حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
كتاب جديد للمكر الاسلامي الرائع ابن قرناس لاعادة كتابة تاريخ النبي محمد 3 - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: الحوار الديني (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=58)
+--- الموضوع: كتاب جديد للمكر الاسلامي الرائع ابن قرناس لاعادة كتابة تاريخ النبي محمد 3 (/showthread.php?tid=42968)



كتاب جديد للمكر الاسلامي الرائع ابن قرناس لاعادة كتابة تاريخ النبي محمد 3 - احمد منتصر (ابن الوحدة) - 04-24-2011

وإلى هنا نكون قد استطعنا حصر أربع سور لهذه المرحلة، وهي المرحلة ما قبل الأخيرة للدعوة في مكة.

وثمان سور للمرحلة الأخيرة في مكة، مرحلة الهجرة.

إضافة لسور المرحلة التي تسبق مرحلة الأذى ودفع الظلم، والتي سوف نسميها مرحلة تغير المخاطب والأحداث، وعدد سورها 35 سورة.

ليكون مجموع سور المراحل الثلاث الأخيرة في مكة، التي تم تصنيفها، 47 سورة، من أصل 89 سورة مكية.
والباقي، وهو 42 سورة، لابد من تصنيفها لمجموعات، كل مجموعة تمثل مرحلة من مراحل الدعوة في مكة.
وقد أمكن تصنيف سورة المدثر على أنها مرحلة قائمة بذاتها، تُعنى بتأهيل محمد ليكون قادراً على تحمل أعباء الدعوة، عن طريق الخضوع لبرنامج تدريبي نفسي، يتمثل بالسهر للتأمل والتفكير بذات الله وذكره وتسبيحه، وتلاوة السور التي سبق ونزلت عليه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ{1} قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً{2} نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً{3} أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً{4} إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً{5} إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً{6} إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً{7} وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً{8} رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً{9} وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً{10} وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً{11} إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً{12}.
وهذا البرنامج كما تبين الآيات السابقة عبارة عن برنامج تأهيلي نفسي، على الرسول التقيد به لفترة من الزمن، ليكون قادراً، فيما بعد، على قضاء ساعات النهار في الدعوة، وتحمل ما سيسمعه من سخرية. والآيات تخبره أنه سيُلقى عليه "قولاً ثقيلا" والمقصود به الوحي، لأنه سيكون تأثيره ثقيل على قريش، التي من المتوقع ألا تؤمن به، لذا تتوعد الآيات من يكفر.

ولابد أن الرسول بقي تحت التدريب لفترة من الزمن قبل أن تنزل عليه سورة أخرى تأمره ببدء الدعوة. وهذا ما يجعل سورة المزمل تمثل مرحلة من مراحل الدعوة لوحدها، يمكن تسميتها: مرحلة التأهيل النفسي.

كما أن سورة المزمل تعلن لقريش أن محمداً أصبح رسول الله إليهم: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً{15} فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً{16} فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً{17}.
ولأن سورة المزمل تؤهل الرسول لتلقي الوحي والبدء بالدعوة " إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً". فهذا يجعلنا نبحث عن سورة أخرى تأمر الرسول بالبدء بالدعوة، وكانت سورة المدثر.
التي تبدأ مخاطبة محمد: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ{1} قُمْ فَأَنذِرْ{2} وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ{3} وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ{4} وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ{5} وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ{6} وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ{7} فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ{8} فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ{9} عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ{10}.
فهي بالفعل تأمر الرسول بالبدء بالدعوة " قُمْ فَأَنذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ"، وتأمره بالتخلص من كل ما له علاقة بالوثنية: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ{3} وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ{4} وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ{5} وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ{6}.
وتؤكد ما أمرت به المزمل من التحلي بالصبر على الأذى لأن المتوقع هو أن قريش لن تستجيب لدعوته: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ{7} فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ{8} فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ{9} عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ{10}.

وتكون سورة المزمل تمثل مرحلة التأهيل النفسي، تلتها سورة المدثر لتمثل مرحلة بدء الدعوة الفعلي.
لكن المدثر ليست أول ما نزل، لأنها نزلت بعد المدثر، على الأقل.
وسورة المزمل ليست أول ما نزل، لأنها تأمر محمداً أن يتلو ما سبق ونزل عليه من القرآن أثناء تأمله في هدوء الليل: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ{1} قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً{2} نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً{3} أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً{4}.
فإن كان هناك سور قد نزلت على محمد قبل المزمل فعلينا أن نبحث عنها، وأيسر سبيل لذلك أن نبدأ بالبحث عن أول سورة نزلت.

أول ما نزل

هناك آية في سورة البقرة تنص بكل وضوح على أن القرآن بدأ النزول في رمضان: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{185}.
والآية الثالثة في سورة الدخان تؤكد أن أول نزول القرآن كان في الليل: {حم {1} وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ{2} إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ{3} فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ{4} أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ{5} رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{6}.
وتلك الليلة التي بدأ فيها نزول الوحي على محمد سماها القرآن ليلة القدر: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ{3} تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ{4} سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{5}.
وقبل أن يجد محمد نصوص أول سورة وقد نسخت في ذاكرته، ظهر له الملك المكلف بتنزيل الوحي، ورآه محمد، وهو ما تؤكده الآية (23) من سورة التكوير: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ{19} ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ{20} مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ{21} وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ{22} وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ{23} وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ{24} وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ{25}.
وقد فصلت سورة النجم كيف حدثت رؤية محمد للرسول: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى{1} مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى{2} وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4} عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى{5} ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى{6} وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى{7} ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى{8} فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى{9} فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى{10} مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى{11} أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى{12}.
فقد ظهر الملك في الأفق أمامه، ثم هبط باتجاه محمد حتى أصبح قاب قوسين أو أدنى، بحيث تبينه بكل وضوح وتأكد أن ما يرى حقيقة وليس تخيل أو أوهام.
وتقول سورة النجم أن محمداً رأى الملك ليس مرة واحدة بل مرتين، والمرة الثانية رآه وقد هبط بقرب شجرة سدر على طرف مساحة معشبة من الأرض، وقد غشي السدرة هالة من النور أو أنها احترقت أو أصابها شيء غير طبيعي بسبب اقتراب الملك منها، وهو المخلوق من طاقة: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى{13} عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى{14} عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى{15} إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى{16} مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى{17}.
ورؤية الملك لابد أنها تمت أثناء النهار، أما أول نزول الوحي فقد كان في الليل.
ولعل عبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" هي أول ما نسخ في ذاكرة محمد من الوحي، لأنها تفتتح النزول "باسم الله" الذي صدر منه الوحي.
ولا يمكن تصور أن يبدأ الوحي بنص غير بسم الله الرحمن الرحيم، لأن الله جل وعلى قد فرض على المسلم أن يبدأ كل نشاط ينوي القيام به باسم الله.
فباسم الله نُطلق الجوارح أو كلاب الصيد أو السهام أو القذيفة، أو نضع الشباك للصيد: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }المائدة4
ونبدأ الأكل والشرب باسم الله: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ }الأنعام118
وهذا نوح يركب السفينة ويبدأ رحلتها باسم الله: {وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }هود41
وسليمان يبدأ رسالة كتبها لملكة سبأ باسم الله:{إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} النمل30
والمقصود بالبدء باسم الله هو النشاط نفسه (الكتابة أو الحديث أو الفعل) وليس ما تحويه الرسالة أو الحديث من عبارات وألفاظ تعبر عما يقوله الشخص، ولا تعني أن الشخص يتحدث أو يكتب نيابة عن الله.
إذاً الوحي لا يمكن أن يفتتح بغير "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ".
وليس في القرآن سورة تبدأ آياتها بهذه العبارة سوى سورة الفاتحة. فهي السورة الوحيدة في القرآن التي تعتبر البسملة آية من آياتها.
وقد سميت السورة بالفاتحة، لأنها فاتحةٌ وبدايةٌ لنزول الوحي على محمد، وليست فاتحة لأي شيء آخر.
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ{1} الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2} الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{4} إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{5} اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7}.
وهي سورة بالفعل مناسبة لبداية وافتتاح الوحي، ومتميزة عن كل سور القرآن:
· فلا وجود فيها لتشريع ولا وعد ولا وعيد، ولا تخاطب بشراً بعينه، ولا تتحدث عن حادثة أو موضوع.
· وتبدأ بالبسملة التي هي عبارة عن تعريف لله على أنه الرحمن بذاته والرحيم لغيره. وهو تعريف يليق بمقامه، ولا يجوز لغيره. فالرحمن نعت متميز لا مثيل له، يعني أن الله رحمن بذاته. والرحمن صفة تعني أن الموصوف بها مصدر للرحمة، والله وحده هو مصدر الرحمة. وعندما نريد وصف الرحمن بأنه يرحم غيره نقول رحيم. فهو مصدر للرحمة "رحمان" ورحيم لغيره.
· وبعد البسملة، تقول السورة أن الحمد تكون لله خاصة، لأن ما يقدم لخلقه يستحق الحمد. والحمد أعلى درجات الشكر والعرفان، مثلما أن القسط أعلى درجات العدل.
· وهو رب العالمين، ولا رب أو معبود سواه في هذا العالم. سواءً كان خافياً كما الآلهة المتعددة التي تعتقد بوجودها قريش، أو مشاهداً كالأصنام التي تعبدها.
· وهو الرحمن بذاته، الرحيم بغيره. وهو وحده ملك الدين، ولن يكون هناك ملك يحكم في ذلك اليوم بين الخلائق غيره. وقوله "ملك يوم الدين" أول تأكيد على وجود بعث وحساب، وهو ما ستصر قريش على إنكاره.
· وقوله " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" تعريف بأن الله وحده هو المعبود، وهو وحده القادر على العون.
· وتختم السورة بدعاء على لسان المرء، يطلب فيه من الله أن يهديه للصراط المستقيم والدين القويم الذي لم تعرفه قريش، ولم يعرفه محمد بعد.
وبهذه الملامح المتميزة والفريدة للسورة، وبتسميتها بالفاتحة، فهي بالفعل فاتحة الوحي الذي نزل على محمد، تعرفه بمن نزلت بأمره، وترشده من يعبد ومن يستعان ومن يُحمد.
وبما أن القرآن عبارة عن رسائل إلهية للناس تدعوهم للدخول في دينه سبحانه لنيل سعادة الدنيا، ورضا الله والجنة في الآخرة، وتحذر من يُعرض، مغبة الخزي في الدنيا، وجحيم النار في الآخرة، فمن الطبيعي ألا تبدأ هذه الرسائل بفرض التشريعات والحلال والحرام. ولكن البداية المنطقية تكون بتعريف الرسول بمن أرسله، وبالرسائل التي ستنزل عليه وكيف سيتلقاها، وكيفية تبليغها، وهو ما ينطبق على سورتي الفاتحة والأعلى والعلق، وهي السور الثلاث الأولى في ترتيب النزول على التوالي.
والفاتحة كما سبق وقدمنا رسالة لمحمد تعرفه بمن أرسله، وأنه المعبود وحده، ورافق نزولها رؤيته الملك المكلف بالوحي. وبعد فترة من الزمن - كان محمد يحتاجها ليدرك بالفعل أنه يتصل بالسماء، وأنه أصبح رسولاً لله - نزلت عليه سورة الأعلى وبنفس المسار الذي بدأته سورة الفاتحة، وهو حمد الله وتسبيحه مع بيان بعض صفاته سبحانه، وهو الرب الذي خلق كل شيء وقدر وجوده: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى{1} الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى{2} وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى{3} وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى{4} فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى{5}.
ثم تؤكد الآيات لمحمد أن الوحي سيستمر بالنزول عليه بنفس الطريقة التي نزلت بها سورة الفاتحة، المتمثلة بنسخ النصوص في الذاكرة بطريقة لا يمكن نسيانها: {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى{6} إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى{7}.
وقلق محمد من نسيان الوحي فيه إشارة إلى أنه لا يعرف الكتابة، إذ لو كان يكتب لأمكنه تدوين ما ينزل عليه من الوحي لو خاف أن ينساه.
وتطمئنه الآيات أن الله سيسهل عليه مهمة التبليغ، وكل ما عليه هو تلاوة ما يتلقاه من وحي عليهم: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى{8} فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى{9}.
مع الأخذ بالاعتبار أن الناس سينقسمون إلى مصدق ومكذب حيال الدعوة، وأن من يكذب فسيعذب بنار جهنم بعد الموت: {سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى{10} وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى{11} الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى{12} ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى{13}.
أما من صدق فعليه أن يقيم الصلاة لله بجانب الإيمان لكي يضمن الجنة: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى{14} وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{15}.
ولا يستغرب محمد لو لم يصدقه الغالبية، لأن الناس يميلون لتصديق ما يرون ويحسون به، على الأمور الغيبية التي يستحيل تأكيدها بطرق محسوسة: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{16} وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى{17}.
وتُختم السورة بالقول أن ما ستتلقاه وتدعو له يا محمد هو دين الله الذي تلقاه ودعا له قبلك إبراهيم وموسى:{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى{18} صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى{19}.
والأعلى سورة بالفعل تهيئ الرسول لما هو مقبل عليه من أجواء مصاحبة للدعوة، وإن كانت الفاتحة نزلت للتعريف فقط، ولم تطلب من محمد أي نشاط جسدي، فإن هذه السورة تأمره بالتذكير " فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى"، كما تطلب منه أن يقيم الصلاة لله.
وبعد فترة من الزمن لا نستطيع تحديدها، نزلت سورة العلق، التي يمكن الاستدلال من بدايتها على أن محمداً بعد نزول سورة الأعلى التي تطلب منه أن يبدأ بالتذكير، قد يكون احتار كيف يفعل ذلك.
هل يخاطب قومه بكلماته الشخصية؟
ولو فعل هل يجيبهم بما يراه وهو مجرد رسول ينقل فقط ما يريد الله جل وعلى أن يوصله للناس؟
وأسئلة كثيرة جالت بذهنه، فجاءت سورة العلق لتقول له أن الدعوة عبارة عن رسالة تبليغ الناس برسائل ربهم، أي أن دوره هو دور الرسول لا أكثر ولا أقل. وكل ما عليه هو قراءة ما ينزل من الوحي على الناس: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5}.
فكل ما عليك يا محمد هو أن تقرأ الوحي على الناس، باسم ربك الذي خلق كل شيء، ويعلم ما يتلاءم مع أذهانهم، وهو من علمهم كيف يقرءون ويكتبون ويصغون، وليس عليك أن تشرح لهم أو تقول لهم أكثر مما يوحى إليك.
وحتى في حال اعرضوا عنك ولم يصدقوا ما تتلو عليهم فمرجعهم لله وهو من سيحاسبهم: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى{6} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى{7} إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى{8}.
وبقية السورة تخبرنا أن محمداً قد استجاب لأمر الله في سورة الأعلى الذي يأمره بالصلاة "قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى"، وداوم على أدائها في بيت الله الحرام، حيث منتدى قريش ومكان تجمعهم. مما أثار حفيظة أحد كبراء قريش، فكان ينهر محمداً كلما رآه يصلي، لأن صلاته جديدة وغير معروفة، ومخالفة للطقوس الموروثة: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى{9} عَبْداً إِذَا صَلَّى{10} أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى{11} أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى{12} أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى{13} أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى{14} كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ{15} نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ{16} فَلْيَدْعُ نَادِيَه{17} سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ{18} كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ{19}.
وبنزول هذه السور تكون الصورة قد اتضحت لمحمد، فهو رسول الله، وعليه أن يتلو ما يوحى إليه على قريش، وما عدا ذلك فكان يمضي حياته اليومية كالمعتاد.

والفاتحة والأعلى والعلق هي السور الوحيدة في القرآن التي نزلت لتعرف محمداً بالله وكونه أصبح مكلفاً بتبليغ الرسالة، لكنها ليست السور الوحيدة المعني فيها بالخطاب هو محمد.
فهناك سور كالضحى والمسد والشرح، إلا أن هذه السور تنزل لتشد من عضد الرسول عندما تشتد المصاعب عليه.
وهناك سورة المزمل التي نزلت لتؤهل الرسول ليكون قادراً على التبليغ، وسورة المدثر التي تأمره بالبدء بالإنذار.
وفيما عدا ذلك فسور القرآن وإن كانت تخاطب محمداً إلا أن المعني بالخطاب هم الناس، سواءً كانوا قريش، الكبراء منهم أو المستضعفين، أو كانوا بني إسرائيل، النصارى منهم واليهود، أو كانوا كافة الناس، الوثني منهم والمجوس أو غيرهم.
وكما أن سور الفاتحة والأعلى والعلق، تعرف محمداً بالله وبعض صفاته وأنه أصبح رسولاً له سبحانه، فلابد أن توجد سور تعرف قريش بفحوى ما سيُدعون إليه، ولا يمكن أن تبدأ السور بوعيد قريش وتهديدهم، لذا كان يجب البحث عن سور تخاطب قريش بعبارات تعريف دون وعيد أو تهديد.
وقد أمكن حصر ست سور تخاطب قريش، يمكن تصنيفها كسور تعريفية.
كما نقدم للقراء الذين يميلون للتفاصيل، جدولاً عاماً لأهم ملامح ومواضيع السور في المراحل الأربع الأخيرة للدعوة في مكة، على اعتبار أن المرحلة الرابعة هي البداية الفعلية للدعوة.

مع ضرورة ملاحظة أمرين هامين:
1. أن ملامح المرحلة هي تلك التي تبدأ بها أولاً، وإن استمرت لمراحل لاحقة.

2. وأن هناك بعض الملامح تبدأ في مرحلة، لكن لا يمكن أن تعتبر خاصة بتلك المرحلة.
(كما أنه جدول واحد وإن ظهر هنا عدة جداول نتيجة النسخ واللصق)

ونعتذر لصغر الخط الذي اقتضته ضرورة عرض الصفحة (في الكتاب):







وبهذا نكون قد تمكنا من تصنيف تتابع أحداث الدعوة في مكة إلى سبع مراحل، بناءً على المنهج الذي اتبعناهتصنيف السور المدنية إلى مراحل

سبق وذكرنا أننا توصلنا للتعرف على السور المدنية وترتيبها حسب النزول قبل السور المكية، لأنها كانت أسهل بكثير من السور المكية.
وسيلاحظ القراء أن كل مرحلة من مراحل الدعوة المدنية تحوي سوراً قليلة بالنسبة لمراحل الدعوة المكية، كما أن ترتيب السور ضمن المرحلة الواحدة ظاهر وبين، عكس السور المكية.
ومع ذلك فترتيب ثلاث سور مدنية ليس جازماً، وهي البينة، الماعون، وبدرجة أقل الطلاق، لأن هذه السور الثلاث لا تتحدث عن أي وقائع أو أحداث.
والقرآن بدأ النزول في مكة بالفاتحة ومن ثم الأعلى، ثم العلق، لأنها سور تُعرف محمد بخالقه ومرسله، وتلا ذلك بقية سور المرحلة الأولى التي تذكر قريش ببعض نعم الله عليهم لتهيئتهم لقبول دينه، مثل الفيل وقريش، وسور أخرى تؤكد أن هناك بعث وحساب، وهو ما تنكره قريش. ولم يصاحب هذه السور وعيد ولا تهديد، وإنما كانت سور تعريفية تهيئ الناس لتلقي الدعوة.
وعندما هاجر رسول الله للمدينة لم تكن السور الأولى التي نزلت عليه، تتحدث عن الخالق أو البعث والنشور، لأن بني إسرائيل يعرفون الله ويؤمنون بيوم القيامة. ولم تنزل السور الأولى في المدينة لتعرف أهلها بالرسول القادم إليهم من مكة، لأن الأخبار تواترت عنه، وعن مبعثه.
كما أن هناك بعض بني إسرائيل والأوس والخزرج قد رأوه وآمنوا به، قبل هجرته، وهم من دعاه للقدوم ليثرب. لذا فالسور المدنية الأولى إما أن تتوجه بخطاب لأهل يثرب، وبالذات بني إسرائيل منهم، لأنهم كبراء البلد وأغنيائها، تدعوهم للدخول في الإسلام. أو أن تناقش الأوضاع والأحداث المصاحبة للهجرة والاستقرار في الموطن الجديد.
وبناءً على ذلك يمكن التعرف على أي السور نزل أولاً في المدينة.
والذي رسخه الموروث لدى الناس أن سورة البقرة أول ما نزل في المدينة، وقد يكون السبب لأنها تتوجه لبني إسرائيل بخطاب طويل (الآيات 39-141) تذكرهم فيه بتفاصيل دقيقة عن تاريخهم طواها النسيان وغيبتها آلاف السنين التي مرت منذ عصر موسى، كدليل لا يقبل الشك بأن محمداً رسول لله. كما أنه خطابٌ يُعرف ويُقدم محمداً لبني إسرائيل في يثرب، مثلما كانت الفاتحة والأعلى وقريش والفيل والتكوير وبقية سور المرحلة الأولى في مكة خطابات تعريف للرسول ولقريش بأن محمداً أصبح رسولاً لله.
لكن سورة البقرة تتناول مواضيع عديدة أخرى تدل على أنها لم تنزل مباشرة بعد هجرة الرسول، ومن ذلك أنه من المستبعد أن يكون أول ما يشغل المسلمين في المدينة هو السؤال عن الأهلة (الآية 189)، وهم لازالوا لم يستقروا بعد.
أو أن يستقبلهم الرسول بتشريعات عن المحيض والإيلاء والطلاق والنفقة والرضاعة وعدة المتوفى عنها زوجها .. (الآيات 222-241)، وهو للتو وطئت قدماه يثرب.
ولن يكون من أولويات الرسول أن يتعرف بالمنافقين (الآيات 8-20، 204-206) وهو لم يستقر في مسكنه الجديد إلا قبل أيام. ومواضيع أخرى تتحدث عنها البقرة، توحي بأنها نزلت بعد فترة من الهجرة ولم تكن أول ما نزل في المدينة.

وقد أمكن تقسيم السور المدنية، على ثمان مراحل، مرت بها الدعوة هناك، بناءً على تتابع الأحداث.
فالمرحلة الأولى بدأت بهجرة الرسول وانتهت بنزول آيات الأمر بالقتال.
تلتها مرحلة ثانية، بدأت بالأمر بالقتال وانتهت قبل وقوع معركة بدر.
والمرحلة الثالثة للفترة الواقعة بين بدر ومعركة أحد.
تلتها المرحلة الرابعة للفترة التي بين معركة أحد وحادثة الأحزاب.
ثم مرحلة خامسة تعنى بالفترة التي بين الأحزاب وحتى ما قبل فتح مكة.
ثم مرحلة سادسة، تتحدث عن فترة فتح مكة. والمرحلة السابعة، تتناول ما حدث بعد فتح مكة.
ثم المرحلة الثامنة والأخيرة، تتحدث عن نهاية الدعوة.

وفيما يلي استعراض لهذه المراحل وسورها وما يميزها من ملامح:


مرحلة التوطن والاستقرار

وهي تلك الفترة التي تلت وصول رسول الله إلى المدينة، مهاجراً، واستقراره. وهذه المرحلة لا ذكر فيها لقتال المشركين، لأنه لم يفرض على المسلمين بعد.
وقد نزل في هذه المرحلة أربع سور، نوردها فيما يلي مع ذكر الحد الأدنى من الملامح بما يكفي للتأكد من ترتيبها، دون استرسال:

الممتحنة

يمكن الجزم أن الممتحنة أول سورة نزلت في المدينة، وفي الأيام الأولى لهجرة الرسول. وقبل الاحتكاك المباشر مع بني إسرائيل أو الاستعداد لحرب قريش، وذلك بناءً على ما تتحدث عنه آياتها وما تعالجه من مواضيع.
حيث تبدأ السورة بنهي بعض المسلمين المهاجرين عن إبقاء صلات ود مع أقاربهم المشركين الذين للتو أجبروا الرسول والمسلمين على ترك مكة. الآيات: 1 – 9.
وبقية الآيات: 10 – 13، تتحدث عن وصول مجموعة من نساء مكة كمهاجرات، وشك بعض المسلمين بصدقهن، فجاءت الآيات تطلب من المسلمين امتحان إيمانهن، فإن كن مؤمنات بالفعل، فيجب أن يبقين بين المسلمين ولا يجوز إعادتهن للكفار. وتوجب الآيات انفصال أي مسلم أو مسلمة بزوجه من المشركين، وسن قوانين تضمن إعادة ما تم دفعه من صداق.

الحجرات

تخبرنا عن التصرفات الرعناء البعيدة عن التهذيب التي تفاجأ بها الرسول من جموع الأعراب الذين سارعوا للقائه في الأيام الأولى لوصوله المدينة.
وكيف كانوا يتدافعون في مجلسه ويتسابقون على أماكن الجلوس بطريقة فجة، ويتحدثون بشكل جماعي رافعين أصواتهم. وإذا ما كان الرسول في حجرته وقت الراحة، كانوا لا يتورعون عن إزعاجه ويصرخون بمناداته بأصواتهم العالية. الآيات: 1 – 5.

المجادلة

وفيها تواصل الآيات: 11 - 13 النهي عن السلوكيات الفجة في مجلس الرسول والحديث معه والتي ذكرت في الحجرات.
ولعلها أول سورة مدنية تتحدث عن المنافقين: 5 – 10، 14 – 22.

الجمعة

من أوائل السور المدنية التي تخاطب بني إسرائيل في يثرب، الذين يسمون غيرهم من الأمم بما فيهم بني إسماعيل، بالأميين: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{2} وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{3} ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{4}.
ثم تذكر السورة أن بني إسرائيل تخاذلوا عن حمل أمانة وشرف هداية الناس لدين الله: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{5} قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{6} وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ{7}.
وهو ما يدل على أن بني إسرائيل قد أعلنوا إعراضهم عن دعوة الرسول منذ اللحظة الأولى التي وصل فيها محمد للمدينة.
وذكر الأميين في القرآن ورد في سورة مدنية أخرى، هي آل عمران، التي نزلت بعد غزوة بدر ، في الآية 75.
وسورة الأعراف المكية: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{157} قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {158}.
وهي سورة نزلت بعد أن تحولت السور لمخاطبة كل الناس ومنهم بني إسرائيل. فتكون السور الثلاث، الأعراف، آل عمران، والجمعة، ذكرت الأميين لأنها تخاطب بني إسرائيل الذين يطلقون على غيرهم هذا اللقب. وهذا الخطاب لبني إسرائيل قبل أن يحدث بين المسلمين وبني إسرائيل مصادمات بسبب خيانتهم لمواثيقهم مع المسلمين والتآمر مع أعدائهم عليهم.
ودليل آخر على أن الجمعة نزلت في بداية الهجرة أنها تتحدث عن ترك بعض المسلمين الصلاة مع الرسول في يوم جمعة، والتسابق لاستقبال قافلة تجارية وصلت للتو، الآيات: 8 – 11. وهذا لابد أنه حدث قبل أن يعي المسلمون الجدد من يثرب أهمية الصلاة وتقديمها على منافع الدنيا.

مرحلة فرض القتال والاستعداد لحرب قريش

وهي تلك الفترة الواقعة بين فرض قتال المشركين وبين غزوة بدر، وعدد سورها ست سور، إضافة لآخر آية في سورة المزمل:

البقرة

وهي أطول سور القرآن وأكثرها تناولاً للمواضيع، ذلك أن المسلمين الجدد في يثرب تقاطروا على الرسول يسألونه أمور دينهم، فنزلت البقرة تجيب على تساؤلاتهم، لذا تردد لفظ "يسألونك" فيها سبع مرات، في الآيات: 189، 215، 217، 219، 220، 222، 273.
وفيما يلي بعض الأدلة الأخرى على أنها نزلت في هذه الفترة:

· تتحدث السورة عن تحويل القبلة في الآيات: 142- 150، 177، ولابد أنه حدث في أول العهد المدني، ولا يمكن تصور أنه حدث في وقت متأخر. لأن تحويل القبلة هو في الواقع تصحيح الاتجاه الذي وجد الرسول مسلمي يثرب يتوجهون إليه في صلاتهم، وليس تغيير لقبلة عرفها الرسول منذ بداية الدعوة. وسنتحدث عن هذا الموضوع في القسم الثاني من الكتاب، لأنه من أهم الأحداث التي وقعت في تلك الفترة.

· قتال المشركين فرض في هذه السورة، وفي الآيات: 190 – 194، 216 – 218، 243 - 244: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{216} البقرة.

· والبقرة أول سورة تتحدث عن الإنفاق في سبيل الله، وتجهيز الجيش والصرف على نفقات الحرب في الآيات: 195، 215، 245، 261 – 274، 286.

النساء

إذا كانت البقرة كتب فيها قتال المشركين، فهذه السورة تهيئ المسلمين للقتال وتحثهم عليه وتنهاهم عن التراخي، في عدد من الآيات منها: 71 – 84، 95 – 96.

آخر آية من سورة المزمل

نزلت في هذه المرحلة لأنها تخبر الرسول أن الله قد أعفاه من قيام الليل لتلاوة القرآن، الذي أمرته به السورة في بدايتها عندما نزلت عليه في مكة، لكي يكون مستعداً لما سيتعرض له من أذى نفسي أثناء الدعوة.
والإعفاء جاء لأن الإسلام أصبح له دولة، ولم يعد الرسول صلوات الله عليه والمسلمون مضطهدين، يواجهون جبروت قريش. كما أن عليه وعلى المسلمين اليوم التحضير للقتال والسعي لكسب العيش ومتطلبات الحياة، ولن يكون هذا ممكنا لو أحيوا الليل أو جزء منه، في تلاوة القرآن الذي يمكنهم قراءة ما تيسر منه في أي وقت متاح: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{20}.

المائدة

تواصل الحديث عن بعض المواضيع التي ذكرتها سورتي البقرة والنساء، ومن ذلك ما يلي:

· ما يحرم من المأكل
أول ما ورد في سورة النحل المكية: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{115} النحل.
وهو ما كررته سورة البقرة: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{173} البقرة.
ثم جاءت المائدة بتفصيل أكثر: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{3} المائدة.

· ورد تحويل القبلة في البقرة، وفي المائدة ورد فرض الوضوء للصلاة
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{6}.

· الخمر
ورد ذكره للمرة الأولى في البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ{219}.
ثم ورد في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُورا{43}.
وقد ذكر في سورة البقرة أولاً لأن بعض المسلمين سألوا عنه الرسول، ثم ورد ثانية في النساء لأن بعض المسلمين كان يحضر للصلاة وهو سكران. وفي سورة المائدة ورد التحريم للخمر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{90} إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ{91}.

الماعون

سورة قصيرة تتوعد المنافقين الذين توعدتهم سورة النساء في العديد من الآيات، منها: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً{138}.

محمد

السورة تشرع بعض ضوابط القتال، وتسن قوانين الأسرى في الآيات: 4 – 9، ليعمل بها المسلمون في حروبهم المرتقبة. وتبين الآيات: 20 – 23، ردة فعل بعض المسلمين بعد فرض القتال. وتقول الآيات: 25 – 31 أن هناك بعض المسلمين ارتد بعد فرض الجهاد.
وتخبرنا السورة أنه قد انقسم المسلمون لفريقين حيال القتال، فريق أعلن استعداده للخروج، والفريق الآخر كان لا يرغب في القتال، ويدعوا لعدم الخروج، الآيات: 33 – 37. كما تخبرنا الآية 38 أن بعض المسلمين أنفق لتجهيز الجيش ومصاريف القتال، والبعض الآخر امتنع عن الإنفاق. كل هذه الأحداث سبقت بالتأكيد غزوة بدر، التي كانت أول معركة في الإسلام.

الصف

هذه السورة استمرار للحديث عن مواقف المسلمين من الخروج للقتال والإنفاق على تكاليف الحرب التي ذكرتها سورة محمد السابقة، وفي الآيات 1 – 4 حث للمسلمين على ألا يتخاذلوا عن القتال وأن يقاتلوا كالبنيان المرصوص الذي لا يتزعزع.

والآيات: 10 – 14 تقول للمسلمين أن التجارة الرابحة ليست التي يمارسونها في السوق، ولكنها الخروج للقتال في سبيل الله وحماية دولة الإسلام والدفاع عن الدين، والإنفاق على تجهيز الجيش.

وهذه الآيات تشير إلى ما حدث من خروج بعض المسلمين من المسجد أثناء الصلاة الذي حدثتنا عنه سورة الجمعة السابقة.

الحاشية -------
[1] المقصود بالسور المدنية هو السور التي نزلت بعد هجرة الرسول للمدينة، ولا تعني بالضرورة أنها نزلت الحديد

التي ورد فيها: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ{7} وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{8} هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{9} وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{10} مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ{11} يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{12}.
وهذه الآيات تحث المسلمين على الاستمرار في الإنفاق على تجهيز جيش المسلمين لأن الحرب مع المشركين مستمرة، وسيكون هناك معارك أخرى. وبما أن بعض المسلمين امتنعوا عن الإنفاق في سبيل الله قبل غزوة بدر - كما تخبرنا الآية 38 من سورة محمد – فإن هذه الآيات تقول أن من أنفق قبل الفتح، أي معركة بدر، له أجر أعظم عند الله ممن لم ينفق. وتدعوا من لم ينفق للإنفاق مستقبلاً[1].

التغابن

نزلت مباشرة بعد الحديد بدليل أن آيات هذه السورة، تكرار لما ورد في السورة السابقة، وتأكيد لها، ومن ذلك:

ورد في سورة الحديد حديث عن قتلى المسلمين في بدر وخسائر مادية: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{11} وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ{12} اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ{13}.

وهو ما تكرر في سورة التغابن: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{22} لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ{23} الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{24}.

كما ورد في سورة الحديد حث على جعل الإنفاق في سبيل الله مقدم على كل مباهج الحياة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{14} إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ{15} فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{16} إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ{17} عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{18}.

وهذا ما ورد في سورة التغابن: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ{20}.

الطلاق

هذه السورة تكمل الحديث عن الطلاق الذي ذكر بداية في الآيات: 228 – 232 من سورة البقرة.
وهي سورة من ثلاث سور مدنية لا تخبرنا عن أي حدث أو واقعة، يمكن أن نتعرف بواسطتها على وقت نزولها. لذا فهناك احتمال أن تكون نزلت في المرحلة السابقة أو في هذه المرحلة.

مرحلة ما بعد أحد

عدد سورها ثلاث، هي:

آل عمران

سورة تتحدث آياتها: 56 – 186 بالتفصيل عما حدث في غزوة أحد.

التحريم

نزلت قبل سورة الأحزاب، لأنها تتحدث عن مشاكل عائلية للرسول مع زوجاته، في الآيات: 1 – 5.
وتقول الآيات أنه إن حدث ما يوجب الطلاق فسيبدله الله زوجات خيراً منهن: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً{5}.
بينما حرم على الرسول أن يطلق أحداً من أزواجه أو يتزوج بغيرهن في سورة الأحزاب: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً{52}.

البينة

من السور التي تتوعد من لم يؤمن برسالة محمد من المشركين ومن أهل الكتاب، مما يعني أنها نزلت بعد أن أعلن أهل الكتاب في يثرب رفضهم دعوة محمد، وهو ما أشارت له سور سابقة بدأت بالآية 5 من سورة الجمعة، التي وصفتهم بالحمار الذي يحمل الأسفار ولا يستفيد مما على ظهره.

مرحلة ما بعد غزوة الأحزاب وقبل فتح مكة

وقد نزل في هذه المرحلة ثلاث سور هي:

الأحزاب

وهي تخبرنا في الآيات: 9 – 27 عما حدث في غزوة الأحزاب، وتفضح تعاون بني إسرائيل مع أعداء المسلمين الغزاة.

النور

نزلت بعد سورة الأحزاب لأنها تبدأ الحديث عن تصرفات لا أخلاقية ضد نساء المسلمين صدرت من بعض المنافقين في المدينة، والذي لابد أنه حدث أثناء تغيب رجال المسلمين خارجها لحفر الخندق، وهي المناسبة الوحيدة التي مرت على المسلمين وأوجبت خروج كل الرجال من المدينة. إذ أنه أثناء خروج المسلمين لغزوتي بدر وأحد، بقي مجموعة منهم في المدينة.

المنافقون

نزلت على الأرجح بعد غزوة الأحزاب، لأنها تنقل لنا أن المنافقين كانوا يخططون لإخراج المسلمين بعد الرجوع للمدينة. ولم يخرج كل رجال المسلمين من المدينة إلا عندما كانوا يحفرون الخندق، كما سبق وذكرنا: {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ{8}.

مرحلة فتح مكة

وعدد سورها اثنتان، هما:

الفتح

التي تخبرنا بتفاصيل ما حدث للرسول والمسلمين منذ خرجوا من المدينة وحتى فتحت مكة.

الروم

تتحدث عن هزيمة المسلمين ضد الروم، والمعركة الوحيدة التي التقى فيها المسلمون بالروم في وقت الرسول هي معركة مؤتة، التي انهزم فيها المسلمون ضد الغساسنة.

مرحلة قلاقل ما بعد فتح مكة

ونزل فيها سورتين، هما:

براءة

سورة تظهر أن هناك قلاقل وخيانات حدثت من مشركي مكة بعد الفتح، وعاونهم على ذلك بعض بني إسرائيل وبعض القبائل وآخرين.

الحشر

تتحدث عن جلاء أحد قبائل بني إسرائيل من يثرب دون أن يهاجمهم المسلمون، لأنهم استبقوا الأحداث وعرضوا على المسلمين أن يتركوا ديارهم ومزارعهم وأملاكهم مقابل أن يسلموا على أنفسهم وما يستطيعون حمله من متاع، وقد وافق الرسول والمسلمون على ذلك. وسبب عرضهم هذا أنهم علموا أن المسلمين قد عرفوا بخيانتهم وتعاونهم مع أعدائهم.

مرحلة نهاية الدعوة

ونزلت فيها سورة قصيرة واحدة، هي:

النصر

وبرغم أن عدد آياتها ثلاث آيات فقط، إلا أنها تظهر كيف تتابع الناس على الانضواء تحت حكم دولة الإسلام، التي أصبحت قوة مهيبة.

وفي ختام هذا القسم يمكن لنا أن نقول أن قراءة القرآن لو تمت بموجب المفاهيم التي قدمنا في هذا الفصل، فإن القارئ سيتعرف على كل سورة كما نزلت وحسب الظروف المحيطة بنزولها. وسيفهم القرآن كما يجب أن يفهم دون الحاجة لتفسير قال به رجل دين قديم، أو تأويل لرجل دين يعيش بيننا. ونكون قد تجاوزنا كل العراقيل التي وضعها رجال الدين بين المرء وربه، ولم يعد بيننا وبين الله حجاب.

الخاتمة

هنا وصلنا إلى نهاية الجزء الأول من الكتاب، والخاص بترتيب السور حسب النزول. وهي تجربة تمت دون الاستعانة بأي محاولة سابقة، لأنه لم يسبقها إلا ترتيب المفسرين الذي لا يقوم على أسس. وتمنيت عندما بدأت العمل أن يكون كتاب تاريخ القرآن / ثيودور نولدكه، معيناً، على اعتبار أنه يحمل اسم رجل أكاديمي كبير. لكن اتضح أنه لم يخرج عن كونه تكرار لترتيب المفسرين، مع بعض التقديم والتأخير في السور، دون اعتماد ضوابط محددة ومنهجية واضحة، حتى مع السور المدنية البينة الدلالة. وكان هذا اكتشاف مؤسف بالنسبة لي، لأني كنت أرجوا أن أجده بحثاً ينير لي الطريق، ويعينني على مشقته.
وبتوفيق من الله،