حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
هل يحتاج النظام الى مُنظم؟ - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: عـــــــــلــــــــــوم (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=6) +--- المنتدى: عـــــــلوم (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=86) +--- الموضوع: هل يحتاج النظام الى مُنظم؟ (/showthread.php?tid=44552) |
هل يحتاج النظام الى مُنظم؟ - طريف سردست - 08-03-2011 الفلسفة تنظر للامور بمنظار الاضداد لذلك كانت على الدوام هناك وحدة الاضاد، فلكل شئ ضد متحد معه بدون انفصام ولايمكن له الوجود الا مع نظيره ولايمكن معرفته الا بمعرفة مضاده، مثل النور والظلام والفوضى والنظام. على هذه الخلفية نشأت الفلسفة الصينية التي تتكلم وحدة النظام والفوضى، والتتداخل بينهم وكيف ان احدهم ينبعث من الاخر بالضرورة، ولا وجود للاسود بدون الابيض. عندما ظهر نيوتن بقوانينه حول الجاذبية ساد بين الاوساط العلمية مفهوم ان الكون هو ماكينة مترابطة تقوم على الفعل ورد الفعل بين اجزائه، وهو مفهوم رآه البعض انه يدل على وجود خالق لان لابد ان يكون هناك صانع للماكينة على نمط البعرة تدل على البعير. هذا المفهوم تعرض الى ضربة قاسية مع اكتشاف عالم الكيمياء الروسي بوريس بافلوفيتش بيلووسوف لتفاعل كيميائي مُدهش من خلاله نرى كيف ان الفوضى ينتج عنها نظام ديناميكي مستقل وان الفوضى هي الوجه الاخر للنظام ولايمكن لاحدهم ان يكون بمعزل عن الاخر او يتواجد بدونه تماما على مبدأ طرح الفلسفة الصينية. هذا التفاعل اطلق عليه اسم BZ reaction. على اثر هذا الاكتشاف سقط الموديل الميكانيكي للكون، فماهو تفاعل بيلووسوف؟ تفاعل بيلووسوف الكيميائي الروسي بوريس بيلوسووف اثناء عمله في مختبرات وزارة الصحة الروسية، في مجال ابحاث التسمم، كان يسعى الى فهم دورة التفاعل الحامضي لحل معضلة التفاعل الكيميائي المتأرجح. بعد ذلك ، وعلى مدى ستة اعوام، فشل مرتين بنشر نتائج ابحاثه لكون المجلة رفضت النتائج على إعتبارها " مستحيلة" وعلى اثرها تخلى بيلوسووف عن البحث العلمي. غير ان البيوكيميائي S. E. Schnoll من معهد الفيزياء الكيميائي النظري سمع بأعمال بيلوسووف وطلب منه مسودات تجاربه وحصل منه على الاذن بالتأكد منها ونشرها بأسم مجهول. البروفيسور شخنول اعطى المسودات الى تلميذه Anatoly Markovich Zhabotinsky الذي تابع العمل عليها. في عام 1960 نشر مقالته عن اكتشاف دورة من التفاعلات المتأرجحة والتي تنتج اشكال منظمة من الفوضى وسمي التفاعل Belousov–Zhabotinsky reaction, (BZ reaction). وفي الويكبيديا العربية نجد النص التالي عن التجربة والافاق التي ترتبت عليها: "قام ( جابوتينسكي) باعادة التفاعل مع تغيير حمض الستريك بحمض المالونيك بناء على نصيحة أستاذه. وبالاحتفاظ بنفس الظروف الأخرى، توصل جابوتينسكي لتحقيق تأرجح كيميائي زمني أفضل وأكثر وضوحا من سابقه. وخلال سكبه للمحلول على شكل غشاء رقيق لا يتعدى سمكه 1 ميليمتر لاحظ جابوتينسكي تكون تشكيلات معقدة في شكل أمواج مستديرة مشتركة المركز أو حلزونية ملتفة [5]. ظل تفاعل بيلؤوسوڤ-جابوتينسكي في تلك الفترة مجرد ظاهرة عجيبة ومثيرة للتساؤلات. وفي سنة 1972، توصل ثلاثة باحثين، من جامعة أوريغون، وهم فيلد R. J. Field ونوييس R. M. Noyes وكوروس E. Körös إلى تفسير آلية التفاعل بواسطة نموذج معقد مكون من 18 تفاعلا متسلسلا يتدخل فيها 21 نوعا كيميائيا مختلفا. إضافة إلى ذلك، إقترح ثلاثتهم شكلا نظريا مبسطا للتفاعل مكون من خمس مراحل سمي "الأوريغوناتور" Oregonator، على اسم الجامعة التي ينتمون إليها [6]. وكانت كتاب الأسس الكيميائية للتشكل الحيوي The chemical basis of morphogenesis الذي نشره الرياضي الشهير آلان تورنج سنة 1952، يتنبأ بإمكانية ظهور البنى المعقدة عند التشكل الجنيني بواسطة مواد كيميائية، سماها تورنج بالمشكلات Morphogens، تنتشر وتتفاعل لتغير خاصية الفضاء الأحيائي المحيط بها [7]. إسترعى نموذج تورنج الرياضي انتباه إيليا بريغوجين Ilya Prigogine وغريغوار نيكوليس Gregoire Nicolis، من جامعة بروكسل الحرة، اللذان قاما بتعديله ليظهر أن بعض التفاعلات الكيميائية البعيدة عن حالة التوازن في التحريك الحراري، مثل تفاعل بيلؤوسوڤ-جابوتينسكي، يمكن أن تنتج نظما فضائية معقدة ذاتية التعضية [8]. وسمي هذا النموذج بنفس الطريقة "البروكسيلاتور" Bruxellator. واصل جابوتينسكي ومعاونوه في جامعة بوسطن، أبحاثهم حول التشكيلات الفضائية المعقدة التي يظهرها التفاعل، وتبين أنها موجات كيميائية Chemical waves تتصرف فيزيائيا مثل موجات الصوت أو الضوء من خلال الانعكاس والانكسار على وسط غروي [9]. بالاختصار تحطمت نظرية الكون الميكانيكي. ولكن اإذا كانت الاشكال الناشئة منتظمة الا يمكن ان تكون لها قانون يتوقعها ويستبق حدوثها؟ Edward Norton Lorenz الذي كان يؤمن بالعالم الميكانيكي كان يبحث عن قانون يسمح له بالتنبوء بالطقس، غير انه عوضا عن ذلك اكتشف نظرية الشواش (الفوضى) (Chaos Theory) . الاكثر شهرة هي مقولته " لو خفقت فراشة اجنحتها في البرازيل فيمكن ان تحدث عاصفة في تكساس" واساس نظريته ان تغيير في الارقام العشرية مهما كان ضئيل يتطور الى تغييرات عاصفة لاتخطر بالبال. وبالتالي فإن النموذج لايكون هو نفسه، على الرغم التشابه العام، لمجرد تغييرات غاية في البساطة. بذلك نجد ان الاحداث المعقدة تملك تشكيلة لانهائية من الاحتمالات جميعها تقوم بنيتها انطلاقا من نمط بسيط للغاية. من تجربة بيلوسووف نرى كيف ان الدوائر في الاصل وعلى العموم متشابهة ولكنها ابدا ليست متطابقة. والغريب ان جميع مافي الطبيعة يقوم على المبدأ نفسه، وبالتالي فالطبيعة تملك ميكانيزم التعقيد الديناميكي من الفوضى نحو النظام في ذاتها. Benoît B. Mandelbrot, عالم رياضيات فذ ومؤسس علم التناظر التفرعي. Fractal geometry. تقوم النظرية على شرح ظاهرة ان الاشكال في الطبيعة تتطور بطريقة تفرعية في ظاهرها فوضوية غير انها متناظرة. والتناظر الفركتالي عبارة عن سلسلة من الاشكال ذاتها من مختلف الاحجام تبدأ بالاكبر وتنتهي بالاصغر تماما مثل الشجرة في سلسلة مستمرة، لتبدأ بالابسط وتنتهي بالتعقيد، ولكنه تعقيد مركب من حلقة غاية في البساطة. هذا الامر جرى التعبير عنه بالمعادلة: C<=> C2 +z. التشكيل اعلاه نراه ينعكس في مجاري الانهار وفي منحدرات الجبال بنتيجة الاسيول والحت وفي الاشجار وفي التجربة الكيميائية وفي الاوردة الدموية والممرات التنفسية للرئة والاعصاب كما نراها في عملية نشوء الكون وحتى حركة الاسماك والطيور. عندما تطير الطيور في مجموعات كبيرة وتغيير اتجاهها بحركات سريعة وحادة لااحد يستطيع توقع معرفة الخطوة التالية ولا حتى الطيور انفسهم، ومع ذلك لايتصادمون لان المعادلة قائمة ان الحلقة البسيطة تقوم بالاهتمام بنفسها وبالذات ان كل طير يهتم بملاحظة الطير الاقرب اليه والانسجام معه فقط لاغير. بذلك نرى ان التركيبة تقوم على البساطة التي تخلق التعقيد والتنوع الى درجات لانهاية لها ولكنها كامنة ولاتحتاج الى منُنظم . ذلك يعني ان الفوضى والنظام ملتحمان لاانفكاك بينهم ولاوجود لاحدهم بدون الاخر، ولكن كلاهما موجودان بفضل وجود الاخر وليس بفضل قوة من خارجهم، بالذات لان التفسير في ذاتهم كافي لوجودهم ولايحتاجان الى تفسير من خارجهم. يتبع.. الرد على: هل يحتاج النظام الى مُنظم؟ - The.Rebel - 08-05-2011 متابع وبشدة RE: هل يحتاج النظام الى مُنظم؟ - Kairos - 08-05-2011 تسجيل متابعة. ولمن يريد ان يذهب في رحلة عبر الفراكتال اللامتناهي فليحمل هذا البرنامج: http://sourceforge.net/projects/xaos/files/XaoS/3.5/xaos-3.5-win32.exe/download RE: هل يحتاج النظام الى مُنظم؟ - طريف سردست - 08-05-2011 Fractal geometry الفراكتال ، على إعتباره الوحدة الابسط الذي يتشكل منه التعقيد، ليس امرا حصرا على الكيمياء او الجيلوجيا او البيلوجيا او الكون او حتى المادة وانما ايضا ينطبق على السلوك. عندما ننظر الى سرب من الطيور نجد ايقاعا غاية في الدقة إذ وعلى الرغم من ان عدد الطيور في السرب يمكن له ان يصل عشرات الالاف الا انه من المستحيل ان يحدث تصادم بينهم. بالذات لان ميكانيزم السرب قائم تماما على مبدأ الفراكتال، حيث كل طير من الطيور يراعي فقط الانسجام مع حركة جاره ولاشئ اخر. وعلى الرغم من ان حركته هي استنساخ حركة الجار فإنه من المستحيل تطابق حركتين كليا، وهو الامر المميز للفراكتال بجميع ميادينه. ذات الامر نراه يتكرر لدى سرب من الاسماك او قطيع من الحيوانات في سهوب افريقيا بل والاغرب حتى بين قطعان البشر في التجمعات الكبيرة مثل الحج الى مكة او الى نهر الغانج، الامر الذي يدلل على انحدار هذه الخاصية لدى الانسان من اعماق تاريخنا البيلوجي الممائل لما عند الحيوانات. هذا الامر يطلق عليه ايضا ديناميك القطيع وهو الذي جرى استغلاله من قبل الالمان عند بناء ممرات ومسالك الحج في مكة لحماية الحجاج من خسائرهم السنوية التي كانوا يقدمونها للشيطان عند رمي الجمرات. الفوضى التي تُنظم نفسها لها طرق مختلفة ولاتقتصر على ماذكرناه اعلاه. مثلا نرى مئات الالاف من النمل تخرج من وكرها باحثة عن الطعام يوميا. وعندما يجد احد افرادها الطعام نجد انه يخبر اشقائه وسرعان مايصبح الجميع يتجهون الى الطعام مباشرة ومن اقصر الطرق. من اخبرهم عن الطريق الاقصر؟ كيف تمكنوا من تنظيم العمل؟ يعتمد الامر بأسره على مبدأ غاية في البساطة اتباع رائحة الفيرمون التي يفرزها كل فرد من افراد النمل وإذا انتهت الرائحة يستدير بالعكس ويتبع رائحة فرمونه الخاص فيعود الى المنزل. غير ان النمل يتبع الرائحة الاقوى، وبالتالي كلما ازداد عدد الافراد الذي يتبعون الخط نفسه كلما ازدادت طبقات الفيرمون على هذا الخط وبالتالي تصبح الاقوى، في حين تختفي وتزول بالتدريج عن الخطوط الاخرى. في النهاية يبقى خط واحد صادر عنه رائحة الفيرمون القوية هو الخط الذي يتبعه الجميع. عند استبدال النمل بالروبوت نحصل على النتيجة ذاتها. هذه الصفة نشأت تطوريا واستمرت لانها حافظت على حياة النمل وبذلك امكن توريثها الى الاجيال اللاحقة بدون اي حاجة لتتدخل خارجي ذكي . الرد على: هل يحتاج النظام الى مُنظم؟ - طريف سردست - 08-05-2011 يتبع.. RE: هل يحتاج النظام الى مُنظم؟ - طريف سردست - 08-06-2011 هل تحتاج قوانين الطبيعة الى خالق؟ قد يقبل احدهم بأن تفسير ظواهر العالم لاتحتاج لإله وأن ظواهر الوجود المادي تنظمها قوانين تسمى قوانين الطبيعة ، كقوانين الحركة وقوانين الكهرطيسية وقوانين ميكانيك الكم وقوانين التحريك الحراري الثرموديناميك وقوانين حفظ المادة والطاقة الخ .... ولكنه يسألك من وضع هذه القوانين ؟ ولماذا تكون القوانين على هذا النحو وليس على نحو أخر لتناسب في النهاية عالما منظما يحقق ظهور الحياة العاقلة ممثلة بالانسان؟ ولاشك ان الكثيرين أبعدوا فكرة الإله الميكانيكي الذي يحمل الشمس في عربته كل يوم من الشرق الى الغرب ، ويفلق السماء ،ويجمع السحاب ويسير الرياح ويخلق الفيروسات وينزل المطر ويمسك السماء من ان تقع ويرص نوى الذرات ويحافظ على مدارات الالكترونات، فالله اضحى المهندس والمصمم الذي وضع قوانين عمل الاشياء بدقة وتركها تسير وفق لقوانينها مذذ الانفجار العظيم حتى ظهور الانسان على سطح الارض. اي ان ظواهر الوجود تحدث طبيعيا ولكن وفق قانونية وضعها الخالق ، فهل حقيقة تحتاج قوانين الطبيعة إلى واضع ومارأي العلم في منشأ قوانين الطبيعة؟. وإذا لم يكن الله هو الذي وضع قوانين الطبيعة فمن وضع قوانين الطبيعة ؟ سنحاول أن نرى لاحقا أن القوانين الكونية مثل قانون حفظ الطاقة والعزم هي تعابير رياضية عن التناظرات الطبيعية في الزمان والمكان أما القوانين الأخرى فهي تنبع أساسا من الإنكسار التلقائي لهذه التناظرات ، والحقيقة إن قوانين الفيزياء تدل على أن كوننا يبدو على ماهو عليه لأنه يمتلك نفس السمات الأساسية للخواء الفارغ ، تماما كما سيبدو لو نشأ تلقائيا من الخواء ، بدون سبب أو خالق.تشكل مبادىء التناظر Symmetry principles موضوعا أساسيا في مفاهيم الفيزياء الحديثة وعلى الذي يريد فهم الفيزياء بشكل متعمق أن يدرس هذه المبادىء ، من أشهر قوانين الفيزياء التي يتعلمها الطلاب هي قانون حفظ الطاقة و قانون حفظ العزم الخطي والعزم الزاوي ، هذه القوانين هي قوانين كونية عالمية تنطبق على كل مظاهر الطبيعة من الالات الى التفاعلات الكيميائية الى العمليات البيولوجية الى النجوم والمجرات . وهذه القوانين هي: قانون حفظ الطاقة : حيث الطاقة الكلية لنظام مغلق ثابتة. قانون حفظ العزم الخطي: العزم الخطي الكلي لنظام مغلق ثابت قانون حفظ العزم الزاوي: العزم الزاوي الكلي لنظام مغلق ثابت وجد العلماء أن قانون حفظ الطاقة ينبع اساسا من تناظر التحويل الزمني وهذا التناظر يعني أنه لا يوجد في الفيزياء لحظة زمنية مميزة نبدأ منها العد والقياس فيمكن اعتبار أي لحظة t=0 منطلقا للقياس أي اننا يمكن اختيار أي نقطة في الزمن لا على التحديد مرجع قياس. قانون حفظ العزم الخطي ينبع من تناظر التحويل المكاني أي عدم وجود موقع متميز في الفضاء يمكن اعتباره مرجع اسناد فكل النقاط المكانية يمكن اعتبارها مراجع اسناد ولافرق. قانون حفظ العزم الزاوي ينبع من تناظر التدوير في الفضاء أي عدم وجود اتجاه متميز في الفضاء وكل الاتجاهات متماثلة ولافرق. أي أن كل نظام فيزيائي يتمتع بتناظر التحويل الزمني وتناظر التحويل المكاني وتناظر التدوير في الفضاء (لاوجود للحظة متميزة ، ولموقع متميز ، ولإتجاه متميز ) تتحقق فيه قوانين الحفظ المذكورة أعلاها والعكس بالعكس أي وجود قوانين الحفظ دلالة على وجود هذه التناظرات. ولذلك اذا سأل احدهم من أين اتت قوانين حفظ الطاقة والعزم الخطي والعزم الزاوي الجواب سيكون أنها أتت من لاشيء فهي تنبع تلقائيا من تناظرات التحويل الزمني والمكاني ، فلا حاجة لأي فعل خلق لإنتاج هذه القوانين و لو كانت قوانين الحفظ هذه لاتنطبق على كوننا لكان هذا دليلا جيدا على وجود خالق لأن الحالة انذاك ستكون غير طبيعية تماما. أي لو أن قوانين كوننا كانت على غير الحالة التي هي عليه لكان كوننا فعلا يحتاج لخالق. والمدهش أن التناظرات التي ذكرناها سابقا هي تناظرات طبيعية تتحق في الخواء الخالي من أي مادة، وهذا ماسنراه فيما يلي. سنحاول اجراء تجربة فكرية Thought experiment تقيس خصائص الخواء، طبعا الخواء ليس مكاقئا للعدم وإلا لما أمكننا وصفه ، ولكننا نفترض أن الخواء هو أقل مجال متاح لإجراء تجربة. لنفترض حيزا من الفضاء أزلنا منه كل أشكال المادة والطاقة ، سنحاول استخدام أداة قياس ولتكن مسطرة طولها مترا نستخدمها لقياس المسافات وساعة لقياس الزمن ، طبعا يمكننا استخدام توصيفات اخرى لاتعتمد على الزمان والمكان كقياس الطاقة اوغيرها ولكن الزمان والمكان اشياء مألوفة لنا. طبعا لايوجد في الخواء شيئا لنقيسه ولكن جرت العادة في الفيزياء عند الرغبة في معرفة خصائص شيء ما ادخال جزيئات فحص ومراقبة كيفية تصرفها. "ولمن يحتج على هذه الفرضية، هذا التعلي:في حديثي عن دراسة صفات الخواء ذكر أنها تجربة فكرية نسعى فيها لمعرفة ماهي التناظرات الممكنة في الخواء الخالي من أشكال المادة والطاقة ، طبعا حتى لو كانت هذه التجربة الفكرية ساقطة وغير منطقية إن احببت لما أثر هذا على سير الموضوع وتظل قوانين الطبيعة لاتحتاج لواضع فقوانين الفيزياء والكيمياء التي حفظناها وصممناها عن ظهر قلب أيام الثانوية ، بيَن العلم مغزاها ووحدتها واشتقاقها من مبادىء بسيطة هي مبادىء التناظر ، أي أن قوانين الطبيعة ليست قوانين مفروضة من الخارج على الكون ، بل هي تنبع من الكون نفسه أي تعبر عن خصائصه التناظرية. وأضفنا لاحقا وبينا أن هذه الخصائص التناظرية هي نفسها الخصائص التناظرية التي يتصف فيها الخلاء ولتبيان ذلك أجرينا تجربة فكرية حاولنا فيها تبيان هذه التناظرات فوجدنا أنه لاوجود للحظة زمنية متميزة نبدأ منها القياس كما وجدنا أنه لاوجود لنقطة مكانية متميزة نعتبرها مرجع لقياس المسافات كذلك الإتجاه ، ولم اتطرق ابدا هنا إلى موضوع تشكل العناصر أو ظهور الكون من العدم أو ظهور الكون من الخواء نفسه ويمكننا ان احببت اعتبار هذا الخواء أي منطقة من كوننا الحالي كافية لاعتبارها تمثل هذا الخلاء ونحن لم نعني أن هذا الخواء هو العدم نفسه لأنه في هذا لايمكننا دراسته ، والتجربة الفكرية هي لإيضاح الصورة ودراسة التناظرات الممكنة في مكان شبه خالي وهو يشبه كثيرا الأمثلة التي نستعملها في حل المسائل فمثلا نبدأ بدراسة المجال الكهربائي لكرة مشحونة ثم نعقد الموضوع وندخل كرة ثانية وندرس تأثير ذلك على المجال الكهربائي وهكذا. ومن الجائز تماما بناء هكذا تجارب فكرية في الفيزياء للإستدلال ويمكن الرجوع لتجارب انيشتاين الفكرية في ذلك. ونحن أردنا أن ننطلق من حالة بسيطة لنفهم لاحقا كيف يظهر الكون المعقد من انكسار التناظرات وهو حقيقة موضوع ليس بالهين ويحتاج إلى وقت فانتظر ياسيدي ريثما انهي بقية الطرح حتى تكتمل الصورة. وإن شعرت بأن الصورة غريبة ، لابأس يمكنك تخيل كونا بذرة واحدة (جزيء اختبار واحد) فهذا يكفي لإيضاح الفكرة وتقريب الموضوع. دراسة الخلاء الكمي quantum vacuum هو موضوع علمي عميق بداءه العالم البريطاني بول ديراك أحد الرواد المؤسسين لميكانيك الكم. طبعا أنا أفهم أنك تريد في النهاية أن تقول أن الانتقال من الخواء الفارغ إلى الكون الغير فارغ يحتاج تدخل الهي ولكن سنبين لاحقا أن الخواء البسيط والمتناظر والفارغ من المادة يتحول إلى الكون المعقد الغير متناظر المليء بالمادة وذلك لأن هذا التحول هو الحالة الأكثر استقرارا وطبيعية من الحالة الفارغة. ووجود كون بدلا من فراغ هو الحالة الأكثر طبيعية. ولوكان هناك فراغا وحسب فسنسأل لماذا هناك فراغ بدلا من الامتلاء ولكن عندها لن نكون موجودين لنسأل هذا السؤال. والإثنان الفراغ والإمتلاء متكافئان." لنحاول الأن قياس موقع جزيئاتنا في أوقات متعددة ،على أية حال نحن لانملك نقطة مرجعية نقيس مواقع جزيئاتنا نسبة لها ويمكن اختيار أي نقطة وجعلها مرجعا لنا ، وبكلمة اخرى كل الاماكن اختيارية وهذا يقودنا للخاصية الأولى لهذا الخواء أنه لايحتوي على موقع متميز وسنطلق على هذه الخاصية تناظر التحويل المكاني (هذا يعود إلى امكانية التحويل من أي محور احداثي لأخر). تناظر التحويل المكاني : لايوجد موقع متميز. الشيء الأخر الذي نلاحظه أننا يمكن أن نتجول حول جزيئنا التجريبي هذا وأن ننظر له من أي زاوية دون أن نلاحظ فرق. بكلام اخر كل الاتجاهات اختيارية وهذا يقودنا للخاصية الثانية للخواء أنه لايحتوي اي اتجاه متميز ونطلق على هذه الخاصية تناظر التدوير في الفضاء (تدوير محاور الاحداثيات في أي اتجاه) تناظر التدوير في الفضاء: لايوجد اتجاه متميز. ماذا عن الزمن لدينا ساعة لقياس الزمن ، ولايوجد شيء ليحدد متى نشغل الساعة ، أي لحظة زمنية اختيارية يمكن ان تكون مرجعا لنا وكل الأوقات اختيارية ونطلق على هذه الخاصية تناظر التحويل الزمني تناظر التحويل الزمني: لايوجد لحظة متميزة في الزمن المفاهيم التي ذكرناها سابقا هي مفاهيم بسيطة ولكنها في نفس الوقت عميقة ومايجعل هذه المفاهيم عميقة هو أنها تنطبق على كوننا الغير خالي أيضا. بعض الأمثلة التوضيحية عن أفكار التناظر لتقريب الصورة. تتصف الكرة بأنها تمتلك تناظر تدوير في الفضاء ويعني هذا أنها تبدو نفسها من أي زاوية نظرت لها ، وهذا التناظر هو تناظر بالنسبة لأي محور تختاره ، بالمقابل فإن الإسطوانة لها تناظر تدوير بالنسبة لمحور واحد فقط هو محور الأسطوانة ، وللمخروط تناظر مماثل ، ولندفة الثلج كذلك تناظر على محور واحد فقط ولكن هذا التناظر مقيد أكثر. فبينما يمكن تدوير الأسطوانة والمخروط نسبة لمحورها بأي زاوية وتظل تبدو نفسها فإن ندفة الثلج يجب تدويرها بقفزات من ستين درجة ، أي أنها تمتلك تناظرا متقطعا Discrete symmetry بينما تمتلك الكرة والأسطوانة والمخروط تناظرا مستمرا Continues symmetry ونلاحظ أنه عند انتقالنا من الكرة إلى الأسطوانة إلى ندفة الثلج فإننا ننتقل من جسم بسيط إلى أخر أكثر تعقيدا ، من بنية بسيطة إلى بنية معقدة. وبذلك فإن التعقيد Complexity مرتبط بمستويات أقل من التناظر أو مانطلق عليه كسر التناظر Symmetry Breaking . من الملحوظ عامة أن الفكر الديني عدو لمبادىء التناظر فهناك دوما لحظة متميزة في الزمن ، كبداية الخلق ، الأخرة ومكان متميز ، الكعبة ، كنيسة القيامة ، كوكب الأرض واتجاه متميز القبلة ، الأعلى ، الأسفل. والفيزياء منذ نشأتها على أيدي غاليلو وتأكيده نسبية الحركة حتى انيشتاين الذي أكد على نسبية مراجع الاسناد في الكون وعدم تمايزها عمقت مفاهيم التناظر، كما أن الفيزياء كانت تتجه دائما نحو سيرورة توحيد عميقة، توحدت فيها المادة والطاقة والمكان والزمان ، كما توحدت فيها قوى الطبيعة الأربعة فأصبحنا نعلم أن الكهرطيسية و القوى النووية القوية مثلا هما قوة واحدة عند درجات الحرارة العالية. لايمكن للفكر الديني أبدا قبول مبادىء التناظر الزماني والمكاني لأنه يتعارض مع صميم اعتقاده ، فمركزية الأرض هي في صلب هذا الفكر. وكنت دائما أستغرب تأكيد داعية الإعجاز العلمي زغلول النجار مرارا على مركزية الأرض رغم كل مايعرفه عن نظريات الكون (الانفجار العظيم) التي تؤكد على عدم وجود مركز للكون غناك عن مايعني هذا من الرجوع إلى كون ماقبل كوبرنيكوس. هذا يؤكد تناقض هذا الفكر مع مبادى التناظر التي تقوم عليها الفيزياء الحديثة والتي تشتق منها قوانين الطبيعة. في الطبيعة أربع قوى تختلف في مداها وقوتها وهي: القوة الجاذبية المسؤولة عن الجذب الثقالي بين الكتل المادية مثل، سقوط التفاحة ، دوران القمر حول الأرض، الأرض حول الشمس ، المجموعة الشمسية ، المجرات ، عناقيد المجرات وهي ذات مدى غير محدود وتعد قوى ضعيفة اذا ماقورنت بالقوة الكهرطيسية وهي قوى جذبية دائما. القوة الكهرطيسية المسؤولة عن انجذاب الجسيمات المشحونة كهربائيا والحقيقة في الماضي كنا نعتبر القوى الكهربائية والقوى المغناطيسية قوتين مختلفتين إلا أنه في نهاية القرن التاسع عشر تم توحيد القوتان فيما عرف بنظرية المجال الكهرطيسي على أيدي العالم مكسويل ، وتم تعزيز هذا التوحيد لاحقا على أيدي انيشتاين حيث بين أن مجالا يبدو مغناطيسيا لشخص ما سيبدو كهربائيا لشخص اخر متحرك في اطار عدم التمييز (النسبية) بين مراجع الإسناد المتحركة، مدى القوة الكهرطيسية غير محدود. القوى النووية القوية المسؤولة عن رص البروتونات والنترونات في نواة الذرة وهي أقوى من الكهرطيسية وذات مجال قصير لايتجاوز نواة الذرة. وطاقة الشمس والمفاعلات النووية الأرضية تعتمد عليها. القوى النووية الضعيفة المسؤولة عن النشاط الإشعاعي للعناصر وتفككها وتحولها إلى عناصر غير مشعة ومداها محدود أيضا تفكك العناصر المشعة هو المسؤول عن سخونة باطن الأرض. في الستينات أثبتت أعمال العالم الباكستاني محمد عبد السلام بالتعاون مع العالمين واينبرغ وغلاشو أنه لايمكننا التمييز بين القوى الكهرطيسية والنووية الضعيفة عند درجات الحرارة العالية أي ان هاتين القوتين هما قوة واحد تظهر على انها قوتان في درجات الحرارة المنخفضة وأصبحت تعرف هذه بالقوة بالكهرضعيفة electro weak. أعمال لاحقة أستطاعت توحيد القوى النووية القوية مع القوتين المذكورتين سابقا في مايعرف بنظريات التوحيد الكبرى Grand Unifying Theories والحقيقة أن أحد المهام الملقاة على عاتق فيزيائي القرن الواحد والعشرين هي توحيد الجاذبية مع بقية القوى في نظرية واحدة تعرف بالجاذبية الكمومية |