حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
اليسار، الإمبريالية والثورة السورية - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: حول الحدث (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=64) +--- الموضوع: اليسار، الإمبريالية والثورة السورية (/showthread.php?tid=49137) |
اليسار، الإمبريالية والثورة السورية - ((الراعي)) - 08-22-2012 اليسار، الإمبريالية والثورة السورية نشر في:الثلاثاء, آب 21, 2012 - 23:31 كوري أوكلي ترجمه الى العربية: وليد ضو من بين الملايين الذين ثاروا في العالم العربي خلال الأشهر ١٩ الماضية، قلة منهم عانوا بسبب شجاعتهم ولكنهم لم يواجهوا ما يواجهه الثوار الذي يواجهون ديكتاتورية الأسد في سوريا. قرار بشار الأسد باستخدام كامل قوته العسكرية ضد الانتفاضة الشعبية السلمية حول الثورة إلى حرب أهلية كاملة حيث قتل أكثر من ٢٠ ألف شخص. الثورة السورية، بنظر بعض اليسار، تفتقر إلى الشرعية. فنددوا بالثورة واعتبروها مؤامرة غربية، أو مؤامرة تدعمها إسرائيل أو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للإطاحة بنظام يدافع عن الفلسطينيين. وأولئك الذين يواجهون قوات النظام يوصمون بكونهم عملاء لقوى خارجية من بينها: السعودية، الولايات المتحدة والقاعدة… في الغرب، الدعم الكامل للأسد اقتصر على المتشددين الستالينيين وأقلية ضمن الحركة الفلسطينية. وقسم من اليسار أخذ موقفا يطلق عليه "الخط الثالث" الذي يقوم في نفس الوقت على تأييد الثورة، وعلى معارضة التدخل الإمبريالي من الغرب. ولكن خلال الأشهر القليلة الماضية بدأ هذا "الخط الثالث" بالتصدع. فقد اتخذ اليساريان البارزان طارق علي وجورج غالاوي مواقف حادة معارضة لأهداف الثورة، فادعيا أن الثورة قد استولى عليها الرجعيون واعتبرا أن الحل الوحيد هو بتسوية مع النظام. علي وخلال مقابلة له مع روسيا اليوم (١) قال أن الخيار هو بين "نظام يفرضه الغرب ويتكون من السوريين العاملين مع وكالات الاستخبارات الأجنبية… أو نظام الأسد". غالاوي النائب اليساري الشعبوي والمعروف بصفته ناشطا بارزا ضمن الحملة المناهضة للحرب على العراق، ذهب أبعد من ذلك (٢) فقد شجب قرار المعارضة السورية الرافض لخطة السلام التي قدمتها الأمم المتحدة. أغلب اليساريين القلقين من الثورة السورية يعكسون ستالينية تقوم على تعريف اليسار يعتبر أن كل الأنظمة مستبدة باستثناء تلك "المعادية للإمبريالية" التي تعادي الغرب وتقمع شعبها في آن واحد. لكن البعض ليس من نفس العقيدة الستالينية التي تجد صدى في موقف غالاوي حيال سوريا. جون ريس، الذي كان لسنوات عضوا قياديا في حزب العمال الاشتراكي في بريطانيا كتب الشهر الماضي (٣) أنه "يتوافق بعمق" مع غالاوي وعلي. ريس رأى أنه من الضروري "إعادة التأكيد على مركزية مسألة الإمبريالية ضمن التطورات في الشرق الأوسط". ويعكس بموقفه رأي البعض الذي يقول أن التطورات في سوريا هي مجرد تحضير لتعيد الولايات المتحدة استعمار الشرق الأوسط. والأمر، بحسب وجهة النظر هذه، هو تكملة للحرب التي شنت على العراق عام ٢٠٠٣، حيث استعملت الحكومات الغربية ووسائل الإعلام عبارات "التحرير و"الديمقراطية" كغطاء لغزو الإمبريالية. الإمبريالية الأميركية ليست المسألة الرئيسية موقف غالاوي وعلي وريس حيال التهديد الإمبريالي مغلوط ومبالغ فيه. الإمبريالية، بمعنى كونها استعمار غربي جديد، ليست المسألة الأساسية التي تواجه الجماهير في سوريا أو في العالم العربي بشكل عام. هذا يبدو كبيان تقديسي لكل من تلقى تربيته السياسية اليسارية بعد ١١ أيلول". فبعد هجمات ١١ أيلول، وعندما شنت الولايات المتحدة حربها على أفغانستان، كان هناك عدد قليل من الأصوات السياسية التي وقفت عكس التيار وتظاهرت ضد الحرب. وقد اتهم موقفنا بأنه "موقف انفعالي مناهض للإمبريالية". في تلك الأيام المضطربة اعتبرنا الانفعالية وساما على صدرنا. وعندما شن الجيش الأميركي الهجوم كنا ضده. وقد كنا على صواب. خلال تلك السنوات، مناهضة الإمبريالية كانت مسألة رئيسية لأن الإمبريالية الأميركية كانت عاملا حاسما في السياسة العالمية. زمن "الانفعال المناهض للإمبريالية" قد ولى. ليس لأن الأمبريالية الأميركية قد اختفت من الشرق الأوسط، أو لأنها تخلتها عن نواياها الحاقدة، إنما لأن العالم قد تغير. الثورات العربية حولت كل شيء. لا نعيش اليوم في حقبة "ما بعد ١١ أيلول" إنما في عالم "ما بعد ميدان التحرير". لوقت طويل كانت الجماهير العربية ضحية التاريخ. ميدان التحرير أظهر إمكانية أن تكون هذه الجماهير دليل المستقبل. كما كان الأمر مع اللحظات الثورية الرائعة في التاريخ، الثورات العربية سببت خوفا في قلب النظام القديم. وتتعرض الثورات لهجمات لعدد لا يحصى من الهجمات الرجعية. والقوى الإمبريالية هي واحدة من هذه القوى ولكنها ليست لوحدها. الثورات العربية ليست ثورة ضد الإمبريالية، لكنها في الأساس صراع طبقي ضد الأنظمة العربية. هذه الأنظمة التي تقيم علاقات مختلفة مع الإمبريالية، خاصة الإمبريالية الأميركية. مبارك كان حليفا وثيقا للولايات المتحدة وإسرائيل. والأسد يعتبر نفسه معاديا للولايات المتحدة (هذه المعاداة هي في أغلب الأحوال معاداة كلامية، فالنظام السوري شارك ودعم حرب الخليج الأولى وتعاون مع البرنامج الأميركي "للترحيل السري"). لكن مبارك والأسد يتشاركان بأمرين أساسيين مع بعضهما البعض ومع بقية الحكام العرب. أولهما، النظامان سلطويان ولاديقراطيان، ويحكمان من خلال قوة قسرية للأجهزة الأمنية الوحشية. ثانيهما، أدت سياستهما المتبعة إلى إفقار قسم كبير من شعبيهما، وفروقات كبيرة في مستويات المعيشة بين الجماهير والنخبة الحاكمة، بحيث تتمتع هذه الأخيرة بغنى فاحش. الانقسام الطبقي -استلاب العمال، الطلاب، والفقراء وجزء كبير من الطبقة الوسطى من قبل الأنظمة- كان السبب الرئيسي وراء الثورات العربية. نعم، بالطبع، في كل ثورة أو حرب أهلية، تحاول قوى عديدة تغيير الوضع لصالحها. ويتوجب على اليسار معارضة التدخل الإمبريالي. لكن تدخل هذه القوى- من ضمنها روسيا، الولايات المتحدة، السعودية، إيران وإسرائيل- لا يحول تلقائيا ثورة إلى حرب بالوكالة بين القوى العظمى. طبيعة الثورة السورية الثورة السورية ليست معركة بسيطة بين العمال والرأسماليين. ولكن هذا الأمر يمكن توقعه. كما فعل لينين في معارضته للذين نددوا بالنضال الإيرلندي ضد الاستعمار: "لا يمكن تخيل إمكانية حدوث ثورة اشتراكية من دون تفجر ثوري لجزء من البرجوازية الصغيرة مع كل أحكامها المسبقة، من دون حركة سياسية لبروليتاريا غير واعية من دون الجماهير الشبه البروليتارية ضد قمع مالكي الأراضي، الكنيسة، الملكية، ضد القمع…، تخيل ذلك هو رفض ثورة اشتراكية. ويقف أحدهم ويقول "نحن مع الاشتراكية"، ويقف شخص آخر في مكان آخر ويقول "نحن مع الإمبريالية" وهكذا تكون الثورة الاشتراكية! فقط من يتخذ موقفا متحذلقا سخيفا يمكنه ذم الثورة الإيرلندية ويعتبرها "انقلابا". كل من يتوقع ثورة اشتراكية "طاهرة" لن يتمكن من العيش ليراها. شخص كهذا يدعي دعمه للثورة دون أن يفهم ما هي الثورة". وحده الأحمق من ينكر تدخل القوى الأمبريالية في سوريا، أو أن ثمة العديد من العناصر الرجعية بين صفوف الثوار. ولكن بعض الجوانب السلبية من الثورة في سوريا يتم تضخيمها. إحدى التهم الرئيسية الموجهة ضد الثوار بأنهم يعملون بأمرة المجلس الوطني السوري الرجعي المقرب من الولايات المتحدة، والذي يتخذ من تركيا مركزا له. اليوم أصبح من المسلم به أن المجلس الوطني السوري يحظى بدعم لا يذكر داخل سوريا، وبأي حال من الأحوال الثوار الذين يواجهون النظام. فتحولت أنظار معارضي الثورة إلى الجيش السوري الحر، واتهموه بأنه يخضع لسيطرة قوى خارجية وبكونه دموي كالنظام. هناك عدد لا يحصى من المقابلات التي أجرتها وكالات الأنباء البريطانية والأميركية مع مقاتلي الجيش السوري الحر، بالإضافة إلى عدد من التقارير الصحافية التي أجراها صحافيون سوريون عرب في سوريا، والتي ترسم صورة مختلفة عن تلك التي يقدمها مناهضي الثورة. لا شك بأن بعض هذه التقارير كتبها بروباغنديو الإمبريالية الغربية ولكن ليست كلها كذلك. أناند غوبال هو من بين الصحافيين الأكثر صدقية للكتابة عن سوريا. غوبال مناهض للإمبريالية. فما كتبه من داخل أفغانستان كان بالغ الدقة والإدانة لكل من الاحتلال وحركة طالبان. وعندما يكتب لدعم الثورة السورية، كما فعل في مؤخرا في مجلة هاربر، عندها عليكم أن تستمعوا إليه. أناند سافر إلى تفتناز، بلدة كبيرة قريبة من الحدود مع تركيا. روايات الناس وصفت لأناند ثورة استثنائية قد عمت البلدة قبل أن تتدخل قوات النظام. وكما هو الحال في أجزاء عديدة من سوريا، بدأ الشباب الثورة. وسرعان ما قمع النظام مظاهراتهم، وكثيرا ما سجنوا وحتى عذبوا، ولكن الثورة تطورت: "بدأ مقاتلو الجيش السوري الحر بحماية المظاهرات، فيقفون بهدوء خلف المتظاهرين ويراقبون رجال المخابرات. في البداية، تحول ميزان القوى لصالح الثورة، لدرجة أن القوات الحكومية لم تعد قادرة على العمل بشكل علني. فاختفى مسؤولو الأحزاب الرسمية والعملاء السريون، وتركوا المدينة تدير نفسها بنفسها". هذا الأمر أدى إلى نشوء نوع من التنظيم الذاتي في المدن والمجتمعات المحلية في جميع أنحاء سوريا. بعد انسحاب الجيش السوري توقف العمل في المحاكم، وتكدست النفايات في الشوارع. غوبال وصف كيف أنه: "ولملء الفراغ، اجتمع الناس لانتخاب مجالسهم التمثيلية- فانتخب المزارعون ممثليهم، كذلك الأمر بالنسبة إلى التجار والعمال والمعلمين والعاملين في مجال الرعاية الصحية، والقضاة والمهندسين والعاطلين من العمل. في بعض الحالات اندمجت هذه المجالس التمثيلية مع شبكة الناشطين التي تشكلت سابقا ضمن لجان التنسيق المحلية. بدورهم اختارت هذه المجالس ممثلين عنها في مجلس المدينة، الذي كان بالنسبة إلى تفتناز والمدن المحيطة بها المجلس الوحيد المعترف به شعبيا". غوبال زار مسجدا حيث كان يعقد اجتماع للجنة الشؤون العامة وتداول المجتمعون إمكانية الطلب من أغنياء المدينة أن يدعموا أهلها. فقام رجل كبير السن وضرب بيديه على الأرض وصرخ "إنها ثورة الفقراء! ويجب على الأغنياء أن يقبلوا ذلك". والتفت إلى غوبال وأوضح "لقد زرنا كل المنازل وحددنا حاجاتهم وقارنا ذلك مع وصلنا من تبرعات. كل شيء سجلناه ويمكن للجمهور الاطلاع عليه". العديد من الصحافيين انتقدوا الجيش السوري الحر على افتراض أنه جيش متجانس. ثمة العديد من الأدلة التي تشير إلى عكس ذلك. على سبيل المثال غيث عبد الأحد الذي يكتب من داخل سوريا لصحيفة الغارديان، الذي ينقل رواية حميد، الجندي السوري المنشق، الذي فر من الخدمة العسكرية خلال مظاهرة في الرستن عندما أمر بإطلاق النار على المتظاهرين المدنيين. فسكن في بيت لفترة من الوقت، وجرى تهريبه عبر الجبال إلى تركيا، حيث انضم إلى الجيش السوري الحر بقيادة العقيد رياض الأسعد، حميد يبدو غير راض من الوضع: "لم نقم بشيء هناك في تركيا، جلسنا بالقرب من خيامنا ونعطي تصاريح صحفية. لقد قلت لهم أنني لم أنشق لأجلس في خيمة، أريد أن أقاتل، وظلوا يطلبون مني الانتظار، لأن لديهم خطة، لكن لم يحدث أي شيء". بعد ثلاثة أشهر على إقامته في تركيا هرب حميد مرة أخرى، هذه المرة رتب مع الثوار عملية عودته إلى سوريا. وأخبر غيث عبد الأحد: "لا يوجد شيء مثل الجيش السوري الحر، إنه نكتة. الثوار الحقيقيون هم هنا في سوريا، في الجبال". هذه الرواية ظهرت مرة أخرى. فعندما سأل غوبال ضابطا في تفتناز عن قيادة الجيش السوري الحر أجاب: "عندما أرى هؤلاء الكلاب هنا فإنني سأقتلهم بنفسي". واحدة من الانتقادات الموجهة إلى الجيش السوري الحر أن السعودية والدول الغربية يسلحونه. الأمر الأول الذي ينبغي قوله أن هذه الانتقادات بأغلبها غير صحيحة. وعند قراءة آراء الثوار يبدو واضحا أن الغرب لم يغرقهم بالأسلحة. على العكس، تعم حالة الغضب حيال الدول الغربية لأنها رفضت مدهم بأي نوع من الأسلحة. في هذا السياق، هل من الخطأ على الثوار السوريين أن يطلبوا، ويقبلوا السلاح من الإمبرياليين وحلفاء الإمبريالية أو أي طرف آخر؟ بالطبع لا. فلهم كل الحق بكل ما يلزم للدفاع عن أنفسهم من الأجهزة العسكرية المرعبة لنظام الأسد. فطلب وقبول أسلحة أو مساعدات من دولة أمبريالية لا يجعل منك عميلا للإمبريالية. ثمة العديد من الأمثلة التاريخية التي تدل على ذلك. المثل الأشهر هو ما حصل في إيرلندا. عند اندلاع الحرب العالمية الأولى دخل الجمهوريون الإيرلنديون في مفاوضات مع ألمانيا في محاولة للحصول على أسلحة لاستعمالها في ثورتهم ضد النظام البريطاني. أما القول أن الحركة الجمهورية الإيرلندية هي مجرد بيدق بيد الإمبريالية الألمانية، أو أن النضال الإيرلندي لا يتسحق الدعم لأنه حاول الحصول على السلاح من الجيش الألماني، هو أمر مضحك. في سياق آخر أثار تروتسكي سؤالا نظريا تطرحه هذه المسألة: "لنفترض أن الثورة اندلعت غدا في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي تحت راية الاستقلال الوطني، وأن الحكومة الإيطالية مدفوعة من مصالحها الإمبريالية الخاصة، استعدت لإرسال الأسلحة للثوار. ماذا يجب أن يكون موقف العمال في إيطاليا في هذه الحالة؟ لقد سألت سؤالا يتعلق بحالة تمرد على إمبريالية ديمقراطية وتدخلت إمبريالية فاشية إلى جانب الثوار. هل ينبغي على العمال في إيطاليا منع شحن الأسلحة إلى الجزائريين؟ ليتجرأ أي يساري متطرف أن يجيب نعم. على كل ثوري، العمال في إيطاليا والثوار في الجزائر أن يزدروا ويرفضوا كل إجابة مماثلة. وحتى في حالة حصول إضراب في الموانىء الإيطالية في نفس الوقت، في هذه الحالة على المضربين أن يستثنوا هذه الشحنات من إضرابهم وأن يسمحوا بمرور شحنات الأسلحة هذه لكي تصل إلى الثوار على الاستعمار، وإلا لن يكونوا سوى مجرد نقابيين بائسين وليسوا بالتالي بروليتاريا ثورية. ثمة مسألة أخرى أثيرت وتتعلق بـ"عسكرة الثورة. يعيش العديد من اليساريين حلما ليبراليا حيث لا خيار أمام الثورة السورية إلا واحد من اثنين: الأول سلوك "نموذج ميدان التحرير" لحركة جماهيرية غير مسلحة، الثاني، الذهاب إلى حرب أهلية. لكن الثوار لم يختاروا الحرب الأهلية، لقد فرضها عليهم النظام. لكن هذا لا يعني عدم وجود مشكلة في عسكرة الثورة. والأكثر وضوحا أن السلاح يمنح قوة للذين يحملونه، ويسمح بإرساء بنى سلطوية على المستوى المحلي أو المناطقي. كل ذلك يصعب عملية التحكم به. ومما لا شك فيه أن الذي يسيطر على إمدادات الأسلحة إلى سوريا سيتابع تنفيذ أجندته الخاصة وسيحاول تجنيد زبائنه لصالحه. العديد من اليساريين يناهض المجلس الوطني السوري والعديد من القيادات السورية التي انشقت مؤخرا ويعتبرونها مرتبطة بالإمبريالية. والإصرار على سحق الثورة السورية هي للحد من مفاعيلها وجعلها للنموذج الذي حصل عقب إسقاط حسني مبارك في مصر، حيث استبدل رأس نظام مستبد برأس آخر، مع عدم تغيير في سياسة النظام. حتى الآن، ثمة خيانة كبيرة للثورات العربية. في مصر، المجلس العسكري يعمل مع وكالة الاستخبارات المركزية والموساد، لا يمكن إنكار ذلك وهذا الأمر هو وصمة عار. لكن الخزي لا يرتبط فقط بالموقف من الإمبريالية. ما يسمح بأن تستمر الثورة المصرية هو عدم وجود ديمقراطية حقيقية هناك، ولم تتحقق العدالة للعمال. الجماهير التي صنعت الثورة لا تزال تواجه ذات النظام ونفس المشاكل الاقتصادية السائدة قبل ٢٥ كانون الثاني. بهذا المعنى، وعلى الرغم من أن النضال يبدو مختلفا، فإن الثورة التي تدور في مصر، وسوريا وفي العالم العربي هي نفسها. الحقيقة الوحيدة المهمة بما يتعلق بسوريا- وهي الحقيقة الوحيدة الأكثر أهمية بما يتعلق بالثورات في العالم العربي- أن الثورة لم تهزم. مقال غوبال في مجلة هاربر أوضح ذلك. فينهي مقاله بوصف لآخر يوم له في تفتناز، وخلال صلاة يوم الجمعة في بلدة تعاني "من مناخ هزيمة… وتعيش وسط أكوام النفايات المتحللة والباطون المحطم". بعد الصلاة، غادر الرجال والفتيان المسجد وتوجهوا إلى الساحة الرئيسية للمدينة، الموقع الذي شهد على موت العديد منهم: "أصبح التظاهر طقسا يدل على أنهم على قيد الحياة، وهو جزء من الثورة التي على ما يبدو لا يمكن كسبها، ولكنها ثورة ترفض أن تسقط، وعلى كومة من الحديد الملتوي وقطع الباطون التي كانت تشكل منزلا في وقت مضى، رفعت مجموعة لافتة كتب عليها: "حتى من تحت الركام، سنقاتل النظام". المقال من هنا http://sa.org.au/index.php?option=com_k2&view=item&id=7450%3Athe-left-imperialism-and-the-syrian-revolution RE: اليسار، الإمبريالية والثورة السورية - ابن سوريا - 08-22-2012 (08-22-2012, 01:56 AM)((الراعي)) كتب: الثورة السورية ليست معركة بسيطة بين العمال والرأسماليين. ولكن هذا الأمر يمكن توقعه. كما فعل لينين في معارضته للذين نددوا بالنضال الإيرلندي ضد الاستعمار: "لا يمكن تخيل إمكانية حدوث ثورة اشتراكية من دون تفجر ثوري لجزء من البرجوازية الصغيرة مع كل أحكامها المسبقة، من دون حركة سياسية لبروليتاريا غير واعية من دون الجماهير الشبه البروليتارية ضد قمع مالكي الأراضي، الكنيسة، الملكية، ضد القمع…، تخيل ذلك هو رفض ثورة اشتراكية. كلام رائع ويضرب عالوتر الحساس لليسارويون ... RE: اليسار، الإمبريالية والثورة السورية - ((الراعي)) - 08-23-2012 بعد سقوط إيديولوجيا الاستبداد المقاوم: هل يُدرك مثقفو الإيديولوجيا ما أدركته الشعوب؟ صادق ابو حامد 2012-08-21 عندما سقط الاتحاد السوفييتي، وتفككت مملكة الصمت، أطلق المفكرون على تلك اللحظة التاريخية اسم 'سقوط الإيديولوجيا'. ذلك أن ما سقط في أكبر دول العالم آنذاك كان هذا التحجر الفكري الذي يجرجر الواقع إلى صورة الفكرة المسبقة، فيسمي الوقائع ويقرأها كما يطيب لهذه الفكرة، ويتفق مع مصالحها، لا كما يختبرها المجتمع ويعيشها. فقد جعلت الإيديولوجية الشيوعية من الدولة السوفييتية، حيث كان الشعب يُقهر سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، دولةَ الإنسان ومجده، ودولة العدالة والمساواة بين البشر. فلمّا انهارت الدولة - الإيديولوجية، تكشّف حجم الكره والرفض الذي ملأ صدور شعوب هذه الدولة ضد نظامها، وتحول عملاق الكذب الإيديولوجي إلى فأر تجارب. عقدة الآخر.. بوابة الاستبداد سقوط الإيديولوجية الشيوعية ترك أثره في كل مكان، بما في ذلك العالم العربي، إلا أنه لم يكن كافياً لينهي أزمة الإيديولوجية لدينا. فالحرب الباردة التي خلقت اصطفافاً بين أبيض وأسود، كان يرافقها في منطقتنا حرب أخرى، ليست باردة دائماً، تقيم فضاء من الاستقطاب العنيف لا يترك معه مكاناً لحوار الأفكار وتنوعها. استقطاب بدأ مع أول غزو غربي حديث على العالم العربي، حمل معه الحضارة على أكتاف المدافع، واستمر باستمرار وتنوع هجمات الاستعمار على بلادنا. وهو ما أدى إلى تقلّب وتشوّه مفاهيم الحداثة والديمقراطية والمواطنة لدينا حتى بدا أننا لا ندرك أياً منها. وتغولت السلطات التي لعبت بشعارات مناهضة الاستعمار، ومقاومة الاحتلال، وحرية الجماهير، في الوقت الذي كانت تخنق الجماهير، وتسحب أدوات مقاومتها، وتترك البلاد نهباً للاستعمار الداخلي، وملعباً للاستعمار الخارجي. في تلك الأجواء التي غابت عنها الشعوب حتى ظننا أنها بائدة، وصل جيل من الحكام استهون ظلم الناس، حتى لم يكتف بكتم أفواههم، وتكبيل أحلامهم، وهدر كرامتهم، بل أوغل في سرقة أرزاقهم حتى لم يترك للناس ما يسدّوا به الرمق. وإذ بات اليأس خبز أيامهم، وارتأى ضعفهم أن يريد ما يكون بعد أن لم يكن له ما يريد، استبدل الناس كرامتهم بكرامة قائد الوطن الذي لا يبخل الإعلام الوطني بتعداد أمجاده. فغدا الإنتاج الوحيد لطغاةٍ قتلوا روح الإنتاج لدى شعوبهم، هو الخطاب الإيديولوجي. خطاب يجد أجوبة تناسبه لكل الأسئلة التي تؤرق الناس، فالفقر والبطالة هما ضريبة الموقف الوطني المقاوم، لا بسبب الفساد والسرقة وسوء التخطيط، والقمع والاستبداد هما ضريبة حماية الجبهة الداخلية من الخونة والعملاء، وليس لتثبيت حكم الواحد الأحد سيد البلاد. والشعب الذي لم تنقصه الفطنة ليعلم كذب الخطاب الإيديولوجي، ولا التجرية ليلمس حجم الفساد والظلم، لم يجد بُدّاً من قبول الخطاب الكاذب علّ ذلك يخفف من وطأة القهر الذي لا يجد مهرباً منه، فإذا لم يكن من الظلم بدّ، فليكن على الأقل في سبيل هدف عظيم. ثم كان أن تراكمت طبقات الخطاب الإيديولوجي، وتنوعت أبواقه، فانتقل الكثير من الناس من قبول ما لم يصدقوه، إلى تصديقه والدفاع عنه، فمن ذا الذي يقبل أن تهان شعارات الخطاب الإيديولوجي بعد أن قُدّمت لها كل تلك التضحيات؟ فهم أجواء الكذب الشرعي تلك، يشرح لنا كيف تحول طاغية كصدام حسين إلى بطل العرب وفارسهم، وهو الذي ذبح ونكّل بشعبه، وأحرق البلاد بحروبه حتى جعل العراق فقيراً وهو الغني. وكيف كان للنظام السوري أن يُسمّى بطل المقاومة، وهو لم يطلق رصاصة على محتل أرضه خلال أربعة عقود، وأفرغ بلده من كل طاقة المقاومة بسحق كرامة شعبه وحريته وهدر اقتصاده، ونفهم كذلك كيف اعتُبر الممانع الصامد لأنه لم يوقع على اتفاق سلام مشترطاً استعادة أرضه المحتلة قبل ذلك، بينما ظلت الكثير من الدول العربية التي لم توقع، رغم عدم احتلال أراضيها، متهمة بالعمالة والخيانة. مثلث الاستبداد المقاوم ليس غريباً أن تعيش الإيديولوجيا مجدها في النظام الجاثم على حدود فلسطين. فقد كان الاستبداد العربي كلما احتاج إلى شحن خطابه الإيديولوجي قفز إلى الكلمة السحرية: فلسطين. ففيها وحول قضيتها، كان التجلي الأوضح لعقدة الصراع مع الآخر. فلسطين التي كان اغتصابها الطعنة التي عكّرت فرحة استقلال الشعوب العربية، وشوكة في حلق مستقبلهم، ظلّت أسيرة خطاب الاستبداد ومطيّته. وكلما زاد وجعها وتراكمت هزائم العرب أمام مغتصبها، كلما استفحل خطاب الاستبداد وطالت أنيابه، جاعلاً من قضيتها التفسير السحري لكل المصائب التي تحل بالشعوب. ولم تنل القضية الفلسطينية من هذا الخطاب إلا اتساع الهوة بين واقعها وأسطورتها، ففي الوقت الذي ظلت فلسطين في سماواتها العليا، اسماً تهتز له القلوب، وتبكي له الضمائر، كان الفلسطيني محاصراً ومهمشاً ومحروماً في لبنان، ومتهماً مهدداً في الأردن، وملاحقاً ومهجّراً ومقتولاً في العراق، وممنوعاً من دخول الكثير من الدول العربية، قبل أن تقيم مصر حصارها على غزة تحت ألف ذريعة وذريعة. أما نظام الأسد فظل يتغنى بالقضية الفلسطينية، ويبيع ويشتري بها، حتى عندما كان يقتل آلاف الفلسطينيين، ويعتقل منهم عشرات الآلاف، ويحرق الأرض تحت أي مقاومة فلسطينية تريد الاستقلال بقرارها. فقد كان حافظ الأسد، مؤسس وصانع خطاب الاستبداد في سورية، يعلم أن الصراخ باسم فلسطين، سيبرر استبداده الداخلي، وسيمنحه موقعه الإقليمي، وسيترك لنظامه أوراقاً لا تنتهي في لعبة الشرق الأوسط. وهي المعادلة التي أثارت إعجاب المستبد الإيراني، فحين رأى النظام الإيراني تعلّق شعوب المنطقة بهذه القضية، جاء ليضرب في عمق العقدة العربية، وليمارس ما مارسته الأنظمة الإيديولوجية العربية، فحمى استبداده باسم الصراع مع العدو الأمريكي ـ الصهيوني، في الوقت الذي جعل من فلسطين والمقاومة حصان طروادة الذي تغلغ من خلاله إيديولوجياً في الشارع العربي، وطائفياً لدى كل من لا يحسب من المسلمين على السنة، ليتحول إلى حامي حمى الشيعة في عموم الأرض. لم تحتج إيران سوى إلى القليل من أموال نفطها كي تجعل من نفسها مثالاً للبطولة في عيون الشعوب المقهورة، ودولة كبرى تنشر جيوب نفوذها كخطوط دفاع عن نظامها، هناك حيث يمكنها النضال بدماء السوريين والفلسطينيين واللبنانيين دون أن ينالها الغبار. وكان أن استُغِلّت فلسطين مرة أخرى، لتصنع أسطورة إيران، وأسطورة حزب الله، وكانت الإيديولوجيا التي راكمها الأقوياء ليسعد الضعفاء في ذلهم قد بلغت أقصى حدودها، فأصبحت إيران دولة الحزب الواحد الطائفي مثالاً للديمقراطية، والحزب الطائفي التابع لفقيه إيران مثالاً للحرية، بينما ظل طاغية دمشق زعيم قلعة الصمود والتصدي. في الوقت الذي كانت القضية الفلسطينية تعاني من تبعات إفراغ المقاومة من بعدها التحرري، وتحولها إلى شعار بيد الاستبداد ولصالحه. ويكفي المؤرخ أو المراقب أن يقارن بين حال هذه القضية في بداية السبعينيات وحالها الآن ليدرك أن كل جعجعات 'مثلث الممانعة' الاستبدادي لم تنتج أي طحين. من هنا يبدو خطر الثورة السورية على هذا المثلث، ليس لأنها تهدد المقاومة كما يزيّف المؤدلجون، وإنما لأنها تفضح خواء خطاب الاستبداد المقاوم. فإذا كانت ثورات الربيع العربي قد بددت الكثير من هالة الوهم التي أحاطت بالنظام الإيراني وحزب الله والنظام السوري، فإن الثورة السورية عرّتهم تماماً. ففي الثورة السورية لم يكن الصراع بين طاغية وشعب يطالب بالحرية فقط، بل بين خصوبة التغيير وعقم الإيديولوجيا. صراع بين حقيقة الظلم والقهر الذي يعيشه الشعب، وكذب الأمجاد الإيديولوجية التي يبثّها الاستبداد. صراع وجّهَ الشعب السوري فيه ضربة قاضية لصرح الإيديولوجيا الذي تشاركت في بنائه ورعايته أضلاع مثلث الممانعة، لذلك وجدناها توحّد وحوشها ضد الثورة السورية. وطالما أن من طبيعة الإيديولوجيا الجمود والتحجر، فلم يكن من المتوقع أن يبدّل عبيدها من موقفهم سواء قتل المستبد العشرات أم الألوف، تماماً كما لم يحدث تغيير في خطاب إعلام الاستبداد منذ أن كانت الثورة بضع مئات في درعا، وإلى أن أصبحت ثورة كل الشعب في أربع جهات البلاد. الخدعة إيديولوجيا.. والمخدوع مثقف اللافت أن الثورة السورية في صراعها المصيري مع الطاغية أظهرت أن المثقفين كانوا أكثر تلوثاً بالإيديولوجيا من سواهم. فحين توفرت الظروف التاريخية، وحانت لحظة الصراع مع النظام، كانت تجربة الناس العاديين ومعرفتهم كافيتين للتعبير عن رفضهم لخطاب النظام جملة وتفصيلاً، ذلك أن خطابه الإيديولوجي لم يستطع يوماً أن يسكن في أعماقهم، وظل مجرّد رداء يغطّي ضعفهم ويقيهم مواجهة الوحش فرادى. أما المثقفون فمن لم يكن منهم في طليعة اللحظة التاريخية، صَعُبَ عليه إعادة ترتيب مفردات خطابه، فاعتزازه بنفسه، وبجوهرة العقل التي تزين وجوده، منعه من قبول تغيير جذري سريع. ذلك أن تكييف آرائه التحررية مع أيديولوجيا القمع تطلّبَ عمليات فكرية معقدة، وهو ما لا يسهل إصلاحه بين ليلة وضحاها. بالنتيجة لم تترك مباغتة الثورة وعنفها لفئة المثقفين هذه إلا لساناً فقد عقله، وعقلاً فارق واقعه. بينما يحتاج تفكيك إيديولوجيا النظام السوري، إلى تحليل عقلاني محايد، ومتابعة منطقية لنتائجه. فالنظام السوري الذي وضع بلداً بأكمله على جمر الطائفية، حين جعل قوته الضاربة العسكرية والأمنية بيد طائفة واحدة، يجرّم الحديث في الطائفية، ومثقفو المعارضة، قبل مثقفي النظام، كانوا يكفّرون كل نقاش فيها. بينما يتفق الجميع على أن الأخوان المسلمين شر مستطار طالما أن النظام إذ انتصر بالحديد والنار في بداية الثمانينيات، وبمجازر قل نظيرها، قد كتب التاريخ كما يشاء، وإن وجد من المثقفين من انتقد جرائمه بالسر إن لم يتح العلن، فإن جلّهم هضموا زبدة روايته، وأعلنوا قطيعة مع الأخوان إلى أبد الآبدين، رغم أن كل من عاش أيام صراعهما يعلم أن جرائم النظام لم تكن أكثر من جرائم الأخوان فقط، بل أشد فتكاً بما لا يقاس. ووفق الفصام الإيديولوجي ذاته، يسارع المثقف في شتم قطر والسعودية كلما شتم روسيا وإيران، ذلك أنه يخشى في كل مرة شتم فيها أصدقاء النظام أن يُحسب على أعدائه. وبالطبع لا يتوقعن أحد أن يقبل مثقف بشكر دولة رجعية استبدادية. أما أنها دول مستبدة فليس لعاقل نفي ذلك، ولعل النظام السياسي في السعودية هو أحد أسوأ الأنظمة السياسية في العالم وأكثرها تخلفاً. لكن ما علاقة هذا بالموقف من دعم السعودية وقطر للشعب السوري الذي يواجه حرباً مدمرة من حاكمه؟! أمّا من يغمز بأن المصالح هي التي تحرك هذه الدول، فلربما علينا أن نشكر الأقدار التي جعلت مصــــالح بعض الدول تتعــارض مع النظام كي تدعم ثورة الشعب، وإلا كانت عذابات الشعب السوري في مواجهة جزّاره أكبر بكثير مما هي عليه اليوم. ولفضح التباس الإيديولوجيا دعونا نسأل: متـــى كانت دولنا، بل أغلب دول العالم، ترفض لأسباب ديمقراطية الدعم عندما تكون بأمس الحاجة إليه؟ من كان يعترض عندما كان يذكر فضل الملك فيصل أيام حرب تشرين 1973 إذ هدد ثم قطع تصدير النفط؟ ألم تكن دولة استبداد حينها، وكان الملك ابن العائلة الحاكمة ذاتها. ثم من اعترض يوماً على دعم الاتحاد السوفييتي، ثم روسيا، والصين، بل وكوريا الشمالية، وجميعها دول غارقة في الاستبداد حتى أطراف أصابعها. ومن منهم اعترض على العلاقات الاستراتيجية مع النظام الإيراني المستبد، ذي المرجعية الطائفية، والخاضع لولاية الفقيه الذي يَسأل ولا يُسأل؟ أكثر من ذلك من خرج فزمجر طالباً رفض الدعم الاقتصادي الخليجي لسورية منذ السبعينيات وحتى الآن. ومن رفض مشاريع البنية التحتية الكبرى التي كانت هبة من هذه الدولة الخليجية أو تلك. ومن رفض الاستثمارات الخليجية التي كان يهلل لها صباح مساء. ثم هل نسينا أن حزب الله نفسه لم يتردد في ملء الشوارع بصور أمير قطر وكلمات الشكر له لمساعدته في إعمار الجنوب اللبناني. وحدها قوة إيديولوجيا الاستبداد المقاوم يمكن أن تفسر هذا الفصام. وأن تفسر شعور ثائر بالحرج من وجود دعم دول خليجية غير ديمقراطية، بينما كان يبرّر، باسم 'المقاومة'، دعم النظام الإيراني المستبد قبل الثورة، وأن يحرج من تحالفه مع إسلاميين بينما كان يتغنى بحزب الله الإسلامي والتابع، حقيقة هذه المرة وليس اتهاماً، لأجندات خارجية. ربما كان علينا أن ندرك منذ سقطت بغداد.. منذ عزفت غالبية الشعب عن الدفاع عن الوطن في وجه المحتل الأمريكي، كي لا يدافعوا عن الاستبداد المتخفي خلف قناع 'المقاومة'، أن الوطن حين يصبح رمزاً من رموز الاستبداد يفقد قدسيته ومغزاه. ولعل الثورة السورية ستعلن أخيراً نهاية إيديولوجيا الاستبداد المقاوم، برغم نواحات المؤدلجين، فعندما حدث زلزال انهيار المنظومة الشيوعية، أزبد مثقفو وأحزاب الإيديولوجية الشيوعية رفضاً وتخويناً، لكن ذلك لم يغير من حركة التاريخ، ولا من موقف الشعوب التي كانت ترزح تحت نير الحزب الواحد. كذلك ستمضي شعوبنا في ثوراتها دون كثير اهتمام بالمؤدلجين، أولئك الذين يحارون في تعداد الفاعلين والمتآمرين في معادلات الشرق الأوسط، ويغرقون في مصادرهم السرية، لكن شيئاً واحداً لم يتعلموا بعد أن يدخلوه في تحليلاتهم الحاذقة، وأن يدركوا حجم تأثيره حتى بعد أن بات نجمه أكثر سطوعاً من الشمس. شيء واحد.. صادف أن اسمه.. الشعب. ' كاتب فلسطيني يقيم في فرنسا RE: اليسار، الإمبريالية والثورة السورية - salem mohamed - 08-23-2012 مقال أكثر من رائع لصاق أبو حامد RE: اليسار، الإمبريالية والثورة السورية - ((الراعي)) - 09-07-2012 سوريا: لا رياض ولا طهران إنّما ثورة شعبية جيمي ألينسون: باحث متخصص في سياسات الشرق الأوسط. ترجمة: جلال عمران تماماً بينما يقترب نظام الأسد في سوريا ممّا يبدو أنّه تفكّكه الأخير، تسارع بعض الشخصيات الاعتبارية من اليسار الناطق بالإنكليزية إلى الدفاع عنه- أو على الأقل معارضة مناوئيه. الجمع المعارض لمعارضي الدكتاتورية لا ينحصر بمؤيدي نظرية المؤامرة مثل ميخائيل شوسودفسكي، وإنّما يشمل أناساً كان يتوقّع منهم أن يكونوا أكثر معرفة، مثل طارق علي، جورج غالاوي وجون ريس. بعض المحاججات يتم التعبير عنها بأسلوب أكثر التهاباً من أخرى- مثل ادّعاء غالاوي أنّ الانتفاضة السورية هي “مؤامرة دولية مهولة”- لكن كل المحاججات تتبع نفس الخطّ العام: الثورة السورية، سواء امتلكت جذراً شعبياً أم لا، قد أصبحت الآن مجرّد محاولة عسكرية جاهدة من سُنّيين متغطرسين يلعبون دور مخالب لجهد سعودي- قطري- أميركي (وربما أيضاً فرنسي- صهيوني) لقلب نظام الأسد، الذي هو آخر مأوى للقوى المعادية للإمبريالية في المنطقة. هذه الانتفاضة الممولة خارجياً تمثّل امتداداً للمشروع الإمبريالي الأميركي الذي بدأ بعد هجمات ١١ أيلول، والذي انطوى على احتلال أفغانستان والعراق. حكايات مجازر الحكومة السورية التي تظهر في الإعلام الغربي هي نظيرة تلك المتداولة في ٢٠٠٢-٢٠٠٣ حول أسلحة الدمار الشامل خاصّة صدّام حسين، وبالنتيجة يجب أن تُجرّد من مصداقيّتها. الحل الوحيد المعوّل عليه هو مفاوضات سلام (وهي إمكانية طُرحت أيضاً من قبل أطراف من المعارضة السورية) تدع بعض بقايا نظام البعث في مكانها، وبالنتيجة تحرم الولايات المتحدة وشركاءها في المؤامرة من هدية الحصول على نظام مطواع على خط الجبهة الإسرائيلية وإضعاف ملحوظ للموقع الإيراني. هذه المحاججات لم تقدَّم فقط من قبل معلقين ناطقين بالإنكليزية: خارج التيارات الثورية في مصر، هي شائعة جداً في اليسار العربي. يحتاج المرء لمحة واحدة على جريدة “الأخبار” اللبنانية ليجد الثورات العربية ملعونةً باختصار كأمثلة على “السنية السياسية”. هل شيء من هذا صحيح؟ الحالة في سوريا شديدة العنف والتعقيد، وصعبة الفهم حتى بالنسبة لمن هم داخل سوريا، عدا عن الذين هم خارجها. على الرغم من ذلك، المعلومات متوفرة إذا كان المرء جاهزاً لاستشارة الناس داخل سوريا أو الذين غادروها مؤخراً – وهذه خطوة نادراً ما اتُخذت من قبل من يقدّمون أطروحة معارضة معارضي الأسد. دعونا نأخذ هذه الادعاءات تباعاً. “مؤامرة دولية مهولة”؟ الاتهامات المساقة من قبل تشارلز غلاس وباتريك سيل، على سبيل المثال لا الحصر، هي أن الجيش السوري الحر مدرَّب، مموّل، ومسلّح، من قبل قطر والمملكة السعودية (مما يؤدي لزيادة تأثير الإسلام السياسي في صفوفها)، إضافة لشركاء المؤامرة في الولايات المتحدة وتركيا. هذه الأسلحة والأموال، كما يُدّعى، تتدفق بشكل كبير عبر نقاط التواصل المقامة بين منطقة سيطرة الجيش الحر والحدود التركية في الشمال السوري. هذه الأسلحة هي التي تفسّر جرأة الثوار، وبذلك فإن النهاية المحتملة للنظام الحالي ستكون نصراً لمصدري الأوامر، وليس للشعب السوري. ثمة عناصر حقيقية في هذه السردية. ليس سراً أن الولايات المتحدة، وشريكها الإمبريالي الصغير الأكثر صخباً، تريد التخلص من الأسد، ولهذه الغاية هي تشترك مع المملكة العربية السعودية وقطر، ومجلس التعاون الخليجي إجمالاً. السعوديون والقطريون يوفّرون المال، وفي بعض الحالات الموادّ، لأطراف الجيش الحر التي يصادقون عليها. وليس إفشاءً لسرٍّ أيضاً أن الوكالات الغربية (والتركية) تحاول استغلال لعب دور الوسيط لإدخال هذه الموارد إلى سوريا، وبالتالي ممارسة تأثير على الحالة الثورية. في أي ثورة، وفي أي مكان، اليوم أو في المستقبل، ستحاول القوى الخارجية أن تفعل ذلك. ما تخطئ فيه هذه المحاججات كثيراً هو الادعاء أن الثورة السورية، وبنتيجة هذه المحاولات، تتألف اليوم من عناصر متعددة تعمل لصالح وكالات الاستخبارات الغربية وتحرّض على إعادة استعمار البلاد. أولاً، هذه الأسلحة والأموال مثار الشكّ ليست بذلك الحجم، وليس للجميع. يستطيع المرء اكتشاف صور للجيش الحر لأسلحة أو مدافع مضادة للطيران، لكن نادراً جداً. أيضاً، على الأرجح أن هذه الأسلحة تم أخذها من قبل منشقين بعد اقتحام ثكنة للنظام. إن أفضلية النظام في القوة الجوية والمدرّعات ساحقة: موارد الجيش السوري الحر لا تتحمل أية مقارنة معه. يتوقع المرء مؤامرة دولية مهولة من هذا النّوع جديرة بتزويد الطابور الخامس الذي ينهض بها على الأرض ببعض الأسلحة الفعالة من مضادات دبابات ومضادات طيران. لا دليل على وجود ذخيرة من هذا النوع. يبدو معظم أسلحة الجيش الحر الخفيفة تأتي من الجيش السوري نفسه، عبر انشقاقات أو عبر شرائها بنقود رجال أعمال سوريين مُبعَدين في الخليج. هنا لدينا مثال عن عناصر من الجيش السوري الحر استحوذوا على مدينة الرستن في تموز، وأعطبوا على الأقل مدرّعتين، تبدوان في هذا الفيديو: http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=jEe3G_SWxrs قوات النظام المدرّعة تبدو أنها قد ضُربت بقنابل مطوّرة، بحسب وصف تقارير أخرى. يملك المقاتلون أسلحة كلاشنكوف ودروعاً واقية للجسد، لكنهم لا يملكون أسلحة ثقيلة، ولا أسلحة هاون ولا بطاريات صواريخ. مثال عن دوافع ومطالب مقاتلي الجيش السوري الحر يقدمّه هذا الفيديو: http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=P1YSucJu40c كونهم انشقوا بسبب الهلع من قمع النظام، يبدو هؤلاء النظام بحاجة ماسّة إلى الأسلحة والدعم الخارجي. إن شروط مثل هذا الدعم، خصوصاً تستلزم تفوقاً جوياً غربياً، ستعرّض في الحقيقة استقلالية الثورة للخطر – لكن كونهم يطالبون بها يعني أن المؤامرة ليست ربما بهذه الهول أو الفاعلية على أية حال. إذا كنت تموّل وتدعم تسليح قوة ثائرة بشكل شامل للإطاحة بعدوّك المسلح جيداً، هل ستترك مقاتليها يعتمدون على طيبة القرويين المحليين لتأمين الطعام؟ الإيمان بثورة دولية مهولة، بدلاً من ثورة شعبية، يقطع الطريق على فهم سبب الأداء السيئ لقوات الأسد. يبلغ تعداد الجيش السوري حوالي 300,000، وهو جيش حقيقي، لا مجموعة من الرجال في الغابات. ورغم ذلك لا يمكن استعماله، لأن معظم جنوده ليسوا موضع ثقة. قوات الصدم الصلبة –المدعّم ولاؤها بهويّات طائفية وعشائرية– يمكن إرسالها للقضاء على قوات الجيش السوري الحر، لكن حكم المناطق المُخضَعة تقريباً مستحيل، ذلك أن القوات النظامية يمكن أن تنشق، أو، ببساطة، أن تمتنع عن أداء مهمتها. هذا النمط من الثورية يجب أن يعدّ جزءاً أيضاً من عملية ثورية تجري منذ آذار/ مارس 2011. انشقاق مناف طلاس ورياض حجاب والتفجير الذي قتل عدة مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى يؤشّر إلى أن النخر قد وصل حتى نواة النظام. تحوّلت إلى حرب أهلية؟ لكن، أليست هذه مجرّد مناورات لحرب أهلية قد تحوّلت إليها الثورة السورية اليوم؟ استنكارات “عسكرة” الثورة السورية، والدعوات لوقف العنف ببساطة تصدر بدوام وقوة عن جهات معينة في اليسار الغربي. وفي الحقيقة، القوى الاقتصادية للطبقة العاملة (بأفضل حالاتها، تبدو بشكل ضئيل في الثورة السورية) توفّر قاعدة لاستراتيجية ثورية أكثر صلابةً من مجرّد المواجهة العسكرية مع الدولة. ليس هناك شك في أن ما تمرّ بها سوريا حالياً هو حرب أهلية، وإن تكن ديناميات العملية الثورية في هذه الحرب ما زالت حاضرة. ولا شك أيضاً أن الاستراتيجية العسكرية للجيش السوري الحر غير متفق عليها ضمن صفوف المعارضة نفسها. مع ذلك، يغيب عند من يلوم الثوريين السوريين على لجوئهم إلى السلاح أيّ فهم لأصول هذا التطوّر. لقد استوحت الثورة النموذج التونسي والمصري واتبعتهما. حتى الشعار الأول “الشعب يريد إسقاط النظام”، الذي بُخّ على جدار في درعا، احتذى تونس بشكل واعٍ. كل احتجاج غير مسلّح كهذا تمّ سحقه بمنتهى العنف. الجيش السوري الحر نشأ عن انفصالات مسلّحة تحمي المتظاهرين، بدأت فعلياً فقط في الصيف الماضي. تمّ “تسليح” النظام السوري لعقود. إذا استمرّ هذا النظام بشكل ما، وهو الحلّ المفضّل لدى بعض اليسار، ستستمرّ معاناة السوريين من عنفه. وهم ليسوا موضع موضع إدانة إن ردّوا بالعنف. ولا هي الثورة ستكتمل عن طريق أسلوب المظاهرات والإضرابات والإدارة الذاتية الشعبية. هذا عامل جوهري في التفكر بدور تدخل خارجي: الأسلحة والأموال تدخل سوريا من الخارج، ولكن هذا يظلّ ضمن سياق تعبئة شعبية نشيطة بشكل مذهل. على المرء أن يتذكر أن عشرات الألوف قتلهم هذا النظام، وأكثر منهم اعتقلهم وعذّبهم، ومظاهرات هاجمها بالرصاص الحيّ، وأحياء سكنية دكّها بالمدفعية، كل هذا يحدث منذ عام ونصف العام. ما كانت لتكون مفاجأة لو أن الثوار السوريين اختفوا نهائياً من الشوارع. لم يحصل ذلك: الواقع أن الانتصارات العسكرية المتزايدة على النظام أتت جنباً إلى جنب مع ظهور معارضة ضخمة في حلب ودمشق. لنأخذ بعض الأمثلة من الهجمات الأخيرة في هذه المدن.. مظاهرة في ركن الدين، دمشق، في 19 حزيران\يونيو: http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=bRbFDJfzIiE وفي 20 حزيران\يونيو، أيضاً في دمشق، ستلاحظ “عسكرة” الوضع في الدقيقة 4:36 حين يفتح قناصو النظام النار: http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=7cg-YmzbM1Q هنا مظاهرات من حلب بعد بضع أيام، من حيّ كردي – عند مشاهدة مشاهد القتال في تلك المدينة، من الجدير بالتذكر أن مظاهرات كهذه هي ما تقاتل قوات الأسد للقضاء عليه: http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=eT3TC1uQz1w وهنا ملخّص للمظاهرات في حلب يوم 29 حزيران\يونيو: http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=k8SYmL00z2I الهجمات المسلحة على البنية التحتية للدولة الأمنية تتمّ أيضاً بمشاركة شعبية، كما يظهر في هذا التسجيل لاقتحام مبنى الأمن السياسي في قرية التل: http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=9PbSpu_6wlg جرت عدة محاولات لإشعال إضرابات عامة ضد نظام الأسد، على أمل تكرار مساهمة الحركات العمالية المصرية والتونسية في إنهاء الديكتاتوريتين. حتى الآن، لم تنجح هذه المحاولات، جزئياً بسبب التراكب العميق للأحزاب الشيوعية والمنظمات العمالية الرسمية، وجزئياً بسبب مقدار القمع. ومع ذلك، شهدت مدن سورية عديدة في مناسبات عديدة أياماً من الإضراب – هنا فلم عن إضراب لسائقي الميكروباصات في ضواحي دمشق يوم 8 حزيران\يونيو: http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=3WdrGu7Cyts المجلس الوطني السوري، المتمركز في تركيا، يُعتبر بحقّ من قبل معسكر معارضي معارضي الأسد مؤسسة مؤيدة للتدخل، متأثرةً إلى حد كبير بالإخوان المسلمين ورعاتهم القطريين. لكن، لا يبدو أن هذه المجموعة تحظى بتمثيل أو باحترام على الأرض. رسائل واضحة من بلدتي سراقب وتفتناز تكشف عن عناصر قوة شعبية في مناطق محررة من نظام الأسد. إن لجان التنسيق المحلية*، المؤلفة من ناشطين يوجّهون المظاهرات، اندمجت في بعض الحالات مع لجان محلية تم تشكيلها للنهوض بوظائف الدولة. وهكذا كتب أناند غوبال من تفتناز كيف أنه “لملء الفراغ، تداعى المواطنون لانتخاب مجالس – الفلاحون شكّلوا مجلسهم، وكذلك فعل التجار، العمال، المدرّسون، الطلاب، موظّفو العناية الصحية، القضاة، المهندسون، وكذلك العاطلون عن العمل. في بعض الحالات اندمجت المجالس بشبكات ناشطين موجودة مسبقاً، والمسماة لجان تنسيق محلية. وقد اختاروا بدورهم موفدين ليجلسوا في مجلس على مستوى المدينة. هذا المجلس هو الصيغة الوحيدة للحكم الذي اعترف به جمهور المواطنين في تفتناز والبلدات المحيطة.” وفي سراقب: “يتولى كلّ من أعضاء المجلس التسعة دوراً – ثمة مسؤول ارتباط إعلامي، مسؤول مالي، مسؤول ارتباط عسكري، مسؤول سياسي، ممثّل للمحاكم الثورية، منسّق خدمات، خدمات طبية، مسؤول تبرّعات، ومنسّق مظاهرات. وهؤلاء يتناوبون على مواقعهم المنتخبة كل ثلاثة أشهر. “لا وجود لقائد في المجموعة” كما قال “السيّد”، وهو أحد المسؤولين التسعة وقد طلب عدم الكشف عن هويته. “نريد التخلص من هذه الفكرة”.” هذه ليست منظمات منعزلة عن بضعها – اللجان تنتخب موفدين لهيئات مناطقية، وهذه بدورها تشكّل القيادة الثورية السورية العامة. هذه اللجان لا يمكن أن يُساء الظنّ بها كسوفييتية. كنظيراتها (الميتة الآن إلى حدّ كبير) في مراحل مبكّرة من الثورتين التونسية والمصرية، هذه اللجان تعكس تسلسلات هرمية محلية وعلاقات، كما حالات غيرة ومنافسة. مع ذلك، في مجتمع في مخاض وهيجان ثوري (والذي يتعامى معارضو معارضي الأسد)، يتعرّى الصراع الطبقي وتُثار كثيراً أسئلة حول إعادة تشكيل النظام الاجتماعي. وبذلك، في بلدة بنّش، قرب تفتناز، ينقل غوبال كيف أن الفلاحين والمستهلكين اتفقوا على أسعار الغذاء عبر آلية مجلسهم على الأرض، بناءً على قاعدة “أن نعطي كلاً حسب حاجته”. يتابع التقرير: “هذه عبارة سمعتها مراراً، حتى من قبل ملاكين وتجار كان من الممكن أن تقشعّر أبدانهم من خطاب الثورة المساواتي – لا يمكنهم تجاهل أن العديد ممن هم على خطوط التماس ينتمون للشرائح الدنيا للمجتمع. في لحظة ما من آذار/ مارس، فرض مجلس المدينة ضوابط أسعار على الرز ووقود التدفئة، ملغياً بشكل محلي أكثر الإصلاحات الاقتصادية لا شعبيةً خلال العقد المنصرم.” آليات شبيهة يبدو أنها ظهرت في حلب، حيث، بحسب تقرير في الغارديان: “الأغنياء… [ينظرون إلى] الثوار كجيش فلاحين غير مرحّب به. “لو أمكنني التعميم لقلت إن الطبقة الوسطى والطبقة العليا لا تريد الثوار. يريدون أن يكون كل شيء كما كان سابقاً حتى يتمكنوا من ممارسة التجارة والذهاب إلى المقاهي” كما قال عبر سكايب ساكن منطقة موالية يتكلم الإنكليزية.” لا ريب أن اللجان المحلية، كما يبدو، قد تبنّت حتى تعاليم غرامشي حول دور الصحافة الثورية، فقد طبعوا جريدتهم الخاصة (كلمات ثورية) عارضين تقارير مما هو حرفياً خط الجبهة، إضافة لمقالات عن التاريخ الثوري – بكلمات أحد محرّري الجريدة: “هذه ليست ثورة مثقف… هذه ثورة شعبية. علينا أن نقدّم للناس أفكاراً، ونظرية.” “عصابة طائفية“؟ لا يجب أن يُساق وجود وطابع هذه اللجان المحلية كحجة على أن جمهورية العمال السوريين قريبة. بل إنها تؤشّر إلى أن الديناميات في سوريا –وهي معقّدة ودامية وفوضوية– هي ديناميات ثورة حقة، وليس مجرد إنتاج عصابات مسلحة تعمل بإمرة أعداء خارجيين. أحد أكثر الحجج الشائعة والمطروحة هي تلك التي تدعي، بالترافق مع التوكيد على درجة الدعم الخارجي الذي تحظى به الانتفاضة، أن الانتفاضة قائمة على أساس من العنف الطائفي الذي يجعل الثوار بنفس سوء النظام (إن لم يكونوا أسوأ منه). هذه الحقيقة، كما يُدّعى، يتم إخفاؤها من قبل وسائل إعلام غربية متواطئة ومتعطّشة للحرب. الانتفاضة السورية، بالضبط لأنّها انتفاضة شعبية، تحمل في طيّاتها العديد من الانحيازات و…. للمراكز الإقليمية، على الأغلب سُنّية، التي وجدت لنفسها قاعدةً فيها. القرّاء الناطقون بالعربية سوف يلاحظون غلبة الشعارات الدّينية في مقاطع الفيديو المشار إليها في الأعلى (“الله أكبر”،”لبّيك يا الله”، “جمعة واثقون بنصر الله”، وغيرها). بعض هذه الشعارات رّبما تعكس التزاماً إيديولوجياً: الأكثر احتمالاً، كما يقول أناند غوبال، هو أنّ هذه الشعارات “عادة ما تكون جزئياً أداء للمفردات، وجزئياً مبدأً موحِّداً في مجتمع ممزق، وبجزء آخر هي توسّل رمزي للنضال بطريقة حرب العصابات في عالم ما بعد حرب العراق، وبجزء هي تعبير عن الإيمان الخالص”. يبدو غريباً جداً أن الناس الذين قبلوا شرعية نضال حزب الله مثلاً ضدّ اسرائيل يطالبون الثوار السوريين اليوم بأن يُنكروا لغةً من نوع الشعارات أعلاه. إن تصريحاً لجورج غالاوي بأنّ تيّاراً “إسلامياً جهادياً متطرفاً” ينتظر الاستيلاء على سوريا يبدو بشكل خاص انقلاباً حادّاً واستخداماً ضبابياً قذراً للّغة. كما يبدو فإنّ هناك جماعات تحت اسم القاعدة في شرق سوريا حيث تًوفّر الحدود مع العراق مخزوناً من المحاربين المتمرّسين عبر الحرب ضد الاحتلال الأميريكي ليتمّ تهريبهم. مع ذلك، الدلائل على أنّ هؤلاء يشكلون قوة مُهيمنة ضمن المجموعات المتعددة التي تقاتل تحت عنوان الجيش السوري الحر لم تُقدَّم بعد. ولو أنّ الطلبنة هي بعيدة كل البعد من أن تقض مضجع سوريا، فإنّ المجتمعات الريفية الحريصة على سلوكها القويم، والتي كانت الثورة فيها الأقوى حتى الآن، قد حافظت على الرغم من ذلك على ممارسات التسلسل الهرمي الجندريّة السابقة على الثورة. تبدو هذه المجتمعات الموصوفة أعلاه محكومة بشكل رئيسي من قبل رجال. ولكن، كما في حالة الصراع الطبقي، لا يمكن إلّا وأن تحفّز العملية الثورية ممارسات من التحرر الذاتي، والتي متى اختُبرت، سيكون صعباً أن تُمحى. بالإضافة إلى المشاركة في المظاهرات، انضمّت نساء إلى الجيش السوري الحرّ بما في ذلك تشكيل كتيبة خولة بنت الأزور الظّاهر في في الفيديو أدناه. http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=vowbuLxK7po إذا كان دور المسلّحين التكفريين مبالغاً به، فإن خطر مذابح طائفية هو خطر حقيقي. كلّما تمسّك النظام بمكانه أكثر مغرِقاً الجميع معه، سيصبح هذا الخطر أعظم. إن عاماً ونصف من القتال المستمرّ قد قادت بلا شك إلى استقطاب طائفي- رغم إنّه، وكما تشير “مجموعة الأزمات الدولية”، ربّما من المفاجئ أنّ هذا الاستقطاب لم يصل إلى مستوى أسوأ. إن اللجان الموصوفة في الأعلى تعمل في مناطق سُنية وبعض عناصرها يظهرون عداءً للقرى الشيعية في المنطقة. هناك تقارير موثوقة عن إعدامات لمعتقلين من الشبيحة ولمتعاونين محتملين مع النظام (عواينية) بما في ذلك القتل الجماعي لأفراد من آل بري المناصرين للنظام في حلب. لكن، لو كانت الثورة مجرّد حرب أهلية مجتمعية، لكان السُّنّة العرب (المجتمع الراجح عددياً إلى حد كبير) قد ربحوا المعركة الآن. هناك أيضاً علويّون عرّفوا أنفسهم كثوريين- لديهم موقع إلكتروني يوثّق مشاركتهم. هناك جهد كبير يجري ضمن أوساط الثورة للتأكيد على الوحدة ضدّ الطائفية- لك أن تشاهد، مثلاً، وثيقة العهد الصادرة عن لجان التنسيق المحلية والتي وُقّعت من قبل ٢٩ من قياديي فرق الجيش السوري الحر. تعهدت الوثيقة بـ”الامتناع بنفسي عن أية سلوكات وممارسات تسيء إلى مبادئ ثورتنا التي قامت عليها، مبادئ الحرية والكرامة والمواطنة. وعليه فإنني أحترم حقوق الإنسان وفق ما تمليه مبادئنا شرائعنا الدينية السمحاء، وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان.” كثيراً ما تُصاغ هذه الالتزامات ضمن ثقافة خطابية تثير اللغط لدى أولئك الذين يرون “الإسلام” كمشروع متجانس بدلاً من رؤيته كنوع من “العامّيّة السياسية”. على سبيل المثال، هذا الفيديو يُظهر تشكيل “فرقة المقاومة الشعبية” في دمشق. الشاشة مليئة بالرجال المسلّحين المقنّعين الذين يتحلّقون حول قرآن ويقسمون على الولاء لله تعالي: http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=vO1hx9wRhmo لكن ما هو محتوى القَسَم؟ إنّه “حماية والّدفاع عن النّاس الذين سوف يقررون حكومتهم التي يرقبون.. (و) رفض ودرء الانتقام الذي يمكن أن يحصل خارج سيطرة فرقتنا” والعمل” دون أيّ تمييز بين المدنيين، بغضّ النظر عن إثنيّتهم، طائفتهم و معتقدهم الديني أو السياسي”. مشهد آخر شبيه يمكن رؤيته في هذا الفيديو أدناه. حيث يظهر تشكيل “لواء أحرار السّاحل” في اللاذقية، قلب المنطقة العلوية: http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=LV-jJUDFeBw كما في الفيديو الذي سبقه، يبدأ الإعلان بآية قرآنية، وتكون الغرفة مليئة بالذقون، الأسلحة وعصابات الرأس. يتعهّد الموجودون ب”بناء وطن يفيض بالمحبة ويسوده العدل والسّلام” واتّباع القانون الدولي لحقوق الانسان “دون التفات إلى الأعراق أو الأديان”. كلا الفيديوين يقدّمان لوائح بكتائب تعلن التزامها بهذه التعهدات. من المستحيل الحديث عن مدى الالتزام اللاحق بهذه التعهّدات. لكن ما تشير إليه بكل الأحوال هو معركة ضمن الجانب الثوري للحفاظ على الوحدة الوطنية العابرة للطوائف ضمن وضع شديد العنف والفوضى. لا يوجد أيّ اهتمام مشابه من جانب النظام، وبذلك فإن معاملة الطرفين على نحوٍ من المساواة يكون خطأً قاتلاً. والخطأ الأكبر عندما يكرر اليساريّون الغربيون رواية النظام، كما في حالة مجزرة الحولة عندما قيل أنّ الثّوار هم من قاموا بالمجزرة لكي يشوّهوا سمعة النظام. في أيّار هذا العام، قُتل عدد كبير من الناس في منازلهم في منطقة الحولة شمالي حمص بعد هجوم للجيش السوري الحر على حاجز لجيش النظام. أكّد الناجون أن الجُناة كانوا عناصر موالية للنظام، سواء من الجيش أو الشبيحة. ادّعى النظام أن الجيش السوري الحر قام بعمليات القتل ثمّ رمى باللائمة على الحكومة. نشر صحفي ألماني من صحيفة Frankfurter Allemeine Zeitung قصّة مشابهة مبنيّة على مصادر مجهولة الهوية ادّعت القتلى هم عائلات شيعية قُتلت بسبب رفضها الانضمام إلى المعارضة. كردّ على ذلك، صرّحت لجان التنسيق المحلية بأن الضحايا كانوا من عائلات سُنية (كما أكّد أفراد ناجون من هذه العائلات، والذين صرّحوا أيضاً بأنّهم يعتقدون بأن القتلة هم من الشبّيحة) ولم يقم أيّ صحفي ألماني بالاتصال مع هؤلاء أو بزيارة المنطقة. التحقيق الذي أجرته الأمم المتحدة بهذا الشأن انتهى إلى أن القوات الموالية للنظام هي المسؤولة. ورغم ذلك، تبقى هذه الحادثة مصدراً للاستشهاد من قبل معارضي معارضة الأسد في اليسار كما لو كانت ملفّ ألاستير كامبيل الزائف الذي برّر الحرب على العراق. ماذا لو القصة غير الممكنة وغير المستساغة عن ثوريين قاموا بذبح أطفال لجعل الأسد يظهر بصورة سيّئة حقيقة فعلاً؟ إنّها بالتأكيد خاطئة، ولكن حتى لو افترضنا صحتها، لا يحتاج الأسد أيّ مساعدة كي يظهر بمظهر سيّء. إنّ قصف بلدة اعزاز في الخامس عشر من آب، والذي أدّى إلى مقتل العشرات من الناس، قد قامت به بالتأكيد قوات النظام، إلّا إذا آمنّا أن الجيش السوري الحر قد حصل على طائرات مقاتلة، وهو الآن يستعملها لقصف مؤيّديه لجعل الأسد يظهر بمظهر سيّء. كيف يمكن أيضاً أن تكون شديد التفاهة: دعونا نؤمن أن قطر، المملكة العربية السعودية، اسرائيل والولايات المتحدة الأميريكية قد تآمرت لتثبيت حُكم عقود طويلة من الوحشية والديكتاتورية في سوريا، قاتلةً ومعذّبةً الناس، ومُهدرةً كمية ضخمة من الثروة على حساب العمّال والفلّاحين، وفارضةً سياسيات نيوليبرالية على الجُموع المُفقرة… وكل هذا لتجعل الأسد يظهر بصورة سيّئة. أو إذا قبلنا إذاً أن كل هذا ليس بمؤامرة، هل يكون هكذا نظام مُرتكزاً لقطب مُستدام للمقاومة ضدّ الإمبريالية؟ شكراً للثورة السورية، فلدينا على الأقل مجموعة صغيرة من اليساريين المنخرطين في الصّراع. ينشر “اليسار الثّوري السّوري” عندما تسمح الظروف الصّعبة جداً جريدة بعنوان “الخط الأمامي”. هذه الجريدة تشنّ حملة ضد الطائفية والتدخّل الخارجي وتدافع عن الثورة المستمرّة. النُّسخة الأصل العربية من برنامجهم موجودة هنا. وقد قمت بترجمة قسم منها هنا. تعلن أنّ المهمّة الرئيسية للتيار هي “بناء يسار ثوري فاعل وقادر على تعبئة الناس المقهورة والكادحة، وكل أولئك الذين يطمحون للحرية، الكرامة والعدالة الاجتماعية على قاعدة برنامج تقدمي يواجه البرامج الاقتصادية والاجتماعية للقوى السياسية الأخرى”. رفاقهم الوهميّون في الغرب يجب أن يأخذوا شيئاً من الوقت للاستقصاء ولدعم تيارات كهذه قبل أن يعلنوا أنّ ثورتهم هي صنيعة مؤامرات مهولة. *يستعمل الكاتب اسم “لجان التنسيق المحلية” بوضوح في أماكن، لكنّه يتحدّث لاحقاً عن “لجان محليّة” دون أن تدلّ هذه الأخيرة على منظّمة “لجان التنسيق المحلية”. الورقة الإنكليزية الأصلية متاحة على الرابط: http://www.newleftproject.org/index.php/site/article_comments/syria_neither_riyadh_nor_tehran_but_popular_revolution RE: اليسار، الإمبريالية والثورة السورية - ((الراعي)) - 09-25-2012 بُلهاء الأسـد المفيدين Posted on 24 سبتمبر 2012 by المترجمون السوريون الأحرار كيف حرّف كتّاب اليسار “المعادين للإمبريالية” الخطاب العام حول سوريا، وفي الوقت نفسه، قاموا بتوفير غطاء فكري لنظام الأسد. بقلم: جيس هيل Jess Hill 11 أيلول/سبتمبر 2012 كانت عطلة نهاية الأسبوع الأولى من شهر آب/أغسطس، على الطريق السريع المؤدي إلى خارج مدينة دمشق. كانت الدبابات السورية تزحف شمالاً باتجاه مدينة حلب. مع حشد عشرين ألفاً من القوات الحكومية خارج المدينة، كانت المقاتلات السورية تدمر المنطقة التجارية من حي صلاح الدين، وهو أحد معاقل الثوار. على بعد أمتار من منطقة القتال، وجد مراسل شبكة رويترز زوجين من الأهالي يرتعدان من الخوف. “فقط لأنه يمتلك القوة، فهو ماض في تدمير شوارعنا، وبيوتنا، وقتل أطفالنا”، صاحت فوزية (أم أحمد) بينما كانت تنتظر سيارة ما تقلهم إلى مكان آمن. في عطلة نهاية الأسبوع تلك، كانت الشمس في مدينة سيدني ساطعة، وكذلك كان حال المئات من السوريين الأستراليين. ففي حشد منظم من قبل مجموعة تدعى “كفوا أيديكم عن سوريا Hands Off Syria”، جابوا شوارع المدينة، ملوحين بصور للرئيس السوري بشار الأسد، حاملين لافتات كتب عليها “شكراً روسيا والصين لاستخدامكم الفيتو” و “ليعلم العالم كله ويسمع: سوريا هي بلدنا، وبشار هو قائدنا”. “إنه طبيب، لقد درس في بريطانيا”، تقول نجاة لصحيفة أخبار الحقيقة Truth News بلكنة سورية-استرالية واضحة، وتضيف بأن الرئيس الأسد تم انتخابه بشكل ديمقراطي من قبل 75% من الشعب السوري، “إنه لا يقتل شعبه، لدينا ميليشيات في سوريا، إنهم إرهابين”. محاطاً بمؤيدي الأسد المبتهجين، الدكتور توم أندرسن Dr Tim Anderson ، أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة سيدني، وعضو في مجموعة “كفوا إيديكم عن سوريا Hands Off Syria” ألقى كلمة مؤثرة دعماً للرئيس السوري. وبدأ خطابه بـ “إن الناس في هذا البلد يجهلون حقيقة ما يجري في سوريا”. “ذلك ليس جريمة بحد ذاته، ولكن ما لا يمكن قبوله هو الاستخدام اللأخلاقي لهذا الجهل.. هؤلاء الناس يقولون بأن على الأسد أن يتنحى، وهم لا يملكون أي أساس أخلاقي للمطالبة بذلك”. يستمر بإلقاء كلمته بينما يقوم الحشد بتحيته. إلى هنا، يضيف “ما لم يفهمونه هو أن أساس حقبة ما بعد الاستعمار.. أن يكون للشعب حقه في تقرير مصيره”. لنقف هنا لحظة، ألا تقوم المعارضة السورية بقتال الأسد في سبيل حقها في تقرير مصيرها؟ لا تحاول أن تفهم معنى ذلك بشكل منطقي، فكر بالموضوع بشكل إيديولوجي. يُعتبر أندرسن من الإيديولوجيين ideologuesالذي يؤمنون بأنه ليس هناك عدو أعظم من الإمبريالية الأميريكية. وهذا يعني بأن الانتفاضة السورية تشكل تهديداً حقيقياً لما يسمى “محور الممانعة” – إيران، سوريا وحزب الله – ووفقاً لهؤلاء، فإن هذا المحور هو القوة الوحيدة التي تعيق طموحات الإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط. فهم يعتقدون أن بسقوط الأسد، فإن الولايات المتحدة، وإسرائيل والمملكة السعودية سيكونون أول المستفيدين من ذلك. يتم خوض هذه الحرب الإيديولوجية باحترافية وعلى مستويات متنوعة من قبل اليساريين، وعلى نحو أكبر بكثير عن مدى التأثير الذي قد يحدثه شخص مثل الدكتور أندرسن، ومثال على ذلك، سيموس ميلن Seumas Milne المحرر والكاتب في صحيفة الغارديان البريطانية، و جون بيلجر John Pilger الصحفي الحائز على العديد من الجوائز، وطارق علي، المؤرخ العسكري والمفكر، إلى جانب جورج غلاوي George Galloway النائب البريطاني. للوهلة الأولى، يبدو أن من التساهل بمكان الانتقال من العمل على نقل الحقائق إلى العمل على التعليق على التقارير الواردة. الكثير منا يرغب بتجاهل هؤلاء الكتّاب. ولكن، ينتاب الكثير من الصفحيين الذين ينقلون الأخبار من سوريا حالة من الإحباط على نحو متزايد، حيث يتم تجاهل تقاريرهم من قبل الإيديولوجيين المعادين للإمبريالية لكونها مجرد تقارير دعائية، حيث يعتقد هؤلاء بأنهم الوحيدون الذي يعرفون “الحقيقة”. العديد من السوريين الذي قابلتهم يعون بأن مصيرهم مرتبط بكيفية نقل الحقائق حول الصراع الدائر. باستخدامهم لتكتيكات تتنوع من كونها علنية إلى أخرى سرية، يعمد هؤلاء الإيديولوجيون إلى تحريف الرواية الحقيقية حول سوريا، بهدف التغلب على “الغرب الإمبريالي، وفي سياق هذه العملية، يقوم هؤلاء بتوفير الأعذار والغطاء الفكري لنظام الأسد. وما هو أسوأ من ذلك، فإن “حقيقتهم” التي يروجون لها تركز على صلب المزاج العام السائد، مع وجود العديد ضمن الرأي العام من المقتنعين بأن الصراع في سوريا الآن أقرب إلى أن يكون حرباً بالوكالة بين قوى العالم العظمى. إننا لا نقول هنا بأن أولئك الصقور الذي يطبلون للتدخل في سوريا لا يحملون ذنب ترويجهم للدعاية الخاصة بهم، لأنهم كذلك بالفعل. ولكن صقور اليمين لا يدّعون بشكل نموذجي بأنهم أبطال لنصرة المضطهدين. بينما أولئك المذكورين أعلاه يفعلون ذلك، وبنفَس واحد، يقومون بكل ابتهاج بتقويض ثورة مدنية ضد ديكتاتور متوحش، وكل ذلك لأن هذا الديكتاتور (ولو على الورق على الأقل) معاد لإسرائيل وللولايات المتحدة. “إن ذلك استسلاماً سياسياً وأخلاقياً مريعاً” يقول حسين إيبش، وهو زميل بارز في فريق العمل الأمريكي لأجل فلسطين. “إن الموقف الذي يجعل كل الأنظمة المعادية للغرب تستحق التأييد بشكل تلقائي يعد انحطاطاً بكل القيم اليسارية الأخرى إلى موقع متدن، ومفرط السذاجة،… لأن ذلك يعني دعم الجناح اليميني الفاشي، طالما أنه لديه العدو نفسه”. أضحت سوريا واحدة من أصعب مناطق الصراع الموجودة في الذاكرة الحية لنقل الأخبار منها، ويعود ذلك بشكل كبير إلى القيود الصارمة التي يفرضها نظام الأسد. ففي وقت مبكر من هذا العام، كنت قد كتبت كيف تسهم تلك القيود بجعل الأمور بالغة الصعوبة بالنسبة للمراسلين للتمييز بين الحقائق والدعاية، ومدى أهمية الحفاظ على نظرة نقدية لكلا الطرفين (حرب سوريا الدعائية، 12 نيسان/إبريل April 12.)’Syria’s Propaganda War‘). إن الضبابية المحيطة بالحرب الدائرة في سوريا توفر غطاء لنظريات المؤامرة، والتي يتم نشرها بشكل متزايد ومتكرر على أنها حقائق. هنا في بيروت، يقوم أسوأ الجناة ضمن هذه الفئة بالكتابة لصالح صحيفة “الأخبار” اليسارية الموالية لحزب الله. في رسالة الوداع اللاذعة التي كتبها إلى الصحيفة، انتقد المحرر السابق ماكس بلومنثال Max Blumenthal صفحات الرأي في الصحيفة ووصفها بأنها “مساحة مغلقة مخصصة للداعمين للديكتاتور”. العديد من المنافذ الإعلامية الأخرى في الشرق الأوسط تستحق هذا الوصف، ولكنها كثيرة بحيث لا نملك المساحة الكافية هنا لتسليط الضوء عليها. وعوضاً عن ذلك، سنقوم بالتركيز على أولئك الإيديولوجيين أصحاب وجهات النظر التي تشوه الحقائق حول سوريا بشكل فاضح في العالم الغربي. فيما يلي الرواية التي يروجون لها: من الممكن أن تكون الثورة السورية قد بدأت على شكل مظاهرات سلمية، ولكن هؤلاء الناس جرى تحييدهم منذ ذلك الحين من قِبل تمرد إسلامي- سني متطرف. ويقاتل هؤلاء المتمردين المتطرفين لحساب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المملكة العربية السعودية وقطر، والذين يقومون بتسليحهم للعمل على إزاحة نظام الأسد المعادي للإمبريالية بهدف إضعاف دولة إيران. إن الموضوع برمته هو جزء من المشروع الإمبريالي الذي بدأ منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، وكما تم تلفيق فكرة وجود أسلحة الدمار الشامل لدى صدام حسين بهدف تبرير غزو العراق واحتلاله عام 2003، يتم الآن اتهام نظام الأسد بارتكاب الفظائع بحق المدنيين لتبرير الغزو الآخر. لنكن واضحين، في العام 2003، كان الدليل على وجود أسلحة دمار شامل ملفقاً، وتم ترويج الحرب للعالم بمسميات “إنسانية”. العديد أو الغالبية من وسائل الإعلام فشلت في تحميل إدارة بوش المسؤولية بشكل مطلق. بعض السياسيين والصحفيين والنشطاء القلائل الذين قاموا بذلك – بمن فيهم أولئك الإيديولوجيين الذين أنتقدهم هنا – تعرضوا للإدانة على نطاق واسع، ومن ثم تمت تبرئتهم بعدما تم الغزو واشتعلت النيران في العراق. هؤلاء – ونحن – ينبغي أن نكون غاضبين للطريقة التي جرى فيها تجاهلهم. ولكن، نحن لسنا في العام 2003. فمن المخادع أن يقوم هؤلاء الإيديولوجيين بتصوير الانتفاضة السورية على أنها مكملة لغزو العراق. لقد تغير العالم العربي منذ العام 2003، ففي عصر التغيير الذي يشهد سلسلة متتابعة من الأحداث، والذي بات يعرف “بالربيع العربي”، عدد كبير من مواطني الشرق الأوسط انتقلوا بشكل مفاجئ من إلقاء اللوم لحالهم المزري على التدخل الخارجي، إلى إلقائه على الديكتاتوريات التي جثمت على صدورهم لعشرات السنين و(بمساعدة خارجية). ولكن بالنسبة لليساريين المؤيدين للسلطة الأبوية مثل سيمس ميلن Seumas Milne من صحيفة الغارديان، فوحدها الشعوب العربية التي أصبحت متمكنة هي تلك الشعوب التي أطاحت بديكتاتور موالٍ للولايات المتحدة، مثل الرئيس المصري السابق حسني مبارك. أما بالنسبة للسوريين الذين يناضلون للتخلص من الرئيس الأسد، عدو الولايات المتحدة، فليسوا شعباً متمكناً – إنهم مجرد وقود يتم زجهم في تنفيذ لعبة كبيرة من جديد. حيث كتب: “بالنسبة للسوريين الذين يريدون العيش بكرامة وديمقراطية في وطن حر، فإن اعتماد انتفاضتهم المتزايد على الدعم الخارجي يعتبر كارثة – أسوأ من تلك التي كانت في ليبيا”. مسيرة لمتظاهرين في مدينة سيدني ضد التدخل الخارجي في سوريا – أغسطس 2012 (في الواقع، أغلب الليبيين بالفعل لا ينظرون إلى التدخل الخارجي على أنه كارثة، ففي هذا الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة غالوب Gallup ، تبين أن 75% من الليبيين يوافقون على التدخل العسكري من قبل حلف شمال الأطلسي – الناتو – وقد لمست هذا الشعور على نطاق واسع عندما كنت في طرابلس مؤخراً). لم يصدر عن ميلن Milne أي كلمة فيما إذا كانت كرامة الأسد تواجه الخطر نفسه بسبب اعتماده على المساعدة الخارجية – كاعتماده على روسيا بتزويده بالأسلحة الثقيلة، وعلى إيران بدعمه اقتصادياً، وعلى كل من روسيا والصين لدعمه بحق النقض – الفيتو. على ما يبدو أن ذلك يعد مسألة سيادة لا أكثر. على ضوء التحليل الصادر عن ميلن Milne، فإنه لا يمكننا تحميل أي من إيران أو روسيا أو الصين مسؤولية “انزلاق سوريا إلى الظلام”. فهو يلقي باللائمة لذلك على كل من السعوديين والقطريين الذين يقومون بتمويل تهريب الأسلحة الخفيفة عبر الحدود، وعلى الولايات المتحدة التي يقوم عملائها بتنسيق عمليات التهريب تلك، وعلى الأتراك لتزويدهم الملاذ الآمن للجيش السوري الحر. يقول ميلن: “إن الازدياد المضطرد في التزويد بالأسلحة، وتوفير الدعم المالي والتقني من قبل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر وتركيا وآخرين خلال الأشهر الأخيرة، أدى بشكل تلقائي إلى دعم حظوظ الثوار، وارتفاع معدل القتلى”. لا يعتبر هذا التصريح خطأ بحد ذاته – إنما يمثل النهج الرئيسي للمغالطات التي يتبناها ميلن، فباستخدامه لأسلوب الإغفال والتلميح، يقول بإثارة مغالطات جدلية من خلال التركيز على طرف واحد من القصة. هنا، على سبيل المثال، لم يأت ميلن على ذكر أي من الاسلحة الروسية الثقيلة التي يستخدمها الأسد ليقصف بها شعبه، كما لم يأت على ذكر أي من الدعم المالي الضخم التي تؤمنه إيران لنظام الأسد للبقاء على قيد الحياة. تقول الحقيقة بأنه كلما وقعت سلطة مركزية جيوسياسية في حالة من عدم الاستقرار، تسارعت القوى الخارجية بالتنافس على استخدام تأثيرها، وسوريا ليست استثناءً لذلك. هل يمكن لتغيير النظام في سوريا أن يناسب الغرب وحلفائه؟ ربما، وربما لا – خاصة إذا كانت المحصلة هي قيام نظام سني منتصر على الحدود مع إسرائيل. هل يمكن لبقاء نظام الأسد الديكتاتوري أن يناسب إيران وروسيا؟ لا شك في ذلك. ولكن إذا نظرنا إلى الموضوع من خلال الأيديولوجية التي يبتناها ميلن Milne، نرى فقط المصالح الخبيثة للقوى الغربية، ولا نرى أية مصالح لأولئك الذين يعارضونها. النائب البريطاني جورج غالاوي George Galloway يأخذ خطاب ميلن Milne ويستغله إلى أبعد الحدود. منذ شهر يونيو/حزيران، لدى غالاوي مداخلة منتظمة عبر قناة الميادين الموجودة في بيروت، والتي يقال بأن جزءاً من تمويلها يتم من قبل ابن خال الرئيس السوري، المليونير رامي مخلوف، وللصدفة، فإن رئيس قسم الأخبار في القناة هو زوج مستشارة الرئيس الأسد للاتصالات. في هذه المداخلة، المعنونة بجدارة تحت اسم “الثوار السوريون هم خدم الصليبيين”، يتشدق غالاوي: “يتوجب عليكم أن تعلموا عمّن أتحدث – هؤلاء المقيمون في باريس، وفي لندن، وفي استانبول، إنهم خدم للقوى الصليبية. لذلك يطلبون من الصليبيين أن يقصفوهم – لأن الصليبيين يطلبون من خدمهم أن يطلبوا منهم أن يقصفوهم”. غالاوي يريد عملية تحول سياسي في سوريا، لقد أخبر جمهوره بذلك بكل جدية، والرئيس الأسد يريد ذلك أيضاَ. فالرئيس الأسد وافق على خطة كوفي أنان للسلام، حسب ما يقول غالاوي، إلا أن “الصليبيين، وحلفاءهم السياسيين في المعسكر الثوري السوري” هم فقط من رفضوا خطة السلام هذه. نعم، لقد وافق الرئيس الأسد على خطة كوفي أنان للسلام، ومن ثم قام بخرق شروطها بشكل متكرر عبر رفضه الانسحاب من المناطق السكنية، واستمراره بإطلاق نيران المدفعية الثقيلة على المدنيين، وإبقاءه لسياسة الاعتقالات العشوائية الضخمة. المعارضة من جهتها خرقت اتفاق وقف النار، ولكن كوفي أنان بنفسه ألقى اللوم على النظام السوري بشكل رئيسي لفشل خطته للسلام. وعلى الرغم من هذا التقييم الذي خرج به أنان، إلا أن سيموس ميلن Seumas Milne من صحيفة الغارديان البريطانية يصر على أن البعبع في الحالة السورية هو الغرب وحلفاؤه في منطقة الخليج، حيث كتب في هذا السياق: “وحدها الضغوط الرامية للوصول إلى مفاوضات وتسوية، والتي يعمل الغرب وحلفاؤه على إعاقتها بشدة، من شأنها الآن أن تمنح السوريين فرصة لتقرير مستقبلهم – وتحول دون انزلاق البلاد في الظلام”. ببساطة، فقط إذا توقف الغرب عن محاولة التخطيط لتغيير النظام في سوريا، فإن الرئيس الأسد، مع شيء من الضغط من قبل حلفائه، سيكون سعيداً بالدخول في مفاوضات لإنهاء الأزمة مع المعارضة – تلك المعارضة ذاتها التي لطالما وصفها الأسد “بالإرهابيين”. ولكن تلك ليست وجهة نظر وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، الذي صرح مؤخراً بأن النظام السوري سينظر في إمكانية الدخول في مفاوضات مع المعارضة فقط بعدما يتم تطهير سوريا من “المتمردين”. أي بكلمات أخرى، فإن المعارضة السورية تحتاج إلى إلقاء أسلحتها والقبول بكل ما يقرره النظام السوري من عقوبات يفرضها عليها قبل التفاوض مع مجموعات المعارضة – الموافق عليها من قبل النظام السوري – وهذا شرط سيؤخذ كذلك في عين الاعتبار. بعد يومين، وبغضب واضح من تحليلات زميله سيموس ميلن Seumas Milne ، كتب إيان بلاك Ian Black، محرر أخبار الشرق الأوسط في صحيفة الغارديان، توبيخاً قاسياً له: “من المثير للضحك الإدعاء بأن “الغرب” (المتآمر مع دول عربية متواطئة) قد عمل بكل حقد على الحيلولة دون الوصول إلى الاتفاق المبدئي الذي عملت روسيا بكل جهد على تأييده ولم يلق حتى فرصة النظر فيه”. يشير بلاك إلى مسودة قرار مجلس الأمن المقدم من بريطانيا في شهر يوليو/تموز والذي “كرر الدعوة إلى “عملية سياسية يقودها السوريون” (لاقت هذه الصياغة تأييد روسيا)، حيث لا تدعو إلى أي تغيير للنظام بالقوة بأي من بنوده. وكذلك استبعد هذا القرار أي تدخل عسكري. ومع ذلك قامت كلاً من روسيا والصين باستخدام حق النقض (الفيتو) ضده. لندع ميلن وصحيفة الغارديان جانباً في الوقت الحالي، ولننتقل إلى أحد أبرز الأضواء في اليسار، البريطاني الباكستاني ذو النفوذ المؤثر، المفكر طارق علي. بداية هذا العام، كان علي مصراً على تنحي الرئيس الأسد، وأنه يتوجب على حلفائه الضغط عليه للقيام بذلك. ولكن، في مقابلة أجرتها معه مؤخراً محطة روسيا اليوم، من شبكة الكرملين الإخبارية، لم يشعر بالحرج من طروحاته الازدواجية والتآمرية حول الخيارات التي يواجهها السوريون. “عدد كبير من الناس الذين انتفضوا بداية ضد نظام الأسد في سوريا أصبحوا الآن محيّدين، تاركين الشعب السوري أمام خيارات محدودة لا يرغب بأي منها: وهي إما أن يحكمه نظام مفروض عليه من الغرب، ويضم سوريين يعملون لصالح أجهزة الاستخبارات الغربية، أو أن يحكمهم نظام الأسد”. لا بأس، قد يكون من الضروري ولغرض الدقة تبديل كلمة “محيّدين” بكلمات مثل “معذبين وقتلى على يد النظام”، “فارين إلى المنفى”، أو “معتقلين” إلخ. لا أحد يملك ما يملكه علي من معرفة بالتاريخ العسكري يمكن له أن يعرض النتائج المحتملة من الصراع المحلي الفوضوي الدائر في سوريا بمثل سذاجة النتائج التي عرضها هو – ما لم يكن لديه هدف أيديولوجي يريد دفعه قدماً. لكن، عندما تأتي الأمور إلى الازدواجية والنظريات التآمرية، لدى علي صيغة جاهزة، فقد كتب في شهر إبريل/نيسان 2011، أي فقط بعد شهرين من اندلاع الانتفاضية الليبية: “مهما تكن النتائج الأخيرة، فقد خسر الشعب الليبي”. “إن مصير البلاد سيكون إما مقسماً بين دولة القذافي ومحميات قذرة تحت وصاية الغرب، يعمل على قيادتها نخبة من رجال الأعمال، أو سيقوم الغرب بالإطاحة بالقذافي ويسيطر على كامل ليبيا وما تملكه من احتياطي ضخم من البترول”. الرئيس الأسد في ظهور نادر له أمام مؤيديه في دمشق – كانون الأول/يناير 2012 قد يكون نجاح العملية الديمقراطية في ليبيا محل جدل، ولكن وحده ذاك الإيديولوجي الضيق الأفق سيقول بأن الغرب قد تمكن من السيطرة على كامل ليبيا. ولكن علي لم يكن المعلق الوحيد الذي ثبت بطلان وجهة نظره حول ليبيا. فبعد الثورة، كان من الشائع التوقع بأن قطر، التي أسهمت بتقديم الدماء وملياري دولار لدعم الانتفاضة، ستقوم ببساطة بتنصيب وكلائها من الإخوان المسلمين على رأس الحكومة الجديدة، والمؤكد أنها عملت على حشد الزخم لذلك. في طرابلس، ملصقات ولوحات الحملة الانتخابية الخاصة بالأخوان المسلمين أكثر بكثير من تلك الخاصة بمنافسيهم، ولكن وبالمقابل، كان هناك عملية انتخابية حقيقية، ولم يكن من الممكن لأحد شراء الأصوات بأي مبلغ كان. في انتخابات شهر تموز/يوليو، صدم الناخبون الليبيون العالم برفضهم للإخوان المسلمين من حزب المعتدل محمود جبريل، الرئيس السابق للمجلس الانتقالي الوطني. إن المغزى من القصة الليبية هي للقول فقط بأن تمويلك لثورة ما، لا يعني قدرتك على امتلاكها. بطبيعة الحال، كما حاول القطريون فعل شيء لهم في ليبيا، ستحاول القوى الخارجية المشاركة في الثورة في سوريا. ولكن السؤال هو هل يمكن للغرب القيام بفرض نظامه الخاص والعقيم على الشعب السوري، كما أكد طارق علي على ذلك بكل ثقة؟ هذا هو السؤال الذي طرحته “جلوبال ميل The Global Mail” على ديفيد ويرينغ David Wearing، وهو مؤسس ومحرر مشارك في “مشروع اليسار الجديد the New Left Project“، حيث قال: “لقد كان يجري إعداد (المجلس الوطني السوري) ليكونوا حلفاء لنا، ولكنهم أثبتوا أنهم مجرد دعابة غير متماسكة، ومن الواضح أنه يجري التخلي عنهم الآن، فلا يوجد أي متعة لواشنطن هناك”. “ربما عبر إعداد قواعد تدريب وعمليات، والسيطرة على تدفق الأسلحة، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها أن تنتقي الرابحين من المعارضة السورية. ولكن مرة أخرى، ثمة حقيقة تقول بأن المعارضة المتجذرة في وطنها بشكل أساسي، لا يمكن سرقة استقلالها بسهولة”. “بكل الأحوال، لا يمكن القول بأن المساعدة الغربية تعادل السيطرة الغربية. إن إظهار ذلك يتوجب وجود معلومات وإثباتات أفضل وأكثر مما قدمه أي طرف من اليسار إلى الآن”. ولكن من يحتاج إلى الدليل عندما يمكنك أن تشعر بالحقيقة؟ هذه “الحقيقة” كما عرفها شاعر الرثاء الأمريكي ستيفن كولبرت Stephen Colbert، إنها ذلك النوع من الحقيقة الذي لا يحتاج إلى شيء لإثباته، ولا حتى إلى فحص منطقي. ولم يسبق لهؤلاء الإيديولوجيين أن كانوا أكثر “صدقاً” كما هم الآن فيما يخص مجزرة الحولة. قد يكلف الأمر حادثاً واحداً وحفنة أشخاص فقط لتحول مجموعة من الأدلة إلى مستنقع من الشكوك. على سبيل المثال، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2009، قفز منكرو التغير المناخي فرحاً بنصرهم لدى حصولهم غير الشرعي على مجموعة رسائل إلكترونية تم تداولها بين علماء المناخ في إنكلترا والولايات المتحدة. أصر هؤلاء المنكرون على أنهم تمكنوا من إثبات أن العلماء كانوا يتلاعبون ببيانات الحرارة بهدف تزوير مدى تسبب الإنسان بظاهرة الاحتباس الحراري. أطلق على الفضيحة الناتجة عن ذلك اسم “كلايمت جيت Climategate” وكانت تمثل ضربة قوية هزت الأسس التي قامت عليها بحوث العلوم المناخية. بعد سبعة شهور، وإجراء أربع مراجعات مستقلة لاحقاً، تم تبرئة علماء المناخ موضع الجدل من أي ذنب، ووجدت الأبحاث التي قاموا بها سليمة بشكل كامل. ولكن “كلايمت جيت Climategate” كانت قد فعلت فعلها. لقد كانت كارثة عامة لأنها أثارت إشارات استفهام كبيرة حول الحقائق العلمية، وجعلت مصداقية جامعة محترمة على المحك، وأثارت الكثير من التهديدات بالقتل ضد علماء المناخ. الصحفي جون بيلجر John Pilgerفي كابول – أفغانستان حدث واحد، وحفنة أشخاص: بتاريخ 25 أيار/مايو من هذا العام، قتل 108 شخص، بينهم 83 من النساء والأطفال، داخل بيوتهم في قرية تالدو السورية في منطقة الحولة. بعد يومين من المجزرة، رافق أليكس ثومسون Alex Thomson من قناة تشانيل فور مجموعة من مراقبي الأمم المتحدة إلى تلك المنطقة. حالما دخلت سيارتهم إلى القرية، تجمهر حولها أشخاص “يصرخون ويبكون في مزيج من الصدمة، والإستغاثة والغضب”. شاهد ثومسون أطفالاً يتماثلون للشفاء من جراء جروح سببها إطلاق النار عليهم، وشظايا من قذائف الجيش السوري. لقد تحدث إلى “عشرات الأشخاص” وجميع قالوا الشيء نفسه: لقد بدأ الجيش السوري بقصف القرية رداً على المظاهرات المناهضة للنظام التي خرجت بعد صلاة الجمعة. وبعد ساعات من القصف العنيف، أتى حوالي مائة شخص من الشبيحة (وهي مليشيا مدنية موالية للنظام) من القرى الشيعية/العلوية المحيطة بمنطقة الحولة. ومنذ ظهيرة ذلك اليوم حتى الصباح الباكر من اليوم التالي، كان الشبيحة يدخلون من منزل إلى آخر، يقتلون الرجال والنساء والأطفال داخل بيوتهم. لقد صدم العالم لدى مشاهدته مجزرة الحولة. كان الخبر الرئيسي في كل مكان هو: هل حان وقت التدخل أخيراً؟ بتاريخ 6 حزيران/يونيو، نشرت إحدى الصحف الألمانية الرائدة وهي Frankfurter Allgemeine Zeitung (FAZ) مقالة تدعي فيها بأن من ارتكب مجزرة الحولة هم ليسوا الشبيحة، وإنما الثوار الذين قاموا بارتكابها وإلقاء اللوم بها على النظام. عرض مقطع من فيلم ستيفن كولبرت Stephen Colbert فاستناداً إلى وثائق من دمشق، ومعلومات تم جمعها من “أعضاء معارضة في المنطقة”، ادعى التقرير بأن المجزرة ارتكبت من قبل 700 من أفراد الجيش السوري الحر، والذين قدموا إلى منطقة الحولة من القرى المجاورة. لقد تم مساعدتهم من قبل بعض السكان المحليين، الذين قاموا باستهداف الضحايا بسبب تحولهم واعتناقهم الطائفة العلوية والشيعية من الإسلام، ورفضهم الانضمام إلى المعارضة. تلقف الإيديولوجيون المعادون للإمبرالية والمدافعون عن الأسد تقرير الصحيفة الألمانية FAZ بذات الحماس الذي انتاب ناكري التغير المناخي لدى حصولهم على مجموعة الرسائل الإلكترونية. لقد كانت تلك فرصتهم لإثبات بأن ثمة أمر يحاك لنظام الأسد، على غرار خديعة أسلحة الدمار الشامل، لتبرير تدخل عسكري غربي. بتاريخ 20 حزيران/ يونيو، أيد الصحفي ومراسل الحروب السابق جون بيلجر John Pilger كل ما ورد في تقرير الصحيفة الألمانية FAZ، رافضاً كل التقارير الأخرى التي صدرت حول مجزرة الحولة على أنها “دعاية صرفة”. حيث كتب في صحيفة نيو ستيستمان New Statesman “إن التهديدات التي يتم تنسيقها في واشنطن ولندن ضد سوريا، تزيد من حجم النفاق، وعلى عكس الدعاية الصرفة التي قدمت على أنها أخبار، فالتقرير الاستقصائي الذي قامت به صحيفة FAZ اليومية، يبين بأن المسؤولين عن مجزرة الحولة هم “الثوار” المدعومين من قبل أوباما وكاميرون. ومصادر الصحيفة تتضمن الثوار أنفسهم”. بتاريخ 16 يوليو/تموز، قال طارق علي لصحيفة روسيا اليوم بأن تقرير الصحيفة الألمانية FAZ يعد دليلاً إضافياً بأن المجلس الوطني السوري ومؤيديه هم من يقومون بشكل متعمد بارتكاب الفظاعات لإلقاء اللوم على النظام. ”أحد صحفيي الصحيفة الألمانية FAZ شرح قبل بضعة أسابيع ما حدث في مجزرة الحولة، وقد تعرض للتنديد”. بعد أسبوع، أرسلت صحيفة دير شبيغل Der Spiegel الألمانية صحفييّن إلى الحولة للوقوف على حقيقة ما جاء في تقرير الصحيفة الألمانية FAZ. لقد كانا أول صحفيين يصلان إلى القرية منذ أن دخل إليها أليكس ثومسون من قناة التشانيل فور. على مدى يومين، قام كلا الصحفيين بإجراء عدة مقابلات مع شهود عيان وأقارب للضحايا، الذين ألقي اللوم بمقتلهم على الشبيحة. أحد شهود العيان أشار أيضاً إلى أن العديد من منازل الضحايا تقع بين نقطتي تفتيش للجيش النظامي، ما يعني أنه من المستحيل أن يتمكن عدة مئات من المتمردين من التحرك بين المنازل دون أن يلحظهم أحد. كما أصر كل الذين أجريت معهم المقابلات بأنه لم يكن هناك أية عائلات شيعية أو علوية في منطقة الحولة، تماماً كما هو الحال في القرى العلوية المحيطة حيث لا وجود لأي عائلة سنية. بتاريخ 15 أغسطس، وبعد عدة أسابيع من التحقيق، أصدرت الأمم المتحدة تقريرها النهائي، حيث جاء فيه أن القوات الحكومية والشبيحة مسؤولون عن ارتكاب مجزرة الحولة، مع وجود دلائل دامغة على ذلك. لقد بنت الصحيفة الألمانية FAZ تقريرها بناء على معلومات مغلوطة، ولكن هل قام أي من جون بيلجر John Pilger أو طارق علي بإصدار أي “اعتراف بالخطأ” لتغطيتهم على النظام السوري؟ لا لم يقم أياً منهما بذلك، ولا يجب أن نتوقع منهما هذا، وذلك يعود لذات الأسباب التي منعت ناكري التغير المناخي من الاعتذار بعد افترائهم على علماء المناخ الذين تمت تبرئتهم من فضيحة “كلايمت جيت Claimategate. لنكن واضحين، إن مهمة الإيديولوجيين ليست نشر الحقيقة حول ما يحدث في سوريا، إن مهمتهم تتركز حول شن حملات دعائية ضد التدخل الغربي. ومن الاستراتيجيات الرئيسية المتبعة في هذه الحملات، نزع مصداقية الأحداث التي من شأنها تبرير التدخل لدى الرأي العام. ومجزرة الحولة هي جزء من هذه المهمة. فتزويدهم نظام الأسد المجرم بغطاء فكري في سياق مهمتهم، يعتبر ثمناً قليلاً يتم دفعه لمنع التدخل الغربي، وهم مقتنعون بأن هذا التدخل سيكون كارثة أعظم بكثير. إذاً الشكر هنا يعود لجموح هؤلاء الإيديولوجيين أمثال بيلجر وعلي، حيث أن الكثير من الأشخاص ما يزالون غير متأكدين على من يقع اللوم بمجزرة الحولة. فعلى أقل تقدير، سيشار إلى هذه المجزرة على أنها “محل نزاع” – وهذا يعتبر فوزاً إعلامياً لنظام الأسد ومؤيديه. في العام الماضي، عندما كان أنطوني شديد يخطط للتسلل إلى سوريا، بعث برسالة إلكترونية إلى زملائه المحرِرين في صحيفة نيويورك تايمز شرح فيها لماذا يستحق الموضوع المخاطرة بحياته، حيث كتب: “إنه أمر يثير الجنون، أشعر وكأن لا أحد هناك يخبر حقيقة ما يجري الآن، يتوجب علينا الحصول على التفاصيل”. في شهر شباط/فبراير من هذا العام، إصرار شديد على معرفة الحقيقة كلفه حياته. أكثر من ثلاثين صحفي محترف لقوا حتفهم أثناء تغطيتهم للصراع في سوريا، وفي كل مرة يذهب فيها أحد الصحفيين إلى سوريا، يتوجب عليه مواجهة الاحتمال الحقيقي والمرعب وهو أنه قد يموت هناك. لا يتمتع الكثير من الصحفيين بما يتمتع به شديد من رؤية ثاقبة، ولكن أكثر الذي يذهبون إلى سوريا يفعلون ذلك للسبب ذاته: وهو اكتشاف حقيقة ما يجري. إن الإيديولوجيين الذين ذكرتهم هنا يفضلون شن حملاتهم الدعائية من مكاتبهم الموجودة على بعد آلاف الأميال من الحرب في سوريا، حيث يستغلون ما يلف الحرب من ضبابية، ليقوموا بتشويه الحقائق حول سوريا بما يصب ضمن إطار إيديولوجياتهم الكاذبة. يمثل هذا النهج صدع عميق في صفوف اليساريين، حيث يقول ديفيد ويرينغ David Wearing، محرر مشروع اليسار الجديد New Left Project: “من حق معارضي الإمبريالية القلق حول التدخل الغربي في سوريا، وبالطبع، يتوجب على اليساريين الغربيين التركيز على القوى الغربية لأن باستطاعتهم التأثير عليها، ولكن مع ذلك، علينا أن نقدم معلومات دقيقة حول حقيقة ما يجري”. وفيما يلي ما نعرفه عن سوريا. لقد حكمت عائلة الأسد سوريا على مدى عقود من الزمن وكأنها مستعمرتهم الخاصة. وكما فعل الغرباء الذي حكموا من قبلهم، كانوا يمثلون النخبة البعيدة من الشعب، يعاملون السوريين على أنهم أدوات في الدولة، وليس على أنهم مواطنين. العديد من هؤلاء السوريين خاطروا بكل شيء في سبيل رفضهم لنظام الأسد، ومنذ البداية، رد عليهم الأسد بالرصاص والقنابل. كانت وعوده “بإصلاحات ديمقراطية” مجرد ضرب من الخيال، تماماً كما كانت دائماً. مهما كان ما يحدث لسوريا، هؤلاء الذين يعملون حقاً “للحيلولة دون انزلاق سوريا نحو الظلام” سيتم إعاقة عملهم من قبل أولئك الذين يرون أجنداتهم الإيديولوجية أهم من السعي لتقديم الحقيقة. ولأجل هذا، يقول الرئيس الأسد بأنه لا ينوي التنحي، وبأنه يواجه مؤامرة كونية. ومَن مِن أولئك الإيديولوجيين يمكنه مجادلة ذلك؟ http://freesyriantranslators.net/2012/09/24/%d8%a8%d9%8f%d9%84%d9%87%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d9%80%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d9%8a%d8%af%d9%8a%d9%86/ المصدر http://www.theglobalmail.org/feature/assads-useful-idiots/374/ |