حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
انتفاضة البحرين وآفاق الحوار/ بقلم محمود إسماعيل - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: انتفاضة البحرين وآفاق الحوار/ بقلم محمود إسماعيل (/showthread.php?tid=45092) |
انتفاضة البحرين وآفاق الحوار/ بقلم محمود إسماعيل - فارس اللواء - 09-13-2011 البحرين، تلك الجزيرة الممتدة على بحر من اللؤلؤ، والتي تخبئ في أحشاء سواحلها ذهبها الأسود، تعيش اليوم ثورة تطالب بحياة دستورية وبرلمانية سليمة تلبي تطلعات الشعب البحريني. يعد مفهوم "الفاتح" من أبرز العقد النفسية المؤثرة في سلوك آل خليفة ـ حكام البحرين ـ وتعاملهم مع شعبهم. ويبدو أن لهذه العقدة أسباباً متعددة، منها أن آل خليفة يعتبرون أنفسهم غزاة فتحوا البحرين بالسيف واستولوا على أرضها وشعبها بالقوة عام ۱٧٨۳. نظراً لذلك، يشعر آل خليفة باستمرار أنهم ليسوا من البحرين وإنما هم يملكونها، لذا، تشكل لديهم عقدة "الفتح" خوفاً دائماً من الشعب. لهذا السبب، لم يستطع آل خليفة استيعاب الحركات الإصلاحية في البحرين، فوصفوها في أحيان كثيرة بالخيانة الوطنية والانتماء إلى عدو خارجي. ومن أسباب هذه العقدة أيضاً، أن آل خليفة كثيراً ما اعتمدوا على قوى خارجية من أجل حمايتهم من عدو داخلي وأعداء خارجيين. البحرين والتعددية المجتمعية إن ظاهرة التعددية المجتمعية ليست لصيقة بمجتمعات معينة دون غيرها، بل هي ظاهرة عالمية شملت المجتمعات المتقدمة والمجتمعات النامية على حد سواء، وأن الفارق الأساسي بين المجتمعات المختلفة في التعامل مع هذه الظاهرة يكمن في الصيغة السياسية المطروحة لمعالجة هذه الظاهرة، حيث استطاعت الدول الديمقراطية إرساء أسس وقواعد لحل هذه المشكلات وتحويلها إلى عنصر قوة للمجتمع والدولة، بينما لا تزال خطى العديد من دول العالم الثالث، وخصوصاً ذات النظم التسلطية والديكتاتورية، متعثرة في هذا الاتجاه. إن الهويات والانقسامات المتعددة داخل المجتمع، تتجه دائماً إلى التناقض والصراع في ظل غياب المنهج السياسي الديمقراطي، الأمر الذي يترتب عليه حالة من التوتر والاختناق وعدم الاستقرار السياسي، خصوصاً عندما يسعى مكون اجتماعي معين يشكل أغلبية عددية، إلى اعتماد سياسة الاستبعاد والإقصاء والتهميش إزاء المكونات الأخرى، والعكس صحيح أيضاً، إذا اعتمدت السياسات من قبل مكون يشكل أقلية عددية في المجتمع. لقد أكدت الخبرة التاريخية أن إستراتيجية الدمج القسري للمكونات المتعددة داخل المجتمع هي إستراتيجية خطيرة، لا تنتج سوى التفاعلات الصراعية داخل المجتمع، وتزداد خطورتها عندما ترتبط الانقسامات الإثنية والعرقية والدينية والطائفية ببعض التمايزات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لقد جرت محاولات عديدة لتصنيف المجتمعات العربية حسب درجة التكامل الوطني أو عدم التكامل، حيث وضعت هذه المحاولات البحرين ضمن المجتمعات المنخفضة التكامل. يمكننا تحديد ظاهرة التعددية المجتمعية في البحرين بثلاثة أبعاد هي: بعد طائفي، وبعد سياسي يتمثل بدرجة المشاركة السياسية لهذه الطائفة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، وبعد اقتصادي واجتماعي يتعلق بالتميز الاقتصادي والاجتماعي. جذور الحركات الاحتجاجية في البحرين تعددت الحركات الاحتجاجية والمطلبية في البحرين، بحيث تكاد لا تفصل بين الحركة الاحتجاجية والأخرى ۱۰ سنوات. تعتبر الحركة الإصلاحية التي قامت في البحرين عام ۱٩۳٨ أولى محاولات العمل الوطني المطلبي، حيث ضمت في صفوفها عناصر من الطائفتين السنية والشيعية. وقبل ظهور الحركة، نشرت صحيفة "الراية العربية" مقالاً موقّعاً باسم "عربي" يحث فيه الشعب البحريني على المطالبة بحقوقه المشروعة في تأسيس مجلس تشريعي، ومنع الأجانب من التدخل في شؤون البحرين وتجريدهم من كل سلطة. وقد وجّه المستشار البريطاني في البحرين "بيل غريف" التهمة إلى مجموعة من وجهاء البحرين من الطائفتين بأنهم وراء نشر هذا المقال. في المقابل، بدأ التقارب يتنامى بين الطائفتين السنية والشيعية بفعل العوامل التالية: ۱- تنامي الوعي بين صفوف الشباب البحريني نتيجة انتشار التعليم. ۲- الانفتاح على العالم الخارجي. ۳- دعم حكومة الهند الشرقية آنذاك لحكم آل خليفة وإبقاؤهم في الحكم وقمع الحركات والانتفاضات المناوئة لهم. ٤- بروز قضية البحرين على الصعيدين العربي والدولي، حيث ظهر العديد من المقالات التي تنتقد الحكومة البريطانية وسياستها في البحرين في بعض الصحف والمجلات التي كانت تصدر في عدة أقطار عربية، كمجلة "الناس" التي كانت تصدر في البصرة، ومجلة "المستقبل" في بغداد، و"النهار" و"صوت الأحرار" في بيروت، و"العمل القومي" في دمشق، و"الشباب" و"الرابطة العربية" في القاهرة. وقد وجهت هذه الصحف والمجلات انتقادات للمستشار البريطاني، وساندت الشعب البحريني في كفاحه من أجل نيل حقوقه المشروعة، وتحدثت عن الوجود البريطاني وعن بناء قاعدة "الجفير". في ۱ تشرين الأول عام ۱٩۳٨، ظهرت أول وثيقة مطلبية تقدمت بها خمس شخصيات بحرينية طالبت بتشكيل مجلس للمعارف يتألف من ثمانية أعضاء مناصفة بين السنة والشيعة، مهمته الإشراف على التعليم في المدارس وإصلاح السلك القضائي والبلديات وتعيين أبناء البلاد بدل الأجانب فيها، وتأسيس نقابة للعمال معترف بها رسمياً، واختيار ستة أشخاص مناصفة بين الطائفتين يمثلون الأهالي أمام الحكومة. على أثر هذا التحرك، أدركت بريطانيا أهمية إجراء بعض الإصلاحات، إلا أنها تخوفت من النتائج السياسية التي يمكن أن تترتب على التحرك، فأقدمت في نهاية عام ۱٩۳٨ مع أسرة آل خليفة، على اعتقال قادة الحركة الإصلاحية، وكان مخطط الطرفين محاولة عزل السنة عن الشيعة وإنهاء الاصطفاف الوطني والنضال المشترك. وعلى أثر تلك الاعتقالات، تحرك عمال شركة النفط "باب كوك"، فأعلنوا الإضراب وتبنوا المطالب الإصلاحية وأضافوا إليها مطالب عمالية منها، زيادة الأجور، ومساواتهم مع العمال الهنود، ما دفع الشركة إلى فصل ۱٨ عاملاً من قادة الإضراب، الأمر الذي عزز التلاحم النضالي السني ـ الشيعي في صفوف عمال النفط، عندما قاموا بإضرابهم عام ۱٩٤۳ مطالبين بتحسين أوضاعهم. وقد مثّل نجاح الإضراب أول مؤشر على التلاحم الوطني غير الطائفي في صفوف الطبقة العاملة. لقد أسست مجموعة من مثقفي البحرين الذين ينتمون إلى الطائفتين الشيعية والسنية صحيفة وطنية باسم "صوت البحرين"، تبنّت منذ صدورها عام ۱٩٤٩ الدعوة إلى التآخي والتلاحم والنضال المشترك بين الطائفتين لتحقيق تطلعات الشعب البحريني. وقد لعبت الصحيفة دوراً هاماً في التعبئة الشعبية وتوعية المواطنين، كما مارست الضغوط على السلطة لتأسيس أول شركة تأمين وطنية، والتي تعتبر أول مشروع اقتصادي مشترك بين ممثلي الطائفتين. وقد تشكلت أيضاً إدارة الصندوق برئاسة عبد الرحمن الباكر، فأصبح مقر ذلك الصندوق مكاناً تتم فيه لقاءات قادة الطائفتين، الأمر الذي ترتب عليه قيام السلطة بسحب جواز عبد الرحمن الباكر بحجة أن أصله قطري وليس بحرينياً. التلاحم الوطني بين الشعب البحريني لم يكن ليرضي مصالح ونفوذ بريطانيا وآل خليفة، فحاولوا تأجيج الخلافات بين الطائفتين. فعلى الرغم من تمكّن السلطات الحاكمة في البحرين وبريطانيا من تفكيك هيئة الإتحاد الوطني، إلا أنه ولدت من رحم هذه الهيئة، في منتصف الخمسينيات عدة تنظيمات سياسية تمثل الاتجاه القومي والاشتراكي، حيث شارك عدد من المثقفين والطلبة والعمال من كلا الطائفتين في تشكيل هذه الأحزاب السياسية السرية التي لعبت دوراً كبيراً في تذويب خطوط الانقسام الطائفي. في ۱٥ آب عام ۱٩٧۱، نالت البحرين استقلالها ودخلت عضواً في هيئة الأمم المتحدة والجامعة العربية. جرت انتخابات نيابية عام ۱٩٧۳، وأثمرت عن مجلس تشريعي متنوع فكرياً وسياسياً مكون من ۳۰ عضواً، فبدا أن البلاد تسير نحو المدنية، إلا أن خلافاً بين الحكومة والمجلس أدى إلى شل الحياة النيابية والدستورية في البحرين. امتدت هذه الحالة على مدار عشرات السنين، عاشت خلالها البحرين فصولاً متتالية من الحركات المطلبية وظلم السلطات الحاكمة وصولاً إلى عام ۱٩٩۲. تحركات المعارضة البحرينية عام ۱٩٩۲ بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، شهدت الساحة السياسية في البحرين تحركات سياسية شاركت فيها جميع فصائل المعارضة، واتخذ هذا التحرك شكل تقديم عرائض ومطالب إلى السلطة، وعقد اجتماعات في الدواوين والمساجد. كان الهدف من هذا التحرك المطالبة بمعاودة العمل بدستور عام ۱٩٧۳، وإعادة المجلس النيابي الوطني الذي تم حله عام ۱٩٧٥ بشكل غير دستوري بسبب خلاف بين الحكومة والمجلس حول قانون أمن الدولة، حيث أرادته الحكومة ورفضه المجلس، فبدأ تحرك المعارضة بجميع فصائلها الإسلامية والقومية والديمقراطية. في نفس ذلك العام، تقدمت ۳ آلاف شخصية بحرينية، مثلت مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية، بعريضة إلى أمير البحرين تطالب بإجراء انتخابات عامة لانتخاب مجلس وطني، لكن الأمير رفض هذه المطالب واستبقها بتعيين مجلس شورى بدون صلاحيات تشريعية رقابية، يتكون من ۳۰ عضواً مناصفة بين السنة والشيعة رافضاً العودة إلى الدستور. في أعقاب ذلك، توترت الأجواء السياسية بين السلطة والمعارضة التي تمثلت حركة مطالبها الدستورية بتفعيل الدستور، وعودة الحياة البرلمانية عبر إجراء انتخابات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وعودة المبعدين، وإعطاء المرأة حقوقها السياسية والمدنية والمساواة بين جميع أبناء البحرين، وإجراء إصلاحات في المجال الاقتصادي للحد من التفاوت المعيشي بين سكان البحرين. قامت المعارضة البحرينية بجمع تواقيع ۲٥ ألف من أفراد الشعب البحريني على عريضة تطالب بعودة الحياة الدستورية. وقد أدت المواقف المتشددة للسلطة إلى توحد القوى السياسية بمختلف توجهاتها على المطالب التي أصدرتها في بياناتها وهي التالية: "إلغاء الأوامر الأميرية بتعليق الدستور، إجراء انتخابات عامة، إلغاء قانون أمن الدولة، تعليق العمل بمواد القوانين المخالفة للدستور، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين". على أثر نجاح حملة التواقيع هذه، قامت السلطة باعتقال الشيخ علي سلمان ـ رئيس جمعية الوفاق البحرينية ـ وتزامن ذلك مع خروج شباب عاطلين عن العمل بمظاهرات أمام مكاتب وزارة العمل، أعقبتها مظاهرات احتجاجية على اعتقال الشيخ سلمان ورفاقه. تصاعد الموقف بين السلطة والمعارضة، فكانت ردة الفعل عنيفة من قبل السلطة، حيث تم اعتقال ما بين ۳ آلاف و ٥ آلاف شخص، كان من بينهم نساء وأطفال، كما أقدمت السلطة على قتل ۲۰ مواطناً، ترافق ذلك مع سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتزايد معدلات البطالة. في ظل هذه الأوضاع، أقدمت السلطة على اعتقال الشيخ عبد الأمير الجمري ـ عضو المجلس الوطني المنحل ـ ثم اقتحمت الحرم الجامعي، وقامت بحملة اعتقالات في صفوف الطلاب، كما رفض الأمير تسلم العريضة النسائية التي وقعت عليها ٤۳۱۰ نساء للمطالبة بحقوقهن المشروعة. على الرغم من الإجراءات القمعية الصارمة التي اتخذتها السلطة لوضع حد لنشاط المعارضة وتحجيم دورها السياسي، إلا أنها اضطرت تحت ضغط الشارع والانتقادات التي وجهتها منظمات حقوق الإنسان في العالم، إلى أن تدخل في مفاوضات مع قادة الحركة الدستورية للمعتقلين، وقد تمخضت هذه المفاوضات عن اتفاق لإطلاق السجناء السياسيين على دفعات على أن تتم بعد ذلك مناقشة ثلاث قضايا رئيسية هي: عودة العمل بالدستور، عودة المنفيين، وإطلاق سراح السجناء السياسيين المحكومين، على أن يقوم القادة المطلق سراحهم بتهدئة الأوضاع عن طريق شرح تفاصيل الاتفاق. لكن الحكومة البحرينية تراجعت عن التزاماتها بتنفيذ الاتفاق بعد إطلاق سراح قادة الحركة الدستورية، حيث رفضت تأكيد وجود اتفاق بينها وبين قادة الحركة الذين أطلق سراحهم، فبدأت بمحاكمة المعتقلين أمام محكمة أمن الدولة، واستمرت في ممارساتها القمعية اتجاه المعارضة. وهذه الممارسات، بالإضافة إلى الاستهتار بأدنى حقوق المواطن البحريني أدت إلى نشوء حركة مطلبية جديدة فجر ۱٤ شباط عام ۲۰۱۱. أضواء على انتفاضة البحرين إن الأمن والاستقرار يُعدّ من أهم الأسس لبناء أي دولة حديثة... ودور وزارة الداخلية هو المحرك الفاعل لتحقيق الأمن العام. فالبحرين وحسب التصريحات الرسمية دولة المؤسسات والقانون، ولكن هذا الشعار لم يتم تطبيقه فعلياً على أرض الواقع. فقد أجاز الدستور حق التعبير عن الرأي ومنه حق الاعتصام المبني على قوانين وأنظمة. وهنا نطرح سؤال: لو أن وزارة الداخلية طبقت القانون مع بداية الأحداث في دوار اللؤلؤة في ۱٤ و ۱٥ شباط الماضي فهل سنصل إلى ما وصلنا إليه من تراكمات مؤلمة سقط فيها قتلى وجرحى وتدمير وخراب؟. أعتقد أن وزارة الداخلية قد أخفقت في المحافظة على الأمن و تطبيق القانون منذ البداية، وحتى بعد الحوادث الدامية التي وقعت فقد أصبحت الشوارع الرئيسية في مدينة المنامة وخصوصاً المنطقة الدبلوماسية خالية من رجال الأمن!.. وهذا يعد خطأً جسيماً.. فقد تسبب هذا الانفلات الأمني وخلو الشوارع من رجال الداخلية في نشوء مليشيات غوغائية لا تعي المسؤولية، فقد أخذت على عاتقها دور الأمن، سد الثغرات، وملء الفراغ الأمني!. حتى إن تلك الوزارة اختفت على الصعيد الإعلامي كالتلفزيون والإذاعة حالها حال كافة الوزارات الحكومية الخدمية!.. فقد كان وضع المواطن والمقيم في وضع العاجز والخائف والقلق وشارد الذهن، إذ تخلى عنه الجميع. إن الوضع الذي شهدته مملكة البحرين كشف المستور، وهو عدم وجود من يتحمل المسؤولية والمقدرة والكفاءة على مواجهة حالات الطوارئ والكوارث والأزمات حين نشوؤها. وهنا نتساءل لو تم التعامل مع المعتصمين في دوار اللؤلؤة حسب القانون والنظام وبالأسلوب المتحضر والراقي وجرى تفكيكه في حينه فهل كان سيتطور إلى ما وصل إليه الحال اليوم؟ خسائر في الأرواح البشرية وجرحى وأزمات اجتماعية وتربوية واقتصادية وصحية، وغيرها من خسائر مادية ومعنوية. الإشكالية كانت تكمن في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. فالاعتصام تطور من بضعة مئات إلى بضعة ألوف من المعتصمين وتطور من الدوار إلى الأماكن المحيطة به حتى وصل إلى المرفأ المالي، إلى المدارس، ثم إلى المستشفيات، فالجامعات.. وتطور إلى أن أغلقت الشوارع والطرقات وتعطلت المصالح. الاعتصام في البداية كان مجرد شمعة ثم تحول إلى شعلة ومن ثم إلى نار مستعرة أكلت الأخضر واليابس!.. إن هذه البيئة العفنة والمتهالكة التي مرت بها مملكة البحرين قد ولدت خلايا نائمة وتوجهات سياسية وأزمات إقليمية ودولية، وظهور مفاهيم المؤامرة.. فكان هناك إعلام وإعلام مضاد، وعلى أثرها فتحت كهوف تعشّش فيها خفافيش الظلام من طائفية ومذهبية وعقائدية. للأسف فإن نظام الحكم في البحرين لم يتعلم الدرس حتى بعد هذه الأحداث الدامية لكون الأسس لبناء الدولة الحديثة ما زالت غائبة، وما زالت التجاوزات، والفساد المالي والإداري والحكومي ما زال قائماً. فالكثير من القرارات تتخذ لمجرد ردود أفعال، وهي بالتالي ارتجالية وغير مدروسة، ونتائجها وخيمة وكارثية. لقد أصبحت لغة الدول الكبرى والغربية منها على وجه الخصوص تغير لهجتها باتجاه طلب الاستقرار عوضاً عن الديمقراطية في بلد مثل البحرين. فقد ضاقت ذرعاً بكل هذه الديمقراطيات التي أخذت تنبت في كل بلدان الوطن العربي الكبير ودون موعد مع الهيمنة الأمريكية، فصار إعلام هذه الدول بين مؤيد لهذه الدكتاتورية ومعارض لها. لم يكن إرسال قوات "درع الجزيرة" إلى جزيرة البحرين سوى ترجمة لهذه السياسة الغربية في طلب الاستقرار الذي يعني استقرار الحكم والنظام في البحرين ولا يعني بأي حال استقرار البحرين نفسها بتقرير حقوق البحرينيين!. ولا ننسى قناة الجزيرة هنا، والتي هي الصوت العالي في الوطن العربي اليوم تصف ثورة ليبيا ومصر وتونس بأسمائها وهي ثورات بحق، إلا أنها لم تستطع أن تتخطى العقدة الطائفية القاتلة والتي هي سوسة الأمة الإسلامية، وتسمي ثورة البحرين بالاضطرابات. تحولات المنطقة ودور الإعلام الغربي ـ العربي انطلاقاً من أمواج الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي إلى أمواج الصحوة الإنسانية داخل أوروبا، تم عبر وسائل الإعلام مشاهدة الكثير من المظالم الإنسانية في حق الشعوب التائقة إلى الحرية، وتناقل هذه الأخبار العديد من الصحفيين والإعلاميين في سائر أنحاء العالم. وسط ذلك، فإن قيام شعب البحرين وانتفاضته على الرغم من تطابقها مع أهداف الثورات الأخرى في مواجهة الظلم والاستبداد، إلا أنها واجهت أقسى المظالم من خلال سكوت الإعلام الغربي ـ العربي عن الأحداث الدموية في حق شعب هذا البلد إضافة إلى تآمر وسكوت المجتمع الدولي. في الوقت الذي بدأت أمواج الصحوة الإسلامية تنتشر في دول المنطقة، حيث بدأت في تونس وأخذت تسري في سائر الدول الإسلامية ووصل تأثيرها إلى القلب الأوروبي، فإن شعب البحرين أيضاً أراد التخلص من الاستبداد والظلم، فسار في ركاب الانتفاضات لتحقيق حريته عبر الوسائل السلمية دون اللجوء إلى الخارج. إلا أن نظام آل خليفة لم يعمد فقط إلى عدم قبول الحوار والرضوخ إلى مطالب الشعب، لكنه لجأ إلى استعمال القمع الوحشي في مواجهة الشعب المظلوم مستفيداً من الضوء الأخضر الأمريكي وسكوت المجتمع الدولي المريب، إضافة إلى تدخل دول مجلس التعاون الخليجي. وسط ذلك، فإن نظام آل خليفة من أجل الخروج من النفق السياسي المظلم الذي يشكل خطراً على مصالحه إضافة إلى مصالح الولايات المتحدة والدول العربية المتحالفة مع الكيان الصهيوني لجأ إلى استعمال القبضة الحديدية في مواجهة الشعب الثائر على الظلم، مستعيناً بالقوات العسكرية التي تم استقدامها من السعودية, الأردن, قطر إضافة إلى بعض أفراد الجيش الباكستاني. إن آل سعود وآل خليفة لم يتوانوا في هذا المجال عن ارتكاب أفظع الجرائم بحق النساء والأطفال على مرأى ومسمع من العالم أجمع، منظمات حقوق الإنسان، وأن هذه الوحشية وصلت إلى حد الاعتداء على أهم المقدسات الإسلامية، من إحراق القرآن، تخريب المساجد، والأماكن الدينية والهجوم على مجالس عزاء أهل البيت(ع) في ظل سكوت الدول الإسلامية والشعوب المسلمة عن تلك الجرائم. إن الزحف العسكري ـ السعودي إلى البحرين وإعطاء الجنسية إلى القوات العسكرية والتعاون السياسي ـ العسكري لدول مجلس التعاون الخليجي المعروف بقوات درع الجزيرة من أجل قمع الشعب البحريني، ليس فقط يعد عملاً غير شرعي لعدم موافقة مجلس الأمن الدولي عليه، بل أيضاً يعتبر جريمة حرب بسبب استخدام تلك القوات شتى أنواع الأسلحة وارتكاب أفظع الجرائم بحق ذلك الشعب المظلوم.لأن استخدام القوة، العنف، والسلاح الحي لقمع الشعب، إضافة إلى انتهاك الأماكن الدينية والمذهبية يعد خروجاً عن القانون الدولي وتجب المحاسبة عليه.في هذا المجال فإن القادة في أمريكا من أجل المحافظة على المصالح واستمرار بقاء القوات الأمريكية في منطقة البحرين الإستراتيجية بدأوا بإعطاء تفسيرات خاطئة عن هذا التدخل معتبرين أن التدخل العسكري هذا إنما هو من أجل تثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة. إن ثورة الشعب المظلوم في البحرين وانتفاضته واجهت ظلماً كبيراً مقارنة مع الثورات والتحولات التي حصلت في تونس, مصر, اليمن والأردن والتي حصل بعضها على دعم القوات المسلحة إضافة إلى تعاطف الدول الأوروبية والأمريكية إلى حد أنه في ليبيا تم الاستعانة بقوات الناتو من قبل الدول الأوروبية ومساعدة الثوار في مواجهة القذافي. للأسف، ضمن هذه الشروط حتى الإعلام العربي مثل قناة الجزيرة والعربية لم يتعاطوا مع أحداث البحرين بشفافية، إضافة إلى ما تناقلته الأخبار عن "الشيخ يوسف القرضاوي" رئيس إتحاد علماء المسلمين الذي أيّد الثورة ضد حسني مبارك، لكنه اعتبر انتفاضة الشعب في البحرين "فتنة" لأن باعتقاد القرضاوي هذه التحركات تعد فتنة يجب القضاء عليها!!. هل يفشل الحوار التوافقي في البحرين هناك الكثير من البوادر التشاؤمية التي تؤكد فشل الحوار منها على سبيل المثال ذلك التصريح في توتير من قبل حوار التوافق الوطني الذي عبر صراحة عن رفضه للاختلاف والمعارضة. إن "القرار التوافقي هو اتفاق يمكن لجميع الأطراف المعنية أن تدعمه أو تقبل به أو تتعايش معه أو...على أقل تقدير، لا تعارضه.." وهو إعلان صريح بعدم قبول التعارض أو الاختلاف وهذا بحد ذاته يُعدُّ انتكاسة لكافة المواثيق التي تتشدق بها الدولة بما يخص حرية الكلمة وحرية الصحافة. فالميثاق والدستور في البحرين أباحا حق إبداء الرأي وحق الاختلاف. وهناك نقطة أخرى مارستها الإدارة "حوار التوافق الوطني"، وهو رفض الاستفتاء لحسم الاختلاف في المرئيات وهو دليل آخر لتحجيم صنع القرار. إنه لمن المؤكد أن المستشارين والقانونيين وراء الكواليس "الحكوميين" كان لهم القرار في تحجيم الحوار بصفة عامة، فهو اليوم يعكس فشلاً في الإدارة وهناك سوء نية مخفية. فالحوار كان في الأصل يتركز في ۱۰ – ۱۲ محوراً فقط ولكن من باب التضليل تحول إلى منتدى فظهر ما يقارب ۱۳٥۰ بنداً، ثم تمّ تعديله إلى ۱٨۱ محور متشعب بقصد إفراغه من محتواه الأصلي. يبدو أن تفويض رئيس البرلمان برئاسة حوار التوافق الوطني قد أساء إلى الحوار بشكل عام، وبالتالي لن تكون هناك توصيات أو توجيهات ذات معنى حقيقي لحل الأزمة السياسية في البحرين. فمتى تم حلها فإن كافة القضايا الاقتصادية والحقوقية والاجتماعية وغيرها من المحاور الثانوية يصبح من الممكن معالجتها. إن الحوار فرصة، ولكن يبدو أن هناك أطرافاً ذات مصالح شخصية تريد تحويل الفرصة إلى مجرد علاقات عامة أو كومة إعلامية في محاولة للتصدي ولتصحيح الرؤية الدولية للوضع الداخلي في البحرين. فالحوار مطالب إيجاد حلول دائمة وثابتة وواضحة المعالم ليست مجرد مسكنات ومهدئات مؤقتة تفقد مفعولها بعد عام أو عامين. إن أهم النقاط التي يتركز عليها الحوار هي التالية: ۱- إعطاء مجلس النواب كامل الصلاحيات لكونه يمثل الشعب مصدر السلطات، ومنها اختيار رئيس الحكومة. ۲- دوائر انتخابية عادلة لا تخضع لأهواء وأمزجة وتوجهات خاصة. ۳- التجنيس.. إلقاء ازدواجية الجنسية لتحقيق مبدأ المواطنة الحقيقية. ٤- تحقيق مبدأ سيادة دولة المؤسسات والقانون، فلا امتيازات خاصة أو توصيات, وإشغال الوظائف العليا تخضع لموافقة السلطة التشريعية وبشروط قانونية. ٥- كل من يشغل منصب حكومي فهو يخضع للمساءلة القانونية بدون استثناء. ٦- محاربة الفساد المالي والإداري بإيجاد محاكم جنائية وإدارية تتمتع بصلاحيات تنفيذية لمعاقبة المتسببين، بغض النظر عن صفاتهم المعنوية أو الاعتبارية. ٧- تجريم كل ما يدعو إلى التمييز سواء كان طائفياً أو مذهبياً أو عقائدياً، لتحقيق مبدأ المواطنة الحقيقية. وأن يسبق الاستفتاء فترة لتوعية المواطن سياسياً بالمواد التي يتم ذكرها في الاستفتاء، بالإضافة إلى تواجد هيئات دولية ومحلية لمراقبة عملية التصويت على الاستفتاء لضمان الحيادية ودرء للشبهات. إن الاستفتاء سيكون الحل الأمثل دستورياً وقانونياً لتفادي الدخول في تجاذبات سياسية مختلفة ودرأً لتمرير أهواء ومصالح شخصية. فالحوار الوطني بدأ منذ الإعلان عنه يتخذ طرقاً مختلفة ويتبع توجهات متنوعة، وهي بالتالي ستخلق اختلافات وتناقضات محتملة. كل التحية والمحبة والتأييد لثوار البحرين وشعبها الطيب الثائر ضد الظلم والتمييز الطائفي المقيت... الله معكم، والجنة مثوى شهدائكم، ولعنة الله على الشياطين الناطقة والخرساء، شياطين الطائفية المقيتة. |