![]() |
كيف خلقنا الآلهة والأديان ! ؟ - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +---- المنتدى: تـاريخ و ميثولوجيـا (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=7) +---- الموضوع: كيف خلقنا الآلهة والأديان ! ؟ (/showthread.php?tid=39928) |
كيف خلقنا الآلهة والأديان ! ؟ - الفكر الحر - 10-30-2010 ![]() لا شك أن الإنسان البدائي الذي كان يعيش في الكهوف وتحيط به الغابات المليئة بالحيوانات المفترسة كان يخشى أشياء كثيرة أهمها الظلام والموت. فعندما تغيب الشمس ويكتنفه الليل كان يخشى أن يفترسه أسد أو نمر، خاصةً قبل اكتشاف النار. ولذلك كان القمر في الليالي المقمرة، يمثل له حارساً يمكنه من رؤية الحيوانات المفترسه، ويسمح له في نفس الوقت بالجلوس مع أهله في حلقة لتبادل السمر في جوٍ باردٍ مريح بعد أن تغيب الشمس الحارقة في موطن الإنسان الأول -إفريقيا. ولهذا أصبح القمرُ محبباً إليه، فجعله إلهاً يتوسل إليه ويطلب منه ألا يغيب عنه، رغم أن القمر أصغر من الشمس ولا يطلع عليه كل ليلة، كما تفعل الشمس كل يوم، ولكنه مع ذلك يبدد الظلام فيساعد الإنسان على البقاء حياً. وحتى بعد أن هاجر الإنسان البدائي شمالاً إلى آسيا وأوربا، ظل يعبد القمر ويرمز به إلى الجمال، خاصةً عندما يتحدث عن الأنثى. وفي منطقة ما بين النهرين حيث بدأ تكوين المدن والمجتمعات البشرية، كان الإله "سن" Sin إله القمر، أو "نانا" Nanna كما كان يُعرف في مدينة أور، من أهم الآلهة. وكانوا يرمزون له بثور له قرون كبيرة، وفي النصف الثاني من الشهر عندما ينحدر القمر ويضمحل، كانوا يرمزون له بشيخ كبير له لحية بيضاء، ينفذ بحكمته قرارات الآلهة، وهو المسؤول عن تعيين الملوك، ومنحهم التاج والصولجان. وكانت له زوجة اسمها "بنجال" أي السيدة العظمى، وقد ولدت له السيدة بنجال "شمس" إله الشمس، وعشتار، ربة الزهرة (سليمان مظهر، قصة الديانات، مكتبة مدبولي، 2002، ص 75). وفي اليمن، منشأ العرب العاربة، كان "المقة" هو إله القمر، الذي كانوا يجلسون في ضوئه في الليالي المقمرة ليقصوا القصص ويتسامروا. وعندما هاجر القحطانيون شمالاً، حملوا معهم إله القمر وجعلوا له معبداً في "مقة" التي أصبحت فيما بعد مكة. واستمر إله القمر يُعبد في عدة مجتمعات في إفريقيا وآسيا. ومع اكتشاف الزراعة في منطقة ما بين النهرين وفي مصر، عرف الإنسان أن الشمس مهمة جداً لنضوج المحاصيل الزراعية وتوفير الطعام له، ومن ثم أصبح "شمس" كبير الآلهة، وخاصةً في مصر، حيث كان اسمه "رع" وكان له قصرٌ منيفٌ في مدينة "هليوبولوس" تصطف تماثيل الأسود عند مدخله ويموج داخله بالكهنة الذين يعلمون الناس كيفية عبادة "رع". يفتح إله الشمس عينيه، فيبزغ الفجر على الوجود، ويهتف الناس والآلهة على ضفاف النيل "تباركت يا رع .. يا خالق السموات والأرض .. يا مرسي الجبال وساقي البحار .. يا رسول الفرح والحرارة والضوء إلى أرض السلام". ومن الشرق تبدأ دورة الإله كل يوم، لتنتهي بعد ذلك في الغرب، حيث يختفي موكب رع في ظلمات الأفق، فتظلم الأرض، وتضيء ظلمات العالم السفلي ... إقليم الجحيم الرابض في الأعماق. وهناك يستمر موكب الإله على صفحة نهر كبير، يخترق وادياً يتفرع إلى اثني عشر فرعاً، تفصل كل واحد منها عن الآخر جدران هائلة ذات أبواب ضخام (نفس المصدر، ص 28). ونلاحظ هنا أن النهر ينقسم إلى اثني عشر وادياً، وهي عدد أشهر السنة، وقد أصبح هذا العدد مهماً في اليهودية حيث انقسمت القبائل العبرية إلى اثنتي عشرة قبيلة، وفي الإسلام فيما بعد، حيث ضرب موسى بعصاه الحجر فانبجست منه اثنتي عشرة عيناً، وأصبح لمحمد اثناعشر نقيباً لجيشه. وكان الناس، كل الناس في مصر، يسجدون لرب النور كل صباح (ومن هنا جاءت صلاة الفجر في اليهودية والإسلام). وظل "شمس" كبير الآلهة في مصر، ولكن اسمه وشكله تغير مع تغير الممالك. ففي ممفيس كان اسمه "حورس" ويمثله إنسان برأس صقر. ثم أصبح آمون، وكان يمثله جسم إنسان برأس كبش. وحتى عندما جاء الفرعون أمنحوتب الرابع ودعا إلى الوحدانية، كان إلهه الواحد هو الشمس، الذي سماه "أتون" ورمز له بقرص الشمس وأشعتها الذهبية، وغيّر هو اسمه من أمنحوتب إلى أخناتون. وانتشرت عبادة إله الشمس إلى عدة مجتمعات بشرية في آسيا وأوربا. ولما كان الإنسان البدائي يخاف كذلك من الموت، ولا يعرف له تفسيراً مفيداً، ولا يعرف لماذا يموت الإنسان بعد حياة وجيزة لا تتعدى الثلاثين أو الأربعين سنة، تخيل أن حياته هذه ما هي إلا رحلة وجيزة إلى عالم آخر سوف يعيش فيه إلى الأبد. وكان في البدء، يعتقد أن حياته الثانية في ذلك العالم المجهول سوف تكون مثل حياته هذه، ولذلك بدأ يدفن الملوك بعد تحنيطهم، في قبور كبيرة بها جميع أنواع الطعام، والأثاث وحتى الخدم الذين كانوا يضحون بهم عندما يموت الملك. وكانوا يزودون الميت بتعاويذ مأخوذة من كتاب "الموتى" الديني، كي تساعدهم في استئناف حياة سعيدة في العالم الآخر. وببداية العام 3400 قبل الميلاد أصبحت المقابر الضخمة المزخرفة بالرسوم والمليئة بكل أنواع الطعام والشراب، شيئاً اعتيادياً بالنسبة للموتى الأغنياء Jealous Gods & Chosen People, David Leeming, Oxford University Press, 2004, p 10)) وبالطبع استفاد الكهنة من هذه الطقوس استفادة مادية، وكلما زاد لهم أهل الميت في العطاء، زادوا هم في التعاويذ التي يدفنونها مع الميت. وقد بلغ الكهنة شأواً كبيراً في الغنى والسلطة والنفوذ بحيث أصبح بيدهم التحكم في كل شيء من ثروة البلاد وسياستها (قصة الديانات، ص 47). وانتشرت طبقة الكهنة المسيطرين على الأحياء من وراء خدمة الأموات في آسيا وأوربا منذ ذلك الوقت الممعن في القدم. وما زال وعاظ السلاطين هم المستفيد الأوائل من الأديان وقد تشعبت تجارتهم لتشمل الفتاوى التي تحدد للناس كيف يعزفون عن الحياة الدنيا كي يستمتعوا بالحياة القادمة. وقد عرف قدماء المصريين أن بعض الناس في هذه الحياة خيرّون وبعضهم مجرمون، فكان لا بد لهم ان يحاسبوا على أعمالهم في الآخرة، فتخيلوا قاعة ضخمة هي محكمة الآخرة، التي في وسطها ميزان توزن فيه الحسنات والسيئات، ويستجوب الإله أنوبيس الموتى. فمن رجحت حسناته، قاده الآلهة المحيطون بأنوبيس إلى جنة الأموات الصالحين حيث يستمتع بالسعادة الدائمة، وأما من رجحت مساوئه ، فإنه يُسلم إلى الإلهة "معات" كلبة سيد الأمنت "الدار الآخرة" لتفترسه (قصة الديانات، ص 46). وهكذا أصبح الخوف من تلك الكلبة هو الوازع للإنسان لطاعة الكهنة وفعل كل ما يرضي الإله. فالأديان منذ الأزل اعتمدت على عامل التخويف من العذاب ولم تعتمد على وازع الضمير. حياة الاستقرار الزراعي قادت الإنسان في العصر الحجري لأن يفكر في كيفية خروج الغلال من الزرع الأخضر، وبالتالي كيفية تكوين الطفل في بطن أمه، ثم كيفية وجود العالم نفسه. وبذا بدأت ميثولوجيا قصة الخلق. بالنسبة لقدماء المصريين فإن إله الشمس "رع" عندما كبر وتعب، اعتلى ظهر البقرة الإلهية " نوت" التي هي ابنته، فارتفعت أكثر وتقوست حتى أصبحت كالقبة. غير أن نوت لم تستطع أن تصمد طويلاً، وكادت تنهار تحت ثقل رع، فخارت قواها ووهنت قوائمها، ولم تجد بداً من طلب العون، عندئذٍ قال رع: "يا ولدي شو! ضع نفسك تحت ابنتي نوت وآزرها في حملي، واجعلها تستند على ذراعيك القويتين من الجانبين." وأطاع شو وسلمت نوت من السقوط، وامتد بطنها حتى صار قبةً زرقاء صارت هي نفسها فيما بعد السماء، وراح رع ينشر على صفحتها النجوم لتنير الليل. أما في مملكة ممفيس التي أتت بعد زوال مملكة هليوبوليس، كان الإله " بتاح" هو خالق السماء والأرض والبشر وكل الأشياء. وقال كهنته إنه خلق الأشياء كلها بأن فكر فيها قلبه ثم نطق بها لسانه، أي بصورة أخرى، فقد نشأ الكون أول الأمر صورة في ذهن الإله بتاح، ثم نطق به، فكان. أي قال له كن، فكان. وفي مملكة طيبة كان الكهنوت يعتقدون أن "آمون" عندما جاء إلى الوجود لم يكن هناك شيء كائن، لهذا كان هو خالق نفسه بنفسه، ثم جاءت الآلهة بعده إلى الوجود. وهو لم يكن له أب أو أم. والإله "رع" كذلك خلق نفسه بنفسه، ففي البدء لم يكن هناك غير محيط أزلي مظلم... هو " نون"، برز منه إله الشمس بقدرةٍ فيه... وكان هو نفسه رع، تماماً كما كان هو نفسه أيضاً الإله المبديء "آتوم" وكانا مقترنين معاً. ثم خلق من نفسه وبطريقة مادية أول زوج من الآلهة، هما "شو" إله الهواء، و " تفنوت" إلهة الندى. ومن هذين وُلد "جِب" Gib إله الأرض و " نوت" إلهة السماء. وكانت الأرض والسماء رتقاً ففتقهما "شو" (قصة الديانات ص 29). في سومر في الألفية الرابعة قبل الميلاد، كان الإله أنو Anu هو الإله الأب الذي كان هو السماء، وقد انفصل منذ البدء عن لصيقه "يوراس" أو "كاي"، الذي هو الأرض، وبهذا الانفصال قد أفسح مجالاً لخلق الكون. وقد كان آنو عجلاً كبيراً خواره الرعد، ومنيه الذي يتدفق دائماً هو المطر الذي يخصّب به الأرض "كاي". وفي بعض المدن السومرية كانوا يعتقدون أن الإلهة أنتو Antuهي السماء وأن حليبها الذي ينزل من ضرع السحاب، هو المطر الذي يخصّب الأرض (Jealous Gods & Chosen People, p 38). وفي الميثولوجيا البابلية كانوا يعتقدون أن الإله أنو كان ابن الإله أنشار والإلهة كنشار. كان الإله آنو أهم إله في أوروك بالنسبة للميثولوجيا السومرية، لكنه فقد بعض أهميته مع مرور الزمن للآلهة الجدد أمثال مردوك، وإنليل والإلهة أنانا "عشتار". يقول صمويل كريمر في كتابه "الميثولوجيا السومرية" إن الكون كان يُعرف ب "أنكي" an-kiوهذه الكلمة تتكون من "آن" وتعني السماء، و "كي" وتعني الأرض. وقد ظهر هذا الكون في شكل جبل من الماء الأزلي تحت الإلهة نامو Nammu. فالأرض والسماء كانتا جسماً واحداً، وكان لا بد لهما من الانفصال حتى يخلقا مجالاً لبقية الخلق. وعليه فقد رفع إله السماء "آن" نفسه إلى أعلى، بينما أنزل الإله "إنليل" إله الهواء، أمه الأرض إلى أسفل، وبذا ترك فضاءً لبقية الخلق. ثم تكاثر الآلهة الذين كانوا يفلحون الأرض. وقد صعب عليهم هذا العمل، خاصة على الإله إنكي Enki ابن "نامو" كبيرة الآلهة. وقد كان إنكي يحب النوم، فاقترحت عليه أمه أن يخلق بشراً يفلحون الأرض نيابةً عنه وعن بقية الآلهة. ولكن أنكي الكسلان طلب من أمه أن تأخذ بعض الطين من الأرض التي كان ينام عليها، وتصنع منه أشكالاً بشرية، وبذا خلقت نامو البشر الذين أصبحوا يعملون بالزراعة بدل الآلهة (Kramer, Samuel Noah, Sumerian Mythology, New York, 1961, p41). قصة الخلق السومرية تقول إن العالم لم يكن شيئاً وكل ما كان هناك هو "إبسو" المحيط الأزلي، و "تيمات" المياه المالحة. ومع مرور الزمن اختلط الماء بالفضاء، ومن اختلاطهما خرجت أشياء أخذت تنمو وتتخذ لها أشكالاً عديدة. ثم ظلت ترتفع حتى استقرت في أعلى وكان منها كل آلهة النور. وأطلت "تيمات" إلى المخلوقات الجديدة، وهالها ما رأت، فهم لا يريدون غير النور، وهي تهوى الظلام. وقررت تيمات أن تتخلص منهم وأن تشن عليهم حرباً لا هوادة فيها. وظلت تيمات تعمل بلا انقطاع، ومن جوفها جاءت الوحوش المفترسة وانطلقت الثعابين ذات السم وخرجت الكلاب والعقارب. كل هذه الحيوانات كانت تتحرك تحت إمرة الوحش "كنجو" العملاق الذي وعدته تيمات بالزواج إذا تغلب على آلهة النور وقد ملأ الخوف آلهة النور وحاولوا الصلح مع تيمات. وفي قصة الخلق البابلية تجلت مقدرة الكهنة في "الانيوما أليش" Enuma Elish التي وُجدت مدونة على أقراص طينية في مكتبة نينوى، ويرجع تاريخها إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، وفي هذه الميثولوجيا البابلية انتهى دور الإلهة الانثى واهبة الخصب، وحل مكانها الإله "مردوك " Murduk في أيام نبوخذنصر الأول. استطاع مردوك أن يقتل "تيمات" الشريرة، وشق جسدها إلى شقين، رفع أحدهما ليكون السماء، وخفض الآخر ليكون الأرض. وعندما رفع مردوك السماء نثر على صفحتها الكواكب. ثم قسم السنة إلى شهور وجعل لكل شهر ثلاثة كواكب. كما جعل لإله القمر حكم الليل وإضاءته، ومنحه كل شهر يوماً يستريح فيه. وقدر مردوك أن الآلهة كانت في حاجة إلى من يصلي لها ويعبدها، فانحنى مردوك على الأرض وشرع يعجن التراب بدمائه ويصنع من الطين ناساً تقوم على خدمة الآلهة والصلاة لهم. وهكذا خُلقت البشرية. قارن سبب خلق البشر هنا مع سببه في القرآن (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدونِ) وجاء حمورابي (1792-1750 قبل الميلاد) ووسع مملكته شمالاً وجنوباً إلى أعالي نهر دجلة، وضم بلاد الآشوريين إليها ووصل إلى الخليج الفارسي. وجعل حمورابي "مردوك" إله مملكته الواسعة واستخرج من تعاليم تلك الفلسفة الميثولوجية قوانيناً كتبها على حجر كبير في وسط بابل كي يطلع عليها كل إنسان. وما زالت قوانين حمورابي تلك تتفوق على قوانين الأديان الإبراهيمية التي أتت بعدها. وفي الهند، في حوالي العام 560 قبل الميلاد، حلمت الملكة "مايا" بأن أربعةً من الملائكة في ثيابٍ بيض يتقدمون منها ويحملونها بكل محتويات حجرتها ويطيرون بها إلى أعلى قمة في جبال الهملايا، حيث تقوم شجرة باسقة خضراء، ويضعونها تحت ظلها. ولا تكاد الملكة تطل حولها حتى تقترب منها أربع ملكات يدخلنها الحمام ويلبسنها ثياباً جميلة ويعطرنها بعطور رائعة، ثم يحملنها إلى منزل آخر مصنوع من الفضة، وتضعها الملكات على فراش مقدس، وهناك يهبط فيل أبيض من فوق جبل ذهبي ويتقدم منها، وفي خرطومه غصن من نبات البشنين، ويمس الفيل جانب الملكة الأيمن ويدخل في رحمها. ويذكرنا هذا الحلم بسدرة المنتهى التي هي في السماء السابعة، كما كانت تلك الشجرة الخضراء الباسقة على قمة جبال الهملايا، وهي أعلى قمة في العالم. والفيل الأبيض يمثل قصة مريم في القرآن عندما أرسل الله لها روحه فتمثلت لها بشراً سوياً، ونفخ في فرجها، فأدخل عيسى في رحمها، كما دخل الفيل في رحم الملكة. ولكن الميثولوجيا الهندية كانت أكثر تهذيبا، إذ أدخلت الفيل من جنب الملكة، وليس من فرجها. وجاء حكماء المملكة ليفسروا للملك ذلك الحلم الغريب، وبشروا الملك بأن الملكة سوف تلد غلاماً إما أن يصبح ملكاً أو يهيم على وجهه في الأرض ويصبح البوذا الذي يكشف نقاب الجهل عن هذا العالم. وفعلاً حملت الملكة وعندما جاءها المخاض جلست تحت شجرة، بعد أن حجبها الخدم بستار خاص، ولما أرادت النهوض مدت يدها إلى غصن الشجرة فانحنى من تلقاء نفسه حتى قارب كفها. ولم تكد تنهض حتى كان تحتها طفل تلقفته أيدي أربعة من البراهمة، فوقف المولود فجأة، وتقدم إلى الأمام سبع خطوات، ثم صاح في صوت عذب: أنا سيد هذا العالم وهذه الحياة هي آخر حياة لي (قصة الديانات، ص 100). ومع الأيام وصل الأمير سيدهاتا جاوتاما مرتبة "البوذا" أي المستنير، وأصبحت الليلة التي وصل فيها إلى تلك المرتبة تُعرف بالليلة المباركة، والشجرة التي كان يجلس تحتها أصبحت تُعرف يشجرة "البو" أي الشجرة المقدسة. وأوصى بوذا أتباعه باتباع الطريق ذي الثمان شعب: الإيمان بالحق، وهو الإيمان بأن الحقيقة هي الهادي للإنسان القرار الحق، بأن يكون المرء هادئاً دائماً لا يفعل إذًى بأي مخلوق الكلام الحق، بالبعد عن الكذب والنميمة وعدم استخدام اللفظ المشين السلوك الحق، بعدم السرقة والقتل وفعل شيء يأسف له المرء فيما بعد العمل الحق، بالبعد عن العمل السيء مثل التزييف وتناول السلع المسروقة وعدم أخذ المرء ما ليس له الجهد الحق، بالسعي دائماً إلى كل ما هو خير والابتعاد عما هو شر التأمل الحق، بالهدوء دائماً وعدم الاستسلام للفرح أو الحزن التركيز الحق، وهذا لا يكون إلا باتباع القواعد السابقة وبلوغ المرء مرحلة السلام الكامل. هذا ما كان من قصة خلق العالم وخلق الآلهة منذ أيام الإنسان في العصر الحجري، حتى ظهور بوذا في منتصف الألفية الأولى قبل الميلاد. فالوصايا التي أتى بها بوذا هي نفس الوصايا العشر التي أتى بها موسى. فهل أتت الأديان الإبراهيمية أو "السماوية" بقصص أو أخلاقيات تزيد عما أتى به إنسان العصر الحجري من خيال ومُثل تحكم عالمه البدائي؟ في فترة حكم الفرعون أخناتون (1366-1347 قبل الميلاد) وفي أثناء الاضطرابات السياسية التي تبعت اعلان الدين الجديد – دين التوحيد – فقدت مصر سيطرتها على أرض كنعان. وقد أظهرت المكاتبات الدبلوماسية لتلك الفترة قلق الساسة المصريين من وجود أعداد كبيرة من الغرباء Apiru الذين رمزوا إليهم ب "بدو يهوه" في شرق الدلتا في صحراء سيناء (Weinfeld, Moshe, Israelite Religion, Encyclopedia of Religion, v.7, p 483). ويُجمع عدد كبير من الدارسين لتاريخ مصر القديم أن هؤلاء الغرباء Apiru أو Habiru هم القبائل العبرية التي نزحت من شمال مصر إلى أرض كنعان في حوالي العام 1250 قبل الميلاد (بعد أن فقدت مصر السيطرة على ذلك الإقليم) وهم الأساس لقصة "الخروج" التوراتية: Jealous Gods & Chosen People, David Leeming, Oxford University Press, 2004, p17)) وبما أنهم أصلاً كانوا في شمال الدلتا وفي صحراء سيناء، لم يكن هناك أي سبب لموسى ليضرب البحر بعصاه لينفلق لهم إذ لم تكن قناة السويس موجودة في ذلك الوقت، وكان الطريق لأرض كنعان مفتوحاً لهم. وحتى ذلك التاريخ، أي أيام حكم أخناتون، لم تُظهر السجلات المصرية أي ذكر للنبي إبراهيم الذي زار مصر مع زوجته الجميلة "سراي"، كما تقول التوراة، ولا لموسى الذي ألقى عصاه فابتلعت كل حبال وعصوات السحرة المصريين. ولكن السجلات المصرية قد أظهرت أن بعض "الغرباء" الذين كانوا في مصر ربما كانوا عبيداً قد هربوا وتبعهم الجنود المصريون (Weinfeld, p 484). ويجمع معظم المؤرخين أن قصة النبي إبراهيم التوراتية تدور فصولها في حوالي العام 1800 قبل الميلاد وما بعده. وفي تلك الحقبة من الزمن، أي نهاية الألفية الثالثة والنصف الأول من الألفية الثانية قبل الميلاد، كانت منطقة ما بين النهرين "مسوبوتوميا" قد عرفت التأريخ وأرخت لهذه الفترة بالتفصيل في الألواح الطينية لمملكة سومر ومملكة ألآكاديين والبابليين، وخاصةً فترة حمورابي (1792-1750 قبل الميلاد) التي صادفت ظهور الإله مردوك، وكتابة قوانين حمورابي. فأي حدث مهم مثل ظهور النبي إبراهيم وتحطيم الأصنام وإلقاء إبراهيم في النار، كان لا بد أن يذكره مؤرخو ذلك الزمان، ولكن لا يوجد أي ذكر لمثل هذه الأحداث بينما ذكرت الألواح أن الفرس Elamites عندما تغلبوا على بابل، أخذوا تمثال الإله مردوك إلى بلادهم، وعندما غزاهم الملك نبوخذنصر الأول، استرد ذلك النمثال المهم. فلو كان إبراهيم قد حطم كل التماثيل، فلا شك أن المؤرخين كانوا سيدونون ذلك الحدث الخطير. بدأت قصة الديانات السماوية مع رجوع العبريين الذين كان الملك نبوخذنصر قد أسرهم من أرض كنعان وأخذهم إلى بابل. وبعد أن تشبعوا بالمثولوجيا البابلية والسومرية والآشورية، رجعوا إلى أرض كنعان وكتبوا الميثولوجيا العبرية في حوالي العام 500 قبل الميلاد، وجعلوا بدايتها قصة إبراهيم، ثم ظهور موسى الذي أخرجهم من مصر من تحت ظلم الفرعون، وعبورهم البحر، وبقية قصص أنبيائهم العديدين. و زعموا أن "يهوه" قد أخرجهم من مصر واختارهم على العالمين وجعلهم شعبه المختار، ووهبهم أرض كنعان لأنهم عاشوا طوال حياتهم بلا أرض. ويتفق معظم المؤرخين الحديثين على أن قصة وشخصية النبي إبراهيم هي قصة من الأساطير ولا وجود لها في عالم الحقيقة، وينطبق نفس الشيء على قصة موسى، الذي نسج العبريون تفاصيلها على قصة الفرعون أخناتون (1366- 1347)، وهي الفترة التي اتفق المؤرخون أن قصة "الخروج" من مصر دارت حوادثها فيها. فهل أتت الأديان الإبراهيمية بأي جديد، سواءً في قصة الخلق، أو في الأخلاق وسلوكيات البشر، غير ما كان معروفاً للسومريين والبابليين والآشوريين وقدماء المصريين أو قدماء اليونان؟ لم تذكر لنا الميثولوجيا العبرية ولا الإنجيل المسيحي ولا القرآن أي شيء عن الديانة التي أتى بها إبراهيم، غير ما ذكره القرآن من أن إبراهيم كان مسلماً حنيفاً. وإذا تركنا إبراهيم وحنيفيته، نجد أن قصة الأديان السماوية تبدأ بقصة الخلق التوراتية، ثم الخروج من مصر بقيادة موسى. قصة الخلق، أي بداية الكون، تبدأ في العهد القديم بطيران روح يهوه على الماء، قبل أن يخلق الأرض والسموات. اليهودية تخبرنا أن الله خلق العالم في ستة أيام واستراح في اليوم السابع. وبدأ بأن خلق الأرض، ثم (قال الله "ليكن نورٌ" فكان نور. وفصل الله بين النور والظلمة ودعا النور نهاراً، والظلمة ليلاً. وقال الله ليكن جَلَدٌ في وسط المياه، وعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والتي فوق الجلد، ودعا الله الجلد سماء، وكان ذلك يوماً ثانياً) انتهى. ومع أننا الآن يمكن أن نضحك من سذاجة تفكير السومريين والبابليين في قصة الخلق، فإن قصة الخلق في التوراة لا تقل سذاجة. فالله خلق الأرض في الظلام، ثم قال في اليوم الأول "ليكن نورٌ". ولا يمكن أن يكون هناك يوم أول والشمس لم تخلق بعد لأن الله خلق جَلَداً في اليوم الثاني ودعا ذلك الجلد "سماء". ولا يمكن أن تكون الشمس قد وجدت بدون سماء. ثم أن النور والظلام لم يكونا شيئاً واحداً حتى يفصلهما الله، ولا يمكن لهما أن يجتمعا. و السماء أو الجَلد، خلقها الله لتفصل الماء الذي تحت الجلد من الماء الذي فوق الجلد. فما هو الماء الذي فوق السماء. فهم كانوا، كالبابليين والسومريين، يعتقدون أن السماء جسم صلب بناه الله، أو قال له كن، فكان. وماهو الشيء الذي كان يسند الماء الأزلي قبل أن يخلق الله الأرض؟ فالقصة طبعاً لم تحدث بهذا التسلسل لأنه تسلسل ميثولوجي لم يحدث في أرض الواقع وإنما كتبوه على منوال الميثولوجيات السابقة. وفي الإسلام يعم الاضطراب قصة خلق السموات والأرض التي يقول فيها إنه خلق الأرض في يومين وخلق أقواتها في يومين أو أربعة أيام، وخلق السموات في يومين، ثم صمت ولم يخبرنا ماذا فعل في اليوم السابع ليكمل أيام الأسبوع. ومرة يخبرنا أنه خلق الأرض أولاً، ثم يعود في آيات أخريات ويخبرنا أنه خلق السموات أولاً. ولم يخبرنا القرآن ماذا كان يسند الماء الذي استقر عليه العرش، فالماء لا يستقر على فراغ. وقد رأينا في مقال سابق محاولة د. بوكاي أن يصالح خرافة الخلق في القرآن مع العلم الحديث، عندما زعم أن اليوم القرآني لا يعني اليوم الذي تعارفنا عليه. وكاتب القرآن الذي يقول إن الله خلق الأرض في يومين وقدر أقواتها في يومين ثم استوى إلى السماء وهي دخان، لم يكن يعرف أن اليوم لا يمكن أن يحدث إذا كانت السماء والشمس لم تخلقا بعد. فكل حساباته في أيام الخلق حسابات خاطئة، سواءً كانت أياماً أو فترات زمنية غير محددة، كما يقول د. بوكاي.. فقصة الخلق في التوراة والقرآن لا تختلف عن قصص الخلق في الميثولوجيات القديمة. وقد رأينا في الميثولوجيا البابلية أنه لم يكن هناك شيء سوى "إبسو" ذلك المحيط الأزلي، و"تيمات" بحيرة المياه المالحة، وعندما اختلط الماء بالفضاء، ظهرت الآلهة العديدة، ثم قتل مردوك تيمات وشق جسدها نصفين، وخلق من النصف الأول السماء ومن النصف الثاني الأرض. وقد رأينا كذلك أن الإله بتاح في هليوبولس كان يخلق الإشياء بأن يفكر فيها ثم ينطقها فتكون، وقد فكر في السماء والأرض فكانتا. وقد استعار كُتّاب الميثولوجيا اليهودية والإسلامية فكرة أن الماء الأزلي وجد منذ الأزل، ووضعوا عليه العرش. ثم زاد محمد في الإسلام الآية التي تقول (سبحانه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)، وأعتبر الإسلاميون أن هذه الآية تبين مقدرة الله العظيمة، ولكن المشكلة هنا هي أن كهنة "بتاح" كانوا قد سبقوا الله بهذه الفكرة، فلا جديد هنا. ويفاخر مدعو الإعجاز العلمي في القرآن بأن القرآن يقول (إن السماء والأرض كانت رتقاً ففتقناهما)، وهذا لا يتعارض، في رأيهم، مع نظرية "البج بانج" Big Bang، ولكن كل الميثولوجيات القديمة تخبرنا أن الآلهة شقت بقرة أو إلهة وخلقت من نصفها الأول السماء ومن النصف الثاني الأرض، كما فعل مردوك عندما شق تيمات. وهذا يعني أن السماء والأرض كانتا رتقاً، ثم فصلتهما الآلهة. بينما تخبرنا الميثولوجيا المصرية أن الإله رع خلق من نفسه وبطريقة مادية أول زوج من الآلهة هما "شو" إله الهواء، و " تفنوت" إلهة الندى. ومن هذين وُلد "جِب" Gib إله الأرض و " نوت" إلهة السماء (وكانت الأرض والسماء رتقاً ففتقهما "شو") (قصة الديانات، ص 29). فحتى التعابير القرآنية قد سبقتهم إليها الميثولوجية المصرية. ثم تأتي قصة خلق الإنسان التي تقول الميثولوجيا اليهودية إنها بدأت بخلق آدم من تراب قبل حوالي سبع آلاف وخمسمائة سنة، وأسكنه الله الجنة. وأنام الله آدم وخلق من ضلعه المرأة (حواء)، وأكل آدم وحواء من الشجرة الممنوعة، فاعتبر الله هذا الأمر خطيئة لا يمكن أن يغفرها لهما فأخرجهما من الجنة. ونقل محمد القصة بحذافيرها إلى الإسلام. ولم يوضح لنا أي منهما كيف كان الأكل من تلك الشجرة خطيئة لا تُغتفر، بينما سمح الله لأولاد آدم أن يعاشروا إخواتهم جنسياً ليعمروا الأرض، ولم يعتبر الله أنها خطيئة أن ينكح الرجل أخته من أمه وأبيه؟ والله هو الذي فرض عليهم أن ينكحوا إخواتهم لأنه لم يخلق لهم نساء أخريات، والداعي إلى المعصية عاصي، كما يقول فقهاء الإسلام. الميثولوجيا المصرية تخبرنا أن إله الشمس "رع" كبير الآلهة، خلق البشر في فمه ثم تفلهم على الأرض (قصة الديانات، سليمان مظهر، مكتبة مدبولي، 2002، ص 30). ولا بد أن قدماء المصريين قد شاهدوا بعض الأسماك التي تحمل بيضها في فمها إلى أن يفقس ثم تُخرج الأسماك الصغيرة من فمها، فجعلوا رع مثل السمكة تبصق أطفالها من فمها. أما الإله "بتاح" فقد فكر في خلق البشر بذهنه ثم نطق بالفكرة فكان البشر. في الميثولوجيا السومرية نجد أن الإلهة "نامو" Nammu فكرت أن تطلب من إبنها الكسلان "انكي" Enki أن يخلق مخلوقات تفلح الأرض بدل الآلهة الذين ملوا حرثها، فطلب هو منها أن تأخذ قبضةً من الطين الذي كان ينام عليه في المستنقعات بالأرض وتخلق منه أشكالاً طينية وتنفخ فيها الروح، فخلقت البشر Jealous Gods & Chosen People, p 42)) بينما تخبرنا الميثولوجيا البابلية أن مردوك توصل إلى أن الآلهة في حاجة إلى من يصلي لها ويعبدها، وإذاً فلتكن المعجزة هي خلق الإنسان. وانحنى مردوك على الأرض وشرع يعجن التراب بدمائه ويصنع من الطين ناساً تقوم على خدمة الآلهة والصلاة لهم وعبادتهم (قصة الديانات، ص 63). وقد استعار القرآن هذه الفكرة، وقال (ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدونِ) (الذاريات 56). فالميثولوجيات القديمة تفادت الحرج الأخلاقي الذي وقع فيه الإسلام، كما وقعت فيه اليهودية من قبله، وجعل أبناء آدم ينكحون إخواتهم لأن الله خلق جوزاً واحداً فقط من البشر، بينما الآلهة القدماء خلقوا كل البشر دفعة واحدة وبذا أتاحوا للرجال أن يتفادوا نكاح إخواتهم. وعلى أقل تقدير، فإن أخلاقيات السومريين كانت أعلى درجةً من أخلاق كُتّاب الميثولوجيا الإبراهيمية. قصة الطوفان: بنهاية العصر الجليدي الأخير قبل حوالي اثني عشر ألف عامٍ، ذاب الجليد الذي كان يغطي أجزاءً كبيرة من الأرض، فارتفع سطح البحار وغطت المياة أجزاء كبيرة من الأرض. وبالطبع مات عدد كبير من الناس والحيوانات، ولكن من نجا منهم نقل قصة تلك المآسي إلى أحفاده، ونقلوها هم بدورهم إلى أطفالهم وأحقادهم. وعندما بدأ الإنسان كتابة الميثولوجيا في مصر واليونان وميسوبوتيميا، كان لابد لهم من ذكر الطوفان. ففي جميع الأساطير القديمة تغضب الآلهة على الإنسان، وتختار شخصاً واحداً ينجو مع أسرته من الطوفان المدمر الذي ترسله الآلهة على الناس العاصين. فالميثولوجيا البابلية تخبرنا أن الإنسان لم يعد ذلك الإنسان الطيب الذي خلقه مردوك في صورته، وغضبت الآلهة على المخلوقات، وكان أكثر الآلهة غضباً هو الإله مردوك، الذي قرر أن يرسل طوفاناً عارماً ليهلك البشر ويمحو به آثار أعمالهم السيئة، غير أن "آي" Ea إله الحكمة، أخذته الشفقة على البشر واعتزم أن يُنجي منهم على الأقل رجلاً وامرأة .. يحفظان سر الخلق. وكان "شمس نيشتين" وزوجته هما الذان وقع عليهما اختيار الإله. وفي ذلك اليوم، وبينما كان شمس نائماً، جاءه صوت الإله في الحلم يقول: انهض يا بن "أوبارا توتو"، يا من أطعت الآلهة وحفظت العهد الذي وضعوه فيك. انهض فاهدم بيتك واصنع من الخشب فلكاً تضع فيه كل ما تحتاجه لحياتك، وخذ معك حبةً حيةً من كل شيء، نحميها كما نحميك من الطوفان الذي سيحل على الأرض التي امتلأت بالشر والفساد والطغيان.. وانطلق نيشتين إلى الفلك ومعه زوجه وأبناؤه وضم الفلك بين جنباته كميات كبيرة من الخمر والزيت، وأكوام حبوب، وزوجين من كل حيوان، ومن خلفه أغلق الباب. ومرت بالأفق سحابة سوداء غطت كل الأرض، يسوقها الإله "رامان" مطلق الرعود، ومن خلفه الإلاهان " نابو" ومردوك يفتحان للمطر كل طاقات السماء (قصة الديانات ص 65). وفي إحدى ملحمات جلجامش البابلية في اللوح رقم 11 (وهناك على الأقل خمسة ملحمات مختلفة لجلجامش)، نجد جلجامش، الإنسان المعرض للموت، يطلب من أتنابشتيم أن يشرح له كيف تمكن من إحراز الخلود، فيخبره عن قصة الطوفان، وكيف أن الإله "آي" Ea قد جاءه في الحلم وأخبره عن الطوفان القادم ونصحه أن يبني مركباً لينقذ نفسه وأسرته وعينات من كل الأحياء، وأعطاه مقاسات ذلك المركب (وتكاد تكون هي نفس المقاسات التي ذكرها كُتاب التوراة). وجاء الطوفان الذي دمر الدنيا واستمر سبعة أيام. وعندما هدأت العاصفة أرسل أتنابشتيم قمرية لتجد لهم أرضاً يابسة، فعادت القمرية بلا نتيجة، ثم أرسل طائراً صغيراً فعاد إلى المركب، وعندما أرسل الغراب ولم يعد الغراب إلى السفينة، عرف أتنابشتيم أنهم قد نجوا. فقدم أتنابشتيم القرابين إلى الآله، فمنحه الإله إنليل الخلود. ولما أبدى جلجامش رغبته في الحياة الأبدية، تحداه أتنابشتيم أن لا ينام لمدة سبعة أيام، ولكن البطل جلجامش لم يستطع أن يقاوم النوم ونام في اليوم الأول، فخبزت زوجة أتنابشتيم رغيفاً عن كل يوم ظل فيه جلجامش نائماً. وعندما أفاق جلجامش ورأى الخبز قد عطب، عرف أنه إنسان ولا يمكنه أن يحوز على الخلود. وقبل أن يترك جلجامش، أخبره أتنابشتيم عن نبات في قاع البحر سوف يمنحه الخلود إذا استخرجه وأكله. وتمكن جلجامش من إخراج النبات من قاع البحر، لكنه نام قبل أن يأكله، فمرت حية وأخذت النبات وأكلته فأحرزت الخلود، ولهذا تغير الحية جلدها كلما كبرت عليه. Jealous Gods & Chosen People, p 60)). ويظهر جلياً أن قصة الفيضان في التوراة والقرآن، وقصة الحية التي أدخلت الشيطان إلى الجنة ليغري آدم وحواء، بعد أن طرده الله منها، هي صورة طبق الأصل من أسطورة جلجامش، ولم تغير التوراة ولا القرآن إلا الأسماء. ففي التوراة رسا المركب على جبال أرارات Ararat بينما في القرآن رست على "الجودي" بتركيا وفي ملحمة جلجامش، رسا المركب على جبل "نسير" Nisir. ويتغير اسم الشخص الذي اختارته الآلهة لينجو مع زوجته ليعمر الأرض، ففي بعض الروايات السومرية كان اسمه "تجتوح" و كان "كزيزوتروس" عند الآشوريين، و "دوكاليون" عند الإغريق. وفي اليهودية والإسلام هو "نوح". ولا تختلف قصة نوح في التوراة والقرآن عن الميثولوجيا القديمة إلا في بعض الرتوش. ونلاحظ أن القرآن أخذ قصة الخبز الذي خبزته زوجة اتنابشتيم عندما نام جلجامش وفسد الخبز، واستعملها في قصة الرجل الذي مر على قرية خاوية فقال كيف يحيي الله هذه القرية بعد موتها، فأماته الله مائة عام مع حماره، ولما أحياه سأله كم سنةٍ نام، فقال إنه نام يوماً أو بضعة يومٍ، فقال القرآن (قال بل لبست مائة عامٍ فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلنك آيةً للناس وانظر إلى العظام كبف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير) (البقرة 259). غير أن كاتب القرآن أخطأ وقال إن الطعام لم يتسنه، أي لم يفسد، وهو العكس من المطلوب، لأن الله لو أراد أن يثبت له أنه نام مائة عام، كان لابد أن يريه طول المدة بفساد الخبز أو الطعام، فإذا ظل الطعام طازجاً فهذا يعني أنه نام يوماً واحداً. ولو أجاز سكان بابل في العصور الحجرية قصة الطوفان، فلا يمكننا أن نجيز أخلاقياتها التي تعاقب الأبرياء عقاباً جماعياً لأن بعض الناس قد أفسدوا في الأرض. فما هو ذنب الأطفال، والحيوانات العديدة التي أغرقها الطوفان الإلهي؟ فلا الأطفال ولا الحيوانات يمكن أن يكونوا قد أفسدوا في الأرض. فالإله الجديد الذي خلقته الميثولوجيا الإيراهيمية لم يكن أكثر عدلاً أو حكمة من آلهة سومر وبابل، وإن أحاطه الكهنة الجدد بكل ألقاب الرحمة والعطف. وما زال وعاظ السلاطين في المغرب، والسعودية ومصر يزعمون أن الزلزال أو التسونامي الذي ضرب إندونيسيا قبل سنوات، كان نتيجة غضب الله على مسلمي إندونيسيا لأنهم سمحوا بفساد السياح في أنديتهم الليلية، كأنما الله لا يرى ما يحدث في أندية لندن وباريس ونيويورك. موسى والسلة: تقول التوراة، كما يقول القرآن، إن فرعون أمر بقتل كل صبيان اليهود لأن السحرة قد أخبروه أن طفلاً يهودياً سوف يتسبب في نهاية حكمه. ولما وُلد موسى وضعته أمه في سلة في النيل ووجدته ابنة أو زوجة فرعون وأخذته وربته في القصر. والقصة بكاملها مأخوذة من الميثولوجيا الآكادية التي تقول إن الملك "سرجون" Sargon وُلد من أم وضيعة وأب غير معروف، ووضعته أمه في سلة في نهر الفرات واختفت. ووجده رجل فقير وأخذه ورباه كأبنه. وقد اعتنت به الإلهة عشتار. وعندما كبر أصبح ملكاً ثم إلهاً. والميثولوجيات القديمة مليئة بنفس القصة مع تغيير بسيط في السيناريو. نجاسة المرأة: اليهودية سبقت الإسلام في جعل المرأة نجساً إذا بدأ عندها الطمث (الحيض) ومن ثم تبعها الإسلام في ذلك وقال (يسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النساء في المحيض حتى يطهرن) (البقرة 222). وافكرة طهارة المرأة عند الحيض لها سابقة في قصص الميثولوجيا السومرية: فعندما وصلت الإلهة " ننليل" Ninlil سن البلوغ وبدأ عندها الطمث، أمرتها أمها أن تذهب إلى النهر لتتطهر، ولكن عليها أن تتفادى الذهاب إلى القناة التي في الغالب ما يتربص بها الإله "إنليل" Enlil الذي سوف يغتصبها إذا ذهبت إلىها. وبالطبع شعرت الفتاة أنها منجذبة إلى القناة، وفعلاً اغتصبها "إنليل" قبل أن تتطهر، واجتمع مجلس قضاة الآلهة المكون من خمسين إلهاً، ونفوا إنليل إلى العالم السفلي لأن الإلهة "ننليل" لم تتطهر قبل أن يغتصبها، ولكن ننليل لحقت به إلى العالم السفلي وضاجعها عدة مرات وأنجبت منه آلهة كثيرين. (Jealous Gods, p 44). فالمرأة نجس منذ بلوغها وعليها دائماً أن تتطهر من هذا الدم النجس، الذي لم يكن من اختيارها وإنما فرضه عليها الإله الخالق، وجعله لعنةً عليها. وتبنى الإسلام، كما تبنت اليهودية نجاسة المرأة ولم يسألوا أنفسهم لماذا أصبح هذا الدم نجساً وهو دم عادي لا يختلف عن الدم الذي يدور في أجسام الرجال، وهو نفس الدم الذي يغذي الجنين إذا حبلت المرأة. فإذا كان هذا الدم نجساً فكل الناس، بما فيهم الأنبياء، نجسون لأنهم تغذوا بدم نجس. نساؤكم حرث لكم: محمد قال لأتباعه (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم) (البقرة 223). فهو هنا جعل المرأة كالحقل يرمي الرجل فيه بذرته فتنتج أطفالاً كما ينتج الحقل قمحاً عندما يرمي المزارع فيه البذرة المناسبة. وحتى هذه الفكرة البدائية عن المرأة أخذها محمد من قصص الميثولوجيا البدائية التي كانت متداولة في سومر ونقلها الرواة شفاهة عبر العصور. ففي الميثولوجيا السومرية، جاء رجلان لخطبة الإلهة "إنانا" Inanna، أحدهما مزارع والآخر راعي اسمه "دوموزي" Dumuzi، ونصحت والدة إنانا ابنتها أن "تفتح بيتها" لدموزي وتفضله على المزارع، فجهزت إنانا جسدها وعطرته بأطيب العطور، وعندما جاءها "دوموزي" غلبت عليهما الرغبة، وطفقت إنانا تغني "أشفاري كمركب السماء ... كالقمر الجديد ... ملؤه الرغبة العارمة ... وحقلي غير المحروث يرقد بوراً". ويجيبها دوموزي "أنا دوموزي، الراعي..المزارع الملك.... سوف أحرث حقلك" (Wolkstein, Diane, and Samuel Noah Kramer, Inanna: Queen of Heaven and Earth, New York: Harper and Row, 1983, p 47 ولا يفوتنا أن نلاحظ هنا أن والدة إنانا نصحتها أن "تفتح بيتها" للراعي وليس للمزارع، وهذا الاختيار يشبه الاختيار الذي اتخذه الله عندما قدم إبنا آدم – قابيل وهابيل- قرباناً لله، فرفض الله قربان قابيل لأنه قدم حزمةً من السنابل و كان صاحب زرع، وقبل من هابيل الذي قدم كبشاً لأنه كان صاحب غنم، كما يقول القرطبي في شرح الآية (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتُقُبل من احدهما ولم يُتَقبل من الآخر قال لأقتلنك) (المائدة 27). هل كان إله الإسلام يحب رائحة الشواء كما أحبها يهوه؟ فيضان الدم: استعان العبريون بالميثولوجيا المصرية عندما كتبوا توراتهم فجعلوا الإله يرسل على مصر فيضاناً من الدم عندما رفض الفرعون أن يسمح لبني إسرائيل بالخروج من مصر، فقال الإله لموسى (9 وَيَكُونُ إِذَا لَمْ يُصَدِّقُوا هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِقَوْلِكَ أَنَّكَ تَأْخُذُ مِنْ مَاءِ النَّهْرِ وَتَسْكُبُ عَلَى الْيَابِسَةِ فَيَصِيرُ الْمَاءُ الَّذِي تَأْخُذُهُ مِنَ النَّهْرِ دَماً عَلَى الْيَابِسَةِ) (سفر الخروج، الإصحاح 4). وقال محمد (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقُمّل والدم آياتٍ مفصلاتٍ) (الأعراف 133). وقصة فيضان الدم مأخوذة من قصة الإله "رع" (وأطل رع حزيناً إلى شعبه المسكين وملأه الأسى، وهتف فيمن حوله من أرباب السماء أن يأتوه سراعاً برسل حاذقين أسرع جرياً من الهواء. وعندما أتوا أمرهم بالذهاب إلى جزيرة "فيله" وإحضار كمية هائلة من ثمار الرمان والخشخاش. وما هي إلا لحظات حتى كانت الثمار قد وصلت، وكان الإله قد استدعى طحان هليوبوليس وأمره بعصر الثمار ومزجها بمسحوق حب الشعير، وعندما امتزجت كل تلك الأشياء، نتج عنها مزيج مسكر بلون الدم البشري، يملأ ستة آلاف مكيال. وأمر رع بنقل المكاييل إلى كل أنحاء الأرض، وصب الرسل السائل الأحمر في كل مكان، فامتلأت به الكهوف والحقول والأنهار. وجاء الصباح ونهضت حاتور تستأنف دورة التقتيل وعب الدماء وأطلت فإذا طوفان شامل يشبه الدم يغريها ويدعوها لري الظمأ. وراحت تعب من السائل المسكر وهي تظنه دماً بشرياً) (قصة الديانات، ص 32). ونلاحظ هنا أن التوراة قالت إن الله أمر موسى أن يغرف ماءً من النيل ويصبه على الأرض فيتحول دماً يغمر مصر، كأنما موسى يستطيع أن يغرف من النيل ما يغمر أرض مصر. بينما يقول القرآن (فأرسلنا عليهم الطوفان ... والدم) فالله أرسل الدم مباشرةً دون وسيط، ربما لأنه أكثر دمويةً من يهوه. المرأة العاقر والبشارة بالولد: التوراة ومن بعدها القرآن جعلا زوجة إبراهيم، سارة، عاقراً، وكذلك زوجة زكريا، وبشرهما الله بأن زوجتيهما سوف تلد كلٌ منهما ذكراً. والفكرة مأخوذة من الميثولوجيا المصرية عندما بشر الإله بتاح "ساتني" ابن الفرعون "أوزيناريس" الذي كان يتوق إلى إنجاب ولد بأنه ستنجب امرأته العاقر ولداً يسميه "سنوزيريس" يأتي بالخوارق، وبالفعل لم يكد سنوزيريس يرى النور حتى هتف باسم بتاح ثم سجد يصلي (قصة الديانات، ص 44). وكذلك في الميثولوجيا الهندية نجد أن الملكة (لم تكد تنهض حتى كان تحتها طفل تلقفته أيدي أربعة من البراهمة، فوقف المولود فجأة، وتقدم إلى الأمام سبع خطوات، ثم صاح في صوت عذب: أنا سيد هذا العالم وهذه الحياة هي آخر حياة لي (قصة الديانات، ص 100). والقرآن بنى على هذه القصة وجعل عيسى ينطق في المهد (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا. قال إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا) (مريم 29-30). ومن الجدير بالذكر هنا أن الإنجيل، كتاب يسوع، لم يذكر أن يسوع تكلم في المهد، ولكن محمد رأى أن القصة تكون أكثر إثارةً وإمتاعاً إذا تكلم عيسى في المهد، كما فعل الطفل في الميثولوجيا المصرية وفي الميثولوجيا الهندية. الإنجاب العذري: جاءت المسيحية في القرن الأول لتزعم أن يسوع ولدته مريم بنت عمرام اليهودية دون أن يمسها رجل، مع أن مريم كانت مخطوبة ليوسف النجار وقتها. وقد تزوجا فيما بعد وانجبت مريم على الأقل ثلاثة إخوان ليسوع. ويعتقد المسيحيون أن الروح القدس Holy Spirit هو الذي وضع الجنين في رحم مريم. وجاء القرآن بعد ذلك وجعل من هذا الحدث ركناً أساسياً في الإسلام، وبالغ في قصة مريم وتتبع قصتها من قبل أن تحمل بها أمها، وكيف أن أمها نذرت ما في بطنها لله، والعناية بمريم في المحراب بواسطة زكريا، ثم حملها بعيسى بعد أن نفخ الله أو جبريل في فرجها، وصلبه وعروجه إلى السماء. وجعل الإسلام من مريم أفضل امرأة مشت على سطع الأرض، ولذلك سوف تكون زوجة محمد في الجنة، ليضيفها إلى زوجاته في الدنيا. وطبعاً قصة "الإنجاب العذري" قصة معروفة في الميثولوجيات القديمة كلها. وربما بدأت القصة مع ظهور عشتار في سومر، وظهور بغاياها المقدسات في المعابد السومرية. وكانت بغايا المعابد السومرية يُعرفن ب "العذارى المقدسات" Holy Virgins، ولم يكن هذا اللقب يعني أنهن كن عذراوات فعلياً، وإنما معنوياً لأنهن لم يكن متزوجات من رجال، وإنما كن "زوجات الإله" God’s Brides. وأي طفل أنجبنه من علاقاتهن الجنسية مع زوار المعابد من الرجال، كانوا يعرفون ب "مواليد العذراوات". وقد سماهم العبرانيون فيما بعد Bathur. ولكن الإغريق لم يكن لهم كلمة مرادفة، فترجموا الكلمة العبرية Bathur إلى Parthenioi التي تعني حرفياً "الولادة من عذراء" وأصبح مولد يسوع فيما بعد من أم عذراء. http://www.infidels.org/library/modern/james_still/virgin_birth.html وفي الميثولوجيا الإغريقية، فقد أخفت الإلهة ديمتير Demeter ابنتها العذراء بيرسيفوني Persephone في كهف خارج أثينا حتى لا يجدها الإله زيوس الذي كان يغتصب العذارى. ولكن زيوس عرف مكان بيرسيفوني ودخل الكهف في هيئة ثعبان مما أدى إلى أن تحبل بيرسيفوني بابن دون أن يمسسها رجل، وسمت طفلها دايونيسس Dionysus وربته في الكهف لتحميه من غيرة نساء زيوس. وهناك قصص عديدة مماثلة في الميثولوجيا الرومانية عندما جاء الإله زيوس في هيئة شعاع من الشمس أو رزاز من ذهب، وجعل العذراء "داني" Danae تحمل وتلد طفلاً ذكراً. وفي الميثولوجيا الفارسية نجد أن زرادشت قد ولدته أمه العذراء بعد أن زارها أحد الآلهة. فلا القرآن ولا الإنجيل قد جاء بشيء جديد لم يكن معروفاً في الأساطير القديمة. وكنا نتوقع أن يأتي القرآن الذي أتى بعد كل الأديان الأخرى، بقصة يقبلها العقل، ولكنه كرر ما جاء في الإنجيل دون أن يذكر لنا الحكمة في أن تلد امرأة عذراء طفلاً نفخه الله في فرجها. ولما كان الله قد أعطى عيسى كل المعجزات الممكنة من إحياء الموتى وشفاء المرضى والمشي على الماء وإطعام آلاف الرجال من رغيف خبز واحد أو سمكة واحدة، ماذا يزيده من المعجزات مولده من عذراء كانت مخطوبة لرجل على وشك أن يتزوجها؟ فموسى وُلد من امرأة عادية وتمتع بكل المعجزات وكلمه الله شخصياً، ولم ينقص من قدره مولده من امرأة متزوجة. القرآن يزعم، دون أي دليل، أن كل شيء موجود من أرضٍ، وسماء، وبشر، وجبال، وبحار قد خلقها الله، ويصدق المؤمنون هذه المزاعم، تماماً كما صدق قدماء المصريين مزاعم كهنة الإله "آتون" عندما كانوا يرددون في صلواتهم (بزوغك جليل في أفق السماء يا آتون، يا حي يا مبديء الحياة. إذا صعدت في أفق السماء الشرقي أفضت على الأرض جمالك. أنت خالق الجنين في بطن أمه، أنت خالق نطفة الإنسان. أنت واهب الحياة للجنين في رحم أمه، كيف لا وأنت المربي في الرحم.. أنت معطي نفس الحياة لكل مخلوقاتك. أنت فاتح فم الجنين بالكلام ومعطيه حاجاته يوم تلده أمه. أنت الإله الأحد لا شريك لك في الملك. خلقت الأرض بإرادتك، ولما كنت وحيداً في هذا الكون خلقت الإنسان والحيوان، الكبير منها والصغير، والمخلوقات التي تدب في الأرض والتي تطير بأجنحتها) (قصة الديانات، ص 50). فلو ناقشنا قدماء المصريين عندما كان الفرعون أخناتون ملكاً على مصر، لقالوا لنا إن الإله أتون (الشمس) موجود، وهو الواحد الأحد لأن الإنسان والحيوان والسماء والأرض لا يمكن أن يكونوا قد خلقوا أنفسهم بأنفسهم، فلا بد لهم من خالق، وذلك الخالق هو أتون. مع أن آتون نجمٌ جماد. وهذه هي نفس الحجج التي يقدمها لنا المؤمنون اليوم، وفي القرن الحادي والعشرين، عندما يتهكمون على نظرية دارون والبج بانج ويقولون لابد لهذا الكون من خالق، وخالقه هو الله، مع أنهم لم يروا الله كما رأى قدماء المصريين آتون. وقد آمن قبلهم السومريون والبابليون بأن مردوك أو تيمات قد خلقوا السموات والأرض والناس، والدليل الوحيد على ذلك هو إيمانهم. وهكذا لا تختلف الأديان الإبراهيمية أو السماوية، في شيء عن القصص الميثولوجية التي تخيلها إنسان العصر الحجري في سومر وأكاد وبابل ومصر واليونان. ولم يكتف أنبياء الوهم الإبراهيمي بنقل القصص الخرافية القديمة فقط، وإنما نقلوا حتى طريقة تأليف أسماء الآلهة القديمة. فقد درج القدماء على تسمية آلهتهم بأسماء مسجوعة يسهل على الأميين حفظها، مثل: ننليل وإنليل، أنشار وكنشار، لاهمو ولاهامو. ونجد أن أهل التفسير القرآني سموا الملائكة بأسماء مسجوعة كذلك، مثل منكر ونكير، إسرافيل وعزرائيل، هاروت وماروت، وهلم جرا، وسموا أبناء آدم وبناته بأسماء مسجوعة مثل هابيل وقابيل. فالأديان كلها ميثولوجيا نسجها الإنسان البدائي وتمسكنا نحن بها بدون أي دليل عقلي أو فعلي. كامل النجار http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=218800 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=219608 الرد على: كيف خلقنا الآلهة والأديان ! ؟ - Alchemist - 10-31-2010 موضوع جميل والتسلسل التاريخي والموضوعي والديني منطقي شكراً لك |