الأسد يدمر السلم الأهلي في سورية

نشرت وكالة رويترز منذ أيام تقريرا" مرعبا" تحدثت من خلاله عن انتشار الميليشيات المسلحة في دمشق ولجميع الطوائف من الأقليات:مسيحيين،دروز،وعلويين،وانتشار ما سمته نقاط التفتيش واللجان بالأحياء الدمشقية المحسوبة على النظام الأسدي ،والذي يقوم بتوزيع الأسلحة على تلك الجماعات،وبث كل ما من شأنه الفرقة بين الأقليات ،ومحاولة إيهامهم بأن المعارضة والثوار ماهم إلا إرهابيون مدعومون من الخارج ...وبحسب"رويترز"فإن بعض هؤلاء الشباب في اللجان الشعبية اكتشفوا لاحقا"أن من قتلوهم ليسوا الإ ناشطون معارضون لايحملون السلاح...كل ذلك أصبح يعرفه ويقر به معظم أهل دمشق وضواحيها وأصبحوا يتحدثون به همسا" احيانا"وعلانية بدون خوف او وجل في أغلب الأحيان بعد أن تعلموا من أطفالهم وصغارهم كيف يروضوا الخوف الذي رافقهم سنوات طويلة.
فمنذ بدايات ثورة أحرار سورية على الطاغية وزبانيته،بادر نظام الأسد إلى بث الفرقة والتشرذم الطائفي في سورية،فقط من اجل البقاء والاستمرار بحكم سورية الى الأبد كما توهم،ولقد كان سلوك الطائفة العلوية بشكل خاص ومعها البعض من الطائفة الدرزيةغريب جدا" عن تقاليد التعايش والسلم الأهلي بين أهالي سورية على مختلف طوائفهم....وخصوصا"المتعلمين والمثقفيين منهم حيث أنهم اندفعوا بكل غباء خلف الدعاية الأسدية عن الارهابيين الاسلاميين والمؤامرة الكونية على أنظمة المقاومة الممانعة لوهمية..
فبعد أن كان هؤلاء يتحدثون عن مفاسد ومباذل آل الأسد وآل مخلوف وعن الفساد والافساد الذي يمارسونه ،ونهب المال العام والخاص والتخلف الذي يحيط بكل جوانب الحياة في سورية ،حتى ليظن من يسمعهم انذاك أنهم سيكونون طليعة الثائرين على حكم الأسد ،هذا الحكم الذي خطف الدولة السورية وحولها الى مزرعة له ولعائلته وحول الشعب السوري الى عبيد وخدم في هذه المزرعة ..فقد تحول هؤلاء وفجأة الى مدافعين شرسين عن الأسد وعن نظامه ،وهنا يستحضرني النقاش الذي كان يدور بيني وبين أحد أصدقائي من الطائفة العلوية ،والذي كان من أشد المنتقدين لآل الأسد ولطريقتهم في الحكم ،وكان ذلك في بدايات الثورة حيث أظهر دفاعا" مستميتا" عن بشار الأسد مدعيا" عدم وجود بديل عنه في الوقت
الحاضر ومتسائلا":من هو البديل لدى الطائفة السنية عن بشار الأسد؟ ؛..وبعد أن كان ينتقد أحاديث الأسد عن الاصلاح والتطوير أصبح يقول أن مصلحة سورية هي بقاء بشار لإدارة الاصلاح ....وعندما كنا نتحدث عن المظاهرات السلمية أصبح ينتقدها حتى فاجأني في إحدى المرات بقوله :فليخرجوا في مظاهراتهم ..وسيبقى الأمن يقتلهم حتى يعودوا إلى بيوتهم ولا يفكروا مرة أخرى بالخروج؟
هكذا بكل بساطة عاد هذا الصديق المثقف الى عباءة طائفته المنغلقة وأظهر كراهيته للطائفة الأخرى التي هي الأكثر عددا" وأصبح إسلام السنه دلالة على التخلف ورموزه متزمتين ومتخلفين وارهابيين ..أما إسلام إيران فهو المتحرر والعقلاني والانساني... فحزب الله ديمقراطي ومتحرر وحضاري أما الإسلام السني فهو وهابي إرهابي متزمت متحجر....
ولذا ،فبعدا حوالي عشرين شهرا" من القهر والظلم والطغيان الذي قاساه الشعب السوري من قبل آل الأسد تؤازره وتعينه أكثرية الطائفة العلوية دون وعي أو تبصر بالمصير الذي ستؤول إليه الأمور في قادم الأيام ...خرج أحد الثأئرين عن صمته فقال :
عذرا" ممن ينادون بالعيش المشترك...
عذرا" ممن يدافعون عن طائفة الموت..
عذرا" ممن يتبجحون بالديمقراطية وتعدد الطوائف....
عذرا" من بعض شرفاء الطائفة العلوية.....
كلما قررت أن أخرج من عباءة الطائفية وكلما قررت أن لا أكون طائفيا...
وكلما قررت أن أنسى وأمحي من ذاكرتي مشاهد قرية البيضا في بانياس...
ومشاهد الذبح في الحولة ومشاهد تدمير بابا عمرو ومشاهد قصف المآذن...
ومشاهد ومشاهد ومجازر ...
أجد نفسي أمام دافع لامهرب منه ولامفر....
واقع أليم بآلام جميع من في الأرض...
أجد نفسي مرغماً أن أكون طائفياً ليس لأنني طائفي وليس لأنني أكره الطوائف الأخرى ...
ولكنني لأنني إنسان مخلوق من مشاعر وأحاسيس...
نعم لقد نجح الطاغية في تدمير جل سوريا وتحقيق مقولة شبيحته :"الأسد أو نحرق البلد"،ونجح في تمزيق النسيج الاجتماعي بسوريا ..وتدمير السلم الأهلي بين مكونات الشعب السوري وهذا يعني أن الضرر سيكون كبيرا" ولمرحلة مقبلة قد تطول وستشمل المنطقة برمتها،وسيكون الأمر صعبا" ومعقدا"وكلما تأخر سقوط الطاغية ونظامه الذي يقوم اليوم بأعمالٍ لاتقل خطورة عن تحريك الأسلحة الكيماوية التي تشغل الغرب.....
والعجيب أننا وبعد كل هذه الكوارث التي يقوم بها هذا الطاغية وأعوانه في بلدنا نحتاج الى القيام بشرح وتفصيل حجم المأساة...ولكن العجب الأكبر أن البعض لايريدون أن يصدقوا أو يعقلوا ويستوعبوا الأمور على حقيقتها ...فمتى يستيقظون من سباتهم وغفلتهم....