حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
ولد الإسلام من الغريبة وظلّت هذه الغريبة غريبة في الإسلام - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: الحوار الديني (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=58) +--- الموضوع: ولد الإسلام من الغريبة وظلّت هذه الغريبة غريبة في الإسلام (/showthread.php?tid=4641) |
ولد الإسلام من الغريبة وظلّت هذه الغريبة غريبة في الإسلام - arfan - 06-09-2008 الغريبة هي هاجر، الأَمَة التي أنجبت (إسماعيل) من "جهة الجسد" لا من "جهة الرّوح" في القصّة التّوراتيّة، وهي جدّة العرب المهجّرة المطلّقة المنبوذة المنسيّة إلى اليوم، عليّ أوّلا أن أقول كلمات توضيحيّة عن هذا الكتاب دون أن أسطو عليه بادّعاء تلخيصه أو تقديمه، ودون أن أسطو على حقّ القارئ في اكتشافه وخوض مغامرته الخاصّة معه. يريد هذا الكتاب، فيما يبدو لي ولمؤلّفه، أن يُقحم الإسلام في مجرى العلوم الإنسانية التي لا تنظر إلى الإسلام بمنظار الإله بل بمنظار الإنسان، فهو ينتج خطابا عن الإسلام مختلفا عن خطاب الذين يضعون أنفسهم في مكان الإله، وينظرون بنظرته، ولكنّه مختلف أيضا عن خطاب الاستشراق والإسلامولوجيا والسّوسيولوجيا السّياسيّة لأسباب استفاض فيها المؤلّف وأجد نفسي في غنى عن ذكرها. إنّه يدخل الإسلام من بوّابة التّحليل النّفسيّ، ليطرح أسئلة حول الإسلام وحول التّحليل النّفسيّ، وليخاطب المسلمين وغير المسلمين لأنّ الإسلام ليس قضيّة المسلمين فحسب، ولأنّ التّحليل النّفسيّ ليس كتلة من المعارف التي لا تتعرّض إلى محنة الخاصّ، بل هو المعرفة الكونيّة بالخاصّ وعبر الخاصّ. ومع ذلك، فليس هذا الكتاب تحليلا نفسيّا للإسلام، ولا تحليلا لنفسيّة المسلم، بل هو قراءة في الأرشيف التّوحيديّ، لا تكاد تستعمل الموادّ والحالات العياديّة التّقليديّة في التّحليل النّفسيّ، ولكنّها ترتبط ارتباطا وثيقا بالتّفكير العياديّ، وليس أدلّ على ذلك من تخصيص المؤلّف فصلا لـ"عيادة ألف ليلة وليلة"، تأمّل فيه التّدمير الذي تنساق إليه النّرجسيّة الذّكوريّة عندما يجنّ جنونها إزاء المتعة الأنثويّة، كما تأمّل فيه الجهاز المحكم الذي مكّن شهرزاد من علاج شهريار. ولأوضّحْ أوّلا مدلول الأرشيف كما بيّنه جاك درّيدا وكما أفاد منه المؤلّف. الأرشيف هو النّصّ المرتبط بالأمر والبدء والسّلطة، والأثر الذي تحيط به حراسة دائمة، وهو من هذه الزّاوية مختلف عن الذّاكرة، لأنّ الذّاكرة لا توجد إلاّ انطلاقا من الحاضر، فهي تحوّل آثار الماضي طبقا للمصير وللقراءة التي تقوم بها في الحاضر وللحاضر. الذّاكرة تفترض النسيان، بينما يروم الأرشيف امتلاك آثار ما وقع، ويدّعي الاحتفاظ بها، وإن كان هو نفسه كتابة تشتغل ضدّ نفسها لأنّها تفضح الطّريقة التي تأسّس بها والمكبوت الذي أقام صرحه عليه، وإن كان هو نفسه "أدبا" أي أنّه تاريخ حسب الشّهادة والذّكرى وليس تاريخا حسب الوثيقة المادّيّة الأركيولوجيّة، فأرشيف الإسلام دوّن كلّه بعد أكثر من قرن. إنّه أدب في أدب وإن كان تأسيسا لمجتمع وديانة. وهو أدب من حيث أنّه شهادة على ما حدث وضاع بمجرّد حدوثه، بما أنّ الحدث بمجرد أن يصير حدثا يدخل في بنى اللّغة والذّوات. الفارق بين هذا الأدب وما سمّي "أدبا"، هو أنّ أدب الأرشيف يحيط نفسه بجهاز الإيهام بأنّه الأصل لا الأثر، وبأنّه الحقيقة لا التّخييل. يشتغل الكتاب على الاثنين الأرشيف والذّاكرة. فيدعونا عبر فصوله المتعاقبة إلى وقفات تأمّل في "هذيان اللّجوء إلى الأصل"، وما قام عليه من عمليّات مُخبّلة، ليس أقلّها عمليّة "نسخ الأصل" التي تمّ بها الإعلان عن "جاهليّة" المسلمين الحاليّين، ويحاول سبر أسباب نشأة هذا الهذيان الجماعيّ، واصفا دراما الخروج من التّقليد دون حدوث "عمل الثّقافة" الذي من شأنه أن يواكب طفرة الحداثة، بحيث كانت هذه الطّفرة في العالم العربيّ الإسلاميّ اقتلاعا للترسّخات والتّماهيات القديمة ولم تكن في مقابل ذلك بناء لتراكمات تسمّي الواقعيّ الذي لم يسمّ، وتخلق فضاءات مدنيّة لعيش المشترك السّياسيّ. كما يدعونا عبر الأرشيف الإسلاميّ إلى رحلة تذكّر لأهمّ المكبوتات التي تأسّست عليها المنظومة الإسلاميّة الرّمزيّة، فيبيّن إقصاء الإسلام للأنوثة الأصليّة الخاصّة به، ويبيّن إشكاليّة العلاقة بين الجسد والحقيقة والتّخييل كما تثيرها قضيّة "الآيات الشّيطانيّة"، وقضيّة حجاب النّساء، في فرنسا وفي بلداننا اليوم، ويعود بقضيّة الحجاب إلى مشهد أصليّ متعلّق ببدء نزول الوحي على النّبيّ. أسئلة الكتاب وهواجسه : ما الذي جرى في السّرد التّوحيديّ بين حوّاء وآدم، وبين هاجر وإبراهيم وسارّة، وبين عبد الله ورقيّة وآمنة، وبين محمّد وخديجة، وبين شهرزاد وشهريار، ما الذي حدث وما الذي تكرّر، وما الذي يفضحه الأرشيف من قصص كانت مخابر لبناء الأصل و"تكوين الأب"، أو كانت أجهزة عياديّة تتدخّل فيها المرأة بما لها من بصيرة خاصّة لتنقذ الرّجل من الجنون فتفتح له باب المعرفة أو باب القداسة أو باب الصّحّة النّفسيّة؟ وما الذي جرى وتكرّر عند إدخال الطّفل في بيت الطّاغية : إدخال موسى بيت فرعون، وإدخال دنيازاد بيت شهريار؟ وكيف تؤرّق صورة الأب الأصليّ، أب الرّهط البدائيّ المحتكر للمتعة مشاهد بناء الأصل، فتجعل الأب البطريرك متأرجحا بين التّضحية بالابن والعدول عنها؟ وكيف يتأرجح الوعي التّوحيديّ بين صورتين للإله : صورة الإله المكفهرّ، وصورة الإله المتسامي؟ وما الذي يجرى في السّرد التّوحيديّ أو حتّى الفلسفيّ بين الرّجل والرّجل، بين "هو وهو" : "ما اجتمع رجل برجل أو وجدت بينهما علاقة سلاليّة إلاّ وانفتح باب الاضطراب. وعندها تظهر سيناريوهات العنف باختلافها : التّضحية (بين الأب والابن)، وقتل المثيل (بين الأخوين)، وقطع الدّابر (بين الطّفل والقاتل المبيد)، وتصريف الفرديّة (واحد، اثنان، واحد)، والمجموعة (المؤسّس ووريثه)." هكذا يقول الكاتب في لحظة تكثيف لما يجري بين "هو وهو"، بعد أن بيّن ما يجري في فضاء "ما بين المرأتين". يتأمّل الكاتب باعتباره محلّلا نفسانيّا أرخبيل الذّاكرة والأرشيف، ليدعونا إلى الغوص في ذلك المحيط المترامي الأطراف، محيط اللاّشعور. ذلك أنّ الكبت وإن كان في مظهر من مظاهره أصليّا وضروريّا، فإنّه مختبر للآلام والهموم، ومدعاة للتّكرار الأعمى والاغتراب : الكبت يجعل الإنسان كمن دفن نصف جسمه في التّراب وهو لا يدري، فهو لا يقدر على الحركة، ولا يقدر على التّوق إلى الانعتاق من طوق التّراب المتراكم. وفي نهاية المطاف، وفي آخر المنعطف، ما الذي يريد أن يقوله هذا الكتاب؟ ربّما يريد أن يقول إنّ هذه المجموعة الإنسانية التي تسمى "المسلمين" لا يمكن أن تغير شيئا إلاّ إذا غيرت ما بأنفسها، ولكن لا بدّ لها من أدوات لتغيير الأنفس، وهذه الأدوات لا يمكن أن تأتي بها من العصور الغابرة بل من الحاضر لأن هذه الأنفس تعيش في الحاضر، فتغييرها لا بدّ أن يكون تغييرا في الحاضر وبالحاضر. لنستمع إليه في لحظة نادرة من لحظات البوح : "ما موقف المحلّل النّفسانيّ إزاء هذه الوضعيّة؟ إنّه لا يستهين بقسوة الطّفرات ولا بضروب الحرمان التي تعقبها. لم يكن فرويد أبدا يحطّ من شأن هذه العوامل باسم التّقدّم، بل كان أميل إلى اعتبارها خطرا يهدّد الحضارة. كان يرفض كلّ شكل من أشكال إعادة النّظام القديم، دون أن يقبل بالوضعيّة الرّاهنة، ودون أن ينكر ضرورة الخسارة وعراءها. وبهذا المعنى، فإنّنا نقتفي أثره وأثر نيتشه إذ يقول : "(...) لن نسمح لأنفسنا بسلوك أيّ طريق ملتو يؤدّي بنا إلى العوالم الورائيّة والآلهة المزيّفة-ولكنّنا لا نحتمل هذا العالم قطّ، وإن كنّا في الوقت نفسه لا نريد إنكاره." لا عودة إلى الوراء إذن، ولا خضوع إلى الّراهن، ولا إنكار للواقع، ونضيف إلى هذه المنفيّات الأفعال الإيجابيّة التي يقوم عليها عمل المحلّل النّفسانيّ وهي : الاستماع إلى الفزع ، وتسمية اليأس، وتحليل صوره." وبعد، فهذا هو الوجه الشّيّق من المغامرة وليس الشّاقّ. الشّاقّ هو تقريب الشّقّة بين القارئ العربيّ والبيئة الثّقافيّة التي ظهر فيها الكتاب، وهي بيئة تكاد تنتشر فيها المعرفة بفرويد وقارئه الفرنسيّ جاك لاكان مع ذرّات الهواء. أقول هذا رغم أنّ الكتاب ليس من المصنّفات المنغلقة في الدّائرة الضّيّقة للتّحليل النّفسيّ ومصطلحاته التّقنيّة، فهو منفتح على السّياسة والفلسفة والأنتروبولوجيا والأدب. وقد حرصت مع المؤلّف على إضافة جهاز توضيحيّ من الهوامش، عرّفنا فيه، معا أو كلاّ على حدة، ببعض المفاهيم المتداولة في التّحليل النّفسيّ المعاصر أو في الفلسفة الحديثة أحيانا. ويجب أن لا يغيب عن قارئ الكاتب مثلا أنّ كاتبه يأخذ بفرضيّة أساسيّة تبيّنت خصوبتها النّظريّة والعياديّة، هي فرضيّة الأنظمة الثّلاث التي تحدّد حسب جاك لاكان الذّات البشريّة، وهي الخياليّ (مجال تصوّرات الجسد، وأوهام العظمة لدى الأنا، والعلاقات المرآتيةّ) والرّمزيّ (مجال الكلام والوظيفة الأبويّة، والقانون المهيكل للذّوات) والواقعيّ (وهو المستحيل الذي لا يمكن ترميزه بصفة تامّة). والشّاقّ أيضا هو الصّعوبة التي وجدتها في ترجمة مصطلحات هذه المعرفة رغم كلّ الجهود الفرديّة المعزولة التي بذلت في التّعريب والتّعريف. وقد امتنعت قدر الإمكان من استنباط مصطلحات جديدة تجنّبا لزيادة البلبلة التي نشهدها إلى اليوم في اعتماد المصطلحات العربيّة، إلاّ في ما تعلّق ببعض المفردات اللاّكانيّة كترجمة l'Autreبـ"الآخر" وترجمة l'autre بـ"الغير" لأسباب شرحتها في الهامش، وترجمة مصطلحforclusion ، وهو يفيد الرّفض الذُّهانيّ للوظيفة الرّمزيّة، بـ"التّفويت" لأنّ الترّجمات المقترحة لا تفي بالغرض، ولأنّ لـ"التّفويت" مدلولات قانونيّة تقرّبه من المصطلح الفرنسيّ. وقد استفدت من جهود سابقة في ترجمة المصطلحات (منها جهود مصطفى صفوان، وقد كانت ترجمته لتفسير الأحلام لفرويد رائدة وبديعة، وجهود جورج طرابيشي وقد مدّني مشكورا بثبت من المصطلحات هو ثمرة سنين طويلة من التّرجمة والتّعريف)، وحاولت اعتماد ثلاثة مقاييس في ترجيح اختيار على آخر، هما أوّلا مدى انتشار المصطلح وثانيا مدى وجاهته في أداء المفهوم، وثالثا مدى قابليّته لاشتقاق الفعل أو صيغة النّسبة أو غير ذلك. ولا يفوتني أن أنوّه بموقع الورّاق وبالقائمين عليه، فقد يسّر عليّ ترجمة الشّواهد العربيّة، وجعلني في غنى عن التّنقيب في الكثير من المصادر، رغم أنّ الكثير من النّصوص التي يضمّها تحتاج إلى المزيد من التّحقيق والضّبط. ولا يفوتني أيضا ان أوجّه شكري إلى أستاذنا بالجامعة التّونسيّة حمّادي صمّود، فقد قرأ مخطوط التّرجمة ونبّهني إلى بعض مواطن الغموض فيها، وكان رأيه سديدا في كلّ ملاحظاته. وربّما يحقّ لي ختاما أن أدعو قرّاء هذا الكتاب بلغة الضّاد إلى "بروتوكول" للقراءة يتمثّل في ترك الرّغبة في الفهم السّريع، وفي الصّبر والأناة في تحصيل معنى وذكرى هما أحيانا أشبه ما يكونان بتفسير حلم غامض متشعّب، رغم جهود الكاتب في التّحليل والبرهنة على ما يقول. ليزهدِ القارئ في نوازع السّيطرة، وفي ترسانات المعارف التّاريخيّة والأكاديميّة المفرطة في العقلنة، وفي آليّات الدّفاع والرّقابة، وليستمع إلى حكايات تخييل الأصل كما يستمع إلى نفسه في لحظات سكون وصمت فريد. الكتاب : الإسلام والتّحليل النّفسيّ لفتحي بن سلامة http://www.alawan.org/?page=articles&o...article_id=2008 |