نادي الفكر العربي
سجن الهوية . - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+--- الموضوع: سجن الهوية . (/showthread.php?tid=4579)

الصفحات: 1 2


سجن الهوية . - بهجت - 06-13-2008


" من ضرورات خوض الحياة الإنسانية ، أن نتحمل مسؤوليات الإختيار و التفكير." أمارتيا صن –نوبل في الإقتصاد 1998.
في زيارة شهيرة لجورج بوش إلى تركيا تحدث الرئيس الأمريكي إلى مضيفيه الأتراك ، فقال أنه سعيد بوجوده في بلد إسلامي منفتح على الغرب ، هنا انبرى له الرئيس التركي -وقتها - جودت سيزار مصححا بأن تركيا دولة علمانية و ليست إسلامية ،و لكن الرئيس الأمريكي المعروف بذكائه المحدود عاد للحديث عن العلاقات الطيبة بين بلاده و تركيا المسلمة ، وهنا صحح له الرئيس التركي معلوماته مرة أخرى مؤكدا علمانية تركيا ، أعجب الكثيرون باستقامة المعاييرالعلمانية في عقل سيزار و سخروا من تشوشها عند بوش ، و لكن هناك قليلون أكثر حصافة أدركوا أنه عندما تكون العلاقات الطيبة بين البشر المختلفين دينيا أمرا استثناءا و يستحق الإشادة ، فذلك في حد ذاته نذير يدعوا إلى الخوف لا الفخر و الإشادة ، ربما يرى البعض أن الرئيس الأمريكي شديد الضحالة و الغباء وليس مرجعا لشيء ، و لكن المخيف في الأمر أن بوش لم يكن طائرا وحيدا فقد سربه ، فالعالم يتغير بالفعل ، و يتحرك بخطى سريعة إلى مزيد من التمايز في الهويات الأحادية المنعزلة ، هذا الإتجاه يحيل النظام العالمي إلى مجرد كونفدرالية أديان و ثقافات أكثر من أي فترة سابقة في تاريخه منذ نشأة هذا النظام .
تصور جورج بوش لهذا العالم المنقسم بحدة إلى هويات أحادية متمايزة و متفارقة ، أعادني إلى تأمل ما يعرف بحوار الحضارات أو الثقافات ، ولا أنكر أن فكرتي عن ذلك الحوار سلبية كلية ، بل ولا أراه سوى مأزقا حضاريا في حد ذاته ، و لا يعدوا كونه ترسيخا لمفهوم الهويات الشمولية المتصارعة ، و أرى أن العقلية التي تدعوا إلى حوار الهويات لا تختلف كثيرا عن العقلية التي تدعوا إلى صراعها ، فكلتهما تقزم أفراد الجنس البشري و تختزلهم في جماعات شمولية متمايزة ، وهي بالتالي لا تعترف بحق البشر في تعدد الهويات ، و أن هذه التعددية ليست فقط حقا طبيعيا للأفراد و الشعوب على السواء ، و لكنها الأداة الأساسية في تجنب الصراعات و الحروب المدمرة ، فمع الهويات الأحادية الشمولية لن يكون الإسلام مثلا مجرد دين يدين به البعض ، بل سيكون هوية حصرية للمسلمين تحدد لهم أفكارهم وسلوكهم و مصالحهم ،و لا تزاحمها هوية أخرى ، و يمكننا أن نسترسل فنقول أن التشيع عندئذ لن يقتصر عن كونه مذهبا دينيا ، بل سيصبح هوية شاملة للشيعة ، و يمكننا أن نمد الخط على استقامته ليشمل مختلف الأديان و المذاهب الدينية .
مثل هذا التقسيم و هذه التفرقة هي ما يجب أن ندينه بالأساس ، فهو ضد الفكرة الإنسانية القديمة التي تقول أن الناس أخوة و أنهم متشابهون إلى أبعد حد ، إن النظر إلى العالم بأنه مكون فقط من ديانات أو ثقافات مختلفة ، يتعارض أيضا مع الهويات الأخرى التي يتمايز بها الناس و يقدرونها ، و هي الهويات المتعلقة بالمهنة و الطبقة و اللغة و الجنس و الأخلاق و القوميات و العلوم و السياسات و ....، إن هذه التقسيمات المتداخلة و المتشابكة للجنس البشري تجعله أقدر على الفهم و التعايش ، أما الهويات الإختزالية و الإقصائية القائمة على أساس العقيدة الدينية و التي تعطي لنفسها موضعا محوريا و مهيمنا على حياة الأفراد ، فتساهم مساهمة جوهرية في شيوع العنف و التصادم .
إن أهم مصادر الصراعات الحية و الكامنة في هذا العالم هي بسبب تصنيف الناس على أساس الدين أو الثقافات ، فهذا يجعل العالم مرشحا للإشتعال في أي لحظة ، وكل العقلاء في العالم الذين استمعوا إلى جورج بوش – مرة اخرى لا أجد مثالا أقبح – يتحدث عن دولة يهودية في فلسطين ، كانوا يعلمون أنهم يسمعون لنعيق البومة التي تقف على الخرائب ، و أن الدولة الدينية ستكون مقبرة لسكانها يوما ما ، لهذا يشعر جميع الخيرين في هذا العالم أن هناك بالفعل مشكلة ثقافية تعصف بالبشرية ، و لكنها ليست مشكلة صراع الهويات و الحضارات و الأديان أو تحاورها ، فالمشكلة في جوهرها هي غياب نموذج بديل يرسخ فكرة الهويات المتعددة المتداخلة للجنس البشري ، نموذج لعالم غير شمولي تعددي نبشر به و نجسده ، و بالتالي نتوقف عن تصنيف الناس تصنيفا مؤسسا على الدين أو الثقافة ، ثم اعتبار هذا التقسيم ملزما للجميع ، وهذا التصنيف المخرب هو ما يفعله كل من يتحدث عن صراع الهويات و كل من يتفاوض باسمها أيضا .
تتغذى المفاهيم المغلوطة و الملتبسة بعضها من بعض ، ففي الوقت الذي تتزايد فيه التقسيمات الدينية و الثقافية للشعوب ، تتزايد في المقابل المفاهيم الخاطئة لمقاومة تلك التقسيمات ، و بدلا من تنشيط المجتمع المدني و الهويات المتعددة للأفراد و الشعوب كسبيل لمقاومة الهويات الأحادية ، نجد أن الإتجاه السائد – كما في الحالة السنية – هو تشجيع رجال الدين المعتدلين و تمكينهم من الخطاب الرسمي في مواجهة المتعصبين الشعبيين ، وهذا واضح في بلد تقليدي مثل مصر ، فغاية ما توصل إليه رجال الأمن هو ما أطلقوا عليه المراجعات و الحوار مع المتشددين ، عندما يحشد رجال الدين الرسميين لترسيخ مفاهيم دينية أكثر إعتدالا ، أي بحصر الحوار داخل الجماعة الواحدة ( المسلمين في حالتنا ) ، و بالتالي تنعزل كل جماعة عن الجماعات الأخرى ، و حتى في حالة نجاح عملية الإصلاح الديني ، فأقصى ما يمكن تحقيقه هو هدنة تقصر أو تطول مع الآخر المنتسب بالضرورة إلى هوية مخالفة ولا سبيل للإلتقاء الحقيقي معه ، و لكن السبيل الفعال لتجاوز تلك التقسيمات المصمتة كما نراه هو ترسيخ المجتمع المدني و تحفيز تعدد الهويات و تداخلها .
إن أسوأ ما نفعله هو أن نقبل ولو ضمنيا فكرة أن العالم هو مجرد فيدرالية للأديان و الطوائف ، و أن الناس يمكن أن يصنفوا وفقا لنظام فصل ديني أو ثقافي شامل ، و بهذا يكون البشر مجرد أعضاء في إحدى الجماعات الدينية أو الثقافية ، فبهذا المقترب سنغرق جميعا في سوء الفهم بعضنا للآخر ، إننا في حياتنا اليومية نجد أنفسنا أعضاء في أعداد متنوعة من الجماعات ، فالإنسان منا يمكن أن يكون ،وبدون أي قدر من التناقض ،مواطنا مصريا من أصل تركي ، و ينحدر من أسلاف عاشوا في آسيا الوسطى ، و قد يكون مسلما ، و علمانيا ،و ليبراليا ،و رجلا أو إمرأة ،و مهندسا أو طبيبا ، و رياضيا ، و محبا للشعر ، و مناصرا لحقوق المرأة ،و متحمسا لحقوق الأقباط ،و مدمنا للأفلام الأمريكية ، يمكن لأي منا أن يكون كل ذلك و أكثر ، و كل ذلك يعطي الإنسان هوية فريدة خاصة به ، و لكن ليس بينها ما يمكن اعتباره هويته الوحيدة .
أما أخطر ما يحدث بالفعل نتيجة تقسيمات الهوية ، هو أن البشر يجرى تقزيمهم و تعبئتهم داخل صناديق طائفية منعزلة ،فإنه من ضرورات خوض الحياة الإنسانية ، أن نتحمل مسؤوليات الإختيار و التفكير ، كما عبر بعمق المفكر و الإقتصادي الهندي امارتيا صن ، هذه الحرية التي ينادي أمارتيا صن و غيره من أولئك الرجال العظام ، تتناقض مع تعميق الإحساس بحتمية الإنضواء ضمن هوية ما ، يفترض أنها هويتنا الحقيقية ، وتسوق كونها فريدة و متسامية ، إن فرض تلك الهوية (الفريدة )على البشر كقدر لا فكاك منه سوى لخائن ، هو الطريق السريع للفتن و الحروب و الصراعات المدمرة ، إن إنسانيتنا المشتركة تتعرض لهجوم وحشي عندماتتلاشى كل التقسيمات و الهويات و التنوعات و الحريات ،و يتم توحيدها كلها في تصنيف مهيمن يقوم على الدين أو الثقافة وحدها ، فبهذا سيتحول البشر كلهم إلى كائنات ممسوخة ذات البعد الواحد ، بلا عقل ولا تفكير ولا شخصية ولا وجود حقيقي .
هناك بالفعل مخاوف كثيرة في مختلف الثقافات من إنتشار الأفكار الشمولية داخل الثقافة ، فالمفكرون خاصة في العالم الثالث حديث العهد بالحريات العامة ، يخافون من ضياع تلك الحريات و تغليظ الإرتباط بالهويات المحورية ، و من الغريب أن تلك المخاوف واضحة بين المفكرين الهنود ، الذين يبدون مخاوفهم من أن تتحول الهندوسية إلى هوية شمولية كالإسلام مثلا ، بينما ألاحظ ان الهند من أكثر المجتمعات انفتاحا رغم الفقر و الأمية ، فلو عرفنا أن 80 % من الناخبين في أكبر الديمقراطيات في العالم هم من الهندوس ( المتدينيين ) ، سوف ننحي احتراما لهذا الشعب الذي رئيس جمهوريته مسلم ، و رئيس الوزراء من طائفة السيخ ، و رئيس أكبر الأحزاب السياسية سيدة مسيحية إيطالية الأصل !، رغم ذلك يرصد المثقفون الظواهر الأصولية بقلق شديد ، بينما نصر أن المجتمعات العربية المسلمة هي مجتمعات متسامحة لا تعرف التعصب المقيت !.



سجن الهوية . - Beautiful Mind - 06-13-2008

Array
إن أسوأ ما نفعله هو أن نقبل ولو ضمنيا فكرة أن العالم هو مجرد فيدرالية للأديان و الطوائف ، و أن الناس يمكن أن يصنفوا وفقا لنظام فصل ديني أو ثقافي شامل ، و بهذا يكون البشر مجرد أعضاء في إحدى الجماعات الدينية أو الثقافية ، فبهذا المقترب سنغرق جميعا في سوء الفهم بعضنا للآخر ، إننا في حياتنا اليومية نجد أنفسنا أعضاء في أعداد متنوعة من الجماعات ، فالإنسان منا يمكن أن يكون ،وبدون أي قدر من التناقض ،مواطنا مصريا من أصل تركي ، و ينحدر من أسلاف عاشوا في آسيا الوسطى ، و قد يكون مسلما ، و علمانيا ،و ليبراليا ،و رجلا أو إمرأة ،و مهندسا أو طبيبا ، و رياضيا ، و محبا للشعر ، و مناصرا لحقوق المرأة ،و متحمسا لحقوق الأقباط ،و مدمنا للأفلام الأمريكية ، يمكن لأي منا أن يكون كل ذلك و أكثر ، و كل ذلك يعطي الإنسان هوية فريدة خاصة به ، و لكن ليس بينها ما يمكن اعتباره هويته الوحيدة .
[/quote]

أستاذي المحترم / بهجت

موضوع جميل يشع ليبرالية و إنفتاحا كعادتك و طبيعتك ..
لكن من تقصد بـــ"نحن" ؟
"نا" الفاعلين تلك, من المقصود بها ؟

هل نحن الناس ؟
هل نحن العرب أو الشرق أوسطيين ؟
هل نحن أصحاب/أتباع الثقافات و الأديان ؟

أنا أعتقد مثلك إن الإنفتاح على العالم و الهوية الإنسانية الجماعة هي أفضل من يجمعنا ؟
الناس في مصر في تعاملهم مع السياح يعتبرونهم من طينة أخرى و ليسوا بشرا ..
يعني يتقبل جدا أي شيء للأجانب و السياح لكن قد يجن لو تصرف مصري نفس تصرفاتهم.

الجماعات البشرية نفسها هي التي تصنف نفسها بتلك الطريقة ..
طبعا هناك طبقة تعلو السواد الأعظم من الناس, زي الكريم شانتيه ..
تلك الطبقة نجد بها المسلم / المسيحي / اليهودي / الهندوسي / البوذي ألخ
ليبرالي و منفتح و يحب الأفلام الأجنبية و يسمع أغاني بلغات لا يعرفها و يشعر أنه جزء من الإنسانية.

لكن ليس كل الناس كذلك.
يعني نا الفاعلين تلك التي في كلامك قد لا تجد الكثيرين لديهم الإستعداد للمكوث تحتها ..
ياليتنا كنا منفتحين و لدينا الإستعداد لمشاركة العالم حضاراته و ثقافاته.
نتعلم من الغربي و الصيني و الهندي و الروسي و غيره ..

عموما أنا أعتقد أن العولمة الثقافية ستحل هذا الإشكال و لو بحرب عظمى ثالثة ..
الإنسانية ستتخطى هذا التمايز في العقائد و الثقافات بالزمن أو بالقوة .. آجلا أو عاجلا.

أيضا أتصور أن الشعور بالنقص عند الفرد هو ما يدعوه للفناء في جماعة كبيرة ..
التنمية الإقتصادية/السياسية و العولمة الإقتصادية/السياسية ستحل هذا الإشكال أيضا.

يعني أنا متأكد أن دول مثل السويد و الدانمرك و النرويج هي مستقبل الإنسانية كلها لا محالة ..
و لا أتصور أن عالم يتكون من بشر كالسويديين سيقتتل أو ينقسم أو تعمه الفوضى و العنصرية.

مستقبل الإنسانية مشرق بلا جدال .. :loveya:
أنا مؤمن بهذا.

لأستاذي :97:


سجن الهوية . - بهجت - 06-14-2008

الأخ العزيز بيوتفل مايند .
أسعدتني مداخلتك كما تفعل دائما ، فكلماتك تشع حيوية وهذا وحده ما يهم ، إن الأفكار الحية تبث الحياة فيما حولها من كلمات و أفكار ، فممارسة الحياة الحقيقية هي حرية التفكير و تحمل مسؤولية تلك الحرية .
إني بالقطع أتحدث عن الجنس البشري ، فهناك توجد هويتنا الحقيقية التي يعول عليها ، في تلك العبارات التي اقتبستها أردت أن أؤكد ببساطة أن هويتنا ليست إدراك طبيعي للذات كما يبشر البعض ،و لكنها في جوهرها إختيارنا نحن لأنفسنا ، و بالتالي فلكل منا هويته الفردية الفريدة و التي هي مزيج من هويات عديدة بنسب متفاوتة من إنسان لآخر ، في نفس الوقت لا تعبر أي منها منفردة عن هويته ، و بالتالي فالهوية ليست فطرة خالصة ، إن التنوع و التعددية من طبائع الأشياء و ليست مجرد أفكار طوباوية نطرحها في المنتديات ، و لهذا لا أوافق ولا أصدق أيضا أن علاقتنا بالجماعات المختلفة التي ننتمي إليها هي علاقة تبعية مطلقة محددة سلفا ، و في الواقع نحن نقوم باستمرار بتحديد أسبقية و أهمية العلاقات المختلفة التي تربطنا بالجماعات البشرية التي ننتمي إليها ، و الحرية الإنسانية في جوهرها هي حرية إتخاذ تلك القرارات التي تحدد أسبقية و أهمية تلك العلاقات ، إن الإنسان المعاصر يملك – أو يجب أن يملك – من العقل و القدرة على التفكير و الإرادة ، ما يمكنه من المفاضلة و إختيار طبيعة انتماءاته ، أي أن الإنسان الحقيقي هو الذي يختار هويته ولا يقبل الهوية التي تفرض عليه ، مهما كانت طبيعة الضغوط وقوتها .


سجن الهوية . - فرج - 06-14-2008

تحية طيبة إلى بهجت
يسعدني أن نلتقي من جديد
هذه مساهمة متواضعة في موضوع الهوية
هل الهوية هذه الأنا الواقعة بين الهُوَ والنحن؟ ماهي الهوية؟
في اللغة الهُوية ولا الهَوية، مشتقة من هُوَ.
إذن الآخر هو الذي يحدد هويتي بقوله: "هو فلان". وفي أغلب الحالات هو كذلك. أما "أنا" فتكاد تكون مغيبة في ثقافتنا العربية الإسلامية، فإذا قال أحدنا: "أنا فلان"، سرعان ما تدارك واستعاذ باللّه من قولة "أنا". لماذا؟
ذلك أنّ قولة أنا تكاد تكون محصورة في شخص المتكلم المطلق. حسب الرواية التوراتية عندما سأل موسى ربه "من أنت؟" جاءه الجواب "أنا من أنا". يضاف إلى ذلك أنّ الأنا الفردية تكاد تكون مسحوقة بـ"نحن" الجماعة. هنا لا بد من إحداث نوع من ثورة أو انقلاب كوبرنيكي باتجاه وضع الفرد في مركز الجماعة التي ينتمي إليها.
ماذا يعني انقلاب كوبرنيك؟
انقلاب كوبرنيك يعني تحرر الفرد من "كابوس" الجماعة، من أسر الجماعة، وذلك يعني تحرر الفرد من التبعية المطلقة لشخص الزعيم الذي يجسد الجماعة إلى درجة التماهي معها، فنحن الجماعة وأنا الزعيم في ذهن الأفراد المغلوبين على أمرهم شيء واحد. كما كانت الحال وما زالت في ظل الأنظمة النازية والفاشية والشيوعية عداك عن الأنظمة العشائرية والطائفية أو المذهبية العقائدية وما شابهها من أنظمة منسوخة ممسوخة عن هذه أو تلك.
المطلوب اليوم في عصرنا هذا أن يكون الفرد، كل فرد، قادراً على القول "أنا فلان" أو "أنا أريد أن أكون فلاناً". الحضارة المعاصرة والفلسفة الحديثة كلها قائمة على مفهوم الإرادة الحرة للفرد والتي يعتبرها البعض تجسيداً لإرادة مطلقة تتجاوز الفرد إلى مفاهيم أخرى مثل "الحتمية التاريخية" أو "الأمة" وغير ذلك.
حتى مفهوم حقوق الإنسان والحريات الفردية والعامة قد تستخدم لغير صالح الفرد وحريته.
مفهوم الهوية يتقاطع مع مفهوم الانتماء.
هناك الانتماء الطبيعي الموروث، وهناك الانتماء الثقافي القائم على الاختيار الواعي. مثلما الانتماء يتأرجح ما بين الثقافي والطبيعي كذلك الهوية تتأرجح بين الهُوَ والنحن في حين أنّ المطلوب بناء الأنا على أساس من الوعي والاختيار. هذه الأنا ما هي إلاّ مشروع قيد البناء باستمرار على حساب الهُوَ والنحن في آن.
النحن مستويات: من العائلة إلى العشيرة الأقربين إلى الطائفة إلى المذهب ثم الوطن بالمعنى القطري، وبالمعنى القومي، والوطن الإنساني.
الآخر أيضاً مستويات: من الآخر القريب (الأخ، ابن العم) إلى الغريب البعيد، ابن الطائفة الأخرى أو المذهب الآخر، المختلف في اللغة والثقافة إلى درجة العداء أو الاغتناء المتبادل (مثال سويسرا).
نلاحظ أنّ الأنا تلتقي مع الهو والنحن في المستوى الإنساني، في الوطن القومي – الإنساني بينما المستويات الأخرى تبقى مفتوحة على التمزق الداخلي في حروب أهلية وطائفية وغيرها.




سجن الهوية . - بهجت - 06-16-2008

الأخ العزيز فرج .:redrose:
يسعدني للغاية عودتك للمشاركة ، بنفس التألق الذي عهدته دائما .
Array
...................
انقلاب كوبرنيك يعني تحرر الفرد من "كابوس" الجماعة، من أسر الجماعة، وذلك يعني تحرر الفرد من التبعية المطلقة لشخص الزعيم الذي يجسد الجماعة إلى درجة التماهي معها، فنحن الجماعة وأنا الزعيم في ذهن الأفراد المغلوبين على أمرهم شيء واحد. كما كانت الحال وما زالت في ظل الأنظمة النازية والفاشية والشيوعية عداك عن الأنظمة العشائرية والطائفية أو المذهبية العقائدية وما شابهها من أنظمة منسوخة ممسوخة عن هذه أو تلك.
المطلوب اليوم في عصرنا هذا أن يكون الفرد، كل فرد، قادراً على القول "أنا فلان" أو "أنا أريد أن أكون فلاناً". الحضارة المعاصرة والفلسفة الحديثة كلها قائمة على مفهوم الإرادة الحرة للفرد والتي يعتبرها البعض تجسيداً لإرادة مطلقة تتجاوز الفرد إلى مفاهيم أخرى مثل "الحتمية التاريخية" أو "الأمة" وغير ذلك.
.....................................
[/quote]
لا أجد أفضل من هذا الإقتباس لتجسيد روح الموضوع كله ، إن الهوية الأحادية التي تقصي كل هوية أخرى ستؤدي تلقائيا إلى الطغيان من جانب ،و الخضوع و التبعية من جانب آخر ، إلى عملقة الزعيم الذي يجسد تلك الهوية و تقزيم الأتباع و تعليبهم في حاويات يتم حشدها خلف ذلك الزعيم العملاق ، إن تلك الآلية الجهنمية ستبقى سارية ، سواء كانت النوايا خلف تأكيد الهوية و تقديسها يتم لأسباب طيبة أو خبيثة ، بحسن النية أو بسوء النية ، و المخرج الوحيد من ذلك المنزلق الخطير هو تاكيد هويتنا الإنسانية و ترسيخها ، بل لقد فكرت أن أطلق على هذا الشريط ( الهوية الإنسانية ) و لكني خشيت تداخله مع مفهوم الهيومانية كإتجاه فلسفي ، و سوف انتهز هذه المداخلة لمضي أبعد قليلا .
إني أشعر أن المنطقة العربية تنزلق سريعا إلى استقطاب حاد قائم على الهويات الدينية و المذهبية و الثقافية ، وهي كلها هويات شمولية موروثة ، بينما تتلاشى أو تبهت الهويات التعددية الأخرى التي تربط الأفراد ، و التي يختارونها لأنفسهم تعبيرا عن إرادتهم الحرة ، فالمنطقة تتجه سريعا إلى تقسيمات من عينة سنة و شيعة و يهود و مسيحيين و دروز و أكراد و .... و .... ، هذا الإستقطاب الحاد القائم على الهوية الدينية أساسا يعرض المنطقة كلها لمخاطر الفشل و التدمير و التفكك بالرغم من توفر كثير من عناصر التنمية داخلها .
كثيرا ما تمنيت أن يعارض السنيون المستنيرون جرائم القاعدة ضد الشيعة في العراق ،و كثيرا ما تمنيت أن يكون هناك بين الشيعة من يدين انقلاب حسن نصرالله في بيروت ، و لكن الحقيقة التي تفاجئنا أن الهوية الدينية هي وحدها التي تحرك العرب الآن و توجه تفكيرهم و مواقفهم ، أما باقي الإنتماءات و التحيزات فقد تبخرت في لحظات ، لقد تحدثت كثيرا عن خيارات الضمير و أحكامه ، تلك المواقف النابعة من الإحساس بالأخوة البشرية ، و لكن يبدوا ذلك نصا من اللغة السنسكريتية لا يفهمه أحد ، إن أسوأ ما في الهوية الأحادية أنها تفرض فرضا على طائفة من الناس كهوية متسامية تحتكر الحقيقة ، فلم يتوقف أحد ليسأل أين أخطأت طائفته في العراق أو لبنان أو السودان أو ...، أو حتى يستمع للآخرين ممن يمتلكون الحس الإنساني الغائب عن عالمنا العربي الآن ، مجرد الإستماع فقد يكون هناك الجانب الآخر من التل الذي لا يراه ، ومن يخرج عن النص و السيناريو الإلهي المطلق فسيكون هدفا لسيل من السباب و التهديدات و الوقاحات يتبارى فيها أبناء هذه الطائفة أو تلك ، و سيتحول الإنسان في لحظة من الأستاذ و المعلم إلى الصعلوك و المخرف ، ومن يفعل ذلك لن يشعر بالخجل أو التردد لأن الهوية الأحادية تحيل الناس إلى أقزام صغيرة بلا فكر ولا رأي ولا منطق ، والأقزام الصغيرة لا ترى غيرها سوى أقزاما صغيرة ، و الأتباع المطيعون لرمز هويتهم المتسامية يعتقدون أن الآخرين لابد أن يكونوا تابعين لرمز ما منافس ، و بالتالي هو تابع لباطل و كافر و خائن و ....، هم لا يعتقدون أبدا أن هناك من يمتلك عقله ،و أن هناك من تنبع خياراته و مواقفه من ضميره الحر ولا شيء آخر ، هم لا يعرفون شيئا عن تعدد الهويات و تكاملها و جدلها الدائم ، هم لا يعرفون شيئا عن إله حكيم محب للبشر و السلام ولا يريد سوى الخير و العمران ، هم جهلة صغار يأبون أن يتجاوزوا حد الرضاعة ، رضاعة السموم الطائفية بلا انقطاع .


سجن الهوية . - VOLTAIRE - 06-17-2008

Arrayتصور جورج بوش لهذا العالم المنقسم بحدة إلى هويات أحادية متمايزة و متفارقة ، أعادني إلى تأمل ما يعرف بحوار الحضارات أو الثقافات ، ولا أنكر أن فكرتي عن ذلك الحوار سلبية كلية ، بل ولا أراه سوى مأزقا حضاريا في حد ذاته ، و لا يعدوا كونه ترسيخا لمفهوم الهويات الشمولية المتصارعة ، و أرى أن العقلية التي تدعوا إلى حوار الهويات لا تختلف كثيرا عن العقلية التي تدعوا إلى صراعها ، فكلتهما تقزم أفراد الجنس البشري و تختزلهم في جماعات شمولية متمايزة ، وهي بالتالي لا تعترف بحق البشر في تعدد الهويات ، و أن هذه التعددية ليست فقط حقا طبيعيا للأفراد و الشعوب على السواء ، و لكنها الأداة الأساسية في تجنب الصراعات و الحروب المدمرة ، فمع الهويات الأحادية الشمولية لن يكون الإسلام مثلا مجرد دين يدين به البعض ، بل سيكون هوية حصرية للمسلمين تحدد لهم أفكارهم وسلوكهم و مصالحهم ،و لا تزاحمها هوية أخرى ، و يمكننا أن نسترسل فنقول أن التشيع عندئذ لن يقتصر عن كونه مذهبا دينيا ، بل سيصبح هوية شاملة للشيعة ، و يمكننا أن نمد الخط على استقامته ليشمل مختلف الأديان و المذاهب الدينية .[/quote]



لن أبدأ بمجاملة فأنت تعرف كم أعشق كتاباتك و أتلهف عليها..

أنتهيت منذ شهرين من كتاب صراع الحضارات لصمويل هنتيجتون، قبل أن أبدأ فى قراءة الكتاب التى أستغرقت فترة قراءته قرابة الشهر كنت أظن أنه مبنى على ملاحظة التغيرات الكونية و تفاعل الحضارات التصادمى.. لكنى بعد أن أنتهيت منه تأكد لى أنه مهندس لسياسة أمريكية مبنية على الهيمنة الكونية و تجعل الحضارات الأخرى Subordinated للحضارة الأمريكية المغزية لها إقتصادياً و عسكرياً..

الكتاب أصابنى بالإكتأب رغم أكاديمية البحث و خضوعه لتوثيق شديد الدقة..

قسم هنتيجتون الغرب إلى قلعتين وهو نهج جديد ألاحظه فى إبتعاد السياسة الخارجية الأوروبية عن تلك الأمريكية.. و هذا نراه فى نجاح أميركا الدائم فى تكسير أى محاولة لموقف أوروبى موحد كمشكلة كوسوفو أو العراق مثلاً لأنها ترى فى أوروبا خصم و ليس حليف فكرى لنشرالديمقراطية..

مقالك مثالى يا أستاذ بهجت، لكنه طرح سؤال بطريقة غير مباشرة..

ألا تتطابق فكرة بوش عن العالم مع فكرة المتشددين الإسلاميين؟!

هذا التطابق لا أعرف إن كان وليد الصدفة أى ببساطة لأن أهواء كلا الطرفين تصب فى هذا التقسيم الوحشى للعالم فى صورة تكتلات بشرية..أو أنه مقصود و مرسوم بدقة بتعاون الطرفين..
الغريب أن العالم كان قد بدأ يتخلص من فكرة "التكتل البشرى" و يتجه نحو الـ Individualism كتعظيم لقيمة الإنسان الفردية..

لكن من الواضح أن هناك من يحاول سجن الإنسانية داخل أطور أيدولوجية و دينية قاتلة..

تحياتى أستاذ بهجت و شكراً على الموضوع الرائع..


سجن الهوية . - بهجت - 06-17-2008

الأخ العزيز فولتير .(f)
جميل أن تجد وقتا في زحمة الدراسات العليا ،و أن تشاركنا هذا الشريط .
يا عزيزي .. إن فكرة التصنيف الأساسية للبشر على أساس ما يسمى الخطوط الحضارية أو الفروق الحضارية و الثقافية ، هي الخلفية التي قامت عليها نظرية صمويل هنتنجتون حول صراع الحضارات ، مع مراعاة أن هذه الخطوط تتبع تحديدا التقسيمات الدينية ، فيضع هننتنجتون ( الحضارة الغربية (المسيحية ) في مقابل ( الحضارة الإسلامية ) و ( الحضارة البوذية ) و ( الحضارة الهندوسية ) ، وهذا التقسيم هو الفكرة المحورية الشائعة لدى الأصوليين الإسلاميين و اليمين الجديد في أمريكا على السواء ، هذه النظرة الإختزالية نتيجة حتمية لرؤية ضبابية متعسفة لتاريخ العالم و حضارته ، وهذه النظرة تتجاهل أيضا التنوع و الثراء في التصنيفات و الإنتماءات الحضارية و تداخلها ، هذه النظرة المخادعة لا تخدع فقط الذين يدعمون نظريات الصراع بين الحضارات و الهويات الدينية ، و هي في حالتنا الصراع بين الإسلام و المسيحية – اليهودية ،و لكنها أيضا تخدع أولئك الذين يسعون لنزع الفتيل و مواجهة التعصب و يدعون إلى التعايش و السلام ، لأنهم أيضا بحصرون أنفسهم في إطار التقسيمات الدينية المحورية ، فهم يلجأون عادة إلى ما يسمى حوار الحضارات ،و لكن هذا المنحى بالرغم من نبل مقاصده يختزل البشر متعددي الإنتماءات و الخيارات في أفراد حصريا إلى جماعات مغلقة لكل منها بعد واحد لا تتخطاه ، بينما يقصون و بقسوة تاريخا بشريا مشتركا و غنيا من الأفكار و القوميات و الفلسفات و الفنون و السياسات و الصراعات و التوافقات و التبادلات و التأثيرات المتبادلة .
إن التركيز على التقسيم الديني المحوري وحده ، يؤدي إلى أيضا إلى ظاهرة خطيرة و مدمرة ، ألا وهي التضخيم السرطاني للسلطات الدينية و الأصولية بشكل خاص ، و هكذا نجد أن رجال الدين الإسلامي على سبيل المثال يعاملون باعتبارهم المتحدثين بإسم العالم الإسلامي السني و الشيعي على الخصوص ، على الرغم من وجود أعداد كبيرة جدا من المسلمين - والسنة تحديدا- على خلافات عميقة و أساسية مع ما تقدمه معظم القيادات الدينية ، و هكذا نجد أننا لا نعيش في عالم مكون من أفراد يتمتعون بحرياتهم الفكرية ، و لكننا نعيش في فدرالية من الأديان ، التي تفرض فرضا كهوية شاملة لمتبعيها .
من الطبيعي أن يسعى الأصوليون و الجهاديون خاصة إلى تاكيد الهوية الإسلامية ،و كبح الهويات الأخرى للمسلم لمصلحة ألا يكون المسلم أي شيء آخر غير كونه مسلما ، وهم يستخدمون في ذلك كافة الأسلحة بما في ذلك سلاح التكفير و التحريض على القتل ، و لكن الأمر الذي أراه شاذا و خاطئا أن يجاريهم أعداء الأصولية في ذلك ، فما بين كتاب المدونات الذين ينتقدون التعصب الإسلامي على الشبكة ، إلى السياسيين الذين يسعون لمكافحة التشدد الإسلامي في الغرب ، لا يرون جميعا في المسلمين غير أنهم مسلمين فقط ، وبدلا من رؤية و تفهم التنوع البشري بين من يدينون بالإسلام ، فإنهم يسعون إلى محاولة إعادة تعريف الإسلام من داخل نصوصه ، أي محاولات الإصلاح الديني ، و هكذا يسعى الجميع بشكل أو آخر و لأسباب متعددة إلى حصر المسلمين داخل هوية خاصة منعزلة .
إن المسلمين كغيرهم من الشعوب تنظر إلى نفسها بطرائق متعددة ، و ليس بالتركيز على العقائد الدينية وحدها ، فالمسلم السوري يثمن تاريخ دولته الأموية ومقاومته الوطنية للسلطة العثمانية المسلمة ، بينما يرى المسلم في بنجلادش نفسه بنغالي ،وهو يعتز بلغته و فنونه و ثقافته ، و ذلك الإعتزاز هو الذي قاده للإنفصال عن باكستان رغم أنها مسلمة أيضا ، وفي تاريخ الشعوب المسلمة تنوع كبير للغاية ، هذا التنوع ما بين أكبر شاه الإمبراطور المغولي المسلم ، الذي أطلق الحريات الدينية بشكل لم يعرفه التاريخ حتى وقتها ، هناك أيضا من اضطهد الأقليات و ضيق عليها مثل حفيده أورانجزيب ، إن تاريخ المسلمين لم يكن واحدا ،و لم يكن كله إسلاما ، فكانت هناك الرياضيات و العلوم والطب و الفنون و الآداب و .. و.. ، كل ذلك يشكل هويات متعددة للمسلمين ،ولا يشكل الإسلام هوية حصرية للمسلمين كما يفترض المتعصبون الذين يختلقون صراعا كريها بين المسلم و العالم المعاصر .



سجن الهوية . - بهجت - 06-19-2008

"لا يوجد إنسان يمثل جزيرة مستقلة بنفسها ". جون دون ( شاعر انجليزي )

تفاضل الهويات ..

هل علينا أن ننكر كل الهويات و نتعامل مع الناس جميعا كما لو كانوا ينتمون لهوية إنسانية واحدة ؟.
بالطبع لا يمكن أن نزعم ذلك ، فالإختلاف و التنوع ظاهرة إنسانية ، و الإنسان المطلق المجرد من كل هوية ليس فقط إنسان وهمي و لكنه غير مطلوب أيضا ، و الشعور بالهوية الوطنية و حتى الدينية و العرقية و التركيز عليها قد يكون له فوائد في جعل العلاقات بين الجماعة الإنسانية أكثر حميمية و تشيع روح التعاون ، و كلنا يدرك بالخبرة العملية أن تركيزنا على هويات معينة تجعلنا نفعل الكثير بعضنا لبعض ، هذه الشبكة من العلاقات الإنسانية القائمة على الهوية الواحدة يمكن أن تشكل في ذاتها نوعا من رأس المال ، و هناك مفكرون و اقتصاديون أمثال( ريتشارد بوتنام) الذين يتحدثون عن رأسمال إجتماعي social capital ، و دوره في تنمية المجتمعات و التغلب على روح الإثرة التي ترسخها الرأسمالية المتوحشة في المجتمعات الإنسانية ، و يمكننا أن نضرب أمثلة متنوعة تؤكد هذه الحقيقة ، أمثلة تتراوح من تأثيرالدعم المتبادل بين اليهود في تحسين أوضاعهم ، و أيضا التأثير الإيجابي لدعم اليهود في العالم لإسرائيل ، و هناك المشروعات الخيرية المسيحية التي تديرها الكنائس في العالم الثالث ،و المشروعات التكافلية الإسلامية .إذا نحن على وعي كامل بفوائد التركيز على هويات بعينها ، و لسنا بالتالي مغرقين في تعميم مثالي للروح الإنسانية الراقية ، و لكن علينا ألا نتوقف عند هذه النقطة ، بل علينا أن نمضي أبعد كي نرى أن الجماعات المتكاملة و التي تلتف بقوة و حماس حول هوية أحادية ، ستكون نفسها أكثر الجماعات ممارسة للعنف ضد الآخرين ، و الجماعة التي يقدم أعضائها خدمات رائعة و حقيقية بعضهم لبعض ، ستكون المشتبه الأول لأخطر جرائم التعصب و تخريب ممتلكات المخالفين ، فإسرائيل ربما تكون أكثر المجتمعات تكافلا و تضامنا ،و لكنها لم تتوقف على إلحاق الأذى بالفلسطينيين منذ 100 عام بلا أي وازع أخلاقي ، و الجماعة الإسلامية التي روعت المواطنين و ضربت الإقتصاد في مصر بعنف ، من أكثر الجماعات تضامنا و تكافلآ ، و التاريخ يحدثنا عن القرامطة الذين أقاموا دولتهم القوية في البحرين ،و كادوا أن ينجحوا في القضاء على دولة الخلافة الإسلامية في بغداد ، و كيف أقاموا مجتمعا شاعت فيه الثروة بين الجميع بما في ذلك النساء !، إن آخر ما ندعوا إليه هو التخلص من الهوية كي نحقق السلام ،و لكن أن ندرك جيدا مخاطر الهوية الأحادية ، التي تنحي كل ماعداها من إنتماءات و هويات ، إن الهوية يمكن أن تكون مصدرا للقوة و الثروة و الأمان ، كما يمكن أن تكون مصدرا للعنف و الحروب و سفك الدماء ، فالهوية إذا ليست شرا مستطيرا على الدوام ،بل يمكن كبح الهوية العدوانية أيضا بالهويات المنافسة التي ينتمي إليها الإنسان في نفس الوقت .
علينا أن نعرف أن الهوية ليست قدرا ، فهناك مجموعة كبيرة من التصنيفات التي ننتمي اليها في نفس الوقت ، هذه الإنتماءات قد تتضارب أحيانا و لكن ليس بالضرورة أن تتضارب دائما ، وعلى الفرد ان يقرر بنفسه أي الإنتماءات يعطيها الأسبقية في كل موقف ، وليس من الضرورة أيضا أن نعطي أسبقية أو أفضلية مطلقة لإنتماء بعينه ، فالظروف و المواقف هي التي يجب أن تحدد تلك الأسبقية بناء على تحكيم الضمير الإنساني ، إن الإنسان الفاضل ينحاز إلى انتماء معين ليس فقط نتيجة ما يحققه له من فوائد ، بل أيضا نتيجة جدارته الأخلاقية ، إن التوفيق بين الهويات المشتركة ليس متاحا دائما ، بل أحيانا يكون شديد الصعوبة و محنة في ذاتها ، و لكننا سنكون أقرب للصواب عندما نتحرر من سجن الهوية الأحادية ،و سنكون أقرب للحقيقة عندما نستهدي بأحكام الضمير .


سجن الهوية . - بهجت - 06-20-2008

" الإنسان ذو البعد الواحد هو إنسان آخر ، فأفكاره هي آراء الآخرين ،و حياته محاكاة لآخرين ،و عواطفه اقتبسات من عواطفهم " .

وقفة قصيرة .


هناك إضافات قليلة أخطط لوضعها في هذا الشريط ،و لكن قبل أن أمضي سأتوقف قليلا .
أريد أن أشرح لماذا طرحت هذا الشريط بعد توقف .
ربما يلاحظ بعض الزملاء أن هذا الموضوع الذي أطرحه يدور بشكل ما حول قضية الإسلام السياسي ، و هذا الموضوع كثيرا ما طرحته من مقتربات متعددة ، ليس لأني متخصص في مثل هذه الدراسات أو أني مغرم بها بشكل استثنائي ،و لكن لأني أدرك أن مشكلة المنطقة تكمن هنا بالذات ، فالمرض هنا و من هنا لابد أن يبدأ العلاج ، إني موقن الان أن مشكلتنا في مصر و العالم العربي هي مشكلة ثقافية ، و لكنها عميقة الغور و غالبا ما نفشل في إدراكها أو تحديد أبعادها .
خلال كتابات عديدة حاولت أن أصل إلى فهم المشكلة سالكا مقتربات متباينة ، فهناك المقترب المعرفي الذي حاولت خلاله توظيف نظريات المعرفة في تفهم مشكلتنا مع الحداثة ، و هناك المقترب السياسي الذي طرحته في شريط (تصــــدع العالم ., إبحار إلى عالم جديد ) ، و (عودة (المقدس) ., حوار في السياسة الدولية .)، و هناك المقترب الإقتصادي في (كيف يصنعون الأزمنة الحديثة ؟, الماضي .. الحاضر .. المستقبل) ، بل حتى في شريط مثل (كيف ترى العالم خلال ال 50 سنة القادمة ؟., رياضة ذهنية.) ، حاولت أن نتعلم من المستقبل كما عبرت بوضوح ، و قبل أن يصبح ذلك التعبير تحديدا ( غالبا بالصدفة البحتة ) شعار مؤتمر دافوس بشرم الشيخ لاحقا ، حاولت أن يمد كل منا أفكاره على استقامتها و يصل بها إلى المستقبل ، ويرى هل من المعقول أن يشهد هذا المستقبل ظهور شخصيات أسطورية مثل المسيح أو المهدي أو يحقق أحداث معروفة مسبقا مثل معركة هرمجديون الخرافية ، أم أن هناك توقعات أخرى قائمة على الحسابات و القياسات العلمية ،و أن مشاكلنا و مشاكل العالم أكبر من أن نواجهها بالخرافات ، هذا الشريط إذا ليس منعزلا و لكنه محاولة جديدة و مقترب جديد لمشكلة قديمة تشغلني و تهمني دائما ، كما تشغل كل المخلصين و المحبين لهذه الأمة ،و الذين يستشعرون المسؤولية الحقيقة تجاهها ، بعيدا عن هذيان الصبية و الشعبويات الرخيصة ، في هذا الشريط أحاول أن أحفز الآخرين على إعادة طرح هويتهم ،و أن يتحرروا من سجن الهوية الدينية و الطائفية الأحادية ، هذا السجن الذي يذهبون إليه بأقدامهم المتخبطة ، أو يودعون فيه بلا جريرة ، أحاول أن أنبه المسلمين أنهم لم يولدوا ليكونوا مجرد أعداد في كشوف السنة أو الشيعة ،و لكنهم ولدوا أحرارا ليقرروا لأنفسهم ، إنني أيضا لا أريد أن يتخلص أحد من دينه و مذهبه الذي ورثه ،و لكن أن يضعه في مكانه الطبيعي بين هويات عديدة يختارها بإرادته الحرة .
لقد واكبت مجموعة من الأحداث الهامة خلال السنوات العشر الأخيرة ، و كلما تأملتها تأكد لي خطور المنزلق الذي نسقط فيه نتيجة الإستقطاب الديني و الطائفي الحاد ، تابعت أحداث 11 سبتمبر 2001 ، و تابعت الغزو الأمريكي للعراق و ما تلاه من أحداث ، هذه الأحداث التي انتهت بمشهد عبثي من التقاتل الطائفي بين الشيعة و السنة ، و تابعت أحداث لبنان المتعاقبة ، تابعت أحداث السودان العنيفة في الجنوب و الغرب ، و حوادث الفتنة الطائفية في مصر و غيرها من البلاد العربية ، تابعت أحداث فلسطين و انهيار إتفاقيات السلام و تبخر سلطة منظمة التحرير و انقلاب حماس الإسلامي ، رأيت كيف تحولت المنطقة العربية إلى مجموعة من الكيانات الطائفية أحادية الهوية ، و مجموعة من الدول الفاشلة المتخبطة و الضائعة ، بالرغم من توفر مجموعة من فرص التنمية الجيدة ، ورغم ثقتي أن مشاكل المنطقة – بما في ذلك المشكلة الفلسطينية - لم تكن في البداية عصية على الحل ، بل كانت مشابهة للمشاكل في غيرها من المناطق و ربما أقل حدة ، و لكن جوهر المشكلة بل و الأزمة في منطقتنا ، هو جوهر ثقافي عندما انزلقت المنطقة في الهويات الطائفية الأحادية المصمتة ،و عندما توقفت الشعوب العربية أن تكون حداثية عقلانية و قبلت أسوأ ما يطلق عليها من صفات كقدر لا فكاك منه .
لاحظت كما ربما لاحظ البعض أن هناك تشابه يصل إلى حد التطابق ، بين رؤية الإسلامي الأصولي و أعداء الإسلام لما يجب أن يكون عليه المسلم ، فكلاهما يحصر المسلم في سجن الهوية الإسلامية المنعزلة ، و يرفض أن يكون المسلم سيدا لنفسه متعدد الهويات كغيره من باقي الشعوب ، كلاهما يصر - في ضحالة تليق بهما - أن الأصولية الإسلامية هي قدر المسلم و إلا فعليه أن يغادر الإسلام فورا ملعونا منهما معا !، جورج بوش و صمويل هنتنجتون و آريل شارون و برنارد لويس و أسامة بن لادن و أبو مصعب الزرقاوي ، كلهم يحملون نفس الفكرة عن هوية إسلامية أحادية منغلقة ، وحتى على مستوى محدود كنادي الفكر ، أذكر أني في شريط كنت أؤكد على تعددية الإسلام و أنه ليس بالضرورة ضد الحرية ،و هنا انبري لي زميل متعصب معروف يسخر من فكرة أن أحدهم قد يكون ليبراليا و علمانيا و مسلما أيضا ، و من المدهش أن هناك زميل آخر معادي كلية للإسلام و المسلمين ، شاركه السخرية من صورة المسلم المتحرر فكريا !.
إني أشعر أن واجب كل الرجال الطيبين في هذا العالم – و النساء أيضا – هو رفض أن يكون العالم مجرد فيدرالية أديان ،و أن مصيرنا قد تحدد بشكل حتمي منذ الميلاد في هوية دينية أصولية لا فكاك منها ، هذه هي الرسالة التي أحاول ايصالها في هذا الشريط ، و إني لا أفعل ذلك انطلاقا من موقف طوباوي ،و لكن من حسابات عقلية باردة و لكنها أيضا إنسانية و مبدئية ،مؤمنا أن المبادئ الراقية لا تتعارض غالبا مع المصالح العليا للجنس البشري بل تدعمها .
إننا نتحاور في كل القضايا عدا القضايا فائقة الأهمية ، لأننا نتحاور داخل سجوننا الطائفية ،و ليس كأحرار يمتلكون عقولهم و ضمائرهم ، نحن نتحاور في قضايا تفصيلية و ثانوية بلا انقطاع ، قضايا مثل مكاسب حزب الله في لبنان و خسائر تيار 14 آذار ، مثل صحة تصرفات حسن نصرالله من عدمها ، مثل مستقبل القاعدة في العراق ،و مثل موقف الأقباط في الخارج ، و لكننا لم نتحاور بعمق حول قضايا مثل كيف مواجهة الأصوليات الدينية ،و نموذج المجتمع المفتوح التعددي المطلوب دعمه كحالة قياسية ، لم نسأل بعمق هل من المطلوب أو المناسب أن تتحول بلادنا من دول إلى مليشيات طائفية ، حتى لو كانت ميليشيات طيبة ذات مبادئ سامية كحزب الله ؟، أليست أية مكاسب قد تتحقق من هذا الوضع لا تساوي شيئا في مقابل المخاطر ؟، في استفتاء منشور يحظى أحمدي نجاد بالشعبية الأولى بين الفلسطينيين و أيضا يراه المصريون أنسب من يصلح العالم !، و لكن هل ناقشنا بجدية و شفافية المشروع السياسي الشيعي الأصولي، و مدى عقلانيته و مناسبته كي نتصارع مع العالم تحت أعلامه الغيبية ؟، هل جلس العقلاء يتحاورون حول احتمالية عودة المهدي المنتظر خلال السنوات القريبة القادمة ليدمر أمريكا و إسرائيل كما يتنبأ أحمدي نجاد ، أم علينا تنحية تلك الأكفار كنوع من الدروشة و الهذيان الذي لا يليق ؟.لن يمكننا أن نتحاور في كل ذلك طالما لم نتحرر من سجن الهوية الأحادية المهيمنة ، لن يمكننا مناقشة مشاكل مصر طالما لا نرى انفسنا سوى مسلمين و مسيحيين ولا شيء آخر ، لن يمكننا مناقشة مشاكل لبنان و فلسطين و العراق ، طالما لا نرى أنفسنا سوى شيعة و سنة ولا شيء آخر ، لابد من أن يعود المجتمع المدني إلى سابق نشاطه ،ولابد أن تصبح الهويات متعددة و ثرية ، و أن تعود الأديان لتأدية دورها الروحي لا تتخطاه ،و تتوقف أن تكون مخزنا حصريا للهوية .
من المهم للغاية أن يتوقف العالم و أن نتوقف معه عن رؤية المسلمين حصريا على أساس ديانتهم الإسلامية ، و على العالم -و نحن معه أيضا- أن يتفهم المسلمين على أساس انتماءاتهم العديدة و المتنوعة ،و التي تشمل بالتأكيد هويتهم الإسلامية ، و لكنها الهوية التي لا تلغي بالضرورة إلتزماتهم و خياراتهم و تحيزاتهم الأخرى ،و النابعة من أنشطتهم الحيوية كالسياسة و العلوم و الفنون و الآداب و الأخلاق و ...و .... .


سجن الهوية . - طريف سردست - 06-27-2008

Array .
من المهم للغاية أن يتوقف العالم و أن نتوقف معه عن رؤية المسلمين حصريا على أساس ديانتهم الإسلامية ، و على العالم -و نحن معه أيضا- أن يتفهم المسلمين على أساس انتماءاتهم العديدة و المتنوعة ،و التي تشمل بالتأكيد هويتهم الإسلامية ، و لكنها الهوية التي لا تلغي بالضرورة إلتزماتهم و خياراتهم و تحيزاتهم الأخرى ،و النابعة من أنشطتهم الحيوية كالسياسة و العلوم و الفنون و الآداب و الأخلاق و ...و .... .
[/quote]

بالفعل هناك شئ ما وهام في هذا، ولكن هذا يتعارض مع الطبيعة الانسانية للتفكير المنطقي، الذي ؤيقوم بفرز الاحداث وتنظيمها على اساس المواصفات المشتركة الاكثر شيوعا.. وهذا الميكانيزم بالذات هو احد اكثر الميكانيزمات فعالية في الصراع من اجل البقاء..
غير انه في الاحداث المشار اليها في الموضوع، اي بعد ان عبرنا مرحلة الصراع الاعمى من اجل البقاء، يبدو بوضوح ان هذا الميكانيزم الطبيعي اصبح يقدم نتائج تتعاكس مع مصلحة الانسان الحضاري، ليبقى يصب في مصلحة الانسان " الاعمى" الذي لازال يتفاعل على اساس ردود فعل الميكانيزم الطبيعي : الانسان الايديولوجي.

من هنا فإن التعامل مع هذه النقطة التي لها جذور عميقة في البنية البيلوجية للانسان هي مسألة شائكة ومعقدة... وستعاني العديد من العثرات.
نلاحظ اليوم بإستمرار تزايد التركيز على الهوية الاسلامية في الانتماء وتهميش كل ماعداها، ويتزايد عدد ابناء الشرق الاوسط ، الذين يقدمون انفسهم من خلال هويتهم الدينية .. فنحن نرى انتشار المؤسسات والنشاطات التي تعرف نفسها بالاسلامية مثل الجمعيات الاسلامية والبنوك الاسلامية والصالونات الاسلامية والمقاهي الاسلامية والموسيقى والحفلات الاسلامية والصاروخ الاسلامي والسيارة الاسلامية والدولة الاسلامية، بحيث انه يصعب على الانسان العاقل الافلات من حصر نفسه بالهوية الاسلامية...
فهل من السهل على الاخرين تفادي فهمنا من خلال صورتنا الاسلامية التي نركز عليها، والتي ننطلق منها ليس في الهجوم فقط بل وفي الدفاع، بحيث اننا لانقدم لنفسنا اي صورة اخرى؟

ان رئيس تركيا صحح للرئيس الامريكي، ان تركيا علمانية، الا انه في البلدان العربية لايوجد اي ممثل لسلطة رسمية يقدم بلاده على انها علمانية... ولهذا فمن المبرر تماما اعتبارنا ، على الشمول، مسلمين، لكون هذا الامر يختصر الواقع الطاغي، ولربما هذا الميكانيزم من جديد سيحفظ النوع البشري على البقاء امام الطاعون الاصولي، بالرغم من انه ، وكما كان الامر دائما، سيقدم ضحايا ابرياء في المنطقة الرمادية