يحاول الكثير من المفكرين والمنورين ذوي الخلفية الإسلامية محاولة جادة لكشف الزيف التاريخي الإسلامي ، ولكن محاولاتهم تبدو بطيئة الخطوات وغير متزنة ولهذا عدة اسباب ، السبب الاهم والقوي هو حكومات المنطقة المسلمة ، وهي في الاغلب الدول العربية والغير عربية كإيران وباكستان ، يدخل منع حرية التفكير وحرية التعبير ضمن كثير من القمعيات في تلك الدول ليس على الجانب الديني بل على الجانب السياسي والإجتماعي ايضاً ولكون الدين في بعض الدول كالسعودية يعتبر اداة حكم فهو يبقى في المقدمة من حيث قمع اي محاولة لقراءته قراءة نقدية عقلانية وفي بعض الدول العربية يدخل اي محاولة لكشف مغالطات دينية واضحة وصريحة تحت بند إزدراء الاديان الذي لا يعمل إلا في خدمة الإسلام بينما قد تهان اديان آخرى يعتنقها أقلية من نفس البلد ولا يعبّر ذلك احد ، لذلك نرى خروج المفكرين والعقلانيين وهجرتهم إلى دول آخرى مانعاً ذلك التواصل مع الشعوب والمجتمعات المحتاجة إلى التنوير العقلاني ، ولكن مع عصر الانترنت اصبح ذلك سهلاً ولكن ليس إلى حد ما فلا زالت الامور القمعية تسري حتى في الشبكة العنكبوتية وذلك عن طريق الحجب وملاحقة المدونين والكتاب .

قمع الحكومات ليس السبب الوحيد في منع قراءة الدين الإسلامي قراءة نقدية وعقلانية تساعد المنورين على كشف المغالطات والتناقض فيه بل قلت انه السبب الاهم ، الاسباب الاخرى تأتي من قبل المفكرين وايضاً من جهة الشعوب المستهدفة لإيصال الرسالة إليهم . في رائي من اكبر عيوب المفكرين والنخبويين المثقفين العرب هي التعامل بفوقية ، التعامل بفوقية يمنع طبقة كبيرة من الناس من إستنباط الرسالة وهذا يعيق العمل التنويري ، لذلك لا غرابة في ان نجد كتب الكثير من المفكرين العرب قد أكل عليها الدهر وشرب في المكتبات إن تم السماح بنشرها ، فهي تتكلم بلغة تبدو صعبة للمتلقي العادي الغير غائر في الثقافة ، انا لا انتقد بذلك اللغة الفصحى واطالب بإستخدام اللغة العامية بل انا من معارضي إستخدام اللغة العامية ، ولكن اقصد من ناحية تعقيد نمط الافكار وطريقة شرحها وصعوبة إستنباط المغزى منها بشكل تبدو عليه تلك الكتب بينية اي بين مفكر إلى مفكر آخر وهذه الثغرة عند التنويريين العرب كانت السبب في غياب بعض المفاهيم الحضارية السامية كالعلمانية والليبرالية والإدينية والتي استغلها بعض رجال الدين الذين يتواصلون مع الشعوب اكثر من توصل هؤلا المفكرين معهم في تغيير معاني المصطلحات وتسييس المجتمعات بلغة بسيطة مفهومة يفهمها المتلقي العادي والذي يشكلون في دولنا العربية الكثير فنحن أمة لا نقراء ومن ذلك نستنتج ان أغلبية الشعب غير مثقف ، هنا في السعودية على سبيل المثال يحتل الدعاة وغربان المنابر مكانة رفيعة في قلوب الناس وذلك بسبب الكاريزما الدينية الشعبوية التي يتصف بها هؤلا الغربان المنابرية ، على العكس من ذلك لا نرى اي محاضرة لناقد او مفكر سعودي إلا في بعض الاندية الادبية والتي كالمعتاد يكون حضورها من الطبقة النخبوية ، حتى كتاباتهم في الصحف المحلية لا يعدو اكثر من جزء بسيط من التعامل بفوقية او من الشعور بيأس تام إتجاه المجتمع يجعلهم ينقدون افكار بعضهم البعض دون النظر في الشريحة الاهم وهم المجتمع والشعب ، وكان نتيجة ذلك على سبيل المثال ان تظهر لنا تعريفات غريبة للعلمانية والليبرالية والادينية وحتى التفكير التنويري وايضاً اصبحت بعض المصطلحات محضورة كتحكيم العقل والتفكير النقدي والمجرد ، لذلك لا غرابة في أن اكثر الشعوب طلباً للفتوى هو الشعب السعودي ، ولا تستغرب ايضاً ان البلد الوحيد الذي يعاقب الساحر بالإعدام هو السعودية فهي بلد تحكمه عقول القرون الوسطى وما قبلها .

الان نحن امام كيان صلب جداً كيان من الشعب الذي أخذ اكثرية الافكار كمسلّم بها ، عندما يأتي مفكر تنويري ويتحدث عن خرافة الجن مثلاً سيكون رد الفعل قوي ومعاكس بدرجة كبيرة فما بالك بمن ينظر في وجود الإلهه بنظرة عقلانية ؟ ، عندما اقراء مثلاً لبعض الكتاب العلمانيين او الملحديين السعوديين اشعر انهم لا يساهمون في إشعال شمعة جديدة للعقل بل يصبون الزيت على النار ، عندما يطلع شخص عادي لأول مرة على مدونة كاتب سعودي ملحد مثلاً لن يتقبل ما سيقراءه على الفور لأن عقله قد صمم لمقاومة اي محاولة للتفكير النقدي المجرد ، بل قد يعتبر موضوع المدونة جيداً لكتابة موضوع في إحدى المنتديات الإسلاموية والنهل على هذا المدون باقذع الادعية واللعنات .

الشيئ الاخر الذي يؤخذ عليه على المفكرين والعرب الذين قاموا بنقد الإسلام بطريقة عقلانية هي التركيز مثلاً على جرائم القتل والعنف والمجازر البشرية التي ارتكبها ، هذه النقطة قد تحرك شعور مواطن نمساوي او سويدي او ياباني او امريكي ، لأن مجتمعاتهم تحترم الإنسان لذاته لا لعقيدته وتعتبر قتل الإنسان لمجرد جوهر عقائدي جريمة بشعة ولا إنسانية ، ولكن وحتى لا استرسل في الامر فيصعب فهمه دعوني اضرب مثالاً على مجتمعي وهو المجتمع السعودي إتجاه هذه النقطة وهي الوحشية الإسلامية إبان بزوغه .

هنا في السعودية تعتبر القبلية هي إحدى القوميات الاهم بين الشعب ، القبلية بغض النظر عن سلبياتها او إيجاباتها يفترض ان لا تكون على ذات الاهمية في بلد يمكن ان نقول عنه بلد مدني ، حتى لو كان هذا مجازياً فالاكثرية يعتبرون السعودية دولة دينية ، من اكثر الاشياء التي يتفاخر بها الشعراء القبليين او حتى القبليين العاديين هي المعارك والحروب القديمة وتمجيد القتل والنحر لذلك تعتبر كلمة " ذئب " وتنطق محلياً " ذيب " تعتبر مدح لذلك يقال عند المدح " يا ذيبان " او " ذيب " مع ان الذئب حيوان مفترس وبغيض عند الكثير من الامم وحيوان مكروه لكونه قاتل متوحش لا يفرق بين حملاً وديع ولا بعير ، إلا انه موضع مدح هنا بسبب الوراثة الشعبية لتمجيد الدم والقتل وهو كما اسلفت المنتشر لدى القبليين وايضاً عند غيرهم ، ليس هذا وحسب بل ان المملكة هي إحدى الدول القليلة ( شخصياً لا اعرف دولة غيرها تقوم بذلك ) التي تنفذ حكومة الإعدام بطريقة وحشية تشمئيز لها كل نفس ، حيث تتم عمليات الإعدام " القصاص " امام الملاء وفي السوق الشعبية يتم ذلك بقطع الراس بالسيف او رمياً بالبندقية ، أغلبيه الناس قد شاهدوا هذا على ارض الواقع او انهم تبادلوها عن طريق مقاطع الفيديو ، تخيل معي هذا المشهد ، مشهد قتل إنسان كان يوماً من الايام حياً يرزق يتحدث ويأكل ويشرب ، لابد ان التعود على هذا المشهد يقتل ويطفئ كل شمعة إنسانية لدى المشاهد ، فعلى عكس ما تريده الحكومة السعودية من أخذ العبرة والعظة من هذا المشهد الدموي سيكون هذا إستدعاء للروح الغرئزية المتوحشة التي كانت السمة السائدة لدى الإنسان البدائي ، حسناً مع شعباً كهذا كيف يمكنك ان تصف لهم وحشية ما حدث لبني قريضة ؟ او المعارك التي سقط فيها المئات من القتلى بطرق وحشية لا تمت للإنسانية بصلة ، بل على العكس سيكون هذا محل فخر وتفاخر للإنسان العادي العربي المسلم الحاقد على الاخر ، سيكون هذا معاكس للنخبة الإسلامية التي تقول عكس هذا ، ولكن لهذه النخبة لغة مع الاخر تختلف عن لغتها مع مجتمعاتها ، هنا اريد ان اصل إلى فكرة ان يتم أخذ الطبيعية البيئة والإجتماعية للشعوب التي بحاجة إلى مفكرين عقلانيين تنويريين ، والبعد عن اللغة الفوقية والمتعالية ، فهناك شعوباً إلى الان تؤمن بالاشباح وبول البعير والسحرة بحاجة لشمعة عقل .

أطلت مع ان للحديث بقية ،، تقبلوا تحياتي ؛؛