حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
الرجل الذي لا خصال له - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: قــــــرأت لـك (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=79) +--- الموضوع: الرجل الذي لا خصال له (/showthread.php?tid=4571) |
الرجل الذي لا خصال له - لايبنتز - 06-13-2008 Array فيصل دراج - الحيـاة تُنسب الحداثة الأدبية في القرن العشرين الى روايات ثلاث: "البحث عن الزمن المفقود" لمارسيل بروست و"عوليس" لجيمس جويس وثالثها "رجل بلا صفات" لروبرت موزيل، التي ترجم جزءها الأول، أخيراً، الى اللغة العربية فاضل العزاوي وصدر عن دار الجمل (ألمانيا). وهذه الترجمة، إن اكتملت، تتيح للقارئ العربي ان يقارن بين الروايات الثلاث، وأن يدرك دلالة الحداثة التي توحّد بينها، وأن يتعرّف على النص الروائي النمسوي الأشهر في القرن العشرين. رواية موزيل غريبة الأطوار كمؤلفها، إن لم تتجاوزه غرابة وطرافة. فهذا الرجل، الذي ولد في كلاجنفورت في النمسا عام 1880، اهتم بالفلسفة والعلوم وتطلع الى مهنة عسكرية قبل ان ينصرف عنها ويتفرّغ الى الكتابة الأدبية. أما الرواية، التي تدور أحداثها بين 1913-1914، فقد امتدت كتابتها، من نهاية الحرب العالمية الأولى الى منتصف الحرب الثانية، حين توفي موزيل في منفاه في سويسرا عام 1942، قبل ان ينجز عملاً يقترب من ثلاثة آلاف صفحة. ولهذا لم تظهر الرواية كاملة في طبعتها الألمانية الا في عام 1978، ولم تنشر كاملة باللغة الانكليزية الا عام 1995. "رجل بلا صفات" رواية - رؤيا، ترى الى عالم مقوّض يعد بالكارثة، يختلس من الانسان صفاته ويرمي به الى متاهة مقفلة، تنطقه بكلمات متلعثمة وبصراخ أقرب الى عواء الذئاب. ولعل هذه الرؤية المظلمة هي التي جعلت جورج لوكاش يتحدث طويلاً عن موزيل وهو يقارن بين توماس مان وفرانز كافكا، حيث الأول متورط بعالم قابل للتغيير، بينما الثاني عالق في سياج عالم لا يمكن إصلاحه. تعامل موزيل مع واقع لا ملامح فيه، تتبادل فيه الشخصيات المواقع، كما لو كان كل انسان هو غيره، وكان الجميع وجوداً مبهماً غير قابل للتعيين. فلا فوارق بين الممكنات المشخصة والممكنات المجردة، طالما ان الانسان يعيش عزلة طاغية باردة، وطالما ان الوجود هو ما ترسب منه في طويّة الانسان المعزول. يتحول الانسان في واقع تتبادل المواضيع، كما الأشخاص، مواقعها الى ذاتية لا أفق لها، حقيقتها غيابها وما خلاها أطياف، حتى لو بدا ما خارجها مشخصاً وقابلاً للمعاينة والتعيين. إنه الكائن الذي قُذف به الى عالم يخالطه العماء، فلا وضوح ولا معنى، ولا شيء إلا قدر الانسان البئيس، الذي يحمل في ذاته بشراً لا يقلون عنه عجزاً. حين يجيب "اويرلش" بطل الرواية، عما سيفعله إن حكم العالم بأسره، يقول: "لن يتبقى لي الا الغاء الواقع الفعلي". وعن الغاء هذا الواقع، يما ينطوي عليه من فروق وتناقضات، يصدر الوجود الذاتي الذي "لا صفات له"، لأن وجود "الصفات" يفترض آخرين يتمايز عنهم الانسان المعزول، وهو أمر غير قابل للتحقق في عالم تتساوى فيه المواضيع والبشر، وتقبل بتبادل مواقعها. يختصر الانسان المغترب ذاته الى وعيه، لا يتوقع أفقاً ولا يتطلع الى لقاء آخر، كما لو كان الواقع المشخص حملاً ثقيلاً ينبغي "الغاؤه". لن يتبقى، والحال هذه، أمام "أويرلش" الا احد خيارين: "إما العواء مع الذئاب أو التخلي عن العقل". وواقع الامر، ان في عمل موزيل الكبير مفارقة أو ما هو قريب من المفارقة، ذلك انه يبني عالماً من التفاصيل المشخصة بمعايير "فلسفية" سابقة عليه. بل انه يبني التفاصيل ويوغل في بنائها، موهماً بكتابة ترصد الواقع وتحتفي به، ثم يعود ويذيب التفاصيل جميعاً في بناء ذهني محكم، كما لو كان الواقع اثراً للفكر وموقعاً يختبر الفكر فيه أحكامه وأدواته. يقول موزيل: "إن ما يثير اهتمامي ما هو نمطي على مستوى الفكر، استطيع ان أقول بدقة: الأبعاد الشبحية التي تسكن الوقائع". يبدو الفكر الروائي خالقاً للواقع مرتين: يخلقه وهو يطرد منه وجوهاً ويكتفي بالأطياف، ويخلقه من جديد وهو يضع فيه "فلسفة" تقول بتبادلية المواقع بين المواضيع والشخصيات البشرية. يتلاشى الواقع كما هو، يُلغى في شكله المشخص، ويتبقى "واقع الفكر"، الذي هو الواقع الوحيد الذي يقبل الفن بالتعامل معه. ولعل هذا الواقع، الذي دُفن فيه واقع آخر، هو الذي جعل لوكاتش لا يميل الى موزيل وجعل أدورنو يربط بين الفن الحقيقي والتجريد الفني. بل ان هذا الواقع، الذي استولده الفكر وحدد معنى علاقاته، هو الذي انتج قراءات لاحقة لعمل موزيل، وبين فلسفة هايدغر، وترى فيه اصداء واسعة لكتاب هوسرل الشهير "أزمة العلوم الأوروبية". وبهذا المعنى ايضاً، تتكشف حداثة موزيل، الذي انتقل من مقولة "الانسان"، التي ترد الى القرن الثامن عشر، الى فكرة "الطوية الانسانية"، التي تحتج على انهيار القيم في مطلع القرن العشرين. تحيل مقولة الانسان، وهي لصيقة بفكر الانوار، الى انسان واضح الملامح والى عالم من الأشكال المتميزة، بينما تشير "الطوية الانسانية المغلقة" الى عالم مغاير ألغى الانسان المفرد وحطم الاشكال واحتفى بالسديم. وفي مواجهة عالم تفككت علاقاته، وفقد الانسان فيه صفاته، يكون على الأدب ان ينفصل عن العالم، وان يلوذ بوعي انساني مبدع، يخلق عوالم تبرهن عن ابداعه. يهجر "الفكر الفني" عالماً قبيحاً، ويرحل متسامياً الى عوالم أخرى. يختلط الفن باليوتوبيا ويغدو الفن يوتوبيا وحيدة. وما المستوى الفكري، الذي يشير اليه موزيل وهو يحتفي بواقع الاشباح، الا الابداع الذي يواجه الواقع السديمي في شكل فني، هو الشكل الوحيد الذي له معنى. وهذا الشكل، الذي لا شكل خارجه، يملي على موزيل، الذي كان شغوفاً بالشاعر ريلكه، عملاً خاصاً في اللغة وأسلوباً كتابياً متفرداً. وواقع الأمر ان هذا الروائي، الذي أحرقت النازية روايته، سعى الى أسلوب أدبي لا يرتاح كثيراً الى النظرية الأدبية، بمعناها الشائع. فقد اشتق أسلوبه من ثقافته المتنوعة، التي تضمنت علم النفس والفلسفة والهندسة والرياضيات، منتهياً الى صيغة كتابية لا تعوزها المفارقة، تضع الأفكار المجردة في لغة مأخوذة بالمحدد والمشخص. ولهذا فإن الشخصيات، وهي تقبل بتبادل المواقع تعريفاً، تتكلم بلغات مختلفة فردية، تضيء مراجعها المهنية والطبقية والنفسية، كأن تتكلم إحداها بلغة "جنرال في الجيش النمسوي"، وآخر بلغة رجل أعمال عصامي أو بلغة خادمة أمية، وصولاً الى شخصية القاتل "موسبروجر"، الذي انطقه الروائي بلغة مدهشة. تحقق اللغة، بهذا المعنى، وظيفتين: تقوم ظاهرياً، بتمييز الشخصيات من بعضها، إذ لغة كل فرد تغاير لغة غيره، وتعلن، جوهرياً، عن موت العالم الذي تعيش فيه، لأن اللغات متصارعة متنافرة متناكرة، لا تنجز الايصال ولا تقوم به، تاركة كل فرد مع لغة غريبة لا تصل الى غيره، ولا يرحّب غيره بها. وضع موزيل في روايته تصوراً أخلاقياً، يحتج على عالم دنيء يرحّب بالقتلة، يصيّر الانسان ذئباً ويدفع من رفض "الحيوانية" الى الجنون. تغدو الحياة اليومية، في هذا التصور، مجالاً للمرض، بقدر ما يصبح ما هو نقيضها مجالاً للفن، الأمر الذي يحوّل "المرضي" الى مقولة جمالية، طالما ان الرواية تتعامل مع "واقع الفكر" لا مع "الواقع الخام"، الذي لا يقبل الفكر بالتعامل معه. ينطوي جوهر الحياة اليومية، وهي مبتذلة ورخيصة لزوماً، على المرضى والأمراض، ويقول العمل الفني بـ"إنسان معزول" لا ينتظر شيئاً، جوهره العمل الفني الذي جاء منه. جوهران متعارضان، لا جسور بينهما ولا حوار، ذلك ان العالم الذي "لا صفات فيه" هو عالم الموتى وعالم الذين فقدوا عقولهم وأرواحهم. يقول موزيل: "لو كانت للانسانية أحلام جماعية، فلن تحلم الا ان تكون موسبروجر"، والأخير هذا قاتل سادي معتوه وأقرب الى الكابوس. يؤبلس الاحتجاج الأخلاقي الوجود الانساني، يلغي الوجوه واحتمال الاختلاف، ويطمئن الى قناع رمادي ينتشر فوق البشر جميعاً. وعن هذا المنظور، الذي يواجه المعيش بالجمالي، تصدر رؤية سكونية، ترى الى جوهر فني ينقض الحياة اليومية والى جوهر انساني أحلامه الكبيرة كوابيس قاتلة. لا غرابة في ان يتعامل موزيل مع شخصيات معطاة مرة واحدة، بعد ان أقال المحتمل الايجابي من وظيفته وألغى بممحاة مخلصة كل الآفاق الممكنة. لا جديد في حياة مبتذلة تحوّم فوقها الأطياف، ولا جديد في منازل مغترب لا ينتظر شيئاً. تطرح رواية "رجل بلا صفات" قضية الزمن ولا تطرحها تماماً، لأنها تضيء جوانبها بلا توقف. فالوجود الذي لا صفات فيه وجود تحرّر من التناقض، لا يحتاج الى الحركة ولا تعرف الحركة طريقها اليه، حدّه الأول جوهر مريض وحده الآخر هرب من مرض لا شفاء منه. والانسان الذي لا صفات له يقوم خارج ذاته، لأنه لو أقام داخلها لامتلك صفاته وغدا مفرداً فاعلاً، يرفض ويقبل ويختار، من دون ان يتلاشى في سديم عاطل عن الحركة. تتراصف الشخصيات ساكنة في منظور معين، يلغي الحركة في اتجاه ويرسلها طليقة في اتجاه آخر: يلغي الحركة وهو ينكر التغير والمستقبل والآفاق، ويرسلها طليقة في حقل الكتابة الروائية، التي عليها ان تنزاح عن كتابة سائدة، وأن تعثر على "أسلوبية" جديدة، تقول الأفكار المجردة بلغة مشخصة، وتعطي مقولات هايدغر وهوسرل وشبنجلر صوغاً جديداً، يساكن فيه الأدب الفلسفة وتتعايش فيه الفلسفة والفلسفة الأدبية في آن. والسؤال الذي يُطرح مباشرة هو الآتي: ما معنى الحاضر في زمن ساكن تتقاسمه جواهر ثابتة متعارضة؟ يقوم الجواب في أزمة معنى الوجود الانساني، التي تجعل من الحاضر لحظة أبدية ومن الأبدية الانسانية حاضراً لا جديد فيه. في الحالين يبدو التطور، كما المستقبل، كلمة لا معنى لها، كما لو كانت الأزمنة المريضة تقبل بتبادل مواقعها ايضاً، إذ المستقبل راقد في الماضي، وإذ الماضي لا يقل شراً عن الحاضر. يشرح السكون، من حيث هو شكل التمثيل الأدبي للواقع، منظوراً يحايث العمل الأدبي، يصرّح بإنسان مريض قذف به الى هذا العالم، واحتفظ بمرضه في جميع الأزمنة. يتضمن عمل موزيل، كما أعمال كافكا وجويس وبيكيت، منظوراً لا يلتقي مع تصورات تولستوي وبلزاك وديستويفسكي وغيرهم، الأمر الذي يغوي بعض القراء بالتمييز بين أدب متشائم وأدب متفائل، أو بأدب ملتزم بطموحات الانسان وآخر ملتزم بجمالية الكتابة ودفن آفاق الانسان. والتمييز لا صحة فيه، لأنه يفصل بين التاريخ الروائي والتاريخ الاجتماعي، كما لو كان للأدب تاريخ متصل متجانس، يعطي أقواله بأدوات متماثلة. فإضافة الى الاحتجاج الأخلاقي العاصف على واقع يختلس من الانسان أحلامه، فإن في رواية موزيل ما يستنكر حداثة غير عاقلة، تكرس الإنجاز الحداثي لأغراض قاتلة. فقد كتب موزيل روايته بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة وبعد اتفاقية فرساي، التي زعزعت أوروبا، وبعد أزمة الحداثة، كما عاشتها فيينا، وكتاب هوسرل عن أزمة العلوم وأفكار هايزنبيرغ عن أزمة الفيزياء وآراء شبنجلر عن "سقوط الغرب"... أعطت هذه العناصر مجتمعة رؤيا متشائمة، لا تحتفل بمعنى التاريخ ولا ترى جدوى في الاحتفال أو غيره، تجانس بين الأزمنة، وتضع الأزمنة كلها في فضاء ساكن شحيح الضوء، تعوي فيه الذئاب ومجرمون ومعتوهون، لا يستنكر وجودهم أحد. الواقع أفكار والوقائع جملة أفكار والأفعال الانسانية ممكنات حالمة، هذا ما يقول به موزيل، الذي نظر الى الفلسفة بعين الأديب، ومارس الأدب بطريقة الفيلسوف. ولأنه أدرك ببصيرة ثاقبة ان الأدب وحده لا يغير الواقع في شيء، فقد اكتفى بتغيير الأدب، حين أضاف اليه احد الاعمال الروائية الاكثر أهمية في القرن العشرين. كان أخلاقياً مرتين: مرة أولى شجب فيها حضارة متقدمة لا تعتزل الحروب، ومرة ثانية في عمل روائي نموذجي، يصوغ احتجاجه الاخلاقي بأدوات فنية لا يعوزها الاتقان. [/quote] Array سمير جريس - الحيـاة رواية "الرجل الذي لا خصال له" - التي صدر الجزء الأول من ترجمتها العربية حديثاً عن دار الجمل - هي "رواية القرن العشرين" بحسب ما أظهر استطلاع للرأي أجرته دار الأدب في ميونيخ ودرا نشر برتلسمان الألمانية مطلع عام 1999. يومها أجمع النقاد والباحثون في الأدب الألماني على اختيار رواية الأديب النمسوي روبرت موزيل (1880 -1942) لتتربع على رأس قائمة "كلاسيكيات الأدب الألماني اللغة في القرن العشرين"، قبل رواية "المحاكمة" لكافكا التشيكي الأصل التي حلت ثانية، بينما جاءت رواية الألماني توماس مان "الجبل السحري" في المركز الثالث. هنا قراءة في الترجمة العربية لرواية "الرجل الذي لاخصال له". كلفت رواية "الرجل الذي لا خصال له" مؤلفها الكثير، وربما كلفته في النهاية حياته. خامرت فكرة "الرجل الذي لا خصال له" ذهن موزيل منذ مطلع القرن العشرين أثناء دراسته الجامعية، إلا أنه - بدقته الرهيبة في العمل التي تصل إلى حد الهوس - لم يجد الشكل المقبول لها إلا بعد زهاء عشرين عاماً. وكمثل بطل روايته حاول روبرت موزيل ثلاث مرات أن يستقر في مهنة يتصورها مبتغاه، ولكن من دون جدوى. عمل أولاً ضابطاً في الجيش، ثم أستاذاً مساعداً في جامعة شتوتغارت بعد أن درس الهندسة، وأخيراً باحثاً أكاديمياً بعدما حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة وعلم النفس. إلا أنه في كل مرة كان يهجر مهنته بحثاً عن شيء آخر لا يعلم كنهه. وفي نهاية المطاف تفرغ للكتابة الأدبية علَّه يجد ما يبحث عنه. حقق موزيل شهرة كبيرة بعد صدور أولى رواياته "اضطرابات الربيب تورلس" (1906)، إلا أن أعماله اللاحقة لم تلق النجاح نفسه الذي لن يصيبه مرة أخرى إلا عام 1931عندما نشر الجزء الأول من "الرجل الذي لا خصال له". احتفى النقاد الألمان بهذه السيرة الروائية فور صدورها، ووضعوها على ذروة سامقة متفردة كرواية تؤسس للحداثة في الأدب الألماني (إلى جانب أعمال كافكا وهيرمان بروخ). واعتبرها الأديب توماس مان رواية "استثنائية" بين الروايات الألمانية. لكن النجاح الكبير الذي أصابته الرواية لم ينقذ مؤلفها من ضائقته المالية، على رغم الأقساط المنتظمة التي كان ناشره إرنست روفولت يدفعها له مُقدماً كمكافأة نشر الرواية الجديدة. وطوال ثماني سنوات ظل الناشر يلتزم مالياً، والكاتب لا يكتب. وفي عام 1933 نفد صبر روفولت فقطع أقساطه. ووجد موزيل نفسه على حافة الإفلاس والتسول، فتشبث بعمل حياته، وأصدر في العام نفسه الجزء الثاني من "الرجل الذي لا خصال له". شهد عام 1933 أيضاً صعود النازية وتولي هتلر السلطة في برلين التي كان يعيش فيها موزيل، فقرر على الفور العودة إلى موطنه النمسا. وسرعان ما أسدل النسيان ستائره على الأديب النابغة، ما دفعه إلى جمع مقالات عدة وقصص قصيرة وأصدرها تحت العنوان الساخر: "ميراث أثناء الحياة" (1936). بعد عامين تختفي أعمال موزيل من مكتبات النمسا وألمانيا ويُمنع من النشر، فيحيا في عزلة مريرة وفقر مدقع. وعندما "يضم" هتلر النمسا إلى الرايخ الثالث، يقرر موزيل الهرب إلى سويسرا حيث توافيه المنية عام 1942 وهو في غمرة الإعداد للجزء الأخير من روايته الذي سيصدر بعد وفاته. "الرجل الذي لا خصال له" يُدعى أولريش، وهو في بداية الرواية - آب (أغسطس) 1913، أي عشية اندلاع الحرب العالمية الأولى - في الثالثة والثلاثين من عمره. يشعر أولريش أنه "ولد ومعه رغبة في أن يكون رجلاً عظيماً"، لكن مشكلته "هي أنه ما كان يعرف كيف يصبح واحداً من العظماء" (ص 43 من الترجمة). بعد محاولات فاشلة في العمل ضابطاً ومهندساً يقرر أن يأخذ إجازة مدة عام من حياته، ليتأمل في أحوال الدنيا والخلق، ويبحث عن الطريق إلى العظمة. يدرك أولريش أن الخطأ في مكان ما، إلا أنه يعجز عن تحديده. الحقيقة تراوغه. يشعر بالقيم العتيقة تنحل، والثوابت تصبح موضعاً للشك والمساءلة. إنه عصر التحولات والتغيرات. عصر يقف على الحافة. الجديد لم يبدأ بعد، والقديم ما زال يبسط سيطرته على عقول الناس: "إننا نعيش في زمن عبور. وهو زمن قد يطول حتى نهاية الكوكب" (ص 279). يكتشف أولريش أنه غير قادر على اتخاذ موقف يخصه، فيكتفي بدور المشاهد السلبي الذي يجلس في مقهى الحياة ويستغرق في التأمل، من دون أن يكون له موقف أو سمات: "إنه يتردد في أن يصنع من نفسه شيئاً ما، فالشخصية، المهنة، نمط الوجود الثابت، كل هذه في نظره تصورات ينعكس فيها الهيكل العظمي الذي يفترض أن يكون كل ما تبقى له في النهاية. يسعى ليفهم نفسه بطريقة أخرى؛ وبميله إلى كل ما يغنيه داخلياً، وإن كان ممنوعاً أخلاقياً أو ثقافياً، يشعر بنفسه مثل خطوة حرة تقوده نحو كل الجهات، من توازن إلى آخر ودائماً إلى الأمام" (324). يبدو أولريش بلا سمات أو خصال لأنه يعجز عن الافادة الإيجابية من امكاناته المتنوعة على أرض الواقع، لذا يبحث عن "الممكن" بدلاً من "الواقع". الشعور بالتيه والعجز أمام إمكانات الحاضر المتعددة هو ما يسم أيضاً بطلة الرواية ديوتيما، التي اتضح لها "أنها تعيش في زمن عظيم، ما دام الزمن عامراً بالأفكار العظيمة، ولكن لا يمكن المرء أن يصدق كم كان صعباً تحقيق الأعظم والأهم منها. كانت كل الشروط متوافرة ما خلا شرطاً واحداً: معرفة أي منها هي الأعظم والأهم! ففي كل مرة تكون فيها ديوتيما على وشك أن تنحاز إلى فكرة مثل هذه كان عليها أن تلاحظ أنه سيكون شيئاً عظيماً أيضاً ان تحقق العكس من ذلك" (ص 692). ويعتبر أرنهايم الشخصية المضادة لأولريش في الرواية (وهو بورتريه للسياسي والكاتب الألماني فالتر راتناو المعاصر لموزيل). أرنهايم يعتقد أنه وصل إلى ما يبحث عنه أولريش: إلى الأخلاق الجديدة الملائمة للعصر الجديد، إلى التوازن بين الروح والعقل، وهو توازن ينتقده أولريش باعتباره محاولة للتوفيق بين "سعر الفحم والروح" (ص365)، على حد تعبيره. وإذا كان أولريش غارقاً في التأمل والفكر، فإن أرنهايم يرمز إلى الإنسان في العصر الصناعي الذي يؤمن بقوة الفعل - لا الفكر - في مناحي الحياة كافة. أسباب عدة جعلت من هذه الرواية عملاً "عملاقاً" في دنيا الأدب، يحترمه المرء ويخشى الاقتراب منه. مثلاً حجم الرواية الضخم الذي جاوز الألف صفحة في الطبعة الألمانية الصادرة بعد وفاة موزيل، وموضوعها الذي يتطرق إلى مجالات عدة، كالفلسفة والتصوف وعلم النفس ونقد العصر وفكرة حتمية التقدم (ما يمثل صعوبة خاصة في الترجمة). تبدو الرواية للوهلة الأولى معقدة بسبب فصولها الأشبه بالمقالات والتي يبدو فيها أثر نيتشه - الذي جمع في مقالاته بين التحليل الفلسفي والأسلوب الأدبي الناصع - واضحاً جلياً. يمزج موزيل أيضاً في هذه الفصول بين أفكاره ونظريات أو آراء نيتشه وفرويد وشبنغلر وإرنست ماخ. كثيراً ما يقطع موزيل الخيط الروائي لإفساح المجال أمام التأملات والهواجس والظنون التي تخامر رؤوس شخصياته، إذ أنه كان يعتقد أن هذه التقنية هي المثلى لمضمون روايته (وربما لذلك ظل هذا "النص المفتوح" مخطوطة). إن العصر القلق - كما يرى موزيل - لا يمكن تصويره من خلال حكاية تقليدية لها بداية واضحة ونهاية. هذا النوع من "القص البدائي" لم يعد يتلاءم مع الحياة الحديثة المضطربة التي غدت "عصية على القص". كتابة الرواية بالنسبة الى موزيل أشبه بعملية نسج لخيوط لا نهاية لها، والنتيجة ليست واضحة منذ البدء. الرواية لدى موزيل جدارية ضخمة مفعمة بالتفاصيل الدقيقة، إلا أنها لا تبوح بكل ما فيها لدى النظر إليها للمرة الأولى. لكن، وعلى رغم كل التعقيد في تخطيط الرواية فإن "الرجل الذي لا خصال له" أبعد ما تكون عن الرواية الذهنية المعقدة التي تدور حول أفكار مجردة، بل هي رواية مغرية للقارئ. نعم، النَفَس السردي طويل، لكنه لا يرهق القارئ ولا يضجره. لعل ذلك يعود إلى ما يتسم به أسلوب موزيل من سلاسة وسخرية هادئة، وإلى أن الحكاية - الإطار تجمع شتات "الأفكار العظيمة" المنبثة في ثنايا الرواية، وهي حكاية تستند إلى وقائع تاريخية أجرت في النمسا. إلا أن موزيل لا يستغرق في وصف تفاصيلها المحلية، مما يسهل الأمر على القارئ أياً كان موطنه. يضيق والد أولريش بخواء حياة ابنه وهامشيتها، ويحثه على أن يوطد صلاته بالطبقة الراقية في "كاكانيا"، وهي التسمية التي يطلقها موزيل على إمبراطورية النمسا والمجر التي كان يُرمز إليها بالحرفين k&k، اللذين يختصران "الإمبراطورية والملكية". كانت الطبقة الراقية في فيينا مشغولة آنذاك بأخبار الاحتفال الذي ينظمه الألمان لقيصرهم فيلهلم الثاني بمناسبة العيد الثلاثيني لجلوسه على العرش. ألا تستحق كاكانيا احتفالاً مشابهاً؟ تتساءل نخبة المجتمع الفيينوي، أما المناسبة فهي مرور سبعين عاماً على اعتلاء قيصر كاكانيا عرش البلاد (المقصود فرانتس يوزف الأول، قيصر النمسا وملك المجر). لا بد من منافسة الدولة الجارة وإقامة "احتفال مواز"، هذا ما تقرره النخبة. يتم تأسيس لجنة لإعداد الاحتفال تضم ألمع رجال الثقافة والجيش والصناعة، تجتمع في صالون السيدة ديوتيما لمناقشة خير السبل للاحتفال بيوبيل القيصر. يتم اختيار أولريش أميناً عاماً للجنة التي لم يكن لديها أدنى تصور عن شكل الاحتفال. لم تتمخض الاجتماعات عن شيء، إذ أنها استهلكت نفسها في مآدب عشاء طغى عليها الكلام الأجوف والمؤامرات والمغامرات العاطفية. ومع ذلك يشعر أعضاء اللجنة بالرهبة لعظم المهمة الملقاة على عاتقهم. عبر فصول عدة يصف موزيل التحضيرات التي تقوم بها الطبقة الراقية للاحتفال الموازي، ويبرهن خلالها على عبقريته في النقد والتحليل الساخر لعصر يقف على شفا الانهيار. موزيل بالعربية من المعروف عن روبرت موزيل أنه كان يعيد صوغ بعض فصول روايته مرات عدة تصل أحياناً إلى العشرين، قبل أن يصل إلى صيغة لغوية وأسلوبية يرضى عنها بعض الرضى! هذا الهوس بالكمال كان أحياناً يضيق الخناق على موزيل، فيشعر بعجزه عن أن يسطر حرفاً واحداً، ما دفعه إلى التردد على أحد الأطباء النفسيين. لا شك في أن هذا الأسلوب المصقول يمثل امتحاناً عسيراً وتحدياً كبيراً لمن يتصدى لترجمته إلى أي لغة أخرى، فكيف كانت الترجمة العربية؟ لا شك في أن الشاعر والروائي العراقي فاضل العزاوي بذل جهداً فائقاً في هذه الترجمة التي جاءت في مجملها جيدة ورصينة، مُبدعة في أجزاء منها، أمينة، تخلو من الأخطاء النحوية والصرفية، وإن لم تخل من الأخطاء المطبعية وأخطاء الهمزات التي لم تجلس في مكانها الصحيح في كثير من الأحيان. لعل القارئ العربي يفتقد مقدمة تقرب إليه مثل هذا العمل الصعب وتشرح خلفياته التاريخية، وهو أمر ربما يستدركه العزاوي في ترجمته للجزء الثاني الذي سيصدر نهاية هذا العام. ولا تخلو الترجمة من هنات وأخطاء وركاكة أحياناً تنجم عن محاكاة صريحة لبنية الجملة الألمانية أو عن حرفية في الترجمة. تبدو هذه الحرفية إشكالية خصوصاً لدى ترجمة التعابير الاصطلاحية. مثلاً: عندما يقرأ المرء "صديقة النهود" (ص 122) فقد تذهب به الظنون كل مذهب، لكنه لن يهتدي إلى أن المقصود هنا هي الصديقة الحميمة المقربة إلى القلب! كذلك إذا قرأ المرء "سمعوا عشب التاريخ ينمو أمامهم" (ص 249) فلن يفهم أحد - على ما أعتقد - أن المقصود هو الإلمام بكل ما يحدث، أو أن المرء لا تخفى عليه خافية، أو - كما يُقال - أن يسمع المرء دبيب النمل. ما يلفت النظر في هذه الترجمة أيضاً هو الإفراط في استخدام فعل الملكية (انطلاقاً من الأصل الألماني). المرء لدى العزاوي يملك الصديق والأب (بدلاً من أن يكون لديه)، ويمتلك الخصال (بدلاً من أن يتسم بها) والفرصة (بمعنى تسنح له أو تواتيه)، واللغة (بمعنى إجادتها)، بل وحتى البيرة في المنزل، والمكابدات الروحية! أيضاً يلتزم العزاوي بالترجمة الحرفية لكلمة "حقيقة" التي ترد كثيراً في التعابير الألمانية ولا تتطلب ترجمة؛ إنه يقول مثلاً: "حقيقة أنه لم يفلح" (ص 442، والمقصود: لأنه لم يفلح). وكذلك يتساءل المرء لماذا يترجم العزاوي الثالوث الشهير "الحق والخير والجمال" على نحو آخر، بقوله: "الحقيقة والطيبة والجمال" (ص 52)؟ وينحو العزاوي أحياناً - قليلة لحسن الحظ - إلى استخدام ألفاظ مهجورة متقعرة، لا تتناسب مع لغة موزيل السلسة، فنجده يفضل استخدام كلمة "نفاجة بورجوازية" (ص 432) بدلاً من القول مثلاً: "نفخة بورجوازية كذابة". وعلى هذا المنوال نراه يستخدم كلمات مثل "الصعفوق والصعفقة" (ص 64، بينما المقصود هو الهاوي غير المتخصص) و"القنزعة" (86، والمقصود في الأصل البابيون). ربما كان يعوز المترجم الوقت لإعادة لنظر في هذه الترجمة الضخمة المرهقة. أو ربما كان يجدر بالناشر أن يعهد بالترجمة إلى مراجع يلتفت إلى ما فات على المترجم في غمرة عمله المضني الذي استغرق ثلاثة أعوام. لكن الأكيد أن هنات الترجمة - الموزعة على طول 450 صفحة - لن تعوق القارئ العربي عن الاستمتاع بهذا العمل الفلسفي المهم الذي لم يفقد راهنيته بعد. [/quote] وانا اتصفح موقع ادب وفن قسم أدب عالمي مترجم وجدت الرواية ثم وجدت تلك المقدمتين الادبيتين اللتين جذبتني وشوقتني لشراء الرواية ومن ثم قرائتها مستقبلا ان شاء الله هل الرواية فعلا جميلة ورائعة الى ابعد الحدود؟؟؟ أرجو من قرأ الرواية ان يعطيني رايه الذوقي والادبي فيها ؟؟؟ تحياتي للجميع :redrose: |