حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
كتاب جديد للمكر الاسلامي الرائع ابن قرناس لاعادة كتابة تاريخ النبي محمد 2 - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: الحوار الديني (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=58) +--- الموضوع: كتاب جديد للمكر الاسلامي الرائع ابن قرناس لاعادة كتابة تاريخ النبي محمد 2 (/showthread.php?tid=42967) |
كتاب جديد للمكر الاسلامي الرائع ابن قرناس لاعادة كتابة تاريخ النبي محمد 2 - احمد منتصر (ابن الوحدة) - 04-24-2011 هذه العبارة ليست مقبولة لأن الميت لا يمكن سؤاله، لكن القرآن يقول: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ{45} الزخرف مع أن كل الرسل ماتوا قبل محمد ولا يستطيع سؤالهم. لكن السياق يعيننا على فهم المعنى المقصود. والقرآن يقول: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ{5} بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ{6}القلم فهل نوافق قواعد النحاة على أن في كلام الله حروف زائدة لا لزوم لها، كحرف الباء في "بأيكم". وما قدمناه كافٍ لإثبات أن كل ما يسمى بعلوم الدين، معاول لهدم الدين من الداخل بعد أن يئسوا من تحريف القرآن. فكيف نستطيع أن نصدق أن ترتيبهم للسور حسب النزول، كما يزعمون، صحيح. خاصة أن التمعن في ذلك الترتيب يظهر كم هو عشوائي لا يعتمد على أسس واضحة، لذا جاءت سور الرحمن والزلزلة والرعد والإنسان ونصف سورة الماعون مدنية عندهم، إضافة لتقطيع أوصال سور كثيرة بتفريق آيات السورة الواحدة على مكة والمدينة. ثم كيف يكون لهم ترتيب للسور وهو ما يتعارض مع قولهم أن القرآن ينزل آية آية؟ أليس الأولى بهم ترتيب القرآن آية آية حسب النزول، كما يزعمون؟ ولو أنهم آمنوا بنزول القرآن سورة سورة وتناولوه بهذا المعنى فسيجدون أنه لن يكون هناك مجال لناسخ ومنسوخ ولا أسباب مختلقة للنزول، لأن السورة تنزل لتتناول ما وقع من أحداث وليس ما سيقع، أو عن افتراضات لن تقع. المنهج المتبع والخطوات العملية لترتيب السور التعرف على ترتيب السور حسب النزول يحتاج لممارسة من نوع خاص، يمكن لأي شخص القيام بها، متى استطاع الوصول إلى درجة مقبولة من التجرد في قراءة القرآن. ودرجة القبول هذه يمكن قياسها بمدى القدرة على التسلح بنقاط أساسية عند القراءة، أهمها: · تناول السور على أن كل سورة تنزل كاملة في وقت واحد، وليس آية آية، أو جزء من آية. ذلك أن السورة عبارة عن رسالة إلهية تنزل على الناس لتتفاعل مع ما يجري فترة نزولها. فإن كان هناك أحداث ومواضيع كثيرة طالت الرسالة، وإن قلت الأحداث قصرت الرسالة. ولو نزلت آية أو آيتين لوحدها لأصبحت سورة، لذا وجد في القرآن سور قصار، بثلاث آيات فقط، وسور أطول بعشر أو عشرين آية، وسور متوسطة الطول، بخمسين وستين آية، وسور طوال تصل أطولها – البقرة – إلى 286 آية. والقول بأن القرآن ينزل على شكل الآية والآيتين وجزء من الآية، قول لا يمكن لنا أن نحسن الظن به، لأنه يسهل تقطيع أوصال الآيات ويلغي السياق، ويفرغ كلام الله من معانيه، ويبعد القارئ عن فهمه كما نزل، فهو يقضي على تلاحم الآيات وسياقها وربطها بالواقع والمحيط والظروف التي نزلت فيها، الذي نتعرف عليه من معرفة المرحلة التي نزلت فيها السورة. لكن هناك استثناء واحد وحيد في كل القرآن، حيث نزلت آية واحدة في العهد المدني وألحقت بسورة نزلت في أوائل الفترة المكية، وهذا الاستثناء له سبب وجيه فريد من نوعه. فقد نزل على الرسول سورة المزمل في مكة لتهيئته ليكون مستعداً لإنذار قريش، وهي مسئولية صعبة وسيصحبها متاعب جمة، تحتاج أن يكون المكلف بها مستعداً لها نفسياً بدرجة تفوق الاستعداد البشري العادي، فنزلت السورة تقول: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ{1} قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً{2} نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً{3} أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً{4} إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً{5} إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً{6} إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً{7} وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً{8} رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً{9} وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً{10}. وتواصل السورة إلى أن تقف عند نهاية الآية التي تقول: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً{19}. وكل ما ورد في الآيات العشر الأولى من السورة، هو تعليمات خاصة بالرسول وحده دون المسلمين. فهو من يجب عليه أن يقوم جزء من الليل، ليقرأ القرآن ويتفكر بالرحمن الذي أرسله. لأن هذا سيعينه نفسياً على تحمل أعباء الدعوة، التي تتضمن قولاً لن يتقبله الناس " إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً". وسينتج عن عدم قبولهم لما يقال، متاعب للرسول. وعليه أن يكون مستعداً في أيام قادمة، أن يقضي كل النهار في الدعوة، ويكون قادراً على تحمل ما سوف يواجهه من متاعب نفسية وبدنية. هذا التأهيل النفسي ضروري للرسول، قبل بداية الدعوة، وقد واظب عليه الرسول لعدة أشهر قبل أن تنزل عليه سورة المدثر التي تعلن بدء الدعوة الحقيقي: "يا أيها المدثر قم فأنذر". لكن بعدما هاجر للمدينة وتأسست للإسلام دولة، لم يعد الرسول يواجه مشاكل نفسية ولا بدنية من المعارضين، لأن دولة الإسلام أصبح لها شوكة، فنزل قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{20}. والآية تقول: لم تعد يا محمد بحاجة لقيام الليل، ومن حذا حذوك من المسلمين، ولو لم يكن واجباً عليهم، ولا مطلوباً منهم. فلا قيام ليل بعد الآن لتلاوة القرآن، الذي يمكنك أن تتلوا منه ما تشاء ساعة تشاء. وقيام الليل الذي كان لتهيئتك نفسياً في بداية الدعوة، أصبح الآن يعيقك ومن قلدك عن طلب المصالح الدنيوية والإنتاج في النهار، وسيكون مرهقاً للمرضى ولكل من له مساع أخرى، وفوق هذا فأنت يا محمد والمسلمون مقبلون على حرب مع الأعداء، وستدخلون معهم في معارك متواصلة، وهو ما يجعلكم بحاجة للنوم الكافي في الليل. فكما أنه في بداية الدعوة، كان محمد بحاجة للخضوع لبرنامج تأهيلي نفسي، يؤهله لتحمل أعباء الدعوة، والمتمثل بالسهر للتأمل والتلاوة، فإن الحاجة الآن تفرض عليه ألا يسهر وأن ينام بما يكفي ليكون قادراً على ما ينتظره طوال ساعات النهار. وكما أن السهر كان مطلوباً للحاجة وليس كعبادة، فإن إلغائه كان للحاجة التي أوجدها تغير الظروف. وبالتالي فليس هناك عبادات فرضت على محمد، وألغيت أو بدلت. ولكنها ضرورات واحتياجات تغيرت حسب الحاجة لها والتي أوجبتها الظروف المحيطة. وتكون سورة المزمل رسالة إلهية كأي سورة أخرى، لكن الموضوع الذي تحدثت عنه في العشر آيات الأولى احتاج لرسالة إلحاقية، فنزلت الآية 20 كخطاب إلحاقي، كما يحدث في المخاطبات الرسمية أحياناً. وهذا هو الاستثناء الوحيد في القرآن، الذي نزلت آية واحدة لوحدها، ولسبب من نوع خاص. وما عدا ذلك فهناك 114 رسالة نزلت على الرسول في 114 يوم مختلف على مدى فترة دعوته. نزل منها في مكة 89 رسالة، وفي المدينة 25. ونزول السورة كاملاً يقطع الطريق على من يريد الاستشهاد بجزء من آية أو آية على عقيدة مبتدعة، ويجعلنا قادرين على قراءة الأحداث التي كانت جارية، أو الاستدلال على الأوضاع السائدة أثناء نزولها. ولا يصبح من الممكن أن يستدل بآية خارج سياق الآيات الأخرى في السورة كلها. · القرآن ليس كالتوراة، ولا يجب أن يؤخذ وكأنه مثلها. ذلك أن التوراة، وليس كتاب اليهود المقدس، نزلت دفعة واحدة على موسى وأمر بكتابتها على الألواح، لأنها كتاب تشريع فقط، وليس لها علاقة بما يحدث في الحياة العامة لبني إسرائيل عند نزولها. أما القرآن فهو رسائل تتفاعل مع تفاصيل الحياة اليومية في الفترة التي تنزل فيها كل سورة. لذا نزل مرتلاً على مدى سنوات الدعوة، التي يقول المؤرخون أنها بلغت قرابة ربع قرن. والسورة تنزل لتتحدث عما يجري في الفترة التي نزلت فيها، وتقدم حلولاً للمشاكل القائمة، وتنهى عن أفعال قام بها الناس قبل نزولها، وتعطي الأوامر والإرشادات لما يجب فعله حيال موقف معين. ويمكن ملاحظة أن هناك أكثر من سبعين سورة من أصل 89 سورة مكية، تخلوا من أي تشريع. ولم تبدأ السور بفرض التشريعات إلا في أواخر العصر المكي - فيما عدا الصلاة والإنفاق والغش التجاري - ثم في المدينة بعدما أصبح للمسلمين دولة تحتاج لدستور وقوانين. وحتى بعد بدء نزول التشريعات استمرت السور بالتفاعل مع ما يجري من أحداث عند نزولها، واستمرت السور تشكل سجلاً يعكس ما يجري في الفترة التي نزلت فيها. وإن كانت أكثر السور المكية لا تتحدث عن أي واقعة أو حدث، فإن هذا يعني أنه لم تقع أحداث خلال الفترة التي نزلت فيها هذه السور. ويرد في القرآن قصص عن أحداث قديمة، وهي إما قصص عن الأمم السابقة وما حدث لهم، والخطاب في هذه السور موجه لقريش، بهدف أخذ العبرة والعظة مما حدث لتلك الأمم، نتيجة استمرارهم في الكفر، لئلا يحل بقريش الهلاك كما أهلكت تلك الأمم. أو يكون الخطاب موجه لبني إسرائيل والقصص يكون عن تاريخهم أو عن أشخاص منهم أو يعرفونهم من الأزمنة الغابرة، والهدف من هذه القصص إثبات صدق رسالة محمد، كونه لو لم يكن رسولاً لله وينزل عليه الوحي بمثل هذه القصص فليس هناك إمكانية من أن يعرف عنها شيئاً. فسور القرآن تعتبر سجلاً للأحداث في الفترة التي نزلت فيها، ويجب أن تؤخذ على هذا الأساس. ولا تتحدث عن المستقبل، أو تفترض مواقف لم تحدث. وهذا لا ينفي أن كل تشريعات القرآن وإن فرضت بسبب حادثة أو موقف معين وقت الرسول، فهي تطبق على كل المسلمين في كل العصور. · اعتبار القرآن كتاب تقع عليه العين للمرة الأولى، ولا علاقة له بكل ما نعرف أو علق في أذهاننا مما يسمى بالعلوم الدينية، كالفقه والحديث والتفسير والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول، وقصص الأنبياء والسير وغيرها. وفي البداية لن يكون تجاهل تلك العلوم الموروثة سهلاً، وسنجد أنفسنا نقرأ القرآن بألسنتنا، بينما أذهاننا تفهمه بالمعنى الموروث. لكن مع تكرار المحاولات والحرص على الاستمرار، سيبدأ الموروث يتوارى، ببطء، وبدرجات متفاوتة حسب القدرة على التخلص منه، والتي تختلف من شخص لآخر. وبناءً على إمكانية ترويض النفس على قراءة متجردة، إضافة لعوامل مساعدة أخرى، سنتعرف عليها في الأسطر التالية، يستطيع المرء أن يرى ويفرق بين السور المكية والمدنية، في البداية، ثم بين سورة نزلت في أول البعثة وسورة أخرى نزلت في أواخر العصر المكي. ثم تتسع الدائرة، بحيث يتمكن من رؤية التشابه بين سورة وسور أخرى، أو الفروق التفصيلية بين سورة وأخرى، إلى أن يتمكن من الوصول لتقسيم السور لمجموعات يمكن الجزم أنها نزلت في فترة واحدة، وعندها يمكن التعرف على أي سورة نزلت قبل الأخرى في المجموعة الواحدة بالتمعن في المواضيع التي تتحدث عنها كل سورة. وكلما روضنا النفس على التجرد كلما توصلنا لرؤى جديدة أكثر وضوحاً. · التسلسل المنطقي للمواضيع والأحداث إذا كانت السور تنزل سورة سورة، فلابد من التعرف على تسلسل المواضيع بشكل منطقي، للوصول لترتيب السور حسب النزول، وهذا يعني أن: يبدأ الوحي بالسور التي تُعرِّف الرسول والمرسل إليه، بالمرسل. وأن تكون أول الرسائل التي يتلقاها الرسول مناسبة تماماً للبدء. فليس من المتوقع أن يبدأ الوحي بسورة فيها وعد أو وعيد، أو تشرع بتناول الأحداث الجارية وتعالجها، أو تفرض تشريعات وتوجب عقوبات وحدود. ولا تكون السور التي تتحدث عن بدايات الدعوة تسبق السور التي تتحدث عن الهجرة. أو تسبق سورة تتحدث عن تعذيب قريش للمسلمين، سورة أخرى تتحدث عن بداية الدعوة، أو تسبق سورة مدنية سورة مكية. وبالنسبة لتسلسل الأحداث، فلابد أن يكون هناك ملامح مشتركة بين السور التي نزلت في فترة زمنية واحدة. مثل أن تكون السور تتحدث عن فرض القتال والحث عليه، مما يشير إلى أنها نزلت في المدينة. فإن كان الحديث سابق لذكر أي معركة، فتكون السورة قد نزلت في بداية العصر المدني وقبل غزوة بدر، مثل سور الممتحنة والبقرة ومحمد والصف...... وهكذا. ومن المهم جداً أن نتذكر أن السورة تنزل لتتحدث عما يدور وقت · سنة الأولين ونقصد بها تلك العادة التي اعتادها الناس على الدوام في مواقفهم من الدعوة الدينية، والتي تسير على وتيرة واحدة دون تغيير، بغض النظر عن المكان أو الزمان أو طبيعة الدعوة. وموقف الناس من دعوة الرسل - والذي سبق وتحدثنا عنه بالتفصيل في كتاب سنة الأولين – يمر بأربع مراحل، لكل مرحلة موقف مختلف عن مواقف الناس من المراحل الأخرى. وقد ظهرت ملامح المرحلتين الأولى والثانية جلية في السور المكية، كما يلي: 1. بدء الدعوة، واستقبال الناس لها يكون باللامبالاة، لأنهم لا يتصورون أنها ستستمر. لذا فالسور الأولى لبدء الدعوة لا تحتوي على أي ردة فعل لقريش ولم تقع أحداث بسببها. وسور هذه المرحلة عبارة عن سور تعرف محمد بمن أرسله، وتذكر قريش بنعم الله عليهم، وانه لا معبود مستعان غير الله. 2. استمرار الدعوة. وهنا تظهر ردة الفعل القوية من الغالبية العظمى من قريش، التي ترفض الدعوة رفضاً باتاً، بقيادة السادة والكبراء، مقابل قلة تقبل بها. وملامح سور هذه المرحلة ستكون عبارة عن وعد ووعيد، وتأكيد على البعث الذي تنكره قريش مع صور حسية لانهيار الكون ونشأة كون القيامة حيث البعث والحساب. أما أهم ثلاثة عوامل في منهجنا لترتيب السور فهي: المخاطب، نوع الخطاب، والملامح: المخاطب وعندما نقول المخاطب فالمقصود هو المخاطب المعني و ليس المخاطب المباشر. والمخاطب المعني هو المراد توصيل رسالة السورة إليه. أما المخاطب المباشر، فهو من تخاطبه الآيات مباشرة. وفيما يلي سنورد سورة الكافرون كمثال على ذلك: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ{2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ{4} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{5} لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ{6}. فالمخاطب المباشر في "قل" هو محمد، بحكم كونه الرسول، أما المخاطب المعني في السورة فهو قريش. وفي بعض الآيات يكون المخاطب المعني هو نفسه المخاطب المباشر. وقد أمكن تبين عدد من المخاطب المعني في السور المكية، وأهمها: محمد، قريش، بني إسرائيل، المستضعفين، وكل الناس. مع ملاحظة أنه لكل مخاطب، هناك أنواع مختلفة من الخطاب. والمخاطب المعني في مكة كان قريش، عموماً، في بداية الدعوة، لكنه تحول بعد أن أعلن الكبراء إصرارهم على الكفر. فبدأت الآيات تخاطب كل الناس، والمستضعفين، وبني إسرائيل بجانب قريش. وفي المدينة، كان المخاطب أهل يثرب، عموماً، من أعلن إسلامه، المؤمن منهم والمنافق، واليهود والنصارى والأعراب حول المدينة، إضافة لاستمرار مخاطبة قريش. والمقصود بقريش، الكبراء منهم. أما العبيد والموالي في مكة فتطلق عليهم الآيات لفظ المستضعفين. نوع الخطاب إذا كانت الآيات تعطي صوراً حسية ليوم القيامة والبعث والحساب والجنة والنار، أو تدعوا الناس للتفكير بالمخلوقات للدلالة على وجود البعث، فهي مكية في المعتاد. وإذا كانت تذكر الرسول باسمه محمد أو تؤكد أنه رسول لله فهي مدنية. هذا بوجه عام، وهناك تفاصيل كثيرة. الملامح ونقصد بالملامح هي تلك المواضيع التي تتكرر في سور مرحلة من المراحل بحيث تميزها عن سور المراحل الأخرى. وسنجد أن ملامح السور في أي مرحلة تتناسب مع الرسالة التي تريد السور إيصاله للمخاطب في تلك المرحلة. فقريش الذين لا يؤمنون بالبعث والحياة بعد الموت، تخاطبهم السور في المرحلة الرابعة بتقديم الصور الحسية لما في الجنة من نعيم وما في النار من جحيم لزيادة التأثير والإقناع بأن البعث سيقع، كما في السور التالية: الواقعة: 12 – 44، 51 – 56، 90 – 94، الغاشية: 1 – 16، المرسلات: 28 – 50، الحاقة: 19 – 32، عبس: 38 – 42، الرحمن: 43 – 78، المطففين: 19 – 28، يس: 54 – 58، الإنسان: 4، 12 – 22، الطور: 20 – 28. وتقديم صوراً حسية لانهيار هذا الكون ونشأة كون جديد للقيامة، لتقول لقريش أن البعث لن يكون في هذه الدنيا، ولكنه سيكون في كون آخر سيخلقه الله بعد انهيار وتلاشي هذا الكون، كما ورد في السور التالية: القارعة: 4 – 5، الزلزلة: 1 – 5، الانفطار: 1 – 5، الانشقاق: 1 – 5، التكوير: 1 – 14، الواقعة: 1 – 6، 46 – 47، الفجر: 21، القيامة: 7 – 13، المرسلات: 8 – 13، الحاقة: 13 – 18، النبأ: 18 – 20، يس: 51 – 53 (الصور)، الطور: 9 – 10، الرحمن: 37 – 38، ق: 20 (الصور). وملامح أخرى مثل الحديث عن أن الأعمال تسجل وبناءً على صحيفة الأعمال سيكون الحساب. ولأن المرحلة الخامسة تغير فيها المخاطب من قريش فقط في المراحل السابقة، إلى بني إسرائيل، والمستضعفين في مكة، وكل الناس، بجانب قريش، نجد أن من أهم ملامح هذه المرحلة الحديث عن بني إسرائيل وقصصاً من تاريخهم، لتؤكد لهم أن محمداً رسول لله، وإلا ما علم عن هذه القصص شيئاً. وتقديم صور حسية عن الضعفاء الذين دخلوا النار وكيف أنهم يتخاصموا مع ساداتهم فيها: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ{31} قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ{32} وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{33} سبأ. وهي صور حسية لما سيكون، لعل المستضعفين يؤمنوا وينقذوا أنفسهم. ومن الملامح التي بدأت في هذه المرحلة دعوة كل الناس: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ{5} فاطر. وسنجد من أهم ملامح المرحلة السادسة، دفع الظلم، حيث أباحت السور للمسلمين الذين بدءوا يتعرضون للأذى الجسدي من قريش، بدفع الظلم عن طريق معاقبة المعتدي بمثل ما اعتدى به. وأهم ملامح المرحلة السابعة والأخيرة في مكة كان الحديث عن الهجرة، وعن التعذيب الجسدي الذي يتعرض له المسلمون على أيدي قريش. تصنيف السور المكية إلى مراحل في البداية تعرفنا على السور المدنية لأن الوقائع التي تتحدث عنها واضحة، وكنا سنقدم للقراء تصنيف السور المدنية أولاً، ثم نقدم تصنيف السور المكية، لتتوافق مع ما قمنا به فعلياً. لكننا قررنا تقديم تصنيف السور المكية أولاً، مراعاة لبعض القراء الذين يفقدون تركيزهم بسرعة، ويصعب عليهم متابعة الموضوع، ما لم نبدأ بما يتوافق مع الواقع التاريخي المنطبع في أذهانهم. ولأننا قد تأكدنا أولاً أن عدد السور المدنية كان 25 سورة، فإن ما بقي من إجمالي سور القرآن البالغ عددها 114 سورة، سيكون مكي. ولا يخفى أن تصنيف 89 سورة مكية إلى مراحل، وترتيبها حسب النزول ليس بالأمر الهين، لأن التصنيف والترتيب يقوم على الأحداث التي تتكلم عنها كل سورة ومقارنتها بالأحداث التي ذكرت في سور أخرى. وهذا قد يكون متيسراً في السور المدنية، أما السور المكية فلا وجود لأحداث خاصة بكل سورة. ومن المعتاد أن تنزل العديد من السور دون ذكر لواقعة واحدة، خاصة في النصف الأول من الدعوة في مكة. وكمثال على ذلك نورد أسماء 17 سورة، نزلت متتابعة في فترة واحدة، كلها تخلوا من ذكر حدث واحد، والسور هي: القارعة، الزلزلة، الانفطار، الانشقاق، التكوير، الشمس، الليل، الطارق، الفجر، البلد، القيامة، النبأ، ق، الواقعة، الغاشية، الحاقة، المطففين. لأن هذه المرحلة التي نزلت فيها هذه السور كانت مرحلة استمرار الدعوة، حيث كانت قريش قد أعلنت كفرها، ولن تتراجع عنه. فكانت السور تنزل لتؤكد لهم أن هناك بعث وحساب، دون أن تجد من قريش آذان صاغية، ودون أن يصاحب كفر قريش أي أذى جسدي، لمحمد ومن قد آمن معه. لذا سيلاحظ القراء أن عدداً من سور هذه المرحلة تبدوا وكأنها سورة واحدة، تتكرر بعبارات مختلفة، مع بعض الإضافات. وكمثال هذا جدول لبعض السور ومواضيعها: ولن نخوض في تفاصيل ما مررنا به حتى توصلنا لتصنيف السور على مراحل الدعوة في مكة، لأنها طويلة وقد تبدوا معقدة، خاصة لمن يفقد التركيز بسهولة. لكن من المهم أن يطلع القراء على الخلاصة، بشكل مختصر، كما يلي: 1. في البداية أمكن تحديد 27 سورة، المخاطب المعني بالدعوة فيها محصوراً بقريش فقط. ونوع الخطاب دعوة للإيمان بالبعث، وتصديق محمد، وهي كما يلي: القارعة، الزلزلة، الانفطار، الانشقاق، التكوير، الشمس، الليل، الطارق، الفجر، البلد، القيامة، النبأ، ق، الواقعة، الغاشية، الحاقة، المرسلات، الإنسان، الملك، يس، الرحمن، المطففين ، النجم، ن والقلم، الطور، نوح، القمر. إضافة لسورة الجن التي تتحدث آياتها العشرين الأولى عن حادثة استماع الجن لمحمد وهو يتلو القرآن على قريش. وبقية السورة دعوة لقريش بالإيمان، فهي من نفس فترة السور السابقة. ومثلها سورة عبس التي تروي ما وقع بين محمد والمسلم الأعمى في الآيات العشر، قبل أن تعود لدعوة قريش في بقية آياتها. وقريب من السورتين السابقتين، سورة الهمزة، التي تتوعد أحد كبراء قريش في الآيات الأربع الأولى، قبل أن تعود بقية الآيات لمخاطبة عموم قريش: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ{1} الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ{2} يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ{3} كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ{4} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ{5} نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ{6} الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ{7} إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ{8} فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ{9}. وهناك سور الفلق، الناس، والقدر. وهي سور نزلت لتجيب على تساؤلات قريش عمن يستعاذ به ومتى بدأ نزول الوحي، فهي أيضاً سور من نفس الفترة. والضحى والشرح سورتان المخاطب المعني فيهما هو محمد، لكنهما تعكسان الوضع السائد، الذي يُظهر أن قريشاً قد آذته بالسخرية، فنزلت السور تشد من عضده بتذكيره بنعم الله عليه وتؤكد له أن الله معه. فهي من نفس فترة سورة الطور، التي تقول: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ{48}. وسورة القلم: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ{1} مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ{2} وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ{3} وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{4} وفي مكان من نفس السورة: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ{48}. ليكون المجموع الكلي للسور التي تخاطب قريش لوحدها 35 سورة. 2. تم تحديد 43 سورة المخاطب المعني فيها، المستضعفين الذين يتبعون الكبراء، وبني إسرائيل، وكل الناس، بجانب قريش، كما يلي: · منها 12 سورة يكون المخاطب المعني في بعض آياتها، كل الناس، بجانب مخاطبة قريش في آيات أخرى، وهي: فاطر: 3،5،15-17، الزمر: 27، 41، سبأ: 28، لقمان: 33، الحج: 1، 5، الشورى: {6} وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ{7}، بني إسرائيل: 105 - 106، إبراهيم: 1، 44، 52، يونس: 57، 104، 108، الأعراف: 158، الأنبياء: 1-2، والأنعام: 19. 3. وحددت منها 24 سورة المخاطب المعني في بعض آياتها، بني إسرائيل، بجانب قريش في آيات أخرى، وهي: ص: 17 – 26، 30-49، الصافات: 83-148، النازعات:15-26، الذاريات: 24-37 الأحقاف:12 (مديح لكتاب موسى)، 10 (إسرائيلي أسلم)، الجاثية: 16-17، فصلت: 45 (معاندة بني إسرائيل لدعوة موسى)، الدخان: 17-33، مريم: 2-35، 41-57، الكهف: 60-82 (موسى والفتى)، 9 - 26 (أصحاب الكهف)، 83-99 (ذو القرنين)، الزخرف: 26-28، 46-56، 63-65، غافر: 53 (ثناء على كتاب موسى)، النمل: 7 – 44، 76 (القرآن يقص على بني إسرائيل تاريخهم)، الحجر: 51-60 ، طه:9 -99، السجدة: 23-25 (ثناء على كتاب موسى)، المؤمنون: 49-52 (بني إسرائيل عاندوا موسى)، الفرقان: 35-36، الشعراء: 10-104، يوسف: 4-102 (قصة يوسف)، الشورى: 13-14 (دين محمد مماثل لدين بني إسرائيل)، الأنبياء: 48-50(التوراة مماثلة للقرآن)، 78-91 (داوود وسليمان وآخرين)، 51-73 (إبراهيم)، هود: 17 (التوراة والقرآن متماثلان)، 96-99 (موسى)، القصص: 3 – 49 (موسى وتفاصيل عن حياته ومع فرعون)، 52 (إيمان بعض أهل الكتاب). 4. ومنها خمس سور يكون المخاطب المعني في بعض آياتها كل الناس، وبعض آياتها، بني إسرائيل، وبعض آياتها قريش، وهي: سبأ:28، 10-14( داوود)، 15-21 (عن سبأ)، الأعراف: الأعراف: 158، 103-156، 160-177، يونس: 57، 75-93، إبراهيم: 1، 44، 52، 5-8، الأنعام: 19، 20 (بعضهم أسلم)، 114 (يعلمون أنه الحق). 5. كما تم تحديد سور يكون المخاطب المعني في بعض آياتها، المستضعفون، والبعض بني إسرائيل، والبعض قريش، وهي: ص: 59-61، الصافات: 27-34، فصلت: 25، 29 (إشارة للمستضعفين)، الزخرف: 36 – 39، غافر: 47-50، الفرقان: 27-31. 6. وهناك سور يكون المخاطب المعني في بعض آياتها، بجانب قريش، كل الناس، والبعض بني إسرائيل، والبعض المستضعفين، وهي: سبأ:31 – 42، الأعراف: 38-39، إبراهيم: 20-21. كما حددت سورة أخرى المخاطب فيها محمد، وهي الكوثر، إلا أنها تتحدث عن نعت أحد كبراء قريش محمداً بالأبتر، أي الذي لا ينجب. وهو ما يعني أنها نزلت بعد وفاة زوج النبي، خديجة، وسنعود للحديث عنه في القسم الثاني من الكتاب. وهناك أربع سور قصار، هي الإخلاص ، الكافرون، المسد، البروج، أمكن تصنيفها كما يلي: الإخلاص نزلت ضمن الفترة التي نزلت فيها السور التي تتحدث عن قول قريش أن الله اتخذ ولد، ويقصدون بذلك أن الملائكة بنات الله، كما تبين لنا الآيات. والسور هي: مريم: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ{35}مريم. الصافات: {أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ{151} وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{152} أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ{153} مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{154}. يونس: {قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{68} يونس. بني إسرائيل: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً{40}. الكهف: {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً{4}. المؤمنون: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ{91}. الزخرف: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ{16}. والمخاطب المعني في هذه السور كلها بني إسرائيل، بجانب قريش. الكافرون نزلت ضمن سور تتحدث عن أن للكفار دينهم وللمؤمنين دينهم، ومن ذلك: الزمر: 14-15، يونس: 104 – 106. المسد والبروج نزلتا في آخر مراحل الدعوة في مكة لأنهما تتحدثان عن تعذيب قريش المسلمين بالنار لتفتنهم عن دينهم، وهو ما أشارت له سور تلك الفترة، ومن ذلك سورة العنكبوت: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{3}، وفي قوله تعالى: {9} وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ{10} وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ{11}. ويكون العدد الكلي للسور المخاطب فيها كل الناس، والمستضعفين، وبني إسرائيل، بجانب قريش 43 سورة. ويتبقى 11 سورة سنرجئ الحديث عنها قليلا. وإلى هنا نكون قد توصلنا إلى النتيجة التالية: أن مجموعة السور التي كان المخاطب فيها قريشاً فقط، والبالغ عددها 35 سورة، نزلت في مرحلة واحدة، لأن نوع الخطاب فيها متماثل، وقد نزلت قبل السور الأخرى، والبالغ عددها 43 سورة، والتي تخاطب غير قريش. لأن الوحي نزل في مكة، التي تقطنها قريش، وكتتابع منطقي للأحداث فخطاب الدعوة سيتوجه أولاً إلى قريش، دون غيرها، ثم في فترة لاحقة، وبعد أن تبين أن قريش لن تؤمن مهما دعيت، يتغير الخطاب، ويتوجه إلى غيرها من الناس. لكن المخاطب في المجموعات الأخرى لم يكن كافياً لتصنيفها كمراحل، ولزم الاستعانة بالعوامل المساعدة المتاحة في كل سورة، كالملامح والمواضيع والتسلسل المنطقي للأحداث، وغيرها. وخلال هذه المرحلة أمكن تصنيف السور الـ 43 ، كما يلي: تم ملاحظة أن هناك سوراً تأمر الرسول والمسلمين بالصبر على الأذى. وسورا تعطيهم حق دفع الظلم ومعاقبة من يعتدي عليهم. وسورا أخرى تخبرنا أن المسلمين يتعرضون للتعذيب وأن البعض منهم ارتد والبعض صبر. وهناك سور تأمر بالهجرة أو تتحدث عن أن بعض المسلمين هاجروا بالفعل. ولو استعنا بعنصر التسلسل المنطقي للأحداث، لعرفنا أن السور التي تدعوا للصبر والتسامح نزلت أولاً، لأنها تشير إلى أن المسلمين وإن كانوا يتعرضون لأذى نفسي، كالسخرية، فهم لم يتعرضوا بعد لأي أذى جسدي. ثم تأتي السور التي تعطي المسلمين حق دفع الظلم، لأنها تشير إلى أن الأوضاع تدهورت، وبدءوا يتعرضون للاعتداءات الجسدية. يلي ذلك السور التي تتحدث عن التعذيب والردة والهجرة، والتي تمثل المرحلة الأخيرة للدعوة في مكة. وقد أمكن حصر ثمان سور هي آخر السور نزولاً في مكة، وبالتالي يمكن اعتبارها سوراً للمرحلة الأخيرة من مراحل الدعوة في مكة، وهي كما يلي: العنكبوت تبدأ السورة بالحديث عن شدة العذاب الذي يتعرض له المسلمون: الم{1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{3} أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ{4} مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{5} وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ{6} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ{7}. ثم تشير السورة إلى أن بعض من تعرض للتعذيب أعلن الكفر: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ{10} وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ{11}. وتخبرنا أن قريشاً تعد الذين تحت التعذيب من المسلمين، بأنها ستتحمل عنهم أوزارهم يوم القيامة لو ارتدوا: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{12} وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ{13}. وفي مكان آخر تحث السورة المسلمين على ترك مكة والهجرة: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ{56}. وتقول لهم إن كانوا يمتنعون عن الهجرة لئلا يخسروا أموالهم ومنازلهم في مكة، فسيرزقهم الله في المهجر، كما يرزق الدواب التي تنتقل من مكان لآخر دون أن تحمل أكلها على ظهورها لأنها ستجد ما تأكله أينما حلت: {وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{60}. والسورة ثاني سور هذه المرحلة نزولاً، بعد الأنعام، بدليل أنها أول سورة تتحدث عن التعذيب في الآيات 1-7 السابقة. كما أنها السورة التي تأمر بالهجرة: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ{56}. البروج تسجل صورة حسية واضحة لقيام قريش بخد الأخاديد في الأرض وتسجير النار فيها وكيف أنها كانت تعذب المسلمين بالحرق بتلك النيران لفتنتهم عن دينهم وإجبارهم على الردة: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ{1} وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ{2} وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ{3} قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ{4} النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ{5} إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ{6} وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ{7} وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ{8} الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{9} إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ{10}. المسد تتوعد أبو لهب كواحد ممن كان يعذب المسلمين بالنار، وزوجته كانت ممن يجمع الحطب: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ{1} مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ{2} سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ{3} وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ{4} فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ{5}. القصص تشير إلى أن المسلمين بدءوا يهاجرون، وذلك لأن بعض كبراء قريش كانوا يقولون للرسول أنهم لو آمنوا لأصبح حالهم حال المسلمين الذين يتسللون خفية خارج مكة، مهاجرين: {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ{57}. النحل تتحدث عن الهجرة أيضاً: {وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ{41}. وفي مكان آخر تقول السورة: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ{110}. وتتوعد من يرتد عن دينه، مع التأكيد على أن من يعلن كفره بلسانه تحت التعذيب، وهو مؤمن فليس بكافر: {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{106} ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ{107} أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ{108} لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ{109}. الرعد تتحدث عن الذين صبروا من المسلمين على الأذى ولم يهاجروا: {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ{22} جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ{23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ{24}. مثلما تحدثت عن ذلك سور أخرى مثل النحل: {الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{42}. والعنكبوت: {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{59}. الحج والتي ترجح لنا أنها آخر سورة نزلت في مكة، (كما سنرى لاحقاً) فهي تتحدث عن بعض من ارتد من المسلمين نتيجة التعذيب: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ{11}. وتشير إلى أن هناك الكثير من المسلمين هاجروا: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{58} لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ{59}. كما تخبرنا أن هناك بعض المسلمين أصيبوا بالقنوط واليأس: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ{15}. وتقول أن قريش منعت المسلمين من دخول المسجد الحرام: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{25}. وهو ما يشير إلى آخر التطورات التي تقوم بها قريش ضد المسلمين. كما تشير إلى أن سورة الأنعام نزلت في هذه المرحلة لأنها تتحدث عن نفس المواضيع التي تتحدث عنها سور هذه المرحلة، ومن هذه المواضيع: جدال قريش للرسول ذكرته سورة الحج: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ{3}. وفي مكان آخر من السورة: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ{8} ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ{9}. وفي مكان ثالث: {وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ{68} اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ{69}. وهو ما كررته سورة الأنعام: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ{25}. ومرة أخرى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ{148} قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ{149}. قريش تصد الناس عن الدين ذكر ذلك في سورة النحل: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ{25}. وفي سورة الرعد: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ{33}. وفي الأنعام: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ{26}. ما يحل من المأكل ورد في الأنعام أولاً: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{145} وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ{146}. ثم تكرر في سور النحل بنفس العبارة تقريباً: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{115} وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ{116} مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{117} وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{118}. وسورة الأنعام نزلت قبل النحل بدليل أنها تقول: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ{146}. بينما جاء في سورة النحل عن نفس الموضوع: {117} وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{118}. فالأنعام قصت ما حرم على الذين هادوا من قبل سورة النحل. وقد سميت هذه المرحلة : بمرحلة التعذيب والهجرة. وفي وقت لاحق، أمكن التعرف على أربع سور يمكن تصنيفها في مرحلة خاصة بها تسبق المرحلة الأخيرة التي تحدثنا عنها في الأسطر السابقة. لأنها وإن كانت تتحدث عن نفس المواضيع التي تتحدث عنها السور السابقة. مثل صد قريش للناس عن الإسلام، وجدالهم للرسول، وفرض بعض التشريعات، وغيرها، إلا أنها لا تشير لأي تعذيب يتعرض له المسلمون، ولا للهجرة، مما يعني أنها نزلت في مرحلة سابقة، والتي يمكن تسميتها مرحلة دفع الظلم، لأنها أول سور تبيح للمسلمين معاقبة المعتدي بمثل ما اعتدى عليهم، وهو ما يشير لبدء قريش التعدي الجسدي على المسلمين. وبدء قريش بتعذيب المسلمين سيسبق الردة والهجرة بدون شك. والسور، هي: الشورى، الشعراء، هود، بني إسرائيل. ولعل الشورى أول سورة نزلت في هذه المرحلة، لأنها أول من شرع للمسلمين دفع الظلم، بمعاقبة المعتدي بمثل ما اعتدى به: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ{39} وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ{40} وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ{41} إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ{42} وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{43}. وتأتي سورة بني إسرائيل لتؤكد دفع الظلم ومعاقبة المعتدي: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً{33}. وسورة الشعراء تؤكد على الانتصار للظلم بالقصاص من الظالم: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ{227}. وتحذر سورة هود الرسول والمسلمين من التعدي على غير المعتدي أو معاقبته بأكثر مما اعتدى به عليهم، لأن هذا يدخل فيما يسمى بالطغيان: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{112} وتضيف سورة هود تحذير بعض المسلمين من موالاة أقاربهم المشركين: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ{113}. وهو ما يشير إلى أن بعض المسلمين قد استجاروا بأقاربهم المشركين أو والوهم لتفادي أذى قريش الذي بدأ يطال المسلمين جسدياً. وهناك مواضيع أخرى تتشابه فيها سور هذه المرحلة، ومن ذلك على سبيل المثال: فرض أوقات الصلاة الخمسة، الذي جاء على دفعتين. حيث فرض وقتي المغرب والفجر في سورة بني إسرائيل: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً{78} وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً{79}. ثم فرضت الثلاثة أوقات الأخرى، العشاء، وصلاة عند كل طرف من أطراف النهار، في سورة هود: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ{114}. |