![]() |
...نبيل شرف الدين .... - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: المدونــــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=83) +--- الموضوع: ...نبيل شرف الدين .... (/showthread.php?tid=4182) الصفحات:
1
2
|
...نبيل شرف الدين .... - بسام الخوري - 07-10-2008 فانتازيا الحب والموت GMT 13:00:00 2008 الأربعاء 9 يوليو نبيل شرف الدين -------------------------------------------------------------------------------- نبيل شرف الدين: تلك اللحظة التي تمد فيها ذراعك لطبيب التخدير حتى يغرس إبرته في جسدك، بعدها يهاجمك المخدر بضراوة، فلا تشعر بعبث الجراحين في أحشائك، وحين تفيق تبدو وكأنك قادم للتو من ثقب أسود بين المجرات، فيتداخل المكان في الزمان، والوجود في العدم، تنظر حولك لا ترى سوى اللون الأبيض، تباغت الذاكرة كلمات "الجنوبي" أمل دنقل: "لونُ الأسرّةِ, أربطةُ الشاشِ والقُطْن, قرصُ المنوِّمِ, أُنبوبةُ المَصْلِ, كوبُ اللَّبن, كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبي الوَهَنْ". ذلك المساء استمعت حتى الثمالة بحمام دافئ، ورشفت فنجان قهوة استثنائياً أعددته بنفسي، وارتديت أفخر ثيابي، وتعطرت بإفراط، وألقيت بأكوام الشحم التي تثقل كاهلي في مقعد السيارة، ثم وضعت إسطوانة لمنير يغني فيها: "بعد ما لف وبعد ما دار.. بعد ما داب واشتاق واحتار، حط الدبلة وحط الساعة.. حط سجايره والولاعة.. علق حلمه على الشماعة".. وبالفعل، ساعتها كنت أضع حلماً جديداً على "الشماعة". لم تعد "شماعتي" تحتمل المزيد، ناءت بالأحلام المبتسرة والمجهضة، والأمنيات التي تتسرب واحدة تلو الأخرى من بين أصابعي، شعور عميق بالمرارة يلاحقني في الصحو والمنام، كأنني استيقظت فجأة لأجدني أقف على عتبات العام السادس والأربعين ولم أحقق شيئاً، كل رهاناتي خابت، وكل من تعلقت بأهدابهم خذلوني.. مازلت ألهث في مناكبها دون أن تظهر بارقة أمل واحدة تبعث على الاطمئنان، فمازلت أتدثر بخرافات لا حصر لها، كالوطن والحب والصداقة والأمل والنبل والشرف الإنساني وغيرها من الأكاذيب الصغيرة التي يقتات بها من أدركتهم حرفة الكتابة. آه يا "بدر" يا آخر عنقود في سلسلة خيباتي، بالطبع هذا ليس اسمها الحقيقي، لا تهم الأسماء، فهي محض أكاذيب أيضاً يطلقها البشر على أنفسهم وعلى الآخرين، ثم يصدقونها.. لعلها الآن تشرب كوباً من الشاي المعطر الذي كانت تعشقه، أو لعلها في هذه اللحظة تذوب كقطعة السكر في كأس رجل آخر، أو ربما كانت نائمة متعبة بعد يوم طويل من العمل المضني، أتذكر كل كلمة كانت تقولها بحماس عن عمل المرأة، وإصرارها على التحقق في مجتمعات تمنح الذكور حقوقاً لا تقابلها التزامات، لا لشئ إلا لمصادفة قدرية جعلتهم ذكورا، وأتذكر أيضاً كيف كنت أزايد عليك يا "بدر"، فأقول إن الحياة أنثى، والسعادة أنثى، ومصر أنثى، وحتى الثروة أنثى، بينما الفشل مذكر، واليأس شرحه، وهكذا الخراب والدمار والفساد والهوان.. كنت تردين على مزايداتي تلك، وألاعيبي الصغيرة للإيقاع بك، بابتسامة كالشمس، تشرق فتمنح الوجود يوماً جديداً وتشعل في ربوعه جذوة الأمل والتحدي والنماء، وكنت أشعر بالخجل من نفسي أمام قدرتك الهائلة على احتوائي، كأنني طفل ضبطته أمه متلبساً بارتكاب حماقة مبتكرة.. تتزاحم في مخيلتي مئات الصور عن لقائنا الأول، ولمسة أيادينا لأول مرة ورائحة ذلك العطر الذي كنتِ تفضلينه، وتعليقاتك المقتضبة المعبرة على الناس والأشياء والأحوال، لكن اعترف بأنني لم أضبطك يوماً متلبسة بالاستهانة بأوجاع المأزومين والمتعبين والمهمشين، كنت تفيضين رقة وإنسانية كأنك من مواليد "برج الحكمة" فأدركتِ حقائق الدنيا مبكراً، ويا لتفاهتي أيامها حين كنت مسكوناً بثقة مفرطة لا أفهم مصدرها، ونزق لا أجد له مبرراً رغم كل هذه السنوات التي أحملها على كاهلي.. الآن.. لا أعرف سبباً محدداً لتبخر هذا النزق، وتلك الثقة، اهتز الكون حولي بشدة، وحاصرتني العذابات والخيبات من كل صوب، ولم يعد من ملاذ سوى الانغماس في البلادة والكسل، والنهم إلى الطعام لحدٍ صرت معه أقرب للأفيال، وبصدق صرت أبغض نفسي بعمق، فلم أعد اكترث بالحياة ولا أخشى الموت، ليس من باب الشجاعة طبعاً، بل نتيجة للاكتئاب والعدمية، باختصار لم أعد أنا الذي أعرفه، بل هذا شخص آخر، تسلل إلى كياني شيئاً فشيئا حتى استحوذ عليه شكلاً وموضوعاً.. كم أكره هذا الشخص الذي "صادرني".. واستحوذ على روحي فألهمها عبوسها وسلواها، وتمكن من تلك المضغة النادرة، التي إن صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد كله.. وقد فسدت.. وفسد العمر كله.. آه يا "بدر" المستحيلة: من أي كوكب دُريّ هبطتِ أيتها الملائكية، التي اختطفتها مني تصاريف عبثية، لا قبل لي بها؟ وفي أي قلبٍ تحتوين كل عذابات المنهكين والمنتهكين ومن ضاقت بهم السبل وثقلت موازينهم؟ وفي أي صوب تدفقت جداولك لتروي العطاشى، وتهدي الحيارى، وتواسي الضالين والتائهين في مناكبها؟ .......... الطريق إلى المستشفى يشبه حزاماً صحراوياً يحيط بخصر القاهرة المترهل، ومع ذلك شعرت بالألفة مع تلك التضاريس البدائية، وتذكرت البيت الذي تفتحت عليه عيناي، كان مبنياً بالحجر بنفس الطريقة التي شيد بها الفراعنة مقابرهم وأهراماتهم، لكن لماذا اجتر هذه التفاصيل الآن؟ الحقيقة لا أدري.. فغاية ما يمكنني قوله إن هذه الصور والخيالات راحت تلاحقني كأنها حلم يقظة، بينما كنت ألمح على تخوم الطريق بضع خيام يقطنها البدوٌ، وتذكرت أنني اعتدتهم منذ صباي الباكر، وكي أكون أميناً لم أحبهم وحدهم، بل أحببت معهم الغجر والنور وفقراء القبط وبقايا اليهود وجيمع المهمشين، ولا أفهم لماذا أعتبرت نفسي منتمياً لهؤلاء بشكل فطري ومنحازاً إليهم بعفوية، ومنتصراً لقضاياهم دون سابق معرفة، أو شبهة مصلحة.. كنت أتردد على مضارب البدو لأقضي ساعات خلسة لا زالت رائحتها تغمر حواسي كلما تذكرتها، رغم مرور أكثر من ربع قرن على تلك الأيام الخوالي، لكنها لم تبهت في ذاكرتي، ظلت كالحلم الماثل في مخيلتي حتى اليوم.. مازلت أتذكر ذلك الشعور بأن "سالم" وأخاه "سويلم" لابد أنهما جميل بن معمر أو قيس بن الملوح، وقد تقمصا أجساد هذين النحيلين ذوي العيون السود الوسيعة العميقة، التي تشع ذكاء ومكراً، والبشرة النحاسية التي لفحتها الشمس والريح، وأن شقيقتهما "عالية" لابد أن تكون هي "ليلى العامرية" شخصياً.. كانت تصغرني بعام واحد، ولم تكن تتعلم في المدرسة مثلي، وهكذا كان شقيقاها. كانوا ثلاثتهم يرعون الغنم، ويجمعون الحطب، أما أبوهم فكان كائناً أسطورياً بالنسبة لي على الأقل، فقد سمعت من أصدقائي "أبناء الحضر" أنه قاطع طريق تارة، وتاجر مخدرات تارة أخرى، وقاتل محترف تارات. لكن مع كل هذا كان يقابلني الرجل باحترام شديد، ويتحدث معي بندية كأني صديق له. ندية لم يعاملني بها أبي حتى مات. سألته مرة بجرأة لا أعرف حتى هذه اللحظة كيف واتتني: أحقاً يا عم أبو سالم أنت لص وقاتل وتاجر مخدرات؟ أطرق الرجل قليلاً، ولم يغضب كما توقعت، لكنه ابتسم وربت على كتفي قائلاً: ـ إذا كنت تعتقد فعلاً أنني هكذا فماذا يأتي بك هنا؟ * لكني أتيت من أجل سالم وسويلم. ـ وعاليه أيضاً؟ * نعم وعاليه.. فهي شقيقتي أو مثلها.. فاتسعت ابتسامة الرجل النحيف، وامتزجت بمكر فطري، وسألني بغتة: ـ من قال لك إنني هكذا؟ * إنهم أصحابي وزملائي في المدرسة ـ هؤلاء أطفال.. لا تهتم بما يقولون * إذن فأنا طفل مثلهم، فهم في مثل عمري ـ لا يا ولدي لست طفلاً.. بل أنت رجل حقيقي * كيف؟ ـ يا ولدي الرجولة لا علاقة لها بالعمر.. الرجولة إحساس، وسلوك * وماذا يميزني عن رفاقي؟ ـ أن تأتي هنا لتعرف الناس. رغم أنف الجميع بمن فيهم أهلك، تكون إذن رجلاً، لأنك قررت أن تفعل، وفعلت. نبهتني هذه الجملة إلى أنني كنت بالفعل أتردد على "العربان" كما يطلق عليهم في قريتي رغم أنف أبي، فحينما عرف مصادفة أول مرة أني أتردد عليهم، منعني من مغادرة المنزل شهراً كاملاً، وظل يعيرني بأني أصادق "الرعاع والهوامل"، وكثيراً ما كان يرشح لي أبناء أصدقائه، لكني لم أكن أميل لهم. إنهم باهتون وتافهون، ولا شئ يربطني بهم، كما أنهم يثرثرون كثيراً، ويكذبون بداعٍ ومن دون داع، وبدوا لي كائنات مزعجة مملة، وليسو من نفس الكوكب الذي أنتمي إليه، وكنت أتقبلهم على مضض، كما لو كنت في زيارة رسمية صحبة أبي، أو جدي. .......... رحل العربان. وما أكثر ما كان العربان يرحلون ويحل غيرهم، لكن هذه المرة أتى قوم لا يشبهون كل من عرفتهم من قبل، إنهم كثيرون جداً، وبشرتهم لم تلفحها الشمس كالعربان، خاصة فتياتهم. إنهن بيض وأحياناً شقر، وأطفالهم حاذقون يتحدثون نفس لهجتي لكنهم فجأة يتحدثون لهجة أو بالأحرى لغة لم أسمعها من قبل، عرفت بعد سنوات أنها لغتهم "لغة الحلب" أو "النور"، كما يطلق على "الغجر" في صعيد مصر، وأن هؤلاء ليسو من "العربان"، بل إنهم غير كل الناس. إنهم غجر! ونسيت "العربان"، ووقفت مشدوهاً أمام هؤلاء القوم الغرباء. ماذا يعني أنهم "غجر"؟ "يعني أنهم قوم من اللصوص والمحتالين عديمي الكرامة الذين يمارسون كل صنوف الغش والخداع، وترقص نساؤهم في الموالد والأفراح، ويسرق أطفالهم كل شئ".. بهذه العبارات القاسية لخص لي جدي الذي كان أزهرياً حصل منه على شهادة "العالِمية"، لكنه لم يعمل يوماً في الحكومة، وتفرغ لزراعة ما ورثه من أراضٍ. غير أنه ظل يؤم الناس في الجمعة والجماعة، ويتقدم الصفوف في مجالس الصلح، وما أكثرها. هذا الرجل الثمانيني كان صديقي بكل ما يترتب على هذه الكلمة من نتائج، كنا نتناقش معاً بمنتهى الحرية والحميمية والأريحية، وكنا نختلف كثيراً، وكنا نتخاصم أحياناً، لكنه كان دائماً هو الذي يسعى إلى مصالحتي، وكثيراً ما تدللت عليه. ورفضت رشاواه رغم رغبتي فيها. عندما حدثني عن الغجر بهذه الأوصاف القاسية، صدمت، وثرت في وجهه: ـ يا جدي لكنهم بشر مثلنا * نعم. وهل قلت غير ذلك؟ لكن ربك لم يخلق الناس سواسية ـ بل هم هكذا. الناس سواسية كأسنان المشط * ومن قال إن أسنان المشط سواسية؟ دفعني هذا الحوار لمغامرة جديدة كالعادة، قررت أن أكتشفهم بنفسي. وذهبت إليهم وحدي. إنهم مختلفون فعلاً. نساؤهم رائعات.. متبرجات وجريئات، ورجالهم مبتسمون دائماً، أما الأطفال فقد استقبلوني بدهشة. كأنني أنا المختلف وليسو هم، راحوا يمطرونني بالأسئلة الفضولية والجريئة لحد الوقاحة، سألوا عن منزلي. فأشرت إليه فانبهروا، ولم يصدقوا الأمر، وعن هذه الملابس التي أرتديها، وعن عمل أبي. وبعد ساعة أو أكثر. طلبوا مني أن أشاركهم اللعب، فرفضت لأني كنت أتصور نفسي أكبر من التورط في "لعب العيال". فازدادت دهشتهم، وعدت لمنزلي لاكتشف أنهم سرقوا حافظة نقودي. لم أنم ليلتها. أحسست بالإهانة والخديعة. ولم أجرؤ على الإفصاح لأمي أو جدي بسرقة حافظتي، وفي الصباح لم أذهب للمدرسة، بل توجهت مباشرة إليهم. إلى هؤلاء "الغجر اللصوص"، فلم أجد الفتيان الذين التقيتهم أمس، بل كانت هناك فتيات يانعات في عمر خالاتي. كُنّ في مطلع العشرينات. بيضاوات مشرقات دائمات الضحك، وأخذن يتبادلن الحديث معي بجرأة لم أعهدها من قبل، بل وصل الأمر لأن تمسك إحداهن يدي وتقبلها. والأخرى تمرر أصابعها بين شعري.. ارتبكت.. كنت طفلاً لم أبلغ الحلم بعد، لكن جذوة دفينة كانت تتفجر. وتشتعل. وما حدث أنني نسيت حافظتي، وقلت لنفسي لدى عودتي من هذه الزيارة "الفردوسية": لم يكن بالحافظة سوى جنيه واحد، وصور شخصية لا يهم أن أفقدها، فلن يسألني أحدُ عنها. وهكذا نسيتها "بمزاجي"، أو أقنعت نفسي بهذا التبرير، الذي مازلت ألوذ به كلما تعرضت لخديعة. المهم أنني أدمنت زيارة الغجريات. وتطور الأمر فصرت أحمل لهن البسكويت الناعم الذي كانت أمي تعده خصيصاً لأبي، كنت أسرق بعضه، وألفه في ورق مفضض جميل واشتري "كوكا كولا" وأحمل كل هذا وأذهب إليهن. لم أتعلق بواحدة محددة منهن في البداية، كان يروق لي "المناخ العام"، وكنت أشعر كأنني فارسهن جميعا، وأن هؤلاء لاشك يتسابقن للتقرب مني. بعد أيام تعلقت عيني بفتاة منهن تدعى "بدر". نعم كان اسمها هكذا. وكانت بالفعل "بدراً"، عيناها مثل حبتي بندق. فمها يشبه الناي. شعرها هو الشتاء بكل أمطاره منسدلاً على جبين هو الصيف بكل قيظه. كانت تبدو أنثى مكتملة الأركان. لهذا لم أصدقها حين قالت لي إنها لا تكبرني إلا بعامين اثنين فقط، وقلت في نفسي لابد أنها تهون عليّ الأمر. وهذا يعني أنني أهمها على نحو ما. لم أكن اهتم كثيراً بمعنى لهفتي على لقائها، أو بتعريف محدد لهذا الدفء الذي ينساب من أصابعها حينما تلتقيان بكفي. كنت أهيم بنظراتها وابتساماتها. لكني لم أجتهد في تفسير هذه المشاعر. بل تركت روحي الغضة لها. تسير في دروب اللهفة والبراءة. وترحل كالعربان والسحب والطيور البرية. والأيام... ترى، أين ذهبت هذه الخرافية المتفردة، وأين انتهى بها التسكع في البراري والحواضر؟ ذات صباح تعللت بمغص مفاجئ وتركت المدرسة لأذهب للقائها الذي اعتدت عليه شهرين كاملين. لكن عندما وصلت هناك لم أجد سوى بقايا. بقايا قوم كانوا يعيشون هنا ومعهم أميرة اسمها "بدر".. كانت تغني لي وتهدهدني.. وأنا مستلقٍ على الرمال كفارسٍ عائدٍ للتو منتصراً من غزوة خرافية.. لم أجد من أسأله عن هؤلاء الذين رحلوا. وامتدت رحلة عودتي للمنزل أكثر من ساعة بعد ان كنت أقطعها في دقائق. حاولت أن أتجاهل جدي الذي كان يجلس مع بعض أصدقائه الشياب، لكنه ناداني. فذهبت إليه عاجزاً عن إخفاء انكساري. ـ ماذا بك؟ * لا شئ.. متعبٌ قليلاً ـ طيب روح نام، وعندما تستيقظ تعال أريد ان أتحدث إليك لم أنم. بل ألقيت جسدي في حضن أمي، ورحت أبكي بحرقة أبكتها، وهي تتلو آيات القرآن الكريم، وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتحرق أعواد البخور، وتلعن النسوة الحسودات. كانت هذه هي المرة الأولى ـ لكنها ليست الأخيرة ـ التي بكيت فيها بهذه الحرقة، لم تسألني أمي والحمد لله عن سبب هذا البكاء. لكني فوجئت بجدي يصعد للطابق الثاني، ونادراً ما كان يفعل ذلك، وهو متكئ على عصاه وينهج. أمر أمي بمغادرة الغرفة، وتركنا وحدنا. ففعلت دون أن تنطق، وللمرة الأولى أجد ذلك العجوز الباسم دوماً مهموماً. سألني بصوت عميق: النداهة؟، فلم أجب، إذ لم أفهم ما كان يقصده بالضبط. يا ولدي هذه هي النداهة. تناديك فترحل خلفها، تجوب الصحاري وتعبر الأنهار وتتسلق الأسوار. ولا تنال في النهاية سوى السراب. نادت جدك قبل أكثر من خمسين عاماً فطاوعها وسار وراءها سنين. وعاد منكسر الروح. لم يعد يصلح بعدها سوى للانتظار. انتظار ما لا يأتي. ومضى الرجل محدقاً في فضاء نافذة الغرفة، وصوته يزداد تهدجاً، كأنه على وشك البكاء: "هل تعرف أن زملائي في الأزهر أصبحوا قضاة وعلماء كبار لبعضهم عامود في الأزهر، حتى أن أحدهم أصبح وزيراً، وأنا كما تراني، لا أرضاً قطعت، ولا براً أدركت". بدا الرجل أكبر كثيراً عما كنت أراه من قبل. وعلا وجهه شحوب يشبه الموت. وضمني لصدره لأول ـ وآخر ـ مرة في حياته، ومضى يحكي: ـ النداهة يا ولدي لا تنادي سوى الفتيان. لا يعنيها أمر الباهتين. * عن أي شئ تتحدث يا جدي؟ ـ عنها * وهل تعرفها؟ ـ نعم.. أعرفها، ولو دققت في عيوني لرأيت صورتها * لكنها صغيرة يا جدي ـ هي دائماً هكذا يا ولدي * اسمها بدر؟ ـ لا يهم اسمها يا ولدي .......... قرأت بعد سنوات "نداهة" يوسف إدريس، وهيمني الطيب صالح في "موسم الهجرة إلى الشمال"، وأبهرني "قنديل أم هاشم" ليحيى حقي، وأشعل صلاح جاهين براكين الحكمة في قلبي برباعياته، وأخذني أمل دنقل إلى عوالم حارة، وهزني مظفر النواب بلغته الصادمة، لكن بقي ذلك التفرد لنداهتي الأسطورية القديمة.. لا تبرح مضارب العربان وموالد الغجر.. رغم موت جدي، الذي لحق به أبي فجأة دون مقدمات.. وبعدهما ماتت أشياءٌ كثيرة، واعتدت تلقي أنباء الموت بقسوة.. ومن دون دمعة واحدة أفسدتني المرارات.. والأسوأ منها هو اعتيادها لكنني مازلت أحلم بالنداهة التي غابت.. ولن تعود يوجعني اليوم أنني مضطر للاعتياد على غيابهم جميعاً، وحينما أزور ذلك البيت العتيد ولا أجد أحداً ممن أحببتهم فيه، رغم أن جميع أشيائهم حولي، وكل ما في البيت يحمل بصماتهم وصورهم ورائحتهم، أبكي في صمت، واجتهد ألا يكتشف أحد ما يجول بخاطري، فلم يعد هناك من خلاص سوى التسليم بأنهم أصبحوا الآن تحت التراب.. هناك بعيداً عن منزلي القاهري، لمسافة أقطعها كل عام مرة أو اثنتين على الأكثر، هي مسافتي إليهم.. إلى ملاعب الصبا حيث يرقدون في سلام، جدي، وأبي، والنداهة، وبضعة أحلام تتبعثر من يدي. ...نبيل شرف الدين .... - بسام الخوري - 08-09-2008 الموت يختطف الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش GMT 18:15:00 2008 السبت 9 أغسطس نبيل شرف الدين -------------------------------------------------------------------------------- بعد أن رسم ملامح أيامه الأخيرة والتقى المتنبي والمعري الموت يختطف الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش محمود درويش في حالة حرجة ولم يفارق الحياة كتب ـ نبيل شرف الدين: عن عمر يناهز 67 عاماً، وبعد رحلة مضنية بين منافي الشرق والغرب وعشرات الأحلام المبتسرة والأمنيات المستحيلة اختطف الموت مساء السبت الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، عقب إجراء عملية جراحية في القلب بالولايات المتحدة . كان الفقيد الكبير قد خضع صباح الأربعاء الماضي لجراحة " قلب مفتوح "، في مستشفى " ميموريال هيرمان " الأميركي، في هيوستن بولاية تكساس الأميركية . وعلى الرغم من نفي أحد مستشاري رئيس السلطة الفلسطينية نبأ وفاة درويش ، غير أن وكالة " معا " الفلسطينية أكدت أن الموت غيب مساء اليوم الشاعر الكبير، الذي كان قد خضع لعملية جراحية في القلب في مستشفى بالولايات المتحدة . وشأن كل كبار الشعراء الذين يستشرفون نهاياتهم، وفي كتابه "جدارية"، تحدث درويش عن الموت وصراعه معه قائلاً : "لم يعد الموت يخيفني، بل صرت أصارعه لأنني أحكي عن تاريخ مصارعتي معه أثناء عملية جراحية، استعيد تاريخ مصارعتي أنا، لكن تنتهي المسألة إلى صداقة ووضع اتفاقيات كيف يكون شهماً وفارساً، ولا يكون غادرا، لأنه أقوى من ان يكون جباناً، فيأتي بهذه الطريقة كاللصوص" . وتحدث درويش عن اكتشافه للموت وكأنه أمر يدعو للراحة والسعادة وحتى البهجة قائلاً : "لم يعد الموت مسألة تخيفني بتاتا، لأنه اذا كان الموت مثل هذا النوم، فهو ليس مشكلة، وخصوصا أنني مررت بتجربة سابقة عام 1984 عندما تعرضت لموت سريري، وقتها كنت أرى نفسي نائما وسابحا على غيوم بيضاء". المتنبي والمعري وولد درويش عام 1941 في قرية "البروة" بقضاء عكا التي دمرت عام 1948، ليهاجر مع عائلته الى لبنان قبل ان تعود العائلة وتعيش في الجليل، وأجبر درويش على مغادرة البلاد بعد ان اعتقل عدة مرات ثم عاد بعد التوقيع على اتفاقيات السلام المؤقتة . ويروي محمود درويش قصة عملية جراحية سابقة وما حصل قبلها وخلالها وبعدها من أمور انسانية، قائلاً: في عام 1998 كنت في بلجيكا، أعطوني شهادة دكتوراه فخرية من جامعة هناك، وعرجت على باريس لإجراء فحوص طبية، قرر الطبيب إجراء جراحة عاجلة، فتحمست لاجرائها، لم أتردد أبدا رغم انه قال لي انها خطيرة، لكن طبيب القلب اعترض على اجرائها لأن قلبي لا يتحمل، وبعد نقاش اتفق الطبيبان على القيام بها، انها مغامرة، فدخلت غرفة التخدير وكانت آخر كلمة سمعتها من الطبيب "نلتقي" وبعدها نمت . يواصل درويش : "لا أعرف ماذا جرى لي، لكن بعد الصحو قيل لي إنني مررت بخطر الموت الحتمي، بل حتى جرى البحث في ترتيب جنازة، لكني كنت غائبا، هذا لم يكن عذابي ولا المي، كان عذاب اصدقائي، هم الذين كانوا يعذبهم هذا الموت، اما انا فكنت نائما، لكن بعد ان صحوت وعرفت ما حدث لي "كانوا اناموني نحو أربعة ايام تنويما اصطناعيا" صرت احس بهلوسات، وهذيان" . ويمضي قائلاً : كنت مقتنعا بأنني لست في مستشفى، بل في قبو سجن، وبأن سجاني يعذبونني في كل يوم، ومرة زارني الياس خوري، دخل غرفتي في جناح العناية الفائقة، وتناقشت معه عن روايته بوعي كامل، ثم طلبت منه ان يهربني من السجانين الذين يضربونني، فإذا كنت في لحظة ما في كامل صحوي، وفي لحظة اخرى تحت الهلوسة نتيجة البنج، دخلت في عوالم قاسية جدا، واستحدث ذكريات بعيدة جداً، ورأيت مشاهد عجيبة، مثلا رأيت نفسي قاعدا مع رينيه شار، ورأيت المتنبي والمعري، فاختلطت الأزمنة والأمكنة، وكنت على يقين بأن ما أراه هو الواقع وليست مجرد خيالات، بل إن أصدقائي خافوا علي، قالوا ربما أصبت بالجنون، وخصوصا انني دخلت في خوف عميق من أنني نسيت اللغة العربية . درويش وفلسطين ويعد درويش واحدا من أهم الشعراء العرب المعاصرين الذين امتزج شعرهم بحب الوطن والحبيبة وترجمت أعماله الى ما يقرب من 22 لغة وحصل على العديد من الجوائز العالمية، منها: جائزة لوتس عام 1969، وجائزة البحر المتوسط عام 1980..ودرع الثورة الفلسطينية عام 1981 لوحة أوروبا للشعر عام 1981، وجائزة ابن سينا في الاتحاد السوفيتي عام 1982وجائزة لينين في الاتحاد السوفييتي عام 1983. ويحظى الفقيد الكبير بمنزلة كبيرة لدى كافة الساسة الفلسطينيين من مختلف التوجهات، خاصة الرئيس الراحل ياسر عرفات . وكتب درويش مئات القصائد، وكان من بين شعراء قلائل يحظون بشعبية جارفة تنافس المطربين، يمكن للمرء أن يلحظها في ندواته الشعرية التي كانت تغص بآلاف الحاضرين من الشباب، وما نسيت لن أنسى آخر أمسياته في الجامعة الأميركية بالقاهرة .. التي شدا فيها إحدى قصائده القديمة قائلاً : مثلما سار المسيح علي البحيرة، سرت في رؤياي، لكني نزلت عن الصليب لأنني أخشي العلو، ولا ابشر بالقيامة لم اغير غير ايقاعي لأسمع صوت قلبي واضحا للملحميين النسور ولي انا: طوق الحمامة، نجمة مهجورة فوق السطوح وشارع متعرج يفضي الي ميناء عكا ـ ليس اكثر او اقل ـ أريد أن ألقي تحيات الصباح علي حيث تركتني ولدا سعيدا لم اكن ولدا سعيد الحظ يومئذ، ولكن المسافة، مثل حدادين ممتازين، تصنع من حديد تافه قمراً . آخر قصيدة لمحمود درويش "حالة حصار" نشرها في مجلة الكرمل هنا، عند مُنْحَدَرات التلال، أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت، قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ، نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ، وما يفعل العاطلون عن العمل: نُرَبِّي الأملْ. بلادٌ علي أُهْبَةِ الفجر. صرنا أَقلَّ ذكاءً، لأَنَّا نُحَمْلِقُ في ساعة النصر: لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة. أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ في حلكة الأَقبية. هنا، بعد أَشعار أَيّوبَ لم ننتظر أَحداً... سيمتدُّ هذا الحصارُ إلي أن نعلِّم أَعداءنا نماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ. أَلسماءُ رصاصيّةٌ في الضُحي بُرْتقاليَّةٌ في الليالي. وأَمَّا القلوبُ فظلَّتْ حياديَّةً مثلَ ورد السياجْ. هنا، لا أَنا هنا، يتذكَّرُ آدَمُ صَلْصَالَهُ... يقولُ علي حافَّة الموت: لم يَبْقَ بي مَوْطِئٌ للخسارةِ: حُرٌّ أَنا قرب حريتي. وغدي في يدي. سوف أَدخُلُ عمَّا قليلٍ حياتي، وأولَدُ حُرّاً بلا أَبَوَيْن، وأختارُ لاسمي حروفاً من اللازوردْ... في الحصار، تكونُ الحياةُ هِيَ الوقتُ بين تذكُّرِ أَوَّلها. ونسيانِ آخرِها. هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان، علي دَرَج البيت، لا وَقْتَ للوقت. نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلي الله: ننسي الأَلمْ. الألمْ هُوَ: أن لا تعلِّق سيِّدةُ البيت حَبْلَ الغسيل صباحاً، وأنْ تكتفي بنظافة هذا العَلَمْ. لا صديً هوميريٌّ لشيءٍ هنا. فالأساطيرُ تطرق أبوابنا حين نحتاجها. لا صديً هوميريّ لشيء. هنا جنرالٌ يُنَقِّبُ عن دَوْلَةٍ نائمةْ تحت أَنقاض طُرْوَادَةَ القادمةْ يقيسُ الجنودُ المسافةَ بين الوجود وبين العَدَمْ بمنظار دبّابةٍ... نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ. أَيُّها الواقفون علي العَتَبات ادخُلُوا، واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَ غقد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلناف. أَيها الواقفون علي عتبات البيوت! اُخرجوا من صباحاتنا، نطمئنَّ إلي أَننا بَشَرٌ مثلكُمْ! نَجِدُ الوقتَ للتسليةْ: نلعبُ النردَ، أَو نَتَصَفّح أَخبارَنا في جرائدِ أَمسِ الجريحِ، ونقرأ زاويةَ الحظِّ: في عامِ أَلفينِ واثنينِ تبتسم الكاميرا لمواليد بُرْجِ الحصار. كُلَّما جاءني الأمسُ، قلت له: ليس موعدُنا اليومَ، فلتبتعدْ وتعالَ غداً ! أُفكِّر، من دون جدوي: بماذا يُفَكِّر مَنْ هُوَ مثلي، هُنَاكَ علي قمَّة التلّ، منذ ثلاثةِ آلافِ عامٍ، وفي هذه اللحظة العابرةْ؟ فتوجعنُي الخاطرةْ وتنتعشُ الذاكرةْ عندما تختفي الطائراتُ تطيرُ الحماماتُ، بيضاءَ بيضاءَ، تغسِلُ خَدَّ السماء بأجنحةٍ حُرَّةٍ، تستعيدُ البهاءَ وملكيَّةَ الجوِّ واللَهْو. أَعلي وأَعلي تطيرُ الحماماتُ، بيضاءَ بيضاءَ. ليت السماءَ حقيقيّةٌ غقال لي رَجَلٌ عابرٌ بين قنبلتينف الوميضُ، البصيرةُ، والبرقُ قَيْدَ التَشَابُهِ... عمَّا قليلٍ سأعرفُ إن كان هذا هو الوحيُ... أو يعرف الأصدقاءُ الحميمون أنَّ القصيدةَ مَرَّتْ، وأَوْدَتْ بشاعرها غ إلي ناقدٍ: ف لا تُفسِّر كلامي بملعَقةِ الشايِ أَو بفخِاخ الطيور! يحاصرني في المنام كلامي كلامي الذي لم أَقُلْهُ، ويكتبني ثم يتركني باحثاً عن بقايا منامي شَجَرُ السرو، خلف الجنود، مآذنُ تحمي السماءَ من الانحدار. وخلف سياج الحديد جنودٌ يبولون ـ تحت حراسة دبَّابة ـ والنهارُ الخريفيُّ يُكْملُ نُزْهَتَهُ الذهبيَّةَ في شارعٍ واسعٍ كالكنيسة بعد صلاة الأَحد... نحبُّ الحياةَ غداً عندما يَصِلُ الغَدُ سوف نحبُّ الحياة كما هي، عاديّةً ماكرةْ رماديّة أَو مُلوَّنةً.. لا قيامةَ فيها ولا آخِرَةْ وإن كان لا بُدَّ من فَرَحٍ فليكن خفيفاً علي القلب والخاصرةْ فلا يُلْدَغُ المُؤْمنُ المتمرِّنُ من فَرَحٍ ... مَرَّتَينْ! قال لي كاتبٌ ساخرٌ: لو عرفتُ النهاية، منذ البدايةَ، لم يَبْقَ لي عَمَلٌ في اللٌّغَةْ غإلي قاتلٍ:ف لو تأمَّلْتَ وَجْهَ الضحيّةْ وفكَّرتَ، كُنْتَ تذكَّرْتَ أُمَّك في غُرْفَةِ الغازِ، كُنْتَ تحرَّرتَ من حكمة البندقيَّةْ وغيَّرتَ رأيك: ما هكذا تُسْتَعادُ الهُويَّةْ غإلي قاتلٍ آخر:ف لو تَرَكْتَ الجنينَ ثلاثين يوماً، إِذَاً لتغيَّرتِ الاحتمالاتُ: قد ينتهي الاحتلالُ ولا يتذكَّرُ ذاك الرضيعُ زمانَ الحصار، فيكبر طفلاً معافي، ويدرُسُ في معهدٍ واحد مع إحدي بناتكَ تارِيخَ آسيا القديمَ. وقد يقعان معاً في شِباك الغرام. وقد يُنْجبان اُبنةً (وتكونُ يهوديَّةً بالولادةِ). ماذا فَعَلْتَ إذاً ؟ صارت ابنتُكَ الآن أَرملةً، والحفيدةُ صارت يتيمةْ ؟ فماذا فَعَلْتَ بأُسرتكَ الشاردةْ وكيف أَصَبْتَ ثلاثَ حمائمَ بالطلقة الواحدةْ ؟ لم تكن هذه القافيةْ ضَرُوريَّةً، لا لضْبطِ النَغَمْ ولا لاقتصاد الأَلمْ إنها زائدةْ كذبابٍ علي المائدةْ الضبابُ ظلامٌ، ظلامٌ كثيفُ البياض تقشِّرُهُ البرتقالةُ والمرأةُ الواعدة. الحصارُ هُوَ الانتظار هُوَ الانتظارُ علي سُلَّمٍ مائلٍ وَسَطَ العاصفةْ وَحيدونَ، نحن وحيدون حتي الثُمالةِ لولا زياراتُ قَوْسِ قُزَحْ لنا اخوةٌ خلف هذا المدي. اخوةٌ طيّبون. يُحبُّوننا. ينظرون إلينا ويبكون. ثم يقولون في سرِّهم: ليت هذا الحصارَ هنا علنيٌّ.. ولا يكملون العبارةَ: لا تتركونا وحيدين، لا تتركونا . خسائرُنا: من شهيدين حتي ثمانيةٍ كُلَّ يومٍ. وعَشْرَةُ جرحي. وعشرون بيتاً. وخمسون زيتونةً... بالإضافة للخَلَل البُنْيويّ الذي سيصيب القصيدةَ والمسرحيَّةَ واللوحة الناقصةْ في الطريق المُضَاء بقنديل منفي أَري خيمةً في مهبِّ الجهاتْ: الجنوبُ عَصِيٌّ علي الريح، والشرقُ غَرْبٌ تَصوَّفَ، والغربُ هُدْنَةُ قتلي يَسُكُّون نَقْدَ السلام، وأَمَّا الشمال، الشمال البعيد فليس بجغرافيا أَو جِهَةْ إنه مَجْمَعُ الآلهةْ قالت امرأة للسحابة: غطِّي حبيبي فإنَّ ثيابي مُبَلَّلةٌ بدَمِهْ إذا لم تَكُنْ مَطَراً يا حبيبي فكُنْ شجراً مُشْبَعاً بالخُصُوبةِ، كُنْ شَجَرا وإنْ لم تَكُنْ شجراً يا حبيبي فكُنْ حجراً مُشْبعاً بالرُطُوبةِ، كُنْ حَجَرا وإن لم تَكُنْ حجراً يا حبيبي فكن قمراً في منام الحبيبة، كُنْ قَمرا غ هكذا قالت امرأةٌ لابنها في جنازته ف أيَّها الساهرون ! أَلم تتعبوا من مُرَاقبةِ الضوءِ في ملحنا ومن وَهَج الوَرْدِ في جُرْحنا أَلم تتعبوا أَيُّها الساهرون ؟ واقفون هنا. قاعدون هنا. دائمون هنا. خالدون هنا. ولنا هدف واحدٌ واحدٌ واحدٌ: أن نكون. ومن بعده نحن مُخْتَلِفُونَ علي كُلِّ شيء: علي صُورة العَلَم الوطنيّ (ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخترتَ يا شعبيَ الحيَّ رَمْزَ الحمار البسيط). ومختلفون علي كلمات النشيد الجديد (ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخترتَ أُغنيَّةً عن زواج الحمام). ومختلفون علي واجبات النساء (ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخْتَرْتَ سيّدةً لرئاسة أَجهزة الأمنِ). مختلفون علي النسبة المئوية، والعامّ والخاص، مختلفون علي كل شيء. لنا هدف واحد: أَن نكون ... ومن بعده يجدُ الفَرْدُ مُتّسعاً لاختيار الهدفْ. قال لي في الطريق إلي سجنه: عندما أَتحرّرُ أَعرفُ أنَّ مديحَ الوطنْ كهجاء الوطنْ مِهْنَةٌ مثل باقي المِهَنْ ! قَليلٌ من المُطْلَق الأزرقِ اللا نهائيِّ يكفي لتخفيف وَطْأَة هذا الزمانْ وتنظيف حَمأةِ هذا المكان علي الروح أَن تترجَّلْ وتمشي علي قَدَمَيْها الحريريّتينِ إلي جانبي، ويداً بيد، هكذا صاحِبَيْن قديمين يقتسمانِ الرغيفَ القديم وكأسَ النبيذِ القديم لنقطع هذا الطريق معاً ثم تذهب أَيَّامُنا في اتجاهَيْنِ مُخْتَلِفَينْ: أَنا ما وراءَ الطبيعةِ. أَمَّا هِيَ فتختار أَن تجلس القرفصاء علي صخرة عاليةْ غ إلي شاعرٍ: ف كُلَّما غابَ عنك الغيابْ تورَّطتَ في عُزْلَة الآلهةْ فكن ذاتَ موضوعك التائهةْ و موضوع ذاتكَ. كُنْ حاضراً في الغيابْ يَجِدُ الوقتَ للسُخْرِيَةْ: هاتفي لا يرنُّ ولا جَرَسُ الباب أيضاً يرنُّ فكيف تيقَّنتِ من أَنني لم أكن ههنا ! يَجدُ الوَقْتَ للأغْنيَةْ: في انتظارِكِ، لا أستطيعُ انتظارَكِ. لا أَستطيعُ قراءةَ دوستوي÷سكي ولا الاستماعَ إلي أُمِّ كلثوم أَو ماريّا كالاس وغيرهما. في انتظارك تمشي العقاربُ في ساعةِ اليد نحو اليسار... إلي زَمَنٍ لا مكانَ لَهُ. في انتظارك لم أنتظرك، انتظرتُ الأزَلْ. يَقُولُ لها: أَيّ زهرٍ تُحبِّينَهُ فتقولُ: القُرُنْفُلُ .. أَسودْ يقول: إلي أَين تمضين بي، والقرنفل أَسودْ ؟ تقول: إلي بُؤرة الضوءِ في داخلي وتقولُ: وأَبْعَدَ ... أَبْعدَ ... أَبْعَدْ سيمتدُّ هذا الحصار إلي أَن يُحِسَّ المحاصِرُ، مثل المُحَاصَر، أَن الضَجَرْ صِفَةٌ من صفات البشرْ. لا أُحبُّكَ، لا أكرهُكْ ـ قال مُعْتَقَلٌ للمحقّق: قلبي مليء بما ليس يَعْنيك. قلبي يفيض برائحة المَرْيَميّةِ. قلبي بريء مضيء مليء، ولا وقت في القلب للامتحان. بلي، لا أُحبُّكَ. مَنْ أَنت حتَّي أُحبَّك؟ هل أَنت بعضُ أَنايَ، وموعدُ شاي، وبُحَّة ناي، وأُغنيّةٌ كي أُحبَّك؟ لكنني أكرهُ الاعتقالَ ولا أَكرهُكْ هكذا قال مُعْتَقَلٌ للمحقّقِ: عاطفتي لا تَخُصُّكَ. عاطفتي هي ليلي الخُصُوصيُّ... ليلي الذي يتحرَّكُ بين الوسائد حُرّاً من الوزن والقافيةْ ! جَلَسْنَا بعيدينَ عن مصائرنا كطيورٍ تؤثِّثُ أَعشاشها في ثُقُوب التماثيل، أَو في المداخن، أو في الخيام التي نُصِبَتْ في طريق الأمير إلي رحلة الصَيّدْ... علي طَلَلي ينبتُ الظلُّ أَخضرَ، والذئبُ يغفو علي شَعْر شاتي ويحلُمُ مثلي، ومثلَ الملاكْ بأنَّ الحياةَ هنا ... لا هناكْ الأساطير ترفُضُ تَعْديلَ حَبْكَتها رُبَّما مَسَّها خَلَلٌ طارئٌ ربما جَنَحَتْ سُفُنٌ نحو يابسةٍ غيرِ مأهولةٍ، فأصيبَ الخياليُّ بالواقعيِّ، ولكنها لا تغيِّرُ حبكتها. كُلَّما وَجَدَتْ واقعاً لا يُلائمها عدَّلَتْهُ بجرَّافة. فالحقيقةُ جاريةُ النصِّ، حَسْناءُ، بيضاءُ من غير سوء ... غ إلي شبه مستشرق: ف ليكُنْ ما تَظُنُّ. لنَفْتَرِضِ الآن أَني غبيٌّ، غبيٌّ، غبيٌّ. ولا أَلعبُ الجولف. لا أَفهمُ التكنولوجيا، ولا أَستطيعُ قيادةَ طيّارةٍ! أَلهذا أَخَذْتَ حياتي لتصنَعَ منها حياتَكَ؟ لو كُنْتَ غيرَكَ، لو كنتُ غيري، لكُنَّا صديقين يعترفان بحاجتنا للغباء. أَما للغبيّ، كما لليهوديّ في تاجر البُنْدُقيَّة قلبٌ، وخبزٌ، وعينان تغرورقان؟ في الحصار، يصير الزمانُ مكاناً تحجَّرَ في أَبَدِهْ في الحصار، يصير المكانُ زماناً تخلَّف عن أَمسه وَغدِهْ هذه الأرضُ واطئةٌ، عاليةْ أَو مُقَدَّسَةٌ، زانيةْ لا نُبالي كثيراً بسحر الصفات فقد يُصْبِحُ الفرجُ، فَرْجُ السماواتِ، جغْرافيةْ ! أَلشهيدُ يُحاصرُني كُلَّما عِشْتُ يوماً جديداً ويسألني: أَين كُنْت ؟ أَعِدْ للقواميس كُلَّ الكلام الذي كُنْتَ أَهْدَيْتَنِيه، وخفِّفْ عن النائمين طنين الصدي الشهيدُ يُعَلِّمني: لا جماليَّ خارجَ حريتي. الشهيدُ يُوَضِّحُ لي: لم أفتِّشْ وراء المدي عن عذاري الخلود، فإني أُحبُّ الحياةَ علي الأرض، بين الصُنَوْبرِ والتين، لكنني ما استطعتُ إليها سبيلاً، ففتَّشْتُ عنها بآخر ما أملكُ: الدمِ في جَسَدِ اللازوردْ. الشهيدُ يُحاصِرُني: لا تَسِرْ في الجنازة إلاّ إذا كُنْتَ تعرفني. لا أُريد مجاملةً من أَحَدْ. الشهيد يُحَذِّرُني: لا تُصَدِّقْ زغاريدهُنَّ. وصدّق أَبي حين ينظر في صورتي باكياً: كيف بدَّلْتَ أدوارنا يا بُنيّ، وسِرْتَ أَمامي. أنا أوّلاً، وأنا أوّلاً ! الشهيدُ يُحَاصرني: لم أُغيِّرْ سوي موقعي وأَثاثي الفقيرِ. وَضَعْتُ غزالاً علي مخدعي، وهلالاً علي إصبعي، كي أُخفِّف من وَجَعي ! سيمتدُّ هذا الحصار ليقنعنا باختيار عبوديّة لا تضرّ، ولكن بحريَّة كاملة!!. أَن تُقَاوِم يعني: التأكُّدَ من صحّة القلب والخُصْيَتَيْن، ومن دائكَ المتأصِّلِ: داءِ الأملْ. أَصدقائي يُعدُّون لي دائماً حفلةً للوداع، وقبراً مريحاً يُظَلِّلهُ السنديانُ وشاهدةً من رخام الزمن فأسبقهم دائماً في الجنازة: مَنْ مات.. مَنْ ؟ الحصارُ يُحَوِّلني من مُغَنٍّ الي . . . وَتَرٍ سادس في الكمانْ! الشهيدةُ بنتُ الشهيدةِ بنتُ الشهيد وأختُ الشهيدِ وأختُ الشهيدةِ كنَّةُ أمِّ الشهيدِ حفيدةُ جدٍّ شهيد وجارةُ عمِّ الشهيد غالخ ... الخ ..ف ولا نبأ يزعج العالَمَ المتمدِّن، فالزَمَنُ البربريُّ انتهي. والضحيَّةُ مجهولَةُ الاسم، عاديّةٌ، والضحيَّةُ ـ مثل الحقيقة ـ نسبيَّةٌ و غ الخ ... الخ ف هدوءاً، هدوءاً، فإن الجنود يريدون في هذه الساعة الاستماع إلي الأغنيات التي استمع الشهداءُ إليها، وظلَّت كرائحة البُنّ في دمهم، طازجة. هدنة، هدنة لاختبار التعاليم: هل تصلُحُ الطائراتُ محاريثَ ؟ قلنا لهم: هدنة، هدنة لامتحان النوايا، فقد يتسرَّبُ شيءٌ من السِلْم للنفس. عندئذٍ نتباري علي حُبِّ أشيائنا بوسائلَ شعريّةٍ. فأجابوا: ألا تعلمون بأن السلام مع النَفْس يفتح أبوابَ قلعتنا لِمقَامِ الحجاز أو النَهَوَنْد ؟ فقلنا: وماذا ؟ ... وَبعْد ؟ الكتابةُ جَرْوٌ صغيرٌ يَعَضُّ العَدَمْ الكتابةُ تجرَحُ من دون دَمْ.. فناجينُ قهوتنا. والعصافيرُ والشَجَرُ الأخضرُ الأزرقُ الظلِّ. والشمسُ تقفز من حائط نحو آخرَ مثل الغزالة. والماءُ في السُحُب اللانهائية الشكل في ما تبقَّي لنا من سماء. وأشياءُ أخري مؤجَّلَةُ الذكريات تدلُّ علي أن هذا الصباح قويّ بهيّ، وأَنَّا ضيوف علي الأبديّةْ. رام الله ـ يناير 2002 . وداعاً يا درويش .. ...نبيل شرف الدين .... - بسام الخوري - 08-10-2008 http://65.17.227.80/Web/Politics/2008/8/355679.htm محمود درويش يتعرض لحملة تكفير برعاية "الجزيرة" GMT 13:00:00 2008 الأحد 10 أغسطس نبيل شرف الدين قادة حماس ينعونه ونشطاؤها يتبادلون التهنئة بـ"نفوقه" محمود درويش يتعرض لحملة تكفير برعاية "الجزيرة" كتب ـ نبيل شرف الدين: بينما خرجت اليوم الأحد عشرات من صحف العالم، وكل الصحف العربية تقريبًا تنعي الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، وتصفه وكالة الأنباء الألمانية بتقرير يحمل عنوان "الساحة الفكرية العربية تفقد أبرز شعرائها المعاصرين"، وتقول عنه وكالة "رويترز" ووكالة الأنباء الفرنسية و"أسوشيتدبرس" وغيرها من كبريات وكالات الأنباء الدولية بأنه "أحد أهم الشعراء العرب المعاصرين، الذين إمتزج شعرهم بحب الوطن والحبيبة وترجمت أعماله بما يقرب من 22 لغة وحصل على العديد من الجوائز العالمية"، كان لحركة "حماس" الإسلامية موقف آخر من الرجل، واحتفلت برحيله على طريقتها الخاصة. في الوقت الذي أصدر فيه خالد مشعل بيانًا مقتضبًا كتب بلغة رسمية، وبدا فيه واضحًا بعدم التطرق لأي عبارة تدعو إلى درويش بالرحمة وكأنه ينعي أديبًا صينيًا أو روسيًا مثلاً، كانت هناك في المقابل حملة مسعورة على صفحات الإنترنت تكيل للفقيد الكبير أقسى وأسوأ عبارات السباب والتكفير، وحتى الشماتة بموته، ووصلت الوقاحة بأحدهم لكتابة موضوع بعنوان: "هنا نتلقى التهاني بـ (نفوق) الهالك محمود درويش". هذه العبارات التي تضمنها بيان عزاء خالد مشعل لمحمود درويش دافع عنها أحد نشطاء حماس عبر موقع " شبكة فلسطين للحوار" قائلاً: "هناك فرق بين نعي الكافر وبين الترحم عليه، فإذا كان المقصود من النعي هو بيان ان فلان مات، أو بيان بعض محاسنه وفقط , من دون طلب الرحمة أو الجنة له، فهذا جائز ولا حرج، أما إذا كان القصد منه الترحم عليه فلا يجوز، لو كان بطل المقاومة وبطل فلسطين". لكن يبدو أن درويش قد انتقم لنفسه قبل أن ترقص الذئاب على جثته، حين وصف أنبياء غزة الكذبة بقوله قبيل رحيله في قصيدة قال فيها: أنبياء غزة لولا الحياء والظلام، لزرت غزة، دون أن أعرف الطريق إلى بيت أبي سفيان الجديد، ولا اسم النبي الجديد ولولا أن محمداً هو خاتم الأنبياء، لصار لكل عصابةٍ نبيّ، ولكل صحابيّ ميليشيا أعجبنا حزيران في ذكراه الأربعين: إن لم نجد مَنْ يهزمنا ثانيةً هزمنا أنفسنا بأيدينا لئلا ننسى مهما نظرتَ في عينيّ.. فلن تجد نظرتي هناك. خَطَفَتْها فضيحة قلبي ليس لي... ولا لأحد. لقد استقلَّ عني، دون أن يصبح حجراً هل يعرفُ مَنْ يهتفُ على جثة ضحيّته - أخيه: (الله أكبر) أنه كافر إذ يرى الله على صورته هو: أصغرَ من كائنٍ بشريٍّ سويِّ التكوين ؟ أخفى السجينُ، الطامحُ إلى وراثة السجن، ابتسامةَ النصر عن الكاميرا. لكنه لم يفلح في كبح السعادة السائلة من عينيه رُبَّما لأن النصّ المتعجِّل كان أَقوى من المُمثِّل ما حاجتنا للنرجس، ما دمنا فلسطينيين وما دمنا لا نعرف الفرق بين الجامع والجامعة، لأنهما من جذر لغوي واحد، فما حاجتنا للدولة... ما دامت هي والأيام إلى مصير واحد ؟ لافتة كبيرة على باب نادٍ ليليٍّ: نرحب بالفلسطينيين العائدين من المعركة. الدخول مجاناً .. وخمرتنا لا تُسْكِر لا أستطيع الدفاع عن حقي في العمل، ماسحَ أحذيةٍ على الأرصفة لأن من حقّ زبائني أن يعتبروني لصَّ أحذية ـ هكذا قال لي أستاذ جامعة أنا والغريب على ابن عمِّي. وأنا وابن عمِّي على أَخي. وأَنا وشيخي عليَّ هذا هو الدرس الأول في التربية الوطنية الجديدة، في أقبية الظلام من يدخل الجنة أولا ً؟ مَنْ مات برصاص العدو، أم مَنْ مات برصاص الأخ ؟ بعض الفقهاء يقول: رُبَّ عَدُوٍّ لك ولدته أمّك لا يغيظني الأصوليون، فهم مؤمنون على طريقتهم الخاصة، ولكن، يغيظني أنصارهم العلمانيون، وأَنصارهم الملحدون الذين لا يؤمنون إلاّ بدين وحيد: صورهم في التلفزيون سألني: هل يدافع حارس جائع عن دارٍ سافر صاحبها، لقضاء إجازته الصيفية في الريفيرا الفرنسية أو الايطالية.. لا فرق؟ قُلْتُ: لا يدافع وسألني: هل أنا + أنا = اثنين ؟ قلت: أنت وأنت أقلُّ من واحد الجزيرة تتورط وتورطت شبكة "الجزيرة" القطرية عبر موقعها المخصص للمدونات "الجزيرة توك" ـ وهو موقع ترعاه "الجزيرة" رسمياً ـ بالسماح لعدة موضوعات تسبّ بل وتكفر الشاعر الكبير الراحل بعبارات بذيئة لا تليق حتى بجلال الموت، ومنهم شخص "حمساوي" ينتحل اسمًا مستعارًا هو "ابن الحركة الاسلامية"، كتب محذرًا مما أسماه "الافتتان بمحمود درويش"، وقال ما نصه التالي: بداية النص حتى ندفن المعمعة الاعلامية في اولها احب ان اقدم لكم هذا : بدك صراحة انا بديش اترحم على واحد (****) وكمان زار اسرائيل وهاجم الاسلام والدين من قال الشيخ المجاهد عبد لله عزام من كتاب حماس الجذور التاريخية والميثاق : أجهزة الإعلام اليهودية مثل محمود درويش الذي يقول: أنا من قرية عزلاء منسية ... وكل رجالها في الحقل والمعمل يحبون الشيوعية وكان نشيد الثورة الذي يتردد على لسان كل طفل فلسطيني: أنا يا أخي آمنت بالشعب المضيع والمكبل ... وحملت رشاشي لتحمل الأجيال بعدي منجل فالقتال في فلسطين لتحمل الأجيال (المنجل والمطرقة والشاكوش) شعار الشيوعية ويقول محمود درويش: وصرنا نقرأ مبادئ الماركسية التي أشعلتنا حماسا وأملا ، ودخلت الحزب الشيوعي فتحددت معالم طريقي. ولذا ليس غريبا أن يكتب درويش: نامي فعين الله نائمة عنا وأسراب الشحارير. ويقول: فسبحان التي أسرت بأوروتي إلى يدها (تعالى الله عما يشركون) فلا تصفوه بالمقاوم وبالبطل ومدري شو هذا الانسان ذو توجهات اشتراكية الحادية واشعاره مليئة بما لا يسر المسلمين . كذلك قد قرأنا أيضاً أن السفير الإسرائيلي في باريس قد سلم قبل عامين تقريباً محمود درويش وأدونيس وبعض زملائهما خطاب شكر على البيان الذي وقعوه ونشرته صحيفة اللوموند الفرنسية يستنكرون فيه المؤتمر الذي كان سيعقد في بيروت لفضح الصهيونية (الهولوكست) محاكمة درويش ومضى الناشط "الحمساوي" قائلاً في معرض مخاطبة أبناء فتح وغيرهم من الشباب العرب الذين أبدوا استياء من الهجوم على درويش : واثباتات أخرى تدل على ان بطلكم شيوعي : في كتاب لاديب اسمه رجاء النقاش اسمه محمود درويش شاعر الأرض المحتلة ذكر في صفحة 133: أن محمود درويش عمل في جريدة الاتحاد، ومجلة الجديد، وهما من صحف الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وعلاقة درويش بهذا الحزب وعضويته فيه ثابتة لا شك فيها، وقد أفاض فيها النقاش في كتابه المذكور، وأكدها حسين مروة في كتابه: "دراسات نقدية" حينما قال على لسان درويش: "وصرنا نقرأ مبادئ الماركسية التي أشعلتنا حماساً وأملاً، وتعمق شعورنا بضرورة الانتماء إلى الحزب الشيوعي الذي كان يخوض المعارك دفاعاً عن الحقوق القومية"؟ ثم أسأله أين الحقوق القومية عند شاعر يحتفي اليهود بشعره في مناهجهم وتأتيه رسائل الشكر من سفرائهم على مواقفه . وفي ما يشبه محاكمة لتراث درويش الشعري، ومن خلال لعبة الابتسار من السياق التي يمارسها الإسلامويون عادة بحق الشعراء بل وكافة المبدعين، رح الناشط "الحمساوي" يحاكم درويش بقوله : سخرية على مقدساتنا وديننا : "رأيت الأنبياء يؤجرون صليبهم واستأجرتني آية الكرسي دهراً ثم صرت بطاقة للتهنئات" . وقوله: "وتناسل فينا الغزاة تكاثر فينا الطغاة، دم كالمياه وليس تجففه غير سورة عم وقبعة الشرطي وخادمه الآسيوي" . وقوله: "ونمت على وتر المعجزات ارتدتني يداك نشيداً إذا أنزلوه على جبل كان سورة ينتصرون"، وهي مقاطع من ديوانه. ثم اقرأ قوله عن أخته: "أبي من أجلها صلى وصام وجاب أرض الهند والإغريق إلها راكعاً لغبار رجليها، وجاع لأجلها في البيد أجيالاً يشد النوق، أقسم تحت عينيها قناعة الخالق بالمخلوق، تنام فتحلم اليقظة في عيني مع السهر فدائي الربيع أنا وعبد نعاس عينيها وصوفي الحصى والرمل والحجر فاعبدهم لتلعب كالملاك وظل رجليها على الدنيا صلاة الأرض للمطر . نهاية النص ولا تعليق ...نبيل شرف الدين .... - بسام الخوري - 08-11-2008 سقطت حماس وعاش درويش GMT 6:15:00 2008 الإثنين 11 أغسطس نبيل شرف الدين -------------------------------------------------------------------------------- كان بوسع أعضاء تنظيم "حماس" أن يلوذوا بالصمت، ويبتلعوا ألسنتهم أمام جلال الموت، لكنهم أبّوا إلا أن يفصحوا عن طويتهم وأمراضهم النفسية المستعصية، التي تبدأ بالعُصّاب تجاه أي فعل إبداعي، سواء كان فناً، أو شعراً، أو موسيقى، أو أي مظهر من مظاهر البهجة والحياة، ولا تنتهي إلا بنهايتهم المحققة. هاجت قطعان "حماس" عبر الشبكة تنهش لحم أجمل فتيان فلسطين، محمود درويش، وتكيل إليه كل صنوف البذاءات والردح والشتائم والسخائم، بل والتكفير الصريح، في افتئات وقح على الله تعالى، حين يمنحون أنفسهم حقاً ربانياً خالصاً، وهو محاسبة الناس على معتقداتهم وطويتهم. وبقليل من التأمل سنكتشف أن "فُجر الخصومة" ليس جديداً على الحركات المتأسلمة، فهو سلوك مألوف، وقاسم مشترك بينها على اختلاف مسمياتها ومنطلقاتها، وهو أحد مظاهر النفاق التي وردت في الحديث النبوي الشريف عن صفات المنافق "إذا خاصم فجر"، كما أنه بالتأكيد ليس الملمح الوحيد لتجرد هذه التنظيمات من إنسانيتها، وإصرارها على خداع الجميع ولو بالإكراه، فهناك الكذب بقلب بارد، والادعاءات بامتلاك الحقيقة المطلقة، والاستعلاء على خلق الله لمجرد أن أحدهم قرأ آيتين من القرآن الكريم، أو صلى ركعتين من الفروض أو النوافل، حتى يمنح نفسه بعد ذلك حق محاسبة الناس، ويضع ذاته المريضة في منزلة أسمى من البشر، تفتئت على الذات الإلهية فتكفر هذا، وتمنح ذاك صك الغفران، وهلم جرا.. يعد أتباع التنظيمات الإسلاموية الناس بجنات تجري من تحتها الأنهار، لو "حكّموا" شرع الله، لكن المعضلة في ماهية "التحكيم" والشرع"، وبالطبع فإن فهمهم الأبله المتخلف هو الوحيد المعتمد، وما دونه فهو كفر بواح، فمثلاً يتصدى أنصاف المتعلمين وأشباه المثقفين منهم، للنقد الأدبي من دون علم بخفايا اللغة ومقتضيات اللغة الشعرية ودلالات الألفاظ وينتزعون عبارة من سياقها وأخرى من قصيدة، ليغزلوا في النهاية "عقد الشر" الذي يعتبرونه "إنجازاً تاريخياً" توصلوا إليه، وبعد ذلك يتحدثون بلغة خطباء المنابر الذين لا يُناقشون، ولا يملك أي مخلوق أن يراجعهم في ما يطلقونه من تُرّهات، وهذا هو الفارق بين من يناقش ومن "يخطب"، من يحترم عقول محدثيه، ومن يستعلي عليهم لا لشئ إلا لأنه أمسك بالميكروفون، وجلس أمامه المأزومون والمغيبون بسحر القداسة الزائفة، ليهللوا ويكبروا بعد أن وضعوا عقولهم في ثلاجة، ومنحوا ضمائرهم إجازة مفتوحة.. بالطبع ليس هذا هو الشر الوحيد الذي اخترعه تنظيم "حماس" وفرضه على أهالي غزة المنكوبين بالحصار والإحباط وتقلص مساحات الأمل، فقبل سنوات حين قفزت على السلطة في لحظة عدمية، بلغ خلالها اليأس بالناس في القطاع مبلغه، وبعدها جرت في بحر غزة مياه غزيرة، وأصبحت "حكومة الحاج هنية" تباهي بالانتصار على عائلة من عوائل غزة، وتستمتع برؤية أبنائها بالملابس الداخلية في طوابير مخزية أمام الجنود الإسرائيليين، الذين كانوا ـ للأسف ـ أكثر إنسانية ورفقاً بهم من إخوانهم "الحمساويين"، فعلى الأقل منحوهم ملاذاً آمناً، وأدخلوا الجرحى المستشفيات، في ما كان أشاوس "القسام" يجوبون شوارع غزة، يوزعون "الكنافة" ويحملون صور بن لادن والزرقاوي وأحمدي نجاد وغيرهم من شرار الخلق. بعد يوم واحد على ذلك اليوم الأسود الذي اختطفت فيه "حماس" قطاع غزة، كتبت عن المصير الأسود الذي ينتظر السواد الأعظم من أهالي القطاع، ولم أكن بالطبع أرجم بالغيب، أو أقرأ الطالع والفنجان، بل كان مجرد استقراء لخبرات سابقة مع جماعات التأسلم في بلدان كثيرة، قلت إن حماس وقادتها لا يفقهون في السياسة إلا كما تفقه خالتي "الصعيدية" في اللغة الصينية.. فحماس لا تجيد سوى الحشد والتأليب وتجييش المشاعر وترف النقد كالعوّام على البر، وحينما حان الأوان ليجربوا السلطة، حولوا الشارع الغزاوي إلى ساحة للتجارب، ووجد كل غزاوي نفسه مطالباً بدفع فاتورة مغامرات "أبو العبد"، وبقية مجلس الآباء وغلمانهم، الذين لا يجيدون من السياسة سوى الخطب، ولا يعرفون من الحكم سوى الخطف والمساومة، وتحريض الدهماء واستخدامهم دروعاً بشرية.. وحيال ممارسات "طالبان غزة" لم يجد المرء سوى تقديم العزاء للشعب الفلسطيني في أعزّ ما يملك وهو حريته فاعتبارا من اليوم الذي سطت فيه حماس على مقاليد السلطة، كبلت حياة أهالي غزة بآلاف القيود، وصودرت حرياتهم العامة والشخصية، وطورد شبانهم وشاباتهم واستعر الاقتتال بين شتى الفصائل، وتعاظمت الفوضى إلى حد العبث وأجواء العصابات، ورحل من تمكن من الفلسطينيين فرارا بأرواحهم، وطبعاً علينا أن ننسى الفنون والأدب والمسرح والغناء وأي نوع من الإبداع فكله حرام، في قانون (حماستان)، مثل قدوتها وربيبتها عصابة (طالبان). أما على صعيد السياسة الداخلية فقد بشّرت بأنه لن يكون هناك أي شئ اسمه معارضة ولا من يحزنون، لأن من يعارض حماس يجري بالفعل تصويره بأنه يعارض الله شخصياً، ومن ينتقد حماس يتهم بهدم الإسلام، وأتحدى أن يكون هناك الآن في غزة صوت وحيد معارض لقادة هذا التنظيم، حتى من داخل صفوفه، ناهيك عن التيارات المخالفة من علمانيين وفتحاويين وشيوعيين وغيرهم، فقد تحولت غزة إلى "مشتل" لا يتسع إلا لنوع وحيد من النباتات السامة المتسلقة، بعد أن كان أهلها يحلمون بها بستاناً يتسع للبرتقال والتين والزيتون والزهور. وأخيراً، دعونا نحصي عدد الشعارات التي تسقط من عمائم "حماستان"، وقد رأينا قادة حماس يفاوضون جنرالات إسرائيل، وكيف يلتزمون (زي الشطار) بالتهدئة، ويعقدون الصفقات مع من كانوا يصفونهم بالأعداء، ورغم كل هذا لا يكفون عن توزيع الأكاذيب على خلق الله ببجاحة منقطعة النظير عن "المقاومة والصمود والأمن والاستقرار"، وغيرها من المعاني التي لا وجود لها إلا في الخطب المنبرية لكهنة حماس. وباختصار، أكرر القول إن تجربة حماس ليست سوى محطة فاشلة جديدة لعصابات المتأسلمين الإرهابيين، على درب تجربة الترابي في السودان، والملا عمر في أفغانستان، والمحاكم الإسلامية في الصومال، وغيرها من المغامرات السياسية البائسة التي حولت الإسلام والمسلمين إلى أشرار العالم.. والله المستعان Nabil@elaph.com أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه ...نبيل شرف الدين .... - بسام الخوري - 08-12-2008 النهارده السبت وبكره الحد GMT 1:15:00 2008 الثلائاء 12 أغسطس المصري اليوم -------------------------------------------------------------------------------- نبيل شرف الدين «إنهم يسيطرون علي الاقتصاد، وهم طابور خامس، وعملاء لإسرائيل»، هذه عينة من التهم التي راجت قبل عقود ضد اليهود المصريين، الذين ترجع جذورهم في هذا البلد لعهد النبي موسي، قبل أن يجبروا علي مغادرته. نفس هذه التهم تتردد الآن علي ألسنة الكثيرين، لكن بحق المسيحيين هذه المرة، وبدلاً من اتهامهم بالعمالة لإسرائيل أصبحت التهمة موالاة أمريكا، وصار نجاحهم اقتصادياً «سُبّة» كأنهم سرقوا هذه الأموال. بالطبع سيخرج علينا محترفو التبرير وتمييع القضايا مؤكدين وجود فرق هائل بين حالتي اليهود والأقباط، والحاصل أنني لا أجد فرقاً بينهما، حتي علي صعيد الفقه الإسلامي فكلاهما «أهل كتاب»، وما ينطبق علي اليهود من أحكامٍ، يسري علي المسيحيين، فضلاً عن أن اليهودية في مصر سبقت المسيحية بقرون، وهذه حقيقة تاريخية لا تحتمل اللغو، ويعرف المتخصصون أن طائفة «اليهود القرائين» مثلاً مصريةٌ حتي النخاع. «النهارده السبت وبكره الحد»، هذه العبارة البسيطة البليغة قالها «إيزاك»، وهو يهودي مصري هاجر إلي فرنسا قبل عقود، متنبئاً بالمصير المحتمل لأقباط مصر، كان الرجل يتحدث بحنين جارف عن نشأته في «الظاهر»، وأيام الأعياد في المعبد اليهودي بالعباسية، ورحلاته مع زملاء الدراسة للفيوم والإسكندرية، وأخيراً كيف وجد نفسه بين ليلة وضحاها مجبراً علي «سفرة بلا عودة»، ورغم ذلك، فلم يزل هو وزوجته يتحدثان العامية المصرية في منزلهما، بل علما أبناءهما اللهجة، واصطحباهم في عدة زيارات لمصر. لكن، هل حقاً ينتظر هذا المصير البائس إخواننا الأقباط، والإجابة أنه ليس مستبعداً، خاصة في ظل التمدد السرطاني للأفكار السلفية بالمجتمع المصري، ورضوخ الدولة لابتزاز المتأسلمين، وشيوع مظاهر النفاق مثل «الزبيبة» و«الإسدال» وهو «الشادور» الإيراني، وتلك اللغة التحريضية، التي يتباري فيها بعض خطباء المساجد ودعاة الفضائيات في تسفيه معتقدات المسيحيين، ووصم الكتاب المقدس بالزيف، بل وصل الانحطاط برجل تنشر له «الأهرام» مقالاً أسبوعياً، أن يصفه بالكتاب «المكدس»، أي أن المسيحيين يشتمون بأموالهم، فالأهرام علي حد علمي يمولها دافعو الضرائب. البداية كانت مع انقلاب ١٩٥٢، الذي سانده الإخوان، وبعده هاجر ملايين الأقباط من خيرة العقول إلي شتي أصقاع العالم، ونجحوا في كل مكان، ثم تصاعدت وتيرة هجرات الأقباط، ولعلي لا أذيع سراً حين أحذر من هجرة أموال الأقباط، فمثل هذا المناخ المتعصب لا يجدي التعامل معه بلغة «الطبطبة» و«قعدات المصاطب»، بل ينبغي تفعيل المواطنة بإلغاء المادة الدستورية التي تنص علي أن دين الدولة هو الإسلام، فالدولة كيان اعتباري لا دين له، كما ينبغي أيضاً إزالة خانة الديانة من جميع المستندات الرسمية. هذا فضلاً عن البدء بتقليص عمليات الأسلمة الاجتماعية التي تجري علي قدم وساق، فما الداعي مثلاً لفتاوي بتحريم التدخين؟، أليس كافياً أن نشير إلي أضراره الصحية؟، ولمَ الإشارة إلي أن أنشطة اقتصادية كالتمويل العقاري مطابقة للشريعة؟، أليست هذه مزايدات لا ندري إلي أي كارثة تقودنا، وما سبب إفساح كل هذه المساحات للمتفيهقين وتجار الكراهية في الصحف الحكومية وتليفزيون الدولة، ولماذا نتورط في دعم ظواهر خطيرة كدعاة السلفية الوهابية، حتي بعد أن تخلت عنها دول المنشأ، وألا يشكل هذا مصفاة أولية لمتطرفين سيحملون السلاح في وجوهنا ذات يوم؟. أخيراً يبقي القول إن مجتمعاً لا يحتمل التنوع والاختلاف، هو مجتمعٌ مأزوم، ضاق ذرعاً بأبنائه اليهود، وها هو يضيق بالمسيحيين، وبعدها ستبدأ مرحلة جديدة يأكل فيها المسلمون بعضهم البعض، فهذا صوفي «قبوري»، وذاك شيعي «رافضي»، وأؤلئك علمانيون كفرة.. وهلم جرا، لنصبح في النهاية أشرار العالم، ما لم نكن قد أصبحنا بالفعل. ...نبيل شرف الدين .... - بسام الخوري - 08-28-2008 زغلول النجار يثير أزمة جديدة بين مسلمي ومسيحيي مصر GMT 15:30:00 2008 الأربعاء 27 أغسطس نبيل شرف الدين -------------------------------------------------------------------------------- بعد إطلاقه مزاعم عن مقتل قسطنطين.. الأزمة تنتقل إلى القضاء والبرلمان زغلول النجار يثير أزمة جديدة بين مسلمي ومسيحيي مصر وفاء قسطنطين نبيل شرف الدين من القاهرة: مرة أخرى عاد اسم السيدة " وفاء قسطنطين " إلى صدارة الأحداث في مصر، بعد سنوات على الضجة الكبرى التي أثارتها قصة عن تحولها للإسلام ثم عدولها عن ذلك، وسط ملابسات وتداعيات شائكة، كونها زوجة رجل دين مسيحي، وما أعقب ذلك من مظاهرات حاشدة للمسيحيين الذين اتهموا جماعات إسلامية بالعمل على أسلمتها، في وقت اتهم فيه إسلاميون ونشطاء في جماعة " الإخوان المسلمين " الحكومة بما أسموه " الرضوخ لضغوط البابا شنودة الثالث بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية "، الذي كان قد أعلن وقتها اعتكافه في الدير، في احتجاج صامت على هذه الأحداث الساخنة، وما اكتنفها من ملابسات . وعودة اسم وفاء قسطنطين لصدارة الأحداث مجدداً يأتي بعد أن أثار كاتب إسلامي اشتهر بتعرضه المستمر للمعتقدات المسيحية وهو زغلول النجار، الذي يكتب مقالاً أسبوعياً في صحيفة "الأهرام"، شبه الرسمية، ويتعمد بين الحين والآخر تسفيه معتقدات المسيحيين واليهود، حيث سبق له أن وصف الكتاب المقدس بـ " المكدس "، وزعم أن التوراة والانجيل تعرضا للتحريف، وغير ذلك من الكتابات الاستفزازية . والنجار الذي يكتب كثيراً عما يصفه بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم، بدأ حياته عضواً في جماعة "الإخوان المسلمين"، وسبق اعتقاله وسجنه بسبب أنشطته وانتمائه لتلك الجماعة المحظورة في مصر، وقد ظهر خلال الأعوام الأخيرة بكثافة عبر وسائل الإعلام الرسمية في مصر . وصرح النجار لصحيفة محلية مصرية بأن لديه معلومات عن قتل وفاء قسطنطين في دير "وادي النطرون"، وإثر تلك التصريحات تقدم نجيب جبرائيل رئيس منظمة "الاتحاد المصري لحقوق الإنسان" ببلاغ إلى النائب العام المصري ضد النجار، وقال جبرائيل، أنه تأكد بنفسه من خلال اتصال مع شقيقها "أنها بخير وتعيش في مصر بسلام مع أسرتها، وتمارس عقيدتها المسيحية بحرية، بعيداً عن الكنيسة والدير" . قضاء وبرلمان على صعيد متصل أعلن نواب برلمانيون ينتمون لجماعة "الإخوان المسلمين" اعتزامهم تقديم استجوابات وطلبات إحاطة لأحمد نظيف رئيس مجلس الوزارء وحبيب العادلي وزير الداخلية للكشف عن مصير وفاء قسطنطين للرأي العام في أقرب وقت ممكن، لحسم هذا اللغو الذي انتشر على نحو واسع في مصر . وطالب هؤلاء النواب الحكومة المصرية بإصدار بيان بشأن ما تردد من أنباء ومزاعم عن مقتل وفاء قسطنطين، على لسان زغلول النجار، لا سيما وأنَّ مثل هذه القضايا الشائكة لا تحتاج الصمت، وستنتهي في اطار الشفافية"، على حد قولهم . وفي تفاصيل بلاغه الذي قدمه إلى مكتب النائب العام قال نجيب جبرائيل، إنه اتهم زغلول النجار بالإدلاء بأقوال كاذبة من شأنها أن تكدر السلم الاجتماعي، والعلاقة بين الأقباط والمسلمين، وتهدد الوحدة الوطنية، وأضاف: "كما اتهمته بالتشكيك في أحكام القضاء، لأن قوله إن الكنيسة القبطية أخفت وفاء قسطنطين، ثم قتلتها حتى لا تعود إلى الإسلام مرة أخرى، هذا الكلام أثير في دعوى كان قد أقامها الشيخ يوسف البدري، فقدمت إلى المحكمة خلال شهر كانون أول (ديسمبر) عام 2007 وثيقة رسمية من نيابة "عين شمس" بخط يد وفاء قسطنطين، بأنها ولدت مسيحية وسوف تعيش وتموت مسيحية، وهنا حكم القضاء برفض دعوى الشيخ البدري آنذاك" . ومضى جبرائيل قائلاً "إن عودة النجار ليفجر المشكلة مجددا، معناه أنه يشكك فى حكم القضاء، وسبق أن تقدمنا ببلاغ ضده، ويخضع حاليا للتحقيق بمكتب النائب العام، بسبب إهانته للكنيسة لأنه وصف الكتاب المقدس بالمكدس وأنه محرف، ونسب للكنيسة أنها تقوم بعمليات تنصير في مكان بالقرب من "مزارع دينا" على طريق القاهرة ـ الإسكندرية الصحراوي في أماكن أعدت للمسلمات لتسفيرهن، من دون أن يقدم دليلا واحداً على صحة هذه المزاعم" . تنصير وأسلمة زغلول النجار وأوضح المحامي نجيب جبرائيل، أن بلاغه للنائب العام تضمن تلك الوقائع للتأكيد على أن النجار يثير الأغلبية المسلمة ضد الأقلية المسيحية في مصر، وكونه يعجز عن إثبات ما يقوله، فهذا يشكل أركان جريمة البلاغ الكاذب التي تتوافر قبله طبقا للمادة 305 من قانون العقوبات، وأيضا جريمة تهديد الوحدة الوطنية، طبقا للمادة 98 مكرر من قانون العقوبات"، على حد قوله . وعن سبب عدم قيام الكنيسة بإحضار قسطنطين أمام النائب العام لإثبات كذب تصريحات النجار، قال جبرائيل إن القانون يقول "على المدعي أن يثبت ما يدعيه، بمعنى أن عبء الإثبات يقع على النجار، وأضاف "إننا لا نستطيع إجبارها على الظهور في وسائل الإعلام، وتحديد مكان إقامتها، لأن في هذا خشية على حياتها، خاصة بعد تصريحات النجار". وكانت وفاء قسطنطين، وهي زوجة لكاهن في محافظة البحيرة، وأم لولد وبنت، تسببت فى مظاهرات مسيحية عارمة في مصر عام 2004، عندما أعلنت اعتناقها الإسلام بعد اختفائها لفترة، ثم خضعت بناء على طلب البابا شنودة، لجلسات نصح، عادت بعدها إلى عقيدتها، ولم تظهر بعد ذلك، وقيل وقتها إنها انتقلت للعمل كمهندسة زراعية في أحد أديرة منطقة "وادي النطرون" التي تقع على طريق القاهرة ـ الإسكندرية الصحراوي my answer to nabi يستطيعون إظهارها على شريط فيديو وخلفها عدد جديد للأهرام مثلا كما يفعل أيمن الظواهري ....الشك بالقتل سيبقى موجود فالمتطرف الديني المسيحي أوالمسلم بلا عقل ومستعد لفعل كل شيء ... http://www.elaph.com/ElaphWeb/AkhbarKhasa/2008/8/360504.htm ...نبيل شرف الدين .... - بسام الخوري - 08-28-2008 تقول (بغض النظر عن الموضوع ...انت أبعد ماتكون عن المهنية واشك في أن تكون خريج صحافة أو اعلام وأستغرب على ايلاف تعاملهها مع مراسلين من هذه النوعية !!! فالمقال يقطر حقدا وغيظا وتحيزا واضحا يتنافى مع مبدأ الحيادية التي هي ( ألف باء ) الصحافة )وأنا اؤيد كلامك واذا عرف السبب بطل العجب فكاتب الموضوع ضابط شرطة سابق اي أنه خريج كلية الشرطةوليس الاعلام وكان يعمل في مكتب وزير الداخلية وبالكوسة التحق بجريدة الاهرام ولهذا تجد المقالة تنضح حقدا وغلا لانه تريبي في كلية الشرطة وارضعوه لبن الكراهية لكل ما هو اسلامي !!! is that true nabil what this man say again you tell us the truth :97_old::97_old::97_old: ...نبيل شرف الدين .... - بسام الخوري - 09-30-2008 نلتقي في الحريق المقبل GMT 6:15:00 2008 الثلائاء 30 سبتمبر نبيل شرف الدين -------------------------------------------------------------------------------- خلال شهر واحد احترق أثران ورمزان بالغا الأهمية في ذاكرة أي أمة متحضرة، الأول هو مبنى أول مجلس نيابي ليس في مصر وحدها، بل وفي المنطقة برمتها، أما الثاني فهو المسرح القومي، الذي كانت له الريادة أيضاً في نشر المسرح الحديث بالشرق الأوسط، وقبلهما احترق مسرح قصر الثقافة بمدينة "بني سويف" الذي راح ضحيته عشرات الفنانين والمشاهدين، وظل المتهم واحدا في كل هذه الحالات، تطلق عليه الحكومة اسم "الماس الكهربائي"، ويسميه المصريون "الإهمال". قبلها احترقت رموز وبنايات وقطارات وأشياء أخرى، مما يعود بذاكرة المصريين الجماعية لتلك الأجواء التي سبقت انقلاب 1952، والتي توجت بحريق القاهرة الشهير الذي التهم ضمن ما التهمه، المبنى القديم لدار الأوبرا المصرية. زميلنا الصحافي المخضرم الذي يحرص على تغطية الأحداث المهمة ميدانياً رغم قضائه أكثر من 35 عاماً في بلاط صاحبة الجلالة، وقف يتأمل النيران تلتهم المسرح القومي، وقد بدا من فرط الأسى المرسوم على وجهه أكبر كثيراً مما عهدناه، وفجأة انتحى ركناً قصّياً وراح يبكي بحرقة فاجأت جميع زملائه وتلاميذه. وبحضن لا يخلو من بعض الخشونة لإجباره على مرافقتنا، شاركني زميلان في اصطحاب الرجل إلى السيارة، ورحت أقودها دون هدف محدد، في مدينة تبدو مثل غابة من الأسمنت، تخترق باطنها الأنفاق، وتعتليها الكباري، وتمرح في ربوعها سيارات تبدو أكثر خطورة من الوحوش الكاسرة في الغابات. ساد الصمت دقائق لنمنح الرجل حقه في التأمل ولملمة مشاعره، وبعدها تحدثنا كثيراً وضحكنا أكثر كعادة المصريين في كل الكوارث، وفجأة "نقح عليّ" ميكروب الفضول الصحافي، فسألته عن سبب بكائه بهذه الحرقة في هذا الحادث تحديداً، وهو الذي رأى كوارث وحوادث لا حصر لها، ومازحته متعمداً استفزازه بقولي، إنه ربما أصبح عجوزاً، لم تعد تحتمل مشاعره المشاهد الصعبة، لكنه رد بهدوء قائلاً إن الأمر يرتبط بذكريات شخصية لا ينساها، فقد كان هذا المسرح هو أول مكان يمارس فيه الصحافة حين أجرى سلسلة حوارات مع كبار الفنانين، هي التي مهدت أمامه الطريق ليحترف الصحافة، أما الأهم من ذلك فإنه تعرف في ردهاته على رفيقة عمره أثناء مشاهدتهما لأحد العروض، وقضى مع تلك السيدة التي تزوجها قبل ثلاثين عاماً أمسيات لا تنسى في هذا المكان، بل وأورثا أبنائهما عشق المسرح، لدرجة إن ابنه الأكبر يعمل كمساعد مخرج الآن، وبالتالي فقد كان المسرح القومي شريكاً وشاهداً على أجمل سنوات عمره. وبعيداً عن هذه المشاعر الشخصية فإنه يرى أن المسرح القومي تحديداً، مسرح البسطاء المحترمين المتحضرين، وهاهو الآن يرى جزءاً عزيزاً من عمره وذكرياته ولحظات السعادة في حياته، كلها تحترق أمام عينيه، بينما يعجز عن القيام بأي شئ للتصدي لتلك النيران الشرسة. يتابع: "تشغلني كثيراً هذه الأيام تفاصيل حالة الانحطاط الحضاري التي انزلقنا إليها في مصر خلال العقود الماضية، وكيف تحولت مصر خلالها من منصة لإطلاق الحريات والفنون، وبورصة للأفكار والإبداع، إلى مخزون هائل للتعصب والكراهية، وانعدام الرغبة في الحياة والانسحاب منها، وراح أشرار ينفثون سمومهم لتعميق هذه الحالة، وهكذا تربعت على عروش قلوب الشباب أسماء من فصيلة: "أبو الأشبال السلفي" و"أبو سراقة الأثري"، بعد أن كانت تلك القلوب مسكونة بعشاق الحياة، وباختصار أصبحنا الآن في مصر من أكثر شعوب المنطقة كآبة، وصار المصري المرح مجرد تراث، وأصبحنا مستفزين لدرجة التلذذ بإيذاء بعضنا البعض، ولو لم نحقق من ذلك أي منفعة.. هكذا تحدث الصحافي المخضرم بما يشبه "مونولوغ" ذاتي تعليقاً على عمر عاشه في كنف هذا البلد، وراقب كل أحداثه عن كثب. كان الزميل المخضرم يتحدث كأنه يفكر بصوت مرتفع، تتدفق كلماته بسلاسة مريرة، يتوقع كارثة كبرى، مبدياً أسفه للعجز عن تسميتها، لأنه ببساطة لا يعرف لها اسماً محدداً، لكنه يتوقع خطوطها العريضة وملامحها التي يؤكد أنها ستأتي على الأخضر واليابس. لعلها الفوضى العارمة التي تتغذى على الإهمال المتكرر، والضمائر التي استمرأت البلادة، ولعلها أشياء أخرى كانت تدور في مخيلته لكن المؤكد كما يتنبأ الرجل، ويؤيده كثيرون في هذه النبوءة الشريرة ـ التي ندعو الله ألا تتحقق ـ أن كارثة هائلة بانتظار هذه البلاد، فقد انفصلت تماماً نخبته الحاكمة عن الشارع، فهؤلاء يعيشون في قصور حصينة خارج القاهرة، تحميهم سيارات مصفحة، ويرافقم شباب أشداء لحراستهم في كل مكان، فأنى لشخص يعيش هذا النمط من الحياة، أن يرى ما يعانيه ملايين الفقراء وجحافل العاطلين عن العمل، الذين تقودهم ظروفهم الصعبة إلى دهاليز التطرف الديني، أو التفلت الأخلاقي، أو السقوط في فخ العدمية والانسحاب من الحياة. أخيراً وصلنا إلى منزل شيخنا المخضرم، فترجل يمضي متثاقلاً، وبعد أن ودعناه كان علينا أن نفترق، وقبل أن يمضي كل منا لحال سبيله، فوجئت بزميلي يكسر حاجز الكآبة بتعليق ساخر لا يخلو من المرارة قائلاً: "نلتقي إذن في الحريق المقبل". Nabil@elaph.com أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه ...نبيل شرف الدين .... - بسام الخوري - 11-03-2008 جمال مبارك بدا هادئًا واثقًا وهاجم المعارضة بضراوة GMT 20:00:00 2008 الأحد 2 نوفمبر نبيل شرف الدين -------------------------------------------------------------------------------- مؤكدًا إستمرار دور الدولة... لكن من خلال "فكر جديد" جمال مبارك بدا هادئًا واثقًا وهاجم المعارضة بضراوة نبيل شرف الدين من القاهرة: يصف ملايين المصريين مؤتمر الحزب الوطني (الحاكم) بأنه "مؤتمر جمال مبارك "، وقد لا يكون هذا الوصف دقيقًا على الصعيدين السياسي والإعلامي، غير أنه ينطوي على قدرة هائلة بإختزال الموقف برمته، فنجل الرئيس المصري جمال هو نجم المؤتمر المتوج، وقد بدا ـ خلافًا لبقية قادة الحزب ـ هادئًا واثقًا من نفسه، وأعرب عن تفاؤله بالمرحلة المقبلة، قائلاً "إننا في الحزب الوطني نتعامل مع الشارع السياسي ومع مشاكل وأولويات المواطنين ونضمنها في سياساتنا"، على حد قوله. وأكد جمال مبارك الذي يشغل منصب الأمين العام المساعد وأمين السياسات بالحزب الوطني (الحاكم) أن الحزب لديه من السياسات والأفكار التي أثبتت جدواها في تطوير المجتمع وتحقيق معدلات نمو مرتفعة وقيادة عملية الإصلاح على كافة المحاور... كما أن لديه من القدرة على أن يقنع الأغلبية بأن هذه السياسات هي الأفضل لمستقبل مصر وذلك بالحجة والحوار الموضوعي . وخلال إستعراضه أمام المؤتمرالسنوي للحزب الوطني لتقرير حول إنجازات العام الماضي وبعد ثلاثة أعوام من بدء البرنامج الانتخابي للرئيس حسني مبارك، قال جمال إن قوة النظام السياسي في مصر تقوم على الانفتاح على كافة القوى والأحزاب في المجتمع، وأن يناقش ويختلف في أدق القضايا التي يقوم عليها النظام السياسي ويقنع الرأي الآخر بجدوى السياسات التي يتبعها. وأشار مبارك الابن إلى أن الحزب الوطني ليس وحده على الساحة السياسية وليس الوحيد الذي يطرح أفكارًا، ولكن هناك قوى وأحزابًا أخرى من حقها أن تطرح الأفكار والرؤى وأن تقنع الأغلبية بأن هذا في صالح الوطن. مهاجمة المعارضة وانتقد جمال مبارك الذين يهاجمون الحزب الوطني قائلاً: "دعونا نترك الهجوم الذي يسيء إلى الأشخاص، ولن ننزلق إلى هذا المستوى فهو يعود على أصحابه"، وأضاف "إن هؤلاء المهاجمين ينادون بالإصلاح السياسي وتحسين أحوال المواطنين ولم يطرحوا أفكارًا أو سياسات تؤدي إلى ذلك". وتساءل جمال مبارك: ماذا يقصدون بالإصلاح الذي ينادون به ؟ هل هو الإصلاح الذي يرجع بنا إلى سياسات الماضي التي كانت تصلح وقتها ولكن تجاوزها الزمن الآن؟، وهل هو الإصلاح الذي يتوافق مع الدستور والقانون ويرتكن لمؤسسات الدولة أم يلتف حولها؟ وهل هو الإصلاح الذي يسعى للحفاظ على حقوق المرأة أم يعود بها للوراء؟.. أم الإصلاح الذي يطلق الوعود للمواطنين وما أكثر وأسهل ذلك وهو يفتقد لأدنى حد من التعاطي السياسي مع قضايا الوطن ؟ . وأضاف أن هؤلاء المعارضين الذين يرفعون شعار (عدالة توزيع النمو) - ونحن نؤيده - لا يقولون كيف سيتم خلق هذا النمو والحافظ عليه .. متسائلاً: " إذا لم تكن لديك الرؤية والسياسات والبرامج لخلق معدلات عالية حقيقية من النمو فيكف يتم الحديث عن عدالة توزيع النمو؟". وأشار إلى أن هناك تناقضًا أيضًا بين هذا الشعار وبين قدرة ما يطلقونه على الخروج للمجتمع بشكل موضوعي وواضح يبين كيف يتم خلق والاستمرار في معدلات الحفاظ على معدلات عالية من النمو، مؤكدًا أن الحزب الوطني لديه من المصداقية في تحديد الأولويات والأهداف وكيف يتم تمويلها وقد حدث ذلك عند صياغة برنامج الحزب. وتساءل جمال مبارك مجددًا: هل هو الإصلاح الذي يدعو إلى الصدام مع العالم الخارجي وخلق معارك وهمية واللعب على عواطف الناس بتحقيق ريادة مصر وتصطدم وقتها بالعالم الخارجي ويرجعنا لفترات سابقة، أم الرؤية التي يتبناها الرئيس حسني مبارك عبر سنوات طويلة ، والتي حافظت على مصر لأطول فترة في تاريخها المعاصر أرضها محررة وسيادتها مستقلة؟، مؤكدًا أن التعامل مع العالم الخارجي لا بد من أن يكون محوره الأساسي هو خدمة القضايا الداخلية . وقال جمال مبارك إن الحزب الوطني هو حزب الأغلبية وهو الذي يقود من خلال حكومته وهيئته البرلمانية عملية الإصلاح والتطوير .. وليس هناك شك أنه ينال القسط الأكبر من الهجوم والتشكيك من المعارضة من محاولة اقناع الرأي العام بأن سياساته ليست هي الأصلح بل أدت لنتائج سلبية وتحديدا على مسار الأربع سنوات السابقة". وأضاف جمال مبارك "أن هذا يعتبر في حد ذاته شيئا إيجابيا"، مطالبا بضرورة الحديث عن المعارضة الموضوعية التي تحاول تبادل الرأي بالرأي ، والتي تسعى إلى أن تطرح بديلا أفضل وتحاورنا فيما نطرحه وتحاول اقناع الرأي العام بأن أفكارها وسياستها هي الأفضل. ومضى جمال مبارك قائلاً "إن الحزب الوطني لديه سياسات أثبتت جدواها ، ولديه رؤية وفكر معلن على الجميع بتفاصيله وبرؤيته وبسياساته وبموازاناته ولديه الحجة في الدخول في حوار وجدل موضوعيين حتى يتم إقناع الغالبية من المواطنين بأن هذا التوجه العام وهذه السياسات هي الأفضل والأصلح للمستقبل"، على حد تعبيره . الوطني والإصلاح وتساءل مبارك الابن هل الإصلاح سيتم من خلال الظهور الإعلامي والتصريحات الإعلامية والحديث اللبق عن الإصلاح والتطوير ورفع المعاناة وغيرها .. أم من خلال الدراسات وما أكثرها والتي لا تستند للواقع ولا تنبع من المشاكل الحقيقية للمواطنين في كافة ربوع الوطن وغائبة عما يحدث في العالم الخارجي وتوصيات غائبة عن فهم عمق التحول الذي يحدث بالعالم ؟. ومضى جمال مبارك قائلاً إن قوة النظام السياسي تقوم على مجتمع عنده القدرة والثقة أن يناقش ويختلف في أدق أموره وفي أدق القضايا التي يقوم عليها نظامه السياسي، معتبرًا ذلك شيئًا إيجابيًا يدعم عملية التطوير السياسي والديمقراطي في مصر ويحمّلنا "كحزب وطني" مسؤولية كبيرة. ونوه جمال مبارك بأنه يتم خلال مؤتمر الحزب الوطني مناقشة قضايا مهمة تشكل تواجهات الحزب لخدمة المواطن المصري في كل قرية ومدنية من شمال الجمهورية إلى جنوبها ومن غربها إلى شرقها، مشيرًا إلى أن هناك قطاعات ومناطق جغرافية استفادت أكثر من الأخرى، ونسعى الآن لوضع سياسات جديدة لتحقيق عدالة توزيع النمو. وقال جمال مبارك إن هناك تقريرين للمناقشة خلال المؤتمر ..الأول وهو ما إعتدنا عليه منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة لنقف على ما تحقق خلال ثلاثة أعوام من البرنامج الانتخابي المطروح للنقاش في هذا المؤتمر وبعده حتى نتعرف على ما تم وعلى أوجه القصور وما يجب أن نفعله في الفترة القادمة لنستكمل الوفاء بتعهداتنا في البرنامج الانتخابي .. والثاني خاص بأمانة السياسات. ومضى جمال مبارك قائلاً إن تقرير أمانة السياسات يتضمن 11 محورًا حول قضايا حاكمة تشكل توجه الحزب لخدمة مصر وكافة مواطنيها، مشيرًا إلى أن وراء هذا التقرير فكرًا ورؤية تتعرض دائمًا للهجوم والتشكيك من قوى سياسية بالمجتمع. وتابع جمال مبارك قائلاً: "إن الحزب الوطني لن ينزلق إلى هذا المستوى من التشكيك، ولكن يتساءل عن البديل الذي تقدمه هذه القوى"؟. وأضاف مبارك الابن "أننا لا نختلف على مبدأ عدالة التوزيع لعائد التنمية ، ونسعى لوضع سياسات تتعامل مع هذا الموضوع"، مؤكدًا أن الفكر الجديد للحزب يتمثل في الخروج من الفكر التقليدي الذي كان يصلح للماضي ولا يصلح للمرحلة الحالية التي يشهد فيها العالم انفتاحًا كبيرًا. وأوضح أن الفكر الجديد يبدأ وينتهي بالمواطن المصري في شتى بقاع الأرض المصرية والعمل على رفع مستواه وتقديم أفضل الخدمات له وتوفير فرص العمل له وتغطيته بمظلة الضمان الاجتماعي . أربعة محاور وتحدث جمال مبارك عن أربعة محاور أساسية في تقرير أمانة السياسات أولها ..الإصلاح السياسي فقال "إننا اتخذنا خطوات على مدي الأعوام الثلاثة السابقة من خلال سياسات المواطنة والديمقراطية وأن الحزب سيستكمل هذا العام عددًا من الموضوعات، منها مشروع قانون الانتخاب وتطوير قانون الإدارة المحلية بغرض تفعيل الإدارة المحلية لأنها الأكثر قدرة على التعامل والتعرف إلى أولويات المواطن بهدف الوصول إلى نقل حقيقي للسلطة والموازنة للمحافظات كمرحلة أولى تليها المراكز والأقسام". وتضمن المحورالثاني دور الدولة حيث أكد ضرورة أن ننظر لدور الدولة باعتبارها محفزة وليست معوقة وطمأن المواطنين بأن الدولة لم ترفع يدها ، "كما يروج المشككون"، على حد تعبيره . وشدد جمال مبارك على أن دور الدولة موجود ومستمر ، وأن الحزب الوطني وحكومته لن يتخليا عن دور الدولة الاجتماعي وفي تقديم العون للمواطن المصري ، وأن دور الدولة سيستمر بفكر جديد يرفع مستوى الخدمات ويوفر موارد لتحقيق ذلك. وفي ما يتعلق بالمحور الثالث الذي يدور حول القطاع الخاص، قال جمال مبارك إن الحزب الوطني داعم للاستثمار ومؤيد للقطاع الخاص موضحا أن الإستثمارات التي تم ضخها في الإقتصاد المصري بلغت 200 مليار جنيه بلغت نسبة مساهمة القطاع الخاص فيها 70 %. وأكد جمال مبارك أن القطاع الخاص له دور كبير في توفير فرص العمل التي تعتبر هدفًا أساسيًا من أهداف الحزب..موضحا أن قوة العمل في مصر تبلغ 21 مليونًا من بينها 15 مليونًا يعملون في القطاع الخاص وأن 90% من المليوني فرصة عمل التي تم توفيرها خلال الأعوام الثلاثة الماضية جاءت من القطاع الخاص. وأوضح أن الأموال المصدرة للشركات الجديدة خلال العامين الماضيين هي 65% للاستثمار الوطني و23 % للاستثمار العربي و11% فقط مساهمات لشركات أجنبية مختلفة .. وقال "إنه من دون تشجيع الاستثمار لكان حالنا اليوم أسوأ كثيرًا من الفترة قبل السنوات الأربع الماضية". وتضمن المحور الرابع التعامل مع العالم ..حيث قال أمين السياسات "إن قدرتنا على القراءة الصحيحة للعالم هي نقطة فاصلة في مدى القدرة على النجاح في المستقبل ، وإننا لن ننعزل عن العالم وسنستمر في التعاون مع دول العالم المختلفة وتوظيف علاقاتنا لخدمة قضايانا الداخلية". ...نبيل شرف الدين .... - بسام الخوري - 03-09-2009 جمال مبارك يعرض رؤيته لأهم القضايا المصرية والعربية عبر CNN GMT 11:30:00 2009 الإثنين 9 مارس نبيل شرف الدين -------------------------------------------------------------------------------- نبيل شرف الدين من القاهرة: يختتم نجل الرئيس المصري جمال مبارك ـ الذي يشغل منصبا رفيعاً في الحزب الوطني الحاكم ـ زيارته للولايات المتحدة، وهي الأولى من نوعها له منذ العام 2006، وقد وصفت بأنها تستبق زيارة والده المتوقعة خلال نيسان / أبريل المقبل وتمهد لها. وخلال مقابلة أجراها مع برنامج " Global Public Square " الذي تبثه شبكة " السي أن أن " الأميركية، قال جمال مبارك إن حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق، من أجل تحقيق السلام والتعايش في منطقة الشرق الأوسط، ومضى قائلاً : " إن رسالتي للإسرائيليين هي أن نافذة حل الدولتين هي الخيار الوحيد القابل للتطبيق من أجل تحقيق التسوية والسلام والتعايش في المنطقة، وأن هذه النافذة هي الخيار الوحيد القابل للتطبيق لتحقيق إسرائيل آمنة تعيش داخل حدودها ودولة فلسطينية آمنة تعيش داخل أراضيها "، وحذر مبارك الابن من أن " هذه النافذة ربما تغلق سريعا "، على حد تعبيره. ويقول محللون سياسيون إن زيارة مبارك الابن تعكس رغبة مصرية ـ أميركية متطابقة لبدء صفحة جديدة مع إدارة أوباما بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق جورج بوش، الذي تدهورت علاقاته مع مبارك فامتنع الأخير عن زيارة الولايات المتحدة طوال الأعوام الخمسة الماضية، ومن المقرر أن يزور مبارك الأب الولايات المتحدة خلال نيسان (أبريل) المقبل، وبالتالي فإن المراقبين يرون أن زيارة جمال مبارك وقبله وزير الخارجية أحمد أبو الغيط إنما تصب في اتجاه السعي لحل العديد من القضايا العالقة مع أميركا تمهيدا لزيارة الرئيس مبارك التي تأتي بعد انقطاعه عن القيام بها خلال الولاية الثانية لجورج بوش. والتقى جمال مبارك مع كل من نائب وزيرة الخارجية الأميركية جيمس ستاينبرغ، ووكيل الخارجية للشئون السياسية وليام بيرنز، فضلاً عن لقاء عدد من أعضاء الكونغرس من الحزبين وهم: السيناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، والنائب هاوارد بيرمان رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس النواب، والسيناتور جو ليبرمان، والسناتور دايان فاينشتاين عضوة لجنة الإعتمادات بمجلس الشيوخ، والنائب غاري آكرمان رئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط بمجلس النواب، والنائبة نيتا لوي عضو لجنة العمليات الخارجية بمجلس النواب. القاهرة وواشنطن وحول سياسة الرئيس الأميركي "باراك أوباما" إزاء الشرق الأوسط، أعرب جمال مبارك عن اعتقاده بأن أوباما "ملتزم" حيال التوصل إلى حل لقضية الصراع في منطقة الشرق الأوسط. وقال إن الرئيس أوباما ومنذ الأيام الأولى له في البيت الأبيض، بدأ يتعامل مع القضايا العالمية برغم التحديات التي تواجهه داخليا، حيث أرسل مبعوثا خاصا للشرق الأوسط ووزيرة خارجيته للمنطقة، وهو ما يعد أمرا غير مسبوق على الأقل خلال السنوات الخمس عشرة أو العشرين الماضية. ووصف جمال مبارك الانتخابات الأميركية بأنها تاريخية، وأن العالم العربي والإسلامي بشكل عام يراها كذلك. وفي ما يتعلق بالمقابلة التي أجراها أوباما مع فضائية العربية بعد تنصيبه، أعرب جمال مبارك عن دهشته من بعض التعليقات التي اعتبرت أن سبب اختيار أوباما للعربية واختياره مخاطبة العالم العربي والإسلامي ومحاولته إبداء الاحترام له قد تكون علامات ضعف، حيث أكد أن ما فعله أوباما خطوة مهمة للغاية. وحول أداء وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أشاد جمال مبارك بأدائها خلال أول زيارة لها لمنطقة الشرق الأوسط، حيث قال إنها "أصابت الهدف عندما أعربت عن قلق بلادها بشأن عملية السلام ككل وحل الدولتين والمضي قدما مجددا نحو السلام، وذلك خلال زيارتها لمصر للمشاركة في مؤتمر دولي حول إعادة إعمار غزة والذي عقد في منتجع شرم الشيخ. وأضاف أن تصريحات كلينتون تركزت على الوضع المأساوي في غزة ، والتزامات واشنطن بإعادة الإعمار بحكم مشاركتها في مؤتمر حول غزة. وبالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، قال جمال مبارك إن العالمين العربي والإسلامي كانا يتعاطفان مع ما تعرضت له الولايات المتحدة خلال الأشهر الأولى التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر 2001 وأبديا استعدادهما لدعمها ، إلا أنه ومع تطور الأحداث أدت الحرب على الإرهاب في النهاية إلى مزيد من الانقسام والتوتر والمواجهات. وأكد جمال مبارك أن إدارة بوش حولت اهتمامها من القضايا الرئيسية إلى المواجهة والكراهية وإشاعة اليأس في المنطقة، حيث أهملت القضية الرئيسية في المنطقة وهي القضية الفلسطينية، وحاولت فقط مع نهاية ولايتها العودة مجددا لهذه القضية عبر مؤتمر أنابوليس ، إلا أن الوقت كان متأخرا للغاية. جمال مبارك و سلام فياض وايهود باراك وطوني بلير في المنتدى الاقتصادي حول الشرق الاوسط في شرم الشيخ في 19 مايو 2008- أ ف ب ملف التطرف وحول تزايد التطرف الإسلامي خلال الأعوام الأخيرة قال مبارك الابن إن الإسلام لا يدعو للعنف، معربا عن اعتقاده في إمكانية مواجهة التطرف عبر مسارين، يتمثل الأول في أن يتحدث العالم الإسلامي بوضوح في هذه القضية وألا يترك الساحة للعناصر المهمشة التي تزعم أنها تتحدث نيابة عن الإسلام، كما شدد جمال مبارك على ضرورة أن يعمل العالم الإسلامي على مواجهة الحركات والأفكار المتطرفة. وأوضح جمال مبارك أن المسار الثاني يتمثل في التعاون بين العالمين العربي والإسلامي من جانب والولايات المتحدة والغرب من جانب آخر عن كثب، وذلك للتعاطي مع بعض المشاكل الصعبة في منطقة الشرق الأوسط والتي تكون بمثابة وقود لجماعات تروج للعنف والتطرف وتسعى لإعادتنا إلى قرون مضت. وأشار جمال مبارك إلى أن بعض التوترات الناجمة عن الحرب على الإرهاب أو بعض القضايا المتشابكة أو الصعبة للغاية والتي من بينها القضية الفلسطينية تولد العنف والإحباط واليأس لدى البعض. ومضى جمال مبارك قائلاً: "حينما يكون لديك خليط من تلك القضايا فإن بعض هذه القوى التي لديها أفكار راديكالية تجد الفرصة لملء الفراغ في المجتمعات، واتباع أساليب أكثر عدوانية في محاولة لقمع المجتمعات الإسلامية والحديث نيابة عنهم، وأنهم فقط لديهم إجابات عن مشاكلهم، وأن هذه الإجابات والحلول تتمثل في العديد من الحالات في المواجهة والعنف". وحول بعض مشاكل منطقة الشرق الأوسط التي تغذي الأصولية والراديكالية، ومدى إمكانية حل القضية الفلسطينية اليوم مع وجود سلطة فلسطينية منقسمة بين فتح وحماس ، تساءل جمال مبارك عن السبب في الوصول إلى النقطة التي أصبحت القضية عندها اليوم، وأضاف "أن قضايا المنطقة المتداخلة والمعقدة تتطلب نظرة شاملة من أجل التعاطي معها، وإلا فإن الجهود ذات الصلة ستكون صعبة للغاية". أما في القاهرة فإن طيفاً واسعاً من القوى والحركات الشعبية والأحزاب المعارضة في مصر واصلت انتقاداتها الحادة للنظام الحاكم، متهمة إياه بالسعي إلى إعداد جمال مبارك لرئاسة الجمهورية خلفاً لوالده، والكثير من تلك الأحزاب والتيارات المعارضة تتحدث عما تصفه بـ"مخطط التوريث". النجل الاكبر للرئيس المصري ينتظر في صالة خلال قمة دولية تركز على الأزمة في غزة وشرم الشيخ في 18 يناير 2009 إسرائيل والفلسطينيون وردا على سؤال حول التطبيع مع إسرائيل ووجود قطاعات عديدة في المجتمع المصري ترفض التطبيع، شدد جمال مبارك على أن جهود القيادة المصرية وأصحاب الفكر من الصعب أن تنجح في إقناع الشعب بالتطبيع مع إسرائيل في ظل ما يحدث على صعيد القضية الفلسطينية والفظائع التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. وأضاف أنه على مدار السنوات الثماني الماضية ، لم تشهد القضية الفلسطينية أي تقدم من أي نوع ، بل كل ما شهدناه عبارة عن محاولات فاشلة. وأعرب عن اعتقاده في ظهور مؤشرات مع الإدارة الأميركية الجديدة، تستدعي الانتظار لمتابعة سبل تشكل سياستها تجاه هذه القضية. أما في ما يتعلق بالمفاوضات التي تجريها مصر مع حركة المقاومة الإسلامية حماس، ومدى التقدم الذي تحقق، أكد مبارك الابن أنه لا يريد القفز إلى أي نتائج، وأوضح أن الجولة الأولى من المحادثات التي عقدت قبل نحو عشرة أيام في القاهرة، شاركت فيها جميع الفصائل الفلسطينية، وهو ما يعد في حد ذاته خطوة جيدة، مشيرا إلى أن هذه المفاوضات كان مخططا لها نوفمبر الماضي قبل هجوم غزة الدموي، إلا أن حماس انسحبت. وأكد أنه بعد انعقاد الجولة الأولى من المفاوضات، فإن كلمات وتصريحات بعض ممثلي الفصائل المشاركة تشير إلى أن هذه الجولة كانت "بداية جيدة". وبالنسبة لارتباط فكرة لدى الأميركيين عند نظرهم إلى مصر بأن قيادات من تنظيم القاعدة أمثال أيمن الظواهري من مصر، قال جمال مبارك إن مصر واجهت حربها الخاصة ضد الإرهاب قبل الولايات المتحدة والعالم، وأن الرئيس حسني مبارك اعتاد في أكثر من مناسبة توجيه رسالة تحذيرية بأن هذا الإرهاب سوف يهدد مع مرور الوقت العالم بأسره إذا لم يتم اتخاذ إجراء مشترك لمواجهته. وأضاف أن البعض اعتبر حينها أن هذه مشكلة داخلية تتعلق بالمعارضة السياسية في مصر، لافتاً إلى أن الوقت أثبت أن الرئيس مبارك كان على صواب في تحذيراته، وأن هذه الجماعات التي كانت تشن عمليات عنف في التسعينات راهنت على أن المصريين سوف يساندونهم، إلا أنهم أخطأوا في ذلك الأمر. وفي ما يتعلق بإيران اعترف جمال مبارك بوجود اختلافات عميقة في وجهات النظر بين الجانبين بشأن المنطقة، وسبل تحقيق تقدم على مسار عملية السلام، وتوجه المنطقة نحو التسوية السلمية وكيفية الوصول إلى هذه النقطة. وأشار جمال مبارك إلى أن الرئيس المصري الراحل أنور السادات اتخذ خطوة تاريخية في سبعينات القرن الماضي ودفع ثمنها، وكانت رؤيته حينها أن الحل الوحيد لتقدم المنطقة هو السلام والتسوية والحل القائم على دولتين، وهو ما نتحدث عنه حاليا، مما يؤكد أنه كان على صواب، وأضاف أن الرئيس مبارك حين تولى مقاليد السلطة استمر على نفس النهج، وواجه تحديات على مدار سنوات، لكنه ظل على هذا المسار لإيمانه بأنه السبيل الوحيد لإحراز تقدم. مصر وإيران وحول فرص تأييد مصر لضربة عسكرية أميركية لمواقع إيران النووية، قال جمال مبارك "أعتقد أنه من واقع خبرات سابقة مع العراق، فلا أعتقد أن المنطقة أو العالم أو الولايات المتحدة يجب أن يقفز إلى نتائج وتقديرات تقود إلى صراع عسكري آخر في المنطقة". وأضاف أن "هناك المزيد من الأعمال التي يمكن انجازها عبر الدبلوماسية، وأعتقد أن الولايات المتحدة والإدارة الجديدة بدأت على المسار الصحيح"، داعيا إلى الاستفادة من الأخطاء ومحاولة الوصول إلى حل لبعض القضايا الشائكة عبر المفاوضات والدبلوماسية. وحول مدى تفاؤله بالنسبة للقضية الإسرائيلية الفلسطينية برغم مرور نحو ستين عاما عليها، أكد جمال مبارك على ضرورة عدم فقدان الأمل في السياسة، وأنه إذا كانت هناك رغبة في الوصول إلى الرؤية الخاصة بتحقيق الأمن والسلام والتعايش، فيجب أن يكون هناك تفاؤل مع محاولة التغلب على جميع العقبات من أجل التقدم نحو الأمام. وشدد على أنه إذا كان هناك تحرك في هذا الاتجاه، فلأن هناك دولا قيادية في منطقة الشرق الأوسط ومن بينها مصر التي تعمل بلا كلل من أجل تحقيق تطلعات شعوب المنطقة في التعايش سويا وتوفير مستقبل سلمي لهم. وحسب مرافقين له في زيارته فقد عرض جمال مبارك خلال هذه اللقاءات رؤية الحزب الوطني (الحاكم) في مصر وسياساته تجاه قضايا المنطقة والتحديات المتمثلة في الأزمة الاقتصادية العالمية وسبل مواجهتها، واستشراف مستقبل العلاقة المصرية - الأميركية في ظل تولي الإدارة الأميركية الجديدة، وفي هذا السياق اطلع جمال مبارك على رؤية الدوائر الأميركية لهذه القضايا وتصورها للتطورات في السياسة الأمريكية، خاصةً فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط. وتتباين آراء المصريين ونظرتهم للتغييرات التي تجري على الحزب الحاكم، ما بين مؤيدين ومتفائلين أغلبهم من أعضاء الحزب، ومعارضين يرفضون مجرد ظهور جمال مبارك على المسرح السياسي أساساً. |