حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
نحن والسياسة والدّين - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: نحن والسياسة والدّين (/showthread.php?tid=42884) |
نحن والسياسة والدّين - زيني عبّاس - 04-21-2011 رغم أن بنيوية التفكير تقتضي الحذر الشديد عند استخدام كل مفردة من مفردات اللغة بما يراعي معانيها ودلالاتها والحذر في مثل ظروفنا الحالية، ظروف "الثورة" وضبابية ما يحيط بها من التباس في الأدوار والمسؤوليات والنتائج، يجب أن يكون مضاعفا فإنني أستخدم ضمير الجمع "نحن" من منطلق شرعية الانتماء للإنسانية بصفة عامة مع التنويه إلى أن هذا الاستخدام لا يرمي بأي شكل من الأشكال إلى ادعاء صبغة تمثيلية أو حقّ في الاستعاضة عن الشعب والمجتمع أو الإنسانية خلافا لما نشهده هذه الأيام من استسهال – باسم الثورة وتأسيسا على "شرعيتها" – للحديث باسم الجميع. والضرورة لاستخدام ضمير الجمع هاهنا تمليها طبيعة المصطلحات المصاحبة: "الساسة" و"الدين" والعلاقة الجدلية التي نريد استجلاء خباياها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية في إرادة جادّة للإسهام في الجهود التي ترمي الخروج من حالة الصراع والتصادم ونتائجها السلبية على كل مساعي التقدم وتحقيق التنمية وحياة سياسية مستقرة. وقبل تقديم بعض المقترحات بخصوص تجنيب مجتمعاتنا مخاطر استمرار صراع السياسة والدّين حري بنا أن نعرّج على تعريف كل من المصطلحين ولو بكثير من الإيجاز. فالسياسة في نظري هي المنهج والأسلوب الوضعي الذي تسيّر به الشؤون الحياتية للمجتمعات البشرية بناءً على مجموعة من المبادئ والقيم ترتكز على الإقرار بأن الاختلاف في الآراء والأفكار أمر مشروع وضروري بل ومطلوب وعلى أوسع نطاق والنظرة إليه على أنه بناء قاعدة صلبة يتحقق عليها ترسيخ حيادية وسيادة القانون وتعاليه على الجميع (الديمقراطية). وتشكّل الأطر الحزبيّة أو الائتلافية آلية التنظيم الأكثر شيوعا لتحقيق أهداف العمل السياسي الذي يروم الوصول بالطرق السلمية وعبر استحقاقات انتخابية ظرفية للسلطة في مجموعة بشرية معيّنة وممارسة تلك السلطة بدلالة التطوّع بالجهد والعمل والإنابة لتبصّر مصالح الناس وطلب تحقيقها لا بدلالة التشريف التي تجعلها أقرب للتسلّط منها لأي شيء آخر. أما الدين فهو منظومة من المبادئ والقيم ذات خلفية قد تكون سماوية متعالية أو من صنع ملكات البشر والأديان على اختلاف مصادرها تتفق على أن مصدر المنظومة الدينية هو المسؤول عن خلق الكون والتحكم بقدرته المطلقة وإرادته النافذة في تنظيمه. وطابع مصدر المنظومة الدينية المطلق وطبيعة إرادته النافذة هما مبعث الهواجس والقلق عند الإنسان وسرّ توازنه النفسي المؤسس لإمكانية التمتع بنعمة الحياة وما تقتضيه في طابعها الاجتماعي من ضرورة التسيير وحسن التنظيم وفق ما ابتدعه الإنسان على مرّ الأزمنة والعصور من آليات تستجيب لمستويات تعقيد أنماط التعايش. علاقة التجاذب والصراع بين الدين وبين السياسة تخلّف العديد من المعوقات في وجه جهود التأسيس لحياة اجتماعية ترسّخ مكانة الدّين والتديّن بأشكاله المختلفة ضرورةً بشرية ومقوما أساسا من مقومات الهوية الفردية والجماعية وتكفل حق الممارسة الدينية وفق ما تمليه شعائر هذا الدّين أو ذاك أو تصورات كل فرد من أفراد المجتمع. ما ترجوه الإنسانية من السياسة لا حل له في الدين، الإنسانية تريد إقرار النسبية في جميع مناهج وسبل تسيير شؤونها والأديان ميالة إلى تركيز فكرة سلطة المطلق، تلك السلطة التي - وإن لم نختلف على ضرورة إقرارها حيث هي ضرورية وناجعة - لا نقر بنجاعة إقحامها حيث النسبية قاعدة تؤسس لمبدأ المساواة في التطلعات بين من يرغبون في أن تكون لهم أدوار بناءة في مجتمعاتهم والحصانة من عواقب فشل محتمل لجهودهم التطوعية في الأساس. وباختصار شديد - وانطلاقا من قناعة جدّ شخصية - أشك في أن الدّين – أيا كان – يملك أن يقدم حلولا تتنافى مع طبيعته لذا فمن الراشد تجنيب المجتمعات هدر الجهود في صراعات منبثقة من خلل بنيوي في إدراك الذات العربية والإسلامية منتشر على نطاق واسع: فبدلا من أن تتعرّف الذات العربية والإسلامية على المستويين الفردي والجماعي وفق ما يمثّله الإسلام والعروبة من قيم إنسانية فاضلة نلمس حضور نزعة عدائية تجاه كل من لا يشارك العرب والمسلمين – حتى وإن كان عربيا ومسلما – شعورهم بقناعة أن مقومات هويتهم هي مرجع فكرهم السياسي الأوحد. وهو شعور يتنافى بما يحمل من عيوب مع أهداف العمل السياسي الذي يجب أن يرى في الاختلاف عامل إثراء للأطروحات والبرامج السياسية. ففكرة جمع الناس من منطلق ما هو مشترك بينهم تحمل من إرادة إخفاء نية الخداع أكثر مما يمكن أن يكون لها من الدلالة على النبوغ أو على التأهيل السياسي. ونية الخداع السياسي تؤدّي حتما ووفق جميع التجارب السابقة التي اتخذت من القومية العربية ملهما للفكر السياسي إلى الدكتاتورية ونتائجها المعروفة على الشعوب وكل المؤشرات تدل على أن غاية ما يمكن أن يبلغه الذين يرفعون اليوم شعارات سياسية تتخذ من الإسلام بديلا للقومية هو التأسيس لدكتاتورية الفكر الديني التي تضفي رداء الدين الإسلامي على قراءات متعددة للمسألة الدينية لا ترقى في معظمها إلى مستوى تبصّر المصالح وتكتفي بتقديم المنظومة الدينية متكاملة بديلا للمجهود الفكري الناضج الذي يرمي لتحقيق المصالح الآنية للناس في الحياة الدنيا كإطار زماني ومكاني وحيد يجمع بينهم وفيه يمتلكون القدرة على التصرّف في محيطهم ومقدراتهم لغايات نفعية خالصة. لهذه العيوب وغيرها أظن المطلب بالفصل بين الدين والفكر الديني من جهة والسياسة تنظيرا وممارسة من جهة أخرى بات أدلّ على سبيل توفير أكثر الظروف ملاءمةَ لحياة أفضل فيها يتم تجاوز تعارض المصالح الفردية الضيقة والمشروعة مع المصلحة الجماعية التوافقية وما تقتضيه من عدم التقيّد بحرفية خصوصيات كل فرد على حدة بمعنى أن إقرار مبدأ فصل الدّين عن السياسة في الحياة الدنيا يضمن لكل فرد من أفراد المجتمع حريته غير المقيدة في الاعتقاد أن ممارسته لطقوس وشعائر دينه تحقق له النفع الحاضر والمؤجل وأن لا تُفرض على منهج وأسلوب إدارة الدولة المعروف بالسياسة قيودُ معتقدات دينية الدولة غير معنية بها في الحياة من واقع أنها (أي الدولة) لا تقف يوم القيامة أمام الله كما يقف كل فرد من أفرادها ولا ترجو منفعة مؤجلة من الدّين وتجنيبها غموضَ عدم إمكانية التحقّق من بعض الأطروحات الماورائية للدّين يسهل مهمة ضرورة الحسم النسبي والقاطع الذي تتطلبه السياسة في تعاملها مع الشأن العام. زيني محمد الأمين عبّاس 14 مارس 2011 |