نادي الفكر العربي
"يمّا ما أتيسك يمّا" -- (معاناة صاحب مقص) - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: قضايا اجتماعيــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=60)
+--- الموضوع: "يمّا ما أتيسك يمّا" -- (معاناة صاحب مقص) (/showthread.php?tid=44242)

الصفحات: 1 2


"يمّا ما أتيسك يمّا" -- (معاناة صاحب مقص) - العلماني - 07-08-2011



أمس صباحاً، رأيت على "الفيسبوك" بعض أصدقائي القدامى يسأل عن الزجل اللبناني وعن تاريخه، فقلت لعلني أنجده ببعض ما في وفاضي من هذه المعارف التي اهتممت بها ردحاً من العمر. وكان الرأي أن أهرع إلى النادي مستنجداً بإرشيفه وأنا أذكر أنني كتبت موضوعاً في سنوات خلت عن "ذكرياتي مع الزجل اللبناني"، حاولت فيه أن أختصر بعضاً من تاريخ "زجل المنبر" بصورة واضحة جلية طلية، توفّر على الفضوليين عناء بحث طويل ممض ومصادر قليلة غير متاحة كثيرا.

كالعادة أنجدني "غوغل" في طرفة عين، ووجدت الموضوع القديم الطويل العريض الذي أفرغتُ فيه بعض معارفي وبعض رؤيتي الشاملة لتطور الزجل اللبناني، وصمّمت على ممارسة "القص واللصق"، وجلب المنفعة لصديق قديم دون جهد وتعب كثير.

كان الموضوع يبدأ بمداخلة تمهيدية فيها روابط قديمة جف عودها ويبست أرضها وفسد هواؤها. ولأن بيدي مقص الإشراف والإدارة والجرح والتعديل في النادي، ولأن الموضوع موضوعي والمداخلة الأولى ذات الروابط المنتهية الصلاحية مداخلتي، فلقد قررت أن أحذفها حذفاً نهائياً كي يستطيع المتصفح الذي يعثر على هذا الموضوع أن يبدأ "بالسمين دون الغث" وأن يغوص بالبحر دون ان يعيقه الزبد عن إدراك غايته.

استعنت "باللات والعزّى ومناة الثالثة الأخرى"، وبسملت وحوقلت وحمدلت ثم ضغطت على "زر الحذف" فوقعت الكارثة. فبرنامج النادي يحذف الموضوع كاملاً لو سوّلت للمشرف أو الإداري نفسه أن يمس المداخلة الأولى بسوء.

خلال ثوان قليلة أدركت أن موضوعي قد أصبح في خبر كان ولا سبيل لاسترجاعه. فلقد ابتلعه برنامج النادي ضمن ما يبتلع من كلمات وجمل وعصارات فكر وذكريات ودردشات وهراء. ولم يعد لي من مندوحة إلا الترحم على ما فات، والبكاء "بسقط اللوى بين الدخول وحومل" أو بين "توضح والمقراة"، ومحاولة البحث في إرشيفي الخاص عن آثار هذا الموضوع المغدور، ليقيني أنني كنت قد كتبته على "وورد" ولا بد أنني احتفظت بنسخة منه في حاسوبي، ولكن ماذا كان عنوانه كي أستطيع أن أبحث عنه من خلال برنامج البحث؟ بل في أي حاسوب هو أصلاً وأنا قد غيرت حاسوبين كبيرين واشتريت حاسوبين صغيرين في السنين الأربعة الأخيرة فضلاً عن مفاتيح "يو اس بي" والعديد من الأقراص الصلبة الخارجية التي استعملها لحفظ ملفاتي خارج نطاق فضول الهاكرز وقرصنتهم؟ لا أدري، ولما يبق لي حتى الآن سوى الترحم على "فقدان موضوع غال على قلبي"، وجرّ أذيال خيبتي وترديد جملة "يمّا ما أتيسك يمّا" كلما تذكرت ما حث ... "ولا أراكم الله مكروهاً بعزيز".

إنا لله وإنا إليه لراجعون ...

العلماني - زمن الخسارة



RE: "يمّا ما أتيسك يمّا" -- (معاناة صاحب مقص) - الحكيم الرائى - 07-08-2011

لاحول ولا قوة الا بالله,تمزقت نياط قلبى,وسالت الأدمع الساخنة من مقلتى الكليلة,اشاطرك الأحزان واذكرك بحديث المعصوم صلوات ربى عليه وأل بيته وجيرانه بالحارة:مامن عبد يفقد موضوعا بالنادى الا أورثه الله مئات الجيجابيتات بالجنة.


RE: "يمّا ما أتيسك يمّا" -- (معاناة صاحب مقص) - العلماني - 07-08-2011

(07-08-2011, 11:40 AM)الحكيم الرائى كتب:  لاحول ولا قوة الا بالله,تمزقت نياط قلبى,وسالت الأدمع الساخنة من مقلتى الكليلة,اشاطرك الأحزان واذكرك بحديث المعصوم صلوات ربى عليه وأل بيته وجيرانه بالحارة:مامن عبد يفقد موضوعا بالنادى الا أورثه الله مئات الجيجابيتات بالجنة.

هاههاها ...

بس أنا مش عاوز مئات الجيجابيتات ولا حتى قرصاً صلباً في الجنة يا حكيم يا خويا. كل اللي انا عايزه "سعاد حسني" (باعتبار أن العجائز في الجنة شابات حسب حديث صحيح للحبيب المصطفى) ولو ممكن كمان سندويشة فول بالشطه ويبعتوني معاهم على النار عدل ...




RE: "يمّا ما أتيسك يمّا" -- (معاناة صاحب مقص) - الحكيم الرائى - 07-08-2011

(07-08-2011, 12:08 PM)العلماني كتب:  
(07-08-2011, 11:40 AM)الحكيم الرائى كتب:  لاحول ولا قوة الا بالله,تمزقت نياط قلبى,وسالت الأدمع الساخنة من مقلتى الكليلة,اشاطرك الأحزان واذكرك بحديث المعصوم صلوات ربى عليه وأل بيته وجيرانه بالحارة:مامن عبد يفقد موضوعا بالنادى الا أورثه الله مئات الجيجابيتات بالجنة.

هاههاها ...

بس أنا مش عاوز مئات الجيجابيتات ولا حتى قرصاً صلباً في الجنة يا حكيم يا خويا. كل اللي انا عايزه "سعاد حسني" (باعتبار أن العجائز في الجنة شابات حسب حديث صحيح للحبيب المصطفى) ولو ممكن كمان سندويشة فول بالشطه ويبعتوني معاهم على النار عدل ...

ومن سمعك ياعلمانى ياخويا ,أنا هسيبلك سعاد وكفاية على جوليا روبرتس وطبق كشرى10


الرد على: "يمّا ما أتيسك يمّا" -- (معاناة صاحب مقص) - الحوت الأبيض - 07-08-2011

ماذا عن جوجل كاش؟ أحيانا يبقى فيه الموضوع عدة أيام

ثم أمر آخر هنالك برامج منتديات تتيح استعادة مواضيع حذفت قد تكون هذه الإمكانية متواجدة فالبرنامج لا "يحذف" الموضوع بل يخفيه.

وأخيرا، تعيش وتاكل غيرها، هذا مصير من يلعب دور الإله وهو غير قدير.

ملحوظة: هل يتم حفظ نسخ احتياطية من أرشيف النادي بصورة دورية؟


الرد على: "يمّا ما أتيسك يمّا" -- (معاناة صاحب مقص) - SH4EVER - 07-08-2011

لا أتوقع أن الإشراف له يد في الموضوع ... حسب ما أعلم أن النادي تعرض لهجمة قوية أدت إلى فقدان النادي لكثير من قواعد بياناته ... و أذكر منها قائمة رسائلي التي كانت بيني و بين أعضاء فعلا افتقدهم ... و أيضا كان الدكتور لؤي يبكي فقدان أرشيف مجلة طبيب الويب . و غيرها من المواضيع المهمة ..... أتوقع أن يفيدك هنا الدكتور بسام الخوري ... فهو خبير بالنبش في المواضيع القديمة جدا .


RE: "يمّا ما أتيسك يمّا" -- (معاناة صاحب مقص) - Narina - 07-08-2011

القاريء العزيز: الروابط التالية فيها الكثير من "زجل المنبر" الذي أريد أن أتحدث عنه هنا. شاهد بعضها واستمع (إذا تعذرت المشاهدة) إلى البعض الآخر، وافعل ذلك – مرجواً - قبل أن تقرأ ما يأتي من صفحات. فموضوعي هذا يفترض أنك تعرف شيئاً عن "زجل المنبر" وتعرف أوزانه (قرادّي، معنّى، قصيد، موشّح، عتابا، ميجانا) قبل أن تقرأ. ولعلك لن تجد "دسماً" في ما أكتبه دون "معرفة أولية" "بزجل المنبر" تتيحها لك الوصلات المدرجة الآتية.

http://molubdo.blog.mongenie.com/
هذا الموقع هو أكبر موقع على الانترنت لزجل المنبر (كما أحسب). به عشرات الساعات التي تستطيع ان تحملها وتستمع إليها، وتتعرف من خلالها أكثر على هذا الفن اللبناني الجميل.


http://www.alzajal.com/
موقع "هزيل" نوعاً ما، ولكنه يقدم بعض المعلومات البسيطة المهمة.


حفلة جوقة الربيع (طليع حمدان ورفاقه)

http://www.youtube.com/watch?v=50SUAqKf3oM

http://www.youtube.com/watch?v=0cZVZ1aamUY

---------
حفلة جوقة القلعة (موسى زغيب ورفاقه)

http://www.youtube.com/watch?v=T8nHSCnAiqs

http://www.youtube.com/watch?v=23dvZrif32s

-------

نماذج عن "بحور الزجل"


نموذج من "القصيد" الافتتاحي "لزغلول الدامور" (جوزيف الهاشم) في مباراة الكويت (1989) بين "جوقة زغلول الدامور" (جوزيف الهاشم، زين شعيب) و"جوقة الربيع" ( طليع حمدان، خليل شحرور).
يرجى الانتباه الى هذا "الأوف الافتتاحي المميز" للزغلول، والذي سوف يرد ذكره في المقال.


http://www.youtube.com/watch?v=ldugF4NLcC4

---------

نموذج عن "القرّادي" من إحدى مباريات "بيت الدين" (الشوف - لبنان) التي جمعت بين "جوقة زغلول الدامور" (زين شعيب، وزغلول الدامور) و"جوقة الربيع" (خليل شحرور وطليع حمدان).
هذا المقطع عبارة عن "بيتين قرّادي" لكل من "زين شعيب" و"طليع حمدان"، والمقطع الثاني (قرّادي أيضاً) بين "خليل شحرور وزغلول الدامور").

http://www.youtube.com/watch?v=gQ7Mftn5MaY

http://www.youtube.com/watch?v=YvXHG_DJaKE

---------

نموذج من لحن "الشروقي" (وهو نوع "مستحدث" في الحفلات، لن تجده كثيراً في الحفلات القديمة).

http://www.youtube.com/watch?v=XmrzyWN6TBo

---------

نموذج من "المعنّى" بين "بسام حرب" و"موسى زغيب"(حفلة جديدة "لجوقة القلعة" مبذولة على الانترنت)

http://www.youtube.com/watch?v=DPkEcOVGBs0


--------

نموذج من "القصيد" لموسى زغيب (من حفلة "لجوقة القلعة" فيها الحوار يدور عن "العتيق والجديد")

http://www.youtube.com/watch?v=xkxapV9djxI

هناك الكثير من مثل هذا، تستطيع أن تجدوه وحدكم في "جوجل فيديو" أو "يوتوب" أو غير هذا من مصادر إنترنيتية متاحة.

الحلقة الأولى

الحلقة الأولى

مقدمة

أريد أن أهدي هذا الموضوع إلى "س"، الصديق العزيز الذي أعطيته عنوان "النادي" قبل سنتين، كي أتفاجأ، وأنا أحتسي القهوة برفقته على البحيرة أمام الجسر الخشبي العتيق في مدينة "لوتزرن" السويسرية، بأنه يسألني عن "النادي" وعن الفترة الحرجة التي ألمت به في الشهور الأخيرة. قلت له وأنا أبتسم:
- ما زلت غير مصدق بأنك تتابع "نادي الفكر".
قال مصرّاً: بل واكتشفت منذ الأيام الأولى بأنك أنت من يكتب تحت اسم "العلماني".
قلت ضاحكاً: اكتشاف خطير !!!
قال وهو يلجم ضحكته ويضفي على وجهه بعض الجدية: لم يكن هذا سهلاً للوهلة الأولى، فمواضيعك القديمة كانت في معظمها ذات طابع سياسي أو أيديولوجي، وأنا لا أعرفك تحت هذه اليافطة.
صمت قليلاً، ثم تابع: حتى "لقبك" (العلماني) مؤدلج يا رجل، ماذا حدث لك؟ أين اهتماماتك الأدبية والفنية؟
قلت وأنا أشعل سيجارة: موجودة يا صاحبي ولكنها ليست في "النادي".
- لماذا؟
- ضننت بها على "النادي" لأنني ما زلت أطمح إلى نشرها مطبوعة يوماً.
قال باهتمام: " يا ريت" ... ثم أردف بصوت خافت: هل أستطيع أن أطلب منك شيئاً؟
- أنت تأمر !!!
- "ما يأمر عليك ظالم" ... أريد منك فقط أن تكتب موضوعاً في النادي عن "الزجل اللبناني"، وعن "زجل المنابر" منه بالتحديد.
أخذتني "الأريحية" فقلت متبسطاً: " غالي والطلب رخيص".
ضحك وهو يخرج لي لسانه، معرّضا بتسويفي الدائم، ويقول: ولكني أرجوه في الأيام القريبة القادمة، وليس مع حلول الألفية الرابعة.
قهقهت وقلت: لعله خير !!! ثم استطردت بعد تفكير قصير: ولكن الموضوع سوف يكون عن ذكرياتي مع "زجل المنابر"، فالبحث العلمي يضجرني، وهو لا يناسب المنتديات بشكل عام.
- لا يناسب المنتديات أم لا يناسبك أنت ؟!!
- "متل بعضها يا سندي"، ولكن "البحث العلمي" - مثله مثل "تقارير المؤسسات والمنظمات والهيئات" - يذكرني بأكل المستشفيات؛ صحي ومفيد ولكن على الانسان أن يطلق حاسة ذوقه ثلاثاً قبل أن يزدرد لقمة منه .... هممممم، اسمع، سوف يكون موضوعاً عن علاقتي بالزجل، ولكني أعدك بأن يخرج القاريء بقدر لا بأس به من المعلومات عن هذا "الفن الحلو".
- "طيب .. على كيفك" .. ولكن تذكر بأنني أنتظرك، ولن أتردد في أن أستعجلك فيما لو تأخرت.
قلت وأنا أنظر إلى فاتنة حسناء مرت بجانبنا: "خلص ولا يهمك" ... ثم أردفت وأنا أمعن النظر "بتضاريس" جسدها: "صدق ميمون بن قيس إذ يقول": كأن مشيتها من بيت جارتها ... مرّ "النعامة" لا ريث ولا عجلُ.
قال "س" منتفضاً: مرّ "السحابة" .. فأجبت: "هل رأيت "سحابة" لها مثل هذا "الدعص"؟ .. "آل سحابه آل" !!!

-------------
بداية علاقتي بالزجل

علاقتي "بالزجل اللبناني" قديمة، تعود إلى أوائل السبعينيات من القرن الماضي. يومها، كنت "ولداً" لما أبلغ العاشرة من عمري بعد. وكان "تليفزيون لبنان" (القناة 7 – كما أذكر) يخصص ساعة أسبوعية من وقته لهؤلاء الزجالين الذين عناهم "جبران" عندما قال: "قفوا قليلاً لأريكم أبناء لبناني " ....

لم أهتدِ إلى "الزجل" وحدي، ولكنه كان جزءً لا يتجزأ من سهرات قريتي الجليلية الصغيرة. ففي السابعة والنصف مساء من يوم الثلاثاء (إن لم تخنّي الذاكرة)، كنتَ تنظر إلى شوارع بلدتنا فلا تبصر أحداً من المارة. فجميع السكان، أو قل معظم جمهورهم، تراه متحلّقاً حول "التليفيزيون"، يترقب إطلالة "شارلوت الخوري" (المذيعة وقتها)، وهي تعلن عن بداية السهرة الزجلية الأسبوعية التي تحييها إحدى "الجوقات" المشهورة، لا سيما "جوقة زغلول الدامور".
تألفت جوقة "الزغلول" – وقتها - من أربعة شعراء مشهورين يقف على رأسهم "جوزيف الهاشم" الملقب "بزغلول الدامور". يجاور الزغلول، على يساره، زين شعيب (أبو علي) الذي يحاذي "طليع حمدان"، وأخيراً، وليس آخر، "إدوار حرب".

هؤلاء الشعراء الأربعة ليسوا كعهدنا بشعراء الفصحى، فهم لا يقرؤون قصائدهم من كتاب مسطور، بل ان قصائدهم نفسها ليست إلا "حواراً" – بالشعر العامي - مرتّباً مبوّباً موزوناً يسرق سمعك ويعبث بوجدانك وتنتقل معه من دهشة إلى أخرى.

وقتها، لم أكن أفهم نصف ما يقوله هؤلاء الأفذاذ، ولكني كنت مبهوراً بقدرتهم على "القول". وقتها - أيضاً -، لم أكن أعلم شيئاً عن "تاريخ الزجل اللبناني"، ولكني لم أكن بحاجة الى معرفة نسب الفتاة كي يفتنني لحظها ويسبيني حسنها ويسحرني جمالها. وقتها – ثالثة -، لم أكن أدري إن كان اهتمام "الكبار" من عائلتي هو ما يدفعني الى تقدير هذا اللون من ألوان الفن وإجلاله، أم هو "الزجل" نفسه – بما يحدثه من دويّ في أعماقي – من يناديني فلا أملك إلا أن أقول له: لبّيك ... !!!

في بداية الحفلة، يأتيك ذلك "الأوف الزغلولي المميّز" كي يعلن "أن الحديث – لمدة ساعة – ممنوع والعتب مرفوع". فلقد كان "الكبار" صارمين جداً تجاه الجلبة والضجة التي قد يحدثها بعضنا نحن "الأولاد". فهم يريدون أن يسمعوا كل كلمة تقال من أشخاص يعرفون كيف "يضعوا الهناء مواضع النقب". مع الوقت، لم نعد نكتفي – نحن الصغار - بالامتثال "لأوامر الكبار العليّة" فحسب، ولكننا أصبحنا نصيخ السمع ونحاول فهم ما يقال. بل ذهبت – عن نفسي - شوطاً أبعد من هذا بقليل عندما وجدت لي دوراً في هذه السهرات، شجعني عليه "الكبار" كثيراً. فلقد كنت آخذ ورقة وقلماً وأحاول أن أكتب ما أستطيع من "أبيات القرّادي" أو "الموشحات الغزلية" (سوف أتحدث عن هذه الضروب من الزجل لاحقاً)، ثم أعكف على ما كتبته حتى أستظهره وأنشده في الغد بين أقراني. مع الوقت، ذاع صيتي في المدرسة واشتهرت بحفظ عدد كبير من "أبيات الزجل"، فصار بعضاً من أساتذتي يستدعيني من وقت لآخر كي أقرأ على أسماعه ما تيسّر من آيات هؤلاء الشعراء البيّنات.

--------

كانت "الحفلات الزجلية" بالنسبة لي حتى ذلك الوقت، تتجسد "بجوقة زغلول الدامور". فما أن تغيب "شارلوت الخوري" بابتسامتها العذبة وجمالها الدافيء، حتى يملأ الشاشة اسم "جوقة الزغلول"، قبل أن يظهر الشعراء الأربعة وهم "يخشّون" دفوفهم خلف طاولة عامرة، فيفتتح "الزغلول" (جوزيف الهاشم) الحفلة "بقصيد" سلس، يليه "عركة قرّادي" بين الشعراء الأربعة، يتبعها حوار (معنّى) بين "إدوار حرب وطليع حمدان"، يعقبه حوار آخر بين "زين والزغلول"، كي يهرع الشعراء الأربعة، بعدها، إلى طرق باب الغزل من "ميجانا وعتابا" و"موشحات"، قبل أن يختتم "الزغلول" الحفلة "بقصيد" آخر (سوف أتحدث عن الألوان الزجلية المذكورة بعد قليل).

في إحدى المرات ... بينما كنا على موعد مع "الزغلول وجوقه"، ملأ الشاشة اسم آخر للفيف من الشعراء، تجمّعوا في فرقة واحدة، وأطلقوا على تجمُّعهم اسم "جوقة خليل روكز"؛ شعراء أربعة يرأسهم شاب في الثلاثينيات من العمر، بجبهة عريضة وعينين صغيرتين وقامة تميل إلى الضآلة بعض الشيء. كان اسمه "موسى زغيب"، وكان في صوته بحّة دافئة، أما "أوفه" فهي "آخ" قصيرة تتبعها كلمات واضحة لا تركن كثيراً إلى "التنغيم" كعهدنا "بالزغلول".

بجانب "موسى زغيب" كان هناك شاعر "ربعة" أصلع الرأس، ضئيل الصوت، اسمه "أنيس الفغالي"، يجاوره "جريس البستاني"؛ الشاب "الأشدق" الذي طاب لي بعدها بسنين طويلة أن أدعوه "أبو العتاهية" لسهولة شعره وانسيابه.
على يسار "جريس البستاني" كان يجلس "بطرس ذيب"، الذي عرفنا بعدها بأنه قد لا يجاري الآخرين في جوقته في جودة الشعر، ولكنه – مع هذا – يبقى شاعراً ممتازاً وفحلاً من فحول "المنبر الزجلي اللبناني".

أذكر بأن ظهور اسم "جوقة خليل روكز" فجأة أمامنا، وعلى غير سابق موعد، لم يعجب معظمنا. فتأفّف الكبار وكثر لغط الصغار، ولكن تلك "الخيبة" الوقتية – إن جاز التعبير – لم تستمر إلا لحظات قليلة قصيرة، فافتتاحية "موسى زغيب" لم تترك لنا مجالاً للندم ولا للبكاء على الأطلال. طبعاً، لم نكن نعرف وقتها من هو "موسى زغيب"، ولم نكن ندرك بأننا أمام واحد من "أقطاب المنبر" الكبار. لم نكن قد سمعنا "بأنيس الفغالي"، ولم يكن أحد قد أخبرنا بأن "شحرور الوادي" (مؤسس المنبر الزجلي اللبناني) كان قد رشحّه لخلافته. لم نكن قد تعرفنا بعد إلى هذه القدرة الهائلة عند "جريس البستاني" على " القول "، ولم ينبهنا أحد إلى قدرة هذا الشاعر " الأشدق"، غير العادية، على "نظم الزجل"، حتى يخيل إليك بأنه لو أراد أن يكون كل كلامه زجلاً ... لكان له ما أراد.

في اليوم التالي، بدأ الكثيرون منا – في القرية - بعقد المقارنات بين "جوقة زغلول الدامور" و"جوقة خليل روكز"، كي يقفزوا إلى نتيجة سريعة سهلة مفادها أن "جوقة الزغلول" أقوى، ولكن "موسى زغيب" هو شاعر فحل بحقّ. بل ان بعض مثقفي "القرية" أصبح يرى فيه "شاعره المفضل"، إذ يبدو أن "موسى" كان مقنعاً جداً في ذلك الظهور الأول على الشاشة. ولكن، من هو "خليل روكز" هذا الذي تحمل هذه الجوقة الجديدة اسمه؟!!!
كانت هناك معلومة مؤكدة بشأن هذا الإسم، استقاها معظم من سمعتهم من سكان قريتي – كما يبدو – من حفلة "جوقة خليل روكز" اليتيمة التي شاهدوها على الشاشة. هذه المعلومة مفادها أن "خليل روكز" كان رئيس هذه الجوقة وتوفي قبل بضعة سنين. بجانب هذه "المعلومة الصحيحة الأكيدة" تضاربت الآراء بشأن الرجل، فمنهم من جعله "أستاذاً للزغلول" ومنهم من جعله "تلميذاً" له. ولكن الأعم الأغلب لم يقفوا عند اسم "خليل روكز" طويلاً، لأنهم انشغلوا بمقارنة الجوقتين أكثر وأكثر، خصوصاً ان "الجوقتين" تقاسمتا الشاشة الصغيرة بالتناوب؛ ففي كل أسبوع تطل علينا إحداهما كي تتحفنا بساعة زجلية مميزة.

----------


عن بدايات زجل المنبر

لم يكن اسم "خليل روكز" مغموراً في تلك الفترة، ولكن أحداً ممن عرفت من سكان قريتي لم يسمع به قبلاً؛ فمصيبتنا، نحن عرب 48، أننا انقطعنا عن عمقنا العربي منذ قيام الدولة العبرية. "فالجليل" (شمال فلسطين) الذي كان يتصل "بجنوب لبنان" منذ أن تكونت الأرض، أصبح معزولاً عن امتداده الجغرافي والتاريخي بواسطة شريط حدودي منع كل وسيلة ممكنة للاتصال بالمشهد الثقافي اللبناني. هكذا كنا نجهل بأن "الزجل" الذي نحبه، كان يعيش فترته الذهبية في تلك الحقبة. وأن لبنان مليء "بالشعّار" (الشعراء) الذين يعتلون المنابر يومياً وينشدون أشعارهم من فوقها، بل هو مليء بالمطبوعات الزجلية المتفرقة التي راحت تتكاثر وتترى في الخمسينيات والستينيات.

حسناً، كان "الكبار" يتحدثون أحياناً عن "شحرور الوادي" (أبو المنبر الزجلي اللبناني) وعن رفيق دربه "علي الحاج القماطي"، وكان منهم من سمع باسم رفاقهما في الجوقة: "أنيس روحانا" و"طانيوس عبده". بل لربما وجدت فئة قليلة من المهتمين تحفظ بعض أبيات "للشحرور وجوقته"، وصلتهم عن طريق ديوان مطبوع، ساق القدر نسخة منه إلى قريتنا يوماً ما، فتداولته بعض الأيادي المهتمة بهذا اللون الشعري، قبل أن يغيب الديوان فجأة فلا يعثر له أحد على أثر.

كان أبي من ضمن الأشخاص الذين وقع بصرهم على "ديوان الشحرور" بعض الوقت، فحفظ منه بعض الأبيات الطريفة، وبعض "المناورات" الخفيفة من مثل "هاتين الردتين" اللتين اشتهرتا وذاع صيتهما على ألسنة العامة في منطقتنا. فالرواة يقولون بأن "علي الحاج" قال "للشحرور" في إحدى الأمسيات:

بإيدي جْفوتْ* المندكِّه*
ما بتّكْ وْلا تكِّه
لَوْ صَوّبتا عَ الشحرور
بيوقَع من صوت الدكّه

فأجابه الشحرور:
جِفتْ مصدّي حديدو
روح زتّو* لْشو بتريدو
الشحرور الجايي تصيدو
ياما صيّادي مبكّي

(جفوت = جمع "جِفْت" وهو بندقيه بفوهتين. المندكّه = المحشوّة. زتّو = إرمِِِِه)

من محفوظات أبي أيضاً قول "الشيخ شاهين حبيش" مفاخراً بنفسه أمام "الشحرور":
الخوف مستولي على زيد وعمر
من شعر شاعر داس عابرج القمر
طلقت مهري للسما صال وسما
تاضل بيني وبين الله تلات نُمر

فأجابه "الشحرور":
ضيعت عقلك في شراب الخندريس
وِطْلَقْت مهرك قبل ما يحمى الوطيس
وبينك وبين الربّ باقي "تلات نُمر"
هَوْدي النمر: "شحرور" و"الحاج" و"أنيس"

(الخندريس = الخمر. هودي = هؤلاء. شحرور والحج وأنيس = أعضاء "جوقة الشحرور")

إلى جانب هذه "الردّات" الحماسية والأجوبة المفحمة، كان أبي يحفظ لهذا الزجال النابغة بعض الغزل الرقيق. ولكن ما استوقفني هو محفوظات "أبو أديب"، أحد جيراننا من هواة الزجل، الذي كان يستظهر جزءً غير يسير من "الكنز الخفي".

--------
الكنز الخفي

"الكنز الخفي" عبارة عن "مباراة زجلية " ("مسايفة" – كما يحب أن يسميها "سعيد عقل") بين "الشحرور" ووالده "خليل سمعان الفغالي" الذي سيم كاهناً تحت اسم "الخوري لويس". هذه المباراة فيها ما فتن الناس في "عصر الا نحطاط"، أعني الاعتناء "بقشور القول" وتكلف الفنون الغريبة العجيبة في النظم. إنها تشبه كثيراً "فن المقامات" عندنا، فهي ابنة عصر "مجمع البحرين" وما فيه من زخرفة ووشي وبديع وشطحات بلاغية فيها من التكلف والتصنع ما لا يترك معه مجالاً لشعر حقيقي صادر من القلب.
و"للكنز الخفي" قصة (أعتقد بأنها موضوعة) تقول بأن "الشحرور" كان قد هجر بيته في فترة مبكرة من عمره، ثم عاد إليه بعد سنوات وملامحه قد تغيرت. وقد صادف يوم عودته أن كان هناك "عرس" لأحد أقربائه.
علم "الشحرور" بخبر "العرس" قبل أن يصل البيت، فقام بالتوجه رأساً إلى بيت "العريس"، حيث شاهد أبوه، كاهن الضيعة والزجال القدير، حاضراً هناك. ولما كانت "ليلة العرس" في "الضيع" اللبنانية هي "ليلة شعر الزجل" (وكانوا يسمونه "القول") فإن الشحرور أوعز إلى أحد الحاضرين بأن يقول "للخوري خليل سمعان" أن "شاعراً غريباً" يحضر الفرح ويروم مبارزته في "الزجل" وفنونه.
كان "الخوري خليل سمعان" من أقدر "زجّالي زمانه" وأسرعهم بديهة وقدرة على الارتجال. وكان اسمه معروفاً للقاصي والداني كأحد أرباب "فن القول" في لبنان. لذلك رأيته أمام هذا "الإيعاز" يبادر إلى أخذ الدف والنقر عليه وبدء "المباراة". قال:
قولو للناس شرق وغرب
بدنا القافي والمعنى
كبار وزغار* ان حبّو الحرب
مننزل ما بتفرق معنا

(* زغار = صغار)
***

كبار وزغار ان حبّو الحرب
منحارب ما منشكي القصر

اعتدنا عالطعن وعالضرب
دماغ الخصم بنعصر عصر

ان كانو فرنج وترْك وعرْب
مسَوْكَر* ليّي قوس النصر

شمال وقبل وشرق وغرب
بْنادي وبطلب أهل الفن
مين بيريد يصارعنا

(* مسوكر = أكيد)

ما أن أكمل "الخوري خليل سمعان" "ردّته" حتى جلس الشحرور مقابله، بعيداً بضعة أمتار بحيث لا يميزه الخوري خليل سمعان ولا يستطيع أن يتعرف عليه، وشرع يرد عليه ويقول:

حيث عندك فكر تغني
وطالب للمرسح قوّال

طِبْق فكارك خُذ مني
شكال وخْبار، خبار وشكال

***

حيث عندك فكر تغني
وطالب فارس للميدان

طبق فكارك خذ مني
معنّى وقرّادي وقصدان

عاشرط بتحكي عني
ما بين قوّالة لبنان

أن عقلي وفكري وفنّي
من طبقه نمره أوّل

أجابه "الخوري خليل سمعان":

غنّي ولكن كون هادي
بوجهي لا تعمّر متراسْ

بعدك مِن عُمْر ولادي
إصحا قبالي تقبي* راس

غير ممكن أعطي شهادي
وأشهر إسمك بين الناس

غير ما تشرح قرّادي
تنين وعشرين موضه عال

(تقبي = ترفع)

أجابه الشحرور:

يا عمّي خايف تحرد
إن قلتلّك ردّه تحدّك

لا تستولدني إجمد
بِهالكار بكون جدّك

سمّيلي يا "بو أسعد"
من أيّا موضه بدّك

ولو كنا بالعمر ولاد
بفنون القرّادي رجال

طلب الشحرور من والده إذاً أن يعترف به شاعراً (قوّالاً) كبيراً، فأجابه والده بأن عليه كي يحصل على هذه "الشهادة" أن يطرق بأبياته 22 فناً من فنون "القول". قبل "الشحرور" وطلب من والده أن يسأله عن هذه الفنون. هنا بدأ الخوري "خليل سمعان" يسأل ابنه (وهو يجهل هويته) عن "فنون الزجل"، وعن فروع "القرّادي" منه بالذات. وهنا، بدأ "الشحرور" يجيب أبيه بمثال على "الفرع" الذي يسأل عنه. هنا، ثالثة، علينا التوضيح بأن هذه "الفنون" غير مطروقة في الزجل، فهي صعبة جداً، تحاصر الشاعر وتضيّق مجال الإبداع فلا يعود بمستطيع أن يعبر بسهولة ويسر عما يعتريه من مشاعر وأحاسيس. إنها – كما نوهنا أعلاه – جزء لا يتجزأ من "شعر عصر الانحطاط"، نجد مثلها في أدبنا العربي كثيراً عند " صفي الدين الحلي" ومن شاكله في عصره والعصور التي تلته. مع هذا، فإن هذه "الفنون" تبهر القاريء، وتصدم السامع أكثر، لأنها تعتمد على الزخرفة اللفظية بشكل منقطع النظير، حتى لو كان المعنى هزيلاً متهافتاً متهالكا.
راح "الخوري خليل سمعان الفغالي" يسأل ابنه (وهو لا يعرفه) عن فنون "القرّادي" المختلفة، وراح "الشحرور" يجيبه بمثال على ما يطالبه به. هكذا طرق الشاعران أبواباً غريبة عجيبة من "فنون" غريبة عجيبة بدورها، وأسماء لا يعرفها معظم الزجالين ولم يحاولوها قبلهم ولا بعدهم. هكذا رأينا الوالد يسأل والابن يجيب على "المسجّع" و"المحبوك" "والهيّاج" و"المطبّق" و"القلاب" و"المغصوب" و"المربّع" و"المركّب" و"المرصود" و"كرج الحجل" و"طرق النمل" و"الشرح الكناري" و"المربوط المشتق" و"المقيّد" و"المرصّع" و"الشرقي"، حتى يطالب الأب ابنه في النهاية بأن ينظم "ردة قرادي" (الردة عبارة عن أربع بيوت في حوارهم هذا) بأحرف مهملة فقط (دون نقاط على الحروف)، وأخرى بأحرف معجمة خالصة، وثالثة بكلمة مهملة وأخرى معجمة، ورابعة بحرف مهمل وآخر معجم، ثم يختتم امتحانه بمطالبة "الشحرور" بردّة تكون من "عاطل العاطل"، أي أن كلماتها مهملة (دون نقاط على الحروف) عندما تكتبها، وأسماء حروفها مهملة أيضاً (حرف "الحاء" مثلاً هو مهمل عندما يكتب ومهمل عندما تسميه، بينما حرف "العين" مهمل عندما يكتب ولكن اسمه – "عين" – منقّط، لذلك فحرف الحاء من "عاطل العاطل" بينما حرف "العين" من "العاطل" فقط).

لنأخذ أخيراً بعض الأمثلة على إجابات "الشحرور" عن هذه الفنون دون أن نورد جميع ما قاله الشاعران، فالمبارة طويلة و"في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل" – كما يقول المتنبي -.

المحبوك:
اشتدّ احتدّ الجدّ امتدّ
نفود الجود وجود شهود

لحدّ الغدّ بعدّ بردّ
بقود جنود فهود أسود

بمدّ اليدّ بصدّ الصدّ
برود حدود صرود جرود

بكدّ بجدّ بهدّ بقدّ
أسود قرود السود الغال

الهيّاج:
أصول بقول* شهور ودهور
نهور وبحور بجول وبصول
بجول وبصول بحور ونهور
دهور وشهور بقول أصول

شتول* القول زهور وعطور
زور ونظور فصول وفصول
فصول وفصول وزور ونظور
زهور وعطور القول اشتول

(*بقول = أقول، شتول = إزرع)

المطبّق:
طبق حروف وهزّ صفاح
وفنّ وقول وجوق يرجّ
طرق دفوف وعزّ وراح
ورنّ طبول وبوق يضجّ
خرق صفوف وعز سلاح
وسنّ نصول ونوق تعجّ
برق سيوف ودر رماح
وعنّ خيول بسوق مجال

المرصود (وهو يعتمد على "الجناس" في قافية الشطر الأول والشطر الثاني من كل بيت):
وحقّ المصلوب فوق العود
ومسمار الفي روحو راح
جبلت الفن بروح العود
وصيتي شاع لقلبي راح
بدعت البسط ودقّ العود
صنّعت من المعنى راح
رفعت النمر بسن العود
وضعت بساق السبع شكال

الشرح الكناري (يعتمد على "الجناس غير التام" في كل بيت من الأبيات الأربعة) :
بْجهر وسرّ القلب بسرّ
وبرفع سرّ شريك الروح
شهاد وقرّ وطيب وقرّ
وخوذ (خذ) مقرّ قرار الروح
هات مصرّ وعبّي وصرّ
فتحنا الصرّ حمال (إحمل) وروح
مثل الدرّ ان حنّ ودرّ
برصّع درّ على المغزال

كرج الحجل (يعتمد على القافيتين مع "التجنيس" في البيتين الأولين):
بعدك شبّ ومهرك شبّ
انمى وشبّ ونارك شبّ
رماح الخطّ لبحري خطّ
وصال عالشطّ واسمك حطّ

شراب وغبّ وملّي وصبّ
بعون الربّ المعنى انصبّ
قرايه (قراءة) وخط دهان وغطّ
سباحة بطّ وكرْج حْجال

مهمل (دون تنقيط):
حمام الرسل علامك
حامل ولدارك واصل
ودم الإعدا عاحسامك
سال وعارمحك ماصل
سعدك حاصل أمامك
وأمامك سعدك حاصل
مرادك كامل عامرامك
ردّه عا حلا مُهْمَل

معجم (جميع الحروف منقطة):
خشّيت في بيتي خشيت
غبت غفيت بظني فقت

شبّيت فتّشت تقضّيت
غنيت فزت بفني فقت

جفني شقّيت تنبّيت
فضّيت زيتي بنّي ذقت
غزّيت في بختي تغذّيت
جيت في تختي خزنة مال

كلمة مهملة وكلمة معجمة:
مر بغنج الحر غشيت
والله جنّيت لما شفت
طل تزين مال خشيت
حل بجفني كحلو وخفت
صار خزانة مال بشيت
وعامل قبضة رمحو جفت
علو ينجز وعدو بقيت
علّل شغفي ومعطّل

حرف مهمل وحرف معجم:
فاض من عندي رق وذوق
لا زلت مقر بحبك
خلّي طفح قلبي شوق
حقك شاغلنا بحبك
خليلي من لبك ذوق
قم قابلنا خاف ربك
يا غافل شوف صبّك فوق
عن حقوقك شو ناضل

عاطل العاطل:
حد وحصّل رود وصول
وحدّد طول وصوّر حدّ
صوّر حدّ وحدد طول
وحطّ حدود ودور وردّ
لوط رصرص صدرو للهول
وحلّ رصودو ولصّو صدّ
وحرّر روحو وحل لطول
وصحّلو دهرو وحوّل

بعد أن أجاب الشحرور على جميع هذه "الفنون والأصول"، دعاه "الخوري خليل سمعان" إلى بعض الراحة كي يستأنفا الحوار بعدها، قال:
خايض بحر الفصاحه
سر شمالك ويمينك
وغايص بالفن سباحه
وعم تسحرنا بتفنينك
سبع وبيضّت الساحه
تحيا بصحايف دينك
حط الدف وخذ راحه
من ذم الشاطر يُقتل

هنا أخذ الاثنان قسطاً من الراحة ثم عادا كي يتباريا في "الموشحات" مباراة طويلة - لا حاجة لنا بها هنا – أراد "الخوري" أن ينهيها بقوله :
يكفي حاجتنا غناني وما طوّلنا
حاجتنا صف معاني، شو حصّلنا
العالم صارت نعساني ونحنا تعبنا
وصلنا للساعه تماني وقفلوا الميدان
لم يكن "الشحرور" قد ظفر بعد باعتراف أبيه الصريح بشاعريته الفذة، لذلك نراه يطالبه بهذا الاعتراف قائلاً:
من السهلي* ما في قومي يا منشّيها*
إلا بدعوى محكومي وتكفّيها
ورسم شهادي مختومي وامضاك فيها
إني شاعر من يومي سحرت العربان

(*السهلي = المكان، منشيها = محرّكها، مثوّرها)

هنا يزداد فضول "الخوري خليل سمعان" لمعرفة محاوره، ويطالبه بأن يفصح عن اسمه وبلده ودينه ويأخذ "شهادة" منه بالبراعة في "الزجل". قال:
تطلّع نحوي تطليعه وقلّي مينك*
ومن أيَّ عيله* وْضَيْعه وما هو دينك
وخوذ شهادي بتوقيعه تكرم عينك
من دون حكم وشريعه وقاضي وديوان

(*مينك = من أنت، عيله = عائلة)

هنا يخبره الشحرور بنسبه فيقول:
أصل النسبي فغاليي من بيت "بو صعب"
من ديار الشحروريي من أنمى شعب
وجهي مرايه مضويي وخسوفو صعب
تطلّع بتشاهد بيّي "خليل سمعان"

فيجيبه الأب:
شو هالقصّه يا إبني عني تغبّيت
بعلمي ما بدك تبني من كاري بيت
الليله سحرك شيبني وفيك انغشيت
بيظهر بدك تتعبني يا "بو قبلان"


مع ما وصلني من "أقوال" الشحرور، راح حضور هذا الشاعر يداعب مخيلتي وطفق شعره يبهرني ويهزني فأكرر بعض المعلومات غير الموثقة التي لقفتها هنا وهناك عنه، ثم أختم بإنشادي لبعض المقاطع من شعره التي رأينا منها بعض النماذج أعلاه.

لم يمض وقت طويل قبل أن أعلم بأن اسم الشحرور "أسعد الخوري الفغالي"، فالزجالون كانوا كثيراً ما يذكرونه في أشعارهم. ولكن "أسعد الخوري" خصوصاً وتاريخ الزجل اللبناني عموماً بقيا بالنسبة لي ضرباً من معلومات فجة التقطتها من أفواه "الكبار" هنا وهناك، دون أي تمحيص.

عن تاريخ الزجل اللبناني

في تلك الفترة عثرت عند أحد أقربائي على كتاب مهم عن تاريخ الزجل مؤلفه زجّال بدوره اسمه "منير الياس وهيبه الخازني الغساني"(كما أذكر). بسط هذا الكتاب في مقدمته ألوان الزجل وفنونه وأوزانه، ثم أفرد لكل شاعر صفحة من صفحاته احتوت على ترجمة قصيرة له وبعض نماذج شعره.
مع هذا الكتاب بدأت أعلم بأن جذور الزجل اللبناني قديمة جداً، وأنه تطوّر كثيراً في القرن التاسع عشر ولكنه بقي يتوكأ على الفصحى حتى عصر "رشيد نخله" و"شحرور الوادي". هنا جاء "مارون عبّود" في كتابه "الشعر الشعبي" كي ينيرني بخصوص "القوّال الأول" ومصادر هذا الفن الجميل. "فأبو محمد" يذهب إلى أن "الزجل اللبناني" هو مزيج من لهجة عربية لبنانية وألحان سريانية لقنها الموارنة في كنائسهم وصلواتهم. بل انه يذهب إلى أن "ميامر" "مار افرام السرياني" (ولد سنة 303 م) لعبت دوراً أساسياً في تنضيد الألحان الزجلية الأولى. أما القوال الأول عند "مارون عبود" فهو "المطران جبرائيل القلاعي اللحفدي" (1440 – 1516)، فيما يذهب "روبير خوري" في كتابه عن تاريخ الزجل بأن "سليمان الأشلوحي" الذي عاش بين القرنين الثالث والرابع عشر الميلاديين (1270 – 1335) هو أول من وصلتنا قصائده. هناك أيضاً من يعود بالزجل اللبناني إلى الحقبة العربية الأندلسية وموشحاتها المشهورة.
يكثر اللغط وتترى التخمينات حول أصول الزجل اللبناني إذاً، ولو كان لي أن أدلي بدلوي في هذه القضية فإنني على مذهب "مارون عبّود" أقول بقوله وأهتدي بمنارته لأسباب متعددة لا داعي لذكرها الآن.
"زجليات القلاعي" ركيكة البناء مضطربة الوزن بائسة الحال. وعلى منوالها بقي الكثيرون من رجال الدين الموارنة (مثل سرجس السمار الجبيلي، والقسيس عيسى الهزار والقس الياس الغزيري والخوري كامل نجيم والمطران عبدالله القرألي وغيرهم) ينسجون كي يؤرخوا للأحداث التاريخية والأمور التي تلم بطائفتهم وأحوال رعيتهم، يستلهمون في هذا كله الألحان السريانية التي اعتادوا عليها في كنائسهم وصوامعهم وأديرتهم، خصوصاً لحن "القرّادي" السريع المبني على "ميامر مار افرام".

خلال هذه الفترة الطويلة يبدأ لحن (وزن) "المعنّى" بالظهور، ولكن "الزجل اللبناني" برمته يبقى حبيس الصوامع والكنائس والأديرة ونهب رجال الدين الموارنة الذين لم يكونوا يحسنون – بالضرورة – العربية الفصحى. صحيح أن بعض الروايات تقول لنا بتسرب ظاهرة نظم الأزجال عند الطوائف الأخرى من اللبنانيين، كحال الأمير الدرزي "فخري الدين المعني الثاني" - حاكم جبل لبنان في القرن السابع عشر ومن أوائل من شقوا عصا الطاعة على "الحكم العثماني"-. ولكن هذه الاستثناءات بقيت قليلة بالقياس إلى العدد الكبير لكهنة الموارنة الذين تابعوا "تراثهم الزجلي" ورفدوه دائماً بالقصائد والأشعار.

مع القرن التاسع عشر يشهد الشرق بشكل عام حراكاً ثقافياً، ويشهد الزجل اللبناني ضرباً من حياة أخرى بخروجه من عباءات رجال الدين وتسربه إلى صفوف الناس العاديين، فيكثر في أواخر هذا القرن الزجّالون، وتصبح بعض الأسماء مهمة معروفة مشهورة يشار إليها بالبنان. هذا كان مثلاً حال "الخوري لويس" (خليل سمعان الفغالي) والد الشحرور، وهذا كان حال أحد الأعلام المهمين في تاريخ الزجل اللبناني، أعني "رشيد نخله" الملقب بأمير الزجل.

علاقتي بشعر "رشيد نخلة" كانت مباشرة دون وساطات. فلقد عثرت على ديوانه المطبوع (طبعة دار الحياة – بيروت) وشاربي لم يطر بعد. ولكني انتبهت الى أن شعر هذا "الرائد الكبير" لا يمكن أن يوضع بين "الزجليات" التي كنت أعرفها أو سمعت بها. فديوان رشيد نخلة عبارة عن "ديوان شعر" كلاسيكي، تتعدد به القصائد والموضوعات ولا شأن له "بالحوارات والمباريات الزجلية" التي كانت عماد ما لقنته عن الزجل حتى ذلك الوقت.
ليس هناك في ديوان "الرشيد" حواراً واحداً، وليس به "قراديّة" واحدة. فجماع أزجاله يتنقل بين "المعنّى" و"القصيد" حسب أبواب مقسمة مرتبة تعنى بالموضوعات.
"زجل رشيد نخلة" تستطيع أن تقيسه بديوان أي شاعر في عصره (شوقي، مطران، حافظ ابراهيم مثلاً)، بل لربما أبهجك أكثر بكثير من هذه الدواوين مجتمعة، فاللغة محكية مأنوسة، والعبارة طلية، والكنايات والاستعارات رشيقة موفقة. مع هذا فهو زجل ما زال يتكيء على الفصحى حيناً، ويتعثر به الوزن فيثقل على السمع أحياناً. ولكنه، في جملته، شائق رائق يفتح عصراً جديداً "للشعر المحكي اللبناني" لم نكن نعرفه قبلاً.

مع "رشيد نخله" و"أسعد الخوري الفغالي" (شحرور الوادي) ينفصل "الزجل اللبناني" بصورة واضحة إلى قسمين: الشعر المحكي وزجل المنابر. وإن كان "موسى زغيب" اليوم يقول بأن لا فرق بينهما، فالمتابع للزجل اللبناني يعلم جيداً بأن "الشعر المحكي" الذي وقف على رأسه "رشيد نخله" في مطلع القرن الماضي والذي تجدد دائماً مع شعراء أفذاذ مثل "عبدالله غانم" و"أسعد سابا" و"أسعد السبعلي" و"ميشال طراد" و"إيليا أبو شديد"، هذا الشعر لا يشابه تماماً شعر "المنبر" الذي بدأه بداية محترفة "أسعد الخوري" واستمر بعده من خلال "علي الحج" و"أنيس روحانا" و"خليل روكز" و"زغلول الدامور" و"زين شعيب" و"أسعد سعيد" و"موسى زغيب" و"طليع حمدان" و"إدوار حرب" حتى "فيكتور ميرزا" و"سميح خليل" و"بسام حرب" في يومنا الحالي.

هناك فرق إذاً بين "الشعر المحكي" و"زجل المنبر"، فالأول نستطيع أن نسلط عليه جميع ما نسلطه من أدوات فنية على "الشعر الفصيح"، بينما الثاني له معاييره الخاصة ولا يجمل بنا أن "نخلط شعبان برمضان" ونقول بأن اثنيهما واحد. فهناك فرق كبير بين الشعر المكتوب (المحكي) والشعر المُنشد (زجل المنبر)؛ فالمطلوب من الشاعر الذي يسهر على قصائده ويحككها ويبوتقها ويدمشقها ليس مطلوباً من الشاعر الذي ينشد على البديهة. بل ان العمق والجدية التي نحث "شاعر المحكية" عليهما، لا نطلبهما من "شاعر المنبر" أبداً، فهذا الأخير يجب أن يدخل المعنى الى أذهان سامعية بعفوية وسهولة ويسر وطرافة وإدهاش، فهو لو استعمل "العمق والجدية" وهدم عالم وبناء آخر لما استمع إليه أحد ولبارت بضاعته، ولقضى على فن من أجمل ما عرفنا من الفنون في حياتنا.

هذا الرأي الأخير يمنعني من أن أفرد لأزجال "رشيد نخلة" مكاناً هنا، فهذا الموضوع وجد كي يتحدث عن "زجل المنابر" وليس عن "الشعر المحكي". ولعل الزمن يسمح لي مرة بالحديث عن هذا الأخير بتفصيل وإسهاب.

يتبع في الايام القادمة ...

واسلموا لي
العلماني



الرد على: "يمّا ما أتيسك يمّا" -- (معاناة صاحب مقص) - K a M a L - 07-08-2011

لا إله حتى الله و لا حول و لا قوة بالله


RE: "يمّا ما أتيسك يمّا" -- (معاناة صاحب مقص) - Narina - 07-08-2011

هون

و هون
و هون

و هون
و هون




الرد على: "يمّا ما أتيسك يمّا" -- (معاناة صاحب مقص) - العلماني - 07-08-2011

واااااااااااااااااو ... ناريناااااااااااااااااااا .... برااااااااااااافو

ممكن بوسه من صباحك (جبهتك) ؟!!! أخوية والله (بوسة شكر وامتنان وعرفان جميل).

إلك عندي وحده هلق، وإذا ما احتجتني في أي أمر يتعلق بالنادي فأنت سوف تأمرين وأنا أنفذ !

ميرسي بوكو

واسلمي لي
العلماني