حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
فى هجاء المصري الحديث - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: قضايا اجتماعيــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=60)
+--- الموضوع: فى هجاء المصري الحديث (/showthread.php?tid=47546)



فى هجاء المصري الحديث - fares - 03-07-2012

عمرو عبد الرازق

المصريون باختصار يعشقون الأزمات، فكتبت عليهم الذلة و المسكنة و الحشرة فى الأتوبيسات، لا يتعلمون و لا يقرأون ولا يهتمون إلا بما فى جيبك، الصحف عندهم تسود اليد و القلب، لا يقربون الصلاة إلا وهم حيارى و كثير منهم لهم طلب عاجل عند الله، غالب مشاكلهم تتمثل فى التعالى و المباهاة و التنافس فى التفاهات، فيضيق عليهم ما أوسعه الله، بأسهم بينهم شديد، ومصارينهم بره بطونهم، بلادهم ليست عزيزة عليهم، و تدمع أعينهم من فرط الشوق إذا ذكرت بلاد أخرى أهلها يتلذذون بإهانتهم، والمصرى يعشق إهانة الأخ المسلم لأنها درب من الإيمان، يتقبل مذلة الكفيل لأنه من بلاد الرسول ولأنه يعاشر زوجته من ورائه، يعود من هناك مرتديا زى الكفيل و عقله ليمارس الكفالة على أهل بلده، يدعو الله أن يستشهد فى سبيل فلسطين، و يلعن كل يوم الفلسطينيين الخونة الذين باعوا أراضيهم لليهود، ولا ينسى أن يلعن أجداده الفراعنة لأنهم كفار وثنيون، لكنه يعشق أجداد الجيران المؤمنين كأبى لهب و أبى جهل، وهو يأكل عيشا مدعوما بريع آثار أجداده الكفار.
لكن حلم حياته يتمثل دائما فى العثور على قطعة آثار أو سرقتها وبيعها لكى يقب على وش الدنيا بقى، و يسعى فى هذه المبيعات كوسيط دوما، يرفض تماما أن يدفع جنيها لتجميل شارعه، بينما يدفع المئات لتشويه الشارع بالمطبات الرديئة و كتل الأسمنت و شراء الردم ليعلى الأرض أمام منزله لتبعد مياه الأمطار و المجارى عن بيته و تستقر أمام جاره، جاره أيضا ذكى للغاية، يفعل بدوره نفس ما فعله الأول، ليتبقى من الشارع ممر ضيق كأخدود بين ضفتين، و يتحول الشارع و الحياة إلى مأساة لاند.
المصرى هو من يهدر مياه النيل برشها على ضفافه بالخراطيم، ثم يتوسل لدول حوض النيل كى لا تقطع عنه المياه، هو من يهدر المياه النقية فى غسيل سيارته، و يشرب هو مياه مخلوطة بالصرف الصحى، لا يزرع شجرة، و يعرف الورود من الصور، و تمتد يده أتوماتيك على أى شجرة تقابله يجذب منها بضعة أوراق يفركها بيده ثم يلقيها، يصر على الوضوء بعشرين لتر مياه، و يترك المياه تتساقط منه لتكمكم رائحة المساجد، و يحرص على أن يظل الصنبور مفتوحا بعد وضوءه ليستمر فى إهدار المياه و هو واقف بين يدى الله يشكره على نعمه التى ألقاها فى البلاعة.
المصرى المعاصر هو حالة من الفهلوة التى ظنها فى صالحه، لكنه لسوء حظه أغلب المصريين مثله فهلوية، والفهلوة تحتاج لطرفين فهلوى و أبله لكى تنجح الخطة، لكن مبروم على مبروم ما يلفش، فما بتجيش إلا على الغلبان يا ولداه، فأحالته لمسخ مشوه و أهلكت الحرث و النسل، يملأ الدنيا قبحا و ضجيجا و بصاقا و شكوى و تطرف و تفاهة و صلوات و أدعية كئيبة غير مفهومة بعضها بلا معنى، ويصر على أن الله لا يصله سوى الكلام المجعلص أما الكلام البسيط فلا يمكن أن يقبله الله، باعتبار أن "ده ربنا يا عم"،
المصرى هو ذلك الرجل الذى لا يشعر بالتلوث حوله، بسبب اصطباغ أغشيته المخاطية بدخان التبغ، لكنه لا ينسى أن يشكو من التلوث الذى دمر البلاد، و لا ينسى أن ينفث فى وجهك دخانه ليلعن أبو الحكومة التى نشرت السرطان، و هو ذاك الإنسان الخلوق الذى يحيل حياتك جحيما لو طلبت منه إطفاء سيجارته فى مواصلة عامة أو داخل مكان مغلق، فهذا حق له أيها السخيف، إذا ما لفت نظره لرائحة غريبة بالجو، رد فورا الجو زى الفل، هذا الفل هو غالبا حرق للقمامة أو قش الأرز، أشعلهما مصرى شريف غيره، يسير بالتراب ولا يكترث لتعفره، ولا يسعى لأى تغيير فى بيئته.. يدفع مبلغا ثابتا للقمامة، لكنه يصر على أن يلقيها على الناصية اللى ورا أو فى الخرابة اللى جنب المصنع.. و يقوم ببعض الحيل المسحبة إذا ما فعل ذلك، كأن يسير و يصفر و ينظر على البلكونات بنظرة خاطفة، ثم يسقط الكيس من يده، و يأخذ أول حودة يمين فى هدوء ثم يسرع ليختفى.. سلوكياته القبيحة و تواكله سببا فى نشر الفيروسات و الأمراض و الأوبئة لمن هم حوله لكنه يصر دوما على الشكوى من المرض، و يستفسر فى دهشة من أين جاءه المرض؟ يهدر مياها كثيرة و يمتلك سخانا لكنه دوما لا تشعر به مكتمل النظافة، و أظفاره غالبا متسخة، و له إظفر طويل بأصغر أصابعه.
المصرى يتباهى بالسخرية من حبيبته أمام أقرانه و ذكر أسرارها، ولا ينسى التأكيد على رجولته، و فتاته لا تنسى أن تتركه مع أول صيد ثمين يقابلها، ولا ينسيان معا فيما بعد أن يصيحا بالظلم الواقع عليهما، وأن مفيش حاجة اسمها حب يا بنى.
المصرى المعاصر هو من عاش متصالحا مع المايوه و البكينى و المينى جيب فى السبعينات، لكنه ارتدى لبس الإحرام و دعى للحجاب و اللحية والجلباب السعودى فى التسعينات ليفرض اهتزازه و ضعف شخصيته على أجيال تالية ، مذكرا إياك بأن زمان مكانش فيه دين، و الناس مكانتش عارفة حاجة، أبناؤه ولدوا بدورهم مسوخا، يصر على أن يكون كيس قمامته مفتوحا أثناء إسقاطه من البلكونة لينفرط ما فيه فى بالشارع، يستخسر أن يدفع 10 قروش ثمنا لكيس قمامة أسود، و يبحث عن أصغر كيس فى بيته ليضع فيه أكبر كمية ممكنة من بقايا الأطعمة، ثم يتهم المنطقة بأكملها أنها منطقة وسخة، لكنه لا يبخل على نفسه بالتبغ و الحشيش ويقترض من أجلهما، يصر على الإنجاب من أجل أن يمد الوطن المزيد من الصيع و البلطجية و سائقى التكاتك، بل و التكاتك نفسها، و يتباهى بأولاده "رضا و كرم و نصر" هم اسمهم كده، لم يمنحه الله مستلزمات حياته، لكنه يصر على أنه لو أنجب 4 أفراد ستحل المشكلة و تنفك الأزمة، وهذه الفكرة يتميز بها المصرى، و غالبا هو يعتمد على أنه سيحرج الله مثلا، يتغلب على مصاعب المعيشة بالمغالاة، فلو أراد الزواج وهو فقير متواضع الحال يبحث عن قطع أثاث لا تستخدم لكى يتباهى بها أمام ضيوف يدخلون بيته للنم عليه عقب خروجهم من منزله، وغالبا يتشاجرون معه ويقاطعونه للأبد بعد زواجه بأشهر معدودة، يشترى الذهب بوفرة و يقترض من أجل شرائه لمظاهرة يوم الزفاف، ثم يقوم بمناورات من النصب لكى تسمح له زوجته ببيعه بعد ذلك، يصر على شراء سفرة غالية رغم كونه يأكل على الطبلية و رغم كونه مش لاقى ياكل أصلا، ثم يكتشف فى نهاية العمر أن الدور الوحيد للسفرة أن أقدام سكان المنزل تصطدم بها مرة كل أسبوعين، وهو ما كان سببا فى ثراء صاحب الصيدلية المجاورة الذى يشترى منه مرهم الهيموكلار، كذلك يصر على وضع أطباق الصينى بالصالون أمام ضيوفه فى تلك القطعة البلهاء المسماة بالنيش، ضميره فى إجازة أغلب أوقات العام.
المصرى الحديث هو ذلك البلاء الذى ابتليت به مصر ولزق كالقرادة، وهو أعدى أعداء مصر .. والمصرى بالمناسبة يلد و لا يبيض ولا يشتعل ولكنه يساعد على الاشتعال، اشتعال أعصابك.
المصرى الحديث ينشأ بنقيضين، الفتاكة و الرغبة فى الكسب السريع من ناحية، و كسب رضا الله، ولتفادى التناقض، يلجأ للمقامرة أمام الله سبحانه لكى يدخل الجنة بصنعة لطافة، مع قضاء أقل وقت ممكن فى النار إن كان ولا بد من تطبيق آية "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا"، تدعو الأم لابنها دعوة الصباح يوم الامتحان: ربنا ينجحك و يوقفلك ولاد الحلال وتقصد بأولاد الحلال مراقبين بلا ضمائر يسهلون عملية الغش، تسهل لابنها التوافق بين رضا الله و الحيلة و الغش، فيكبر الابن ماهرا فى الجمع بين التقوى و قلة الضمير، فتجد أن اللص يدعو الله بالتوفيق، و الحشاش يسمى الله قبل لف سيجارته، وكل مصرى يعرف جيدا طريق يوصله بالله بشكل أو بآخر حتى أثناء ممارسة الرذيلة، أتذكر تسجيلات هيئة الرقابة الإدارية ليوسف عبد الرحمن و راندا الشامى، و التسجيلات الجنسية لهما، كانا دائما يختتمان المحادثات بـ "لا إله إلا الله.. فيرد عليها : "محمد رسول الله" ، هى كانت متزوجة و هو أيضا، فى أحد التسجيلات كانت تحكى له عن سفرية فى أوروبا و تذكر له كيف أن الأوروبيات مش محجبات ومش محجبات زينا كده .. الأجمل أنه حينما قبض عليها: قالت أنها فاسدة نعم متورطة فى جلب مبيدات مسرطنة نعم، لكنها أبدا لم تتورط فى علاقات جنسية، فالشرف أكثر وطأة عند المصريين من أرواح الناس.
المصرى الحديث يتعصب على أولاده دائما لأنهم ينسون مصابيح الغرف و يجلسون أمام التليفزيون، فيخاطبهم بندائه الشهير: اطفوا النور يا أولاد الكلب .. الكهربا جاية الشهر ده بالشئ الفلانى.. لكنه حتى وقت قريب كان لا يغضب نفس الغضب لإهدار المياه، وأن الحنفية بتسقط ع الفاضى، وذلك لأن المياه كانت فاتورتها رخيصة، لا أتذكر من الوزير الذى قال أن مشكلة المياه فى مصر أنها رخيصة و تقريبا ببلاش.. لما ابتدت فواتير المياه تزيد، ابتدى المصريين يخافوا من الفاتورة لكنهم لا يخافون على المياه نفسها، مصدر حياتهم!! ذكر لى زميل عمل أن الفاتورة لها حد أدنى، تقريبا 18 جنيه إن لم تخوننى الذاكرة،سواء استخدمت مياه أم لم تستخدمها ستدفع نفس المبلغ، والزميل الفاضل يستكثر المبلغ، فينظر فى العداد و يرش المياه التى لم يستهلكها و سيدفع ثمنها فى الشارع بالخرطوم ! هو يقدس المال، أكثر مما يقدس الحياة، يومها دعوت الله أن يرزقه ملايين، ولا يجد زجاجة مياه يشتريها.. ثم تراجعت عن دعوتى و استحرمتها، ودعوت الله أن يقبض روحه أفضل.
والمصرى الحديث، إذا اشترى آلة تكنولوجية حديثة فهذه المأساة بعينها، فله عينا فرحة بآلته، و عينا فرحة فى غرمائه المحرومين منها سواء جيران أو أقارب، لذا هو يردد على الفور: زمان فلان هيولع لما يعرف إننا جبناها، لذا فهو لا يستمتع بما يمن الله عليه به، قدر ما يشغله اهتمام الآخرين به و مدى فرحهم له أو فيه.. و شرائه لآلة تعنى أن هناك آخرين سيسعون لشراء نفس الآلة فورا، ليس لأنهم يحتاجونها، ولكن لأنه ماينفعشى يبقى فلان الأقرع معاه واحدة واحنا لأ، لذلك فاحتياجات المصريين لا تعبر عما ينقصهم بقدر ما تعبر عن موضات منتشرة يقلدون فيها بعضهم بعضا، لذلك فمن سبل الثراء عند المصريين أن يراقبوا الموضة المنتشرة فى المشاريع الصغيرة والمتوسطة و يقلدونها على الفور، ويتحاكون فيما بينهم أن فلان فتح مشروع "كذا" و دلوقتى راكب عربية لانسر و بنى عمارتين، وحينما يبدأ المصرى فى تقليد المشروع سابق الذكر يكون هناك آلاف غيره بدأوا معه فى تطبيق نفس المشروع فى حيز ضيق قد لا يتعدى مدينة صغيرة أو عدة أحياء أو مجموعة قرى، و هو ما رأيناه فى الثمانينات من انتشار دكاكين صغيرة المساحة كتب عليها أصحابها" سوبر ماركو" هو ما تطور فى العقد الأخير أن كل مصرى أصبح يمتلك سنترال خاص به، وهم يفشلون تباعا فى جنى الأرباح بسبب التنافس فى حيز ضيق، لذلك تجد أنه فترة زمنية صغيرة تفشل عدة مشاريع صغيرة و تغير نشاطها وتنضم إلى قطار عملاق من محلات الفول و الطعمية.
وإذا ركب المصرى سيارة فهى النهاية، يظن المصرى أن السيارة تعنى بالضرورة أنه يصل لمكانه قبل الآخرين، فالعالم خلق من أجله فقط، وتعبه وشقاه فى شراء السيارة، ليس لها سوى معنى واحد أن يصل لبغيته على حساب الآخرين وعلى حساب أعصابهم و صحتهم و فى أوقات كثيرة فوق جثثهم، لذا فمبتكرات المصريين فى القيادة وهى ما تسمى بالغرزة على الطريق لكى يمر من بين سيارة أو اثنتين تسبقانه، ولا يهمه أن تنقلب إحداهما فى سبيل تحقيق السبق، المصرى يستخدم كلاكس السيارة ليس للتنبيه و إنما لتلسية نفسه و التغليس على غيره أو تحية صديق، وأحيانا سبابه، فهناك سباب بالكلاكس يعلمه السائقون جيدا، ولا يهمه إطلاقا أن يزعجك أو يقلقك من نومك أو يسبب لك الصداع، فأنت بالنسبة له "آخر" و الآخر ليس من ضمن اهتمامات المصرى الحديث على الإطلاق، والسيارة عند المصرى تعنى استغلال سرعتها فى تحقيق الحراك الاجتماعى، فالسيارة بثمنها تجعلك تسق الآخرين فى المستوى الاجتماعى، لذلك فجيرانك المتملقين وعامل البنزينة ومن يجهلون أصلك و بعض أصحابك الوصوليين سيخاطبونك بلفظ "يا باشا"، كما أنها بسرعتها تجعلك تسبق الآخرين فى المرور، والمرور عند المصرى ليس منظما، ليس فقط لعيب فى النظام، بل الأهم لمفهوم المرور لدى المصرى، فالمصرى يعتقد أن الأولوية له بمجرد أن ركب سيارة، وكأن الآخرين يركبون جرارات زراعية، فالمرور هو انعكاس تطبيقى للصراع الاجتماعى والتسابق على الفتات و التعالى و البحث عن صعود طبقى بين المصريين، فهو ليس مجرد مرور و لكنه تسابق و غلبة و تفوق و صعود و هبوط .. لذا فكل سيارة تطلق كلاكس للسيارة التى أمامها كى توسع لها الطريق فإذا ما مرت قليلا، يطلق صاحب السيارة التى تأخرت كلاكس آخر لمن تقدم عليه، وهكذا فى عملية تبادلية، مع وجود كلاكسات أخرى من باقى الاتجاهات، فكيف لك أن تسبقنى أيها المعتوه، فهذا كلاكس آخر أطلب به منك أن أسبقك، ففقد الكلاكس دوره الطبيعى للتنبيه، وأصبح محل اعتياد،حتى إذا ما جاء يوم و أصبحت على وشك السقوط أسفل سيارة مسرعة، لا تغيثك إشارات مخك للكلاكس الذى أطلق لك، و تفيق وأنت فى مستشفى بائس على طريق أكثر بؤسا..
بالنسبة للمصرى.. فالمشاة ليس لهم أدنى حق، فالملكية هى ما تجعل لك قيمة وليس إنسانيتك أو مواطنتك، و هذا العقد هو شريعة المصريين، لذا فالشارع تم تقسيمه بين أصحاب الملكية و هم أصحاب المحلات من جهة و أصحاب السيارات من جهة أخرى، فأصحاب المحلات الذين خرجوا بمحلاتهم و فرشوا بضاعتهم على الرصيف، ثم امتدوا بها أسفل الرصيف فى جزء من الشارع، ثم و ضعوا أعمدة حديدية قصيرة تحدد ملكيتهم فى الرصيف و الشارع، فمنعوك حقك فى الطريق و الرصيف، وازاحوا بك بكتف قانونى إلى نهر الطريق، فينهرك أصحاب السيارات بسرعتهم من الجهة الأخرى، فتطير مسرعا إلى رصيف مجاور، وقف لك شخصا عليه بالمرصاد، فتتحول إلى مطارد بائس ضاقت عليك الأرض بما رحبت.. وتشيعك اللعنات من أصحاب السيارات و أصحاب المحلات، وتتحول إلى أحمق و تتحول والدتك لعاهرة على كبر سنها، لا تراعى الأصول المتعارف عليها فى الشارع المصرى .. وعوادم السيارات و الفيسبا و الموتوسيكلات بالنسبة للمصرى، قد تخطى أزمتها منذ زمن، فمهما كانت سيارتك قديمة متهالكة ومهما كانت دراجتك البخارية تنفث ورائها عوادم كالهباب، فهذا أمر لا يدعو للخجل أو تأنيب الضمير، ولا يهم صاحبها أن يصلحها أو يتوقف عن استخدامها، فأن تشم عوادم مركبته هذا أمر يبلغ بك محل الشرف، والمصرى يهمه أن يصل هدفه حتى لو تنفست أنت كميات من أكاسيد الكربون تكفى إصابتك بسرطان الرئة باقى عمرك، فهذا قدرك يا قليل الإيمان، انت هتكفر ولا إيه؟ كما أن مزاجه الشخصى فى استخدام سماعات عالية الصوت والجودة، يجب عليك أن تتقبله سواء كان هذا فى سيارة أو موتوسيكل أو توكتوك، فاعتراضك قد يجلب لك بعض المشاكل البسيطة التى تبدأ بالإهانة أمام زوجتك وأولادك وقد تنتهى بطعنة عابرة تؤدى للوفاة.. وتأكد دائما أن المصرى شخصية هامة دائما تسعى للوصول لمشوار غاية فى الأهمية يتوقف عليه مصير العالم، لذا فكل الخسائر التى يخلفها فى طريقه سواء فى صحتك أو فى أعصابك أو حتى روحك بأكملها ليس مهما، فأنت لا تعلم مدى أهمية هدفه أيها الأحمق الجهول.. وحتى الطرق فى مصر تراعى أصحاب الملكية، فتجد على جانبى الطريق ترابا متراكما، وتجد طريق السيارات بوسط الطريق لامعا خالى من الأتربة، أزاحته السيارات المسرعة على الجانبين يغوص به المشاه من كل جهة، فالمصرى وجب عليه أن يمهد الطريق للآلة و لمالكها، وإذا أردت بعض الميزة فعليك أن تصبح مالكا مثله، فسعى المصريون فى تملك السيارات مزاحمة و مصارعة، على نفس البقعة من الأرض التى عاش عليها أسلافهم دون زيادة، حتى أصبحت شوارع مصر حلبة مصارعة كبيرة، مليئة بالتصادم و الاحتكاكات والسباب و اللعن و اتهامات متبادلة بالعهر و القوادة والتناسل من الزنا، من أجل التسابق على الكعكة الصغيرة والصعود على أعناق و أكتاف و أعمار الآخرين، نسوا فيها أنهم مجتمعا واحدا، إذا لم يتعاون صار التصارع واقعا مفروضا..و هو ما كان
المصرى الحديث يعجز أن يستمتع بشئ دون شعور بالذنب، فلو شاهد فيلم سينمائى و استمتع به، و ضحك أو تغذت روحه بقيمة ما إيجابية، لا تستطيع ائتمانه على رأيه أو حالة النشوة التى انتابته أكثر من ساعات قليلة، بعدها وفى أول تبادل جدى للرأى سيؤكد لك أن كل هؤلاء الممثلين من أصحاب النار، فيترك الساعتين مدة الفيلم و يمسك فى القبلة التى هى بالنسبة له محور الفيلم وسببا للإباحية و إفساد براءته وبراءة أبنائه، ولا ينسى أن يصف لك صدر البطلة وفخدها الذى ظهر فى المشهد اللى بعد الفرح، وأن يسرا دى بنت كلب عليها جسم مالوش حل، وهو يخلط التمثيل بالحقيقة و يعتقد أن الممثل يدخل هذه المهنة بدلا من أن يركب أتوبيس مزدحم ليلتصق بالنساء أو بدلا من أن يسحب فتاة لحديقة المنتزه، فمن ثوابت المصرى أن عادل إمام ما عتقش ممثلة ما باسهاش، و المصرى ليس لديه شك فى أن عادل إمام مكانه فى النار بجوار كفار قريش، رغم أنه يكرر إفيهاته و نظراته و يتابع أعماله باستمتاع و انتظار، وهو يستمتع دوما بأدوار سعاد حسنى، و كذلك رقصات تحية كاريوكا، لكنه لا ينسى أبدا أن يقول زمانها بتتشوى فى نار جهنم، وكل ممثل يموت تجد المصرى الحديث يذكر دوما السيناريو الذى دار بينه و بين ملائكة الحساب فى القبر و يختتم دوما حواره دوما بتنهيدة مطولة يعقبها عبارة ربنا يهدى الجميع ..
فالمصرى يعتقد أن استمتاعه فى الحياة ليس سوى عملية تراكم للذنوب، وهو لا يحب من أمتعه وملأ حياته بالقيمة أو بالبهجة أو بالفكر، بل غالبا يتمنى له العذاب المقيم، باعتبار أن كل بهجة حرام باستثناء بهجة تخيل الآخرين فى حفل شواء جماعى بجهنم..
هو أيضا يعشق أم كلثوم و لكنه لا ينسى أن يحرم الغناء، و قوة شخصية أم كلثوم فقط هى ما تمنعه حتى الآن أن يتنبأ لها بالنار... لكن عبد الحليم حافظ كان شقيا بعض الشئ، لذا فهو يقول عنه : الله يرحمه بقى، بطريقة تشعرك أن عبد الحليم مات مديونا له ..
و للمصرى فى تدينه أنماطا غير معتادة أو تقليدية، فالمصرى يتعامل مع الله كما يتعامل مع ضابط شرطة أو وكيل نيابة "سبحان الله عما يصفون"، هدفه الأسمى أن يتهرب من الإجابة على أسئلته أو يتفادى اختباراته، فهو يلصق النقائص دوما فى الآخرين ليخرج من القضية سليما، هو يفعل كل ما يفعله البشر و زيادة، ولكنه يعتبر سقطاته سهوا أو نزوة سرعان ما سيتخطاها، فيسامح نفسه عليها سريعا، ويغفر ذنوبه بنفسه، ثم يلصق التهمة بالغير، وسبب إفساده بالآخرين أو بالدولة غير الإسلامية التى تيسر له سبل الانحراف أو باليهود الذين غرروا به، و يعتقد فى قرارته أنهم اخترعوا المقاهى ليجلس عليها و تضيع عليه صلاة العشاء، كما اخترعوا النرد و الطاولة ليجعلوه يلعب الميسر باستخدام المكر والحيلة رغما عن أنفه..و يكمل تقفيل القضية أمام الله و يخرج منها سالما معافى ليرتكب مزيد من الحماقات التى يلصقها أيضا بالآخرين..
المصرى أيضا ابتكر مثلا شعبيا يقول: "علقها فى رقبة عالم واطلع سالم"، لذا فهو يمارس تدينه عبر وسيط، فيستخدم أقوال الشيوخ أكثر مما يردد كلام الله، والحديث النبوى عنده أيضا أسهل من القرآن فى كلماته، فقليل من الأحاديث تغنى عن القرآن وجزالته صعوبة كلماته، و طالما اتبع الشيخ فلان فهو يحمل عنه وزر التفكير وخطأ التدبير، فهو يرى أن الله سيسأله يوم القيامة: لماذا فعلت كذا؟ فسيقول له: الشيخ فلان هو اللى قال لى .. فيأتى الله بالشيخ و يعاقبه، والمصرى براءة..
كما أن المصرى الحديث يدافع عن أفكار انتهى أمرها و يغضب للغاية من أجل الماضى الذهبى الذى لم يراه و لم يقرأ عنه، لكنه لا يشغله مستقبله الأسود على الإطلاق، و يعتقد أن كل السابقين كانوا يرتدون جلابيب ناصعة البياض و يمسكون سبح و يشع النور من جباههم حتى نخاسين المماليك، و يعتقد أيضا أن السابقين كانوا يتناسلون دون تلامس جسدى وقلة أدب كالتى يفعلها البشر اليوم .. كما أنه يعتقد أن جلابيب السابقين لم تكن تحتاج لمنظفات لكى تظل بيضاء ..
هوايته أن يخبرك عن دينك دوما بالمزيد و ويعتقد أنه يعلم مالا تعلمه وأنك حتما ستشهر إسلامك على يديه، رغم كونك مسلما، و يؤمن تماما بحكمة قديمة تقول: أننا نؤمن بالدين نعم، ندافع عنه نعم، نقاتل من أجله نعم، لكننا لا يمكننا أبدا اتباعه بالكامل..
المصرى الحديث تنازل عن فطرته بإرادته و استبدلها بتدين أقرب لطقوس وثنية من أزمان بعيدة وأراض أخرى، فالمصرى يحتقر العلوم و الفنون و الآداب، ويراها جميعها توجهات غير إسلامية، ويهمش العلماء ويسخر منهم ومن براءة تعاملاتهم وقلة خبرتهم فى الفهلوة والسمسرة والكسب المشبوه، ويعتبر الرجل الفاضل مشروع مكسب شخصى له يبتز مافى جيبه أو وساطته فى جلب منفعة أو دفع ضرر.
و المصرى يرى أيضا أن الدبلة الذهب ذات الألف جنيه حرام للرجال، وعلى الرجال أن يتواضعوا و يخشوشنوا فى الحياة كى يكرمهم الله ويركبوا المرسيدس جزاء على تواضعهم..
والمصرى دائما وسطى الإيمان، غير متعصب حتى لو كان إرهابى يحمل السلاح، فالجميع على قناعة بأنه يمثل الإيمان الوسطى، عدا ذلك الذى لا يحضر الجلسة فيخلقون له صفات من خيالهم، وينسبون له بعض الأفعال البغيضة وأنه السبب فى تشويه الإسلام بتعصبه البغيض.
المسيحى المصرى بطبعه ينتقد التعصب الإسلامى، لكنه لا يرى أن هناك أى نوع من التعصب يخرج من كنيسته، فالله جعل من صدف الحياة أن كل رجل دين مسيحى مصرى متسامح بفطرته، ولكنه أحيانا يقبل أن يكون هناك متعصبا من مذهب مسيحى آخر، وهذا من كرم المصريين و فضله..
المصرى دوما يخرب و يشوه فى ممتلكاته العامة و وسائل مواصلاته، التى يراها مجرد ممتلكات دولة مؤقتة زائلة ظالمة، لأنه فى انتظار دولة عدل يعتقد أنها ستأتى يوما ما على أنقاض دولته، ينتظر اليوم الذى يرجع فيه الإسلام بالخيول و الجلابيب البيضاء ليكون هو أحد فرسانه و حينها يمتلك فرسا خاصا به، و لذلك فلا يحتاج لتلك الأتوبيسات التى يشوهها و يمزق مقاعدها ويترك عليها اسمه و اسم حبيبته "وزة" التى يتخيلها أمة الله وزة فيما بعد والتى سيكون لها فرس مستقلة بها..
المصري يخطط جديا لدخول الجنة و دفع غيره للنار دفعا، طالما أنه لابد لها وأن تملأ من الجنة والناس أجمعين، فلا بد له أن يقوم بدوره و يساعد فى ملأها، فالآخرين بالنسبة للمصرى كمحمود المليجى أو عادل أدهم لا بد فى النهاية أن يُقتلا أو يدخلا السجن، و كذلك الملل والأجناس الأخرى هو ينتفع منهم نعم، يهاجر لبلادهم نعم، يتعامل معهم نعم، يتعلم منهم نعم، يكون ثروته فى أرضهم لا مانع، لكن موقفه منهم لا يتزحزح فهم إما أن يدخلوا الإسلام أو يدخلوا النار.. لذا فهو يتعامل بصفاء نفس أحيانا، يندم عليه فيما بعد مع أول خطبة جمعة يحضرها أو أول مشاهدة لقناة دينية تذكره بهؤلاء الأشرار ..
المصرى يرى الآخرين كا كومبارس، يتعامل معه فى إطار تمثيلية كبرى، دوره هو المتواضع الخلوق المهزوم الذى سينتصر على عدوه فى آخر الزمان، كما أنه ينتظر يوم القيامة ليخرج له لسانه، والمصرى يريح دماغه بأن ليس بعد الكفر شئ، و عليه يضع الجميع فى سلة واحدة ولا يجهد نفسه فى معرفة تفاصيل الاختلافات بين البشر و الأفكار..
الدين بالنسبة للمصرى الحديث ليس لارتقاء نفسه، بل لهداية الآخرين على يديه، أما هو فأمره مؤجل، ده ربك رب قلوب يا جدع .. ويرى الدين علاقة منفعة بحتة، وأن الله سيكرمه بالرزق فى الدنيا و الجنة و نعيمها فى الآخرة و سيبارك له فى تجارته المشروعة، بل سيجعل تجارته غير المشروعة حلال باقترابه من أهل الإيمان، خاصة لو تعلقت بتجارة العملة أو الآثار، فكلما ذهب المصرى الحديث للتدين فجأة، فاعلم أنك أمام وحش كاسر جديد يحتمى بالله وهو يواجهك ويبرز لك أنيابه، و يجعله كالساحر يخرج من الحلال حراما ومن الحرام حلال، ويقلب حياتك وعقلك جحيما..
والمصرى خلوق فى دعوته الدينية، طالما أنت متجاوب معه، فإذا ما عارضته، فـ "ربنا يهدى"، فإذا ما زدت فى المعارضة، فيلعن أجدادك بعدما يتركك، لأنك ابن كلب ما تعرفش ربنا ولا تلتزم بخلق الإسلام..
أما الفتيات المصريات فقد قفزن فورا إلى صلاة التراويح دون المرور على الصلوات الخمس، جلبا للعريس، فالزواج عند المصريين من الرزق، وصلاة التراويح برمضان تمتلئ بعجائز يبحثن عن عروسة لابنهم الذى يأس بدوره فى العثور على فتاة "محترمة" لا تعرف للرجال طريقا، بعدما استهلك ثلاثين فتاة تركهن لغيره من الرجال، فطبيعى أن تكون هذه الفتاة مكانها المسجد، و الفتاة تعلم أفضل مكان لها فى الصفوف تحديدا بجوار سيدة كبيرة تبدو عليها آثار النعمة، وتصر على السلام عليها عقب الصلاة بصوت رقيق..
لأسباب عديدة تنقطع الفتيات عن الذهاب لصلاة التراويح أو أى صلاة أخرى بالمسجد بعد الزواج ليس من بينها أنها تزوجت، و لكنها: "ماعدتش بقدر أنزل بقى" ..
تنسى الفتاة دوما أن تخبره بعد الزواج أن من أسباب مواظبتها على الصلاة هو علاقتها القديمة التى فشلت وجعلتها فى حالة نفسية سيئة للغاية..
و المصرى يحب دائما أن يجيب من الآخر، حتى فى تدينه، فيبدأ بإطلاق لحيته، وهى ما تعبر عن زهد الدنيا و هجر نعيمها و كدح الإنسان إلى ربه كدحا فملاقيه، وعدم الإحساس بالنفس حتى نطول لحيته و هو هائم فى تحصيل المعرفة الربانية و إنشاد السمو و الكمال، لكن المصرى يبدأ من حيث انتهى الآخرون، فيطلق اللحية و يجعل الوصول لله و السعى فى إنشاد الكمال وهجر الدنيا مرحلة متاخرة تأتى براحتها بعد كده، و أصبح من المعتاد أن تجد اللحية والكاجوال والنضارة الريبان والسيارة الفور باى فور، يقودها ملتحى زاهد فى النعيم، يربط بجواره زوجته الشابة المنقبة التى يخشى عليها من عيون غيره من المؤمنين الزاهدين، أثناء ذهابهم لممارسة الزهد بشرم الشيخ..
كما أن هناك من المصرين من جاب من بعد الآخر بشوية، فترك اللحية و التدين ككل، و اكتفى بنقاب زوجته كتقرب منه إلى الله، فتجد زوجين كل منهما جاء من عصر غير الآخر، فالزوج اسبور على الموضة يرتدى الجينز و الزوجة من نهايات القرن الـ19 بالنقاب الأسود... يشكلان معا دولة العلم والإيمان .

http://civicegypt.org/%D9%81%D9%89-%D9%87%D8%AC%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB/


الرد على: فى هجاء المصري الحديث - * وردة * - 03-08-2012



نشر غسيل وبهدله .. وفخار يكسر بعضه !






الرد على: فى هجاء المصري الحديث - طنطاوي - 03-08-2012

نص جميل ادبيا لغناه بالتشبيهات وسرعة ايقاعه والسخرية المريرة التي تفيض منه ، لكن منطقيا هو سقط في فخ التعميم .
(f) فارس


الرد على: فى هجاء المصري الحديث - العلماني - 03-09-2012


رائع وممتع جداً .. نص خفيف ظريف يصيب عين الحقيقة في مواضع كثيرة ...

أعتقد أن الكثير من هذه المواصفات ينطبق على معظم العالم العربي والإسلامي اليوم.




RE: فى هجاء المصري الحديث - fares - 03-09-2012

طنطاوي Emrose
العلماني Emrose

فى هجاء المصرى الحديث – الجزء الثانى

عمرو عبد الرازق

و المصرى الحديث حريص كل الحرص على تحرى الحلال والحرام, حتى أبسط الأمور وسفاسفها, فالتقوى تلازم المصرى منذ الميلاد, قد يسأل عن حرمانية أكل لحم البطريق, أو عن إباحة الطلاق عبر الإيميل, أو عن اتجاه القبلة على القمر, و تمتد به العبقرية أحيانا كما سأل أحد القراء الشيخ القرضاوى عن حكم قتل السياح,, يصر على أن مصافحة النساء حرام لكن يرى أن تقبيلهن يجعلك خبيرا فى شئون النساء و هو جائز عاطفيا لتكتسب خبرات الحياة لتنفيذ مشيئة الله بتعمير الأرض, و المصرى الحديث يخلط الأزمان ببعضها, فيتمنى أن يأتى الماضى الناصع إلى الحاضر و يتمنى أن يلغى الحاضر كله, أما المستقبل عنده فهو يوم القيامة, و لهذا إذا سألت المصرى عن اسمه, رد على الفور: محمد إن شاء الله, متجاهلا أنه موجود بهذا العالم وأن وجوده أصبح فعل ماضى, و أن الله قد شاء بالفعل أن يكون اسمه محمد و انتهى الأمر, لكنه يعتقد أنه لو لم يقل إن شاء الله فسيصبح اسمه شئ آخر .. و المصريون المعاصرون جميعهم اسمهم محمد باستثناءات قليلة..
و رغم كونه يظهر الفقر لكنه يصر على النقاش حتى الممات فى مدى حرمانية أو مشروعية ودائع البنوك, و هو يرى الإيمان فى مناقشتها فقط, و يناقشك فقط ليثبت إيمانه أمام الله على حسابك, و الأمر محسوم عنده بحرمانيتها, ينتشى بإفحامك التام حينما يخبرك بأن الشعراوى قد حرمها, و يجزم بأن البنوك وردت فى القرآن, ثم يطلق ابتسامة المنتصر الشامت حينما تصمت متدبرا حالته المزرية, و له فى ذلك ابتسامة صفراء مميزة مضمونها " الله مؤيد لى أيها المنبوذ", و قبل أن يودعك يخبرك بأنه ينتظر شهر 6 بفارغ الصبر علشان فوايد البنك هتيجى قبل المصايف و المدارس و اهى بتنفع برضه ..
و النقاش مع المصرى هو الهلاك, ففى بواكير صباك تظن أن الدنيا بخير و أنك الوحيد المجرم الذى يختبئ من الناس الصالحين بطيشه و تهوره, و فى العشرينيات تتناقش مع المصرى باعتباره صاحب رأى ومبدأ و فى الثلاثينيات تتعامل معه باعتباره لا شئ, كلامه كصمته, و جده كهزله, و بياضه كصفاره, و حركته كسكونه, فالمصرى لا يتناقش إثباتا لرأى أو لإقناعك بفكرة أو ثباتا على مبدأ, أو لتغيير واقع و إنما لكى يستنطق من فمك كلمة هو يريدها لهدف فى ذهنه لا تراه أنت حينها, و يتكشف لك الغائب بعد أيام, فتكتشف مدى سذاجتك فلا نقاش بين مصريين على موضوع واحد أبدا, و لكل وجهة هو موليها ..
لهذا السبب ينسى المصرى آرائه فى الغالب و يغيرها كل فترة, فلو قال لك اليوم فلان طيب, فبعد شهر يكون قد نسى ما قاله و يدعى أن فلان نفسه شرير, و حينما تواجهه بسابق قوله يتجاهل ملحوظتك تماما, فتكررها عليه, فيرمقك بنظرة احتقار تلمسك فى مقتل, تشعرك بمدى جرمك الذى ارتكبته, فتهرب بنظرك و تشعر أنك ارتكبت خطأ لا تعلم ماهيته..
كثيرا ما يناقشك المصرى لحرق أعصابك أو لتضييع وقتك أو لتبديد طاقتك, يجعلك تمنح له تركيزك و أعصابك, ثم يتركك فى نهاية الحوار ليفعل عكس ما يتبناه من أفكار, فلو كان يناقشك ليهاجم أمامك زى النساء الخليع و زينتهن الصارخة, يتركك بعدها ليلتقط من آخر بالبلوتوث فيلم جنسى على محموله, و إمعانا منه فى جعلك تشعر بالحسرة على وقتك و أعصابك, يفعل هذا غالبا أمامك..
و المصرى الحديث لا يحترم المبدأ و لا حامله, و رؤيته للمبدأ لخصها فى حكمة خالدة تقول: هتعملى فيها بتاع مبادئ؟!
وبتوع المبادئ هؤلاء هم أقلية منبوذة, يأتون من حيث عدد السكان فى المرحلة الأخيرة, بعد المسيحيين و البهائيين و ألتراس الجونة..
و المصرى الحديث يصوم لله, و يجعل غيره يعانى مشقة الصيام, فيهلك أعصاب أضعف الناس أمامه, زوجته كانت أم أطفاله, و يجعل نهارهم غضبا و خوفا و ليلهم تشتتا وارتباكا, وشهرهم عصيبا قاتلا, تكون لحظة دخوله البيت عقابا لمن فيه, فيجعل كل أهل بيته يفقدون صيامهم من جراء سبهم له فى سرهم, يثور لأن المخدة ليست على السرير ولماذا هى بـ "تتهوى فى الشمس لحد دلوقتى", و أن الجميع لا يقدرون عنائه و تضحياته فى عمله, خاصة و أنه عائد منهك فى الواحدة ظهرا, يسب الجميع بسبب و بدون, لكن إذا ما رن جرس التليفون وكان على الطرف الآخر صديق له تخرج منه قهقهات مدوية و ابتسامات عذبة و تعبيرات غاية فى الرقة, و ينسى ما كان فيه من عصاب, حتى إذا ما انتهت المكالمة, وضع السماعة و التف بعينيه بنظرة تطلق الشرر لتعذيب هؤلاء العبيد القاطنين معه فى الديار.. ثم يجلس على مائدة الإفطار عبوسا قمطريرا, ليأكل فى سعادة غامرة و نهم, متشوقا لسيجارته التى ينتظرها كالرضيع, ويسأل أولاده المقهورين فى استعباط: إيه يا ولاد مالكم ما بتكلوش ليه؟حجته دائما فى عصبيته أنه صائم و عصبى و لم يدخن منذ فجر الأمس, فإذا سمعته تظن أن هناك صيام من نوع آخر يسمح فيه بالتدخين و تناول الطعام؟
بعد ربع قرن تجد أكبر أبنائه قد تشرب منه كل النطاعة ويمارس ساديته على أضعف من يلقيهم سوء حظهم فى طريقه..
و المصرى الحديث هكذا يرهبك فى عرينه, و يخشاك فى عرينك, و حياته مباريات ذهاب و عودة, حتى أن الكواكبى حينما كتب كتابه الأشهر"طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد" كانت عيناه على مصر ..
يصر المصرى على أن يعدل أى "شبشب" مقلوب يقابله فى الشارع أو على سلم المنزل, إذا ما كان نعله لأعلى, لأن هذا يجلب الشر, و لأنه تربى أن لا يجوز للشبشب أن ينقلب فى وجه السماء, لكنه لا يريد أبدأ أن يعدل شأن بلاده , ويرى دائما أنه: مش هصلح الكون يعنى..
و المصرى قد يذكرك بسوء و ينم عليك و يلعنك باستمرار, لكنك إذا ما كنت جواره فى أتوبيس, أصر على أن يدفع لك ثمن التذكرة, و قد ينفعل عليك لكى يدفع لك, فإذا ما رفضت خجلا و حاولت أن تدفع أيضا, يمسك يدك و يشد ملابسك بالأخرى و يقوم من مكانه ويضع كوعه فوق كتفك, ثم يقفز بركبته فوق فخدك و يبدل وضعه لمسك ذراعك الممسكة بالنقود, ليشل حركتك تماما, و ينهر الكمسارى إذا ما أصابه الجنون و مد يده إليك ليأخذ منك الأجرة التى حاولت دفعها كرما منك, و هو دائما باعثه فى أن يدفع لك أجرتك أنه "عاوز يفك خمسة جنيه", فيتم له النصر , فإذا رأيت المشهد بعين أجنبية, ظننت أنها مشاجرة قد تسفر عن قتلى, ولا تظن أبدا أنها عزومة تحمل المودة و الخير و الكرم , وينتهى الأمر بعبارة "واحد يا أستاذ محمد .. واحد",, ثم يلعن سنسفيل أستاذ محمد هذا, فيما بعد الذى لم يقدر له هذه المواقف الشهمة معه ..
أما الكمسارى نفسه فلعابه بالنسبة له يصلح لوضوء الآخرين,فإذا ما أعطاك تذكرتك لا بد أن يبلل يده بلسانه ثم يجذب التذكرة من دفتره, و يمنحك إياها مبللة بعطر لعابه, و اللافت للنظر أنه لا يؤذيه امتعاض البعض و قرفهم من الإمساك بالتذكرة المبللة, أو محاولاتهم المستميتة للإمساك بالتذكرة من طرفها الجاف بأطراف أصابعهم, و ذلك لأن غالبية الركاب يتلقون التذكرة بقبضة يدهم كاملة فى سرور و انتصار, فينظرون فيها بتمعن شديد, ثم يقومون بطيها فى لفافة ثم يضعونها فى دبلة اليد..
و المصرى فى المواصلات العامة يسمع القرآن و يصلى على النبى عشرات المرات, و يسب المارة و يحيل نصف البشرية إلى حمير, و يدخن السجائر و يبصق من الشباك و يتعاون فى جمع الأجرة و يسأل عن سعر الذهب و يتأمل مؤخرات السيدات, ويعدل وضع قطعة الحشيش فى غطاء العلبة البوكس بعناية شديدة لا يمنحها لأقرب الناس إليه. و يراعى أن يسأل بعض المارة من نوافذ الميكروباص باهتمام شديد عن أحوالهم و وجهتهم, خاصة لو كن فتيات فيسألهن دوما: على فين يا مزة؟ ..
و المصرى يعتقد أن الأتوبيس و الميكروباصات كيانات خاصة به, فهو قد دفع أجرة خمسين قرشا وعليه أن يحلل المبلغ الذى دفعه, فقد يضع قدمه على كرسى جواره, وقد يضع كيس مشترياته على الكرسى المجاور له, فإذا ما نزل وجدت مياها برائحة زفارة الأسماك تسير فى خطوط مستقيمة على أرض الأتوبيس, من كرسيه حتى آخر الأتوبيس, و لو أراد التدخين فعليك الاستمتاع باستنشاق دخان سيجارته ونتن رائحة صدره التى ينفثها , فإذا ما طالبت بتحرج أن يطفئها, نظر إليك شذرا ونفخ قائلا: استغفر الله العظيم, لأنك طالبت مالا يطلب.
و قد يحن قلبه قليلا فيفتح الشباك بجواره مدعيا أنه هكذا قام بالواجب معك, و أن الدخان والرائحة يسيران فى خطوط مستقيمة عبر الشباك و لن تطولك, فإذا ما كررت طلبك تجاهلك تماما, وهناك من المصريين طائفة ترد بعبارة: هتخلص أهيه , و فى هذه الحالة عليك الانتظار حتى ينتهى من سيجارته, هذا إذا ما كنت فى مواصلات داخلية, أما إذا كنت فى سفر, فالمدخنون ينتظرون أن يشعل سائق الميكروباص سيجارته الأولى, وهى بمثابة إشارة البدء المتعارف عليها, ثم يبدأ من فى جواره فى إشعال سيجارته باعتبارهم جالسين فى كابينة منفصلة عن باقى السيارة, و أنت و إن كنت فى آخر السيارة يصل إليك الدخان من الداخل أو من الزجاج المفتوح جوارك بعد أن يخرج من شباك السائق, والذى فتحته أملا فى هواء نقى متحملا برودة الجو و مستقبلا لنزلة برد, فيأتيك الهواء برائحة الدخان ..
ينظر باقى الركاب بالسيارة إلى من بجوار السائق باعتبارهم فى نعيم, و بعد فاصل من التردد يتجرأ شخص و يلعن فى نفسه الركاب المقرفين, يشعل سيجارة فى منتصف السيارة فيتبعه باقى المدخنين, وتتحول السيارة إلى غرزة على الطريق, فإذا ما كنت مريضا أو تحمل طفلا أو رضيعا, فلا قيمة لك عندهم, ولتذهب أنت ومن معك إلى الجحيم فى سبيل مزاج المصرى.. وعليك فى كل الأحوال أن تحمل معك شهادة طبية بمرضك تقدمها للمدخنين فى الميكروباص, عل الله يحنن قلبهم عليك, هذا بالنسبة للركاب, أما السائق, فدى عربيتى لا مؤاخذة يا أستاذ.. والأهم عنده ألا تضع قدمك فى ظهر كرسيه,, و لا تنسى أن تنظر بحسرة ليافطة صغيرة مدلاة من السقف خلف مقعد السائق, تتراقص أمامك طربا, مكتوب عليها "عفوا ..ممنوع التدخين", وهى لسان المجتمع الذى خرج لك ليثبت لك مدى سذاجتك ..
أما فى حالة إذا ما ركبت "السوبر جيت" , أملا فى تفعيل منع التدخين , فهذا أمر غير مضمون, و ستدفع ثمنه من أعصابك, فستظل طوال الطريق حاملا لهم أحد العباقرة, الذين سيهديهم عقلهم فى لحظة تمرد لكسر القانون, و هو أيضا طوال الطريق يشغله عقله بالثورة على المجتمع الظالم, و تحديه بممارسة حقه فى التدخين, فإذا ما ظهرت على الطريق يافطة " محافظة الـ ...... ترحب بكم", و جاء أحدهم لينزل فى محطته بمدخل المدينة , قام من مقعده لممر الأتوبيس, و أصر على أن يشعل سيجارته قبل النزول و لو بدقائق, ليجبرك على استنشاق شئ من أنفاسه قبل رحيله, ثم يبدأ آخر مازال جالسا فى السير على نهج الواقف, و كفاية عليك كده, هل تريد إكمال الطريق للنهاية بلا ضرر, هل تريد أن تنجح خطتك أيها الماكر فى الإفلات من استنشاق نتَن الآخرين, هل تريد أن تمر هكذا بلا خسائر؟ هيهات .. فمن أنت أيها النكرة لكى تمنع العظماء من حقهم فى إثارة غثيانك و إصابتك بالدوار و الصداع؟
والمصرى إذا أردت أن تغلبه فى هذا الأمر, فعليك ألا تقول له لو سمحت أو بعد إذنك, فهو لو كان يتأثر بالذوق أو بالضمير, ما كان أشعلها بالأساس, ولا تكن طيبا و تلتمس له العذر باعتباره "ناسى", فالمصرى لاينسى ولكنه يستهبل, وهنا عليك أن تتجرأ و تقول له بقلب جرئ: ارمى البتاعة دى يا ابا , وهنا سيستجيب لك باعتبارك جدع و صايع و عربجى ..
و المصرى الحديث يحب الناس من كل قلبه ويتمنى لهم الخير, حتى أنك لو قابلته يوميا أصر على تقبيلك من خديك, فى عادة انتشرت منذ خمس عشرة سنة, سيطر بها أهل الريف على المدن, و سيطر بها الخلايجة على المصريين, واختلطت العاداتان فأنتجتا هذا الحب الضائع, و يزداد حب المصرى لك و إصراره على تقبيلك إذا كان حاملا لفيروس الإنفلونزا, أو مصاب ببكتيريا أو فطر جلدي كـ التينيا, فشوقه إليك يجعله يضحى بصحتك و بعمرك فى سبيل تقبيلك, و دليله فى ذلك: ماتحبكهاش و سيبها لله ده أنا ما شفتكش من امبارح, و المصرى يغضب منك للغاية إذا ما حاولت منعه من تقبيلك خاصة و هو مريض, لأنك قليل الذوق.. و كلما زادت قُـبل المصريين كلما بعدت المسافات بينهم و زادت الخلافات و المصائب , حتى وقت قريب كان يقبلك 4 قبلات تم اختصارها لقبلتين فقط بعد انتشار البريد الإليكترونى, و يوم بعد يوم يقل دفء الحضن حتى صار سلاما سطحيا دون تصافح يشبه حركة "كفك" , حتى إذا ما رأيت شخصا يتخذ وضعا كالذى يتخذه عند الحلاق بإمالة رأسه لليمين, فاعلم أن آخر سيضع خده بإمالة رأسه لليسار, فيتلاقا فى تلامس سريع دون دفء, ثم صارت بعد ذلك دون قبلات أيضا, ثم يسأله فى شوق و عتاب: فينك يا لا يا ابن الـ ... . ؟
و المصرى الحديث يحب أن ينقل لك خبراته فى الحياة, ولا يبخل عليك بها مطلقا, حتى أنه إذا ما خاض تجربة و نجح فيها, لا ينصحك بتكرارها ثانية لأنها بقت قديمة و كتير قلدوها, أما لو فشل فيها, فينصحك على الفور بأنك ما تدخلش ابنك علمى فى الثانوية, أو بلاش كلية علوم لأن ابن خالته ما ارتاحش فيها و حول تجارة, و هو يرى أنه المقياس الطبيعى للأمور , فلو فشل فى أمر ما, فليس هذا عيب فيه أو لنقص قدراته أو لعدم توافقه مع هذا الأمر, بل لأن كل البشر سيفشلون فيها حتما, ولأنه أمر لم يخلق للبشر بل لكائنات أخرى, لذلك هو يرى دوما أنه لو فشل ابنه فى شعبة علمى, فلا بد أنه بعد سنوات عديدة سيخلو قسم علمى تماما من الطلاب, وسيتحول المصريون جميعهم لأدباء و مدرسين دراسات ..
و مما لاشك فيه أن كل مصرى ربى أولاده أحسن تربية, ولا يهم ما هى طبيعة هذا الذى ينطقها, فقد يكون تاجر مخدرات أو سمسار انتهازى أو بلطجى فج, لكنه لايشك فى أن أولاده متربيين أحسن تربية, ولا تحاول أن تستفسر عن ماهية رؤيته لهذه التربية فقد تكون العواقب وخيمة,, و هذه تظهر فى الغالب مع اشتعال مشاكل المصريين بسبب الأبناء, فتجد أب يقول لآخر: أنا ولادى مفيش فى أدبهم, وعمرهم ما يعملوا كده أبدا, ثم يتطور الحوار و فتسمع منه: قلتلك ولادى متربين و أحسن من ولادك الزبالة, يا ابن الــ .. ,,
بعد فض المشاجرة يتناقش المصرى مع زوجته حول أحداث الليلة السابقة ليخبرها بأنه قام بتأديب الجار السافل هذا و أعطاه درسا لن ينساه .. ثم ينظر حوله, و يسألها عن ابنه؟ فتخبره بذهابه للعب, فيقول لها على الفور, مش عنده امتحانات قريب ابن الكلب ده؟ أدى آخرة تربيتك الزفت..و القاعدة العامة فى مصر أن كل الأبناء متربيين أحسن تربية, فلا أحد فيهم يخطئ بينما من يقوم بالأخطاء فى مصر هم المهاجرين من جنسيات أخرى وبعض سكان كوكب زحل.
و كل مصرى مؤمن بأنه خلق ليحسن حياة من يأتى بعده ليس إلا, و ليس حياته هو, فكل جيل استبدل فترة حياته بالجيل الذى يليه, و دوما يؤكد أنه عايش فقط علشان يربى العيال , و دوما يذكرهم بمصابه قائلا: احنا بنعمل ده كله لمين, ما هو علشانكم! إلا أن علاقته بأبنائه مرتبكة بعض الشئ, و هو ليس على ثقة تامة بهم, و أبناؤه أيضا من بعد سن معين يتمنون الخلاص منه و يتحولون لدفة والدتهم, فيبدأ المصرى فى مخاطبة زوجته بصيغة الجمع "انتى و ولادك".. و هو يرى أنه أنجبهم ليس لتلبية غريزة أو لرغبة بداخله, و إنما هم فرضوا أنفسهم عليه,فهو قد تفاجأ بهم موجودين فى بيته فمارضاش يحرجهم, وتعطف عليهم ورباهم, حتى إذا ما كبر الابن و جب طرده من الخلية مع أول مشكلة تحدث بينهما, فيلطمه الأب بعبارة خالدة: مش كفاية إنى ربيتك و صرفت عليك دم قلبى و خليناك بنى آدم وكبرتك لحد مابقيت زى البغل.. لأنه فى باقى البلدان لا يتحمل الآباء مسئولية الإنفاق على أبنائهم, ولا يتبقى سوى تذكير الابن بالملجأ الذى نشأ به, لتكتمل أركان المؤامرة,,و المصرى يعتقد غالب الأوقات أن زوجته أنجبت أبناءه بمجهود شخصى منها, فهم فى الضراء "آدى ولادك وتربيتك يا فالحة, جاتها نيلة اللى عايزة خلف".. وفى السراء "ابنى اللى رافع راسى".. وهكذا لا يمكنك الوثوق فى نظرة المصرى نحو نسله .. و هل أبناء المصرى هم أبنائه حقا أم مجرد خدعة ستتكشف فما بعد؟
و المصرى الحديث يتوسط دوما فى الخير, فهو دائما يساعدك فى شراء احتياجاتك, فيميل عليك و ينصحك بشراء جاكت أو تريننج شيك جدا من فلان صديقه تاجر الجملة بسعر أرخص كثيرا من المحلات, و بجودة عالية, و بعد فترة يخبرك أن التاجر ليس صديقه تماما, وإنما هو سمع عنه من صديق, هذا الصديق بدوره سمع عنه من ثالث, حتى تجد بينك و بين منبع الشراء 5 وسطاء كل منهم ابتز من جيبك عشرة جنيهات إضافية باسم الصداقة اللعينة, ثم يقابلك التريننج فى فاترينة أحد المحلات بنصف ثمنه الذى اشتريته به بسبب كل هذه الجبال من المجاملات و الصداقات و الخدمات البريئة..فالمصرى يؤمن بأن تسعة أعشار الرزق فى التجارة..
و المصرى الحديث يحترم زوجته و يقدر عملها للغاية ويؤمن فى الوقت نفسه أن مكانها البيت وأن شغلها مالوش لازمة, ولكن هناك مصادفة غريبة تقابلها إذا ما ذهبت لمصر, فكل مصرى مش محتاج راتب زوجته ولا شغلها و لا زوجته نفسها, ولا يجعلها تضع جنيها واحدا فى البيت, إلا لو هى يعنى جابت حاجة كده بالصدفة, و سواء استعانبمرتبها أم لا فهو دائما عزيز النفس و لا يحتاج لعملها, و زوجته بدورها تقسم أنها لا تصرف على نفسها قرشا واحدا و كل فلوسها فى البيت, و هناك لغز دائم فى مصر أين يذهب راتب الزوجة السحرى فهو لا يصرف بالبيت و كذلك ليس معها, و هذه من عجائب مصر التى حيرت الباحثين..
والمصرى يؤمن بأنه ذوق دونا عن باقى شعوب الأرض و يكرر أن "حسن الذوق" حينما مات دفن داخل حدود مصر, فيقول: "الذوق ما طلعش من مصر", لكن بعض الرواة يقولون أن "حسن الذوق" مات فى مصر بحسرته و كان فى طريقه للهجرة و لكن لم يسعفه الوقت فمات كمدا أمام الجوازات..
و المصرى يعشق تراب بلده, لذلك اختار اللون الترابى ليعبر عنه ويكسو به بلاده, فلون الشوارع رمادى ترابى, و لون مبانيه إن أراد تزيينها أسمنتى, هو يرش البيت بالأسمنت لأن الطوب الأحمر ليس بالمظهر اللائق .. و تنقسم واجهة بيوت المصرين إلى طوب أحمر و كساء أسمنتى, ويترك المصرى سيخين حديديين يبرزان بأعلى أعمدة المنزل, فى إشارة منه لموقفه منك.. أما إذا ما زاد طموحه و أتى بمقاول ليدهن بيته من الخارج, فتجد بيتا من الخارج مغطى بالسيراميك الأخضر و البيج, بجواره مباشرة بيت أسمنتى يليهما بيت مطلى بالجير الأصفر, تشكل معا علم ناميبيا..
و المصرى الحديث لا يكذب مطلقا و هو دقيق للغاية فى كلماته, ولا يحلف بالله كذب إطلاقا, و يمكنك إثبات ذلك بتجربة بسيطة, اذهب لمحل فيشرع البائع على الفور فى النهوض, ثم اطلب أن تفك ورقة بخمسين جنيه, فيجلس البائع ثانية و يرد بموقف محدد مسبقا: مفيش و الله و يشيح بوجهه عنك لأنك أحبطت آماله..
فكر قليلا لبضع ثوانى ثم اختر منتجا قد تحتاجه, و قل له: طيب فى شاى لورد؟ فيقوم يأتى لك بباكو شاى بجنيه و نصف و يفتح الله عليه بباقى الخمسين, 48.5 جنيه, يمنحك إياها متجاهلا تماما أى حوار آخر دار فى نفس الدقيقة, فى الصغر كنت تقتنع أن درج البائع ليس فيه سوى هذا المبلغ بالظبط, و أن الله يخلق صدفا كثيرة منها أن البائع لديه فى درجه 49 جنيها بالضبط, لذلك لم يقم بفك الورقة ذات الخمسين, فترثى لحاله وتردد: كم هو طيب تعيس؟..
و المصرى أيضا يبهرك بحرصه على تجميل بضاعته, و إيصالها لك فى أبهى صورة ممكنة, بل و تخفيض سعرها, حتى أنك إذا ما ذهبت لمحل طعام, و تطلب بعض السندويتشات, يقوم منتشيا و يأخذ نفسا عميقا من سيجارته, ثم يضعها على الرخامة أمامه و يحرص أن يكون مقدمة السيجارة خارج الرخامة ليسقط رمادها على الأرض, ثم يمسك بالطعمية و يضعها فى الخبز , ويصر على فرك الطعمية بيديه الكريمتين, حتى تلتصق آثار النيكوتين ورائحة التبغ بيديه بالساندوتش, , ولا ينسى أن تصل أنفاسه محملة ببعض الدخان إلى طعامك, فتكون قد اشتريت طعام و سجائر فى نفس الوقت و بسعر مخفض, و هذا الكرم مما تجده فى المصريين دون باقى شعوب العالم..و المصرى الحديث يعتقد دوما أنه حينما ينجب أبناء كثيرون, سيكون منوطا بهم تحرير فلسطين و الأقصى, و إعطاء إشارة البدء ليوم القيامة, لذلك يسعى للزواج أيا كانت ظروفه لأنه يرى أنه لازم و سنة الحياة, وشر لا بد منه, وهذا الشر هو ما يعتقد أنه سينتج من خلاله بضع أطفال عباقرة دائما هو ما شافش فى شقاوتهم و يأمل أنهم سيغيرون وجه التاريخ,, و أبناؤه دوما يجلونه و يقدرونه لذلك يعبرون دوما عن مشاعرهم نحو أبيهم بقولهم: ده راجل ابن ... ة غبى, خاصة لو منع أحدهم من لعب الكرة ليلة امتحان أولى ثانوى.. لذلك فالمصرى حريص على الزواج لاستكمال نصف دينه, أما النصف الآخر فلا أحد يعلم مصيره.


الرد على: فى هجاء المصري الحديث - fares - 03-09-2012

فى هجاء المصرى الحديث – الجزء الثالث

عمرو عبد الرازق

والمصرى الحديث يسعده للغاية أن تشاطره أفراحه و أحزانه و مشاكله و دخانه, عدا أمواله مفيهاش هزار, و أفراح المصرى و أحزانه موطنهما الأصلى جوار بيتك وغذائهما المفضل أعصابك, الفرح عند المصرى الحديث انتقل رغم شكوى الفاقة و الحاجة, من السطوح إلى القاعات السياحية المفتوحة, و فى الطريق بينهما لا بد من يوم كامل على الأقل به احتفال للحنة فى الشارع تلعن فيه العروسين و تتمنى لهما الموت حرقا, تقام فيه الصوانات بالشارع والبوابات الخيامية و تعلق ميكروفونات عديدة لا يمكنك تحديد مكانها مهما حاولت أن تبحث عنها, ثم يخبرك أحد أفراد أسرتك أن هناك ميكروفون معلق فى شرفة منزلك ذاتها دون إذنك, و فروع طويلة من لمبات كوباية, ألوانها من صنيعة الشيطان ما بين أحمر دموى و أخضر ضفادعى, لتعلن زفاف أميرة الحى رشا "دبلوم تجارة" من سيد "يعمل بالسعودية" فى أغلب الأحوال..
هذا اليوم هو الذى يكفر الله فيه ذنوب عباده المصريين بالحى و يقبل توبتهم وترفع إليه فيه أعمالهم, قرابة 12 ساعة متواصلة لا تستطيع أن تسمع أنفاسك من صخب الميكروفونات, يسمعك فى البداية بضع آيات قرآنية ليست من سورة واحدة, ثم ينتقل لأشياء تشبه الأغانى تضم أنكر الكلمات التى عرفتها الأرض من لدن آدم و حتى اليوم, بأصوات لمجهولين لا يعلمهم إلا أصحاب الفرح, تتخللها فى العادة أغنية لمطرب معروف, درجة الصوت المقتحم لمنزلك, بعد غلق النوافذ و الزجاج بإحكام, هى نفس درجة الصوت التى أصمت معالى زايد فى مشهد النهاية لفيلم "الصرخة" لنور الشريف..
لكن المصرى يراعى أن يغلق الميكروفونات وقت الأذان ليمنحك فرصة لالتقاط أنفاسك, و أنت مازلت تتمنى أن يدوم هذا الهدوء, يفاجئك المسجد المجاور بميكروفون آخر للصلاة, فتكتشف أن الأمر مجرد تبادل أدوار وتسليمك من صراخ ماجن إلى صراخ تقى.. ينتهى الأذان فيتسلمك ميكروفون الفرح ثانية بكل هدوء و نظام.. و مع الغروب تنطلق ماكينة الديزل التى تعمل بالكيروسين لإنارة أضواء ليلة الحنة لتطلق هبابها عبر النوافذ إلى كل أركان شقتك, و ينصح الخبراء ليلتها بألا يكون هناك غسيل منشور فى شرفتك, لأن رائحته ستصبح جاز من أثر الدخان وكذلك لونه خاصة لو كنتم غاسلين "الأبيض" .. و تأكد أنك مهما كانت حيطتك و حذرك فى غلق شقتك جيدا و نوافذها, فهناك من هو أذكى منك و يستطيع التغلب عليك.. فى آخر الليلة تطفأ الماكينات, و تجد أذنك بدأت فى الصفير العكسى, فتدخل شرفتك لتتأكد من أن العذاب قد انتهى و يطمئن قلبك, و ما إن تدخل شرفتك حتى تجد عدة رجال غرباء يمرحون بها, لا تتذكر مطلقا أنهم مروا من باب شقتك, أحدهم يقف على سور البلكونة بقدم واحدة و الأخرى فى الهواء, و هم يرتدون جميعم شباشب جلدية سوداء بصابع, و بجيب التيشرت الأيسر العلوى لكل منهم علبة سجائر كليوباترا شبه فارغة, لا يكترثون عادة بدخولك, و بعد برهة, يلتفت أحدهم ليقول لك: لا مؤاخذة يا أستاذ بنلم النور, وقبل أن تفكر فى الرد, و ستعجز عن الرد لأنه ليس هناك أصلا رد خلق لمثل هذا الموقف, ستجد آخر يصيح من الشارع: فكيت الفرع الأخضر,, طيب انزل يالله, فيشيحون عنك بوجوههم .. ثم يتسللون إلى الشارع بسلم خشبى من الخارج و يتركون بيتك فى هدوء كما دخلوه, و أنت ما زلت تحاول تفسير الأمور و قبولها و إقناع نفسك بأن كرامتك لم تمس و أن كل شئ على ما يرام..
إذا ما انتهى اليوم على خير, و قد دفعت والدتك نقطة لوالدة العروس "خمسين جنيها" , و أجبرتك أن تنزل تشترى مظروف مخصوص لتضع فيه النقوط , و نزلت و أنت تلعن الفرح و العروسين و الشارع بأكمله, فتشترى 3 مظاريف بنصف جنيه, واحد منهم فقط يستخدم و اثنان يظلان حتى يعفرهما التراب... فاعلم أنك تسير على الطريق الصحيح, و يتبقى لك يوم واحد وتنتهى مأساتك وتعود لحياتك الطبيعية..
فالليلة التالية هى ليلة القاعة الفاخرة, و هذا اليوم تتعذب فيه ثلث عذاب اليوم السابق فالميكروفون يبدأ عادة فى بث سمومه من بعد صلاة الظهر و حتى الثامنة مساء, حيث تنصرف العروس إلى القاعة, و هناك ماهو أعظم, فالقاعة كلها غرباء عن أصحاب الحفل,تمتلئ بضيوف أغلبهم لا يعرفون اسم العروسين ولا أصحاب الفرح, فمن عادة المصرى الحديث أن يقوم الضيف باصطحاب بعض أصدقائه معه و تقوم الفتيات دوما باصطحاب ثلاثة من بنات خالاتها يفضل أن يكن غير متزوجات أو على وش طلاق, لأن كل فتيات مصر "ما بتحبش تروح أفراح لوحدها",, و من المعتاد للغاية أن تقابل زميل دراسة لم تراه منذ تخرجك هناك, فتسأله: تبع العريس و لا العروسة؟, فيجيبك بابتسامة: مش عارف و الله أنا بدور على واحد صاحبى..ثم يسألك: هو فرح مين أصلا؟!
فتجد العروسان يشاهدان فيديو للحفل و أغلب من به مجهولين, و كل منهما يسأل الآخر: ده مين؟ فيرد الآخر: ما اعرفش..
و المصرى الحديث هو من ابتكر الاستنساخ قبل النعجة دوللى بسنوات, لذلك فأفراحه نسخة مكررة طبق الأصل, تشعر معها أن المصرين جميعهم من أسرة واحدة أو أسرتين على أقصى تقدير, تكرر فرق الـ دى جى سلوكا يكرره كل عروسين كل ليلة, فى قالب متكرر بفتقد صدق البهجة, فالبدء بأسماء الله الحسنى لجلب البركة, ثم الانتقال التدريجى فى الهبوط بالمستوى , يتوسطهما أغنية مقبولة لمختلف الأمزجة لتنقلك تدريجيا من ذكر الله إلى شارب 3 ستيلا, وغالب أفراح المصرى تمتلئ بأغانى المخدرات و الضياع و الإصلاحيات, تنبؤا منه بمستقبل أبنائه, و لابد أن يدعو الليدر الفتيات للرقص حول العروس, ثم يستنكر ما يفعلونه بعبارة: إيه شغل فتّحى يا وردة و اقفلى يا وردة ده؟ و هذا ليس لعيب فى الفتيات, بل هو فى ذلك لا ينظر إليهم, و إنما يكرر ذلك كل ليلة كجزء من عمله المقدس..
تتجرأ إحداهن و تبدأ فى فاصل رقص شرقى متفرد, يتبعها عدة فتيات كنت تعتقد فيهن الخجل منذ قليل, ثم تتحطم أحلامك حينما تسمع صوت يأتى من خلفك يقول : جامدة البت دى, لكن الفتيات فى رقصهن لديهن إصرار قوى على تعديل وضع الإيشارب "السكارف" أثناء الرقص عدة مرات, فتسحب الإيشارب للأمام و للخلف عدة مرات لضبط الخصلات المشاكسة, فلا يجوز أبدا أن تشاهد خصلات شعر أى منهن أثناء التقسيم.. فاللين بالمؤخرات مقبول, الإيحاء بالصدر جائز, لكن أن يظهر الشعر فـ "أنت ما تعرفشى أن الحجاب ربنا فرضه فى القرآن؟" ..
العروسان يتناولان لأول و آخر مرة فى حياتهما الجاتوه من شوكة واحدة يصر منظموا الحفل على جذب الشوكة من بين فمهما, لكى يتفاجأ كل عروسين جدد بأنهما فى وضع أقرب للقبلة, ثم يصر مصور الفيديو على جعل العروس تسبل عينيها و تضع يدها على خدها لتكون أقرب إلى الفنانة "وردة" فى أفيش فيلم "حكايتى مع الزمان", و هو يعتقد أنه هكذا حولها لفتاة رومانسية حنون.. ثم يطلب من العريس أن يغنى لعروسه فيطلق بضع كلمات غير مفهومة ثم يتشجع بعض الشئ ليغنى لها كلمة بحبك, ثم تقلده هى تماما فى التلعثم , ثم تنطلق الأجهزة بأغانى تعبر عن العواطف الملتهبة بينهما كـ بحبك يا حمار و أنا شارب سيجارة بنى و أخيرا الغناء لنعم الله تعالى على عباده كالعنب العنب العنب.. ويتراقص كثيرون أغلبهم لا تربطهم علاقة قرابة أو صداقة بالعروسين..
و رغم المديونيات و المعارك التى يدخل بها المصرى أفراحه, إلا أنه مصر على كونه سعيد, فاتفاقات المصرين على هدية الشبكة معركة تجعل الشيطان فى قمة نشوته, وهى الهدية الوحيدة فى العالم التى يجبر فيها الهادى على تحديد قيمة هديته مسبقا, بل هى الهدية الوحيدة التى قد يلام صاحبها على أنه أتى بها إن لم تكن على قدر الآمال, أو لم تصل لقدر شبكة بنت خالتها, و يصل الأمر كثيرا للوم و التقريع و التقليل من الشأن و إهانة الكرامة, كما يتميز المصرى بأنه صاحب الهدية الوحيدة التى يستردها صاحبها بعد فترة و يقوم ببيعها لفك زنقته, بعد أن تقوم بدورها فى تقريب القلوب.. و تقسيم الأثاث بين العروسين معركة أخرى بها كل مهارات التفاوض السياسى, فإذا ما انتهيت منها, فقد تبقى لك معركة "القايمة" و هى ألطف عملية تزوير تاريخية تتم برضاء طرفين, تضمن للعروس مستقبلا مضمونا, باعتبار أن البوتوجاز و الثلاجة و الأطباق البلاستيك عناصر ضعف فى شخصية الزوج و هى أعز عليه من عمره و شبابه, و هى من عناصر الضغط التى تضمن استمرارية الزواج و مستقبل العروس و ألا يغدر بها ذلك الوغد.. و الفكرة مضمونة و مجربة لدى المصريين وهى التى تجعل المصريين يعيشون فى سعادة غامرة طوال حياتهم, وينصح بها المصريون باقى شعوب الكوكب الحزين لكى يذوقوا مثلنا السعادة.. و لضمانتها فكثيرا ما تسمع أن فلانة تم تطليقها لخلاف على حجم سجادة, أثناء تنزيل العفش..
و المصرى يؤمن بالقدر بشدة, حتى أنه لا يستطيع أن يتحدث لمن جواره فى قاعات الأفراح لاستخدام مكبرات عالية, و هذا الصوت العالى ليس بأمر العروسين أو أهلهمها أو المدعوين, و يجتهد كل شخص فى وضع يديه على أذن جاره كى يستطيع أن يوصل له كلمة أو عبارة, ويبذل المصريون مجهودا عاليا فى التواصل أثناء الحفل, و رغم أن الجميع يشعرر بالضرر من الضجيج, لكن لا أحد يعرف من هو صاحب قرار رفع الصوت لأعلى درجة , و يظن أغلب المصريين أن الله أقر الأفراح لعباده بهذا الشكل,.. لكن من عادات المصرى أيضا أن يشترى عناءه بالأموال,, حتى إذا خرج المصرى من الحفل يندهش جدا لأن الصوت جوه عالى أوى, وهذا الاندهاش يظل يتكرر طوال حياته, ثم يحمد ربه على نعمة الهدوء التى عليها الشارع, فليس به سوى ضجيج متواضع للسيارات و أبواقها..
و مهما اجتهد أصحاب الفرح فى إبراز واجب الضيافة فلن يسلموا و سيضيع جهدهم هباء منثورا, فالترابيزات غير مهندمة و المفارش متربة, و "الساقع" مانزلش إلا متأخر, و العروسة ماكياجها ردئ و فستانها إيجار و بقها كبير, و العريس ما بيعرفش يرقص, و أم العريس مش طايقة البت و بتبوسها من غير نفس,, و كثير من المعازيم يعملون فى موقع ويكيليكس, فتلتقط أذنك عبارة الشبكة بـ 8 آلاف, بس أبو العروسة كمل لها بـ 5 من معاه, ’ آه هم ساكنين ورانا .. و هكذا فكما عذب أصحاب الفرح الجيران بالميكروفونات و الضجيج, يرد لهم الجيران الضربة نقدا و تقليلا من شأنهم,, فالمصرى لا ينسى حقه أبدا..
و المصرى دقيق فى مواعيده للغاية, فينصرف من الحفل فى موعد ثابت, توافقت الآراء أن يكون عقب توزيع الجاتوه, فينظر حوله فى براءة, ثم يقرر الرحيل, خاصة عندما يجد أن "ما الناس كلها ماشية مش احنا بس"..
عقب فقرة الجاتوه, تتحول القاعة لبيت أشباح به عروسين بائسين قد أنهكهما التعب من كثرة الرقص و الرج و طقوس الصوفية التى مارساها بالحفل, حولهما بعض كبار السن يتثائبون, و يبحثون عن سيارات توصلهم لأن الوقت اتأخر, و الفجر قد لاح, و على العروسين أن يكملا المهمة بعد الرحيل من أجل إثبات النجاح أمام الآخرين, و المصريون يذهبون لبيوتهم صباحا, لكنهم ما زالوا مصرين على كونها "ليلة" دخلة, و بعد ساعات معدودة تجد أقواما قد وصلت لبيتهما, و عدة أيادى ضخمة تطرق الباب, لاستكمال الطقوس و معرفة ما قد حدث فى الساعات القليلة التى ائتمنوا فيها العروسين على أنفسهما,, فمهما كان هم لسه صغار و يجب متابعتهما, فالمصرى يكون كبيرا ناضجا خبيرا فى علاقاتاته خارج الزواج, لكنه داخل بيت الزوجية طفلا بريئا يستحق المتابعة و الرعاية..
و المصرى الحديث يؤمن بالخصوصية تماما, و يعتبرها من أسس التدين, و لذلك فعروسه تدعو كل من تعرفهن و بعض ممن لا تعرفهن من معارف معارفها لمشاهدة كل أثاث بيتها, خاصة غرفة نومها, وهنا على الزوج أن يترك لهم المنزل, و ينزوى منبوذا فى ركن منه, كذكر العنكبوت الذى أدى مهمته, ويظل يطرد وساوسا من ذهنه عما يدور بين الضيوف فى غرفة نومه...وإمعانا فى حفظ الخصوصيات تفتح العروس دولابها ليشاهد الحضور ملابسها الداخلية و ما أعدته لزوجها من سبل الجذب والإمتاع, و هى تظن أن امتلاكها لهذه الملابس هو آخر عهدها بالمسئولية, و أن الزوج يكفيه للغاية أن يشاهد الملابس بالدولاب بهذه الكثرة و بهذا النظام.. لذلك فحياة المصرى الحديث سعيدة للغاية بلغ فيها من الزهد باعا و هو يبلغ فيها ذروة متعته أحيان كثيرة بالمشاهدة دون الممارسة..
فيكرمهما الله بالإنجاب بطرق غالبا ليست هى المتبعة فى هذا العالم, وتخضع دائما للمصادفة والبركة و وصايا العطار والأم.. حتى يقدمون للوطن مزيد من العظماء.. ويكون احتمال الانفصال بينهما طوال حياتهما وارد بشدة..



RE: فى هجاء المصري الحديث - خالد - 03-09-2012

كوميديا سوداء، مضحكة الضحك فيها كالبكاء.

هو أمر عام على كل، ولا يخص مصر وحدها، بل ابتلي به الجميع، وكلما ازداد عدد سكان البلد ازداد به تركيز هذه المصائب جميعها.

هي عوارض مزمنة لمرض الإنحطاط، حين يتحول المجتمع إلى حالة "كل مين إيدو إلو"، ولا يعود الرابط بين أفراده سوى الاسترجاعات الغرائزية وإشباعاتها، يشمل هذا كل شيء حتى التدين.

المرض ليس مقصورا على شعوب المشرق، بل نستطيع أن نجدها في سائر الشعوب المبتلاة بالانحطاط الأصيل أو العارض. الفرق قد يكون بأن العوارض مزمنة أم حادة.

في حالتنا نحن، العوارض مزمنة، لكنها تمر بظواهر حادة عند المنعطفات.