حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
مآذن خرساء الفصل 25 ــ 32/48 رواية مسلسلة حمادي بلخشين - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: لغـــــــة وأدب (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=78)
+--- الموضوع: مآذن خرساء الفصل 25 ــ 32/48 رواية مسلسلة حمادي بلخشين (/showthread.php?tid=44565)



مآذن خرساء الفصل 25 ــ 32/48 رواية مسلسلة حمادي بلخشين - حمادي بلخشين - 08-04-2011

الفصل الخامس و العشرون
مع جواد، جاري الشيعيّ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


حين اقتربت من عمارتي الرهيبة، طالعني جواد، جاري الشيعيّ، وهو يلاعب ابنه حسين و ابنته غدير.. كان جواد يولّيني ظهره.. وددت لو ثبت على ذلك الوضع حتى أمرّ دون أن يشعر بي .

وقوف انسان ما الى جانب أهل الشرّ، سبب رئيسيّ لتأججّ شعور الكراهيّة ضدّه. نحن لا نكره المسيحيّ لمجرّد مسيحيّته، ولا اليهوديّ لمجرّد يهوديّته. الدليل على ذلك.. ان محمدا كان يعامل جيرانه اليهود بكل لطف لأنهم كانوا يعيشون معه بسلام في مجتمع المدينة المتعدّد الدّيانات.. نحن نكره من يشنّ علينا الحرب، كما نعادي أيضا من يرضى بفعله.

جاري الشيعيّ جواد عبّر أمامي مع مجموعة من أبناء طائفته، عن فرحه الكبير حين اجتيحت مدينة الفلّوجة من قبل قوات الإحتلال الأمريكي واستعملت ضدّ أهلها كلّ الأسلحة المحظورة.. سمعته أيضا ينعت مقاوميّ العراق الشرفاء بالإرهابيين، لأجل ذلك كنت أكرهه، ولا أطيق مجرّد رؤيته أوحتّى سماع صوته.

لما كانت شقة جواد تقع مباشرة تحت شقتي اللعينة، فقد كان صوته يصلني من العاشرة صباحا الى الخامسة فجرا، و كان ذلك يذبحني .

كان جواد منهمكا بدفع الأرجوحة التي يركبها ولده حسين، ثم استقبالها كلما دنت منه لدفعها ثانية، فيزداد الصبي بهجة و يعلو صوته طلبا للمزيد، كما تزداد ابنته غدير جذبا له من سترته و ضربا للأرض برجليها الصغيرتين مطالبة بنوبتها في الركوب.. حين اقتربت منه، أسرعت الخطى طمعت في أن أتجاوزه دون أن يلمحني، بقيت خطوتان فقط قبل أن أجعله على يمني متــجاوزا إياه،

ـــــ 142 ـــ
حين نادته زوجته أم حسين.. ألهتني مراقبة جواد عن التفطّن لوجود زوجته على يساري.. حين التفت جواد كنت في مجال رؤيته، نظر اليّ، تجاوزته متقدما نحو العمارة سمعته يقول:
ــ ما فيش سلام؟ إيه العالم دول؟
كان لابدّ من الحسم، قرّر ت مواجهته.. توقفت .استدرت.. ثم تقدّمت نحوه .
ــ السلام عليكم.
اكتفيت ب "أهلا " باردة .
ــ لماذا هذا الجفاء؟ نحن جيران، المفروض أنّ الحبّ و ليست الكراهية هي التي تجمعنا.
ــ أعترف أنني اتجنبك، و لكن الإسلام الذي يحكمني، هوالذي يأمرني بمراعاة حقوقك.
ـــ هل من مراعاة حقوقي أن لا تسلـّم عليّ؟ .
ـــ اليس من مراعاتي حقوقك تضحيتي بسلامتي لإنقاذك من لكمات صهرك، الست انا من خلّصك من قبضته؟ من الذي فرض عليّ نجدتك؟ أليس مراعاة حقّ الجوار هو الذي فرض عليّ ذلك؟
ـــ ...
بعد تفرّغ جواد لمحاورتي، و حين تعالى ضجيج الطفلين نادى زوجته. قامت من مكانها وتولت رعاية الطفلين، توجهنا الى حيث كانت تجلس. لكننا ظللنا واقفين.

قبل شهر، و بالتحديد في بداية رمضان، قبيل لحظات من صلاة المغرب، و فيما كنا نستعدّ للإفطار، سمعنا تبادل شتائم باللهجة العراقيّة، قبل أن أنهض لأستطلع الخبر، دخل عليّ ياسين وهو يلهث. أعلمني أن جارنا الشيعي جواد قد دخل في اشتباك مع صهره.. حين نظرت من النافذة رأيت جوادا يسقط أرضا فور تلقّيه لكمة مباشرة على وجهه، لم أفكر وقتها في شيعيّة جواد، تذكرت انه جاري فقط،لأجل ذلك يجبّ أن يساعد حتى لو كان خصمه مسلّحا بسكّين أو حتى بمدفع رشاش، كنت سأنزل حتما و أنهي الصراع بكل طريقة ممكنة، و لو أكملت ليلتي في ثلاجة الموتي برأس مهشّم و صدر مثقوب. كان ذلك المصير أفضل لي من سلامة جسدية و ضمير معذّب، لأجل ذلك نزلت حافيا واستطعت فك الإشتباك.. حين وصلت حيث يستلقي جواد على ظهره، كان صهره الأصلع يستعدّ لتوجيه لكمة على وجهه المكشوف، بعد ذلك لحقني ياسين فتولى إبعاد صهره في حين جررت جواد الى شقته: كان في إمكاني الاستمتاع برؤية الرجلين و هما يتلاكمان، خصوصا وان صهره الرهيب قد أمعن في تعذيبنا خلال صيفين متوالين.. فقد كان يحلو له الجلوس في الشرفة بعد منتصف الليل، والحديث بصوت مرتفع يمنعنا من النوم.. كان يجلس على بعد ثلاثة أمتار من غرفتنا، و كانت الحرارة شديدة . كنا بين خيارين، اما إغلاق النافذة ومعاناة جوّ الغرفة الخانق، و اما فتح النافذة و الحرمان من النوم بسبب الصوت الغليظ الذي يطلقه الصهر الأصلع.

ـــ حتى لو كرهتك كما تقول، فهذا طبيعيّ، فلن يلومك أحد لو كرهت عدوك.
ـــ و لكنني لست عدوك.
لم اشأ تذكير جواد بموقفه من الإحتلال العراقي و فرحه بما حلّ بالمقاومين في مدينة الفلّوجة، خشيت أن يتهمني بالتجسّس عليه.
ـــ ألست شيعيا؟ ماذا فعلت شيعة لبنان في صبرا و شاتيلا بالمدنيين الفلسطينيين؟ الم تذبح أطفالهم و تبقر بطون نسائهم تماما كما فعل الصرب بأهل البوسنة؟ .
ـــ يبدوانك تعاني خلطا رهيبا في معلوماتك، اليهود هم من نفذ تلك المجزرة.
ـــ هكذا شاع في البداية قبل ان تظهر حقيقة ان حركة أمل و شيعة الجيش السوري و اللبناني من

ــ 143ــــ

قام بتلك المجازر.
ـــ هل يعقل قيام شيعة لبنان بما تصف، و هم من طرد اليهود من جنوب لبنان؟
ــ بل طردوا منظمة التحرير الفلسطينية بأمر و رعاية يهودية.
ـــ ما تقوله مضحكا، و كأنك لا تعلم ان الشيعة هم ألدّ أعداء اليهود!
ــ عدوّك لا يسمح لك بامتلاكك بندقية واحدة، بينما اسرائيل سمحت من خلال سكوتها عن الحكومات البنانية المتعاقبة بوجود حزب الله و تنظيمه المسلّح، ولم تعارض وجوده و لو عارضت لجرّد من سلاحه الإيراني كل ذلك لكي يؤدّي دور الحارس لحدودها بعد طرد المقاتلين الفلسطينيين لحسابها.
ــ مجنون من قال هذا فنحن أعداء اسرائيل .
ــ عداوة الشيعة لليهود مجرّد مسرحية خالية من الحبكة، و الدليل على ذلك ان إسرائيل قد سلّحت الخمينيّ في حربه ضد صدّام بعد أن حطمت مفاعله النووي كي لا يستعمل ضد ايران، ثم الم تسمع بفضيحة ايران غيت ثم ايران كونترا التي كشفت تسليح اسرائيل و امريكا لإيران في حربها ضدّ صدّام و أخيرا قيام امريكا الآن بمنح ايران سلاحا نوويا؟
ـــ روسيا هي التي ساعدت ايران في المجال النووي.
ـــ هل في امكان روسيا التي اصبحت تعيش على صدقات أمريكا مخالفة ادارة بوش و مساعدة ايران لولا تلقيها الضوء الأخضر من أمريكا؟
ـــ ...
ـــ اما حراسة حزب الله حدود إسرائيل فستجد هذا المساء في صندوق بريدك مقالا لصبحي الطفيل يعلمك بحقيقة ان حزب الله كان يعتقل كل من اقترب من حدود اسرائيل ليتمّ سجنه.
ـــ هذا هراء لا يصدقه أحد، كل العالم يسمع بهجمات الحزب على الحدود الإسرائيلية.
ـــ مجرّد هجمات صوريّة كما سماها صبحي الطفيل الأمين العام السابق لحزب الله.
ــــ ...
ــ دعنا من شيعة لبنان و أجبني من فضلك.. من يساعد أمريكا الآن في العراق أليسوا شيعة إيران و العراق و لبنان؟
ــ نحن قاتـلناهم أيضا.
ــ لبضعة أيام فقط قبل أن تبيعوهم أسلحتكم و تشاركوا في حكومة إحتلال تقوم بذبح المسلمين على الهوية! ثم ان قتالكم كان دفاعا عن زعيمكم مقتدى الصدر الذي ارادت امريكا القبض عليه لتورّطه في قتل زعيم شيعي موال لإيران .
ـــ من أين أتيت بهذه الأخبار الزائفة؟
ــ الم تسمع بالصراع بين زعماء الشيعة في العراق، فالبعض منهم يتبع لإيران التي تريد ان تكون الناطق الرسمي لشيعة العالم. و البعض يريد ان يستقل عن ايران و يتكلم فقط باسم شيعة العراق .لأجل ذلك نشبت معركة بين الفريقين انتهت بمقتل عبد المجيد الخوئي من طرف ميليشيا مقتدى الصدر؟ و كذلك الشأن بالنسبة لزعماء شيعة لبنان الرافضين للهيمنة الإيرانية فقد عزل الأمين العام السابق لحزب الله الطفيل لأنه أبى ان يكون بوقا لإيران فعوضوه بحسن نصر الله الذي قبل بهذا الدور و رضي بخدمة مصالح ايران في لبنان .

حزب الله دفع دماء المدنيين اللبنانيين ثمنا في سبيل تنفيذ رغبة ايرانية في استعراض عضلات الشيعة ضدّ اسرائيل عن طريق حزب الله لصنع نصر موهوم على اليهود للتغطية على موقف ايران المشين في افغانستان و العراق و تخلّيها عن الدفاع عن فلسطين و حتى عن قبور أئمة الشيعة التي تفجّر من قبل الجيش الأمريكي بغرض اتهام المقاومة السنية بذلك الجرم حتى تزيد من سعار أبناء الطائفةالشيعية لمزيد تجنيدهم للتصدي للمقاومة العراقية الباسلة.

ـــ لا اعتقد انه لم يبلغك اقتراح مسؤول امريكي كبير بوجوب منح آية الله السيستاني جائزة نوبل للسلام لوقوفه بجانبها في العراق بفتواه التي حرّم فيها قتال المحتلين؟ ثم الا تعلم ان السيستاني يتنقل في العراق

ـــــ ص 144 ــــــــ

تحت حراسة امريكية؟ ثم متى كان عدوك يحرسك و يمدح دعوتك مسالمته وهو يقوم بذبح أبناء شعبك.
ـــ ...
ــــ ثم اين عداوة "الشيطان الأكبر" التي تنادون بها.. ألم تصبح أمريكا حبيبكم الأكبر .الم يصرح رافسنجاني رئيس ايران السابق بانه لولا تعاون ايران العسكري مع امريكا لما استطاعت الأخيرة القضاء على طالبان. لماذا تحارب طالبان الفقيرة و تترك ايران دون مؤاخذة ؟
ـــ نحن نسعى لأخذ حقنا في حكم العراق.. نحن الأغلبية هناك.
ـــ هل تاخذ حقك بفرق الموت التي تقتل كل من اسمه ابا بكر و عمر و عثمان؟ ماذا فعل هؤلاء المدنيون حتى يقتلون بلا سبب غير رفضهم تكفير الصحابة و لعنهم و الاعتقاد بتحريف القرآن . كما تفعلون انتم ؟!.
ـــ هذا غير صحيح فقرآننا هو قرآنكم.
ـــ هذا مذكور في أشهر كتبكم .
ـــ هذه كلها أكاذيب عارية من الصحة
ـــ انا اكلمك كدارس للتاريخ الشيعي.. هل تستطيع أن تذكر لي أهم كتبكم؟
ـــ ... أعتقد ....
ـــ أهم كتبكم هو الكافي للكليني و فيه كل ما ذكرت لك و أفظع من ذلك بكثير
ـــ انتم قتلتم الآلاف منا و نحن نقوم بأداء شعائرنا في عاشوراء.
ـــ أمريكا من تفعل ذلك، و قد وقع كشفها. و يجب على كل مسلم حقيقي استنكار ذلك العمل .ان كان فعلا قد قام به مسلمون جاهلون .
ـــ و لماذا لا تقول ان امريكا هي التي تقتل اهل السنة ايضا .
ـــ الذي يقتل أهل السنة هي فرق الموت و جيش المهدي و جيش بدر أي المليشيات التابعة للصدر و الحكيم و من يقوم حسن نصر الله بتدريبهم في لبنان . ثم اسمح لي ان اسألك، هل انت عربي أو فارسي ؟
ــ نعم انا عربي من العائلة النبوية.
ــ حسنا، لماذا تقف في صفوف الفرس؟ الا تعلم ان ايران تريد الثأر من المسلمين الذين حطموا امبراطوريتها الفارسية؟
ـــ ايران تعمل في سبيل الإسلام.
ـــ اذا كانت تعمل لمصلحة الإسلام فلماذا تخدم المصالح الأمريكية؟
ـــ هذه كلها مجرد ادعاءات مغرضة يروجها أعداء الإسلام.
ـــ سيد جواد يبدو انك قليل الإطلاع عما يدور في العالم الشيعي. نصيحتي لك ان كنت تصرّ على صحة اسلامك ان تراجع عقائدك في الإعتقاد بتحريف القرآن و كفر الصحابة
ــ الصحابة هم الذين قاتلوا الإمام علي .
ــ الصحابة هم من سماهم الله "خير امة اخرجت للناس" وقد جاء في القرآن ان بعضهم كان يبكي حين يخبره النبي انه لا يملك ثمن دابّة تحمله الى ارض المعركة ليشارك في القتال..
اراد مقاطعتي ..
ـــ الذي قاتل الإمام علي هو معاوية. و معاوية ليس صحابيا كما يدّعي السلفيون الأغبياء. فقد اسلم عند فتح مكة.. حتى عمرو بن العاص ساعده الأيمن اسلم هو ايضا قبل الفتح بقليل، و لا يعتبر صحابيا ايضا.
ــ و عائشة اليست صحابية؟ ألم تقاتل عليّا عليه السلام؟.
ــــ 145 ــــــ

ــ عائشة خرجت بصفتها امّا للمؤمنين للإصلاح بين علىّ و معاوية، ولو كانت هناك تليفون زمن عائشة لأتصل بها عليّ و لكان قال لها: وفّري على نفسك الخروج لإقناع معاوية، فمعاوية مصرّ على القتال و بلوغ هدفه في تولّى الحكم.
بدت علامات الدهشة واضحة على محيا جواد، لم يكن يتوقع ان يصدر عن سني كلام لا يمجّد معاوية فقط ، بل يدينه، لم يكن يعلم انني لست سنيا، بل مسلما فحسب.
ــــ ثم اخبرني يا جواد ماذا كانت مطالب معاوية حين قاتل عليا؟
ــ كانت مطالبه تسليم قتلة عثمان من قبل علي حتى يقتلهم.
ــ طيب ، و هل أعدم معاوية قتلة علي حين تولّى الحكم؟
ـــ ....
ــــ لم يقتلهم لأنه خشي كما خشي الإمام علي من قبله من اندلاع حرب اهلية بسبب إعدامهم، لأن هؤلاء القتلة كان يقف وراءهم انصار مندسون في جيش علي كانوا سيثيرون حربا اهلية في صورة إعدام قتلة عثمان.. لو كانت لعائشة تليفون لقالت لعلي: " سلم قتلة عثمان لمعاوية لفضّ النزاع و كان عليّ سيجيبها: أخاف ان سلمتهم اليه قيام حرب أهليّة لأن لهؤلاء القتلة انصارا، و معاوية الداهية يعرف هذا. فلو كان مكاني لتصرّف كما أتصرّف الآن" ...وذلك ما حدث بالضبط , فحين تولّى معاوية السلطة لم يقتل قتلة عثمان لنفس السبب! ثم إن حياة قتلة عثمان أو موتهم لا تهمّ معاوية أصلا،لأنه اتخذ دم عثمان حجّة لتحقيق أطماعه في الملك لا أكثر و لا أقلّ.

حين لاحظت من جديد دهشة جواد من عدم اعتراف " سني " مثلي بمعاوية أضفت:
ـــ سيد جواد، ادع الله باخلاص كي يعينك على التخلص من موروثك الشيعي، كما تخلصت انا من موروثي السنيّ.. أنا أدرك جيدا ان الأمر صعب, ولكنه قدرنا.. فالشيعة و السنة فرقتان ظهرتا بعد الرسول.. فعليّ لم يكن يدعو للتشيع، وقد قاتل معاوية لأن الأخير كان يريد شقّ صفوف المسلمين و اغتصاب السلطة من خليفة منتخب من قبل الناس، و لم يقاتله لأنه كان يدافع عن سلطة عيّنه الله لتوليها ثم توريثها ابناءه من بعده، فعليّ لم يعيّن من قبل الله كما يقول الشيعة ..فالتشيع طائفيّة لا يحبها الإسلام الذي جاء ليحارب العنصريّة. فالرجل التقي و الكفء هو الذي يجب ان يحكم المسلمين ولو كان عبدا حبشيا كما اخبر الرسول بذلك، و لا خير في النظام الوراثي، وعندما حكم الشيعة و السنة بالطريقة الوراثية افسدوا في الأرض و ظلموا الناس. بل وصل الأمر بالخليفة الفاطمي أن أمر أهل مصر بالشغل ليلا و النوم نهارا و لباس ثياب الشتاء في الصيف، و ثياب الصيف في الشتاء ! كما منعهم من طبخ الملوخية !

كان جواد متأدّبا فلم يلجأ الى الشتائم حين اعوزه الدليل.. بل سكت مطرقا :
ـــ سيد جواد ليكن في علمك انه لا شيعة و لا سنة في الإسلام.. فالشيعة فكرة فارسية لهدم الإسلام، و السنة مؤامرة ملكية غطت مطامعها باحاديث مزورة سمّت نفسها سنة نبوية حتى لا يستطيع المرء مخالفتها كي لا يتهم بكراهية الرسول.. لأجل ذلك انا مكروه من قبل أهل السنة و يعتبرونني في ضلال مبين، و الخير كل الخير يا جواد في اسلام لا شيعة فيه و لا سنة .
ـــ ...
ـــ ها أنا تقدمت منك خطوة حين نبذت السنة، فانبذ التشيع تجدني معك في نفس المربّع، مربع الإسلام المستنير و الخالي من خرافات السنة واساطير الشيعة، فلا السنة التابعة للملوك الظلمة و لا الشيعة الواقعة تحت سيطرة الكهان الذين يستغلون الفقراء و ياخذون منهم خمس اموالهم قادران على نصرة الإسلام بل هما عقبة في طريق الإسلام. فالسنة ممثلة بجميع الدول الإسلامية
ـــــــــ ص 146 ـــــــ

و الشيعة ممثلة بايران و العراق قد سخّروا أنفسهم جميعا لخدمة مصالح الغرب واعداء الإنسانية عموما... جواد كن شجاعا و اترك شيعيتك كما تركت انا سنيّتي و لنقف في صف واحد لخدمة الإنسانية و انقاذها من جنون جورج بوش و ارهاب حكامنا، و لنساهم معا في بناء مجتمع ليس فيه كهنة سنة و لا شيعة، مجتمع لا يقتل فيه الإنسان لمجرد كونه يخالف انسانا آخر في دينه.

حين انصرفت عن جواد ، كدت اصطدم بنونجة، كانت تغادر البيت.. في الحقيقة تعمّدت الوصول متأخرا حتى لا تعذّبني رؤيتها، شكرتني على اللعبة التي كلفت زوجتي باعطائها الى زينب . امرت زينب بتقبلي، تعلقت الطفلة بي ثم قبلتني.
ـــ ماذا فعلوا في مسألة سجن عماد؟
ـــ اعتذروا عن سجنه، عليه ان ينتظر.

منذ سنتين، و نتيجة لسرقاته المتكررة، حكم على عماد بستة أشهر سجنا.. حتى الآن لم تجد له السلطات النرويجية مكانا شاغرا في السجن، كنت اود لو يسجن قريبا ، لعله يتخلص من المخدرات فترة ايقافه .
ودّعت نونجة و أنا احدث نفسي" لكن في سجون بلادي، هناك دائما اماكن كثيرة شاغرة!"





الفصل السادس و العشرون
حديث عن السنة و الشيعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

زميلي النرويجي داق DAG الذي يدرس بجامعة أوسلو، قسم ديانات الشرق، فرح كثيرا حين وجدني أرشده الى مصادر بحث متـنوّعة لم يسمع بها من قبل:
داق يشتغل معي في ورشة النّجارة مرّتين في الأسبوع لتغطية نفقاته الدّراسيّة.
حين طلب مني ذات يوم أن اشرح له الفرق بين مسلم سني و مسلم شيعي أجبته.
ـــ في الواقع المسلم الحقيقي لا يكون سنيّا و لا شيعيا، بل يكون مسلما فقط، هكذا دون إضافة شيء.
وهو يتحسّس جيبه للبحث عن علبة سجائره سألني:
ـــ ايهما كان اسبق ظهورا السنة أو الشيعة ؟
ـــ الشيعة كانت الأسبق.
ـــ متى تأسست الشيعة تحديدا؟
ــ الفكر الشيعي ما زال الى الآن في طور التأسيس!!
ــــ ...!؟
ـــ ففي كل عصر يضاف الى الشيعة ما هو جديد . لكن الشرارة الأولى انطلقت بعد عشرين سنة من وفاة الرسول و بذلك تكون الشيعة أقدم فرقة منحرفة في تاريخ الإسلام.
اشتعل داق سيجارة برنس، بعد اخذه نفسا عميقا، ترك الدخان يتسرّب من منخريه :
ــ هل صحيح ان علي بن ابي طالب ابن عم النبي و زوج ابنته هو من أسّس هذه الفرقة؟


ـــــــــ 147 ـــــــــ

ــ ليس لهذا الإدعاء أيّ نصيب من الصحة رغم ان الشيعة يروّجون له.
ــ ..يعني؟
ــ المسألة ببساطة شديدة أن عبد الله بن سبأ هو المؤسّس الحقيقي للشيعة... كان رجلا يمنيا على اطلاع جيّد بالثقافة الفارسيّة التي كانت تقدّس افراد الأسرة المالكة و ترفعهم الى مرتبة الألوهية و تجعلهم من فصيلة السوبرمان، كما كان اصحاب تلك الثقافة ذات الخلفية المجوسية يعتقدون في غيبة "ساوشيانت" ابن "زرادشت" مؤسس المجوسيّة الذي سيعود من موته الى الأرض لمناصرة "أهورا مزدا" اله النور في صراعه مع "أهرمن" إله الظلام . كما كانت الثقافة الفارسية تتبني عقيدة رجوع بعض الموتي من ملوكهم الى الأرض لإصلاح الفساد الأخلاقي و السياسي، فحين قتل الملك الفارسي" بهرام" زعموا أنه لم يمت و أنه رفع إلى السّماء، و سيعود إلى الأرض ليخلّص العالم من الشرور!
ــ لكن بحقّ السّماء، كيف توصّل بن سبا الى اقناع مسلمين يؤمنون باله واحد و نبيّ أعلن عن طبيعته البشريّة، بكل تلك التصوّرات البدائيّة؟
ـــ لم يبشر ابن سبا بعقيدته الجديدة بين العرب، بل توجّه الى الأرضية المثلي لزرع تلك العقائد.
ـــ تعني بلا دالفرس؟
ــ أجل.
ــ و لكن الفرس ــ فيما أعلم ــ قد أسلموا، وبالتالي انقطعت صلتهم بتراثهم الوثنيّ القديم .
عجبت من نباهة داق :
ـــ في الحقيقة لم يتوجه بالتحديد الى كل الفرس بل الى ضعاف الإيمان منهم. أعني الى العناصر التي لاحظ تذمّرها من انتصار العرب البدو الأمييّن على حضارة فارس العريقة و المغرقة في العنصرية فأراد توظيف ذلك التذمّر لإحداث أوّل انشقاق في صفوف المسلمين عبر أسلمة الميثولوجيا الفارسيّة.. وكان له ما أراد!
ـــ أي عائلة إختار؟
ـــ حين لم يكن لرسول الله ولد ذكر، اختار ابن سبأ عليا بن ابي طالب ابن عم النبي ّ ليجعل منه و من ذريته افرادا مقدسين يمتازون بخصائص الهية وقدرات بشرية خارقة.
حين وصلت الى هذه النقطة من سرد الكوميديا الشيعية، لم استطع كتمان ابتسامة حملت داق عن تحريك راسه و زمّ شفتيه في هيئة المتسائل...تابعت:
ـــ حين علم عليّ وكان حينها أميرا للمؤمنين بمعتقدات ابن سبأ أمر بنفيه الى المدائن، فكان ذلك الإجراء العقابي بمثابة نفي مقامر كبير الى إمارة موناكو!
ــ ...!؟.
ــ لأن المدائن كانت مدينة فارسية و سكانها من الفرس الذين أسلموا حديثا! و بذلك وجد ابن سبأ الأرضيّة المثلى لنشر عقيدته.
ــ فعلا هذا أمر يثير الضحك.. وماذا عن صراع معاوية و عليّ؟
ــ لم يكن لذلك الصّراع أدنى صلة بالتسنن أوالتشيع، فمعاوية كان زعيما انفصاليّا براجماتيّا ميكافيليّا لا تحرّكه غير مصلحته الشخصيّة ثم الأسريّة. و أما عليّ فكان رجلا تقيا لم يزعم قط ان الله قد عينه حاكما.
ـــ و ماذا عن صراع الحسين ابن عليّ مع يزيد ابن معاوية؟
ـــ لم يكن لذلك الصراع ايضا ايّة صفة شيعيّة. فالحسين ثار على يزيد لفساده الأخلاقيّ و الإداريّ، و ليس بسبب حرمانه من حقه في وراثة أبيه عليّ!
ـــ فهمت من قولك ان عليا و ابنه الحسين لم يعتنقا و لم يناضلا قط في سبيل الفكر الشيعي.

ــــــ 148 ــــــ

ـــ نعم، ليس عليا و الحسين فحسب، بل و الحسن، الإبن الأكبر لعلي، و الذي يعدّ ثاني أئمة الشيعة الإثنى عشر، فقد وجّه الحسن بتنازله عن الحكم لمعاوية، أعظم طعنة للفكر الشيعيّ.
ـــ كيف؟
ـــ لقد أثبت الحسن بن عليّ بتـنازله عن الحكم لمعاوية. عن تهافت فكرة الإمامة كمنصب معيّن من قبل الله.. فالفكر الشيعي كما ذكرت بنفسك لم ينصر قط من قبل أهمّ ثلاثة أئمّة من جملة اثنى عشر اماما نسب اليهم الشيعة من القدرات الفائقة أكثر مما نسبه الفرس الى ملوكهم و ابطالهم الخرافيين. بل يمكن اعتبار ملوك الفرس بالقياس للسوبرمانات الإثنى عشريّ بمثابة دمى خشبيّة بليدة.
ـــ و لكن ألم يصل الحسن الى الخلافة عن طريق التسلسل الوراثي؟
ـــ ابدا، فليس في الإسلام حكم وراثي، بل وصل للحكم بعد مقتل ابيه الذي لم يعينه في حياته، بل اختاره المسلمون بعد انتخابات حرّة و لكن الحسن تنازل عن السلطة حين اراد معاوية حربه كما حارب والده قبل ذلك.
قال داق و هو يسحق عقب سيجارته:
ـــ لم تخبرني بما انتهى اليه الصراع المسلح بين علي و معاوية.
ـــ حين حارب علي معاوية كان أكثر من تسعة أعشار أصحاب محمد قد ماتوا بفعل تقدّم السنّ أو اثناء حروبهم ضدّ الفرس و الرّوم أو أثناء قمع تمرّد القبائل الذي حدث بعد وفاة النبي، ولم يبق مع علي الا القليل من الأنصار المطيعين. أما معاوية فكان كلّ جيشه من المرتزقة و لم يكن بينهم صحابيّ واحد . وفي إحدى المعارك، و حين أدرك معاوية أنه سيهزم حتما، أمر أنصاره برفع المصاحف على سيوفهم و المطالبة بالتفاوض مع جيش عليّ. ولما كان علي يعلم مكر خصمه، فقد امر اتباعه بتجاهل مطلب معاوية و مواصلة القتال.. و لما كان اتباع علي من غير اقوياء الإيمان فقد أجبروه أخيرا على التفاوض.. التفاوض لم ينته بنتيجة، فانسحب كل معسكر الى البلاد التي يحكمها، انسحب عليّ الى العراق و معاوية الى سوريا و فلسطين و الأردن، بعد ذلك شرع معاوية في الإستيلاء على المزيد من أراضي الحكومة المركزية، فاستولى على مصر و اليمن و بعض أجزاء من السعودية، و في نهاية الأمر انتهي الصراع بين علي و معاوية باغتيال الأول من قبل مجموعة راديكالية انشقت عنه بعد التحكيم بعد أن كرهت عملية التفاوض التي أجريت مع معاوية، و تلك المجموعة تسمىّ الخوارج بمعنى المتمرّدين على الحاكم الشرعي. و بعد اغتيال علي انتخب المسلمون ولده الحسن و لكن الأخير، و كما أخبرتك منذ قليل، تنازل عن السلطة لمعاوية الرّهيب حقنا لدماء المسلمين.
ـــ لكن لماذا تنازل عن السلطة في حين انه كان في موقف قوة.. فاكثر المسلمين معه .
ـــ كان عدم ايمان الحسن بالتعيين الإلهي له بالإضافة الى خشيته من مزيد إراقة الدّماء، هي الدوافع التي حملته على التـنازل عن السلطة لمعاوية، ولو كان يدرك أن معاوية سيحوّل الخلافة الى ملك وراثيّ يدخل الإسلام الى غرفة إنعاش لم يخرج منها الى الآن، لقاتله دون تردّد حتى آخر جندي في جيشه.
ـــ كيف كان موقف الحسن حين أوصى معاوية بالحكم لولده يزيد ؟
ـــ كان الحسن قد توفي أثناء حكم معاوية.
قال داق وهو يشعل سيجارة جديدة:
ـــ هذه الشيعة قد انتهينا منها، فمن أين اتت تسمية السنة؟
ـــ حينما تـنازل الحسن لمعاوية عن الخلافة، واصبح الأخير يحكم كل بلاد المسلمين، سميت تلك السنة بعام الجماعة كما سمّي من التف حول حكم معاوية باهل الجماعة التي ستضاف اليها فيما بعد تسمية السنة لتصبح اهل السنة و الجماعة، الفئة التي تشكل 95% من مجموع مسلمي العالم و أو كما تقولون" سني مسلم " و التي يقابلها شيعي مسلم أي الشيعة.
ـــــــ 149 ــــــــــ

ـــ لكن هل كان المسلمون يحتاجون الى اضافة كلمة سنة التي تعني افعال النبي أو أقواله الى فرقة " أهل الجماعة " ؟
ـــ لم يكن المسلمون محتاجين الى تلك التسمية الا اذا كانت السمكة محتاجة الى درّاجة!.
سالني داق وهو يغالب ابتسامة:
ـــ ما تعنيه بالضبط ؟
ـــ الذي احتاج الى تلك التسمية هم الحكام الوراثيين.
ــ ...؟
ـــ اخبرتك منذ قليل ان الإسلام لا يعترف بالنظام الوراثي و لا يعترف بتقديس الحاكم بل يؤمن بحرية الشعب في اختيار الحاكم وعزله و محاكمته. و لكن الملوك الوراثين قد استغلوا سذاجة شريحة من العبّاد المسلمين ــ أهل الحديث ــ فأمروها بجمع حديث رسول الله ووضعه في كتب ليصبح مرجعا لحكم المسلمين. و قد دسّ في تلك الأحاديث ما يثبت شرعية الحكم الوراثي التي خصّ الله به عائلة النبي! كما ضمّنوا تلك الأحاديث ما يشير الى ضرورة رضوخ المسلم للحكام الفاسدين و حرمة مقاومتهم و ما يشير ايضا الى ضرورة انتظار المسلمين شخصا يرسله الله كل مائة سنة ليغيّر الفساد الإداري. فاصبح أهل السنة يقاسمون الشيعة فكرة انتظار مخلّص وهميّ يقاوم الفساد و يغيّر الأوضاع الى الأحسن!
ـــ و لكنك لم تذكر لي من هو مخلّص الشيعة؟
ـــ هو الإمام الغائب أو المهدي المنتظر يعني الإمام الشيعي الثاني عشر.
خبط داق الأرض بقدميه ثم صاح:
ـــ اللعنة ... لكن المفروض ان يكون قد مات منذ 1200 سنة تقريبا.
ـــ هذا في حسبان العقلاء، لكنه يمكن ان يكون حيّا في العقليّة الخرافيّة للشيعة.
ـــ أدركت الآن أن الشيعة و هم يؤمنون بغيبة المهدي الذي سيعود يواصلون في حقيقة الأمر ايمانهم بالفكر الفارسي القديم .
ـــ و هكذا يمكّنك من إدراك أنّ التشيّع مجرّد خطة فارسيّة هدفها نصرة فكر مجوسي صلته بالإسلام كصلة الأرض بالسماء و النور بالظلماء.
ـــ سؤال اخير... هل حكم الشيعة بعض البلاد الإسلامية؟
ــ نعم اسسوا دولة في ايران سنة 1500 كما اسسوا دولة في الشمال الإفريقي و مصر قضى عليها صلاح الدين حوالي سنة 1480 وكما اسسوا دولة في اليمن لم يكن للشيعة اي حضور يذكر الا سنة 1979 حين تفطنت امريكا بجدوى الحليف الشيعي في إحداث مزيد من الفوضى و الإنقسام في بلاد المسلمين فقررت نصرة الخميني، و تلك قضية اخرى قد احدثك عنها مرة في مناسبة أخرى.
ـــ هل صحيح ان الشيعة يقولون بان كل الأنبياء و الملائكة قد تشيّعوا، وأن كل الحيوانات قد تشيعت ايضا، إلاّ البوم، لأجل ذلك كرهه الجميع الى حدّ أصبح لا يظهر إلاّ ليلا؟!
ــ هذا صحيح .. وان كنت قد قرات في بعض أساطيركم الغربية، ان ما منع البوم من التنقّل في النهار هو كثرة دائنيه!
كان داق مستغرقا في الضحك حين اضفت:
ـــ الشيعة يزعمون ايضا أن بعض أجزاء من الكرة الأرضية قد تشيّع فأصبح خصبا، و بعضها الآخر لم يتشيّع، فأصبح عبارة عن سباخ مالحة و صخور سوداء.
انتفض داق قائما وهو يصيح ملوحا بذراعيه في الهواء:
ــ وجدتها وجدتها!
ــ ماذا وجدت؟
ـــ لقد وجدت حلاّ ناجعا لرتق ثقب الأوزون و تجنيب البشرية كارثة عظمى.
ــ لم أفهم !
ــــــ 150 ــــــــــــ
أجاب داق وهو يغالب ضحكه :
ــ يبدو ان طبقة الأوزون لم تتشيّع فحقّت عليها اللعنة، لأجل ذلك سأتّصل مباشرة بسفارة إيران بأوسلو، علّني أقنع سعادة السفير الإيراني بانتخاب أكثر ما يستطيع من علماء الشيعة، لإرسالهم على مكوكات فضائية لإقناع طبقة الأوزن بالتشيّع ، حتى تزول اللعنة عن أجيالنا القادمة !

الفصل السابع و العشرون
في طريق المطار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كنت أجهل و أنا أجلس في المقعد الخلفي لسيارة رشيد، وهي تتّجه بنا مسرعة نحو المطار، انني كنت أشارك صديقي الجزائري الأثير، السّاعة الأخيرة من صداقتنا.

كان رشيد مرحا في ذلك الصباح النرويجي المتجهّم، كما كنت مغتبطا لإستعادة رشيد فترات البهجة الإستثنائية التي كانت تغمره بين الحين و الحين، كالشمس تظهر فجأة من بين السّحب الدّاكنة لتشعّ بنورها الباهر، قبل أن تختفي مخلّفة وراءها مزيدا من الحزن والكآبة.
شخصيا، لم أكن أتصوّر أن رشيد سيخرج من تحت ركام الكآبة التي سربلته منذ ما يزيد عن شهرين، بالتحديد منذ الإهانة الكبرى التي تقاسمها مع كل مسلم، حين تم إعدام صدّام حسين في أقدس أيام أعيادهم.. في الحقيقة، كانت صدمة مروّعة للجميع.. بالنسبة لي شخصيا، بكيت من القهر، وانا أراقب محطة قناة الجزيرة وهي تعيد للمرة العشرين عرض الصور الأخيرة لصدام حسين، و هو يتقدم نحو المشنقة، ثم والحبل يلتف حول رقبته.

في ظروف عادية، كان موت ديناصور من فصيلة صدّام، باعث فرحة واغتباط تتجاوز شخصى المهتمّ بالسياسة، لتعمّ عائلتي الصغيرة... رغم قلة اهتمام زوجتى بالسياسة، فقد كانت تنتهز تلك الفرص السّعيدة لتوكل إليّ رعاية ياسين الرهيب اثناء غيابها الذي يستمر عادة الى وقت متأخر من الليل.. كان ياسين ينغصّ عليها جلساتها النسائية بشغبه و حركته المفرطة والحاقه الأذى حتى بالأطفال الذين يفوقونه وزنا وعمرا.. ياسين تعوّد على نيل مكافأة مالية في المناسبات القليلة التي كان ملك الموت يتولى فيها انتزاع روح ديكتاتور عربي.. لأجل ذلك كان يحفظ جيدا ثمن رأس كلّ واحد منهم!. كثيرا ما كنت أسمعه يناشد الله ( وهو يجاورني في الصلاة) بأن يعجّل بهلاك أغلاهم رأسا!. في بلاد المسلمين لا يجرؤ أي أب مهما بلغ تهوّره، على إعلان البغض الشديد الذي يكنّه لحاكمه لما في ذلك الإعلان من نتائج كارثيّة.. فقد درجت بعض الديكتاتوريات على سؤال أطفال المدارس عن أسماء القنوات التلفزيونية التي اعتاد آباؤهم متابعتها، وعن تعليقات الأب كلما ظهر الزعيم على الشاشة.. كم من والد كلفته تلك الإعترافات البريئة حياته.. ذات مرة كان احد الآباء يركب قطارا فرأى ولده الصغير صورة الحاكم على جريدة.. دون انذار صاح الولد كمن عثر على كنز:" أبي، أبي . اليس هذا هو الرجل الذي تلعنه كل يوم ؟!" حينذاك صاح الأب وهو يأخذ بيد فلذة كبده: " يا جماعة الخير، يا جماعة الخير من منكم أضاع هذا الولد؟!"

عندما لامني زميلي داق Dag على فرحي الشديد لسقوط طائرة ياسرعرفات، و ترقبي بلهفة نبأ
ــــــ 151 ـــــــ


الإعلان الرسميّ عن مصرعه أجبته:
ـــ لو أن سلامة البشرية هي التي تعنينا، فيجب التعامل مع عرفات و أشباهه بنفس طريقة تعاملنا مع العقارب و الحيّات.
حين اراد أن يحتج بادرته قائلا :
ـــ لا تقارن ساستكم برؤساء العصابات الذين يحكموننا.
ـــ ...
ـــ فساسة النرويج يعتبرون طيور زينة، بالقياس الى تماسيح بلادي. فلو بتّ معلقا من كاحليك في وزارة داخلية إحدى البلدان العربية لليلة واحدة، ولو اغتصبت زوجتك أمامك، ولو رأيت ولدك يتلوّى جوعا وأنت لا تملك ثمن رغيف تسدّ به جوعته لأنك قد حرمت من وظيفتك و من أيّ ضمان اجتماعي لمجرّد وشاية كاذبة، لغيّرت رأيك .
قبل ان أغادره قلت له :
ـــ لا تنس أن طيور زينتك.. لها قلوب الصقور الجارحة و مخالب الضباع المفترسة، فلولا دعم ساسة النرويج لعرفات و غيره من حكام المسلمين، لما لبث احدهم جاثما على صدورنا ولو لأسبوع واحد .

على خلاف"المناسبات السعيدة"، غمرني اكتئاب شديد لمقتل صدام حسين في يوم عيد المسلمين.
بصوت يغلبه البكاء سمعت زوجتي تقول:
ـــ انهض سامي، انهض.. لقد أعدموا صدّام.
كانت زوجتي قد تلقت لتوّها مكالمة هاتفية من صديقتها هدى.. أنساني هول الخبر حاجتي الشديدة الى النوم بعد ليلة رهيبة من ليالي kolstadgt 7، حرمت فيها من النوم... صحيفة aftenposten وصفت عمارتـنا بـ"أقذر عمارة في أوسلو"...لعل العذاب اليومي الذي يلقاه سكان عمارتنا لا يكاد يذكر بالقياس الى قذارتها.

كنت أعلم من متابعتي اليومية لمواقع الأنترنيت أن صدام سيعدم خلال ايام قليلة. لكننى لم أكن أتصوّر أن يبلغ الحقد الطائفيّ بالكهنوت الشيعي المتواطئ مع المحتل، الى حد إعدام الديكتاتور يوم عيد المسلمين. كما لم أكن أتصوّر أن يبلغ تهوّر إدارة الرئيس بوش الى إعدام صدّام و معه كل المسلمين، و بالتالي إعدام أيّة بادرة للمصالحة بين الثقافتين الإسلامية و المسيحية.. داهمتني حالة من الإحباط و الشعور بالضآلة و الذلّ و مزيد من كراهية دول الغرب التي قدرت أنها متواطئة مع جورج بوش في توجيه تلك الإهانة المقصودة لكل مسلمي العالم، حتى أنني أغلقت هاتفي الجوال و أوصدت على نفس باب حجرتي، و قرّرت عدم استقبال أية تهنئة بالعيد.. أخبرتني زوجتى فيما بعد، أن والد جارتنا لويزة، قد أغمي عليه حالما رأى صور إعدام صدام، و حين افاق، أكتشف أنه قد أصيب بشلل نصفي.

لم اكن أتصور يوما من الأيام أن أبكي في يوم مقتل صدّام... لم أكن بقرة سلفية عاجزة أو فقمة إخوانية بلهاء حتى أعتقد أن صدّام حسين كان حاكما شرعيا يجب طاعته، بل كنت و ما زلت أعتقد انه محارب شرس لمن نادي باسلمة دستور العراق. كنت اعلم ايضا ان الديكتاتور المشنوق قد تولىّ بنفسه تصفية عبد العزيز البدري العالم العراقي الشجاع..الذي جعل إعدام صدام قضية شخصية تعني كل مسلم حقيقيّ، كون الرجل محسوب على الثقافة الإسلامية، لأجل ذلك فإن قتله في أقدس أعياد المسلمين جريمة غير قابلة لا للتبرير ولا للغفران.

ـــــــ 152 ـــــــ

كنت استمتع بالنكات و التعليقات التي تفيض كالشلال المتدفق من فم رشيد، تعودت منه ذلك الفيض من المرح بعد كل خروج له من نفق الإكتئاب.. فالمرح المنفلت هو الوجه الثاني لمرض الإكتئاب الذي يعانية. كنت شديد الحرص على اغتنام فترات انجلاء غيوم الكآبة عن نفس رشيد لأحضى بقفشاته و تعليقاته، خصوصا وانه يحضى بثقافة موسوعية و تجربة كبيرة في الحياة. كان رشيد شغوفا بالكتب، وكان كثيرا ما يحلو له الإستشهاد بقول مكسيم جوركي " الكتاب الجيّد عيد حقيقيّ" وقول مارك توين" الرجل الذي لم يقرأ الكتب الجيّدة ليس له أفضليّة على الرجل الذي لا يستطيع قراءتها" و كان كثيرا ما يسرّ لي تحت تأثير الأفكار السوداء التي تسكنه أن أخشى ما يخشاه إصابته بالعمى، و أنه يخيّر أن يموت افظع موتة بدل ان يصاب بفقدان بصره الذي سيحرمه من متعته الكبرى، خصوصا وان علاقتة بزوجته متوترة جدا،لأجل ذلك كان يسجّل منتخبات من قراءاته على أشرطة كاسيت، ليجد فيها عزاءا في حال وقوع الكارثة.. و لأجل ان رشيد كان خير من يعمل بالقول المأثور" أشتر الكتاب الجديد و ألبس المعطف البالي" فقد كانت كل مقتنياته من السوق القديمة، فكل ما كان يلبسه لم يكن يساوي اكثر من مائتي كرونة.. كان رشيد يغبط النرويجيين على كثرة تواجد الكتب في متناولهم، و كان يؤلمه كثيرا ان يباع ملء كيس كتب بخمسين كرونة! لما في ذلك من انتقاص من قيمة الكتاب التي تتضاعف كلّما قدم به العهد.. رغم انني اعجبت بوجهة نظر رشيد، فقد قلت له" لا بأس أن تفكر خطأ، على شرط أن تفكر لنفسك "!.. ذات مرة قاطع رشيد جزائريا مثله، رغم مساعدة الأخير له عند قدومه للنرويج، لا لشيء الا ان ذلك الجزائري قد أسرّ اليه ذات يوم بانه لم يمسك كتابا منذ مغادرته مقاعد الدراسة! " كنت أتفسح معه ذات مساء، حين فاجأنا المطر قرب مكتبة "نورلي"، حالما شرعت في تقليب الكتب، استعجلني بالخروج. إحتقرته كثيرا حين قال لي" كنت اعتقد انك قد دخلت المكتبة احتماء من المطر!"

كان بعض ما ينغّص حياة رشيد عدم مشاركة زوجته اهتماماته الفكرية، في مذكرات يوم 25/ 2/93 كتب رشيد:" منذ الأسبوع الماضي، جرفتني كآبة مدمرة بدأت لحظة سألتني زوجتي عن الشاعر عنترة، هل مازال يعيش بيننا!" .حين راجعت مذكراتي يوم 1/3/93 وجدت ما يلي: "
اليوم زارني رشيد، و قد وافق قدومه ظهور سيدة أميّة في سن متقدمة جدا وهي تتحدث عن ذكرياتها مع أكبر شاعر تونسي معاصر.. كان صوت العجوز يصلني و أنا منهمك في تجهيز الشاي في المطبخ المجاور لقاعة الجلوس.. يبدو من لهجة حديثها انها لم تمسك كتابا في حياتها، قال لي رشيد وانا أقدّم له الشاي" اليوم فقط اكتشفت أمرا لا أظن أن أحد دارسي حياة الشاعر الكبير قد تفطن إليه" سألته ماهو قال لي:" سرّ وفاته المأساوية المبكرة" ثم و هو يغالب ضحكه:" لقد اختزل المسكين حياته، قال ما أراد أن يقوله بسرعة، ثم مضي!" لم أفهم ما كان يعنيه، حتى نظرت الى الشاشة، ثم قرأت ما كتب تحت صورة المرأة " زوجة الشاعر التونسي الخالد ...." إنفجرت ضاحكا.
ذات يوم اسرّ لي رشيد بأن أكثر أسباب خصوماته الزوجية، ندرة صديقات زوجته ممّا أدّى إلى ملازمتها للبيت و بالتالي حرمانه من متعة القراءة في سلام.
ـــ زوجتي من صنف الجليس"الذي يحرمك من العزلة دون يمتعك بالصحبة " حين ترى كتابا بين يدى تصاب بتوتر، و كانها ضبطتني مختليا بامراة سواها" هكذا قال و هو يضرب كفا بكف .
ـــ يبدو من استشارتك لي، انك اخترت الحلّ العسكري، أبشر اذن، علاجك عندي، و لكن لا تنس ان كل حلولي راديكالية.
قال لي ضاحكا:
ـــ 153 ــــــ

ـ تجنّب إراقة الدماء، و أفعل ما تشاء!
بعد ثلاثة أسابيع من تنفيذ مخّططي، و حين لقيني رشيد في الطريق، أكب عليّ مقبلا رأسي ثم جبيني.( على الطريقة الشهيرة لياسر عرفات) بعد ذلك ضمّ كلتا يديّ بين يديه وهو يقول لي بحرارة و عرفان:
ـــ أية مكافأة أقدّمها إليك ستكون أقل من معشار ما تستحتقه. ولكني اترك الله ليتولى ذلك. وما أعدّه للمؤمنين خير و أبقى( الجملة الأخيرة كرّرها ثلاثا، و على طريقة عرفات أيضا) !

كان العلاج سهلا و بسيطا.. لم أكن لأمتلكه لو لم تكن زوجتي مصابة بحساسية التواجد في البيت، فهي لا تكاد تستقر فيه، حتى تندفع منه، و كأن شبحا يطاردها.. من المؤكد انه لا يوجد في أوسلو من زاحم زوجة جحا في كثرة خروجها من بيتها اكثر منها، قيل لجحا يوما: زوجتك تعرف كل دور البلدة قال: ليس صحيحا، فهي لا تعرف داري!.. و ما دمنا قد تحدثنا عن حل عسكري لقضية صاحبنا رشيد، فلا بأس أن أستعمل وسائل عسكرية للتوضيح فأقول: إن إستقرار زوجتي في البيت لا يدوم الا بقدر إستقرار قذيفة الهاون في أنبوب الإطلاق المعدّ لها، فما تكاد مؤخرتها( مؤخرة القذيفة) تلمس الإبرة المستقرة في قعر الأنبوب حتى تندفع خارجة منه.. كان غياب زوجتي المستمر يؤلمني، الى حد تذمّر رشيد من لزوم زوجته البيت، حينذاك أدركت عظم النعمة التي كنت أتمتع بها..علاقتي بزوجتي لا تختلف كثيرا عن علاقة رشيد بزوجته، لا باس فنحن المسلمون نمتاز بفدائية غريبة، فرغم تأكّدنا منذ الدقائق الستّ الأولى من حياتنا الزوجية من عدم صلوحية زوجاتنا للعيش معنا، فاننا نقرر العيش معهن الى آخر العمر، كي ندفع ثمن خطيئتنا في انفاق الخمس دقائق الأولى في تشكيل الجنين الذي يجب علينا التضحية بسعادتنا الأسرية حتى لا نعرضه للتفكك الأسري والعيش في بيت بلا أب!. نحن عاطفيون جدّا.. لعل عاطفتنا الغير سوية كانت وراء اصرارنا على التمسك بالأنظمة الديكتاتورية لقرون عديدة ثارت خلالها كل أمم الأرض على جلاديها، دون أن نحرّك ساكنا.. الحلّ السحري الذي لجأت إليه لمساعدة رشيد تمثّل في تعريف زوجتي بزوجة رشيد، بعد ان أعلمتها بانها تشكو الفراغ و قلّة الصّحبة.

حين لقيت رشيد مرة أخرى، جدّد لى اعترافه بالجميل:
ـــ زوجتى لا تكاد تبقى في البيت، وإن بقيت، شغلتها مكالماتها الهاتفيةعني ــ روى لي بالمناسبة نكتة طريفة تقول ان امراة كانت تنفق ساعات طويلة في مكالمتها الهاتفية، و في احدى المرات تلقت مكالمة دامت نصف ساعة فقط، حين سألها زوجها عن سر سرعة تلك المكالمة اجابته: لم اكن المعنية بالمكالمة، كان الرقم خطأ!
ضحكنا طويلا .
كان رشيد شديد التأسف من انصراف المسلمين عن الكتاب، وقد سبق اجدادهم العالم باظهار اول معجم، بسبعة قرون كاملة...الشعار السائد في هذه الأيام: و خير جليس للأنام بارابول(دش)! في مهرجان للكتاب العربي فوجىء روّاد المعرض بوجود تابوت في بهو المعرض و قد كتب عليه" القارئ العربي"، صرّح موشي ديان بأنّ العرب لا يقرءون... لم يستطع نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الآداب بيع أكثر من 150 نسخة من كتاب صدر له !
" لو أردنا دليلا آخر على مدى الهوّة العميقة التي كانت تفصل الشرق عن الغرب، لكفانا أن نعرف أن نسبة 95 في المائة من سكان الغرب في القرون التاسع والعاشر و الحادي عشر والثاني عشر كانوا لا يستطيعون القراءة. فبينما كان شارل الأكبر يجهد نفسه في شيخوخته لتعلّم القراءة والكتابة، و بينما أمراء الغرب يعترفون بعجزهم عن الكتابة أو القراءة. و في الأديرة يندر بين
ــــ 154 ــــــــ

الكهنة من يستطيع مسك القلم، بينما كان هذا كلّه يحدث في الغرب، كانت آلاف مؤلفة من المدارس في القرى و المدن تستقبل ملايين البنين و البنات يجلسون على سجادهم الصغير يكتبون بحبر و يقرءون مقاطع من القرآن " هكذا كتبت سغريد هونكه في كتابها الشهير"شمس العرب تسطع على الغرب" ... حين كان الرجل العامي في قرطبة يجيد نظم الشعر كان الملوك في اروبا أميين و يبصمون بأصابعهم !

كان آخر تعليقات رشيد عند وصولنا الى المطار، قوله لي وهو منهمك في تخليص ابنته المعاقة من حزام الأمان.
ــ لعلهم قتلوا صدام حسين يوم عيد الأضحى لأنه الكبش الوحيد بين رؤساء العرب.. الكلّ يعرف جيدا ان النعاج لا يضحى بها في هذه المناسبة!
لم اشأ ان اعكر صفو رشيد الذي افتقدته طويلا، أردت ان اقول له " ان صدام كان رجل أمريكا، و لأنه أصبح قطعة أثاث غير متجانسة في البيت العراقي الذي رأت إدارة بوش إعادة تأثيثه من جديد، قررت الإدارة الأمريكية إزاحته. كل ما في الأمر أن صدام قد استهلك بالكامل، و لم يعد ملائما للديكور العراقي الجديد بعدما اكتشفت أمريكا عملاء آخرين أكثر إخلاصا لها و أزهد تكلفة منه.. لو سألني رشيد من تعني بالعملاء الجدد لأجبته:" كهنة الشيعة، فهم خير من يخدم مصالح امريكا في المنطقة، فبالإضافة الى عدم خشية الغرب و على رأسه أمريكا من خطر التمدّد الشيعي على حسابه( لأن ذلك التمدد سيكون على حساب البلاد الإسلامية)، فان إحياء النعرات الطائفية خير سلاح يخدم أمريكا التي تريد عالما إسلاميا أكثر انقساما و خصوصا أكثر استسلاما و خضوعا. كما لم أشأ أن اذكرّ رشيد بأن إسرائيل قد تصرفت مع ياسرعرفات، بنفس طريقة تصرّف العم سام مع صدام حين تأخر وجوده على المشهد السياسي أكثر من اللازم. بعدما وجدت في حركة حماس الإخوانية البديل الذي يكمل المشوار".

لم أكن أتخيّل أنني سافقد رشيد بعد ساعتين فقط، فرغم عدم صلوحية رشيد( في معظم الوقت) كمحاور، بسبب الكرب الشديد الذي كان يغشاه، فقد كان يمثل لي سندا معنويا كبيرا.

و أنا أرافق رشيد الى المطار كانت مهمتي تتمثل في إرجاع سيارته الى مكانها في المستودع، كانت الغاية من ذلك توفير أجرة ركوب القطار السريع.. كان رشيد محدود الدخل... فكآبته الشديدة كانت تمنعه من العمل كامل الوقت، كما منعته الحكومة النرويجية من الحصول على التقاعد بحجة أنه أصيب بمرضه قبل حلوله بالمملكة، و بذلك الإجراء الجائر تكون الحكومة قد التزمت حرفيا بالمثل النرويجي القائل:" الحقّ معك، ستشنق، هكذا قال القاضي"!.

الفصل الثامن و العشرون
اكتشاف موت رشيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لم أعد الى البيت، و بصفة نهائية، الا في ساعة متأخرة من الليل .
حين رجعت أول مرّة، كان ذلك قبيل منتصف النهار بقليل.. رأيت جاري خليل يطرق باب شقتي

ـــ 155 ــــــــ


الفارغة، حالما رآني طلب مني مساعدته في نقل أثاث بيته الى مسكنه الجديد، استحييت من رفض طلبه.. استعملني كحمار خلّفه له والده، لم أكن اعرف الرجل إلا عبر زوجتي التي كانت صديقة زوجته،لا بأس أن اكرر أن زوجتي كمجراف الثلج لا يخلف وراءه شيئا.. كل امراة تراها في الطريق تعقد معها صداقة فورية، أدفع ثمنها غاليا.
ذات مرة كنت انتظر صلاة العشاء .عندما اختلف مغربيان في مسالة هل ان الباكستانيين اجتماعيين أو إنطوائيين، أردت ان اثبت لهما أن الرأي الثاني هو الصحيح لو سألاني" ما دليلك" لأجبتهما فورا:" زوجتي.. فليس لديها صديقة باكستانية واحدة!" لكنني آثرت السكوت... ذكر الزوجة يدخل ضمن المحرمات لدى المغاربة، لكنني لست من الريف المغربي ولا من بلاد نجد حيث يستعدّ الرّجل هناك لمنازلتك اذا ذكرت اسم زوجته أو أمّه، كلّ ذلك بفعل التزمّت السلفيّ.. قبل الإسلام، كانت قبائل عربية كثيرة تحمل أسماء نساء.. جدّي عبد الرحمن الذي كان يهابه الجميع لقوته البدنية، كان فخورا بزوجته مريم، كانت عيون جدتي مريم زرقاء و بشرتها بيضاء.. تونس تمثل فسيفساء عرقية فقد توالت عليها أجناس شتى.. البربر هم السكان الأصليون و بعضهم شقر، كما هاجر إليها الرومان و الوندال و قبائل من الجزيرة العربية، هذا بالإضافة الى هجرات مسلمي اسبانيا فرارا من الهولوكوست الذي اقيم لهم في القرن الرابع و الخامس عشر .. تجد في تونس من الألوان المختلفة ما تجده في خريف نرويجي رائع.. كرنفال من اللون الأصفر و الأحمر و الأخضر، في تونس تجد البيض و السود و ما بينهما، كان جدي مولعا بزوجته مريم.. اذا عقد صفقة تجارية و أراد أن ينقد البائع أعطاه الدينار الأول وهو يقول:" مريم واحد" ثم وضع في كفه الدينار الثاني و هو يقول" مريم اثنين" حتى يوفيه حقه و يوفي حقّ جدّتي من التنويه.. استحييت من الإعتذار لخليل ... كان عليّ أن اقول له بأن لديه من الإمكانيات المادية ما يمكنه أن يستأجر به من يعينه على نقل أثاثه، لكن خجلي منعني من ذلك... ذات مرة كلفني خجلي خطبة فتاة لست مقتنعا بها، خجلت أن أقول لأهلها الذين أحسنوا استقبالي:" آسف مع السلامة"... كان عليّ أن أشاهد صورتها قبل أن أتخذ قرار الذهاب الى بيتها، والدتي هي التي أختارتها، بعد ثلاثة أشهر أستجمعت شجاعتي ثم أعلنت من مسافة بعيدة جدا عن فسخ الخطبة، عانت الفتاة المسكينة اكتئابا شديدا في حين بقيت معذبا لعشر سنوات بأكملها لتسببي في عذاب انسان دفع ثمن سخافتي و ضعف شخصيتي، لم يفرج عني الا حين سألت شقيقتي فأعلمتني ان الفتاة قد تزوجت وأنجبت طفلين.

حال رجوعي الى البيت الذي خلا بطبيعة الحال من زوجتي، وجدت قصاصة كتب عليها " رشيد كلّمك من المطار، هو يقول بانك ستجد بقية وصيته بين صفحات كتاب أعاره لجاره محمود الصومالي، قال انك تعرفه. ملاحظة: تجد الطعام في الميكروفن ..أنا عند خديجة المغربية.. سأرجع قبل المغرب"
فتحت التلفزيون على قناة الجزيرة، كانت تذيع نشرة اقتصادية، طالعني شريط أحمر متحرك يشير بخط غليظ الى " خبر عاجل".. لم أكلف نفسي قراءته.. هذا لا يعني شيئا لديّ .. ما دامت قناة الجزيرة قد أختارت عرض نشرة اقتصادية و لم تعرض التاريخ الشخصي" لفقيد الأمة العربية "، أو نقلا مباشرا لإعلان مسؤول إدارة الديوان الملكي أو القصر الجمهوري عن" الخبر الفاجع ".. الذي يحتل قائمة أمنياتي هو اغتيال رئيس عربي أوزير داخلية على الأقلّ ..في بلادي، مجرّد ذكر وزارة الداخلية كفيل بتجميد الدماء في العروق.. وزارة الداخلية هي المكان المركزي للتعذيب و التعليق و الإغتصاب و السلخ و القتل و انتهاك آدمية اٌلإنسان.. وزارة تمارس فيها جميع أنواع القذارات.." اذا أردنا تشبيه حكومة عربية ما بشقة، فوزارة الداخلية هي مرحاضها"
هكذا قال لي رشيد ذات مرة.
ــــــ 156 ـــــ

شكا لي رشيد إضطهاد العسكر في الجزائر لكل من تربطهم به صلة قرابة أو نسب:
" أول أمس استدعوا شقيقتي الكبرى إلى وزارة الداخلية... شقيقتي سيدة في الخمسين لا تحسن القراءة و الكتابة ولا علاقة لها بالسياسة.. أجزم بأنها لا تعرف من هو رئيس وزراء الجزائر لا بالاسم ولا حتى بالصورة.. ثم انها تعاني السكّر وضغط الدّم.. حال وصولها أمروها بالانتظار في غرفة بحجم كابينة هاتف عمومي، لبثت في تلك الغرفة من السّاعة التاسعة صباحا الى الساعة الثانية عشر ظهرا كانت تصلها خلالها شتائم المستجوبين مختلطة بصراخ المعذبين و توسّلاتهم، بلغ بها الرعب الى حدّ انها لم تستطع النهوض من مكانها، حين أمرها الموظف بمرافقته الى مكتبه، خيّل إليها لبعض الوقت، أنها قد شلّت"

أغلقت التلفزيون وذهبت للمطبخ ..حينما أعدت فتح الشاشة لأمارس عادتي السيئة في التطلع إليها أثناء الأكل. كانت المذيعة الفاتنة التي استعدت لمواجهة النظارة بأكثر ما تستعد أنثى لملاقاة شريكها في الفراش، قد انتهت من سرد الأنباء الرئيسية و شرعت في قراءة متفرقات النشرة.أخذت المذيعة تلملم اوراقها و تعلن بصوت مغناج يتخلله فواصل موسيقية:

" عودة الى الأنباء الرئيسية ( فاصل موسيقي) أهم أنباء نشرة الظهيرة ( فاصل موسيقي)، سقوط طائرة ركاب نرويجية كانت متجهة نحو السويد يسفر عن مصرع جميع ركابها البالغ عددهم 49 ..." خفق قلبي بسرعة.. توجهت الى قناة NRk طالعتني نقاط سوداء و بيضاء... نسيت اني سحبت السلك منذ ما يزيد عن شهرين.. " لا أريد سماع اخبار النرويج ...يكفي انني أعيش فيها " هكذا قلت لزوجتي في احد المرات.. دمرتني فكرة قبول النرويج التي كان محايدة بدور الجلاد المشرف على تعذيب الشعب العراقي، حين تولت و لمدة سنتين مهمة مراقبة حسن سير الحظر الإقتصادي المسلط علي العراقيين، نتج عن ذلك الحظر هلاك مليون ونصف عراقي أكثرهم أطفال دون سن الخامسة، كنت اسير في الشوارع كالمجنون و لا ادري كيف اصنع،البقاء في النرويج يذبحني و الخروج منها هلاك محقق، لم أغادر النرويج منذ عشر سنوات، السلطات التونسية وضعت في حقي إعلان جلب في البوليس الدولي الأنتربول. بصفتي مجرم حق عام مطلوب للعدالة. أصبح الخروج من النرويج مغامرة غير مأمونة العواقب، آخر مرة سافرت فيها بقيت اسبوعين في سجن انفرادي بالدنمارك في انتظار تحقق السلطات الدنماركية من مصداقية جواز سفري، كنت انتظر الترحيل في كل لحظة كانت ثقتي في العون النرويجي. ليست أكثر من ثقتي في ذكاء جورج دبل يو بوش، حتى جواز السفر النرويجي و الجنسية لا تعني لي شيئا، فكما يوجد قانون حق طلب الجنسية هناك قانون سحب الجنسية، كنت مخطئا حين طلبت الجنسية النرويجية.كانت لحظة ضعف، كان علي أن افهم انه لا شيء ينقذني لو ارادت النرويج تسليمي الي تونس.. ما حدث للجزائري صالح مخلوفي هزّ ثقتي في نزاهة الإدارة النرويجية و صدقها في حماية حاملي جنسيتها من غير اهل البلاد الإصليين. صالح مخلوفي رجل هادئ و صموت، تحتاج الى جهد كبير حتى تسمع صوته، كلامه يشبه الهمس، لم يؤذ ذباية في حياته، لم يذكر عن صالح مخلوفي انه ذكر شخصا بسوء. الجنسية النرويجية لصالح المخلوفي لم تنقذه من مصير مروّع . زيارة صالح مخلوفي الى الجزائر و التي قدّر ان تكون مدتها أربعة أسابيع. استغرقت تسع سنوات كاملة، قضاها منقولا بين السجون والمعتقلات الصحراوية التي لا تقارن بغير سجون القرون الوسطي. كلّ ذنب صالح مخلوفي تبرّعه بما يعادل عشرة دولارات لزوجة سجين سياسي كان يجاوره في الجزائر، سيق صالح مخلوفي الى محكمة عسكرية متهما بتقديم الدعم المادي للجبهة الإسلامية للإنقاذ.
السجون الجزائرية الرهيبة أخرجت صالح مخلوفي شخصا آخرا ليست له مع صالح مخــلوفي
ـــــ 157 ــــــــ

الذي عرفناه أيّة قواسم مشتركة، (هذا لو استثنينا الإسم واللقب و تاريخ الولادة و طول القامة و لون البشرة) ذكرصالح مخلوفي لله تحوّل الى هرطقة مكشوفة وسبّ متّصل للجلالة، .. بعدما كان صالح مخلوفي شخصا يمكن لأية قطة سرقة طعامه من أمامه، أصبح شرسا و عدوانيا،انطلق صالح مخلوفي من سجنه كما ينطلق ثورالروديو من محبسه، فور خروجه صالح مخلوفي من السجن عنّف والده الشيخ، كما استقبل جاره الذي جاء يهنئه بالسلامة، بنطحة زيدانية استهدفت وجهه فهشمت أسنانه.. حين حلّ بالنرويج، حوّل حياة أسرته الى جحيم، لقد فعل صالح مخلوفي بأهله ما فعل به في سجون الجزائر، ففي حالات هدوئه النسبي، جثم صالح مخلوفي على جارته النرويجية التي استلقت عارية للتمتع بحمام شمس. شرع في تقبيلها، حين عارضته هوى عليها بعمود المظلة الشمسية فأحدث لها شقا في رأسها احتاجت معه الى حملها إلى الإستعجالي. حين منع من الخروج، حاول صالح مخلوفي اغتصاب ابنته، لم يخلصها منه سوى زوجته و بعض جيرانه الصوماليات وكهل نرويجي اتفق مروره قرب باب الشقة، حاول صالح مخلوفي شنق نفسه في مناسبتين.. حفاظا على سلامة العائلة و قبل إكمال عشرة أيام من حلوله بينهم، كان لا بدّ من من استدعاء سيارة إسعاف لشحن صالح مخلوفي الى ملجئ للمجانين..اذا أصبحت مسلما حقت عليك اللعنة حتى لو كنت نرويجيا.. هيلدا زوجة صديقي حسين، أهينت في تونس و نزع خمارها بالقوة، لم تنفع هيلدا نرويجيّتها، فقد انتقلت بإسلامها الى طبقة المنبوذين و من لا عزاء لهم.. كان التعذيب و الإهانة التي سأتعرض لهما هي هاجسي إثناء فترة الإعتقال الدنمركي، لو كنت واثقا ان رصاصة في الرأس ستستقبلني حال وقوعي بين براثن جلادي لنمت قرير العين. فالموت لوحده في هذا الزمن العربي الكئيب غنيمة.. كل البلاد العربية تحولت الي زنزانات مجهزة لإستقبال أمثالي، لم يجمع ملوك و رؤساء الدول العربية خلال تاريخهم الحافل بالخلافات و الدسائس و محاولة تصفية بعضهم البعض على شيء قط، كإجماعهم على قانون تسليم ما سموهم "الإرهابيين"..المعارض التونسي هو معارض سعودي و معارض أردني و هكذا، حتى حجيج بيت الله لم يسلموا من ترحيلهم الي حيث الشنق.
عند خروجي من السجن الدنمركي كانت في انتظاري مفاجأة مهينة أخرى. أوقفت على الحدود مع جلال عمارة، مهاجر تونسي مقيم بالنرويج، كنت أرافقه في رحلة على سيارته الي الجنوب الفرنسي بعدما أقنعته بضرورة زيارة والده الذي لم يره منذ 21 سنة، لبث جلال عمارة في الدنمارك يشاركني محنتي و رفض الرجوع الى أوسلو، أشار عون الجمارك الدنمركي الى كوخ خشبي كئيب المنظر يبعد حوالي عشرين مترا على البناية التي يوجد بها مكتبه و أمرنا بإدخال راحلتنا هناك.. وعدنا باللحاق بنا بالقدر الذي يستغرقه إفراغ السيارة من محتوياتها، سألناه عن مبرر ذلك التفتيش، أجابنا باقتضاب، و دون ان يكلف نفسه النظر إلينا: " إجراء روتيني لا غير".
خاطبه جلال عمارة متوددا:
" نحن أناس شرفاء و لا علاقة لنا بالممنوعات" .
أجاب الموظف بلهجة جافة:
" في البداية كلكم تقولون ذلك"
لم أنبس بكلمة واحدة... كنت أكثر من جلال عمارة إدراكا بوساخة فصيلة لا يستهان بها من بني جنسي، و تورّطها في تجارة المخدرات، الأمر الذي افقدنا كل مصداقيّة وأي سبب للإحترام.. كما لم أكن، و هذا أهم ما في الأمر على استعداد لتحمل فترة سجن إضافيّة.

كان الكوخ الذي دلنا عليه الموظف مظلما وموحشا و متآكلا . كانت زواياه المعتمة تضمّ صناديق فارغة و
ـــــــــــ 158 ـــــــ

قطعا خشبية مسودّة وكانت أرضيته ترابية و لا يبدو بالمرة انه قد اتخذ في السابق كمسكن آدميّ، أكثر ما يمكن تصوره انه استعمل كمستودع لجرار فلاحي أو حظيرة خنازير... كان الكوخ مجرّدا من الإضاءة.. كان ضوء الظهيرة يتصل به من خلال فتحة الباب الذي انغلق بمجرد دخول سيارتنا،و لم تبق منه الا فرجة صغيرة.. لجلب مزيد من الضوء، اضطررنا الى تثبيت الباب بصخرة جلبناها من مسافة قريبة.. كانت تعاسة المشهد تؤكد اننا في حدود الموزمبيق أو جيبوتي، كانت إهانتنا مجرّد فعل متعمّد. خصوصا و نحن ملتحيين.
تساءل جلال عمارة عن مغزي اختيار ذلك المكان الموحش لتتم فيه عملية تفتيشنا، أجبته و أنا أجمع كتبي التي تناثرت من كيس لم أحكم إغلاقه:
" مكان بائس يليق بشخصين بائسين"
أندفع جلال عمارة مكوّرا قبضته صوب العون الدنمركي .. أقسم على تعنيفه حتى لو شنقوه على أقرب شجرة. رغم إعاقته البدنية كان جلال عمارة يمتلك جسد مصارع، كما كان مشحونا بغضب و نقمة لا حدود لهما.. لما كنت ادرك جدية تهديده .. بذلت جهدا كبيرا لثنيه عما أراد .
" ستكلفنا حماقتك الكثير"
اضطررت الى تذكيره بابناء خمسة ينتظرون رجوعه و زوجة نرويجية تعاني اكتئابا مزمنا و عجزا كاملا عن إدارة شؤون البيت ..
وافق قدوم العون الدنمركي فراغنا من إنزال ادباشنا، كان يصطحب معه كلبا أسود شديد الضخامة مرّره على أدباشنا ذهابا و إيابا.
حين تأكد من براءة ذمتنا ، لم يعتذر عن اهانتنا،اكتفى بالإنصراف حتى دون ان يحيينا، كما تقتضي آداب المهنة .
حين تذكرت جمجمة سليمان الحلبي، وهي تستقر خلف واجهة زجاجية على رفّ في متحف الإنسان في باريس وقد كتب تحتها "هذه جمجمة ارهابي"... شعرت بمزيد من احتقار الذات. هل يعقل ان تعامل فرنسا التي تتشدق بحقوق الإنسان رفات بطل مسلم بتلك الكيفية المهينة و الخالية من الشرف؟ من حسن الحظ ان جلال عمارة لم يرافقني الي المتحف والا لحطم الواجهة الزجاجية و وجوه بعض الموظفين. منذ ذلك الحين قررت ان لا اسافر الي إي بلد اروبي حتى أموت في منفاي أو أرحّل الي سجون بلادي.
ــ المسلم متهم في كل حالاته، ان كان شخصاعاديا فبحيازة المخدرات وان كان متدينا فبحيازة المتفجرات!

أذهلني خبر سقوط الطائرة .. خشيت أن تكون نفس الطائرة التي أقلت رشيد و عائلته، للحظة فكرت في الإنترنيت، سرعان ما تذكرت العطب الذي أصابها بالأمس. كان علي انتظار ساعة كاملة كي أدرك أن خشيتي قد كانت في محلها .

حزنت لفراق رشيد، لكنني لم أسكب دمعة واحدة، لقد كان الموت خلاصا له.. هل لا قى رشيد ميتة سهلة؟ هل تعذب كثيرا قبل أن يسلم الروح؟ سؤالان غير واردين في ثقافتنا الإسلامية.. على عكس الغربيين، نحن لا نهتم بكيفية الموت، هل كانت مروّعة أم سهلة.. ما بعد الموت هو الأهمّ لدينا.. و لأجل يقيني بأن الموت قد حقق لرشيد ما يأمل، ودرأ عنه ما كان يكربه في الماضي، ويؤلمه في الحاضر، و يخشاه في المستقبل، فقد تناوب عليّ شعوران متناقضان: السعادة و الشقاء.. كنت سعيدا لأجل رشيد، و شقيا لأجل نفسي التي لا تزال موثقة بعد على أرض المحرقة النرويجية.

الفصل التاسع و العشرون
ظروف معرفتي برشيد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

زمن لقائي برشيد كان في خريف 93، أمّا المكان ففي عربة قطار الضّواحي.
حين صعدت من المحطة الرئيسية " اوسلو أس" كان القطار مكتظا. حالما لاحظت خلوّ المقعد قبل الأخير في الركن الأيسر من الجزء الخلفي من العربة اتجهت نحوه، حين دنوت من المقعد الشاغر، طالعتني جريدة عربية مفتوحة احتل صاحبها المقعد الأخير، لم يكن يبدو منه الا شعره الأسود. ما ان استدرت لآخذ مكاني حتى ايقنت ان المكان لا يناسبني، فقد كانت تجلس قبالة المقعد الشاغر فتاة نرويجية كانت مستغرقة في تصفّح مجلّة صور كرتونية، كان عريها فاضحا كما كان جمالها صارخا.. رغم ذلك جلست، بعدما قدّرت أنّ من غير اللاّئق مغادرة المقعد فورا..عن يميني و بجوار النافذة، كان يجلس كهل آسيوي لم يستطع كبح نفسه فطفق يتأمل عري الفتاة بشكل مركّز، وكأنّه كان يبحث بين فخذيها عن كنز من كنوز الفايكنج ! فيما كانت الفتاة غافلة تماما عما أحدثه عريها من فوران للمشاعر الآسيوية ـ الأفريقية!.
أمام سطوة الجمال يستوي الجميع في الخضوع و التسليم . الملوك يصبحون عبيدا، و رؤساء أعظم الدول يتحوّلون الى مساخر و أضحوكة للناس.. بيل كلينتن، اضطر الى انزال كلسونه أمام المحققين متيحا لهم مجال التأكّد من كون ذكره الرئاسيّ يحمل أو يخلو من علامات مميّزة نعتتها غريمته ضمن شكواها من تحرّشه بها.. جورج واشنطن شوهد متسلّلا من شبّاك خلفي لزنجيّة حسناء، وهو يحمل بنطلونه مكوّرا بين يديه.. شكرت الله كثيرا حين تأكّدت من ان ياسين ليس مهووسا بالجنس، حين بلغ الرابعة عشر قلت له:
" لا أريدك أن تتورّط في الزنا، اذا أعجبتك فتاة ثم اتفقتما على العيش معا، سأزوجها لك في الحال، حسب التقليد الجاري به العمل.. أي بدعوى العيش المشترك، دون زواج رسميّ"
اذا حدثك نرويجي عن ابنائه الثلاثة فمن الطبيعي جدّا ان يعقب على ذلك بقوله: لكنني لم اتزوج أمّهم التي أساكنها منذ عشرين سنة!
اهتمام ياسين كان منصبّا نحو السيارات .. الرجل العادي جدّا لا يصبر على معاشرة امرأة واحدة، ذات مرة قالت إعربية معاتبة زوجها الذي هجرها :" أتفارقني بعد ثلاثين سنة؟ "ردّ عليها :" لم أجد لك ذنبا سوى تلك الثلاثين سنة!" رئيس أمريكي نسيت أسمه.... كان مغرما جدا بالنساء، كان يهمل معاشرة زوجته.. في زيارة لهما الى إحدى المداجن سألت السيدة الأولى أحد العاملين هناك:" كم مرّة يمارس الديك الجنس؟" أجاب العامل: "أربع مرات في اليوم " أدرك الرئيس ما تعنيه زوجته فبادر العامل بقوله:" لكنك نسيت أن تخبرها أن الديك لا يقع في كل مرّة على نفس الدجاجة!"
سألني ياسين مرة عن أعذب شيء في الحياة، قلت له " النساء، فهن يتصدرن بشهادة الخالق قائمة المشتهيات البشرية (زين للناس حب الشهوات من النساء) "
حين عاتبتني زوجتى عن صراحتي التي قدرت انها مكشوفة قلت لها:
ــ امرنا الإسلام بمعاملة ابنائنا كأصدقاء حالما يبلغون سن الرابعة عشر.
ثم ذكرت لها ايضا توصية الرسول:" لا عب ابنك سبعا و ادبه سبعا و صاحبه سبعا "
ياسين لا يخفي عني شيئا من خصوصياته، اعلمني بمجرد احتلامه لأول مرة، كما اراني اول زغبات ظهرت على عانته. كما صارحني ذات مرة انه استمنى، بعدما ضبطته يتفرس في نساء عاريات على أحد المواقع في الأنترنيت قلت له :
ـــــــــ 160 ــــــ
" إسمع يا بني، لو أخبرك أحد الناس أن هناك أجمل من إمراة عارية فاجزم بأنه كاذب أو يعاني تخلفا عقليا أو برودا جنسيا.. لكن القضية تكمن في كون هاته اللعبة الخطيرة ستصبح مخدرا يصعب التخلص منه إن بدأته على سبيل التجربة.. هذا بالإضافة الى كون النظر للنساء الجميلات بدون داع يغضب الله .
اعلمت زوجتي ان هناك دراسة غربية أسست على سبرآراء آلاف الآباء و الأمهات و الإخصائيين أكدت أن غربة المراهق داخل أسرته و الإهمال الذي يلاقيه من قبل أبويه تعدّ أهم أسباب إنحراف الشباب.. فأثناء بحثه عن الحب خارج البيت، يتورط المراهق في تجارب مدمرة .. فأحسن ما يهبه الآباء لأبنائهم ليس المال و لا الهدايا، بل جزءا و لو كان يسيرا من وقتهم و إهتمامهم..
حين لم استطع منع نفسي من إستراق النظر الي اللحم المكشوف، وتأكدت من فشلي التام في السيطرة على عيني، نهضت مجتازا النصف الأول من العربة، لأقف حذو الباب متطلعا الى الخارج.. كان يقطع الصمت المخيم على الركاب ضحكات طفل نرويجي لم يتجاوز السنة من عمره إلا بقليل .. كان يستمتع بشكل واضح بخطواته الاولى التي كان يخطوها.. كان يمشي حينا و يتوقف حينا أخر رافعا يديه ثم ملامسا بهما ارضية العربة.. كانت هناك سيدة عجوز تشجع الصبي بصوت ضعيف كلما حاذاها متّجها صوب أمه التي كانت تجلس على بعد مترين في الجزء الأمامي من العربة.. كانت الأم الشابة تستقبل صغيرها في كل مرّة فاتحة ذراعيها فيرتمي الصبيّ بين يديها فتضمه الى صدرها.. بعد أن تلاطفه بكلمات قليلة، و حين تتأكد من إسترجاع أنفاسه بما فيه الكفاية، كانت تديره بين يديها مشيرة بإصبعها الى شابّ جالس في قاع الجزء الخلفي من العربة التي لا يفصلها عن الجزء الأمامي غير حاجز زجاجي، فيتجه الصبي من فوره الى حيث يجلس الأب الشابّ الذي كان يستقبله بنفس حفاوة الأم.

حين توقف القطار في محطة Bryn نزلت الفتاة الحسناء فتوّجهت فورا الى حيث المقعد الشاغر.. قبل أن أدركه، طالعني صاحب الجريدة و قد طوى صحيفته و أرخى جفنيه و أسند رأسه الى زجاج النافذة" ربما رأيته في المركز الثقافي" هكذا فكرت.. حين شاهدت بجانبه أعدادا من صحيفة خليجية، أيقنت أنني رأيت الرجل هناك.. كان المركز الثقافي يتلقى أسبوعيا أعدادا هائلة من تلك الصحيفة الخليجية الثقيلة الظلّ، و كان الإمام الباكستاني يحث المصلين العرب على أخذها من المركز تخلصا منها.
حين قلت لحبيب الرحمن :
ــ انظر، لقد بلغت استهانة أصحاب الجريدة بمشاعر المسلمين حد تسميتها "بالندوة ".
حملق فيّ ببلاهة، ثم رفع كتفيه ولوى شفتيه و أشار بيديه قبل أن يردّ:
" ماذا يعني لك ذلك؟"
عقّب بعد سكوت:
" أنا لم افهم ما تريد ان تصل اليه؟"
سألته ملقنا، و قد بدا لي في جهله مجرّد طفل صغير قد إرتدى ثيابا تنكرية و لحية اصطناعية:
" مااسم الدار التي كان يجتمع فيها كفار قريش للتآمر على النبي محمد؟"
أجاب دون ان يبدو عليه أنه أدرك ما أعنيه:
" دار الندوة ".
اضطرني الى مزيد من الإيضاح:
" اذا كان قد اصطلح على تسمية المؤسسة التي تصدر جريدة الصباح مثلا، دار الصباح. فكيف تكون تسمية المؤسسة التي تصدر صحيفة الندوة؟"
زاده شرحي حيرة. أصابني إحباط بعد ما ايقنت انني كنت انفخ في قربة مثقوبة، تولّى شابّ باكستانيّ يدرس في مصر توضيح ما أردت تبليغه لحبيب الرحمن، رغم فهم الأخير ما كنت أريد

ــــ161ـــــ

تبليغه. فقد زادته المعلومة وجوما، ولاني ظهره، قال وهو في طريقه الي مكتبه:
" يجب على المسلم احسان الظن باولياء امور المسلمين"
أيقنت انني كنت اقدم الدرر للخنازير. لحقت به، وجدته يعالج قفل مكتبه، قلت له:
" لو كانوا أولياء أمورنا حقا، لكنت الآن في السعودية بدل النرويج. و لو كانوا أولياء أمورنا حقا لهرب شخص مطارد مثلي الي السعودية لا الى النرويج ".. قبل ان يفتح فمه تركته و انصرفت. كان ذلك بدء نفوري منه.

قبل وصول القطار الى Alan أقبلت مراقبة تذاكر شابّة وهي توزع ابتساماتها يمينا و شمالا.. الرائع في النرويج انك تجد ــ في أغلب الحالات ــ الموظف المناسب في المكان المناسب. الشغل يختار هنا عن قناعة ليمارس بما يشبه العبادة.. حتى في مركز الشرطة تستقبلك الشرطية بالطريقة التي تستقبلك مضيفة الطائرة. وجدت المدرسين في النرويج اصبر من والدة على ولدها، في مركز اللجوء بجزيرة "ساند توشون" كان المدّرس" هرّالد" الذي لا تفارق الإبتسامة وجهه المغضّن، يلقن الشاب السيرلينكي و للمرة العاشرة: "هذا الحرف h ، ننطقه هكذا... هو ... مثلا، هرالد، اسمي أنا هرّالد" فيجيب الشاب السيريلانكي:" خو... خرّالد"! فما يزيد اعوجاج السيريلانكي" خرّالد" الا استمتاعا و بهجة!.. في بلادي، الظروف هي التي تجبر المرء على الإنخراط في سلك معيّن قد لا يصلح له إلا كصلوحية جورج دبل يو بوش كي يكون رئيسا.. في بلاد المسلمين تصادف مدرسا له عقلية جلاد، كما تجد طبيبا له عقلية تاجر، كما تعثر عن محام له عقلية مراب." سي عبد العزيز" الرهيب، مدرّسي في الصفّ الرابع الإبتدائي في مدرسة عليّ باش حانبة ببنزرت، كان يملك بنيان سيلفستر ستالون، و ملامحه الخشنة، وابتسامته المروّعة. اذا ابتسم سي عبد العزيز، فتلك اشارة الى بدء عاصفة صحرائه، لا أحد كان يجرؤ على مجرّد الإستئذان للذهاب الى دورة المياه مهما كانت إستعجالية حالته، خصوصا اذا كان من غير النجباء. أحيانا يتبول التلاميذ على انفسهم، و احيانا يفعلون أكثر من ذلك ! زميلي لطفي كان من جملة "من يفعل ذلك"! بلغ الرعب بلطفي حدّ فقدانه القدرة على التلفظ باسمه بشكل مفهوم، اذا سئل لطفي عن اسمه تردد طويلا ، ثم تلعثم، ليتلفظ به كالآتي" لفشي!" بعد أكثر من أربعين سنة أرى "لفشي" الآن يمثل أمامي. طفل رث الهندام، ضعيف البنية، شاحب الوجه، لا يكاد يرفع راسه من الأرض، مع ابتسامة باهتة مرسومة على وجه لا تغادره إلا اذا ولج الفصل.

في مطلع أول سنة دراسية لعينة، و في ظل صمت رهيب عمّ الفصل المكتظ بخمسين تلميذا مرعوبا. تطلّع الينا سي عبد العزيز بعيون قلقة، رأيناه يفتح محفظته الجلدية، ثم يخرج منها مجموعة كبيرة من مساطر بلاستيكية مسطحة، أنتظرنا كي توزع علينا، خاب ظننا سريعا حين رأيناه يدسّها في خزانة حجرية ذات بابين خشبيين جعلت وراء مكتبه.. اكتفى سي عبد العزيز بواحدة وضعها أمام مكتبه الملوث بالطباشير، اتخذ سي عبد العزيز من تلك الأدوات التعليمية وسائل تعذيب رهيبة. كان نصيب من أخطأ الإجابة منا، ضربة بتلك المسطرة تنهال عليه بعنف من الجانب غير المسطح فتترك على راسه نتوءا ت اصغرها في حجم حبة الحمّص.. رغم حصولي على الترتيب الأول، كان رأسي لا يخلو من آثار تلك المساطر الرهيبة. كما كان يحلو لسي عبد العزيز أيضا ضربنا بمساطر قصيرة بعد أن يأمرنا بتجميع أناملنا لتنهال عليها بقوة. و كلما أبعد التلميذ يده في آخر لحظة لتجنب تلك الضربات، زادت شراسة سي عبد العزيز و تضاعف غضبه.. تتضاعف المأساة إذا كان ذلك الضرب يتمّ شتاء حين يصل التلامذة إلى الفصل و قد أحمرت أصابعهم و تورّمت من أثر الصقيع. هناك وسيلة تعذيب أخرى من ابتكارات سي عبد العزيز، و
ـــــ 162 ــــــ

تتمثل في إجبار التلميذ على فتح فمه، و قبول ملعقة كبيرة من الملح يتم مصّها رويدا رويدا خلال بقية الحصّة. يقع ذلك في صورة اخفاق المغضوب عليه في الإجابه الصحيحة ( الشغب داخل الفصل غير وارد أصلا) .. أما "سي عليّ" فقد استغني بالفلقة على جميع الوسائل الأخرى، كان" سي عليّ" يستعين بأكبر التلاميذ بنية لطرح التلميذ المعذب على ظهره، ثم إدخال رجليه بين حبل و عصا غليظة يتم ادارتها على الحبل، حتى تحصر قدماه فتكونا هدفا ثابتا لضربات سي علي ...
الآن تغير الأمر تماما في تونس، فقد أعطي التلميذ، و على غرار النرويج، صلاحية التمرّد على المدرّس الذي لم يعد يستعمل قبضته إلا دفاعا عن النفس!

حين وصلت مراقبة التذاكر الى صاحب جريدة "الندوة" وجدته غافيا، نادته مرتين لكنه لم يجب، حين لمسته من مرفقه هبّ صائحا وهو يستر وجهه بيديه في هيئة من يصدّ هجوما...كان ذعر مراقبة التذاكر أشد من ذعره... لكنها استجمعت قواها بسرعة و اخذت تهدئ من روعه .. حين سكن روعه نظر الى الحضور ثم وزع عليهم ابتسامة معتذرة.. رغم ذلك بقي في حالة ارتباك و حرج، لم يدر فيها ماذا يصنع بنفسه.. كان من آثار ارتباكه أن قدّم لي نفسه.
" رشيد.... من الجزائر"
" أهلا أنا سامي، من تونس " أضاف
.. دون ان يغادره تجهمه:
" رايتك في المركز الثقافي... ظننت انك من العراق "
أصبح الصبي النرويجي يجلس على يسارنا كان بين ذراعي والده بعد أن هدّه التعب .
حين وصلنا الى محطة Grorud ظهر من الباب الأيسر للعربة شاب صومالي، كان يعتمر قبعة بيضاء. رأيناه من أماكننا وهويحاول جاهدا إصعاد عربة أطفال برز في أسفلها كيس بصل كبير وأكياس عديدة من الطحين. في الجزء العلوي من العربة، ظهر رأس رضيع صومالي حديث الولادة ..في تلك اللحظة، أفلت الصبيّ النرويجيّ من حضن أبيه متّجها نحو امه.. حين وصل الى مستوى الحاجز الزجاجيّ الفاصل بين جزئي عربة القطار، كانت العربة التي يدفعها الصومالي، قد استقرت على أرضية القطار وحالت بين الصبي النرويجي وبين اكمال شوطه المعتاد ..لأجل ذلك توقف حائرا، لكن حيرته لم تدم طويلا، فقد وجد الفرصة مناسبة ليقترب أكثر من عربة الأطفال ثم ليلامس الرضيع الأسود.. في هاته الأثناء، وصلت سيدة مديدة القامة ترتدي جلبابا داكن السواد و قد لفت راسها بنقاب أسود وأستقبلتنا بوجه تولت نظارة سوداء سميكة إغلاق جميع منافذه.. كانت المرأة تمثل فزّاعة حقيقية.. حال رؤيتي لها أصبت بإكتئاب مفاجئ. في حين تمتم رشيد بحزن ظاهر :
" إنا لله و انا اليه راجعون"
كان الصبي النرويجي قد انهمك تماما في ملاعبة الرضيع الأسود، حين شرعت المراة المنقبة في تبادل حوار غير ودّيّ مع زوجها الصومالي. لم يلبث الحوار ان تصاعدت لهجته. مما حمل المرأة على الإستعانة بيديها المغطاتين بقفازين أسودين.. كتعبير عن غضبها، دفعت المراة العربة قليلا الى جهة اليسار بشكل أوقع الصبيّ النرويجي بين الزاوية الزجاجية لعربة القطار وعربة الرضيع فبقي محاصرا في مكانه.. داهمني احساس بان كارثة ستحصل..كان والد الصبيّ النرويجيّ مترددا بين النهوض أو الجلوس. كانت تـتنازعه رغبة و أمل، رغبة في تخليص ولده، و أمل في تفطن الزوجين المتصايحين لوضعية طفله الذي طفق يبحث عن مسلك للخروج، حين رفع الصبي راسه الى المرأة التي كثر زعيقها وتضاعفت حركات يديها أندفع يصرخ بشكل هستيري كأنه رأى شبحا حقيقيّا.. رغم مسارعة والده الي انتشاله من موقع حصاره، لم يكفّ الصبيّ عن الصّراخ و النظر الى المرأة المنقّبة التي زاد صراخها إرتفاعا بعد محاولة زوجها انتزاع النظارة من فوق عينيها، حين قدّر
ــــــ 163 ـــــ

انها السبب في رعب الصبي. و قد توافق ذلك الصراع الزوجي، مع شروع الرضيع الأسود بالصراخ، مما أكثر تعليقات الركاب وضاعف تبرمهم.
فجأة، هبّ رشيد من مقعده، اخذ يضرب الكرسي بيده وهو يصيح:
ـــ آش هالعذاب يا ربي .. آش هالميزيريا( التعاسة) قبل 14 قرنا المرا المسلمة تقود الجيوش، وهذه مرا مسلمة في القرن العشرين تغطي في وجهها كانها عفريت ..يا ربي آش هالعذاب؟
كان توقف القطار في محطةHaugenstua بمثابة اعلان إدارة سكك الحديد عن توقف العرض البائس. فقد سارع الزوجان الصوماليان بالهبوط . شكرت الله ثم انصرفت الى تهدئة الكهل الجزائري الذي دسّ راسه بين يديه و انخرط في نشيج مسموع !
لم يكن في امكاني ترك رشيد في ذلك الوضع البائس، لأجل ذلك قرّرت أول الأمر تجاهل محطتى Haybråten التي اشرفت على القرب منها ،سألته:
ـــ أخ رشيد ما هي وجهتك؟
مسح عينيه بطرف كمّه ثم افادني:
ـــ في الواقع ليست لي وجهة معينة، سوء حظى فقط هو الذي حملني على ركوب هذا القطار اللعين.. تذكرتى ستفقد صلوحيتها هذا المساء، أردت استغلالها للتعرف على ضواحي أوسلو .
قلت له وكأنني اخاطب صديقا قديما:
ــ ذكرني اجتهادك الذي ورطك في رحلة تعيسة، ببخيل إحتاج ذات مرة الى زجاجة فارغة ولما كانت لديه زجاجة فيها بقية سائل لعلاج الجروح، جرح إصبعه ثم لطخه ببقية ذلك السائل حتى لا يذهب هدرا. لأول مرة رايته يبتسم. مسح شاربه الكث ثم قال:
ــ يبدو أن الجرح الذي أحدثه لي النقاب السلفي الكريه كان أعمق بكثير من جرحه .
لم أشا أن أقول له " دون شك، و الدليل على ذلك، أنك بكيت كما يبكي طفل صغير!" لكني لزمت الصمت.
كان القطار قد خفّف من سرعته استعدادا للتوقف في Haybråten حين اقترحت على رشيد مصاحبتي الي بيتي كبديل عن مرافقته التي قدرت انها ضرورية، لم يتح لي تردده في قبول دعوتي أي خيار سوى جرّه عنوة الى الخارج، خصوصا و قد صفرت مراقبة التذاكر معلنة عن انطلاق القطار من جديد.
ـــ لو كنت حاكما مسلما لمنعت النساء من تغطية وجوههن .
قلت ضاحكا :
ـــ شخصيا لا أوافقك على هذا القرار الرئاسي!
ـــ...
ـــ مالفرق إذن بينك و بين أي ديكتاتور؟!
بعد قليل اضفت :
ـــ لو كنت حاكما لتركت النساء يلبسن النقاب بعد قسمهن بإعلام كل من سأل عن ذلك الزيّ الغريب بانه مجرد تقليد لا صلة له بالإسلام.
حين سألت رشيد :
" من تصاحب في هذه البلاد؟ اجابني على البديهة:" من أبصق في وجهه دون أن يغضب منيّ"ضحكت طويلا، لم أشأ سؤال رشيد عن ذلك الصّديق الصّبور. كنت أعلم أنه يصاحب حيطان بيته! الطرفة معروفة في التراث العربي..فيما بعد، أخبرني رشيد أن حسن حظه هو الذي حمله على الركوب في تلك العربة كي يتعرّف عليّ بشكل جدّي.

توطدت علاقتي برشيد بعد لقاءاتي به في "فنتانا هيسا".. المؤسسة النرويجية التي يديرها اناس
ــ 164 ـــــــ

رائعون نذروا أنفسهم لرعاية المكتئبين.. كنت اتردّد على تلك المؤسسة منذ خمس سنوات قبل ان يلتحق بي رشيد و يسجل عضويته فيها.

في الحقيقة كنت محتاجا الى رشيد بقدر ما كان يحتاج اليّ .
و لكن هيهات. لا رشيد بعد اليوم .



الفصل الثلاثون
الإخوان المسلمون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حين سألني بلال الفرنسي :" كيف أميّز بين جماعة تابعة للإخوان المسلمين و جماعة أخرى لا تحمل الفكر الإخوانيّ" أجبته:" باختصار شديد، كل جماعة تعترف بشرعية الحكام العلمانيين، و تشارك في الإنتخابات لدخول البرلمانات هي جماعة اخوانية، مهما كانت جنسيتها و مهما كانت الشعارات التي ترفعها"
بعد انصراف بلال الفرنسي، وجدت الوقت الكافي لأتذكر كم أنا مدين لرشيد .. لعلّ أعظم افضال رشيد عليّ، تعريفه لي بحقيقة الإخوان المسلمين التي تأسست سنة 1928 بمصر.

رغم ان حركة النهضة التي كنت انشط معها في تونس كانت إخوانيّة، و رغم تذمّري من سوء أداء قيادتها، إلاّ أنني كنت أعزّي نفسي بقدوم قيادة جديدة تطبّق مبادئ الإخوان بشكل صحيح.. كنت أجهل ساعتها أن قيادة النهضة، وهي تسيء الأداء، كانت تسير على منهج الإخوان، و بشكل صحيح!

في لقاءاتي الأولي برشيد، و حين أبديت له استيائي من النقد الشديد الذي كان يوجّهه لجماعة الإخوان المسلمين، ابتسم ثم قال:" سيأتي يوم تتأكد فيه أن وجود خمّارة وماخور و بنك ربويّ في مدينة ما، أفضل من وجود جماعة إخوان".
أشفقت ساعتها على رشيد، قرّرت معاملته بطرقة أبويّة. كنت متأكّدا أنّ المسكين كان مجرّد ضحيّة لعملية التشويه التي يقوم بها أعداء الإسلام لتنفير الشباب المسلم من " مجدّد القرن" حسن البنا ـ مؤسس الإخوان ــ و حركته.

رغم سخطي أيضا عن الأداء السيئ لجماعة الإخوان في مصر و في غير مصر، فقد كنت أرجع الأخطاء المميتة التي ترتكبها الجماعة إلى بعد قيادتها عن الإقتداء "بالإمام الشهيد".. لم أكن أتصوّر أن "الإمام الشهيد" هو مصدر كلّ الكوارث الماضية و الحاضرة و المستقبلة!

حين حدّثني أوّل مرّة عن الإخوان، كان رشيد لا يزال يحمل بين جنبيه آثار طعنة اخوانية تلقاها حديثا من إخوان الجزائر بقيادة بقرتهم المقدسة محفوظ النحناح.

ــــ165 ــــ

حين دافعت عن النحناح غضب منّي رشيد.. سألني:" كيف تبرر إمتناع شخص يدّعي أنه يحمل فكرا إسلاميا، عن الإنضمام الى جبهة موحّدة شكلتها كلّ القوى الإسلامية؟!" .
ـــ ربما كانت مبادرة شخصية لا يتحمّل كلّ إخوان الجزائر عارها.
ـــ كم انت طيب القلب يا سامي، هذا لأنك لم تعرف بعد حقيقة الإخوان.

كيف يزعم رشيد أنني لا أعرف الإخوان؟.. و لكن ماهي مصادري التي أعتمدتها لمعرفة فكرهم...الحقيقة أن مصدرين وحيدين كانا امامي.. أولهما كتّاب السلطة الذين كانوا يصوّرون الإخوان كشياطين لا حسنة لهم، وثانيهما كتّاب الإخوان الذين كانوا يصوّرون حسن البنا و كبار زعاماتهم كملائكة لا سيئة لهم... كان عليّ أن انحاز الى الفكر الإخواني الذي يدعو ــ حسبما كنت أتصور حتى ذلك الحين ــ الى اسلمة دساتير بلادنا وتسليم قيادنا الى ساسة لا يرضخون الى إملاءات الغرب.. لم يكن لدي أيّ خيار غير الإنحياز الى الجهة التي تمجّد حسن البنا والإخوان المسلمين. ولعل الشيء الذي حسم في انحيازي الى طائفة الممجّدين لفكر الإخوان، أن مؤسس الإخوان كان أوّل من حارب اليهود في فلسطين قبل أن يسقط شهيدا برصاص الملك العلماني فاروق.

حين لا حظ رشيد شرودي كان عليه ان ينبهني.
ـــ سامي ... سامي هل انت معي ؟
ـــ نعم ، واصل من فضلك.. في الحقيقة، صدمني كثيرا إتهامك لي باني لم اعرف الإخوان.. كيف أجهل حقيقة الإخوان و أنا منفيّ في هذا الجزء المروّع من القطب الشمالي بسبب العمل في حركة اخوانية؟!
ـــ ...
ثم معقبا:
ــ ولكن كلامك أوحى لي بضرورة البحث عن مصدر ثالث للمعلومات حول جماعة الإخوان، جهة ثالثة لا تمثل أعداء أو عشّاق الأخوان.. لعلك تمثل ذلك المصدر لأنك لست من كتاب السلطة و لا يبدو انك من ممجّدي الإخوان.
ـــ ثقتي بسعة افقك أولا و بعدك عن التعصّب للأشخاص ثانيا، هما اللذان حملاني على الإعتقاد و كما قلت لك منذ قليل ، بانه سياتي يوم تتأكد فيه أن وجود خمارة و ماخور و بنك ربوي في بلد ما أقل ضررا من وجود جماعة اخوانية فيها.
حين لا حظ رشيدي متابعتي استمر:
ـــ لأنه ليس في مقدور كل أحد أن يتعافي من عاهاته الفكرية و يغيّر قناعات يتمسّك بها الملايين مهما كان تفاهتها و عدم صمودها امام الحقائق.
ثم وهو يضع يده على كتفي:
ــ منذ اول لقاء لنا استبعدت أن تكون ميتا أو أحمقا.
ـــ مدحك الأخرق لي يذكرني بطرفة لا اشك أنك تعرفها.. أعني الأمير الأحمق الذي مر بمزارع قد ربط حمارا حول ساقية و جعل في عنقه جلجلا وحين قال له الأمير، لنفترض ان الحمار قد توقف عن الدوران واكتفى بتحريك رأسه، فما يدريك انه قد توقف فرد عليه المزارع .. و اين الحمار من ذكاء الأمير !؟.
ضحك رشيد قبل ان يقول:
ــــ اعترف ان في كلامي بعض الفظاظة، كل ما قصدته أن الموتى و الحمقى فقط هم الذين لا يغيّرون قناعاتهم .
كان رشيد لحظتها يغالي في إطرائي، فقد كنت مستعدا ساعتها أن اسقط ثقتي بكل إخوان العالم، و لكن ليس بالإمام الشهيد و مجدد القرن و مؤسس الإخوان حسن البنا. وعلى أساس تلك القناعة
ــــ 166ــــــــــــــــ

واصلت الإستماع الى رشيد وهو يعدّد جرائم محفوظ النحناح كبير إخوان الجزائر .
ـــ هل يعقل أن لا تصوّت لمن يحمل نفس برنامجك لترمي بصوتك وكل اصوات أتباعك في صندوق القمامة ؟
ـــ هل تعني ان اتباع النحناع قد صوتوا لحزبهم المجهريّ و لم يصوتوا لجبهة الإنقاذ؟
ـــ هذا ما حصل فعلا، و هكذا ألقوا بأصواتهم من النافذة.
ـــ ...
ـــ ثم هل يمكن ان يتحالف إنسان سويّ مع الجنرالات الذين يعذبون الرجال والنساء و يغتصبونهم في جحيم المعتقلات الصحراوية؟ وهل يمكن لمسلم أن يبارك جهود جنرالات الجزائر في مقاومة مشروع وطني يدعو الى القضاء على الفساد السياسي؟
كنت اعلم ان محفوظ النحناح قد فعل كل ذلك و استقبل عمله بترحاب شـديد من قبل كل زعامات الإخوان المسلمين في العالم بما فيهم راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة!
ـــ اذا كان النحناح شخصا مجرما، فكيف تحمّل كل الإخوان وزر إجرامه؟
ـــ المشكلة يا عزيزي سامي ليست في النحناح، بل في حسن البنا، فالنحناح مجرّد نسخة كربونية من حسن البنا، فكل خطـــوة قام بها محفوظ النحناح كان حسن البنا قد سبقه الى القيام بها.

كان التهجّم المباشر على حسن البنا و تاريخه الناصع فوق احتمالي، لأجل ذلك انتفضت غاضبا:
ـــ انت تردد بالضبط ما يقوله اعداء الإسلام..
ثم و انا أنهض:
ــ من فضلك اسمح لي بالإنصراف، لم يعد لوجودي ما يبرره.
أمسك رشيد بيدي وهو يقول :
ـــ لك الحق ان تغضب من قولي، فقبل عشر سنوات كنت ساتصرف مثلك و ربما بطريقة أشدّ عنفا.
أجلسني مرة ثانية.. سكب لي مزيدا من القهوة قبل ان يقول مبتسما:
ــ سامي ارجو أن تسامحني، اعترف اني كنت مخطئا .
تفرست في رشيد ببلاهة, انفرجت شفتاي عن ابتسامة، ابتسم رشيد مرة أخرى، أدرك بسرعة ما جال في خاطري. تفطن إلى أنني أعتبرت الأمر كله كان مجـرّد مزحة ثقيلة، و ان رشيد يؤمن في حقيقة الأمر بعبقرية حسن البنا، ويقدّر جهوده في تجـديد الإسلام و نصرته و فتح الآفاق أمام عودته من جديد على الساحة السياسية.
لم يترك لي رشيد مجالا أطول للإستمتاع ببلاهتي ، سرعان ما وجّه لي لطمة مباشرة:
ـــ طبعا، اقصد انني كنت مخطئا في حقك أنت،لأني سببت لك بحماقتي انفعالا مجانيا.
ـــ ...
ــــ و لم اخطىء كما توهمت في حكمي على مؤسس الإخوان.
ــــ ...
ــــ كان عليّ أولا أن ازودك قبل" التهجّم على الإمام الشهيد " بمذكرات مؤسس الاخوان وكبار زعمائهم ليكون حوارنا مبنيا على مسلّـمات مشتركة و حتى لا يتدنى الى مستوى حوار الصمّ.

حين غادرت بيت رشيد، كنت مزوّدا بمذكّرات حسن البنا، مع قصاصات من الصحف المصرية التي أجرت حوارات مع البنا و كبار اتباعه. بالإضافة الى أعداد كبيرة من المجلة " الدعوة ".. برافدا الإخوان المسلمين.
ــــــــــــ 167 ــــــ

في طريقي الى البيت وجدت الوقت الكافي لتقييم شخصية رشيد، الشخص الذي سيمّثل قناتي الجديدة لمعرفة المزيد عن الإخوان المسلمين.. رشيد شخص جدير بالثقة، وهو رجل افعال و ليس رجل أقوال، فقد وضع معتقداته موضع التنفيذ و لم يتركها حبيسة أمنياته كما انه زاهد في الشهرة وحب الظهور و يعيش حياة بسيطة، فكل اثات بيته لا يقدّر بألف كرونه.، كان في امكان رشيد أن يشغل الآن و بجدارة منصب وزير الثقافة في الجزائر فهو شاعر و مفكر ومحاضر بارع. كما ان الرجل يحمل فكرا عالميا ذي نزعة انسانية تتألّم لألم ضحايا الغول الراسمالي مهما كانت عقائد و جنسيات هؤلاء الضحايا.. قد يمثّل لي رشيد الخيط الذي كنت أبحث عنه أي الجهة التي تتناول الشأن الإخواني بموضوعية خالصة من الكراهية و الحبّ العمياوين.. رشيد يؤمن أيضا بقدرة الثقافة الإسلامية بما فيها من تنوير على النهوض من جديد بالعالم الإسلامي و تحرير البشرية من جنون الرأسمالية و جشع و جرائم الشركات المتعددة الجنسيات.
رغم المركز الكبير الذي كان يشغله رشيد في بلاده، فقد ضحّى بكل شيء، رضي أن يكون بطة جالسة تستهدفها نيران جنرالات الجزائر، حين قبل أن يكون مرشحا لدخول أول برلمان للجبهة الإسلامية للإنقاذ، رغم الإنذار المبكر الذي أصدره الغرب ممثلا بفرنسا، بأنّ نجاح جبهة الإنقاذ خط أحمّر.. فقد روّجت فرنسا حين علمت بعزم الجبهة دخول الإنتخابات، بأنّ الجزائر تصنع أسلحة محرّمة دوليّا، تمهيدا لتدخلها العسكري المباشر أو غير المباشر في صورة وصول جبهة الإنقاذ للسلطة.. العجيب ان فرنسا نسيت مسألة "الأسلحة المحرّمة" بمجرّد انقلاب العسكريين على العملية الإنتخابية التي فازت بها الجبهة الإسلامية.. كان رشيد يعلم أن الجزائر ليست ايران،كما كان يدرك جيدا أن علي بلحاج زعيم الجبهة ليس الخميني حتى تفرش أمامه الطرق بالبساط الأحمر و تنثر عليه الزهور من قبل الغرب الذي احتض كاهن قم في فرنسا قبل ان يرسله الى طهران مصحوبا ب156 صحفيا من مختلف الجنسيات ليستقبل هناك استقبال الأبطال، بل كان يعلم ان مجرد نجاح جبهة الإنقاذ و ان كان سيتم ّبطريقة ديمقراطية سلميّة، سيصيب الغرب ــ المبشر المزيّف بالديمقراطية و المتباكي في كل مناسبة علي حقوق الإنسان ــ بما يشبه السّعار و الجنون. لأنّ الجزائر المسلمة، وعلى خلاف الفزّاعة الشيعية ذات الثقافة الخرافية المجوسيّة، ستمثل تحديّا حقيقيّا لمصالح الغرب و سياسته الإمبريالية و تطلعاته الى السيطرة الأبدية على اسواق بلاد المسلمين و ثرواتهم الطبيعية.. كان الغرب يدرك ان تلك السيطرة لن تتم له الا بانتقاء جنرالات وملوك وراثيين يرضون بدور إمساك البقرة من قرنيها لسلب العالم الإسلامي لقاء بقائهم في الحكم.

حين كنت في تونس أزعجتني كثيرا ميوعة حركة النهضة الإخوانية و انحرافها عن النهج النبوي في مواجهة الدكتاتورية.. كان فقدان بورقيبة السيطرة على مقاليد الحكم بحكم تقدّمه في السنّ، هو ما مكّن قادة النهضة من تأسيس حركة اسلامية و ان كانت رخوة و مخنثة و مجهولة الجنس.. منذ بيانها التأسيسيّ أعلنت حركة النهضة أنها ليست الناطق الرسمي باسم الإسلام كما أعلنت أيضا أنها لا تحتكر الحديث باسم الإسلام.. كان ذلك يغيظني، كنت أوهم نفسي بقدوم قيادة أخرى تسير على منهج حسن البنا لتصلح ما افسدته قيادة الحركة.

ـــ كيف تشكّك في نزاهة الإنقلاب الذي خططت له الحركة؟
هكذا حاجني موسى رجب وهو يظن انه قد احكم علي الطوق:
ـــ الإنقلاب الذي قامت به حركة النهضة كان لمجرّد انقاذ رقاب ثلاثين قياديا نهضويّا سجينا قرّر بورقيبة تجديد محاكمتهم ثم إعدامهم..اما وجود عسكريين تابعين للحركة داخل صفوف الجيش فربما كان ذلك اجراءا احتياطيا لوقوف الحركة امام أي انقلاب شيوعي او قومي، ثم أن الحركة لم تكن جادة في انقلابها فقد ألقت سلاحها بمجرّد الإنقلاب الإستباقي الذي قام وزير الداخلية قبل انقلابها بساعات.. و ما كان
ــــ 168 ـــــــ

عليها ان تتصرف بذلك الشكل الأخرق. لأن القضاء على قوتها العسكرية قد أصبح مؤكدا.

بلغت قيادة النهضة ذروة التفاهة حين قرّرت حشد جميع قواها الشعبية لدخول انتخابات كيدية أجراها الجنرال بن علي لتقييم حضورها الجماهيري. و حين تأكد الجنرال من جماهيرية الحركة التي تحولت بعد تجريدها من جناحها العسكري الى بطّة جالسة، صفىّ أفرادها!
حين استنكر موسى رجب تحليلي السابق، أضفت :
ـــ لو فرضنا جدلا أن حركة النهضة كانت جادة في انقلابها، فالعناصر"المتشددة" كما تسميهم الحركة هي التي خططت له، خصوصا وان جميع المؤسسين كانوا في السجن أو خارج البلاد. ثم أن انقلاب حركة النهضة كان استثنائيا، فلم يحدث في تاريخ الإخوان المسلمين ان اشتركوا في انقلاب ضد أي نظام عربي.
ـــ والحرب الذي شنتها حركة اخوان سوريا في حماة في أول الثمانينات؟
ـــ كانت من تخطيط و تنفيذ مروان حديد، و هو عنصر مطرود من جماعة الإخوان التي اكتشفت متأخرة انها ادخلت مواد" حديدية " في الجيلاتين الإخوانيّ الذي يمثل أقوى مواد بنائها!
ـــ هذا محض جحود و تنكّر
ــ كيف يمكنك يا موسى رجب متابعة الأحداث و راسك محشور بين العجين و البصل..
ـــ ...
ــ فهل لجأت الى النرويج كي تتفرغ لبيع البيتزا و الكباب، أم لتناضل في سيبل تحرير بلادك، أو على الأقل لمعرفة الأخطاء التي سببت نفيك و تشرّدك؟
ـــ كيف اكسب رزقي اذن، أم تريدني ان اتسول أمام مكاتب الضمان الإجتماعي؟
ـــ لا اطلب منك ذلك، كل ما ارجوه منك أن تترك البيتزا والكباب لبعض الوقت لتتابع ما يدور حولك، فلديك عمّال كثيرون يقومون بذلك، ثم لماذا نجد المغنّي مطلعا على أحدث ما أصدره المغنون من أمثاله بينما تجد المسلم يجهل حتى أسماء الكتّاب الذين نقدوا الحركات الإسلامية.. ارجوك دع عنك نشريات الأخوان وأدبياتهم، اقرا ما يقال عن الإخوان.. عدوك فقط هو الذي يعرف اخطاءك، تخلص بحق الله من أسر عشقك الأعمي لقيادتك التي تورّطت الى الأذقان.
كان كلامي لموسى رجب كقول اعمي لأصم" نتشاوف " !

كان عليّ الإكتفاء بقراءة سريعة للأدبيات الإخوانية و قصاصات المجلات التي زودني بها رشيد، لأتيقن من ان حسن البنا كان مجرّد بالونة هواء لأنه يؤمن بشرعية الحاكم الفاسد و بوجوب إطاعته حتى لو سجد لصنم أو حكم بدستور مخالف للقران، بل حتي لو تعامل مع المحتل.

بلغ بي الغثيان حدّا أقصى حين وجدت في" برافدا الإخوان" وصف البنا للملك فاروق بالفاروق العظيم، أي بعمر بن الخطاب!، و الحال أن بيل كلينتن يعد أكثر من قديس بالقياس الى شبق فاروق و هوسه بنساء الآخرين.. كما تقززت من أداء حسن البنا مهمّة رجال الكنيسة في اصدار قرارات الحرمان، حين حكم بالكفر على أفراد من جماعته حاولوا تصفية عناصر حكومية ثبت تعاملها مع الاحتلال الأنكليزي فقال عنهم " ليسوا اخوانا و ليسوا مسلمين"..كما اشتقت كثيرا الى التبوّل عل كل قياديّ اخواني، حين علمت ان حسن البنا قد اعترف بشرعية إحتلال بريطانيا لمصر. كما تمنيت أن يمسخ الله كل قيادي إخواني بقرة ينتفع بها جوعى افريقيا و آسيا، حينما وجدت في كتابات الإخوان ما يشير الى إعتراف حسن البنا بدستور 1923 أول دستور بريطاني وضع في بلاد المسلمين كبديل للدستورالإسلامي !
ـــ لو كان البنا كما تصفه، لما قتله الملك فاروق.
ــــــ 169 ـــ

هكذا قال لي موسى رجب وهو يظن انه قد حشرني في زاوية .
ـــ أما مقتل البنا عن طريق فاروق فقد أريد به رفع رصيد القتيل امام الجماهير الى درجة الصديقين و الشهداء .
ـــ وهل تنكرقتال كتائب الإخوان في فلسطين، لقد اعترف به العدو قبل الصديق؟
ـــ يكفي ان تعلم ان الشيوعيين قاتلوا ايضا في حرب فلسطين لتعلم ان تلك الحرب التي شارك فيها الإخوان كانت شرفيّة او قل صوريّة.
ـــ كيف علمت انها صورية ؟
ـــ أجبني من فضلك، من كان القائد الأعلى للجيوش العربية في فلسطين؟
ـــ ...
ـــ أجبني ...من كان القائد الأعلى لتلك الحرب التي كان الإخوان عنصرا فيها؟
ـــ كان.. فيما أعتقد ...
ـــ الم أقل لك انه يجب عليك متابعة ما يدور حولك... ببساطة شديدة كان قائد تلك القوات التي زودت باسلحة فاسدة ترتدّ على الرّامي قبل أن تصيب هدفها. هو غلوب باشا.. جنرال بريطاني! .. من فضلك واحد كباب و اثنين بيتزا!
ــــ 170 ـــ
الفصل الحادي و الثلاثون
الإخوان صنيعة بريطانية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كنت أتهيأ لإنهاء درسي الأسبوعيّ في المركز الثقافي، حين قدّم لي رشيد قصاصة صغيرة كتب عليها:" أرجوك يا سامي اختم الجلسة بقراءة الدعاء التالي:
"اللهم خلصنا من سلفيين اثنين: جورج بوش وأسامة بن لادن..اللهم ارزق جورج بوش جلطة دماغية أو شللا نصفيا، و أرزق أسامة بن لادن الشهادة هو و جميع أولاده التسعة عشرو أفراد قاعدته، وأعطهم كل الجنة.. و لا تترك لنا فيها شيئا.. فنحن لا نطمع بغير النجاة من النار. المهم خلصنا و الى الأبد من شيئين كريهين: بن لادن والقاعدة. لأننا لم نعد نحتمل هذا العذاب اليومي!"

كنت أعلم ان بين الحضور من لا يحتمل تلك الصدمة، فمنهم من يكنّ بعض الحبّ لبن لادن.لأجل ذلك اكتفيت بالقول:"أخونا رشيد اقترح علينا هذا الدعاء " ثم قرأته .
كان بلال الفرنسي قد دخل الى قاعة الصلاة ، حين سمع اسم بن لادن تتلوه ضحكات بعض الحضور ثم تعليقات غاضبة من بعضهم الآخر. بعد أن سلّم، رجاني ترجمة الدعاء الذي فرغت من تلاوته ففعلت.. حين علم بلال ان الدعاء من صياغة رشيد توجه إليه غاضبا:
ــ اليس لبن لادن الشرف في تفرّغه لجهاد الغرب عوضا عن آخرين اكتفوا بالجلوس في المساجد؟
رد عليه رشيد :
ــ أجبني أولا،هل أن الغاية من الجهاد هي تغيير الواقع الى الأحسن أم زيادة أوضاع المسلمين سوءا؟
ــ بل تغيير الأوضاع الى الأحسن.
ـــ حسنا ... أجبني الآن بصراحة يا مسيو بلال. لو تحوّلت كلّ أيام أمريكا الى 11سبتمبر فهل تعتقد انها ستتنازل عن مصالحها في بلاد المسلمين؟!
أجاب بلال وهو يكمل نزع جوربه:
ـــ بصراحة هذا سؤال لم يوجّه لي من قبل، لأجل ذلك فهو يحتاج الى تفكير، أمهلني خمس دقائق، سأتوضأ خلالها ثم أجيبك.

كان بلال الفرنسي على درجة من الوعي تسمح له بإدراك أن أمن الشعب الأمريكي، هو آخر ما تفكر به الإدارة الأمريكية المتحالفة مع أصحاب الشركات المتعددة الجنسيات للهيمنة علي العالم الإسلامي و تعريض شعوبه لخطر تلوث البيئة و سعار الجنرالات.

بعد وقت قصير، عاد بلال الفرنسي من الطابق الأرضي.. كانت قطرات الماء تتناثر من لحيته الشقراء، جلس بجانب رشيد وهو يقول:
ــ كم كنت مغفلا ــ قالها بالفرنسية ــ، حين كنت اعتقد ان أمريكا يمكنها تغيير استراتيجيتها و التضحية بمصالح كبار الراسمالين فيها، لمجرد قتل بضعة آلاف من مواطنيها من قبل بن لادن.

بعد انصراف الجميع، قلت لبلال الفرنسي و أنا اقصد تعميق الشرخ الذي حدث لديه في صورة بن
ـــــ 171 ـــــ

لادن .
ــ كان عليك ان تدرك قبل ذلك أن وجود بن لادن كان ضروريا جدا للغرب لرفع رصيد الإخوان المسلمين.
ـــ معذرة ، لم أفهم شيئا.
ـــ حين كانت الإدارة الأمريكية تبرز قبح خيار بن لادن، كانت في حقيقة الأمر تجمّل خيار الإخوان المسلمين.
ـــ هذا يعني؟ ( قالها بالفرنسية)
ـــ الغرب يريد بلادا إسلامية تابعة و هادئة و متخلفة، ليس فيها حروب و لا تفجيرات حتى يضمن تدفق البترول و المواد الخام و حسن سير شركاته المتعددة الجنسيات، كي يضمن في النهاية بقاء بلادنا مجرد سوق دائم لبضائعه .
ـــ لكن ما صلة كل ذلك بين لادن و الإخوان؟
ـــ حين أدرك الغرب بقيادة أمريكا، أن حكامنا قد بالغوا في إستخدام القبضة الحديدية، و تجاوزوا الحدود في استفزاز مشاعر المسلمين، بنزع خمار المرأة في الطرقات و سب الرسول في الصحف و اغتصاب المناضلين في السجون، خشي من تنامي صعود حركة جهادية تؤمن بالتغيير المسلح.. على غرار حركة الجهاد في مصر.. لأجل ذلك تم صنع بن لادن ثم دفعه، و ربما مساعدته، للقيام بأعمال بشعة تزيد أوضاع المسلمين رداءة، و تضمن لقاعدة بن لادن هزيمة عسكرية تلجئه الى لزوم غار في جبل، الي حد يصل المسلمون الى قناعة مفادها ان الغرب لا يقاوم، و ان وجود حركة اخوانية "معتدلة " هو السبيل الأوحد الى تحسين الأوضاع، و قد وقع تماما ما خطط له الغرب. فرصيد الإخوان قد ارتفع و أصبحوا يحكمون الآن في تركيا و افغانستان وباكستان و العراق. كما اجتاحوا برلمانات مصر و دول الخليج وبعض دول شمال افريقيا .
ـــ و لكن الا يمكن للإخوان تغيير الوضع؟
ـــ بدون شكّ، و لكن الى الأسوأ، فوجود الإخوان في السلطة مجرد اجراء شكلي اقتضته حاجة الغرب لتغيير الديكور السياسي لا أكثر و لا أقل، فالوضع سيبقى سيئا.
ـــ و لكن ما هي ظروف تأسيس الإخوان؟
ـــ الإخوان المسلمون صناعة انكليزية صرفة. لنقل ببساطة شديدة : الإخوان عجلة احتياط صنعها الغرب ووضعها على الرفّ في انتظار الوقت المناسب لإستخدامها.
ـــ وهل حان الوقت حسب اعتقادك؟
ــ أجل,, يمكن الآن إرضاء شعوبنا العاطفية بتطعيم الحكم العسكري بدمى وزارية اخوانية توهم الناس بحل اسلامي قريب في حين ان تلك الدمى الإخوانية فاقدة لكل صلاحية.
ـــ هذا صحيح، ففي تركيا كانت حكومة الإخوان كما قرأت في صحيفة "لومند " أعجز من أن تصدر مجرد قانون يسمح للطالبة التركية بارتداء الحجاب.
ـــ فاسلمة دساتير بلاد المسلمين ليس على أجندة الإخوان، لأن الدساتير العلمانية الحاكمة "توافق الشريعة" و لا تحتاج الى تنقيح، كما قرر صنمهم حسن البنا منذ عقود.
قال بلال الفرنسي بنبرة يائسة:
ـــ اذا كان هذا هو فكر الإخوان فأي تغيير يا ترى سيحدثونه؟
قلت و أنا اسحبه الي الخارج:
ـــ التغيير الوحيد هو استبدال وزير داخلية علماني كان يذبح المعارضين وهو يسبّ الله و يلعنه، بوزير إخواني ملتح يذبحهم هذه المرّة، و هو يذكر الله و يمجّده!

ــ 172ــــ


الفصل الثاني و الثلاثون
ديمقراطية الغرب إسم بلا مسمّى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نسيت ان أقدم لكم بعض الإيضاح عن شخصية الإخواني موسى رجب..
موسى رجب في آخر الأربعينات من عمره. كان نحيفا حينما عرفته قبل عشرين سنة، أما الآن فقد تضخم مرتين.

موسى رجب طيب القلب ودائم الإستعداد لخدمة الآخرين، لا أذكر انه تذمر يوما من قيادته في حركة النهضة. عيبه القاتل أنه لا ينظر إلاّ بعيني قيادته، ولا يقرأ إلاّ أدبيّات الإخوان.. رغم سقوطهم في الحضيض، فانه لا يزال وفيا لفكرهم.

موسى رجب يؤمن بكل سذاجة مميتة، بأن قيادته أدرى بما يصلح به، و أن قراراتها كلها حكيمة، لأجل ذلك أعطى عقله إجازة مفتوحة، ليسخّر كل اهتمامه للهجوم على اللغة النرويجية وفكّ ألغازها المرهقة ثم الإلتحاق بالجامعة ليصبح مهندسا معماريا، كل ذلك استجابة لمطالب حركة النهضة التي تريد المزيد من الإطارات العليا لتكتسح بهم البرلمان التونسي حين تأذن أمريكا و يسمح للإخوان بدخول اللعبة السياسيّة هناك.

حركة النهضة التي ينتمي إليها موسى رجب، تكره ان تترك أبناءها يتسكعون بين الكتب غير الإخوانية، لأجل ذلك تحاول بكل جهدها ملء فراغهم الفكري بالتعليم الثانوي و الجامعي، قبل تفرغهم لمشاريع تجارية تملأ حياتهم و تغلق عليهم جميع منافذ التثقيف والنظر في أخطاء القيادة.

بالإضافة الى نجاحه في الدراسة، أثبت موسى رجب كفاءته كتاجر، فقد نجح في فتح مطعم للبيتزا و الكباب.

موسى رجب، كما أخبرتكم منذ قليل، بالإضافة الى طيبة قلبه، فهو حسن النية الى حدّ السذاجة، فهو يعتقد، مثلا ، أنّ في امكان حركة إسلامية حقيقية الوصول للحكم عبر صناديق الإقتراع!
موسى رجب لن يفهم أبدا أنّ الغرب لا يريد للديمقراطية الحقيقية ان تطبق فى بلاد المسلمين.


في آخر درس لي في المركز الثقافي( قبل ان يقع منعي بصفة نهائية) استوقفني بلال الفرنسي ليسألني:
ــ لماذا لا يريد الغرب الإسلام و يسعى الى إجهاض أي محاولة لنهوضه؟
أجبته :
ــ لأن الإسلام يقف ضد مصالح الغرب الإقتصادية و السياسية و الثقافية كما يهدد استقلاليته و وجود محظيته اسرائيل .
ــ كيف يعارض الإسلام مصالح الغرب الإقتصادية؟
ــ لأن الإسلام، لن يسمح للغرب بنهب ثرواته الطبيعية بثمن بخس. هذا من ناحية و من

ــ 173 ـــــ

ناحية أخرى، فلأن الإسلام يأمر المسلمين بتحقيق الإكتفاء الذاتي في كل الميادين. فالمسلمون الآن يشترون كل شيء من الغرب، من الإبرة الى الطائرة. حتى الغذاء و الدواء يشترونه من الغرب فأي خسارة اقتصادية ستحلّ بالغرب اذا خسر المواد الأولية ذات الثمن البخس ثم اذا خسر أسواقنا التي تستقبل كل بضائعه، خصوصا اذا علمنا أن أكثر ثروات العالم الطبيعية توجد في بلاد المسلمين! لأجل ذلك أختار الغرب حكّاما صورييّن يديرون بلادا اسلامية ليست في حقيقة الأمر سوى محميّات غربية لا تديرها الجيوش الإستعمارية كما في القرن الماضي، بل السفارات و أصحاب الشركات المتعددة الجنسيات.
ـــ و فيما يخص المصالح الثقافية للغرب ؟
ـــ لمزيد إحكام للسيطرة على بلاد المسلمين، لا بد للغرب من الدعوة لثقافته عن طريق مفكرين من أبناء المسلمين يعتنقون الثقافة الغربية التي لا تهتم بالقيم الدينية والخلقية. و ذلك حتى يبتعد المسلمون عن دينهم و يذوبون في بوتقة الثقافة الغربية .و بالتالي يخدمون مصالح الغرب على حساب مصلحة بلادهم.
عقب بلال الفرنسي مؤكدا:
ـــ وهذه هي الغاية القصوى للعولمة.
ـــ نعم فالعولمة التي يدعو إليها الغرب، لا تعني غير إماتة كل ثقافة محليّة و إحياء الثقافة الغربية، أي اتّباع الغرب في طريقة عيشه و تفكيره و نظرته للحياة و تصوره للدين كأمر شخصي ليس له أي دخل في السياسة و والإجتماع و الإقتصاد.
ـــ و بالنسبة لحماية اسرائيل؟
ـــ لو اقيمت دولة اسلامية و عمت كل العالم الإسلامي، فسيجد اليهود انفسهم مضطرين للجلاء عن فلسطين.
ـــ و بالنسبة للأمن؟
ـــ الغرب يدرك جيدا أن الإسلام هو العقبة الوحيدة امام استمرار امتداده و سيطرته على العالم .. فالغرب( على نقيض السلفية الحمقاء)، يدرك أن الإسلام هو دعوة تحرير عالمية ونظام عالمي لا يرضى بغير جعل كل الدول تحت رعايته، وهذا ما يرهب الغرب، فاذا نهض الإسلام ضاع من الغرب كل شيء.

تدخل يوسف الصومالي قائلا:
ــــ شخصيا اكتشفت شراسة الغرب في دفاعه عن مصالحه، أثناء حصار بوريس يلتسين للبرلمان الروسي بعد مطالبة البرلمانيين هناك بنظام ديمقراطي حقيقي .
كنت اعلم جيدا ما يعنيه يوسف الصومالي
كان ذلك سنة 93 حين أصدر بوريس يلتسين مرسوما رئاسيا يقضي بتعطيل الحياة البرلمانية وعمل المحكمة الدستورية العليا، و حين إجتمع البرلمان و أصدر بيانا بالإجماع قرروا فيه أنّ الرئيس خالف الدستور مما يعد أساسا قانونيا لتنحيته طبقا للدستور. أفاق بوريس يلتسين قليلا من سكره... لنقل بالشكل الذي سمح له بضرب حصار حول البرلمان الروسي، مستخدما في ذلك الحصار نوعا من الأسلاك الشائكة يسمى حلزون بونو المحرّم إستخدامه حتى في الحروب، قبل ان يرسل قواته الخاصة لحصار البرلمان ثم قطع الكهرباء و الماء عن المبنى متعدد الطواب..زحف عشرات الآلاف من الشعب لحماية البرلمان، فصدتهم و اعتدت عليهم القوات الخاصة ..استمر كل ذلك حتى الرابع من أكتوبر حين أمر يلتسين قواته لخاصة بقصف البرلمان بالمدفعيّة الثقيلة و الدبابات سقط أكثر من 1500 ضحيّة داخل البرلمان و مثلهم في مبنى البلدية و التلفزيون و شوارع موسكوالمحيطة بالبرلمان حتى استسلم البرلمانيون في النهاية
قلت ليوسف الصومالي :
ـــــــــ 174 ـــ
ـــ لعلك تذكر النصيحة التي قدمتها الدول السبع الكبار ليلتسين؟
ــ نعم قدموا له النصيحة التالية: من الخطأ البالغ مواصلة الإصلاحات الإقتصادية الجذرية في روسيا دون أن تتخلّى عن المبادئ الديمقراطية الأساسية لتطبيق ذلك الإصلاح! كما اذكر ايضا وصية نيكسن لإدارة بيل كلنتن بدعم يلتسين في حلّ البرلمان الروسي و كيف أخبر كريستوفر وزير الخارجيّة الأمريكي نظيره الروسي أثناء حصار القوات الخاصة للبرلمان أنه سيكون بجانبه وقت ما يحتاجون إليه!. كما اذكر ايضا إعلان وزير خارجية بريطانيا دوجلاس هارد انه من الضروري الإعراب عن دعمه يلتسين في موجهة البرلمان و قوى المعارضة الأخرى.. لكن المؤلم في القضية هو وقوف الصحافة الغربية التي من المفروض ان تكون مستقلة عن اطماع الساسة و همجيتهم، الى جانب ارهاب يلتسين. فقد دعت صحيفة وورد بيزنس البريطانية الى تعزيز السلطة الإستبدادية الدكتاتورية في روسيا! و كان عنوان المقال: الغرب يناشد يلتسين أن يقيم نظاما إستبداديا ! كما كتب مراسل الجارديان في واشنطن: أوصى نيكسن الإدارة الأمريكية و الغرب صراحة بدعم يلتسين في مواجهة البرلمان الذي يصرّ على الديمقراطية و توجيه الإصلاحات و جهة اجتماعية!

كان بو شعيب المغربي جالسا بجانبي أمسك رأسه بكلتا يديه وهو يقول:
ـــ إذا كانت الدول العظمى تفتك بابنائها المنادين بالحرية بهذا الشكل العلني فما عساها تفعل بنا نحن المسلمين؟
ــــ ما تفعله بنا الآن في الجزائر، حيث يذبح الأطفال و الشيوخ علانية من قبل العسكر، كل ذلك بتغطية شرعية، و تآمر خسيس من قبل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، و التنظيم المحلّي لمحفوظ النحناح .
ـــ من الآن فصاعدا سأعزي كلّ إخواني في عقله، هذا إذا ما زال مصمّما بعد هاته الفضيحة على أنّ أن ديمقراطية الغرب الذي آمن بها حسن البنا ستنشر العدل بين المسلمين.
ـــ لا تنس ايضا أن تعزيه في دينه.
سألني احد الحضور:
ـــ لعلّ ظروف المرحلة الإنتقالية من الشيوعية الى النظام الرأسمالي كانت تحتم على يلتسين سلوك هذا المنهج الفظّ؟
ـــ أي ظروف و أي مرحلة يا سيدي ... فيلتسين الذي لم يكن ليصحو إلاّ ليغرق في السكر(على فكرة يسمونه "يلتسين فودكا" هنا في النرويج) لم يكن مؤهلا حتى لإدارة كشك لبيع الصحف. لأجل ذلك حوّل روسيا التي كانت ديونها أقلّ من مستحقاتها الى حطام دولة يعبث بها الغرب و المافيا، الى حد عجزت فيه عن إيفاء رواتب موظفيها.. كلّ ما في الأمر أن الديمقراطية في الغرب اسم بلا مسمى فهي في الحقيقة توقراطية أي حكم القلّة الثريّة .


ضحالة المعلومات التاريخية من جملة الأسباب هي التي حتمت على موسى رجب تقديس حسن البنا .
كما ان انعدام المعلومات الدينية، جعلت موسى رجب لا يرى مانعا في دخول البرلمان و القسم على القرآن بانه سيحترم دستور البلاد المخالف لكل ما جاء في القرآن!

موسى رجب لا يعلم ان دستور البلاد الذي وافق عليه حسن البنا مخالف للشريعة الإسلامية!
ــــ 175 ــــــــ

ـــ لكن الدستور المصري ينص على ان الإسلام هو أهمّ مصدر للتشريع.
ــــ لكن الله يريد أن يكون القرآن هو المصدر الوحيد و ليس أهمّ مصدر!
ــــ .....
ـــ هل يصح اسلامك لو انك قلت : اشهد أن الله أهــمّ إله. عوض ان تقول اشهد ان لا اله الا الله ؟!
ـــ حسن البنا قال ان الدستور مطابق للإسلام .
ـــ أجبني من فضلك : هل الزنا و شرب الخمر جريمتان؟
ـــ دون شك
ـــ القانون الذي وافق حسن البنا عليه ،لا يعتبر الزنا أو شرب الخمر جريمتين!
ـــ هل تتصور ان يرضى حسن البنا بشارب خمر أو زان ؟
ـــ لا يعنيني ارضي أم لم يرض. المهم انه قد أقر البند القانوني الذي يقول "لا عقوبة الا بنص" أي أن شرب الخمر و الزنا ليسا عملا يستحق التتبع القانوني!
ـــ و لكن القانون يجرم شارب الخمر و الزاني
ــ ليس كل شارب خمر أو زان يعاقب. فالقانون يعاقب السكران اذا أضرّ بملك الغير أو اعتدى على غيره، أما شرب الخمر فمباح، لأن الخمر تباع في السوق و في الحانات اما الزنا فيمارس في بيوت الدعارة و برضى الطرفين . اما الزنا الذي تمنعه الحكومة فهو الزنا بالقاصرات أو بغير رضى المرأة.
ـــ لا سبيل للوصول للسلطة الا عبر الإنتخابات ، و قبل كل يجب دعوة الناس حتى يصبح الإسلام مطلبا شعبيا .
ــ يا موسى رجب انت تحاول أن تقنعني ان بامكاننا الوصول الى القمر عبرالمسالك البرية!
ــ لم اقل هذا .
ـــ وصول حركة اسلامية الى الحكم عن طريق صناديق الإقتراع، هو تماما كالوصول الى القمر عبر المسالك البرية. لأن الغرب لن يسمح بحركة جادة للوصول الى الحكم الا إذا كانت حركة اخوانية لا تملك من الإسلام الا الإسم .
ـــ هل سيد قطب..مثلا .. لا يملك من الإسلام الا الإسم ؟
ـــ و هل أن الإخوان يحملون فكر سيد قطب؟ هل يؤمن الإخوان كما يؤمن سيد قطب بان الحاكم يكفر اذا حكم بدستور غير اسلامي؟ وهل يؤمن الإخوان كما يؤمن سيد قطب بضرروة العمل المسلح ضد ذلك الحاكم الكافر؟
ـــ و من قال لك ان الحاكم يكفر اذا حكم بدستور غربي؟
ـــ انت تردد الآن ما يعتقده الإخوان، و لو تركت البيتزا و الكباب كما قلت لك... و لو لبعض الوقت، ثم قرأت كتب سيد قطب لعلمت صحة ما قلته لك و ما قلته لك يعتقده سيد قطب و سيد قطب لم يبتكر ذلك من عنده، فالإسلام هو الذي يقول ذلك. ثم ان سيد قطب لم يدخل جماعة الإخوان المسلمين الا بعد ان حلها عبد الناصر و اصبح الإنضمام اليها ممنوعا. و كانت غايته اصلاح مفاسد حسن البنا تمهيدا للقيام بعمل عسكري لكن سرعان ما اكتشف امره فاعدم سنة 1966.

اقتصار موسى رجب على جعل القناة الإخوانية مصدر الوحيد للمعرفة، حتّم عليه الإعتقاد بان في امكان أي شعب اعزل ان ينتصرعلى دكتاتوره، بمجرد التظاهر في الطرقات على دولته المسلحة على الأذقان. و اذا طلبت دليلا اجابك :
ـــــ 176 ـــــــــ

ـــ انظر الى شعب ايران كيف استطاع الإطاحة بأكبر جيش في العالم الثالث! فلا شيء يقف في وجه الشعوب!
ـــ نعم بشرط ان تقف أمريكا بجانب تلك الشعوب!
ـــ استـغفر الله يا رجل.. الله هو الذي وقف مع الشعب الإيراني!
ـــ هل يعقل أن يقف الله مع شعب يعتقد أن القرآن محرف و الصحابة كفرة و زوجات الرسول زانيات ؟!
ـــ من أين وصلتك هذه الأكاذيب؟
ـــ سأضيع وقتا كثيرا إذا قلت لك من أين وصلتني .. و لكن اجبني أيهما أقوى إيران أم الأردن؟
ضحك موسى رجب ثم قال:
ــــ لا مجال للمقارنة بين فيل و ذبابة.
ـــ هل سمعت خلال ثورة ايران أن دبّابة قد احرقت أو ان ثكنة قد هوجمت أو أن جنديا واحدا من جنود الشاه قد قتل؟!
ــــ ......
ـــ هل بامكانك أن تفهمني كيف استطاع جيش الأردن سنة 1970 هزيمة مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية فتح و قتل 30 الفا منهم في حين يعجز جيش الشاه على الوقوف امام جماهير عزلاء ؟
ــــ .....

موسى رجب كما قلت لكم ترك حسن البنا يفكر نيابة عنه. وحسن البنا يرى ان الديمقراطية و الإسلام يمثلان شيئا واحدا .
ــــ ما الفرق بينهما؟... الفرق في التسمية اما الجوهر فواحد.
ــــ ليس الأمر كذلك يا سيد موسى رجب، فالتشريع في النظام الديمقراطي للبشر و في الإسلام لله.
ــــ المسألة اذا سهلة ... حين نصل للسلطة سنجعل الدستور اسلاميا.
ــــ لن تصل للسلطة الا اذا كنت اخوانيا، و اذا كنت اخوانيا فوصولك للسلطة سيكون كارثة تحيق بالمسلمين.
ـــ كيف تقول هذا ؟
ــ انظر الى اردوغان في تركيا كيف رضي بمنع الحجاب و طرد المحجبات من المدارس و كيف رضي بدستور علماني يحكم البلاد. و انظر الى وزراء الإخوان في حكومة الإحتلال في افغانستان و انظر الى طارق الهاشمي في العراق
ـــ الديمقراطية هي الخيار الوحيد.
ـــ لن يفسح المجال لحركة اسلامية حقيقية للوصول الى السلطة بل ستقع ازاحتك قبل ذلك انظر ماذا حدث لجبهة الإنقاذ في الجزائر .
ــــ لماذا لا تنظر الى ما حدث في تركيا ؟
ـــ هل اعجبك ما حدث في تركيا ؟ رئيس وزراء ليس له صلاحية تمرير قانون يسمح للبنت بلبس الخمار في المدرسة و الجامعات ..هل تعلم ان اردوغان قد ارسل ابنته للدراسة في امريكا حتى تلبس الخمار.. أي رئيس وزراء هذا ؟ ثم هل أن الإسلام هو من سمح للإخوان هناك بجعل الأراضي و الأجواء التركية تركيا ممرّا لثمانين في المائة من السلاح الأمريكي الذي تستخدمه ضد العراق؟
ـــ اذا كنت ضد الديمقراطية فأنت مع الدكتاتورية!
ـــ هذا الأمر صحيح للنسبة للنرويجي والياباني، اما نحن فلدينا الشورى التي تعني أكثر من

ـــــ 177 ـــــ


الديمقراطية .. فالديمقراطية في نهاية الأمر لعبة ارستقراطية تتدخل فيها سلطة المال فيها لإختيار حاكم غبي مثل جورج بوش أو " ذكي" مثل كنيدي الذي قيل عنه أنه يستطيع القيام و في نفس الوقت بشيئين اثنين: المشي و مضغ العلكة!