حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
ما معنى قول المسيحي للمسلم إن المسيح ابن الله؟ - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: الحوار الديني (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=58)
+--- الموضوع: ما معنى قول المسيحي للمسلم إن المسيح ابن الله؟ (/showthread.php?tid=47618)



ما معنى قول المسيحي للمسلم إن المسيح ابن الله؟ - إبراهيم - 03-13-2012

للمفكر التونسي والأستاذ الجامعي محمد الطالبي عمل شهير يضمن فيه أفكار جديدة في علاقة المسلم بنفسه وبالآخرين بعنوان "عيال الله". وجاء في الحديث عن أنس عن النبي أنه قال: الخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله. لا شك أن هذا القول يثير الاحتجاج التلقائي عند سماع أحدنا أن الله سبحانه وتعالى له "ابن"، وهذا من حق السامع وخاصة إن تبادر للذهن أن الكلام بصدد ولادة تناسلية. ولكن لو تأملنا في الكلام ورأينا أنه يحدث في سياق إيماني روحي غيبي وليس ماديًا أو بيولوجيًا أو تناسليًا، فأبسط بديهيّات المنطق هي قراءة الفكرة في سياقها المتصل بها اتصالاً وثيقًا، وعليه نقرأ بنوة المسيح لله قراءة صحيحة مجردة عن أي تفكير مادي. لا شيء مادي يلازم الحديث عن كنه الباري وإنما الحديث في غيبيات وروحانيات. ليس الكلام إطلاقًا عن الأبوّة المادية التي يخشى المسلمون أنها المقصودة عندما نقول إن المسيح هو ابن الله بل أن قولنا «الكلمة» هو مرادف لقولنا ابن الله، وأنّ الإنجيل قد دعاه الكلمة مثلما دعاه القرآن أيضاً. وابن الله تدلّ على ولادة المسيح من روح الله القدوس. نحن نقول بأن المسيح هو إبن الله رمزياً ومعنوياً لا مادياً مبتذلاً، وهذا يجب التأكيد عليه في البداية.
عندما يدعو المسيحي يسوع ابن الله، فإنه بهذه التسمية يشير إلى إيمانه بأن الله أدخل يسوع في علاقةٍ معه حميمةٍ فريدة، وأن رسالة الله الأزليّة وغير المخلوقة سكنت في يسوع. ولقب «ابن الله» يشير إلى معرفة متبادلة حميمة (يسوع يَعرف الآب)، وإلى وحدةٍ في الإرادة (يسوع لا يعمل إلا مشيئة الآب). قطعًا الكلام هنا عن ولادة روحانية كولادة الشعاع من الشمس وولادة النور من النور وولادة الشرر من الاحتكاك وولادة الطاقة وولادة أشياء عن الطاقة نفسها والطاقة التي تفنى ولا تستحدث بل تتحول من شكل إلى آخر. وكيف يكون تحولها؟ إنها الولادة وولادة كهذه ليس فيها ما ينتقص من الطاقة أو يقلل من قيمتها أو يصفها مثلا بالـ "نجاسة" إذ أنه لابد أن تولد أشياء عن الطاقة الشمسية. قياسًا عليه، والكلام هنا على المستوى الروحاني، لابد أن يولد المسيح من أبيه فينبثق عنه في ولادة روحية، أزلية أبدية. وهذا معنى قول المسيح: من عند أبي "خرجت".
بعض المبشرين يصيبهم الإحباط ومن ثم يحاولون التقريب بإيجاد ألفاظ بديلة لعلها تحل محل لقب "ابن الله" فيقولون مثلاً أن المسيح هو "وليّ الله". ولكن هل من الممكن أن نتخلى عن الاعتقاد بأن المسيح ابن الله في أمل التوفيق في الحوار؟ في الحقيقة، هذه القناعة الإيمانية هي العقيدة الرئيسية والتي على أساسها تمّ الانفصال بين تلاميذ المسيح وسائر اليهود، وعليها نشأ الدين المسيحي. فمنذ بدء المسيحية كان السؤال الذي يـُطرَح على من يريد اعتناق الدين المسيحيّ هو التالي: «هل تؤمن بأن يسوع المسيح المسيح ابن الله؟» هذا السؤال طرحه الشماس فيلبس على قيّم كنداكة ملكة الحبشة، ولما رد بالإيجاب عمـّده فيلبس (راجع أعمال الرسل 8: 37). والأناجيل برواياتها الأربع كـُتبت لغاية رئيسية، كما يقول يوحنا في نهاية إنجيله، «لتؤمنوا أنَّ يسوع هو المسيح ابن الله، وتكون لكم، إذا آمنتم، الحياة باسمه» (يوحنا 20: 31).
إنّ اعترافنا بأنّ المسيح هو ابن الله هو أولاً مرادف للاعتراف بأن يسوع هو المسيح أي إقرارنا بأنه هو المسيّا المنتظر. قولنا إن يسوع هو المسيح ليست عبارة جوفاء ولكنها مشبعة بالدلالات والمعاني والتي يمكن ترجمتها لإيمان تطبيقي عملي. يروي إنجيل يوحنا أن أندرواس الرسول، بعد أن تعرف إلى يسوع، لقي أخاه، فقال له: «لقد وجدنا ماسيّا، أي المسيح» (يوحنا 1: 14). ثم صادف فيلّبس نثنائيل، فقال له: إنّ الذي كتب عنه موسى في الناموس وكتب عنه الأنبياء أيضًا قد وجدناه. فهو يسوع بن يوسف من الناصرة» (يوحنا 1: 45). وفي إنجيل مرقس، عندما سأل يسوع تلاميذه في قيصريّة فيلبس: «في نظركم، أنتم، من أنا؟» أجاب بطرس وقال له: «أنت المسيح ابن الله الحيّ» (متى 16: 16). وفي مواضع كثيرة في العهد الجديد، يرد لقب ابن الله إلى جانب لقب المسيح، وكأنهما مترادفان. فمرقس يبدأ إنجيله بقوله: «بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله» (مرقس1: 1). ويوحنا يختم إنجيله بالشهادة ليسوع المسيح ابن الله: «وصنع يسوع أمام التلاميذ آيات أخرى كثيرة لم تدوَّن في هذا الكتاب، وإنما دُوِّنت هذه لكي تؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله» (يوحنا 20: 30- 31). إذًا عندما أقول إن يسوع هو المسيح فهي ذاتها تعني تماما أن يسوع هو ابن الله والفكرة واحدة.
لنتأمل مثلاً تلاميذ المسيح الذين صاحبوه ولازموه فنجد أنهم قد رأوا في مجيئه تحقيقًا لـ نبوءات العهد القديم حيث كانت تلك النبوءات تتكلم تارة عن المسيح وتارة عن ابن الله. وأنبياء العهد القديم كانوا ينتظرون مجيء المسيح وينتظرون في قدومه أنه سيكون ابن الله كذلك. جاء في نبوءة ناتان لداود: «متى تمّت أيّامك واضّجعت مع آبائك، سأقيم من يليك من نسلكّ الذي يخرج من صلبكَ، وأُقرّ ملكه. فهو يبني بيتًا لإسمي، وأنا أُقر عرش ملكه إلى الأبد. أنا أكون له أبًا، وهو يكون لي ابنًا» (2ملوك 7: 12-14). تلك النبوءة كانت بمثابة نقطة انطلاق لترقّب مجيء المسيح ملكاً من نسل داود وفيها تجتمع صفات المسيح كملك وابن وله عرش يدوم ملكه للأبد. وهذا ما رآه الرسل والمسيحيون الأوائل في شخص يسوع أنه تحقيق وعود الله بإرسال هذا الملك «المسيح» و«ابن الله»، الذي سوف يملك على بيت يعقوب ولن يكون لملكه انقضاء. في نظر المسيحيين الأوائل كان يسوع هو «إسرائيل الجديد»، أي تحقيق سائر الآمال المشيحيّة التي راودت الشعب اليهوديّ. وكما أن الشعب اليهودي دُعي «ابن الله»، أي شعب الله المختار المحبوب، فيسوع أيضا، «إسرائيل الجديد»، يدعوه الذين يؤمنون به «ابن الله». هذا ما عبّر عنه لوقا في روايته بشارة الملاك جبرائيل للعذراء مريم بولادة يسوع. وقد وضع على لسان الملاك الأقوال الحرفيّة التي عبّر فيها العهد القديم عن وعد الله بمجيء المسيح: «ها أنت تحبلين وتلدين ابنًا، وتسمّينه يسوع. إنه يكون عظيمًا، وابن العليّ يُدعى، وسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الدهر ولن يكون لملكه انقضاء». وعلى سؤال مريم: «كيف يكون ذلك، وأنا لا أعرف رجلاً؟» يجيب الملاك: «الروح القدس يأتي عليك وقدرة العليّ تظّللك، ومن أجل ذلك فالقدّوس الذي يولد منك يُدعى ابن الله» (لو 1: 31- 35). فبحسب هذا النصّ، يدعى يسوع ابن الله، لأنّه ولد مباشرة بقدرة الروح القدس دون أبٍ من بني البشر.
عندما نقول إن المسيح كلمة الله فهذا يعني أنه نطق الله أي تعبير عن الله وإعلان عنه وعن كينونته الشخصية. وكما أن كلمة الإنسان التي هي التعبير عن عقل الإنسان، هي من جوهر الإنسان، كذلك يكون كلمة الله، المسيح، الذي هو التعبير عن عقل الله أي من من جوهر الله ذاته. نقول الكلمة من جوهر الله ولا نقول إنها إله إلى جانب الله. في شخص يسوع يظهر لنا الله ظهورًا ذاتيًّا أي ظهورًا كاملاً ونهائيًا في شخص يسوع، وأوحى لنا بذاته الوحي الذاتيّ أي الكامل والنهائي في حياة يسوع وأقواله وأعماله وموته وقيامته. وهذا ما تقوله رسالة العبرانيين في مستهلها: «إنّ الله، بعد إذ كلّم الأباء قديما بالأنبياء مرارًا عديدة وبشتَّى الطرق، كلّمنا نحن في هذه الأيام الأخيرة بالابن الذي جعله وارثًا لكل شيء، وبه أيضًا أنشأ العالم، الذي هو ضياء مجده، وصورة جوهره، وضابط كل شيء بكلمة قدرته» ( عب 1: 1). فـ يسوع هو الابن الذي به عرفنا الآب ولولا يسوع المسيح لما عرفنا الآب. لذلك، عندما نعلن نحن المسيحيين إيماننا بأنّ يسوع هو المسيح ابن الله، نعلن في الوقت عينه إيماننا بأننا لا نستطيع من بعد مجيء المسيح أن نتكلم عن الله إلا من خلال يسوع المسيح ابن الله الذي أظهر لنا الله. ولا نقبل أن يتكلم أيّ إنسان عن الله كلامًا مختلفًا عن الكلام الذي جاءنا به ابن الله يسوع المسيح.
تلك هي نقطة الانطلاق لعقيدة الثالوث القدُّوس في العهد الجديد وفي المسيحية. فالإيمان بالثالوث ليس نظرية فلسفية اخترعها الفكر البشريّ و تصورًا عقلانيًا عن الله، و لا بقية من بقايا الفكر الوثنيّ. إنـّما هو تعبير عن ظهور الله ظهورًا ذاتيًا في شخص يسوع المسيح. فالله هو الآب، وقد ظهر لنا في ابنه يسوع المسيح.
في يسوع المسيح، يظهر كمال الوحي أي أن المسيح شخصيًا هو الوحي الكامل لله. في شخص يسوع المسيح بالذات قد ظهر كمال الوحي للعالم، ولأجل ذلك يدعوه الإنجيل «كلمة الله الأزلية غير المخلوقة». وهنا عبارة "وحي" تعني كشف الله عن نفسه ذلك أن بنوة المسيح لله هدفها كشف ربنا عن نفسه باعتبار المسيح أيقونة الآب. فالفرق بين المسيحية والإسلام بالنسبة إلى التوحيد والتثليث لا يقوم إذًا على تعدد الآلهة، بل على تجليّ الإله الواحد للبشر وكشفه عن نفسه. فكلا المسيحية والإسلام يؤمنان بإلهٍ واحد لا شريك له، ويؤمنان بأنَّ هذا الإله اتصل بالبشر. ولكن المسيحية تؤمن بأن هذا الإله الواحد قد اتصل بالبشر في العهد القديم من خلال كلامه بواسطة الأنبياء، وفي العهد الجديد من خلال تجليه في كامل جوهره الإلهي في شخص يسوع المسيح أي كشفه الكامل عن نفسه في شخص يسوع المسيح. أما الإسلام فيقول إن الله لا يتصل بالبشر إلا من خلال كلام الأنبياء الذين يرسلهم إلى العالم ليكشفوا للناس عن إرادته وأحكامه ووصاياه؛ ويسوع المسيح هو أحد هؤلاء الأنبياء. ولأن المسيح هو الوحي الكامل لله، فالمسيحي لا ينتظر وحيًّا آخر يأتيه ليكمل هذا الوحي ولا نبيًا آخر يكشف للبشر عن الله شيئا لم يكشفه لنا السيد المسيح. بل في شخص السيد المسيح حصلت البشرية على كمال الوحي؛ ومع كمال الوحي حصلت على الخلاص والفداء. ومن هنا لا ننتظر نبيًا آخر يعطينا وحيًّا جديدًا ولا مخلصًا آخر غير يسوع المسيح.
نعم، يسوع الناصري هو إنسان مثلي مثلك، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ولكن أي إنسانٍ هو؟
"إنه يعلم بسلطان، وهو يأمر أيضا الأرواح النجسة فتطيعه"(مرقس1/ 27).
يحتج عليه خصومه قائلين: "إنه يجدِّف. من يمكنه أن يغفر الخطايا غير الله وحده"(مرقس 2/ 7). يلاحظون أن يسوع وهو إنسان مثلهم إلا أنه يغفر الخطايا وقد بلغ سلطانه لدرجة أن "حتى الريح والبحر يطيعانه"(مرقس 4/ 41). حقًا سلوك يسوع يدفع لمزيد من الحيرة والدهشة في زمانه كما هو اليوم، وبابتسامة يسوع مواقف الحيرة هذه بتساؤل بسيط:
- من أنا في نظركم؟ ومن أنا في نظر الناس؟
- في نظر البعض، يوحنا المعمدان، البعض الآخر يراك إيليا النبي أو واحد من الأنبياء والمرسلين.
- جيد، ومن أنا في نظركم أنتم؟
- أنت المسيح، ابن الله الحي، يجيبه سمعان بطرس (متى 16/ 13-16).
هذا إعلان صريح بألوهية المسيح التامة في الإنجيل. ومن المتوقع أن معرفة الرسل لألوهية المسيح قد انكشفت لهم بالتدريج إلى أن دخلوا هم في صميم السر، سر المسيح، وعاشوه بصورة اختبارية شخصية عميقة أكبر من مجرد معلومات دينية يعرفونها بعقولهم. ما أعجب المسيح! فلأنه ابن الله فهو يجترح المعجزات بمجرد كلمة لا غير. أنظر إليه يدخل غرفة أو يوقف موكب جنازة ويأخذ بيد الميت قائلاً: "قُم" فيقوم الولد! "انفتحي" فيسمع الأطرش. وكل هذا يتم بمجرد كلمة أو حركة لا أكثر دون أي مجهود عضلي من جانبه. من فم المسيح تخرج كلمة، ويكفي أن يقول كلمة. "يا رب قل كلمة". في بعض الأحيان كانت لمسة من يد المسيح تكفي ودون أن يرجع إلى الله لأن اللاهوت حال فيه بالكامل، وهذا في الواقع هو سلطان ابن الله، سلطانه الشخصي، ليعمل عمل الله ذاته وبصورة مباشرة.
فلأول مرة في تاريخ البشرية يأتي إنسان، نعرفه ويعرفنا، ويعيش معنا ونتلامس معه، وأمام مخلّع كفر ناحوم نجده واقفًا وبهدوء تام يقول: "مغفورة لك خطاياك!" الأمر ذاته يتكرر مع الخاطئة في بيت سمعان (لوقا 7/ 48) ولاوي وزكا جابي الضرائب والزانية واللص وغيرهم وغيرهم. . . كل هؤلاء يمنحهم يسوع غفران الذنوب والله وحده يغفر الذنوب جميعًا، وهو ما لم يجروء نبي أو رسول من قبله أن يمنحه لأي إنسان لأن الخطيئة في أساسها إساءة مباشرة في حق الله سبحانه وتعالى وبالتالي الله وحده هو صاحب الحق الأوحد في غفران ما كان إساءة بحقه هو. أما المسيح فبمنتهى الثقة نشاهده يعلن غفران الذنوب والمعاصي لأنه يريد أن يبين لنا أن ما كان بحق الله فهو يتصل بحقه شخصيًا كذلك لسبب بسيط وهو أنه "ابن الله". هذا يشرحه يسوع ويؤكد عليه بعبارة تهز أعماق السامعين وقتها: "والآن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانًا لمغفرة الخطايا، أقول لك: قُم وامش". كما نلاحظ، هنا ينسب يسوع لنفسه سلطة الله شخصيًا لأنه هو ابن الله، وهذا يعني أنه يتمتع بكافة الصلاحيات التي لدى الله ويقوم بعمل الله.
في الموعظة على الجبل، نجد المسيح يقول ست مرات في إنجيل متى 5: "لقد قيل للقدماء (أي قال موسى بإسم الله) .. أما أنا فأقول لكم . . ." عندها نضرب كفًا بكف من شدة الاستغراب. كيف يكون هذا؟ يسوع هذا الذي نعرفه ويعيش وسطنا ويأكل معنا يُنصِّب نفسه ربًا للشريعة الإلهية، لكلمة الله، وهو المتواضع حق التواضع ويعيش الفقر التام وليس له أين يسند رأسه. فمن تُراه يجروء أن يغير الشريعة سوى رب الشريعة؟ وحده يسوع المسيح يملك صلاحيات تعديل الشريعة إيذانًا منه بميلاد عهد جديد فيه اليد العليا لسلطان الروح لا الجمود الحرفاني الذي يقتل.
ولعلك تسأل: ما الفارق إذًا بين كون المسيح ابن الله وكوننا نحن كمؤمنين أبناء الله؟ ألسنا جميعًا أبناء الله وعياله مادمنا مخلوقات الله؟ ألا يستوي المسيح معنا في ذلك كله؟
لاحظ معي، يا صديقي، أن المسيح يتكلم دائمًا عن الله بصيغة "أبي" ولا يشملنا معه بصيغة الجمع قائلاً "أبونا" بل نجده في إنجيل يوحنا 20/ 17 يقول: أبي الذي هو- بصفة مختلفة- أبوكم. نعم، الله أبونا ولكنه أب المسيح بصفة مختلفة عنا ولم يحدث أبدًا أن قال المسيح "أبانا" واضعًا ذاته في نفس المستوى الذي نحن فيه. عندما يتحدث فهو يقول إما "أبوكم" وإما "أبي"، وهكذا يتحدث المسيح. يعلمنا الصلاة وينبهنا إلى أنه "عندما تصلون" قولوا "أبانا". لا يقول لنا مثلا "عندما نصلي" واضعًا ذاته في مصافنا وفي مستوانا بل هو دائمًا يفرِّق بين "عندما تصلون" وعندما "يصلي" هو. ونحن، من جهتنا، عندما نصلي فإننا نصلي "بيسوع ربنا" لأننا نعلم أن بنوتنا ما نلناها إلا فقط بحق الاشتراك ببنوته الفريدة وما تفضل هو- الثالوث الأقدس- به علينا. نحن أبناء وبنات لله بالتبني وبحق ما أنعم به هو علينا بموجب نعمته في المسيح، وأما المسيح فبنوته فريدة لأنه هو "الابن الحبيب الوحيد" الذي سُرّ به الآب شديد السرور.
وعندما يتحدث المسيح عن نفسه بصفته "ابن الإنسان" أو "ابن البشر" فهو يشير لتعبير أرامي كان معروفًا لدى سامعيه من بني إسرائيل وهو "بار ناشا" الوارد ذكره في نبوءة دانيال الفصل السابع والأيات 13، 14:
كنت أنظر في رؤياي ليلا فإذا بمثل آبن إنسان آت على غمام السماء فبلغ إلى قديم الأيام وقرب إلى أمامه. وأوتي سلطانا ومجدا وملكا فجميع الشعوب والأمم والألسنة يعبدونه وسلطانه سلطان أبدي لا يزول وملكه لاينقرض.
في هذه الآية، الحديث هنا عن "بار ناشا" أي "ابن البشر" بالأرامية والذي سوف يأتي كديان يدين الكون كله ويقضي في المسكونة بالعدل وليس الحديث أبدًا عن إنسان لطيف متفاني في إنسانيته "ابن ناس" بما أنه "ابن إنسان" كما قرأ جبران وغيره ممن أخذوا بالمحمل السطحي للتعبير. هذا التعبير الأرامي والذي يستخدمه المسيح للحديث عن وظيفة ماسيانية خاصة به وحده يشير لوظيفة قضائية لديان الكون والذي يأتي كـ "علم الساعة" فلا تمترنَّ بها ويقضي "حكمًا عدلاً" عند نهاية الزمان كما أشار لذلك إنجيل متى 25/ 31.
والمسيح على ما لديه من وظائف النبوة والرسالة والكهنوت وغيرها مساوٍ لأبيه وشبيه به لدرجة إنه يبينه ويكشفه لنا، ومن ثم قولنا- فيما تقدم- أن المسيح هو الوحي الصريح التام لله أبيه بما أن الله يوحي بذاته، فكان وحيه هنا هو المسيح، أيقونة الله الآب الغير منظور. وهذا معنى قول المسيح من باب تقرير الحقائق وليس من باب المجاز أو المجاملة مثلا لما قال: "يا فيليبس، من رآني فقد رأى الآب". يشرح المسيح هذا بمزيد من التأكيد القاطع بأن "الآب وأنا واحد" ثم يزيد يسوع: "سيرسل الآب بإسمي الروح القدس". إذا هم ثلاثة والكلام هنا عن ثالوث أي ثلاثة في واحد: الآب والابن والروح القدس بما أن الروح القدس، روح الله القدوس، هو هو الله.
باعتباري مسلمًا سابقًا، لا أطلب إليك أن تجهد ذهنك في استيعاب كل هذا ولكن يكفي أن تبدأ بأن تضع يدك في يد المسيح وتتحدث إليه وتناجيه وكما تلتقيه في المرحلة التي أنت فيها الآن وهو بنفسه سيكشف نفسه لك بالتدريج مثلما فعل مع تلاميذ ولا داعي للاستعجال؛ وبهذا تدخل أنت مثلما دخلوا في صميم سره المقدس وتتمتع بكافة الهبات الإلهية في حياتك في كنف الثالوث الأقدس وأنت تناجي المسيح ابن الله وتقول له مع المرنم: المجدُ لك أيها المسيح ابن الله يا من تجسّدتَ لأجلِنا، المجدُ لك.