حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
بعيني رايت رام الله - مريد البرغوثي - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: لغـــــــة وأدب (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=78) +--- الموضوع: بعيني رايت رام الله - مريد البرغوثي (/showthread.php?tid=42780) |
بعيني رايت رام الله - مريد البرغوثي - هاله - 04-14-2011 نفي الكاتب من "رام الله" (احدى المدن الفلسطينية) عام 1966 و لم يعد اليها الا بعد غياب امتد ثلاثين عاما أي في 1996 ثم ما لبث أن أودع عصارة تجربته الانسانية في النفي و الغياب و العودة في كتابه "بعيني رأيت رام الله" الذي صدر عام 1997 و استقبل بحفاوة بالغة في الأوساط الأدبية. كتب مقدمته المفكر الفلسطيني الراحل الدك "ادوارد سعيد" و قامت بترجمته الروائية و الناقدة الأدبية المصرية "أهداف سويف" فابدعت ليحظى الكتاب باجتماع ثلاثة من أعلام الثقافة العربية. نال الكتاب جائزة نجيب محفوظ للابداع الأدبي و تمت ترجمته الى العديد من لغات العالم منها الجورجية و الدانماركية و الصينية و غيرها. "الغربة كالموت، المرء يشعر أن الموت هو الشئ الذي يحدث للآخرين، منذ ذلك الصيف أصبحت ذلك الغريب الذي كنت أظنه دائماً سواي. في ظهيرة ذلك الإثنين، الخامس من حزيران 1967 أصابتني الغربة. ها أنا أمشي بحقيبتي الصغيرة على الجسر، الذي لا يزيد طوله عن بضعة أمتار من الخشب، وثلاثين عاماً من الغربة… كيف إستطاعت هذه القطعة الخشبية الداكنة أن تقصي أمة بأكملها عن أحلامها؟ أن تمنع أجيالاً بأكملها من تناول قهوتها في بيوتٍ كانت لها؟ أليس طريفاً وغريباً أننا عندما نصل إلى مكان جديد يعيش لحظته الجديدة نروح نبحث عن عتيقنا فيه؟ هل للغرباء جديد؟ أم أنهم يدورون في دنياهم بسلال ملأوها ببقع الماضي، البقع تتساقط لكن اليد لا تسقط سلتها… لم نطل الحديث، أطلنا الصمت، لأن الصمت كان في مقدورنا نحن الإثنين… أي حب ونحن لا نعرف المحبوب؟ ثم لماذا لم نستطع الحفاظ على الأغنية؟ ألأن تراب الواقع أقوى من سراب النشيد؟ أم لأن الأسطورة هبطت من قممها إلى هذا الزقاق الواقعي؟ الإحتلال خلق أجيالاً بلا مكان تتذكر ألوانه ورائحته و أصواته… الإحتلال الطويل خلق منا أجيالاً عليها أن تحب الحبيب المجهول، النائي، العسير… الإحتلال الطويل إستطاع أن يحولنا من أبناء “فلسطين” إلى أبناء “فكرة فلسطين”… ها هي تكاد تفتح القوس الواسع الذي ستضع فيه ثلاثين عاماً من العمر، وتغلق عليه قوساً آخر بحيث تضع كل غربتي بين قوسين… سخيف أن تطرح في مسقط رأسك أسئلة السياح: من هذا وما هذا… إلخ… أليس كذلك؟ كنت دائماً من المقتنعين بأن من مصلحة الإحتلال، أي إحتلال، أن يتحول الوطن في ذاكرة سكانه الأصليين إلى باقة من “الرموز”… إلى مجرد رموز… الإحتلال تركنا على صورتنا القديمة، وهذه هي جريمته… إنه لم يسلبنا طوابين الأمس الواضحة، بل حرمنا من الغموض الجميل الذي سنحققه في الغد… أمر محير و غريب، كل العودات تتم ليلاً، وكذلك الأعراس و الهموم و اللذة و الإعتقالات و الوفيات و أروع المباهج… الليل أطروحة نقائض… ثرثرنا أعمارنا المتفرقة في البيوت التي إنضمت في تلك الليلة لتصبح بيتاً… أنت لا تبتهج فوراً بمجرد أن تضغط الحياة زراً يدير دولاب الأحداث لصالحك… أنت لا تصل إلى نقطة البهجة المحلوم بها طويلاً عبر السنوات وأنت أنت… إن السنوات محمولة على كتفيك، تفعل فعلها البطئ دون أن تقرع لك أية أجراس… كانت كل عودة مؤقتة تكمل النصف الثاني من الجملة… فالغربة كلها شبه جملة… الغربة شبه كل شئ… علاقتي بالمكان هي في حقيقتها علاقة بالزمن… أنا أعيش في بقع من الوقت بعضها فقدته وبعضها أملكه لبرهة ثم أفقده لأنني دائماً بلا مكان… إنني أحاول إستعادة زمن شخصي ولى… لا غائب يعود كاملاً… لا شئ يستعاد كما هو… الغربة لا تكون واحدة، إنها دائماً غربات… غربات تجتمع على صاحبها وتغلق عليه الدائرة، يركض والدائرة تطوقه… عند الوقوع فيها يغترب المرء “في” أماكنه و “عن” أماكنه، أقصد في الوقت نفسه… يغترب عن ذكرياته فيحاول التشبث بها، فيتعالى على الراهن والعابر… إنه يتعالى دون أن ينتبه إلى هشاشته الأكيدة… فيبدو أمام الناس هشاً و متعالياً، أقصد في الوقت نفسه… يكفي أن يواجه المرء تجربة الإقتلاع الأولى حتى يصبح مقتلعاً من هنا إلى الأبدية… الممسوس بالشعر أو بالفن و الأدب عموماً إذ تحتشد في روحه هذه الغربات، لن يداويه أحد منها… حتى الوطن…" يتبع RE: بعيني رايت رام الله - مريد البرغوثي - أسامة مطر - 04-14-2011 RE: بعيني رايت رام الله - مريد البرغوثي - coco - 04-15-2011 كوكو RE: بعيني رايت رام الله - مريد البرغوثي - هاله - 04-19-2011 ثانكس عالورد يا ورد ... و نكمل مقدمة كتاب رأيت رام الله بقلم إدوارد سعيد: "تجسيد" القضية الفلسطينية هذا النص المحكم، المشحون بغنائية مكثفة، الذي يروي قصة العودة بعد سنوات النفي الطويلة إلى رام الله في الضفة الغربية في سبتمبر 1996 هو واحد من أرفع أشكال كتابة التجربة الوجودية للشتات الفلسطيني التي نمتلكها الآن. إنه كتاب مريد البرغوثي الشاعر الفلسطيني المرموق، والمتزوج كما يخبرنا في مواضع شتى من الكتاب، من رضوى عاشور الروائية والأكاديمية المصرية الممتازة، إذ كانا طالبين يدرسان اللغة الإنجليزية وآدابها في جامعة القاهرة في الستينيات، وخلال زواجهما اضطرا للافتراق طوال سبعة عشر عاما، هو مستشاراً في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في بودابست وهي مع ابنهما تميم في القاهرة حيث تعمل أستاذة في قسم اللغة الإنجليزية في جامعة عين شمس. والأسباب السياسية لهذا الافتراق يشير إليها كتاب رأيت رام الله، كما يشير أيضا إلى ظروف نفي الشاعر من الضفة الغربية عام 1966 وظروف عودته إليها بعد ثلاثين سنة. عند صدور رأيت رام الله عام 1997 واستقباله بحفاوة عظيمة وواسعة شملت العالم العربي كله، نال الكتاب جائزة نجيب محفوظ للإبداع الأدبي التي تمنحها الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وأجمل ما تشتمل عليه الجائزة حقا هذه الترجمة الأنيقة المثيرة للإعجاب إلى اللغة الإنجليزية التي قامت بها أهداف سويف، وهي ذاتها روائية وناقدة مصرية هامّة تكتب رواياتها بالإنجليزية (في عين الشمس وخارطة الحب). لهذا فهو حدثٌ أدبيٌّ هامّ أن تجتمع هاتان الموهبتان داخل غلاف واحد، وإنه ليسعدني أن يتاح لي أن أقول بعض الكلمات كمقدمة لهذا العمل. أما وقد قمت بنفسي برحلة مشابهة إلى القدس (بعد غياب 45 سنة) فإنني أعرف تماما هذا المزيج من المشاعر حيث تختلط السعادة، بالأسف، بالحزن بالدهشة بالسخط والأحاسيس الأخرى التي تصاحب مثل هذه العودة. إن عظمة وقوة وطزاجة كتاب مريد البرغوثي تكمن في أنه يسجل بشكل دقيق موجع هذا المزيج العاطفي كاملا، وفي قدرته علي أن يمنح وضوحا وصفاءً لدوّامة من الأحاسيس والأفكار التي تسيطر علي المرء في مثل هذه الحالات. إن فلسطين، على كل حال، ليست مكانا عاديا، إنها متوغّلة بعمق في كل التواريخ المعروفة وفي تراث الديانات التوحيدية، شهدت غزاةً وحضاراتٍ من كل صنف ولون تأتي وتزول، وتعرَّضَتْ في القرن العشرين إلى صراع ممضّ بين سكانها الأصليين العرب الذين اقتُلِعوا وتشتّتَ معظمهم عام 1948 وحركةٍ سياسية وافدة لليهود الصهاينة (ذوي الأصول الأوروبية في الغالب) الذين أقاموا دولة يهودية في فلسطين، وفي عام 1967 احتلوا الضفة الغربية وقطاع غزة وما زالوا عمليا يسيطرون عليها إلى يومنا هذا. إن كل فلسطيني يجد نفسه اليوم أمام موقف شديد الغرابة، فهو يدرك أن فلسطين كانت موجودة ذات يوم لكنه يراها وقد اتخذت اسماً جديداً وشعباً جديداً وهوية جديدة تُنكِر فلسطين جملةً وتفصيلا. بالتالي فإن العودة إلى الوطن، في ظل هذا الوضع، هي أمر غير عادي إن لم نقل إنه مفعم بالأسى والوطأة. إن رواية مريد البرغوثي كانت ممكنة بسبب ما يُطلق عليه بشكل مضلل عملية السلام (هذه التسمية الخاطئة بشكل مخيف) بين منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات ودولة إسرائيل. فهذه الترتيبات التي بدأت في سبتمبر 1993 ولا تزال مستمرة بدون حل حتي لحظة كتابة هذه السطور (أوائل أغسطس 2000) والتي تمت بوساطة أمريكية، لم تؤدِّ إلى سيادة فلسطينية حقيقية علي غزة والضفة الغربية ولا إلى سلام ومصالحة بين اليهود والعرب. لكنها سمحت بعودة بعض الفلسطينيين من أهالى المناطق المحتلة عام 1967 إلى منازلهم. وهذه هي الحقيقة السارة التي انبثق منها مشهد الوقوف على الحدود الذي يفتتح به مريد البرغوثي كتابه رأيت رام الله. وكما يكتشف البرغوثي بسرعة، تكمن المفارقة في أنه بالرغم من وجود ضباط فلسطينيين على جسر نهر الأردن الفاصل بين المملكة الهاشمية وفلسطين فإن الجنود والمجندات الإسرائيليين مازالوا هم الذين يمسكون بزمام الأمور. وكما يلاحظ بقوة: 'الآخرون هم أسياد المكان'. وإن كان هو من أهالى الضفة وبوسعة أن يقوم بهذه الزيارة فهو يروي ببلاغة كيف أن بقية الفلسطينيين (حوإلى 3.5 مليون نسمة) هم لاجئون من مناطق 1948 وبالتالى لا يمكنهم العودة في ظل الوضع الراهن. إنه لأمر حتمي أن يكون في كتاب البرغوثي قدرٌ من السياسة، لكنه لايقدمها لنا في آية لحظة من قبيل التجريد أو الدوافع الأيديولوجية. كل ما هو سياسي في الكتاب ناجم عن الأوضاع المعيشية الحقيقية في حياة الفلسطينيين المحاطة بقيود تتعلق بالإقامة والرحيل. فبالنسبة لمعظم شعوب الأرض الذين هم مواطنون لديهم جوازات سفر وبوسعهم السفر بحرية دون تفكير في هويتهم طوال الوقت، فإن مسألة السفر والإقامة تعدّ أمرا مفروغا منه. بينما هي أمر مشحون بتوتر عظيم لدي الفلسطينيين الذين لا دولة لهم، والذين، وإن امتلك كثير منهم جوازات سفر كملايين اللاجئين المتناثرين في كافة أرجاء العالم العربي وأوروبا وأستراليا والأمريكتين الشمالية والجنوبية، فإنهم يحملون وزر كونهم مقتَلَعين وبالتإلى غرباء. إن هذا الواقع جعل نص البرغوثي حافلا بالهموم، من نوع أين يمكنه أو لا يمكنه أن يقيم؟ وكم يمكنه البقاء؟ ومتي عليه أن يغادر؟ والأقسي من ذلك كله ماذا يمكن أن يحدث في غيابه؟ :يموت شقيقه 'منيف' موتا قاسيا وغير ضروري في فرنسا لأن أحدا لا يستطيع أو لا يرغب في تقديم المساعدة. وتحوم في أجواء الكتاب طول الوقت شخصيات ثقافية مرموقة كالروائي غسان كنفاني ورسام الكاريكاتير ناجي العلي اللذين ماتا اغتيالا، مما يذكّرنا بأن الفلسطيني مهما كان موهوبا أو مرموقا يظل عرضة للموت المفاجيء والاختفاء الذي لا يمكن تفسيره. من هنا هذه النغمة الموجعة الحزينة في هذا الكتاب لكنها في الوقت نفسه نغمة عفية وإيجابية. حقا إن ما يعطي هذا الكتاب تفرده وأصالته المفعمة بالصدق والتي لا تخطئها العين هو نسيجه الشعري الذي يؤكد قوة الحياة. إن كتابة البرغوثي، وبشكل مدهش حقا، كتابة تخلو من المرارة فهو لا يُلقي خُطَباً تحريضية رنّانة ضد الإسرائيليين لما فعلوه، ولا يحطّ من شأن القيادة الفلسطينية جراء الترتيبات الفاضحة التي وافقت عليها وقبلتها علي الأرض. إنه على حق طبعا عندما يلاحظ أكثر من مرة أن المستوطنات تلطّخ وتشوه المشهد الطبيعي الفلسطيني ذا الانسياب اللطيف والجبلي في الغالب لكن هذا هو كل ما يفعله بالإضافة إلى ملاحظته لحقائق يزعج صانعي السلام المفترَضين أن يتعاملوا معها. إنها ليست قليلة أبدا هذه المفارقة عندما ينقّب البرغوثي عن جذور اشتقاق اسم عائلته (رغم أني لا أمتلك معلومات ثابتة حول هذا الأمر فإنني أعتقد أن عائلة البرغوثي هي أكبر عائلة في فلسطين على الإطلاق، ويصل عدد أفرادها إلى 25 ألف نسمة). إنه لا يتهرب من حقيقة أن اسمهم يبدو مشتقا من 'البرغوث' وهذه التفصيلة الناجمة عن التواضع تمنح السرد بعدا أكثر إنسانية وشجناً وعذوبة. أن التميز الأساسي لكتاب رأيت رام الله هو في كونه سجلا للخسارة في ذروة العودة ولمّ الشمل، ومقاومة البرغوثي المستمرة لأسباب خساراته وتفنيدها هي التي تضفي على شعره معناه العميق وماديته الملموسة وعلى روايته كثافتها وتماسكها. 'الاحتلال'، يقول البرغوثي، خلق أجيالا عليها أن تحب حبيباً مجهولاً، نائياً، عسيراً، محاطاً بالحرّاس وبالأسوار وبالرؤوس النووية وبالرعب الأملس'! لهذا فهو في قصائده كما في نثره يسعى إلى تحطم الحوائط، إلى تجنّب الحرّاس، من أجل الوصول إلى فلسطين التي تخصّه والتي يجدها في رام الله، رام الله التي كانت يوما ضاحية خضراء هادئة لمدينة القدس وأصبحت في السنوات الأخيرة مركزا للحياة المدنية الفلسطينية تتمتع باستقلالية نسبية ومقدار معقول من النشاط الثقافي وعدد من السكان مطّرد النمو. في هذه المدينة التي يعيد اكتشافها وتصويرها بحيوية يلتقي البرغوثي الشاعر المشرد بذاته مجددا، فقط ليرمي نفسة مرة أخرى في أشكال جديدة من الغربة: 'يكفي أن يواجه المرء تجربة الاقتلاع الأولى حتي يصبح مقتلَعا من هنا إلى الأبديّة'! وهكذا، فبالرغم من الفرح ولحظات النشوة التي يحملها هذا النص، فإنه في جوهره يستحضر المنفى لا العودة. وهذه النغمة الشخصية هي بالضبط ما حافظت عليه الترجمة الممتازة التي تقدمها أهداف سويف لقراء اللغة الإنجليزية. هذا كتاب يجسد لنا التجربة الفلسطينية بشكل يؤنسنها ويعطيها، بأسلوبه الجديد، معنىً جديداً. إدوارد سعيد نيويورك، آب أغسطس 2000 http://mouridbarghouti.net/mouridweb/arabadeem/arabic/rayaturamallah.htm RE: بعيني رايت رام الله - مريد البرغوثي - هاله - 05-05-2011 سيدتان سيدة تعرف كل محلات الفضة في باريس وتشكو وسيدة تبكي كل خميس في خمس مقابر وتكابر مريد البرغوثي يطالعني ذلك العنوان، فيثير في نفسي أفكاراً عديدة، خاصة ذلك الاختيار للكلمة المفتتح (رأيت)، كلمة تحمل في طياتها مزيجاً من مشاعر اللهفة والفرحة والشوق سُرعان ما تتحول إلى أسف وحزن وسخط واستنكار، مزيجا هائلا من المشاعر يعجز القلم عن تصويرها، جسدتها تلك الكلمة (رأيت)، خاصة حينما تكون تلك الكلمة (فعلا تحقق وقوعه) وحين يكون الفاعل ـ والذي رأى مرتين ـ هو (مريدُ البرغوثي) وحينما تكون تلك التي رآها هي (رام الله). مدينته التي ولد بها ونشأ فيها وقضى سنوات تكوينه الأولى، قبل أن يُنفى منها ليعود إليها بعد ثلاثين عاما، ويراها مرة ثانية. وليست الرؤية الأولى كالرؤية الثانية، كما أن من سمع ليس كمن رأى، فالرؤية الأولى ل (رام الله) تلك الضاحية الهادئة الخضراء لمدينة القدس، لم تكن مجرد رؤية، بل هي حياة كاملة أعمق من الرؤية الخارجية وأكبر من أن تكون اسما لمدينة، بل هي الناس وحياتهم الكاملة في تلك المدينة. (فمريد البرغوثي) حين يتكلم عن فلسطين .. رام الله .. القدس، يتكلم عن القدس الحياة عن قدس الناس، تلك التي يعلمها هو، فهو من رأى ومن سمع ومن عاش. عاش(*) ((قدس البيوت والشوارع المبلطة، والأسواق الشعبية، حيث التوابل والمخللات، قدس الكلية العربية، والمدرسة الرشيدية والمدرسة العمرية، .. .. قدس الجبنة البيضاء والزيت والزيتون والزعتر، وسلال التين والقلائد والجلود، وشارع صلاح الدين)). وهو القادر على إخبارنا عن ((خان الزيت، وباعة التحف، والصدف، والكعك بالسمسم)). ويخبرنا عن أهل القدس ((جارتنا الراهبة، وجارها المؤذن)). إنها القدس التي عرفها بحياتها النابضة في الأعياد والمناسبات ((السعف الماشي على الطرقات في أحد السعف)). تلك القدس يقول عنها ((هذه القدس، هي قدس حواسنا وأجسامنا وطفولتنا، هي القدس التي نسير فيها غافلين عن قداستها، لأننا فيها، لأنها نحن)). فهي قدس الناس والأشخاص والتي تختلف عن قدس العالم، ذلك العالم الذي لا يعرف من القدس سوى قبة الصخرة تحديداً، والقدس بالنسبة له هي ((القدس الديانات، القدس السياسية، القدس الصراع هي قدس العالم))، ولأنه يعلم أن كل الصراعات تفضل الرموز يدرك أن ذلك العالم لا يعرف من القدس سوى قوة الرمز. ((القدس الآن هي قدس اللاهوت)) فذلك العالم لا يعني سوى ب (وضع) القدس، بالفكرة والأسطورة، أما حياة الفلسطينيين في القدس لا تعنيه، تلك الحياة التي أصبحت مهددة بالزوال. و(مريد البرغوثي) يتمتع بتلك الروح الشفافة والبصيرة الناقدة وعين وأذن الباحث اللاقطة يتضح ذلك في أشعاره أو في أعماله الأدبية، فنرى تلك المقارنة الدقيقة والصادقة بين قدسه هو وقدس العالم القشرة أو القناع. كما نلمح تلك المقارنة الدقيقة في قصيدته (سيدتان) حيث يقول: سيدتان سيدة تعرف كل محلات الفضة في باريس وتشكو وسيدة تبكي كل خميس في خمس مقابر وتكابر شتان ما بين هاتين السيدتين يا (مريد) كما أنه شتان ما بين رؤيتك الأولى ل (رام الله) ورؤيتك الثانية. فها أنت تروي قصة العودة إلى (رام الله) بعد سنوات النفي الطويلة، تلك السنوات المريرة التي قضيتها متنقلا في عواصم العالم العربي والغربي، حتى إذا كانت تلك العودة في سبتمبر 1966م، أزعم أني أعلم ما كان يسيطر عليك في تلك اللحظة من مشاعر ممتزجة متداخلة من شوق، ولهفة، وسعادة ورهبة، وأنت في طريقك لرؤيتها، رؤية (رام الله). لكن تلك المشاعر تراجعت، وتحولت إلى دهشة، غضب، سخط، استنكار، ويا له من تصوير لمشهد الوقوف على الحدود وتلك المفارقة المؤلمة، فبالرغم من وجود ضباط فلسطينيين على جسر نهر الأردن ذلك الفاصل بين (الأردن) و(فلسطين) إلا أنه وبتعبيرك نفسه ((الآخرون هم الأسياد)). (الآخرون) ومن غيرهم الجنود والمجندات الإسرائيليات، هم الممسكون بزمام الأمور، وبالسلاح المصوب إلى صدوركم. ربما في تلك اللحظة، تسلل إليك ذلك الشعور الممض بالاغتراب عن وطنك، ربما في تلك اللحظة، أدركت أنك سترى مدينة أخرى، وطنا آخر، أو ربما منفى جديداً، وإذا أنت تعبر عن ذلك المعنى قائلاً: ((يكفي أن يواجه المرء تجربة الاقتلاع الأولى حتى يصبح مقتلعاً من هنا إلى الأبد)). وأعود إلى تلك الكلمة (رأيت) لم تقل (عدت) أو (رجعت)، ربما لأنك أدركت أنك في مدينة جديدة تعيد اكتشافها من جديد، مدينة غريبة عليك حتى تضاريسها تغيرت، غيرها أولئك الآخرون الأسياد. ((أخذوا مستشفى المطلع، وجبل الطور الذي سكن فيه خالي، وحي الشيخ جراح الذي سكنا فيه ذات يوم)). وكما تحدثت عن حياتك في رام الله، عن قدس الناس التي خبَّرتها تملأ صوتك الآن رنة الأسى وأنت ترى قدس الآن. ((الآن .. لا تصلنا المكاتيب على عناويننا فيها، أخذوا عناوين بيوتنا وغبار أدراجنا، أخذوا ازدحامها وأبوابها وحارتها)). (( إنهم يحددون عدد الفلسطينيين فيها، وعدد البيوت الفلسطينية، والنوافذ، والشرفات، والمدارس والحضانات، وعدد المصلين في يومي الجمعة والأحد)). وإذا كان هذا ما يفعله الآخرون، الغرباء عن فلسطين، فإنك تخبرنا عن حالك وحال أبناء فلسطين الآن: ((الآن .. نحن لا نستطيع دخولها سائحين ولا طلاباً ولا عجائز، الآن .. لا نقيم فيها ولا نرحل)). ويتهدج صوتك بتلك السخرية المريرة وأنت تعبر عن تلك الحقيقة المؤلمة: ((أسوأ ما في المدن المحتلة أن أبناءها لا يستطيعون السخرية منها)). تلك هي القدس التي رآها (مريد البرغوثي) وتحدث عنها حين عاشها مرة ورآها مرة ثانية، ولم يتوقف تعبيره عن ذلك الموقف، لم يتوقف تعبيره عن فلسطين وطناً وشعباً رجالاً ونساء وأطفال، ففلسطين قائمة دائما في أشعاره معبراً عنها وعن أبنائها .. عن شهدائها .. فها هو في عام 2000م، بعد زيارته ل (رام الله) بثلاث سنوات وقد ازداد الموقف اشتعالا واندلعت الانتفاضة كشعلة ملتهبة وقودها الناس والحجارة، وإذا الموت يحصد في شهور قليلة ما يحصده في سنوات، ولنستمع إلى (مريد) في تلك الصيحة إلى الموت كي يكف عن اقتناص شعب فلسطين دون باقي الشعوب: أكاد أصيح: تعرَّف إلى غيرنا أيها المَوْتُ أبحث، على الفور، عمن يجود عليك بمأوى سوانا ! وَدَع غير أطفالنا يمسكوا بذراعك(*) عبر ازدحام الطرق ثم ينصحه بالبقاء في فراشه والتحصن من الطائرات ومن طلقات القناصة الغادرة القادرة على اقتناص الموت ذاته: إلى أين تذهب في مثل ليل كهذا ؟! ومن سوف يحميك من برد تشرين أو نظرة الطائرات الذكية، والخافيات وقناصة في الزوايا، يصيبون حتى رفيقا الفَراشْ(*). تلك هي فلسطين الآن، وأرض الشهداء ورغم فداحة المصاب استطاع (مريد البرغوثي) أن يعبر عن تلك الرؤية للشهيد الصغير (محمد جمال الدرة) متخيلا إياه زائراً لأسرته في المساء رغم القصف الذي لا ينقطع، فهو قلق عليهم من هذا القصف الوحشي: يكاد يلامس زر الجرس فإذا الباب في مهل لا يُصدق، يأخذ في الانفراج ويدخل يخطو إلى باب غرفته حيث صورته بجوار السرير الصغير وحيث حقيبته المدرسية ساهرة في الظلام *** يدق على غرف البيت ـ يوشك ـ لكنه لا يدق، فيستيقظ الكل في ذهول: عاد ! والله عاد ! يصيحون هو في شوق لسؤالهم عن حالهم في هذا القصف، وهم يودون لو يسألونه عن حاله وهو بعيد عنهم بعد أن اقتنصه الموت: ود لو يسأل الكل عن حالهم تحت قصف المساءات أرادوا السؤال إذا ما تعشى أيبرد في الليل أم أن سمك الغطاء الترابي يكفي ؟ وهل أخرج الطبُ من قلبه طلقة الخوف ؟ أم أنه لم يزل خائفا ؟ إنها صورة تخيلية للشهيد إذا ما أراد الاطمئنان على أهله، أشبه بالرؤيا تمثل تعلق الأهل به، عدم تصديقهم أنه، هكذا، في لحظة لم يعد بينهم، لم يعد باقيا سوى فراش خاوٍ، وحقيبة مدرسية مثقوبة بالرصاص، ومسألة حساب لم تُحلْ: وعند الصباح تهامس أهل الجوار بأن الرواية محض خيال فهذه حقيبته المدرسية مثقوبة بالرصاص على حالها، ودفاتره غيرت لونها،(*) والمعزون ما فارقوا أمه، ثم كيف يعود الشهيد إلى أهله، هكذا، ماشيا تحت قصف مساء طويل ! إنه ختام رائع معبر ذلك التساؤل الأخير المشحون بالأسى والسخرية المريرة، فحتى الشهيد يخشى قصف المساء الطويل الذي لا ينقطع. فمريد البرغوثي يعبر عن تلك المشاعر شعراً ونثراً، فهو شاعر ممتلك لأدواته الشعرية وناثراً عبقريا. يقول عنه (إدوارد سعيد) المثقف والمفكر الفلسطيني الذي عاش تجربة مماثلة حين عاد إلى فلسطين بعد 45 عاما .. يقول عن (رأيت رام الله): (*) "إن عظمة وقوة وطزاجة كتاب البرغوثي تكمن في أنه يسجل بشكل دقيق موجع هذا المزيج من مشاعر السعادة، والأسف، والحزن، والدهشة، والسخط، والأحاسيس الأخرى التي تصاحب هذه العودة، وفي قدرته على أن يمنح وضوحا وصفاء لدوامة من الأحاسيس والأفكار التي تسيطر على المرء في مثل تلك الحالات .. إن التميز الأساسي لكتاب (رأيت رام الله) هو في كونه سجلا للخسارة في ذروة العودة ولم الشمل". تلك الخسارة التي يعبر عنها (مريد البرغوثي) في (رأيت رام الله): (**) "أخذوا ذلك الدكان الذي كنت أسافر إليه خصيصا من رام الله لشراء حذاء من الجلد الممتاز، وأعود للعائلة بفطائر من "زلاطيمو" وكنافة من حلويات "جعفر" وبعد ستة عشر كيلو مترا في باص بامية وبأجرة خمسة أعود إلى بيتنا في رام الله مزهوا متباهيا فأنا عائد منها من القدس الآن، لن أرى قدس السماء ولن أرى قدس حبال الغسيل لأن إسرائيل متذرعة بالسماء احتلت الأرض". (*) ـ مقاطع من كتاب (رأيت رام الله). (*) ـ من قصيدة للشاعر بعنوان (إلى أين تذهب في مثل ليل كهذا ؟!). (*) ـ المقاطع من قصيدة "ليلةُ لا تشبه الليل" للشاعر (مريد البرغوثي) نشرت في أخبار الأدب بتاريخ 26نوفمبر 2000م. (*) ـ مقطع من مقدمة (إدوارد سعيد) لكتاب (رأيت رام الله) النسخة المترجمة إلى اللغة الإنجليزية ـ ترجمة (أهداف سويف). (**) ـ مقطع من كتاب (رأيت رام الله) ـ (مريد البرغوثي). مجلة الكلمة المعاصرة ـ الإسكندرية ـ العدد العشرون بقلم: جيهان عبد العزيز RE: بعيني رايت رام الله - مريد البرغوثي - أنا_بذاتو - 05-06-2011 (04-14-2011, 10:23 PM)هاله كتب: "الغربة كالموت، المرء يشعر أن الموت هو الشئ الذي يحدث للآخرين، منذ ذلك الصيف أصبحت ذلك الغريب الذي كنت أظنه دائماً سواي.الكثير من الفلسطينيين يتمتعون "بميّزة الغربة الرسمية" مما يجعلهم بارعين، رومانسيين وحالمين في تصوير الوطن المفقود. في بقية العالم العربي، الكثير من المثقفين وغير المثقفين يعانون الغربة المحلية المزمنة في أوطانهم. ليصبح الابتعاد والإغتراب الجسدي عن هذه الأوطان هو الحلم الرومانسي الوحيد المتاح لعقولهم. فيتحوّل الوطن لمنفى. ويصبح أيّ منفى آخر يتقبلهم، حلم لوطن جديد. الطامة الكبرى تقع على رأس الفلسطينيين المغتربين في بلد عربي. حيث يصير اغترابهم، على أقل تقدير، اغترابين. |