حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
أحمد بن حنبل و قضية خلث القرآن زوبعة في فنجان 4.5.6/6 حمادي بلخشين - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+--- الموضوع: أحمد بن حنبل و قضية خلث القرآن زوبعة في فنجان 4.5.6/6 حمادي بلخشين (/showthread.php?tid=44274)



أحمد بن حنبل و قضية خلث القرآن زوبعة في فنجان 4.5.6/6 حمادي بلخشين - حمادي بلخشين - 07-11-2011

ابن حنبل و مهزلة خلق القرآن زوبعة في فنجان 4/6
مقدمات ذات صلة:
كان تراجع العقل و الشجاعة، أمام الغباء و الجبن أكبر ما حاق بامتنا من نكبات في تاريخها الطويل. حدث ذلك اثر محنة خلق القرآن التي اعتبرتها السلفية محنة فرد ـ أي محنة بن حنبل ـ في حين انها محنة أمة .. لأنها أسفرت عن ميلاد مسخ سلفي( سني) مثلّ تبريرا نظريا لخريطة طريق الآلام التي رسمها معاوية وسار عليها ميدانيا.
ــــــــــــ
لو أبيد ثلاثة ارباع المسلمين و احتلت تسعة اعشار بلادهم لكنهم لم يعرفوا أبدا في تاريخهم قضية اسمها خلق القرأن وكاهنا اسمه بن حنبل لكان ذلك ارحم بهم و أفضل لهم ، وذلك لما سببته مسالة خلق القرآن من كوارث مؤبدة و سدّ ـ قد يكون نهائيا ـ لأي سبيل للخلاص.


مسألة خلق القرآن، نظرة سريعة:


لو استمرت الخلافة الإسلامية على رشدها، فسار حكام المسلمين في الناس سيرة الخلفاء الراشدين.
و لو حرص العلماء على الضرب على يدي كل انقلابي طامع في السلطة، بتقبيح فعله، والحضّ على حربه و تسفيهه، و في نهاية المطاف، جعل الناس تنفض عنه، ليجد نفسه مذموما مخذولا، لو حدث كل ذلك، لما ابتلينا بالإرهاب الملكي الأموي ثم العباسي الذي مسخ ديننا، أثناء بحثه عن أي نصّ يستر به عوراته، و يسدّ به الفجوة الهائلة بين النص والواقع، ليلجأ اخيرا الى أدلة شرعية اصطناعية ما انزل الله بها من سلطان، فيتخذها دروعا يتقي بها غضب الخارجين عليه. خصوصا وهي يواجه نصوصا قرآنية تحريضية بيّنة مستعصية على التأويل لا لبس في مدلـولها. نصوص تزلزل الأرض من تحت اقدام الطغاة، و تحث المسلمين للثورة عليهم، وتستنهض همهم لإستبدال نار الحاكم الإرهابي الفانية بنار دائمة أعدها الله لكل مستضعف منح شرعية لظالم، أو هادن متألها من الحكام(1) .

فقد" كان النص القرآني [ و الكلام للصادق النيهوم ] في دولة الأمويين صوتا عاليا و خطيرا جدا، لا يخاطب الدولة المسؤولة بل يخاطب الناس و يحمّلهم المسؤولية، و يجمعهم تحت اسم واحد، و يحرضهم علنا ضد سلطة فرعون. و في دولة يحكمها فرعون شخصيا، كان هذا الصوت دعوة علنية الى الثورة المسلحة، فأصبحت الدولة الأموية تواجه مشكلة... وهي حاجتها الى التعايش مع دستور شرعي لا يعترف بشرعية الدولة الأموية، فالخليفة يحكم بموجب حقه في وراثة العرش، والقرآن يقول ان الشورى هي دستور الحكم الوحيد في الإسلام. والخليفة رجل هائل الثراء يمثل طبقة الأغنياء و تجار القوافـل، و كبار الملاّك. والقرآن يقول(و الذين يكنزون الذهب و الفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم). و الخليفة يستند الى فتاوي رجال الدين. و القرآن لا يعترف برجال الدين ولا يخوّل لهم حق الفتوى نيابة عن الناس، ولا يميّزهم بلباس متميز كما فعل كتاب العـهد القديم. والخليفة متحصّن وراء جيش مأجور معدّ للقتال في سبيل الخليفة، والقرآن يستنكر وجود هذا الجيش، و يدعو لتدميره تحت راية الجهاد في سبيل الله. [و]الخليفة يضع يده على ميزانية الدولة، والقرآن يسمّى هذه الميزانية مال الله. والخليفة ينوي أن يصفي خصومه السياسيين، والقرآن يقول( ومن قتل نفسا بغير نفس ،أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا). والخليفة يخطّط لإنشاء دولة اسلامية على غرار بيزنطة. والقرآن يقول ان إسقاط بيزنطة فريضة واجبة على المسلمين "(2)

اذا، حيال نصوص القرآن الصريحة في التأليب على أهل البغي و التحريض على اهل الفساد الإداري" لم يكن أمام الخليفة الأموي سوى أن يصادر القرآن أو أن يكتشف لنفسه قرآنا آخر لا يناصبه العداء. و لأنّ الخليفة كان رجلا سياسيا و ليس احمق مغامرا، فقد ترك القرآن و شأنه، وعمل على ايجاد نص شرعي جديد سماه الحديث، ورد فيه كل ما يرضي الديكتاتورية من قبيل حديث من قال لا اله الا الله دخل الجنة وان زنى و سرق ،و من قبيل لا يدخل احدكم الجنة عمله!! فهذان الحديثان المخالفان لنصين صريحين في القرآن لا يخدمان غير الحاكم المجرم و جيشه المأجور الملطخ الإيدي بدماء المسلمين... فهجر بذلك كتاب الله و شوهت معالم الدين، و أصبح الحديث عن فرعون وعن الظلم السياسي والإجتماعي، مسألة تاريخية ليست لها اية علاقة بواقع الناس، و لم يعد فرعون هو الحاكم المتسلط الذي يعيش حيا بين الناس، بل اصبح هو ملك مصر الذي تسلط على اليهود خلال الألف الثانية قبل الميلاد، و لم يعد الدين هو الطريق الى العدل في واقع الناس على الأرض، بل أصبح هوالطريق لتعويضهم في حياة غائبة أخرى. و لم يعد جنود هامان هم الحرس الملكي الذي يسد الطريق الى قصر الخليفة، بل اصبحوا قصة تاريخية يرويها القرآن لغرض التاريخ،عن حرس ميتين كانوا في حراسة طاغية ميت. و لم يعد الصابرون هم الناس الذين يصبرون على الشدائد في سبيل تغيير واقعهم، بل اصبحوا هم الناس الساكتين الذين ينتظرون ان يتغير واقعهم بطول السكوت "(3)

لو استمرت الخلافة على رشدها، لما كان لوجود أحمد بن حنبل و و" علمه" غير النافع من مبرّر. لأن الأسلام قد إستغنى عن الزيادة و التحوير كما استغنت السلاءة عن التنقيح(4) ، و لأن شرع الله قد كمل قبل ميلاد احمد بن حنبل بأكثر من قرنين، و لم تعد امتنا في حاجة كي يتدراكها الله بشيخ السلفية الطريف، و بهلوانياته المضحكة.

لو حدث ذلك العدل الذي لم يحتج معه الراشدون من الخلفاء الى سنة غير نبوية مشبوهة يتسترون بها، و لو حرص العلماء على الوقوف في وجه كل مغامر افاق يسعى للسلطة تحقيقا لطموحات شخصية أوثارات اسرية. لو حدث ذلك لأعفيت أمتنا من ظهور الدماميل السلفية التي اتخذت من دعوى حفظ سنة نبوية ذريعة، لتجثم فوق صدر المسلمين و تفسد دينهم و دنياهم .

لو استمرت الخلافة الراشدة على رشدها، فحاسبت المخطئين من الحكام، و اوقعت عليهم القصاص كسائر أفراد الرعيّة، ثم وظّفت العقول الإسلامية الكبيرة لتكون طلائع فكرية تصحب جيوش الفتح حتى تحاور نظرائها من أفراد الأمم المفتوحة، في جلسات مغلقة، لا تشوش على العامة عقائدهم. لو فعلت ذلك و شغلت مفكري المسلمين بالحقّ، و اغنتهم عن تـناول مواضيع سفسطائية من قبل : هل يجب على الله ارسال الرسل؟ وهل يقدر الله على الظلم؟ وهل الله قادرعلى زيادة نعيم أهل الجنة؟. لو حدث ذلك كله، لما ظهرت فرق الجبرية و المرجئة و الجهمية ولا المعتزلة اصلا، لأن مهمة تلك الفرق ستكون كجالب التمر الى البصرة، والماء الى النهر، لأنها لن تقدم جديدا لأمة عقلانية، تقدس الحرية، وتكفر بعبادة الفرد .

لو تم كل ذلك لعوفيت أمتنا من بروز الزائدة السلفية القبيحة التي اتخذتها الملكية الفاسدة أداة تبرير و تعمية عن الحق، و مخلب قط تسلطه على تلك الفرق المخالفة التي فرض الإستبداد نشأتها.

لو استمرت الخلافة على رشدها، لما فتن المسلمون بمعاوية بن ابي سفيان، الملك الأموي الذي
ارسى الفكر الجبري و أسس نظرية الحق الإلهي المقدس في الحكم، واحتضن زعماء النصارى الملوثة عقولهم بأوشاب الشرك و شكوك الفلاسفة الطبيعيين. و قربهم من مركز القرار، كي يعملوا إفسادا في عقول المسلمين. لأن" الأدلة على تأثر المعتزلة بالمسائل اللاهوتية التي اثارها المسيحيون و التي كانت تشغل لاهوتيّ المسيحين انفسهم كثيرة. منها ان الأمــويين قربوهم اليهم و استعانوا بهم، وأسندوا اليهم بعض المناصب العالية. فقد جعل معاوية ابن ابي سفيان سرجون بن منصور الرومي المسيحي كاتبه و صاحب أمره [أدقّ منصب في جهاز الدولة عصر ذاك !](5) إهــ و بعد أن قضى[ هلك] معاوية، بقيت لسرجون مكانته، فكان يزيـد بن معاوية يستشيره في الملمّات و يسأله الرأي(6) ثم ورث تلك المكانة ولده يحيى الدمشقي الذي خدم الأمويين زمنا ثم اعتزل العمل سنة 112 هــ و التحق بأحد الأديرة القريبة من القدس، حيث قضى حياته يشتغل في الأبحاث الدينية، و يصـنف الكتب اللاهوتية، ويعدّ آخر علماء اللاهوت الكبار في الكنيسة الشرقية، واعظم علماء الكلام في الشرق المسيحي. قال آير: ان يحيى الدمشقي آخر آباء الكنيسة الشرقية، و ممثل اللاهوت المسيحي فيها، و إن كتاباته هي زبدة تعاليم تلك الكنيسة، و قال ميكفرت: إن اللاهوت المسيحي وصل ذروته في زمن يحيى الدمشقي الذي وضع في كتبه خلاصة ما بلغه الفكر المسيحي في الشرق... يضاف الى هذا، أن أثر الدمشقي لم يقتصر على الشرق المسيحي بل تعداه الى الغرب، فترجم كتابه في الإيمان الإرثدوكسي الى اللاتينية، و قدره علماء الغرب حق قدره، و اطلع عليه توما الأكويني أعظم متـكلميهم و استفاد منه، فإذا كان اثره قد نفذ الى الغرب البعيد، أفلا يكون من المستغرب ألا يتأثر به العرب المسلمون الذي كان الدمشقي يعايشهم و يتعاون معهم و يتكلم لغتهم؟ إن مجرد وجود يحيي الدمشقي و امثاله من المتكلمين بين المسلمين، كاف لأحداث التأثير، فكيف إذا تجاوزالأمر حد التجاور واشترك المسلمون والمسيحيون في مناظرات" (7 ) .

ومعلوم ان المعتزلة هم من أنشأ علم الكلام الذي انحرف من علم يراد به الرد على شبهات اهل الذمة و مفكري الأمم المفتوحة من شتى الملل، الى اداة مدمرة سعت الى مسخ الإسلام وتعقيد تعاليمه، فحولته من خطاب شعبي مبسّط، يمثل شعارات معارضة للطاغوت، الى تهويمات فلســفية نخبوية، و نظريات تجريدية باردة، لا علاقة لها بواقع الحياة، نتيجة أخذ علماء الكلام هؤلاء" بمنهج البحث والنظر والإستدلال العقلي، كوسيلة لأثبات العقائد الدينية التي ثبتت بالوحي! وإن المرء ليعجب أشد العجب، من كثرة ما كتبه هؤلاء المتكلمة من مؤلفات و كتب، فتمرّ عليك الصفحات منها دون ان تكتحل عيناك منها برؤية آية واحدة أو حديث واحد، وهم يبحثون كما يقولون في اصول الدين و في مسائل الإيمان! انما هي تصورات ذهنية و فلسفات قديمة، واستدلالات تورث الحيرة والشك، أفنوا أعمارهم و اهدروا اوقاتهم، في اشياء غير نافعة وجهود ضائعة ...على أن أعظم الأخطاء التي أخرجتها هذه الفرق من المتكلمين، مشكلة الإرجاء، وهي القول بان الإيمان تصديق واقرار، دون ادخال العمل في مسمى الإيمان، خلافا لما تواترعن السلف الصالح من أن الإيمان قول وعمل ...فتساهل الناس في كثير من التكاليف الشرعية، و فرطوا فيها بعد أن أطمعهم الإرجاء في نيل الثواب، و تحصيل الأجر، ما داموا مؤمنين بقلوبهم و مقرين بالسنتهم وما دام الإيمان لا يزيد و لا ينقص، على رأي هؤلاء المتكلمين، فما فائدة العمل إذ ان من يعمل كثيرا و ينصب و يجهد نفسه في العمل، كمن لا يعمل شيـئا البتة،إيـمانهم ثابت لا يزيد و لا
ينقص"(8). وقبل ذلك كله، ما دامت السلفية قد جعلت دخول الجنة رهن كلمة تقال ولو بحال
سكر!
يتبع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إن الرضوخ لسلطة فاسدة وعدم مقاومتها عقوبته نار جهنم ( إنّ الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيم كنتم، قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا[ الملائكة] ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيرأ )) النساء 97 في حين ان الثورة على الفاسدين عقوبتها جهنم في دين ابن حنبل!
(2) الصادق النيهوم صوت الناس محنة ثقافة مزورة ص 107
(3) الصادق النيهوم صوت الناس محنة ثقافة مزورة ص 108/117
(4) السلاءة : شوكة النخلة الملساء، فلو حاولت زيادة ملاستها لأحدثت فيها نتوءات و تشويهات تجعل منها خشنة الملمس قبيحة المنظر .
(5) و (6) و (7) زهدي جار الله المعتزلة ص 31/32/33
(8) علي بخيت الزهراني "الإنحرافات العقدية و العلمية في القرنين الثالث عشر و الرابع عشر الهجريين و آثارهما في حياة الأمة" ص 66/69

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ابن حنبل و خلق القرآن زوبعة في فنجان5/6 حمادي بلخشين

عن المعتزلة :

تناول المعتزلة خمس مسائل جوهرية من شانها كلها التشكيك في شرعية السلطة القائمة و تقويض الأسس التي اعتمدها الملوك للتعايش مع النص القرآني المخالف لسياستهم. و اول تلك المسائل نفي المعتزلة للجبرية أي اثباتهم حرية الإنسان في الفعل و الترك. و هذا من شأنه سحب البساط من تحت حوافر الحكام الذين يزعمون انهم مكرهون على سلخ الشعوب وركوبها لأن أعمالهم" المخلوقة"، قد كتبت عليهم منذ الأزل ولا راد لأمر الله.

وقد قدم المعتزلة شهداء كثر أشهرهم و أشجعهم و أعلمهم غيلان الدمشقي، و الجعد بن درهم و معبد الجهني. وقد اطلق المعتزلة على التقدير الإلهي اسم "العدل" حيث نزهوا الخالق عن القاء البشر في الماء ثم قوله لهم" اياكم اياكم ان تبتلوا بالماء" أي عن اجبار البشر على فعل شيء ثم محاسبتهم عليه.

من مبادىء المعتزلة التي تشكل خطرا على النظام الملكي الفاسد، جعلهم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر احد أسسهم العقائدية الخمس، وقد أرادوا بهذا المبدأ الحيوي مخالفة أهل السنة ـ شلة الحاكم ـ الذين جعلوا الأمر بالمعروف و النهي صوريّا كاريكاتوريا، حيث أوكلوا عملية تغيير المنكر باليد ـ اي بالقوة أو بالسلاح ـ الي مقترفي المنكرات أنفسهم، أي الي الحكاّم!!

حين عاين المعتزلة رواج مرويات كاذبة تعد الحاكم المجرم و الملحد أحيانا بغفران ذنوبه واعفائه من المحاسبة الأخروية دون مجرد تفكيره بإحداث توبة، بفضل شفاعة الرسول في عصاة الأمة او بسبب تميزه عن غيره "باختيار" الله له منذ الأزل لحكم الشعوب، قلت حين عاين المعتزلة تغييب اهل السنة لأكبر ضمانات ارساء العدل الإجتماعي و قطع دابر المفسدين جعلوا" الوعد و الوعيد" من جملة اسسهم العقائدية الخمس، في رسالة واضحة المعالم تدعو الي محاسبة الحكام وعدم التسامح معهم ، فلا مكان لحاكم سكير أو ظالم أو مخالف للشورى أو سفاك للدماء. ولما كان الحكام من الصنف الجامع لكل الموبقات كانت كراهيتهم للمعتزلة كبيرة.

كان موقف الخوارج من مرتكب الكبيرة تكفيره، حاكما كان أو محكوما . في حين كان موقف اهل السنة و الجماعة ترك حساب مرتكب الكبيرة ( اذا كان حاكما!) الي يوم الحساب، هذا في "أقسى" الحالات و أشدها أدانة له، و إلا فقد قرر بعض زواحفهم ان ذنبوب الحكام مغفورة بل و أن الحكام يشفعون في غيرهم ! ازاء هذا الإختلاف الواضح بين الخوارج والثدييات السنية، قرر المعتزلة أن صاحب الكبيرة في "منزلة ما بين المنزلتين" لا هو مؤمن ولا هو كافر وهذا موقف من شأنه سلب الشرعية من الحكام و بالتالي نزع الولاية عنهم، اذ لا ولاية لكافر على مسلم خصوصا وأن الحكام يتنفسون كبائر و لا يعيشون بغير كبائر .

ولما كان ايمان المعتزلة عن بينة و إعمال عقل، فقد انكروا خلق القرآن و شنعوا على الذين اثبتوا خلقه و اشركوه مع الخالق في صفة القدم، لأجل ذلك سموا انفسهم أهل التوحيد فكان "التوحيد" أحد أركان الأعتزال الخمسة.

تحلف كارثيّ :
كان من المفروض وقد رأينا مخالفة الفكر المعتزلي لذوي السلطان ان يكون النفور مستمرا بين الفريقين و التواصل بينهما غير وارد، غير ان مكر الخليفة "المأمون" و تقربه من المعتزلة أغرى بعضهم ــ وهم اصحاب الفكر المنفتح على الآخر ـ بمحالفته ( تحالف عباسي تكتيكي ...غريب و مفاجىء من قبيل اعتراف الدولة العباسية في وقت من الأوقات بالشيعة الي درجة تعيين أحد أئمتهم الإثنى عشر وليا للعهد قبيل التراجع عن ذلك التحالف باغتيال الإمام المعيّن !)
و لقد كانت أسسهم العقائدية الخمسة تربأ بالمعتزلة عن التحالف مع حاكم جبريّ دموي يتأرجح بين الكفر و الإيمان و يؤمن بالحق الالهي في الحكم. لكنهم سقطوا في الشرك بمجرد تبني المأمون لأحد مبادئهم ـ التوحيد ـ و قوله بعدم خلق القرآن! أي بقضية و ان كانت هامة في تصحيح العقيدة الا انها لا تعني شيئا في ساحة الصراع بين الحق و الباطل.خصوصا ازاء شعوب أمية تراجع فيها الإسلام من نظرية ثورية غايتها تحقيق العدالة الآجتماعية الي منظومة كهنوتية متواطئة . شعوب ترى التدين المثالي مجسما في كاهن لا يحشر نفسه في عمل السلطان لا في "معتزلي زنديق" يقدح في القرآن .

وقد دفع المسلمون ثمن ذلك التحالف المشؤوم غاليا بعد صرف أهل العقل و الشجاعة من المشهد الإسلامي اثر تشويه صورة المعتزلة و اظهارهم في هيئة المستخف بكتاب الله بجعله مخلوقا يمكن له أن يموت في اي لحظة من اللحظات !!!

لقد وقع تقديم المعتزلة كقربان ملكي في سبيل اشهار احمد بن حنبل ممثل الغباء و الرخاوة السنية و النظرة التقديسية للحاكم. وبذلك اصيب المسلمون بخسارة كبرى بعد أن اصبح للغباء السلفي الكلمة الفصل و الرأي المقدم .



رأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن :

كان دافع المعتزلة في خوضهم في كلام الله أمخلوق هو او قديم، الردّ على يوحنا الدمشقي الذي " كان يضلل المسلمين بالتعبيرعن عـيسى عليه السلام، بانه كلمة الله القاها الى مريم وروح منه، وكان قطع السبيل عليه، ان يقال ان كلمة الله مخلوقة لله تعالى، والقرآن مخلوق لله سبحانه وتعالى فينقطع الطريق عليهم، و ترد السّهام اليهم "(1) لأجل ذلك " ذهب المعتزلة الى ان القرآن محدث مخلوق، لأنه ليس صفة من صفات الله القديمة. القرآن كلام الله، والكلام فعل و ليس صفة، فهو من هذه الزاوية ينتمي الى مجال" صفات الأفعال" الإلهية، ولا ينتمي الى مجال" صفات الذات"، والفارق بين المجالين عند المعتزلة، أن مجال صفات الأفعال مجال يمثل المنطقة المشتركة بين الله سبحانه و تعالى والعالم، في حين ان مجال صفات الذات، يمثل منطقة التفرّد و الخصوصية للوجود الإلهي في ذاته، أي بصرف النظر عن العالم. أي قبل وجود العالم و قبل خلقه من العدم . وتفصيل ذالك : أن سنة "العدل" الإلهي لا تفهم الا في سياق وجود مجال لتحقق هذه الصفة، و ليس من مجال الا العالم. و صفة "الرزاق" تتعلق بالمرزوق,أي وجود العالم الخ... و الى هذا المجال مجال" صفات الأفعال" تنتمي صفة "الكلام " التي تستلزم وجود المخاطب الذي يتوجه اليه المتكلم بالكلام. و لو وصفنا الله سبحانه و تعالى بانه متكلم منذ الأزل ـ أي ان كلامه قديم ــ لكان معنى ذلك انه كان يتكلم دون وجود مخاطب .لأن العالم كان ما يزال في العدم، وهذا ينافي الحكمة الالهية، اما صفات الذات، فهي تلك التي لا تحتاج لوجود العالم كالعلم والقدرة و القدم ـ الأزلية ــ و الحياة. فالله كما يقول المعتزلة، عالم لنفسه قديم لذاته حي لذاته" (2)

فــ " القرآن الكريم، اهومخلوق او غير مخلوق، مستمدّ من مشكلة الصفات، متفرع منها " ذلك أن المعتزلة ينكرون صفات الله اذا كانت غير الذات، ويذهبون الى انها عين الذات " فقالوا ان الله عالم بذاته، قادر بذاته، حي بذاته، لا بعلم و قدرة و حياة هي صفات قديمة، و معان قائمة به، لأنه لو شاركته الصفات في القدم، الذي هو اخص الوصف، لشاركته في الألوهية " أما لماذا قرر المعتزلة انه يجب ان تكون صفات الله تعالى هي عين ذاته و ليست خارجة عن ذاته، فيجيب الخيّاط " انه لو كان الله عالم بعلم، فاما ان يكون ذلك العلم قديما او محدثا. و لا يمكن ان يكون قديما، لأن هذا يوجب وجود اثنين قديمين، وهو قول فاسد، ولا يمكن ايضا ان يكون علما محدثا، لأنه لو كان كذلك يكون قد احدثه الله في نفسه او في غيره اولا في محلّ . فان كان احدثه في نفسه اصبح ــ الله ــ محلا للحوادث، و ما كان محلا للحوادث فهو حادث، وهـــذا محال. واذا احدثه في
غيره، كان ذلك الغير عالما بما حله منه دونه، كما ان من حله اللون فهو المتلون به دون غيره، و ان من حلته الحركة فهو المتحرك بها دون غيره، و لا يمكن ان يكون احدثه لا في محل. فلا
يبقى الا حال واحد و هو ان الله عالم بذاته " إهـــ فإن قلت : حين زعم المعتزلة ان علم الله ليس قديما، فهل معنى ذلك أنهم يعنون ان علمه محدث ، و بالتالي لم يكن عالما من قبل؟ و الجواب أن المعتزلة يعـتقدون ان علم الله قديم، و لكنه غير مستقل و خارج عن ذاته لأن " الله عالم بذاته لا بعلم زائد عن ذاته "(3) فقد وجد المعتزلة في القول بان القرآن مخلوق ما يتعارض مع وحدانية الله تعالى لأن الشيء اذا كان غير مخلوق اصبح قديما ازليا و القدم و الأزلية من صفات الله وحده... و لم يكتف المعتزلة في اثبات خلق القرآن بالإعتماد على الأدلة العقلية، بل تعدوها الى الأدلة النقلية كالآية((انا جعلناه قرآنا عربيا)) فكل ما جعله الله فقد خلقه، والآية (( الر كتاب احكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)): و كل مخلوق مفصل له محكم مفصّل، و مثل قوله تعالى (( انه لقرآن مجيد في لوح محفوظ ))، فهذا يدل على احاطة اللوح بالقرآن و لا يحاط الا بمخلوق و قوله تعالى (( و ما يأتيهم من ذكر محدث )) و قوله ((لا ياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه)) فأخبر تعالى أنه محدث و جعل له اولا و آخرا". (4) .

"فحين قرر المعتزلة أن القرآن مخلوق، كانت حجتهم تقوم على ثلاث دعائم. الأولى:أن كل شيء ما عدا الله تعالى مخلوق لله تعالى. و القرآن لا يمكن الاّ ان يكون غير الله تعالى، فلا يمكن الا ان يكون مخلوقا. الثانية : ان القرآن مكوّن من حروف و كلمات ينـطق بها الناس، و ليس القرآن إلا تلك، وهذه لا يمكن أن تكون غير مخلوقة، لأنها تقوم بالمخلوقين عند النطق بها و عند كتابتها. الثالثة : أنه لو كان القرآن غير مخلوق، لكان قديما لأن غير المخلوق لا ابتداء له و ما لا ابتداء له لا يمكن الا ان يكون قديما، و بذلك تتعدد القدماء، كما قال النصارى في شأن عيسى عليه السلام " ( 5) .
لقد كان القول بخلق القرآن بديهة لا جدال فيها لدى الذهنية المعتزلية المتفوقة، حتى ان المأمون ( وهو منهم) لم يذهب، وهو يواجه القائلين بعدم خلق القرآن الي تفسير امتناعهم عن مجاراته في قوله،الي امكانية ضعف عقولهم. فقد استبعد ان يكون المصرون على القول بغير الخلق، كانوا حقّا من ضعاف العقول، و لو كان المأمون يعقل، لأعفى اهل الحديث من ذلك الإمتحان، باعتبارهم من غير المفكرين،لأنهم يلغون عقولهم تماما امام النص (هذا لو كانت لهم عقول صالحة للإستخدام) (هاكم طرفة بالمناسبة.الأول : سمعت فلان عندو سرطان دماغ ؟!. الثاني: هو جاه الدماغ منين !؟) , فظلم المأمون لأحمد بن حنبل تمثل اصلا في حشره ضمن اصحاب النظرو الاستدلال ( هذا لو سلمنا ــ وهذا بعيد ـ بأن المأمون لم يكن يسير على خطة مرسومة غايتها صناعة بطل جماهيري يستخدم كحصان طروادة لتمرير عملية تدوين الحديث الذي صيغ لى مقاس الحكام )...

فلنشهد معا حيرة بن حنبل وهو يواجه بن دوؤاد في سجال غير متكافىء، يذكرنا بتلميذ مرتبك امام استاذ متمرّس، اذا سئل احتار، و اذا سأل تورّط . كتب الجاحظ " قال بن دؤاد لأبن حنبل : اليس لا شيء الا قديم او حديث؟ قال بن حنبل : نعم . قال اوليس القرآن شيئا؟ قال نعم قال اوليس لا قديم الاالله؟ قال نعم قال فالقرآن اذن حديث ؟. قال بن حنبل : ليس انا متكلم ـ [أي لست فيلسوفا، ثم استمرالجاحظ ]: زعم بن حنبل يومئذ ان حكم كلام الله كحكم علمه، فكما لا يجوز ان يكون علمه محدثا و مخلوقا، فكذلك لا يجوز ان يكون كلامه مخلوقا و محدثا، فقال له ابن ابي دؤاد :اليس قد كان الله يقدر أن يبدل آية مكان آية و ينسخ آية مكان آية، وان يذهب بهذا القرآن و ياتي بغيره، و كل ذلك في الكتاب مسطورا؟ قال بن حنبل: نعم قال: فهل كان يجوز هذا في العلم وهل كان جائزا ان يبدل الله علمه و يذهب به و ياتي بغيره قال :لا قال بن دؤاد: روينا في تثبيت ما نقول الآثار و تلونا عليك الآية من الكتاب، و اريناك الشاهد من العقول، التي لزم الناس الفرائض و بها يفصلون بين الحق و الباطل فعارضنا أنت الآن بواحدة من الثلاث ؟ فلم يكن ذلك عنده " (6) .
يتبع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محمد ابو زهرة تاريخ المذاهب الإسلامية تاريخ المذاهب الفقهيةج ص 502ج1طباعة سنة 1987 دار الفكر العربي دار الحديث لندن قبرص
(2) ابو زيد النص السلطة الحقيقة ص 73
(3) زهدي جار الله المعتزلة ص 73
(4) زهدي جار الله المعتزلة ص87
(5) أبو زهرة المصدر السابق ص 501 )
(6 ) جمال الدين القاسمي الدمشقي تاريخ الجهمية و المعتزلة ص 88/89
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احمد بن حنبل و خلق القرآن زوبعة في فنجان 6/6 حمادي بلخشين

في بداية الأمر، امتـنع أحمد بن حنبل عن الخوض في مسالة خلق القرآن، ومن هنا قال بعض العلماء انه كان متوقفا في المسألة أي كان كافرا بأثر رجعي!! ويؤيدون ذلك بكلام روي عنه " قال[ بن حنبل] : جلست و قد اثقلتني الأقياد، فلما مكثت هنيهة قلت[ للمحقق] تأذن في الكلام؟ فقال: تكلم فقلت: الى ما دعا رسول الله؟ فقال الى شهادة ان لا اله الا الله و ان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة و صوم رمضان، و ان تعطوا الخمس من المغنم"، وان هذا الكلام يدل على التوقف، و يروى انه [ بن حنبل ] قال: من زعم ان القرآن مخلوق فهو جهمي، و من زعم انه غير مخلوق فهو مبتدع "(1 ) .

و بعد انقضاء " المحنة"( المسرحية) و قرار السلطة العباسية الرجوع عن القول بخلق القرآن، بعد تبنيها القول بعدم خلقه، لم يعد القول بخلق القرآن من عدمه بدعة و لا كفراعند ابن حنبل، حيث قرر في" رسالة كتبها الى المتوكل عندما سأله عن ذلك، و جاء فيها ما هذا نصه :" قال الله تعالى( و ان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ) و قال تعالى (ألا له الخلق و الأمر)) فاخبر بالخلق ثم قال والأمر فاخبر ان الأمر غير الخلق. هذا ما جاء في هذه الرسالة و كانه يشير بالفرق بين الخلق والأمر، بان القرآن من أمر الله تعالى و كلامه و علمه لا من خلقه، فهو على هذا لا يعد مخلوقا في نظره "( 2) .

الحصيلة، كما كتب ابو زهرة :" أن احمد في اول امره كان يتوقف عن القول بان القرآن مخلوق او غير مخلوق، لأنه يرى ان ذلك بدعة من القول. و لكنه بعد ان زالت المحنة، ما كان يستطيع ان يستمرّعلى توقفه، بل لا بد ان يدلي يقوله مؤيدا احد الإتجاهين، و قد طلب اليه المتوكل ذلك فاختار ما رآه اسلم في نظره، وهو ان يقول ان القرآن ليس بمخلوق " (3)

" والعجب [ كما يقول الجاحظ ] أن الذي منعه بزعمه[ أي بزعم احمد بن حنبل] أن يزعم أنه مخلوق أنه لم يسمع ذلك من سلفه، وهو يعلم أنه لم يسمع ايضا من سلفه أنه ليس بمخلوق [!!!]"(4) .

وقد زاد أحمد بن حنبل في الشطرنج بغلة (5) حين أدى به السخف والضحالة والإسفاف" الى القول بقدم القرآن حتى المكتوب في المصاحف، و الملفوظ به في ألسنتنا، وهو قول جرّ اليه ضيق
النظر و ضعف العقل، و قد نسب الذهبي الى ابن حنبل القول بقدم الألفاظ "(6) ليأتي من حمقى الحنابلة من يؤكد بعد عصر بن حنبل، أن جلد غلاف القرآن (المصنوع من جلد الماعز و البقر) غير مخلوق!

خلاصة ما تقدّم :

يمكننا تشبيه مخلفات مهزلة خلق القرآن، وإستفادة المؤسسة الملكية من نتائجها، بما نعيشه اليوم من دون كيشوتيات سلفية، يؤديها المهرّج السلفي اسامة بن لادن الذي ترك الديناصورات الحاكمة تعيث فساد في بلاد المسلمين، ليستهداف أطفال و نساء و شيوخ الأمريكان و الأروبيين. فقد تدعّمت بسبب تلك عشوائيات بن لادن وضعية الحكام العلمانيين و ثبتوا مليّا على كراسيهم المغتصبة، وعرضوا على العالم (و هم المجرمون)، على اساس انهم ضحايا ابرياء لإرهاب أصولي اعمي لا يميز بين ضحاياه. كما صوّر هؤلاء المجرمون، على انهم رواد في قمع" الفكر الإرهابي"،حين تصدوا منذ ستين عاما لدعاة تحكيم الشريعة و اعملوا فيهم قتلا و تنكيلا و اغتصابا و تشريدا، كما صور الغرب هؤلاء الحكام الإرهابيين كطلائع إنقاذ للبشرية، حين حذروه من خطر" الإسلام المتطرف " منذ عقود طويلة. ليمنح هؤلاء الحكام اخيرا تصريحا علنيا بتتبع بقايا مظاهر التدين الإسلام الشكلية" فنتيجة لحماقات بن لادن [ كما كتب احدهم]، اصبح مجرما قاتلا ارهابيا ،مثل معمّرالقذافي حمامة سلام، و أصبح رئيس تونس[ بن علي] الجنرال الذي وصل الي الحكم على ظهر دبابة، يستقبل في واشنطن كأحد دعاة الحرية"

اذا، بفضل بهلوانيات بن حنبل السخيفة و بطولته الجوفاء التي كانت بمثابة زوبعة في فنجان تدعّمت المؤسسة الملكية، و صار المتوكل ( الجزار العباسي الرهيب) و كما يقول بن كثير :" محبّبا الى رعيته، قائما في نصرة أهل السنة[!]، و قد شبهه بعضهم بالصدّيق في قتله اهل الردة ,[ أي في مطاردته المعتزلة!] لأنه نصر الحق، وردّه عليهم حتى رجعوا الى الدين و بعمر بن عبد العزيز، حين رد مظالم بني امية، و قد اظهر السنة بعد البدعة" !!( 7 ) .

فتعجبوا معي كيف يعالج المجرمون البدعة ببدعة أخرى، وكيف يعلقون كل ذلك على شماعة السنة النبوية. ثم انظر كيف يختلق المجرمون القلاقل، بحثا عن شرعيّة يأباها لهم الإسلام ، ثم انظر كيف ينادون بشيء تارة، و بنقيضه تارة اخرى، في تخبط عبثي يذكرنا ب" ذلك الرجل الذي قدم الى ابرز ساحة بالعاصمة و ملأ وسطها بالأنقاض، ثم جاء بسارية وضع عليها مصباحا أحمرا، فجعل الناس ينظرون اليه بدهشة قائلين : ماذا تريد بهذا المصباح ؟ قال: تـنبيه الناس بالخطر كي لا يصطدموا بالأنقاض! و لمّا قيل له : و لماذا جئت بالأنقاض ؟! قال: لكي ارفع هذا المصباح" !!

و لئن شكلت مسألة خلق القرآن قضية خلافية غير ذات شأن في تحديد مسارأمتنا، فإن ما نتج عنها كان وبائيا و مدمرا، اذ مكنت الملك العباسي المتوكل المتوفي سنة 234هــ من وضع الصيغة النهائية للمنظومة السلفية الأمنية الجائرة، بعد ما صنع لإبن حنبل شعبية مدوية و ذلك حين " مكّن أهل الحديث، و قد خلا لهم الجوّ، من الإنفراد بتدوين السنة، أعني بكتابة تصورهم المفهومي الخاص للإسلام، ثم تقديمه باعتباره الطرح الإسلامي الملزم . ففي غضون الفترة التالية لهذا الإنقلاب [ انقلاب المتوكل، و الكلام لعبد الجواد يس ] فرغ اهل الحديث من تقفيل النص النهائي للسنة سندا و متـنا... عبر منهجهم الإسنادي الضيق بترسيم "النص" النهائي للسنة، و إعتمادها " كنسخة" رسمية ممهورة بخاتم السنة و الجماعة .. فظهرت كتب الحديث الستة الشهيرة البخاري المتوفي سنة 256هــ، و مسلم المــتوفى سنة 262هــ، و ابن ماجة المتوفى ســنة 273هــ، و النــسائي المتوفى سنة 303هــ و ابي داود المتوفي سنة 275هــ و الترمذي المتوفى سنة 279هــ و اكتسبت هذه الكتب ، لا سيما البخاري و مسلم، حصانتها المعروفة، و توالت عمليات التدوين على مستوى الفقه وفقا لأصول الشافعي[ صنو بن حنبل في ضيق الأفق والوقوف الي جانب الملكية الفاسدة] التي كانت استقرت في الوجدان الفقهي بغير طرح جدي بديل. ثم جاء الأشعري المتوفى سنة 324هــ، ليلعب في تثبيت المنظومة السلفية دوره الذي اشرنا اليه من قبل و الذي كان في مجمله صياغة كلامية للمفاهيم الأساسية التي طرحتها هذه المنظومة على مستوى المنهج، كما على مستوى الموضوع، بغير اضافة حقيقية الى روح الطرح و مضمونه الجوهري "(8). و كفى بذلك الإجراء السلفي المدمر وهنا وبؤسا أنه أرّخ لموتنا الحقيقي، حين ادخل امتنا الى نفق عصور الإنحطاط، بفعل ما حقل به الفكري السلفي من سم مجرّب، و اسلحة دمار شامل لكل شيء حي . و لله الأمر من قبل و من بعد .

فيا من تصرون على الهيام بابن حنبل حبا، أن حبكم الحقيقي له، يقتضي منكم تغييب تراثه (الذي يعتبر مصيبة جارية تؤذي صاحبها)، عن متناول ايدي الكبار و الصغار، حتى لا ينشا عليه اجيال تكرس حالة الهوان فتكون أداة للمستبدين، وعونا للمفسدين .

فلنتعاون جميعا لدسّ بن حنبل ذلك الرمز السلفي البغيض في غياهب النسيان، فذلك هو الضمان الوحيد لحياة يسودها العدل و ألأمان . فحياتنا تقتضي إقصاء فكره و دفن تراثه، كما أن استمرار موتنا و هواننا على امم الأرض يكمن في بقاء ذلك التراث المبيد لحقوق الإنسان ولكل أمل في النهوض من جديد . فلننشد معا في مراسم تشييع تراث بن حنبل الكريه قول الشاعر نسيب عريضة :

كفنوه و ادفنوه و اسكنوه هوة اللحد العميق
و اذهبوا لا تندبوه
فهو شيء ميت ليس يفيق
حمل الذل بصبر/ فهو في الذلّ عريق
هتك عرض نهب ارض/ شنق بعض لم تحرك غضبه
/فلماذا نذرف الدمع جزافا/ ليس تحيا الحطبه
لا وربّي ما لشيء دون قــــلب/ غير موت من هبـــه
فدعــوا التاريخ يطوى سفر ضعف و يصفي كتبه
....
رب نار رب ثار رب عار حركت قلب الجبان
لم تحرك ساكنا حتى اللسان ( بتصرف)

و لعلنا بدفن تراث بن حنبل قد نصلح ما بنا، فتعود للإنسان كرامته الفقيدة (9)، و يعود وطننا الإسلامي استقلاله الحقيقي، حين تقع اسلمة دساتيرنا التي تعبر عن هويتنا .

تكريم ملكي !:
(حين توفي بن حنبل راعت الأسرة العباسية جهوده في استقرار أمنها، فأرسلت مئة فرد من عائلتهم المالكة لحضور غسله و نظمت له جنازة حاشدة، في حين حرم العلماء العاملين من قبر توارى فيها جثثهم التي كانت تصلب في الشوارع حتى تتحلل!!) .

ـــــــــــــــــــــ
(1) و (2) و(3) أبو زهرة الفرق و المذاهب الإسلامية على التوالي ص 502و503و 503
(4) الجاحظ من رسالة بني امية نقلا عن ضحى الإسلام ج3ص140
(5) مجمع الأمثال للميداني ,( أي اضاف شيئا سمجا سخيفا ، لا مكان له) .
(6) احمد امين ضحى الإسلام ج 3 ص 191
(7) بن كثير البداية و النهاية ج10ص 802
(8) عبد الجواد يس السلطة في الإسلام ص 154 تتخللها فقرة ص 119
(9) فبلادنا محتلة لا فرق ان رحل العدى أو رانوا
ستعود اوطاني الى اوطاننا
ان عاد انسانا بها الإنسان(احمد مطر )


تم البحث