما لتعبئة المسلمين ضد كل ما هو غربي بما في ذلك أكثر نماذج الغرب ليبرالية و معاصرة ، و هذا ما يفعله الإرهابيون دائما ، مع إشارات مباشرة أو ضمنية لجرائم العصر الإستعماري ، هذه التعبئة ليست ضد الغرب فقط ، بل تتجاوزه إلى أنظمة الحكم التقليدية في العالم الإسلامي ، فهناك توصيف دائم لتلك الأنظمة بكونها عميلة و خائنة ، لمجرد تعاونها مع الغرب ، حتى لو كان ذلك في إطار التنمية ، و تحت مظلة الأمم المتحدة و ميثاقها ، فالأصوليون في فلسطين يتهمون أبو مازن بالتبعية و العمالة ، لمجرد ارتياده طريق الحلول التفاوضية ، و يعتبرونه مسؤولا عن الجرائم الإسرائيلية منذ بداية الحركة الصهيونية ، هذا الموقف يتم اتخاذه تجاه كل الزعماء العرب و المسلمين المعتدلين بلا استثناء ، هناك فرق واضح بين مكافحة الإستعمار و التحرر من براثنه ،و بين أن تعيش الشعوب أسرى لتاريخها المؤلم تستحضره على الدوام ، هو نفس الفرق بين أن يعالج الإنسان نفسه من المرض حتى يبرأ منه ،و بين أن يجتر على الدوام مشاعر الألم المر .
في الفترة من القرن 7 حتى القرن 17 و لمدة 10 قرون كاملة ، كانت الدولة الإسلامية هي المهيمنة على العالم ،و تحتل مركز القلب من التاريخ الإنساني ، كان إنتشار الإسلام و تفوقه خصما بالطبع من الديانات الأخرى كالمسيحية و الهندوسية و البوذية ، بالرغم منذ ذلك لم ير المسلمون أنفسهم ذلك الآخر الذي يكرس حياته كي يقوض المجتعات المخالفة حتى الموت .. موته و موتهم ، و لكنهم كانوا منشغلين ببناء مجتمعاتهم وممارسة وجودهم الإنساني بطريقة رائدة ، لم يكن هناك ذلك الإصرار على اتخاذ موقف عدائي موحد من الغرب ، و إلزام جميع المؤمنين بحربه ، باعتباره قوى الإستعلاء أو الكافرين أو الشيطان الرجيم ، فلم يكن هناك حاجة للعقلية الأسيرة ،و لم تكن الهوية الإرتجاعية لها معنى في أيام عظمة المسلمين .
اليوم أيضا لم تعد هناك تلك الأهمية الكبيرة للهوية الدينية ، هناك فقط متطلبات فضفاضة للإلتزام الديني داخل نسقه الوظيفي ، بعد ذلك يمكن أن يكون للمسلمين أفكارهم المختلفة حول القضايا العلمانية ،و يمكنهم أن يصيغوا حياتهم وفقا لنماذج متعددة ، وهذا ما يفعله الأغلبية العظمى للمسلمين في العالم المعاصر ، و لكن الأصوليون المسلمون يفسدون المشهد كله ، فهم يصرون على جعل الدين هوية شمولية ضيقة للمسلمين ، في تلك الهوية يلعب الغرب دور العدو المركزي الذي يجب أن تدور الحياة حوله ، وهذا ما يجب أن يرفضه العقلاء منا بكل جلاء .
ثانيا : تشويه قراءة التاريخ الفكري و العلمي للعالم .
إن العقلية الأسيرة تخلط دائما ما هو غربي وما هو تراث كوكبي مشترك بين الجميع ، و نتيجة ذلك تقوم برفض التراث الحضاري كله باعتباره غربي المنشأ ، و لعل أوضح مثال لذلك هي العلوم المادية ، ولأن الكثيرين من المسلمين يعتقدون أنها منتج غربي ، يتم التقليل من شأنها لصالح الروحانيات الشرقية الإفتراضية ، و هناك قليلون في العالم يؤمنون بالفعل أن العلوم و الرياضيات منتجات عالمية ، ساهم العرب و الهنود و الصينيون بجهود كبيرة فيها ، إن الأصولي المسلم الذي يحقر من قيمة العلوم و يصفها بالنجاسة ، ذلك الذي يلعن الطب الحديث و يتغنى بفوائد بول الإبل ، هذا الغافل يجهل بشكل يدعوا للحزن أنه حفيد مجموعة من ألمع العلماء الذين أنجبتهم البشرية ،و أن فضل الأطباء و العلماء العرب على الغرب كبير ، لا ينكره الغربيون أنفسهم اللهم باستثناء قلة لا يعتد بها ، و يشير د . عبد الرحمن بدوي في دراسته الشيقة عن ( دور العرب في تكوين الفكر الأوروبي ) إلى عملية تخصيب تاريخية كبرى بين الفكر العربي البالغ كمال تطوره و بين العقل الأوروبي في منطقتين هما إسبانيا و بالتحديد في مدينة طليطلة ، و الثانية صقلية و جنوب إيطاليا ، و يمتد تأثير الفكر العربي ليشمل كافة الأنشطة الحضارية ، من الفلسفة و العلوم الطبيعية و الفيزياء و الطب و الرياضيات ، بل و امتد ليشمل المعمار و الموسيقى ، مرورا بالشعر و القصص ، و لن استفيض في هذه الجزئية ، فقط أدعوكم لتامل حقيقة أن الخوارزمي هو أستاذ الرياضيات الذي علمها أوروبا ، حتى أنهم أطلقوا على الجداول الرياضية الخوازميات ، أما أحفاد الخوارزمي العرب المعاصرون ، فقد أعادوا نقلها من الغرب باسم مضحك هو جداول اللوغاريتمات ، و من الخوارزمي تعلمت أوروبا الصفر ،وهو في العربية ترجمة لكلمة هندية هي سونيا أي خال أو خاو ،و قد نقلت كلمة صفر إلى اللاتينية سيفرا ، بمعنى صفر ،ة ثم أطلقت بعد ذلك على الأرقام عامة ، و بعبارة موجزة يجب ان نعرف أن العلوم هي منتج بشري تراكمي نساهم فيه جميعا لمصلحتنا المشتركة ، و من العار أن ندير ظهرنا للعلم كنجاسة لا تليق !.
ثالثا : تشجيع عداوات لا ضرورة لها لكثير من الأفكار الإنسانية العظمى .
باعتبارها منتجا غربيا يحارب الأصوليون الأفكار البشرية العظمى ، مثل حقوق الإنسان و الديمقراطية و الحريات الشخصية ، و تلك نتيجة مشؤومة لرؤية المسلم نفسه باعتباره الآخر ، فهو في هذه الحالة يسلم بلا مقاومة لمصادرة الغرب لملكية التراث العالمي من الأفكار العظمى ، و هذا يؤدي بالتالي إلى اضعاف تأييد الحرية و الديمقراطية في العالم غير الغربي ، بل ربما الأمر أخطر من ذلك كثيرا ، عندما يؤدي مثل هذا الموقف إلى التشكيك في الموضوعية العلمية ، باعتبارها منتجا معاديا يقدمه لنا الغرب الذي لا نثق فيه ، و لعل أسوأ مثال ذلك ، الموقف التي اتخذته القيادات الإفريقية لجنوب إفريقيا بعد انتهاء سياسة الفصل العنصري ، عندما رفضت الإعتراف بمرض الإيدز و انتشاره ، معللة ذلك بالنهب و الفقر الإستعماري ، نتيجة التشكيك في الطب الغربي !، و قد استغرق الأمر سنوات طويلة و ألوف الضحايا حتى بدأت الأمور في التحسن نتيجة الإعتراف بالعلم الغربي و احترامه ، شيئا مشابها أصاب سياسات تحديد النسل في بلد تجتاحه الأصولية المتغولة مثل مصر ، فالحسابات و الحلول العلمية يتم تجاهلها لأنها صليبية المنشأ ، و يجري العبث بأفكار ترى تحديد النسل حرام و غير دستوري ! ، و يؤكد مفكر هام يجري اقتباسه على نطاق كبير هو د . أمارتيا صن Amartya Sen في كتاب شهير له هو ( وهم المصير ) The Illusion Of Destiny ، أنه لا توجد حضارة واحدة يمكن أن ينسب لها الفضل كله في إعلاء قيم الديمقراطية و حقوق الإنسان ، و أن باقي الحضارات الأسيوية مثلا كانت تركز بديلا عن ذلك على التنظيم الجماعي ، فقد شهدت حتى تلك الحضارات الأسيوية إسهامات عديدة في تنمية تلك القيم الكوكبية ، أما أن تثمر كل تلك الجهود و تؤتي أكلها خلال الحضارة الغربية ، فذلك طبيعي كون تلك الحضارة الغربية هي وارثة الحضارات السابقة كلها ، أما الإسلام الذي يحاول الأصوليون تحويله إلى سجن تاريخي لكل المسلمين ، فقد شهد انتفاضات عنيفة من أجل الحرية ، و هناك ثورة الحسين و ثورات الزنج و القرامطة ، كلها مع اختلاف الأهداف كانت حركات ثورية من أجل الإنسان و كرامته الفردية .
هكذا نجد أن بروز مفاهيم الهوية الإرتجاعية و تركيزها على العداء للغرب ، تؤدي إلى محاولات عديدة لتأكيد الهويات اللاغربية ، أكثر كثيرا من التفكير بحرية و استكشاف مناطق أخرى هامة من الذات الإنسانية ، هذه العقلية الأسيرة تقف خلف الكثير من المصاعب التي تواجه إلتحاق المسلمين بالعالم المعاصر ، كما تساهم في تضليل ردود الأفعال التي يواجه به الغرب التحدي الإسلامي .


العقــل الأسيــر . - سهيل - 08-05-2008

ملاحظة هامشية :
لاعلاقة للخوارزمي بمفهوم اللوغاريتمات ولا بأسمه أيضا.
http://en.wikipedia.org/wiki/Logarithm#History

ربما قصدت -استاذي- كلمة "الخوارزمية "Algorithm " و قد استخدمها الاوربيون للدلالة على الخطوات المحددة المتبعة في الحسابات الرياضية لمسألة ما. و لاحقا, استخدمت بكثرة أيضا في مجال علوم الكمبيوتر و لغات البرمجة.

(f)


العقــل الأسيــر . - بهجت - 08-05-2008

Array
ملاحظة هامشية :
لاعلاقة للخوارزمي بمفهوم اللوغاريتمات ولا بأسمه أيضا.
http://en.wikipedia.org/wiki/Logarithm#History

ربما قصدت -استاذي- كلمة "الخوارزمية "Algorithm " و قد استخدمها الاوربيون للدلالة على الخطوات المحددة المتبعة في الحسابات الرياضية لمسألة ما. و لاحقا, استخدمت بكثرة أيضا في مجال علوم الكمبيوتر و لغات البرمجة.

(f)
[/quote]

الزميل المحترم سهيل .
كل تقدير .:97:
أشكر لك دقة الملاحظة و التصحيح السديد ، فقد اقتبست المعلومة عن نسبة جداول اللوغارتيمات إلى الخوارزمي من كتاب د . عبد الرحمن بدوي ( دور العرب في تكوين الفكر الأوروبي ) مباشرة دون تدقيق ،و عندما قرأت تعليقك القيم ، راجعت الوصلة التي تفضلت بها ( الويكيبيديا ) ، و من الواضح أنه لا توجد علاقة بين اللوغاريتمات و الخوارزمي ، و كذلك بحثت عن كلمة (alguarismo) كما وردت في كتاب بدوي ، و مقابلها في الإنجليزية (algorism) ، وهي تنسب إلى أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي ، وقد وجدت معناها في أكثر من معجم ، وهي تعني بالفعل علم الحساب باستخدام تسعة أعداد إضافة إلى الصفر ، وقد توسع في استخدامها لاحقا لتعني أي عمليات حسابية باستخدام الكسور او النسب .. الخ ، و هي تعني أيضا سلسلة تفصيلية من العمليات التي تجرى لتحقيق واجب ما .
أكرر شكري و عرفاني .


العقــل الأسيــر . - بهجت - 08-11-2008

هل حقوق الإنسان قيمة غربية ؟.


نتيجة ظاهرة بدت مباغتة و هي ما يمكن أن نطلق عليها إنتفاضة الأصوليات ، أصبح هناك قبولا متزايدا لفكرة التقسيم الحضاري للجنس البشري ، مروجو تلك النظرية في الغرب يرون أن الحضارة الغربية كانت دائما في جوهرها حضارة هيومانية ، أي تضع الإنسان – مجرد كونه إنسانا - في بؤرة الإهتمام العام ، و يميلون بالتالي لرؤية التسامح كملمح دائم للحضارة الغربية ، و أنه يمتد عميقا في ماضي الغرب ، و يصر هنتنجتون على أن " الغرب كان غربا منذ زمن طويل قبل العصر الحالي" ، وهو يحدد مجموعة من الملامح المميزة للغرب و التي ينفرد بها مثل الحس المميز بالفردية ،و التقاليد التي تكرس الحقوق و الحريات الفردية ، كذلك التعددية الفكرية و الإجتماعية ، في المقابل فهم يرون الحضارات الشرقية بما في ذلك الإسلامية حضارات جمعية ، أي تضع الجماعة في المركز ، بينما الإنسان الفرد بلا قيمة ،و لا يدرك ذاته سوى جزءا من الجماعة ، و من المدهش أن هناك قبولا واسعا لتلك الفكرة بين غير الأوربيين من أسيويين و مسلمين ، و نصادف كثيرا من المفكرين الآسيويين و خاصة من رجال السياسة ، يركزون على فضيلة النظام الأسيوي ، خصما من حقوق الإنسان كما يطرحها الغرب ، و ينحصر الخلاف بعد ذلك بين المفكرين حول ما يرتبونه على ذلك التقسيم ، فهناك من يرى حتمية الصراع بين الحضارات ، بينما هناك من لا يرى الصراع حتميا ، المهم أن الجميع تقريبا يسلمون بتصنيف الحضارات وفقا للهوية الحضارية ( الدينية ) ، سواء في ذلك أصحاب نظريات الصراع ، أم معارضي تلك النظريات ، و من المدهش أن تلك الرؤية السطحية كانت مؤثرة في المجتمعات غير الغربية و بشكل خاص في المجتمعات الإسلامية ، التي توسعت كثيرا في التركيز على تلك التقسيمات الحضارية ، بأكثر من تأثيرها في المجتمعات الغربية ذاتها ، أما على مستوي التقاليد الفكرية الأكاديمية الرصينة ، فلا تلقى هذه الأفكار السطحية قبولا كبيرا ، و لعل كثيرا منا سمعوا بكتاب واسع التأثير في الغرب هو كتاب ( اضمحلال الغرب ) للمؤرخ و الفيلسوف الألماني ( أوزوالد سبنجلر Oswald Spengler) الذي تحدث فيه عن الحضارة الغربية كجزء من عالم متنوع الحضارات ، و أنها لا تنفرد في ذلك العالم بمكانة الزعامة المتوافق عليها ، وذلك عكس ما يعتقده الكثيرون حتى من غير الغربيين ، كما ركز سبنجلر على التنافرات داخل كل ثقافة بما في ذلك الثقافة الغربية ، كذلك ركز على وجود تشابهات بين كثير من الثقافات الإنسانية ، و هو يدعم فكرته بالقول أن وجود سقراط و أبيقور و ديوجين في الهند مثلا سيكون طبيعيا تماما مثل وجودهم في أثينا ، بل أن الأخير سيكون متوافقا مع البيئة الهندية أكثر من توافقه مع الغربيين .
لن أجادل أبدا أن التسامح و الحرية و حقوق الإنسان هي من أبرز إنجازات الحضارة الغربية المعاصرة ،و لكن هذه القيم بشكلها المعاصر المتكامل ليس لها أي إمتداد مميز في التاريخ الغربي ، بل لم يكن لها أي وجود في التاريخ الإنساني كله منذ أكثر من ربما 400 أو 500 عام ،و الإدعاء بغير ذلك هو نوع من الدعايات الأيديولوجية الرخيصة ، فلم يكن أرسطو مثلا أو توما الأكويني أقل فاشية من كونفوشيوس أو ابن تيمية ، نعم يمكننا الحديث عن أبطال الحرية في الغرب ، ولكن هذا الغرب الذي أنجب دعاة الحريات الفردية لم يمتد أبدا ليشمل القوط الشرقيين و الغربيين أو الفايكنج و الوندال ، رغم أن كل تلك الشعوب هي جزء أساسي مما يعرف بالغرب الآن ، على الجانب الآخر فهناك أمثلة عديدة لأبطال ارتادوا عالم الحريات الفردية ، و كانت تلك الإشراقات الهامة في مجتمعات غاية البعد عن الغرب ، ففي القرن الثالث قبل الميلاد ظهر في الهند الإمبراطور أشوكا الذي يمكن اعتباره نبي العلمانية الأول ،و الذي قدم مجموعة من المبادئ الراقية حول التسامح و الحريات الدينية ، هذه الأفكار مازالت مؤثرة في الهند حتى يومنا هذا ، و هناك أيضا الإمبراطور المغولي المسلم العظيم أكبر ، الذي أصدر بيانات رائعة عن التسامح الديني في أكرا بالهند في تسعينات القرن 16 ،وهو الذي أعلن صراحة أن ( لكل إنسان الحق في إتباع الدين الذي يروق له ،و أنه لا حق لأحد في التدخل في عقائد الآخرين ،و أنه من الواجب على كل إنسان إحترام خيارات الآخرين الدينية خاصة التي تخالف عقيدته) ، علينا أن نتوقف هنا لنذكر أنه في ذلك الوقت تحديدا ، كانت محاكم التفتيش منتشرة في أوروبا بحثا عن المهرطقين ، الذين جرى قتلهم حرقا تقربا للرب ، و أريد أن أثبت هنا أيضا ما ذكره حتى رجل غير منصف مثل برنارد لويس حول الحريات الدينية غير المحدودة في الإمبراطورية العثمانية ، هذه الحريات أمكن توفيرها خلال نظام الملة العثماني بينما كانت الحروب الدينية مستعرة في كل أوروبا .
ما أريد تأكيده خلال هذه المداخلة هو أن حقوق الإنسان بما في ذلك الحريات الدينية ، ليست غربية ،و لكنها تكونت خلال تراث كوكبي مشترك ، ورفض الإسلاميين لتلك الحريات ، هو تعبير عن تعصب الإسلاميين و تخلفهم الحضاري ،و ليس تمسكا بالقيم الإسلامية .
.......................................................
الأخ حمزة الصمادي .
كل تقدير .



العقــل الأسيــر . - ابن نجد - 08-11-2008

هذا الطرح الرائع ينقصه بحث الاسباب ، دائما انا مؤمن ان السياسي يقف خلف كل كارثة وتخلف ، فهو من يختار المؤسسة الدينية والفكرية والاعلامية بكل عناصرها وهو من يسيس كل الاطياف ويتحكم بالادوات ، ولانه الاقوى فهو الاقل عرضة للنقد وتظل الاطياف الاخرى ( النتائج ) شماعة وسور قصير وان كانت ليست بريئة ولايمكن تركها بالجملة دون نقد.

وبمناسبة ذكر المفكر والفيلسوف العظيم بدوي هنا ؛ هو مثال لبطش ومضايقة السياسي للناقد الحقيقي وللمفكر المزعج ، فقد اصبح درسا لكل من تسول له نفسه نقد الاسباب الحقيقية وترك النتائج .

رحم الله ابو الكبرياء وراهب العلم العظيم :97::97:


العقــل الأسيــر . - حمزة الصمادي - 08-11-2008

اخي بهجت

انها البيئة المحيطة في الفرد,فنحن جميعا نولد على الفطرة ولكن البيئة المحيطة بنا هي التي تحدد توجهاتنا لذلك انا اعتقد ان القول بتميز الفرد الغربي بجينات الحرية والديمقراطية هو كلام لا اساس له من الصحة.

واسلم لاخيك


العقــل الأسيــر . - عمر أبو رصاع - 08-11-2008

الفاضل المحترم الدكتور بهجت
سأمر مع طرحك الشيق فقرة فقرة في محاولة لاثراء النقاط المطروحة و فتح افاق الحوار حولها ، آملاً ان يكون هذا الشريط مكاناً ملائماً لحوارات قيمة.

Array

( 1 من 2 )
" إذا بحثت شعوب الأرض جميعا عن وطن واحد يضمها بلا تفرقة و يسعهم لهم بلا حدود ، كان هذا الوطن هو الحرية " . برتراند راسل .


لم أنكر يوما افتناني بالحضارة الغربية و قيمها العلمانية ، و لكن هذا الحب لم يكن أبدا ذلك العشق الأعمى ، بل هو الحب المبصر الذي يدرك أن المحبوبة ليست بريئة تماما ، و أن لديها سجلها الإجرامي الخاص ، فالحضارة الغربية لم تكن أبدا مبرئة من الشوائب و العيوب ، علينا بداية أن نتفق أنه ليس كل ما هو موجود في الغرب بالضرورة حضاري ، و أن الحضارة الغربية ليست كما واحدا ، بل هي كتلة من المتناقضات ، و القيم الغربية ليست كلها حضارية ، بل أقلها كذلك ، فالغرب الذي أعطى للإنسان حقوقا أصيلة و حقيقية لأول مرة في التاريخ ، قصر هذه الحقوق غالبا على مواطنيه ،و الغرب الذي صنع لنا كل تلك الأدوات التي طورت نوعية الحياة على ظهر الأرض ، هو الذي صنع القنابل الذرية وألقاها على البشر في اليابان ،و مارس الحرب الكيماوية و البكترولوجية . و الغرب الذي حرر فرنسا و بلجيكا و هولندا من محتليها هو الذي دمر فيتنام و احتل العراق و يدعم البغي الصهيوني .
بالإضافة إلى ذلك هناك دائما محاولات محمومة لتوظيف الفكر الغربي حتى العلمي و الأكاديمي من أجل أغراض سياسية ،وبأساليب متنوعة . هذا الاتجاه لتزييف العلوم الإنسانية أصبح سافرا في السنوات ال 30 الأخيرة نتيجة لتوظيف استثمارات هائلة في مجال البحث العلمي الموجه سياسيا . و لا نغفل الجهود الصهيونية لإعادة طرح التاريخ البشري كله من منظور توراتي مقنع بل و سافر أحيانا ، ولو استطردنا في ذلك لحولنا الموضوع كله عن هدفه . و لكن هذه الحقيقة لا يجب أن تصرفنا عن الثقافة العالمية المعاصرة ،و لا أن نتقوقع على تراثنا الميت نبكيه ، بل على النقيض علينا أن نبذل جهدا خارقا كي نتواصل مع هذه الثقافة العالمية بشكل فعال ، و أن يكون لنا كلمتنا على الأقل فيما يخصنا نحن ، و علينا ان نعرف انه لا يمكن كسب السباق بالخروج منه عند أول منحنى .
الحضارة الغربية بالقطع هي أكثر الحضارات دموية في التاريخ البشري و من أشدها تعصبا و استعلاء ، هناك قليلون من أصحاب الضمير يمكنهم نسيان كيف أحال الأوربيون إفريقيا – الموطن الأصلي للجنس البشري - إلى غابة كبيرة يصطادون منها البشر ، ثم يصدرونهم إلى مستعمراتهم في العالم الجديد كعبيد ، هناك قليلون ينسون فرض تجارة الأفيون على الصينيين ، و جرائم الفرنسيين في الجزائر ، و مجازر الإنجليز في الهند ،و القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على هيروشيما و نجازاكي في اليابان .
إن أكثر الهنود تسامحا لا يستطيع نسيان مقتل 379 من الأبرياء العزل الذين اجتمعوا للإحتجاج بشكل سلمي يوم 13 إبريل عام 1919 في مدينة أمريتسار ، ولا يستطيع المصري نسيان الأبرياء من ضحايا دنشواى و قتل الأسرى في سيناء بدم بارد ، بل و هل يستطيع الفيتناميون نسيان مئات الألوف من ضحايا الغارات الجوية الأمريكية ، أكثر من ذلك ربما تقودنا الذاكرة إلى الحروب الصليبية ،و يتذكر البعض منا كيف نحر الصليبيون أكثر من 70 ألف مسلم في يوم واحد عندما دخلوا القدس في 14 يوليو عام 1099 تقربا للرب .

رغم هذا فإن أسوأ ما فعله الغربيون ليس فقط الإستنزاف الإستعماري للعالم القديم ، و لكنه إذلال الشعوب الشرقية و قتل روحها القومية ، و حرمانها من الفخر و الإحساس بالعنفوان و الزهو ، فالسلوك الإستعماري كان دائما سببا في توليد شعورا قويا بالمهانة ،و عبئا ثقيلا من الإحساس بالدونية ، فالشعوب يمكنها العيش بقليل من الغذاء و لكنها أبدا لا تعيش بلا كرامة و بلا تاريخ يزينه أجداد تفخر بهم ، إن تأثير العامل المعنوي الذي يشكل موقف المسلم أو الهندوسي و البوذي من الغرب ، لا يقل بحال عن تأثير النفوذ السياسي و الإقتصادي غير العادل للغرب اللذي فرضته الحقبة الإستعمارية .
هكذا نجد أن الموقف المعادي الذي يتخذه البعض من الغرب ليس متجنيا و لكنه مبرر أخلاقيا تماما ، فقط سوف أردف قائلا أنه رغم ذلك سيكون موقفا خاطئا ، لأنه يعني أن يعيش الإنسان في الماضي و يستغرق فيه ، و سيكون ذلك على حساب الحاضر الذي تفسده المرارة و الكراهية ، كما سوف يدفع ثمنه من فرص المستقبل الذي يتسرب من بين يديه دون أن يشعر ، بينما عقله و قلبه مثبتان في حقبة تاريخية بعينها قد تجاوزها الزمان ، و في مثل هذه المواقف أتذكر دائما قول برنارد شو :" ذلك الذي يقتل الملك ،و ذلك الذي يموت من أجله ،كلاهما عابد أصنام " ، وهذه ليست مبالغة لأن كلاهما سيعيش مستغرقا في مشاعر الحب أو الكراهية تجاه هدف واحد فقط .
بمكننا أن نطلق تعبير (العقل المستعمَر) على ذلك العقل المتهووس دائما بالعلاقة الإرتجاعية بالقوى الإستعمارية الغربية و جرائمها ضد الشعوب الشرقية ، مثل هذا العقل سوف يجد صعوبة مستمرة في إدراك الذات بشكل سليم ، لأن هذا ( الإدراك الإرتجاعي) للذات ينشأ فقط خلال الإستحضار الإنفعالي للعلاقات التاريخية المجحفة بالغرب ، و بالتالي فمثل هذا العقل لن يدرك وجوده التاريخي الفريد في هذا الكون سوى كمجرد ضحية لآخر هو الغرب ، هو لن يدرك معجزة الحياة و فرصها و تحدياتها ،و بالتالي لن يدرك كم هو كإنسان متفرد عظيم و نادر و ثمين ، ولن يرى نفسه سوى قطرة من بحر الكراهية و الإنتقام ، و كي نوضح فكرة إدراك الذات الإرتجاعي ، نضرب مثلا يختص بتفسير ماضي المسلمين و بالتالي إدراك الهوية الإسلامية ، فالمسلم الحديث يقع تحت تأثير إنطباع طاغ بأن العلوم هي نتاج مادية الغرب ، لهذا يختار المسلمون ساحة أخرى لمنافسة الغرب ، و ذلك بتعزيز أفضلية المسلمين في الأمور الروحية و الدينية ، فالقوميات المعادية للإستعمار الغربي مثل تلك الإسلامية و الهندوسية و البوذية ، بدأت وقبل صراعها السياسي الطويل مع المحتل الغربي في خلق مجال نفوذها الخاص ، و ذلك بتقسيم العالم إلى عالم مادي يتعلق بالإقتصاد و السلاح و العلوم و التكنولوجيا ، و في هذا المجال يعترفون بتفوق الغرب الكاسح ، و حتمية تقليد الغرب في هذه المجالات الحيوية ، في المقابل فهناك المجال الروحاني ، حيث يتفوق الشرق و خاصة المسلمون كما يعتقدون في أنفسهم ، و كلما نجح الفرد أكثر في تقليد الغرب في المجالات المادية، كلما ازدادت حاجته للتمسك بالجوانب الروحية للحفاظ على الهوية المحلية من الضياع و الذوبان في الآخر ، و مع رفض الغرب الإعتراف بدور المسلمين و الهندوس و غيرهما من الشعوب الشرقية في صناعة الحضارة المادية ، نما الإتجاه بين المسلمين للتمسك بالثقافات الغيبية و تنظيمها و ترسيخها ، هذا التركيز الإنتقائي على الجوانب الروحية دون المادية ساهم - في جانب منه- في تقديم تعويض معنوي مؤثر لموازنة تخلف المسلمين ، و لكنه يسلم بتجاهل جزء هام جدا من ميراث العرب في العلوم و الرياضيات و الفنون ،و قد أدى هذا الموقف إلى ترسيخ الإحساس بين المسلمين – كغيرهم من شعوب شرقية عديدة – بأنهم يتميزون بهوية روحية خاصة و أنهم ( الآخر ) في هذا العالم ، و هكذا وجدنا العديد من الإتجاهات الإحيائية التي انخرطت في جهود عنيفة من أجل إعادة تعريف الذات ،و استكشاف الهوية الإسلامية الخاصة و تحديد ملامحها ، مثل الحركات الوهابية و المهدية و الإخوان المسلمين و الجماعات الجهادية ، و بالرغم أن تلك الجهود تهدف أساسا إلى مفارقة العصر الإستعماري و محو أثاره ، إلا أنها تعتمد في الأساس على الأفكار الغربية و لكن في شكل سلبي ، و هذا الموقف خلق ما يمكن أن نطلق عليه ( العقلية الأسيرة ) ، هذه العقلية التي سبق أن وصفناها ب (العقل المستعمَر) تقود المسلمين إلى إدراك الذات بشكل إرتجاعي ضيق و مشوه شديد الضحالة و التحيز ، إن هذه الطريقة الإنفرادية من التفكير يمكن أن تؤدي إلى نتائج متعددة ، رغم أنها تقوم على التركيز على فترة تاريخية واحدة و اعتبارها محور الوجود الإنساني ، مثل هذا العقل كما أوضحنا سوف يجد صعوبة مستمرة في إدراك الذات بشكل حضاري منفتح ، و ذلك كله يؤدي إلى آثار شديدة الوطأة على عالمنا المعاصر ، يدفع المسلمون ثمنه بالأساس ، سواء في تخلفهم و ضياعهم الفكري أو المادي على السواء .

[/quote]

يحتاج الفكر دائماً إلى نوع من التأصيل المعرفي للمصطلحات التي تعتبر مفاتيحاً في اي فكر ، لانه ان عامت الدلالة الموضوعية للمصطلح عام معها الحوار او التفكير نفسه و وصلنا إلى نتائج يعتريها الفقر للدقة و بالتالي الخطأ، من هنا اعتقد اننا بحاجة لمنطلقات معرفية تأسيسية في هذا الحوار القيم جدا و اعتقد ان البداية مع مصطلح حضارة.
باعتقادي هناك دائماً استخداماً ملتبساً لهذا المفهوم ، استخدام وصل في نتاجه المعرفي إلى حد تقطيع اوصال المنجز الانساني عامة و لعل البعض قد يقلل من خطورة المسألة فيما اعتقد ان تقسيم الحضارة الانسانية إلى مجموعة حضارات يضع المنجز الحضاري الانساني في مقابلة بعضه بعضاً و يدخلنا فلسفيا في ورطة عويصة و خطرة تنتج صراعاً موهوماً بين حضارات كما فعل هنتنغتون في كتابه (صراع الحضارات) او حتى كما فعل الجابري عندما تكلم عن عقلين انسانيين متمايزين (عقل على طريقة الجابري=عقل منتج حسب فهمه لاشكالية اندريه لالوند) ، المهم ، هل صحيح ان هناك حضارات انسانية ؟ ام ان هناك حضارة انسانية واحدة يختلف مركزها الثقافي الابداعي من حقبة تاريخية إلى حقبة أخرى ؟
ان هذا سؤال مبدئي ، هل هناك حضارة اغريقية و حضارة عربية و حضارة فرعونية و حضارة اوربية ........الخ ؟ ام هي حضارة الانسان التي كان مركزها الاشعاعي في هذه الحقبة بغداد و في تلك مصر و في ثالثة اغريقية وهكذا دواليك؟
اذا افترضنا انها حضارات فنحن نتعامل مع حركة الوعي الانساني كحركة مقطعة الاوصال ، هكذا ننفي التداخل الحضاري الذي يمثل مسيرة واحدة ، نعم لكل حقبة خصائصها بدون شك لاننا يمكن ان نميز تباين الأولويات من ثقافة مهيمنة إلى ثقافة أخرى و يمكن ايضاً ان نحدد سمات عامة لكل من هذه الثقافات التي قادت في حقباتها الحضارة الانسانية إلا ان غير الممكن هو ان نفصلها عن بعضها البعض تأثيرا و تأثراً ، الحقيقة التاريخية تفيدنا بأنه حتى و ان كان المركز الحضاري الاشعاعي في حقبة ما في متعين جغرافي ثقافي ما فإن اشعاع هذه الحضارة يسطع على الدنيا كلها فالثقافات ليست جزرا معزولة و الحضارة انسانية واحدة تختلف مراكز اشعاعها من حقبة إلى اخرى .
إذن من اول من اشعل ناراً و لغاية من يرسم خريطة الجينوم البشري اليوم نحن نطالع سلسلة حضارة الانسان التي فيها كل ثقافات الارض شريكة في انجازها و كذلك في الافادة من آثارها.
لهذا فإن افتتان الدكتور بهجت بالحضارة الانسانية بشكلها الناجز حالياً او بصورتها الاخيرة ان جاز التعبير هو امر طبيعي بل غير الطبيعي ان يتطلع الانسان لوجه الحضارة بنظرة المحتقر و إلا كان فاقد لأول مقومات الرشد إذا كان عاجزاً ان يفهم ان الحضارة الانسانية درجات و ان الولايات المتحدة الامريكية اليوم تقف في اعلاها و تقود حركتها و ان الثقافة الامريكية اليوم خصوصا و الغرب اوربية معها عموما هي الثقافة التي تقود اليوم الحضارة الانسانية و تحوي ابدع صورها.
لكن اعجاب الدكتور بهذه الصورة الحضارية الناجزة يجعله ايضا امام مفارقة ، المفارقة العجيبة بين هذا الجانب الحضاري من ناحية و جانب السلوك السياسي الذي انطوى على ما وصفه بما لا يقبل النسيان من ممارسات وحشية من ناحية اخرى .
انه التناقض ذاته الذي نلمحه عندما تمارس الدولة الممثلة للثقافة الطليعية في العالم ادواراً من هذا النوع ضد الشعوب الاقل تحضراً منها ، لعلنا نصوغ السؤال بهذه الكيفية : لماذا تمارس الدولة الممثلة للطليعة الحضارية سياسات لا تتماشى مع درجة تحضر ثقافتها؟
ليس الجواب سهلا على هذا السؤال اطلاقاً ، له بتقديري جانبين مبدئيين :
الأول : صراع الثقافات لا الحضارات
المشكلة ان الثقافة التي تهيمن و تقود حضارة الانسان تنظر باستعلاء إلى التكوين الثقافي للامم و الشعوب الاخرى ، انها ترى فيها اي ثقافة الشعوب الاقل تحضرا سببا في تخلف تلك الشعوب ، انها معادلة الانا و الآخر الثقافية ، و هنا نقف امام صراع ثقافات لا صراع حضارات صراع بين ثقافة تقود حضارة الانسان المعاصر من جهة و ثقافات غير منتجة في هذه المرحلة من جهة اخرى تحاول ان تتعاطى مع الابداع الحضاري للثقافات المنتجة و تقاوم تأثيرها عليها ، بالتالي من ناحية الثقافات المنتجة تنظر لتلك المتلقية نظرة استعلاء و تستعرض تكوينها باعتباره سبب لتخلف تلك الشعوب و الاهم انها تقدم وصفتها و هي الاحلال الثقافي كمدخل للانتقال من ثقافة سلبية متخلفة مستهلكة إلى ثقافة منتجة للحضارة ، الامر الذي تقابله الثقافات المتلقية بأزمة الانا الثقافية التي تتعرض للغزو و يجب الدفاع عنها.
الثاني : تكوين السلطة في الدولة الغربية
في النهاية الدول تنتج سلطات هي بالضرورة معبرة عن مصالح طبقات تهيمن على مجتمعاتها و تقوده ، و بدون الدخول في تحليل دقيق لبنية النخب الحاكمة في الولايات المتحدة و الغرب ، فإن السلطة تخدم بالضرورة مصالح الرأسمالية المالكة للشركات متعددة الجنسيات او عابرة الجنسيات و القوى ذات المصالح و مالكة عقد القوى المالية و الاعلامية ....الخ ، انها سلطات تنتج في كثير من الأحايين حتى تصورات دينية و ثقافية تروج لها خدمة لمصالحها ثلاثي النفط و المخدرات و السلاح يمثل لازمة قوة مزمنة تمارس ضغطاً عنيفاً فهي قوة مال هائلة ، ان فهم الاداوار التي تلعبها لوبيات القوة داخل البنية السياسية للنخب تجعلنا نفهم الاجابة على سؤال من عينة لماذا تقدم الادارة الامريكية الحرب على الارهاب بهذه الصورة و تمارس فيها هذا الدور فيما نعلم جيدا ان تأثير هذه الحرب و هذا الخصم على الولايات المتحدة لا يمكن مقارنته بتأثير المخدرات مثلاً فهل الارهاب اكثر تهديدا لها من المخدرات؟
إذن إلى اي مدى تنسجم الادارات السياسية مع القيم الحضارية لمجتمعاتها و مصالحها؟
سؤال يجعلنا في مواجهة اسلوب بناء السلطة نفسه و السؤال حول النخب و تكوينها و دورها في صناعة القرار و المؤثرات التي تتحكم فيها ، ان السياسي في امريكا او غيرها لا يتخذ مواقفه منطلقاً من القيم المجتمعية التي يؤمن بها مجتمعه و انما انطلاقا من جملة المصالح التي تهيمن على عقد النفوذ في بلده.

بالنسبة للثقافة السلبية في مجال انتاج الحضارة الانسانية فإن ازمتها هذه تجعلها تنتج من رحمها ردود فعل على ما تراه فنحن كما بدى عبر القرن الماضي كنا امام ثلاثة مواقف من هذا الصراع (صراع الثقافات)
اتجاه اول اتخذ موقف رد الفعل الرافض ، على طريقة (ظل من تدعون إلا الله) فهو شكل من اشكال الدفاع عن الهوية من خلال الانغلاق عليها و رفض اي انفتاح او تأثر بالآخر تحت مسميات كثيرة : كفر و تخريب و تبعية.........الخ انه الهروب إلى حصن الدين المنيع و كان هذا موقف السلفية الدينية خصوصاً.
اتجاه ثاني معاكس تماماً للأول يمكن ان نسمه بالاتجاه التغريبي ربما من امثلته او ألسنة حاله اعلاماً من مثل طه حسين ، رأت ان الاصلاح لا أمل فيه للثقافة القائمة و انه لا بد من انقلاب ثقافي و ان اللحاق بركب الحضارة الانسانية انما يتطلب تمثل المجتمع الغربي في كل شيء ، طبعاً وجه هذا الموقف بحدة و الحقيقة ان مجرد تخيل مطالبة الشعوب بأن تنقلب على ثقافاتها بين عشية و ضحاها مسألة غير معقولة و في الغالب تنتج في النهاية رد فعل اكثر حدة و ربما ضياع الهوية و عدم القدرة على الانخراط الحضاري كثقافة منتجة و انما ثقافة منسوخة ممسوخة.
اتجاه ثالث يمكن ان نسميه تيار التوفيق و ربما من اعلامه كان الامام محمد عبده و تلاميذه الذين ارادوا التوفيق بين الثقافة المحلية من ناحية و ثقافة الامم الاكثر تحضراً من ناحية اخرى و تبنته شعوبنا بدرجات متفاوتة و طرق متفاوتة ايضاً ، إلا ان خطورة هذا الخط انما تكمن بانقلاب التوفيق تلفيقاً عندما نصطدم بحقيقة عدم امكان توفيق ما لا يمكن اتفاقه.
تحياتي و محبتي و للحديث بقايا و بقايا
عمر


العقــل الأسيــر . - بهجت - 08-13-2008

الأصول العالمية للمشاركة السياسية .
هناك اعتقاد شائع بين الإسلاميين أن الديمقراطية بشرية المصدر ذات طبيعة مسيحية – يهودية ، و أن المقابل الإسلامي لها هي الشورى إلهية المصدر ، في المقابل هناك قناعات متزايدة في الغرب ، خاصة مع فشل محاولات فرض الديمقراطية في العراق و فلسطين و لبنان ، بأن الديمقراطية في جوهرها فكرة غربية ، نشأت و ازدهرت فقط في الغرب ، و بالتالي هي لا تلائم العقلية الشرقية الإسلامية على وجه الخصوص ، لأنها تتناقض مع التقاليد الثقافية للحضارة الإسلامية ، هذه الإفتراضات ليست فقط شديدة الإختزال و التضليل ، بل هي تتنافى مع المشهد المعاصر و التاريخ على السواء .
عند الحديث عن الديمقراطية يتوقف العقل الغربي عند محطتين أساسيتين ، أولا التجربة الرائعة للإنتخاب و التصويت على الأمور العامة في أثينا الإغريقية ، ثم ثانيا تتوقف عند البعث الجديد للديمقراطية في المجتمعين الإنجليزي ثم الفرنسي ، بين تلك المحطتين هناك ما يقرب من 2000 عام لا يتوقف عندها العقل الغربي عند أي محطة أخرى ، و في النهاية نجد هناك تعميما يقول أن الديمقراطية في جوهرها فكرة غربية ، و بهذا نكون في مواجهة حكما متعسفا ، و ذلك لأسباب يمكن حصرها في ثلاث .
أولا : تصنيف الحضارات بصفات عنصرية ، مثل تعبير الحضارة الأوروبية ، هو تصنيف مضلل ، فوفقا لهذا التصنيف نجعل الديمقراطية تنتسب لشعوب أوروبية مثل الفايكنج و القوطيين الشرقيين و الغربيين و السلاف ،و ذلك لا لشيء سوى أن هذه الشعوب تعيش حاليا في أوروبا حيث توجد أثينا القديمة ، رغم أن تلك الشعوب لم تعرف الديمقراطية سوى متأخرا مع غيرها من الشعوب غير الأوروبية .
ثانيا : تتغافل هذه النظرية مع حقيقة أن الصلات الفكرية و الحضارية بين الإغريق و الشعوب المجاورة لها كانت منحصرة مع أصحاب الحضارات القديمة في فارس و مصر و حتى الهند ، و ليس مع الشعوب المجاورة لها في الغرب و الشمال ، أي أن الحضارة الإغريقية كانت حضارة شرقية و ليست أوروبية غربية ، و هكذا ليس مستغربا أن نجد أن تجربة اليونان في الحكم الإنتخابي ، كان لها تأثير على كثير من المدن الشرقية ،مثل مدينة سوسة الإيرانية و في الهند و بلخ ، بينما لا نجد لها أي امتداد في الغرب في مجتمعات مثل فرنسا و ألمانيا القديمة .
ثالثا : لو تعدينا الشكل إلى جوهر الديمقراطية ،و التي يمكن توصيفها بأنها الحكم بمشاركة أوسع قاعدة ممكنة من المواطنين ، سوف نجد أن تقاليد النقاش العام كانت منتشرة في كثير من المجتمعات القديمة ، خاصة في الهند حيث انتشرت في فترة مبكرة المجالس البوذية لمناقشة الخلافات بين المواطنين على أعلى المستويات ، و لعلنا نعرف أن الهند ظلت بوذية لألف عام تقريبا ،و كان يطلق عليها المملكة البوذية ، و أيضا شهدت اليابان تجارب مماثلة في المشاركة العامة ، ففي القرن السابع الميلادي أصدر الأمير البوذي شوتوكو ( دستور السبع عشرة فقرة ) ،و الذي ينص فيه على أن ( لقرارت الهامة لا يصدرها فرد واحد ، بل يجب أن ينبغي أن يناقشها كثيرون ) ، هذه المشاركة العامة نجدها أيضا في صميم تقاليد العديد من القبائل الإفريقية ، بل و في تاريخ الشعوب الإسلامية أيضا ، و هنا لابد أن نفكر بعمق في أن قرآن المسلمين يتحدث عن أن الأمر شورى بين المسلمين ، و يأمر النبي بتلك المشورة ( و شاورهم في الأمر ) ، و عرض الأمور العامة للنقاش كان تقليدا ثابتا للنبي محمد نفسه و خلفائه ، كما عرف الإسلام روادا كبارا في هذا المجال مثل عبد الرحمن الثالث في قرطبة في القرن 10 ،و السلطان جلال الدين أكبر في الهند في القرن 16 .
أريد أن أتوقف هنا آملآ ألا يعتقد أحد أني أرى الشورى الإسلامية هي الديمقراطية الحديثة أو بديلا عنها ، فليس هذا ما أهدف لإثباته ، و لكني أقول أن الشورى و غيرها من التجارب التي تهدف إلى المشاركة السياسية للشعب في اتخاذ القرارات الهامة ، هي الروافد التي غذت الفكر الديمقراطي الحديث ،و أن الديمقراطية ليست فكرة غربية بحتة ، بل هي تراث كوكبي شاركت في صنعه كل الحضارات الهامة ، بما في ذلك الحضارة الإسلامية شديدة التنوع و الثراء .
................................................
ترحيبي الكامل بالزملاء المشاركين .
و سيكون لي عودة خاصة بالردود .