حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
إشكالية القانون الديني والقانون المدني في العالم العربي - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: إشكالية القانون الديني والقانون المدني في العالم العربي (/showthread.php?tid=49359) |
إشكالية القانون الديني والقانون المدني في العالم العربي - رائد قاسم - 09-29-2012 إشكالية القانون الديني والقانون المدني في العالم العربي رائد قاسم تتنازع المجتمعات العربية إشكاليات عميقة تتمثل في القوانين الدينية ، خاصة تلك التي تمثل أحكام جزائية كعقوبات السرقة والزنا وتغيير الدين ، إذ إنها تتعارض بشكل واسع النطاق مع الثقافة العالمية والنظام الحقوقي والجزائي الدولي ، علاوة على تعارض الكثير من القوانين والتقاليد الدينية مع الثقافة الإنسانية السائدة، فالقوانين الدينية نابعة من النظام التشريعي الديني المتمثل في الفقه والشريعة ، بينما توضع القوانين المعاصرة بناء على النظم الحقوقية التي نشأت بعد الثورة الصناعية وقيام النهضة الإنسانية الحديثة ، بكل أبعادها الحضارية والثقافية ومراحلها التاريخية والسياسية. من الطبيعي القول أن أنظمة وقوانين وثقافة العالم اليوم تستند أساسا على الفكر المدني الليبرالي الذي نشا كنتيجة لانتصار التيارات الحداثية المتمثلة في الفلاسفة والكنيسة البروتستانتية ، ودعاة الملكيات الدستورية والأنظمة الجمهورية ، والعلماء ، والنقابات الاجتماعية والاقتصادية ، على التيارات التقليدية المتمثلة في النظم الملكية المطلقة، والإقطاعية الاقتصادية ، والرأسمالية البرجوازية، والكنيسة الكاثلوكية، ورجال الدين المسيحيين الرجعيين. وتعد الأحكام الإسلامية في خانة التيارات التقليدية، إذ إنها تتناقض مع منتجات الثقافة الإنسانية المعاصرة على نطاق واسع، لذلك فان المجتمعات العربية تقف اليوم حائرة ما بين التمسك بهويتها الحضارية وتراثها التاريخي ، المرتبطان ارتباطا نسيجيا مع الأحكام والقوانين الدينية التي سادت في البيئة العربية منذ ظهورها في القرن السادس الميلادي ، وما بين النظم الإنسانية المعاصرة ( كحقوق الإنسان وحقوق المرأة و والحريات الشخصية والاجتماعية والمدنية والدينية والفكرية ، وحرية الرأي والمعتقد والضمير ، وغيرها الكثير ) التي ترتكز عليها النهضة العالمية الحديثة ، والتي أصبحت ثقافة عامة ورأي عام دولي ، من يسبح عكس تياره لا يتمكن من التفاعل مع العالم بشكل طبيعي ، ولا يستطيع الاستفادة من النهضة المعاصرة في العديد من جوانبها وتفرعاتها، وهذا هو حال المسلمين اليوم ، ومنهم مسلمي المهجر ، الذين يعيشون في ظل ظروف صعبة ، بسبب عدم قدرتهم على التأقلم والانسجام مع المجتمعات الأوربية ، في ظل التزامهم بقوانينهم الدينية وامتداداتها الاجتماعية ، التي تتناقض مع النظام العام المسير للمجتمعات الأوربية . وبعد الثورات العربية زادت هذه المعضلة ، خاصة بعد فوز الإسلاميين في انتخابات مصر وتونس واحتلالهم مراكز متقدمة في الدول، والشعوب العربية خاصة في مصر وتونس وليبيا تعيش معضلة التناقض والتعارض ما بين شروط ومتطلبات التنمية والنهضة والتطور بكافة أبعادها واتجاهاتها ، وما بين قوانينها الدينية وتراثها التاريخي والأيدلوجي الذي يفتقد للقدرة الفعلية والمنهجية والتطبيقية على خلق مسارات ونظم تؤدي إلى تنمية المجتمع ونهضته. وما بين ديمقراطية النظم السياسية الأوربية، وبين نجاح النظام الشمولي الصيني وتحقيق تنمية يعتد بها يقف المجتمع العربي حائرا ما بينهما؟ وما بين الحريات الواسعة النطاق في الغرب وما بين الحريات الضئيلة في الشرق يقف المجتمع العربي حائرا غير قادر على توسيع دائرة حريته ، خوفا من تجاوزها لقوانينه الدينية وتراثه العميق والمعقد. بيد أن الكثير من المسلمين يتعاملون مع أحكام الفقه على أنها أحكام ملزمة التطبيق ولا بد منها ، إلا إن الأحكام الدينية الفقهية في الإسلام ليست سوى أحكام ظنية في معظمها ، وأكثر الفقهاء يختلفون حولها، فيفتي بعضهم بالجواز وأخر بالحرمة في نفس المسالة . والكثير من المسلمين يلتبس عليهم مصطلحا الفقه والشريعة، فيحسبونهما شيئا واحد، رغم أن أحكام الشريعة ليست سوى تلك الأحكام التي نزلت مع الإسلام والتي تعتبر من أحكامه وقوانينه البديهية ، ولا يمكن تصور أن الإسلام كدين لا يأمر بها جوازا أو تحريما (كوجوب الصلاة وبر الوالدين ، وحرمة الزنا والشذوذ الجنسي ). في حقيقة الأمر وواقعه فان فك اللبس والبدء بالانسجام ما بين القانون المدني والقانون الديني ، يبدأ من وجهة نظري من خلال معرفة أن القانون المدني يقوم على أساس المصلحة العامة للمجتمع ككل ، يغظ النظر عن اختلافاته وخلافاته الدينية والأيدلوجية وهوياته الروحية ، بينما لا يستطيع واضعو القانون الديني مغادرة أجواء النصوص ومقاصدها ، أي أن الفقيه الديني لا يمكنه الخروج عنها أو النظر إلى غيرها، مما يوقعه في إشكالية التعارض مع الواقع المختلف جزئيا أو كليا عن النص مكانا وزمنا ومقصدا ، الأمر الذي يؤدي إلى إصداره حكما ذو تأثير سلبي ومتعارض مع مصلحة المجتمع. من ناحية أخرى فان عملية صنع القوانين لا بد أن تحقق عدد من الشروط الأساسية حتى تحدث الأثر الايجابي عند أغلبية مكونات المجتمع الذي تطبق فيه، في مقدمتها استفادة معظم قطاعات المجتمع منه، وعدم تعارضه مع قوانين مركزية أخرى ، بينما الفقيه وهو غير المتخصص في وضع القوانين ، يضع فتاواه وأحكامه لكي يتكون في عداد القوانين النافذة ، بناء على فهمه للنص الغارق في ملابساته التاريخية ، البعيدة كل البعد عن زمن الفقيه ، مما يجعل حكمه بعيدا عن الواقع وغير محقق للجدوى منه ، والمتمثلة في تيسير سبل الحياة ، وإحراز العدالة بين أفراد المجتمع ، وإيجاد الآليات والسبل التي تمكن المجتمع من النهوض والتقدم ، وحتى لو تمكن الفقيه من الاتصال بأصحاب التخصص في هذا المجال أو ذاك ، فانه لن يتمكن من إصدار حكما شافيا فيه لأنه غير متخصص فيه باعتباره حقلا علمي مستقل بحد ذاته، ولا يمتلك حيثياته ومقدماته ، إلا إذا اصدر فتواه أو حكمه استنادا على حكم المتخصص ذاته! وحينها يكون الفقيه مجرد واجهة ليس إلا. من ناحية أخرى فانه يستحيل على الفقيه الإلمام بكافة جوانب الحياة ، فالاقتصاد والسياسة والاجتماع والصناعة والزراعة والتجارة والفلك وغيرها من الحقول ، ليست سوى تخصصات علمية ومهنية وإنسانية خاضعة لنواميس ونظم وقوانين خاصة بها، والفقه هو مجرد علم أنساني ، ويعد حقل من حقول العلوم الإنسانية ، فالفقه يستحيل عليه كعلم أن يسيطر على غيره من العلوم أو يسيرها وفقا لضوابطه وشروطه ، إلا أن يكون ذلك بشكل قسري قهري، ستكون نتيجته تعطيلها وإيقاف عجلة تقدمها ، مثلما كان من أمر الكنيسة مع العلماء الأوربيين في القرون الوسطى. عندما يصدر المشرع المدني قانون بإجازة الأم البديلة، فانه هنا لا يستند على أراء الفقهاء ، وإنما يستند على المصلحة العامة ، فالإجازة هنا صدرت بعد أن تيقن المشرع المدني من أن الأم البديلة لا يمكن أن تكون أما بيولوجية للطفل ، لأنه مكون بشكل مطلق من ماء الزوجين ، وألام البديلة حاملة للجنين ليس إلا ، وبالتالي لن يحدث اختلاط للأنساب ، ومع تحقق شروط أخرى صحية وقانونية (كعدم حدوث أضرار صحية للام البديلة ، وتعهدها بعدم مطالبتها بالطفل) يتم إصدار مثل هذا القانون ، الذي يوكل أمر الاستفادة منه إلى الناس بمشاربهم وأيدلوجياتهم ومرجعياتهم الروحية والدينية، ومن ضمنها المرجعات الفقهية . مثال آخر : يحرم القانون المدني زواج الأطفال ويحدد للزواج سنا معينة ، ويستند القانون المدني في ذلك على جملة من المصالح العامة اليقينية ( صحية – اجتماعية) وتحديدا مصلحة هذه الفئة من المجتمع إلا وهي فئة (الأطفال) ، ولا يستند على آراء الفقهاء المختلفين حول حكم زواج الأطفال ما بين الإجازة والحرمة . قوانين المرور والضرائب مثلا، يصدرها المشرع المدني بناء عل مصالح المجتمع والفوائد الجمة التي سوف يغنمهما منها ، ولا يستند على آراء الفقهاء . الحجاب مثلا يفرضه القانون الديني على المرأة المسلمة، ولكن المشرع المدني يضع قانونا بموجبه يمنح الحق للنساء بارتدائه من عدم ارتداءه ، خاصة مع وجود انتماءات دينية متعددة في المجتمع. الربا مثلا – هو احد المحرمات في الفقه الإسلامي، ولكنه احد أهم أنشطة الاقتصاد الرأسمالي العالمي ، المشرع المدني مهمته وضع القوانين التي تكفل للفرد والمؤسسة حق إيجاد الأنظمة المالية الخاصة بها ، في إطار النظام الاقتصادي الوطني والدولي، والتي تتيح وضع أنظمة وتعاملات مالية متوافقة مع الفقه الإسلامي. في لندن نشأت بنوك ومؤسسات إسلامية تتعامل وفقا لفتاوى وأحكام الفقه الإسلامي وقد ازدهرت معاملاتها وراجت وانتشرت، وذلك بسبب مناخات الحرية الاقتصادية والاستثمارية والمالية التي أتاحت لها فرصة اثباث وجودها . من الواضح هنا أن القانون المدني يستوعب جميع مكونات المجتمع ، ويمتلك الديناميكية التي تمكنه من توفير مناخات متوازنة من الحرية التي تمنح لكل مكون أنساني حق اختيار ما يتوافق مع إمكانياته وخلفياته الدينية والاجتماعية ، بينما القانون الديني يظل مقتصرا على أتباعه القلائل ، ويفرض بشكل قصري على المكونات الأخرى من دون وجه حق . من ناحية أخرى فان القانون المدني يستوعب في اغلب الحالات القوانين الدينية ، حيث يتيح للأفراد والمجتمعات المحلية مساحات واسعة تتمكن من خلالها من تنفيذ وتطبيق قوانينها الدينية في ظل القانون المدني العام ، كتطبيق قوانين الزواج والحضانة والوراثة ، والقوانين الدينية الفردية كالحجاب وأداء الواجبات والشعائر التعبدية كالصلاة والصيام والحج. ويتميز القانون المدني بسهولة تغييره بناء على المتغيرات الحادثة فعلا وواقعا في المجتمع ، بحيث يمكن تعديله أو إلغاء بعض بنوده أو إسقاطه والإتيان بقانون جديد، كل ذلك وفقا لمعيار المصلحة العامة للمجتمع ، التي تبنى على ميل الميزان لصالح الايجابيات وتحقيق الفائدة لأكبر عدد من أبناء المجتمع ، بينما القانون الديني لا يمتلك ديناميكية التعديل إلا وفقا لقواعد صارمة ومعقدة، ومرتبطة في اغلب الأحيان بشخص الفقيه ومدى قدرته على محاكاة النصوص ، بحيث يصبح مصير مجتمع بكامله بشكل فعلي تحت هيمنة الفقيه وسلطته الفوقية المتعالية، ويجعله أسير النص الموغل في القدم ، وفي اغلب الأحيان لا يتمكن الفقيه من إيجاد قواسم مشتركة ما بين أجواء النص ومقاصده ، وما بين الواقع الذي يعيش فيه ، فلا يتمكن من تغيير الأحكام الناتجة عنه لصالح المجتمع ، فيصدر الحكم مقيدا ومضيقا ومناهضا لمتطلبات تنمية المجتمع وازدهاره. من ناحية أخرى فقد درج في المجتمعات العربية في الآونة الأخيرة طرح مصطلحي القانون الوضعي والقانون الشرعي، وان الأول صناعة بشرية، والثاني أوامر إلهية، وفي حقيقة الأمر فان لا يوجد أي تناقض فعلي بين المصطلحين ، فالقانون الوضعي والشرعي كلاهما من صنع البشر ، والفرق الجوهري بينهما أن القانون الوضعي هو ما يضعه مجموعة من البشر المتخصصين أو شبه المتخصصين في مجالاتهم الفنية والعملية والتطبيقية ، ويتغير من خلالهم ، ولا يحمل صفة التقديس والتبجيل ، ويوضع بناء على المعايير العلمية المرتبط به، واحتياجات المجتمع الفعلية، بينما القانون الشرعي هو ما يصدر عن رجال الدين ، من خلال إسقاط النصوص الدينية على الواقع أو إسقاط الواقع على النصوص، عن طريق أدوات فنية عقلية ليس أصل شرعي يقيني ، تراكمت منذ نشوء علم الفقه منذ أكثر من ألف عام. وبالتالي فانه لا فرق حقيقي بين القانونين ، فكلاهما الهي وطبيعي في أصله ونشأته، وكلاهما بشري في حركته ومعطياته ونتائجه. في المحصلة يمكن القول أن إيجاد نظام مدني للمجتمع العربي يحتضن القوانين الدينية، ويساهم في تنقية التراث، وتكوين هوية حضارية وشخصية إنسانية عربية جديدة، سيكون بمثابة بداية لنشوء نهضة جديدة للعالم العربي منذ تهاويه الحضاري قبل أكثر من 800 عاما مضت. |