حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
مخاطر الإسلام السياسي على حركة التحرر العربي ..الاسلام بشقيه بخدمة الغرب الامبريالي - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+--- الموضوع: مخاطر الإسلام السياسي على حركة التحرر العربي ..الاسلام بشقيه بخدمة الغرب الامبريالي (/showthread.php?tid=49715)



مخاطر الإسلام السياسي على حركة التحرر العربي ..الاسلام بشقيه بخدمة الغرب الامبريالي - زحل بن شمسين - 12-26-2012

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ




المخاطر الإيديولوجية لحركات الإسلام السياسي على حركة التحرر العربي




شبكة البصرة




سوف نستند إلى دراسة منشورة سابقاً بتاريخ 23/1/2010، تحت عنوان (العلاقات العربية – الإيرانية)
، وفيها درسنا مخاطر حركة (ولاية الفقيه) كحركة شيعية، وقمنا بمقارنات بينها وبين خطورة حركات
الإسلام السياسي السنية.


في الرابط التالي:

http://www.albasrah.net/ar_articles_2010/1010/qarib_131010.htm

شبكة البصرة

الجمعة 8 صفر 1434 / 21 كانون الاول2012


مخاطر الإسلام السياسي على حركة التحرر العربي .. - زحل بن شمسين - 01-01-2013

أضواء على نشأة حركات الإسلام السياسي والقضايا الخلافية بينها

أضواء على نشأة حركات الإسلام السياسي والقضايا الخلافية بينها (1-5)
الحلقة الأولى: الحركات الإسلامية من مرحلة التبشير إلى مرحلة التنظيم

http://www.albasrah.net/ar_articles_2012/1212/qarib1_131212.htm


أضواء على نشأة حركات الإسلام السياسي والقضايا الخلافية بينها (2-5)
الحلقة الثانية: حركة الإخوان المسلمين
http://www.albasrah.net/ar_articles_2012/1212/qarib2_151212.htm


أضواء على نشأة حركات الإسلام السياسي والقضايا الخلافية بينها (4-5)
الحلقة الرابعة: حركة الإحياء الإسلامي وسيادة مبدأ الاتهام بالردة
http://www.albasrah.net/ar_articles_2012/1212/qarib4_181212.htm


أضواء على نشأة حركات الإسلام السياسي والقضايا الخلافية بينها (5-5)
الحلقة الخامسة: إشكالية مقاربة النص الإسلامي مع انتشار العولمة/الأنسنة
http://www.albasrah.net/ar_articles_2012/1212/qarib5_191212.htm



أضواء على نشأة حركات الإسلام السياسي والقضايا الخلافية بينها
(3/ 5)
الحلقة الثالثة:
حركة ولاية الفقيه
مع ملحق فكري يؤصِّل لنشأة النظرية





أضواء على نشأة حركات الإسلام السياسي والقضايا الخلافية بينها (3/ 5)

أضواء على نشأة حركات الإسلام السياسي والقضايا الخلافية بينها
(3/ 5)
الحلقة الثالثة:
حركة ولاية الفقيه
مع ملحق فكري يؤصِّل لنشأة النظرية
استناداً إلى مقاطع منتخبة من الفصل السادس من كتاب (الردة في الإسلام)، المنشور في العام 1999، لمؤلفه حسن خليل غريب، سننشر خمس حلقات تعالج هذا الموضوع، وقمنا بتقسيمها إلى موضوعين رئيسين، وهما:
أولاً: التعريف بأهم حركتين بينها، وقسمناها إلى ثلاث حلقات:
-الحلقة الأولى: الحركات الإسلامية من مرحلة التبشير إلى مرحلة التنظيم:
-الحلقة الثانية: حركة الإخوان المسلمين
-الحلقة الثالثة: حركة ولاية الفقيه
ثانياً: القضايا الخلافية بين حركات الإسلام السياسي:
-الحلقة الرابعة: حركـة الإحياء الإسلامي وسيادة مبدأ الاتهام بالردة
-الحلقة الخامسة: إشكالية مقاربـة النص الإسلامي مع انتشار العولمـة/ الأنسنـة

الحلقة الثالثة: حركة ولاية الفقيه
د – الشيعة الإثني عشرية تتبنَّى خط التنظيم الحزبي الإسلامي: يميِّز مرتضى المطهري (ت في العام 1399هـ=1979م) –أحد رجالات الثورة الإيرانية- خصائص الحركات الشيعية عن الحركات الإصلاحية السُنِّيَّة بما يلي: قلما يقتصر المحيط الشيعي على طرح الكلام عن الإصلاح أو النظريات الإصلاحية، وقلَّ ما بُحِثَت مواضيع حول: ما العمل؟ ولكن مع ذلك فقد ظهرت الشيعة في حركات إصلاحية، خصوصاً كحركات مضادَّة للديكتاتورية والاستعمار. وتكلم، في المقابل، علماء الدين السُنَّة عن الإصلاح، ولم يقودوا حركات ثورية في سبيله؛ وعلى العكس من ذلك قاد علماء الدين الشيعة الحركات الثورية من دون أن يطرحوا نظريات إصلاحية.
يعيد المطهري أسباب ذلك، فيقول: «هو ارتباط هذه القضية بالنظام الخاص (لرجال الدين الشيعة) و(رجال الدين السًنَّة). يقع جهاز رجال الدين السُنَّة-تقريباً- بيد الحكام الذين يعتبرونهم من (أولي الأمر)… فجهاز رجال الدين السُنَّة جهاز منتمٍ وتابع، والجهاز المنتمي والتابع لا يستطيع أن يقف ضد القوة التي ينتمي إليها… في حين أن جهاز رجال الدين الشيعي هو جهاز مستقل بحد ذاته. فمن الناحية المعنوية يتكئ على قدرة الله، ومن الناحية الاجتماعية يعتمد على قوة الناس، ولهذا السبب كان رجال الدين الشيعة، وعلى طول التاريخ، قوة تعارض وتحارب الظالمين».
من الواقعي أن يقف السُنَّة في صف الموالاة لنظام إسلامي كان يتبنَّى المذاهب السُنِّيَّة مذهباً رسمياً، وبشكل خاص في العهود العباسية والعثمانية، وأن يقف الشيعة في صف المعارضة لنظام لم يكن يعترف بمذهبهم. وتنقلب المواقف في العهد الفاطمي. ولو بقي المطهري حياً، بعد انتصار الثورة الإيرانية، لكان من المنطقي أن يقف في صف الموالاة للنظام القائم وليس في صف المعارضة. وإنه على العكس مما قاله المطهَّري فقد وقفت بعض الحركات السُنِّيَّة في صف الثورة ضد النظام السني، وقد مرَّت معنا وقائع في البحث تؤيد هذه النتائج.
وعلى العموم، يرى المطهري، أن الثورة هي من فضيلة (نهضات الأنبياء)، أي أنها تقوم على أساس الشعور الإلهي الذي نجد جذوره في أعماق الفطرة البشرية، وينبع من الضمير الباطني للإنسان. أما جذور الثورة فتنبت عندما تقع أحداث تصب في غير مصلحة الأهداف الإسلامية السامية.
تعود بداية التفكير الشيعي الإثني عشري بسلوك الخط التنظيمي الحزبي الديني إلى العام (1378هـ؟=1959م؟)؛ وقد كانت البداية في تأسيس حزب الدعوة الإسلامي-الشيعي في العراق، وانتقل إلى لبنان في النصف الثاني من الستينات من القرن20م. وكان قد تمَّ تأسيس الحزب على قاعدة شرعية أن يتسلّم العلماء الحكم ويقومون به، وأن يعتنوا بالسياسة والاقتصاد، وأن يطلبوا قيام دولة إسلامية عالمية.
ومن وسائل الحزب التنظيمية أن يجمع طالب العلم بين التحصيل الديني، وبين أنشطة حياة عادية؛ و يُعَدُّ هذا الجمع ضروري للدعوة وحزبها. فالداعي يقوم بنشاط التدريس الديني، ومشاركة الناس في أعمالهم، ومعايشة همومهم و قضاياهم. بالإضافة إلى ذلك، فقد تدرَّب أعضاء الحزب على العمل المسلَّح في أوائل السبعينات من القرن 20م؛ وتخرَّج منهم عدد من الإنتحاريين.
عمل حزب الدعوة، ومن بعده «حزب الله» -منذ أوائل الثمانينات من القرن20م- على بناء الشخصية الإسلامية التامة من خلال المدارس والحوزات، وإعداد «الملتزم الرسالي». ويتحصَّن المجتمع الإسلامي عندهم، أي مجتمع «الحكم الشرعي» العامل بولاية الفقيه « الإمام قائد الأمة»، بالمسجد أو بالنادي الحسيني.
وبسبب ندرة المعلومات عن حزب الدعوة، وبعد تأسيس حزب الله في أوائل الثمانينات، نحسب أن التنظيمين أصبحا تنظيماً واحداً، بحيث أصبح حزب الله وحيداً في الواجهة السياسية والعقائدية الشيعية. أما المنطلقات الأساسية لحزب الله: «هم أصحاب رسالة، والأساس في بنيتهم العقائدية هو القرآن الكريم. إذن، الرسالة التي يحملونها هي الرسالة التي يجب أن تعمَّ العالم، حتى تعيش الإنسانية مباديء وتشريعات وأخلاق القرآن … من هنا يتحدد نوع العمل، عمل تحكمه الرسالة ولا يحكمه الإنسان…».
فالإسلام ليس «رسالة تبشيرية فقط، وإنما رسالة تبشيرية ورسالة لإقامة مجتمع العدالة في الأرض»؛ لهذا تعمل جماعة حزب الله «من أجل مجتمع سياسي متجدد، ومستقل في هويته وشخصيته الحضارية؛ وهذا يفرض-بالتأكيد-حالة صراع مع كل التجمعات البشرية التي ترفض أن تتعامل مع الإسلام كرسالة للحياة»، وقد سبقت هذا الهدف «محطات تاريخية مذهلة جداً، وفيها ما يكفي لبناء مجتمع يحمل روحية الثورات…».
وفي سبيل العمل من أجل هذا الهدف، كما يقول أحد قادتهم: «نحن اليوم ندرس مشروعاً إسلامياً مبنياً على الفكر والرسالة؛ فالمشروع المطروح على العالم اليوم/ هو مشروع الأمة، دولة الإسلام الكبرى… نحن مقبلون على حالة وعمل توحيدي للشعوب في المنطقة… [وهناك] توجد كل الفرص لاستمرار وتوسيع هذا المشروع، وهذا ما عبَّر عنه الإمام الخميني بتصدير الثورة».
وعن قيادة المشروع، يقول: «فالقيادة تتمثل في الرسول وفي الأئمة المعروفين، وبعد الأئمة الفقهاء الأولين. وفي الوقت الحاضر نحن نعيش على غيبة الإمام المنتظر؛ فالقيادة في هذا العصر تتمثَّل في قيادة الفقهاء العدول».
أما كيف يمكن للدعوة الإسلامية -حسب وجهة نظر حزب الله- أن تعالج إشكاليات العلاقة بين المذاهب الإسلامية، ومع أصحاب الديانات السماوية الأخرى، ومع الأحزاب والحركات القومية؟
-حول العلاقات بين السُنَّة والشيعة: «نستطيع القول إن هناك حالة شكلية طائفية أو مذهبية، أكثر منها حالة اختلاف في خلفيات فكرية عميقة…بل نشعر بوجود حدود نفسية، ربما تعود في بعض الحالات إلى ابتعاد السًنَّة عن الشيعة في مجتمعاتهم، جغرافياً وتاريخياً …لكن أعتقد أن الزمن يَحِلُّ كثيراً من هذه المشاكل».
-وحول العلاقات مع أصحاب الديانات السماوية: «إذا كانت القضية قضية ما تعتبرونه انتقاصاً من كرامة المسيحي في نظام أهل الذمة، فيمكن عندئذ التفكير في هذا، من خلال إدارة الحوار في طبيعة الطرح الإسلامي في هذا الموضوع. وما حدث في التاريخ… هل كان مردُّه إلى الخط الإسلامي، أم إلى إساءة في التطبيق؟».
-وحول العلاقة مع الحركات القومية: «ربما كان بعض أسباب نجاح الحركات القومية في الساحة العربية –على الأقل- مرتبطاً بقضية التحرر من الاستعمار، ومن ضغط الاستبداد الذي كانت تمارسه الخلافة العثمانية». ومع ذلك: «لا نشعر أن القومية العربية –كإطار ومضمون- شيء واقعي. ولكن إذا وُجِدَت جماعات تفكر قومياً، فنحن لا نمانع أن نتعاون معها كمسلمين أو كإسلاميين في مواجهة الاستعمار …ولا يعني تعاونك مع أي فريق في مرحلة ما، أنك تعترف بشرعية فكرته…نحن نشعر أننا لا نستطيع في كل القضايا أن نقوم بها وحدنا».
كانت الدعوة إلى مركزية الدولة الإسلامية واضحة في بدايات مراحل تأسيس «حزب الله»، فالدين عند الله الإسلام؛ ولهذا قام الدعاة للحزب على حمل تابعيهم على تجاوز كل ما هو عائلي ووطني، ودعوا إلى الانتساب لله وحزبه من جهة، والإقرار بمركزية الثورة الإسلامية في إيران، كنواة لبناء الدولة الإسلامية، من جهة أخرى.
وقد شهد الحزب تحولات في مواقفه، فبعد أن اشترك في تظاهرة ترفع شعار (لا حاكمية إلا لله) ؛ وأخذت تحولات على المواقف تظهر –منذ أوائل التسعينات من القرن 20م –في اتخاذ مواقف سياسية جديدة، وذلك بالانخراط في المعركة الإصلاحية، والدعوة إلى ضمان الحريات السياسية والفكرية والإعلامية.
ومن الحاكمية لله تصبح القيم الإسلامية «قيم واقعية، وليست مثالية، ليست قيماً مطلقة، لأنه ليس في الحياة من مطلق…»؛ ويصبح الإسلام والمسيحية والماركسية «طروحات فكرية تتسع لجميع الناس! وكل فكر يمكن أن يقبله بعض الناس ويرفضه بعض الناس».


ملحق عن ولاية الفقيه مُستلٌّ من الفصل الأول من كتاب (نحو تاريخ فكري – سياسي لشيعة لبنان) لمؤلفه حسن خليل غريب، علماً أن البحث فيه أُنجِزَ في العام 1990. ولمن يريد الاستزادة يمكنه مراجعة الكتاب المذكور المنشور في أكثر من موقع الكتروني ومن أهمها مدونة (العروبة).
IV - الاتجاهـات السياسية في الفكر الشيعي
بقيت الاتجاهات الفكرية الشيعية موحَّدَة في مصادرها الأساسية، ولكن تباينت عندهم الاتجاهات السياسية حينما ساد -في مرحلتنا المعاصرة- تياران سياسيان يدافع كل منهما عن اتجاهاته بنصوص إسلامية عامة و بنصوص شيعية خاصة:
-التيار الأول و يُعرَف «بولاية الفقيه»؛
-أما التيار الثاني فهو التيار المحافظ الذي يرفض القول بهذه الولاية، ويستمر برفضه ما دام الإمام المهدي غائباً.
فما هي مضامين هذين التيارين ؟

-التيـار الأول:بناء الدولة الإسلامية على قاعدة ولاية الفقيه:
لقد طال غياب الإمام المهدي المنتظر، و بقي الشيعة في حال انتظار طويلة ملتزمين مبدأ التقية، يمارسون الشعائر الدينية الإسلامية، و يخضعون لسلطات لا يؤمنون بصلاحها. ولأنه «في عصر الغيبة كان الشيعة و فقهاؤهم مشرَّدين غالباً في شدة و تقية، فكانوا آيسين من رجوع الحكومة إليهم، ويرون كأنه بمنزلة أمر ممتنع»([1]). وقد انقرض ملك بني العباس، ولم يظهر أحد من أهل البيت يشير بالتقى، و يعمل بالهدى([2]). و قد أخذت مدة الانتظار تطول، و لطول المدة أخذت تتحول إلى تساؤلات عند بعض فقهائهم، فلجأ هؤلاء الفقهاء إلى اتخاذ مواقف بقيت إلى حد ما مجهولة و محصورة في نطاق ضيق، إلى أن وصلت إلى حدود الإعلان و النشر و المناقشة ثم إلى الدعوة جهراً؛ و كان أبرز ما انبثقت عنه تلك المرحلة هو الدعوة التي أقرت بجواز أن يتولى الفقيه مسئوليات الإمام في فترة غيابه.
رأى بعض رجال الدين الشيعة، وأبرزهم الخميني، أن عصر الغيبة الكبرى طال أكثر من ألف و مائتي عاماً تقريباً، و قد يطول أكثر من ذلك؛ ورأى أن للإسلام «أحكامه النظامية والسياسية وقوانينه الإدارية والعسكرية التي لا تزال صالحة للتطبيق على الحياة العامة من غير تحوير شعرة [ولا ينقصها إلا أنها] بحاجة ماسة إلى ضامن إجراء مبسوط اليد، نافذ الكلمة، مُطاع على الإطلاق [وإن الإسلام قد] فوَّض تولي أمور المسلمين إلى الفقهاء العدول[و] إن وظيفة الفقيه العارف بأحكام الشريعة هي النهضة والانتفاضة وإعلاء كلمة الله في الأرض والمجاهدة وتطهير أرض الله من أعداء الله»([3]).
أما في المرحلة التي جاءت بعد غيبة الإمام المنتظر، و هي مرحلة انتظار عودته، فيرى الخميني أنه ولدت دعوات مستمرة لفصل الدين عن الدولة وعن السلطة السياسية، وأن المستفيد من ذلك هو المستعمر الذي أراد فصلهما مع أن النبي محمداً، و الخلفاء الراشدين، قد مارسوا بأنفسهم شؤون سياسة البلاد، فالمستعمر يهدف من وراء دعوته «إلى إبعاد رجال الدين عن ساحة السياسة، وعن التدخل في شؤون الدولة إطلاقاً، لكي ينطلق عملاء الاستعمار في أعمالهم التعسفية…»([4]). وقد رأى الخميني، كذلك، أن بعض رجال الدين الشيعة قد خضعوا لهذه الدعوات؛ فهم برأيه يحتاجون إلى التقريع، و قد خاطبهم بقوله: «الدعايات الأجنبية هي التي بلغت بكم هذا المبلغ الهابط، وهيأت لكم هذا الوضع المخزي، وعرفتكم إلى الملأ الأعلى شرذمة رجعية مُتزمِّتة تجمَّعت في النجف وقم، وما شأنها والتدخل في سياسة البلاد»([5]).
يحصر الخميني أسباب التأخر في بناء الدولة الإسلامية في سببين اثنين: أولهما الاضطهاد الذي عانى منه الشيعة الشيء الكثير عبر التاريخ الإسلامي؛ أما الثاني فتآمر من المستعمر واستجابة من فقهاء الشيعة إلى فصل الدين عن السياسة. وهو إذ يحدد هذين السببين ويحصر المشكلة فيهما، ينسى أن مبدأ التقية قد وضعه الإمام جعفر الصادق-باني الأسس للعقيدة الشيعية ومن بعده ساد الاعتقاد بين فقهاء الشيعة بأن التقية هي من أسس المذهب لأن (من لا تقية له لا دين له)، وهل التقية إلا فصل للدين عن السياسة ؟
قبل أن يُحسم الجدل عند الشيعة حول هل يجوز لهم أن يؤسسوا دولة إسلامية ويمارسوا السلطة السياسية في زمن الغيبة أو لا يجوز، يرى الخميني أنه في تأخير تأسيس الدولة الإسلامية حتى ظهور الإمام مؤامرة على الإسلام و المسلمين. لكن مضمون الحكم وأسسه ليس موضوع جدل، و من هنا يرى الخميني أن القوانين «جاءت من عند الله لغاية تطبيقها على الحياة…[و ما على الولاة سوى] … تنفيذ الخطة القائمة من دون مدخلية لآرائهم الشخصية في…- سواءٌ الرئيس أم المرؤوس - التدخل في شؤون أحكام الله على الإطلاق…[و]…إن ولاة الأمر في الإسلام يتبعون الرسول الأعظم، و الرسول يتبع القانون الإلهي الحكيم»([6]).
تعرَّض مبدأ التقية عند الشيعة الإثني عشرية للنقد والتقريع والنقض من قبل عدد من رجال الدين الشيعة أنفسهم؛ وقالوا إنه أصبح بغير فائدة أو مغزى، ذلك، بعد أن عرفوا أن المستعمر هو المستفيد من التزام الشيعة به. والحل هو أن يفكَّ الشيعة ارتباطهم بمبدأ انتظار الإمام الغائب، لأن الانتظار مدة أكثر أصبح مسألة لا تجوز.
إن قناعة الخميني في وجوب بناء دولة إسلامية لتأمين مصالح المسلمين من خلال تطبيق الشرائع الإسلامية، كان من أهم الأسباب التي دفعت به لتحييد مبدأ انتظار ظهور المهدي، و إنه متى تأسست الحكومة الإسلامية على الفقهاء أن يتولوا السلطات الدينية والزمنية. فما هي الأسس العقيدية والسياسية التي يراها الخميني صالحة وقادرة على تشكيل نظام يدير شؤون المسلمين؟
يرى الخميني أنه من غير الجائز على المسلمين أن ينتظروا ظهور المهدي أكثر مما انتظروا. والسبب أن الإسلام يشكل مجموعة من القوانين التي جاءت من عند الله أولاً، ولأنه «لم يختلف أحد من المسلمين في ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية منذ الصدر الأول للإسلام([7]).
بعد أن اقتنع رجال الدين الشيعة الإيرانيون، بناء لنظرية الخميني في ولاية الفقيه، بخطأ اتباع مبدأ التقية من جهة، و عدم جواز انتظار ظهور الإمام المهدي إلى ما لانهاية من جهة أخرى، وجدوا أن الوقت أصبح مناسباً لإعلان الدولة الإسلامية، خاصة -كما يحسب منتظري-أنه «بعدما شملت عناية الله المسلمين في إيران الإسلامية، صار البحث في الحكومة الإسلامية بشؤونها المختلفة ضرورياً»([8]).
استناداً إلى ذلك لم يكن الاختلاف حول ضرورة تشكيل الحكومة أو عدم تشكيلها هو المشكلة في أثناء غياب المهدي المنتظر، وإنما أصبحت تتعلق في توفر الظروف المناسبة أو عدم توفرها، لهذا بعد أن أصبحت الظروف مؤاتية في إيران أصبح لزاماً على المسلمين-حتى في زمن الغيبة- ضرورة البحث عن الحكومة و فض الاختلاف «في نوعية تشكيلها، وفي الشرائط اللازمة في شخص الحاكم الإسلامي([9])؛لأنه إذا اجتمع فقهاء المسلمين في هذا العصر «وأجمعوا رأيهم لكان بوسعهم تشكيل حكومة إسلامية عادلة من غير ريب»([10]).
لكن البحث في الشرائط اللازمة للحاكم، و الشرائط المطلوبة لبناء الدولة الإسلامية يصبح غير ذي مضمون في الحالة التي يظهر فيها الإمام المنتظر، لأنه بظهوره -كما يحسب منتظري-«يغنينا من هذه الأبحاث العريضة»([11]). وكأننا بمنتظري لا يخرج عن دائرة المنطق التخميني، فلا اليقين ثابتاً عنده في مبدأ انتظار الإمام، و ليس يقيناً ثابتاً في نظرية ولاية الفقيه؛ فأيهما الجاهز للتطبيق فهو الأصلح للعمل بمقتضياته.
وهنا كيف تنظر الخمينية إلى الشرائط المطلوب توفرها في الحاكم الإسلامي في زمن الغيبة ؟
يرى المنتظري : «أن السيادة والحاكمية لله تعالى فقط، وبيده التشريع والحكم (إن الحكم لله). والنبي r أيضاً لم يكن له حق الحكم إلا بعد ما فوَّض الله إليه ذلك، ولم يكن يتَّبِع في حكمه إلا ما كان يُوحى إليه. والأئمة، أيضاً، قد انتُخِبوا من قبل النبي r بأمر الله تعالى بلا واسطة أو مع الواسطة، حتى إن الفقهاء في عصر الغيبة، أيضاً، نُصِبوا من قبل أئمتنا (ع) لذلك، و إلا لم يكن لهم حق الحكم. و ليس لانتخاب الناس أثر في هذا المجال أصلاً. فالحكومة الإسلامية ثيوقراطية محضة»([12]).
ولأنه لم يتعيَّن شخص الحاكم الإسلامي بالنص في عصر الغيبة، يحدد منتظري طريقة اختياره وشروطها، فهو يقول : «في عصر الغيبة إن ثَبتَ نصب الأئمة(ع)للفقهاء الواجدين للشرائط بالنصب العام بعنوان الولاية الفعلية، وإلا وجب على الأمة تشخيص الفقيه الواجد للشرائط وترشيحه وانتخابه، إما بمرحلة واحدة أو بمرحلتين: بأن ينتخب أهل كل صقع وناحية بعض أهل الخبرة، ثم يجتمع أهل الخبرة وينتخبون الفقيه الواجد للشرائط والياً على المسلمين»([13]). ولكن إن أشكل أو تعسَّر على الأمة انتخاب الإمام بسبب اتساع البلدان، فيمكن أن يتم الانتخاب على مرحلتين أو عدة مراحل([14]).
فانتخاب الحاكم الإسلامي خاضع لشرائط يجب أن تتوفر فيه، منها العلم والعدالة؛ وهما شرطان أساسيان «يجب توفرهما في شخص الزعيم الإسلامي:معرفته الكاملة بالقانون، وعدالته العامة بالتنفيذ»([15]).
لكن معرفة الحاكم الإسلامي بالقانون ليست معرفة وضعية، وتنفيذه له ليس خاضعاً لأية قاعدة وضعية؛ وإنما «الأمر الذي يتوافق العقل والشرع عليه:لا حكم لغير القانون، فلا أحد يحكم الآخرين، ولا الجماعة يحكمون هم أنفسهم، إنما القانون الإلهي يتصدى بتنفيذه الحاكم الإسلامي الذي جاء تعيينه من قبل الله، و المتوفر فيه الشرطان الآنفان (العلم والعدالة)»([16]).
فللفقيه الجامع للشرائط، الذي هو نائب للإمام، سلطة مُطلَقَة في أصول المعرفة الدينية، وله أيضاً السلطة المطلقة في المعرفة السياسية وتطبيق هذه المعرفة، فهو الذي يتولَّى «الزعامة الكبرى و الرئاسة العليا [وهو] المصدر للقيادة العليا الإسلامية… فالأمراء والقواد هم الممتثلون لأوامر الفقيه الشاغل لمنصب الزعامة، الواقع في قمة الحكم، والبقية مأمورون مؤتَمِرون [وهو] المخوَّل من قبل الله في إجراء الحدود»([17]).
يصف المظفر صلاحيات الفقيه بأنه: «نائب الإمام (ع) في حال غيبته، وهو الحاكم والرئيس المطلق، له ما للإمام…والراد عليه راد على الإمام، والراد على الإمام راد على الله تعالى وهو على حد الشرك بالله»([18]).
وللفقيه سلطات واسعة غير محدودة، أُعطِيَت إليه من الله تعالى، وهي -كما يراها الخميني : «إجراء الحدود وفصل قضايا الناس، والتصرف في بيت مال المسلمين، وفي شؤون المجتمع، والخلاصة: أن بيده أزمَّة الأمور كلها، الله أعطاه هذا الاختيار، وأوكل إليه أمر الأمة»([19]).
إن حاكماً إسلامياً بهذا القدر من الصلاحيات والسلطات المطلقة، والموكولة إليه من الله، كيف يرى القائلون بولاية الفقيه علاقته مع الفقهاء الآخرين ؟
يرى الخميني أن من واجب الفقهاء بما هم فقهاء، إذا كانوا في خارج السلطة، أن يجتمعوا ويتشاوروا ويفكروا في حلول لمشكل الأمة الإسلامية. أما إذا استولوا على السلطة فليوكلوها إلى أفراد صالحين حتى و إن لم يكونوا فقهاء، و لكن على أساس أن يكون للزعماء الرئاسة العليا، أما الآخرون فيكونون لهم مشاورين»([20]). ولكن الخميني يحدد علاقة الفقيه الموجود على رأس السلطة مع الفقهاء الآخرين، كما يلي : «إن ولاية الفقيه ليست مطلقة لتكون لكل فقيه الولاية على سائر الفقهاء في زمانه لينصب من يشاء منهم ويعزل من يشاء، وإنما له الولاية العامة دون هذه المرتبة»([21]).
وكيف يرى أصحاب نظرية ولاية الفقيه العلاقة بين الفقيه الوالي وبين الإمام ؟ وهل في هذه العلاقة تطابق كامل ومطلق، أم أن هناك ما يستدعي التمييز ؟
يرى الخميني أن هناك فرقاً بين الفقيه من جهة وبين النبي و الإمام من جهة أخرى؛ وإن «هذا الفرق يرجع إلى خصوصيات شخصية و ملكات ذاتية ليست تمس جوانب الزعامة في شيء»([22]). و يرى، أيضاً، أن الفقيه لا يداني النبي و الإمام فضيلة أو مكرمة. ولكن يرى من جانب آخر أن هناك حدوداً للتطابق بين النبي والإمام والفقيه، حيث يقول إن: «الزعامة المحدودة بحدود القانون لا يختلف مجال تنفيذها بالنسبة إلى النبيr والإمام (ع) والفقيه. إن الحكومة تكون للعالم العادل: نبياً أم إماماً أم فقيهاً عادلاً»([23]).
وهل يعني ذلك أن نصعد بالفقيه إلى مرتبة الإمام، أو النزول بالإمام إلى مرتبة الفقيه؟ هنا يعتقد الخميني أنه، باستثناء الفرق بالخصوصيات الشخصية والملكات الذاتية، «لا فرق بين الإمام و الفقيه في وظيفة القيام بإدارة شؤون المجتمع الإسلامي وفق القانون الإلهي العام»([24]).
ولا بد من الإشارة إلى أن للفقيه-من ضمن ولايته، إضافة إلى ولاية أمور الدين والدنيا-مهمة الأمانة على أموال المسلمين، وعلى أموال فقراء السادة من آل الرسول.
يهتم الشيعة اهتماماً خاصاً بأموال السادة، التي لها امتياز خاص وقد سُلِّمَت أمانتها للفقيه مباشرة من جهة، و إيداعها في فرع مستقل عن أموال بيت مال المسلمين من جهة أخرى. فحول هذه المسألة يقول الخميني : «إن صندوق الدولة الإسلامية ذو جوانب وفروع:فرع تتجمَّع فيه الأخماس، وفرع تتجمع فيه الزكوات، وفرع تتجمع فيه الخراجات وهلمَّ جرَّاً. فقد (تقرَّر) إعاشة فقراء السادة من آل الرسولr من صندوق الأخماس ترفقاً بمقامهم العلي أن يتناولوا من أوساخ الناس -كما في الحديث-و (تقرر) إعاشة سائر فقراء الناس من صندوق الزكوات»([25]). أما إذا زاد السهم المدفوع للسادة أو نقص، فقد «جاء في الأثر أن فقراء السادة إذا زاد السهم المدفوع إليهم عن كفاية عامتهم يردون الزيادة إلى الإمام، وإذا نقص يكمِّلهم الإمام من نفسه»([26]).
بعد أن قمنا بعرضٍ لمقومات نظرية ولاية الفقيه، لا بد من أن نتساءل:أين تلتقي ولاية الفقيه مع النظرية العامة في المعرفة عند الشيعة الإثني عشرية، على المستويين العرفاني، والاتجاهات السياسية وأين تفترق عنهما ؟
بما أن نظرية ولاية الفقيه التصقت، تاريخياً وسياسياً، بالخميني، فهي إذاً نظرية خمينية. واعتمدت في وجوب تطبيقها والعمل على هديها على المفاهيم التالية:
-لا يجوز انتظار المهدي المنتظر، وهو الذي طالت غيبته أكثر من ألف ومائتي عام، لأن غيبته قد تطول مدة مماثلة أو أكثر.
-للاستعمار مصلحة في فصل الدين عن الدولة، وانتظار المهدي لكي يقيم حكومة العدل هو منع رجال الدين من استلام السلطة.
-إن في الإسلام قوانين إلهية ثابتة لتنظيم شؤون الحكومة الإسلامية.
-إن الإسلام يواجه مشكلة تعيين أحد الفقهاء لتطبيق هذه القوانين.
أما بالنسبة إلى مبدأ ظهور المهدي فنجده في صلب نظرية المعرفة عند الشيعة، لأنه لا يجوز أن يطبِّق القوانين الإلهية سوى إمام معصوم، كي لا يقع الحاكم في أخطاء تضعف الثقة في التشريع الإسلامي. لذلك أصبح من الواجب انتظار ظهوره. أما النظرية الخمينية حول ولاية الفقيه فرأت في مسألة الانتظار ثغرتين:
-الثغرة الأولـى: حيث يرى الخميني أن الشيعة انتظروا الظهور مدة طويلة و كافية فأصبح من غير الجائز أن ينتظروا أكثر من ذلك. فأصبحت المشكلة و كأنها مسألة نفاذ صبر، وإذا كان ذلك كذلك فهناك احتمالان لتفسير موقفه هذا:
الأول: أن يكون نفاذ الصبر من الانتظار هو المشكلة فعلاً.
الثاني: أن تكون مسألة الانتظار متعارضة مع القوانين الإلهية، التي توجب تعيين إمام معصوم لتطبيق هذه القوانين، كما تنص عليه العقيدة الشيعية الإثني عشرية.
فإذا كان الاحتمال الأول هو الصحيح، فلماذا طال الصبر إلى مئات السنين ؟ أما كان من الأجدر التوفير على مصالح المسلمين الكثير من الوقت المهدور سدى بسبب نظرية الانتظار ؟
أما إذا كان الاحتمال الثاني هو الصحيح فكيف ينظر الخميني إلى إيمان الشيعة بوجوب ولاية الإمام المعصوم ؟
لا نصوص عند الخميني نستند إليها في التحليل، و إنما طريقنا الوحيد هو تفسير ما يقول، أي قراءة ما بين السطور، فإن ما يريد أن يقوله يُعبِّر عنه بنهج من المداورة و ليس المباشرة كما سنرى.
يرى الخميني، كما نحسب، أن النظرية الشيعية في وجوب ولاية الإمام المعصوم كأساس في نظرية الانتظار (انتظار الإمام المعصوم الغائب) لا تخلو من ثغرات، وأهمها:
-إن الله تعالى لو أراد أن لا يولِّي الحكم إلا لإمام معصوم لما كان عمل على تأخير ظهور المهدي مئات من السنين، و قد تطول المدة أكثر من ذلك؛ فلماذا الانتظار، إذاً؟ أليست نظرية الوجوب في ولاية الإمام المعصوم، كما يدل نفاذ الصبر عند الخميني، مسألة وهمية أو مستحيلة؟
فإذا كان يؤمن فعلاً بوجوب ولاية الإمام المعصوم، وأن ضرورة هذه الولاية ووجوبها منصوص عليه إلهياً، لكان من واجبه كشيعي أن ينتظر ظهور المهدي مهما طال الزمن، وإلا فإن نفاذ الصبر من انتظار تحقق أمر إلهي، هو الوقوع في معصية استعجال أمر الله الذي يكون قد عمل على تأخير الظهور لسبب لا يعلمه إلا هو. و لكن لشك في الإيمان حول نظرية الوجوب في ولاية الإمام المعصوم عجَّل بالتراجع عن ركن من أركان العقيدة الشيعية الإثني عشرية.
-يرى الخميني أن المستفيد من الانتظار هو المستعمر نفسه. و هنا نجد أن الخمينية تغلِّف ضعف إيمانها بنظرية ولاية الإمام المعصوم، و نظرية المهدية، مداورة وليس مباشرة، بقولها إن المستعمر هو المستفيد من الانتظار لأنه يريد أن يفصل الدين عن السياسة بإبعاده رجال الدين عن تسلُّم السلطات السياسية.
تطرح الخمينية هذا السبب لتبرير انقلابها، مداورة، على قواعد المعرفة الشيعية الأساسية، و هذا ما يدفعنا إلى التساؤل: هل كان الاستعمار، الذي يعنيه الخميني، موجوداً قبل العام 148هـ، حينما وضع الإمام الصادق مبدأ التقية ؟ و هل وضع هذا المبدأ ممالأة ومجاملة للوضع السياسي، الذي كان قائماً آنذاك ؟
وهل كان الاستعمار موجوداً في العام 260هـ-التاريخ الذي اختفى فيه الإمام محمد بن الحسن عن الأنظار- أو بعده بقليل ؟ وهل غير الفقهاء الشيعة هم الذين صاغوا نظرية انتظار الإمام المهدي ؟ وهل هناك أي شك بنواياهم السليمة عندما وضعوا هذه النظرية ؟ وهل أسهمت أية جهة معادية للشيعة في وضعها ؟
إن نظرية ولاية الفقيه هي انقلاب على أسس المعرفة الشيعية على الرغم من المنطق التبريري الذي حاول أن يوفِّق قواعدها مع أسس المعرفة الشيعية الأساسية حتى لا تبدو متعارضة مع تراث مئات السنين من الحجج الفقهية لبناء نسق معرفي للشيعة يتميَّزون به عن غيرهم من الفرق الإسلامية الأخرى.
إننا من الذين يرون ضرورة التجديد في الفكر الديني العام، ومنه الفكر الشيعي، وهذا التجديد هو مسألة مطلوبة بإلحاح؛ ومن هنا نرى أنه كان الأجدر بالخمينية ان تطرق باب التجديد مباشرة و ليس مداورة، و أن تطرقه بصورة شاملة و ليس بصورة جزئية؛ فالمدخل الجزئي للتغيير قد يردم ثغرات ليخلق ثغرات أخرى. ويأتي مُحاصَراً من اتجاهين: أولهما أنه لا يتوافق مع التيار المطالب بالتجديد الشامل، وثانيهما أنه لا يرضي التيار المحافظ. فسلبيات التجزيئية في التغيير تأتي بنتائج تفتيتية جديدة في داخل المذهب الواحد لتخلق أسباباً جديدة للصراع.
إنه بعد أن تشك الخمينية بركن من أركان المعرفة الشيعية من حيث إجازتها الخروج من مبدأ بدأت تتضح استحالته، و هو مبدأ انتظار ظهور المهدي؛ و من حيث تحميلها الاستعمار مسؤولية منع رجال الدين من استلام السلطة السياسية، تنطلق في عملية التنظير لمرحلة البناء الجديدة. فيقوم بناء السلطة السياسية الإسلامية-كما ترسمها نظرية ولاية الفقيه- على مسلَّمتين اثنتين:
-وجود الشرائع الإلهية الجاهزة للتطبيق.
-وإحلال الفقيه محل الإمام المعصوم و ذلك بإعطائه سلطات مطلقة، تصل إلى مصاف سلطات الإمام.
كل شيء جاهز للبناء الجديد، فلن يخشى المسلم، بعد تشكيل الحكومة الإسلامية، من أية مشكلة؛ فهو لن يخشى أن يواجه ظلماً ولا جوراً. فليس عليه إلا أن يُسلِّم مصيره إلى السلطات المطلقة، تشريعاً وسلطة سياسية، من دون نقاش أو جدال أو حتى من دون الحاجة إلى استخدام مقدراته العقلية إذا وُجِدَت، لأن كل شيء مرسوم بدقة متناهية؛ فإن ظُلِم المسلم في ظل هذه الحكومة فلخطأ من جنى يديه، وإن لم يواجه مشاكل فلأنه سلَّم أمره لسلطة الفقيه. وهل ما تقول به نظرية ولاية الفقيه إلا استحالة جديدة وانتظار جديد؟
فإذا كان صبر أصحاب نظرية ولاية الفقيه قد نفذ بعد ألف ومائتي عام، فكم هو مطلوب من أعوام الصبر كي تثبت نظرية ولاية الفقيه واقعيتها وصحتها وعدالتها ؟

-التيار الثاني:الاتجـاه المحافظ لا يُجيز الولايـة لغير الإمام المهدي المنتظر
ترى النظرية الشيعية المحافظة أن الولاية تبقى محصورة بالأئمة المعصومين؛ وعلى الشيعة انتظار عودة الإمام الغائب، الذي هو وحده مُكلَّف بتطبيق أحكام الله. ويُعدُّ هذا التيار الأساس في العقيدة الشيعية، فلماذا قمنا بدراسته كاتجاه ثان، إذاً ؟
لأن الأمر كذلك كان من منطق التسلسل أن ندرسه قبل أن نقوم بدراسة نظرية ولاية الفقيه، التي جاءت، زمنياً، بعده. لكن الأسباب المنهجية هي التي دفعت بنا إلى اتخاذ هذا المسلك.
لأن نظرية ولاية الفقيه لم تنل موافقة شيعية شاملة، ولأنها تشكل اليوم محوراً أساسياً في المناظرات الدائرة على الصعيدين الإسلامي العام و الشيعي الخاص، فقد وُجِّهت إليها انتقادات واسعة، و أحدثت حركة اعتراض في داخل الدائرة الشيعية، فانقسم الشيعة بين مؤيد لها و معترض عليها، فكان لا بد من أن نسلك الطريق المنهجي الذي سلكناه، وذلك لكي يطلع قارئ البحث على مضمون الإشكالية موضوع الجدال الدائر قبل أن يقرأ النقد الموجَّه إليها.
يعتقد فقهاء الشيعة الإثني عشرية، أساساً، أن النص على الإمام المعصوم من جهة، وانتظار ظهور الإمام الغائب من جهة أخرى، نابعان من الإيمان بوجوب تطبيق أحكام الشريعة الإلهية بواسطة إمام معصوم من آل بيت الرسول، و ذلك لكي يشكِّل ضمانة لمنع وجود فساد في التطبيق. ويعتقدون، أيضاً، أن كل راية حكم غير راية الإمام المعصوم هي راية بدعة و جور، بمعنى أن الإمام المنتظر لا يظهر إلا إذا امتلأت الأرض ظلماً و جوراً؛ فكل من يتصدَّى للمنكر و الجور فهو يخفف منهما و لا يستطيع إزالتهما إزالة تامة، فهو كمن يرقِّع الثوب البالي، فيطيل عمره بدل أن يمزقه، والذي يخفف من المنكر يؤخِّر ظهور الإمام الحجة.
فالخوئي (ت في أوائل التسعينات من القرن 20 م) -مرجع شيعي أعلى في النجف-مثلاً، لا يجيز القول والعمل بولاية الفقيه العامة، لضعف بعض الأحاديث التي استند إليها الخميني، و البعض الآخر يحسب أن الاستدلال بها لم يكن على الوجه الصحيح.
إذا كان الخميني قد أسَّس الجمهورية الإسلامية الإيرانية على قاعدة نظرية ولاية الفقيه، فإن بعض العلماء الشيعة الإيرانيين وقفوا ضده، و حسبوا أن هذه النظرية تتعارض مع العقائد الشيعية، ولهذا فقد أصدر أحدهم فتوى دينية يُحرِّم فيها هذه النظرية، وقد جاء في الفتوى ما يلي:
«إن حق إعطاء تشكيل الحكومة الإسلامية عامة من قبل الله تعالى للشخص غير المصون من الخطأ، فمن الممكن أن يصدر الفقيه حكماً غير حكم الله، سهواً وليس عمداً، ومن الطبيعي والقطعي فإن طاعة هذا الحكم غير جائزة». ويضيف، إنه «في كل زمان يوجد عدد من الفقهاء. وإذا تقرَّر أن كل فقيه يشكل حكومة والشعب يطيعه، فإن الأمر سوف لا ينظم المجتمع الإسلامي بل سوف يؤدي إلى ظهور الفوضى في العالم الإسلامي…لأنه في نظر الفقيه فإن المطالب للإسلام و المسلمين مفيدة و واجبة، ومن وجهة نظر الفقيه الآخر مضرَّة وتنفيذها حرام ويجب منعها…ومن وجهة نظر الفقيه الثالث مخالفة لوجهة نظر الآخرين و يجب منعهما، وهكذا في نظر الفقهاء الآخرين. ومثلاً في وجهة نظري [طباطبائي قمي(*)] فإن فتوى ولاية الفقيه، و هذا التوسع والشمول والعمل بها، مضرّ بالإسلام، وهو ضربة للإسلام ووصمة عار لجبين الإسلام والشيعة»([27]).
يستند كل من التيارين، قياساً لمواقفهما من ولاية الفقيه، إلى المصادر الأساسية في العقيدة الشيعية، بينما يفترقان حول الموقف من مرحلة الغيبة:
فالقائل بضرورة الولاية في أثناء الغيبة يضيف إلى بناء المعرفة الشيعية السياسي واسطة رابعة تتمثل بالفقيه الذي يتولَّى السلطة السياسية في أثناء غياب الإمام؛ و هو أقل مرتبة من المصادر الأخرى فيما يختص بالخصوصيات و الملكات الذاتية، بينما يتمتع بالسلطات والصلاحيات نفسها لمن يفوقه في التراتبية.
أما التيار الثاني، أي الاتجاه المحافظ، فإنه لا يجيز أية ولاية سياسية في زمن الغيبة.
فالنظرية الشيعية، إذاً-كما يرى محمد أركون-تركِّز على أن السيادة التشريعية العليا «لا تنتمي إلا لله، ولا يمكن لها أن تجيء إلا منه، وذلك بوساطة النبي والولاية. هنا نجد الخميني يُحْدِث انقطاعاً مع النظرية الشيعية الكلاسيكية، التي تريد أن تُبقي الولاية حكراً على الأئمة، مما يعني تعليق ممارسة وظائفها طيلة فترة الغيبة (غيبة الإمام المنتظر).إن الخميني إذ يخلع الولاية على رجل الدين القانوني الثيولوجي (الفقيه) والمعاصر، فإنه يعيد إدخال ممارستها داخل التاريخ، و هو بالتالي يمحو كل الخلافات التي كانت قد أدَّت بالشيعة إلى أن تعارض السُنَّة بخصوص مسألة الإمامة»([28]).
من هنا لا بد من توجيه السؤال التالي: هل كانت نظرية ولاية الفقيه متأثرة بهدف الوصول إلى السلطة السياسية ؟
من الجائز أن يكون ذلك صحيحاً استناداً إلى أن الفكر السياسي هو جزء أساسي من النظرية العامة للمعرفة عند أي شعب من الشعوب، أو عند أي مجتمع أو جماعة دينية أو سياسية؛ وإن الفكر السياسي يتأثر بالعقيدة الفكرية العامة أو بالعقيدة الدينية، ويؤثِّر فيهما في حركة تفاعلية يغني فيها أحدهما الآخر.
و قد يكون ذلك صحيحاً استناداً إلى ما نعرفه من التاريخ الإسلامي، فيما له علاقة بين السلطات السياسية وبين العلماء والفقهاء، في سبيل أن يُدعِّم كل طرف مواقع الطرف الآخر. أما العلماء و الفقهاء فقد قاموا، في سبيل هذا الغرض، بدور مؤثر من خلال مناظراتهم الفقهية والكلامية لتقوية نفوذ عهد سياسي أو العمل على تهديم عهد آخر.
ولا بد من التساؤل، أيضاً، عما إذا كنا نستطيع أن نؤشِّر على محطة مهمة في تاريخ الشيعة والفرس، أو بمعنى أدق، العلاقة بين المذهب الشيعي والفرس. ففي هذا الجانب -يحسب مونتغمري وات- أن هذه العلاقة عرفت تطوراً مهماً من الزاوية السياسية والتاريخية والأكثر أهمية، عندما تحول المذهب الشيعي للإمامية، في العام 1502م =907هـ ، إلى دين رسمي للدولة الفارسية الجديدة، التي أنشأها الشاه اسماعيل (1501-1524م= 906-930هـ) الذي زعم أنه من نسل أحد الأئمة الإثني عشر، والموقع الدقيق السياسي الديني لشاه فارس في عهد الدولة الصفوية وغيرها لم يخضع لدراسة وافية، فالعوام يعتبرونه، في بعض الأحيان، مقدَّساً أو شبه مقدَّس وتجسيداً لأحد الأئمة الإثني عشر، وفي أحيان أخرى يُشار إليه على أنه ولي الإمام الغائب([29]).
بعد أن استعرضنا مستوى التحولات النظرية التي أحدثتها نظرية ولاية الفقيه في نظرية المعرفة العامة عند الشيعة: إجازتها شرعية الولاية السياسية للفقيه في زمن غيبة الإمام؛ وإلغاؤها مبدأ التقية بعد زوال أسبابه الموجبة في إيران. وهكذا تكون نظرية ولاية الفقيه قد ألغت مبدأين أساسيين تقوم عليهما نظرية المعرفة عند الشيعة الإثني عشرية.
لهذه الأسباب لن يكون هدف التغيير -كما نحسب- إلا هدفاً سياسياً يتطلع، بشكل أساسي، إلى استلام مقاليد الحكم في إيران لتطبيق الشرائع الإسلامية كما يراها أصحاب هذه النظرية من وجهة نظرهم المذهبية.
والحال فإننا نرى -بعد اطلاعنا على حركة الشيعة الفكرية و السياسية بشكل عام، وعلى مضامين هذه الحركة بشكل خاص-أنه من المفيد أن نستخلص بعض الاستنتاجات.

V - إستنتاجـــات
أصبح من الواضح أن للاتجاهات السياسية عند الشيعة الإثني عشرية علاقة مع أصول المعرفة عندهم. وليست هذه الأصول نظرية في الدين فحسب، وإنما هي نظرية في السياسة بمضامين دينية أيضاً؛ ويمكننا أن نوجز هذه المضامين بما يلي:
-أصل المعرفة إلهي، ومصدرها القرآن الكريم؛ يقابلها في السياسة قانون إلهي مرهون تطبيقه بحكم سياسي إسلامي يضمن منع الخطأ في التطبيق.
-ما لم يكن مصدره القرآن في المعرفة، فأحاديث النبي مصدر له؛ يقابله في السياسة أن النبي هو مصدر السلطات كلها.
-ما لم ينص عليه القرآن والسُنَّة النبوية، فمعرفة الإمام -ذات الإلهام القدسي- هي المتمم لهما. ويقابله في السياسة أن وارث سلطات النبي هو المعصوم من آل بيت الرسول.
-ما لم ينص عليه القرآن و السُنَّة النبوية، و ما لم يقله الإمام المعصوم، فللفقيه-نائب الإمام- حق الاجتهاد فيه. يقابله في السياسة أن الفقيه هو وارث سلطات الإمام في الدين والدنيا؛ وما يميزهما عن بعضهما هو بعض الخصوصيات الشخصية و الملكات الذاتية للإمام، ولكنهما يتساويان بصلاحيات ممارسة السلطات الدينية-السياسية.
-يتولَّى الفقيه المجتهد، كما في النظرية الشيعية الإثني عشرية، في عصر غيبة الإمام، شؤون الدين فقط.أما بعد انتشار نظرية ولاية الفقيه فأصبح من صلاحيات الفقيه أن يتولى شؤون الدين والدنيا معاً طالما بقي الإمام غائباً.
اتفق التياران الشيعيان الإثنا عشريان-المحافظ والمجدد-على التراتبية المعرفية بمصدريها (الكتاب والسنة)، و اتفقا على وجوب أن يخلف الإمام المعصوم النبي في قيادة الدولة الإسلامية -دينياً ودنيوياً- لأسباب نقل المعرفة ذات المصدر الإلهي وتطبيق الشريعة الإلهية من دون أي خطأ؛ و لكنهما افترقا، لاحقاً بعد أن طال غياب الإمام المعصوم، بالمضمون: فاستقر أحدهما على الاعتقاد التقليدي بأنه لا يجوز لغير المعصوم، بعد ظهوره، أن يحكم الدولة الإسلامية. أما التيار المجدد فأجاز ولاية الفقيه، على الرغم من أنه ليس معصوماً، طالما بقي الإمام غائباً.
يعمل كل من التيارين لاستلام السلطة السياسية، لكن لكل منهما طريقه المختلف عن الآخر.فالتيار المحافظ يريده طريقاً مثالياً غيبياً إلى حد الاستحالة؛ أما التيار المجدد فيريده واقعياً وعملياً ليخرج العقيدة الشيعية من الطريق المستحيل، لكنه في الوقت الذي حاول فيه الخروج من نفق الاستحالة، من دون أن يعترف باستحالتها مباشرة بل مداورة، يقع أسير طريق وعر وصعب، إذ وقع في تناقض مع نظرية المعرفة الشيعية التقليدية أولاً، وأوقع الفكر الشيعي في استحالة جديدة ثانياً. فكيف حصل ذلك ؟
للخروج من مأزق الغيبة وانتظار ظهور الإمام، لم يكن أمام التيار القائل بولاية الفقيه إلا أن يسلك مسلك التوفيق والتبرير؛ ولهذا وضع للفقيه الوالي شرائط وسلطات وصلاحيات تكاد لا تضع فروقاً بينه وبين الإمام المعصوم.
قد يكون واضعو هذه الشرائط فعلوا ذلك منفعلين بصفات النموذج المثالي للحاكم الإسلامي و هو الإمام المعصوم من آل بيت الرسول. و قد يكونون قد فعلوا ذلك تبريراً لانقلابهم على نظرية الانتظار، إذ عليهم أن لا يأتوا بنموذج للحاكم يقل شأناً عن الحاكم المنتظر في محاولة منهم لكي لا يبتعدوا كثيراً عن النظرية الأم التي تشترط وجود إمام معصوم لا يخطئ.
ولكي تبرر ذاتها، ولكي لا تُظهِر نفسها أنها ابتعدت عن جوهر العقيدة الشيعية، أغرقت نظرية ولاية الفقيه نفسها في إضفاء صفات على الوالي الفقيه، وإعطائه صلاحيات وتحميله مسؤوليات مطلقة يعجز عن حملها إمام معصوم. ولهذا فإن ما جاءت نظرية ولاية الفقيه لتتجاوزه، وقعت في محاذيره؛ وقد تكون المحاذير أشد وقعاً، فقد حاولت أن تنزل من الغيبية إلى أرض الواقع، فإذا بها تعمل على الارتفاع بالواقع إلى مستوى الغيبية المستحيلة.
تبدأ صلاحيات الفقيه باستلام الزعامة العليا، التي تستمد قوتها المعرفية والسياسية من الله تعالى؛ فأمام هذه الصلاحيات الإلهية لا خيار أمام عامة الشعب سوى إطاعة أوامره. أما علم الفقيه، الذي عليه أن يجمع شؤون الدين والدنيا، فلن يكون أقل سعة من اتساع هذه الشؤون؛ وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: هل لبشر أن يكون جامعاً لهذه الشرائط؟
إذا صحَّ ووُجِدَ من يمتلك تلك الشرائط من آل بيت الرسول-كما يعتقد الشيعة-لكنه لم يتسنَّ لأحد منهم أن يصل إلى استلام السلطة السياسية على الرغم من أن سلسلة الأئمة استمرت، قبل غياب آخرهم، أكثر من قرنين و نصف القرن من الزمن. و لأنه لم يصل أحد منهم لولاية أمر المسلمين، وهذا يعني أن نظرية الشيعة في وجوب الإمامة للمعصوم لم تخضع للتجربة، ولهذا فلن نستطيع أن نحكم على أنها واقعية أم غير واقعية.
وكل ما نستطيع أن نقوله هو أن بعض هؤلاء الأئمة قد احتلَّ موقعاً مهماً في الفقه؛ فهذا جعفر الصادق، الإمام السادس في السلسلة الإثني عشرية، و على الرغم من أنه كان أستاذاً لمعظم أصحاب المذاهب السُنِّيَّة، فلم يحز الفقه الجعفري على إجماعهم، بل قام كل منهم بتأسيس مذهب إسلامي سني يتناقض مع المذهب الجعفري بأكثر من وجه، ويأتي على رأسها جميعاً مسألة النظر إلى خليفة الرسول.
فإذا كان الآخرون منعوا الأئمة من آل بيت الرسول من الوصول إلى موقع الخلافة، وهم بما يمثِّلون من نسب شريف و علم واسع، بالإضافة إلى تميزهم بالعصمة -كما يعتقد الشيعة- فهل يعترف المسلمون، اليوم، لأحد من عامة فقهاء الشيعة أن يتولى السلطة السياسية بمثل الشرائط و الصفات التي وضعها أصحاب نظرية ولاية الفقيه، وبالكاد يبلغ هؤلاء الفقهاء بعض المستوى الذي بلغه الأئمة من آل بيت الرسول.
إذا لم تنل نظرية ولاية الفقيه إجماع المسلمين فلن يكتب لها النجاح على المدى الطويل، فكيف بالأحرى وأنها لم تنل إجماع الشيعة الإثني عشرية نفسها ؟
وحتى لا يستوقفنا البحث طويلاً أمام الجانب السياسي لنظرية المعرفة عند الشيعة الإثني عشرية، و هو الجانب الحديث فيها، و الذي يبدو أنه استمرار لحالة الخلاف التاريخي منذ نشأة الشيعة حتى اليوم؛ و حيث إن نظرية المعرفة الشيعية لها جانبان: ديني وسياسي؛ ولها وجهتان: وجهة خارجية وأخرى داخلية؛ فلنلق الضوء على أسس الصراع الخارجي بين الشيعة و غيرهم من المذاهب الإسلامية؛ وكذلك على أسس الصراع بين شتى الفرق الشيعية من منظار الأسس العامة للمعرفة لدى هذه المذاهب والفرق.
تستند العقيدة الشيعية في المعرفة إلى كتاب الله و سُنَّة رسوله، و إلى المعرفة الإلهامية القدسية للأئمة المعصومين يتوارثها بعضهم عن البعض الآخر، و قدسيتها أنهم أخذوها عن جدهم رسول الله، الذي تلقاها، بدوره، بواسطة جبريل بوحي من الله تعالى.ومعرفة الإمام متميزة بالعصمة، وولايته على المسلمين جاءت بنص من الله ووصية من الرسول.
من هنا ينطلق أساس الخلاف بين الفرق الإسلامية حول الأصول المعرفية والأصول السياسية، وهو خلاف مدعَّم بالجدل الفقهي، كان بعضه مستنداً إلى نصوص متفق عليها كنصوص، ومختلف عليها تأويلاً و تفسيراً، سواء كانت نصوصاً من القرآن، أو أحاديث وروايات منسوبة إلى الرسول؛ و كان بعضها الآخر مستنداً إلى نصوص يقبلها طرف ويرفضها الطرف الآخر. ويبرِّر كل طرف حججه بالضرورة والمصلحة الإسلامية، وقد يصل اتهام البعض للبعض الآخر إلى حدود التكفير؛ وتجري أحكام التكفير والإلغاء استناداً إلى مُسلَّمات دينية مستقاة من النصوص الواردة في القرآن والسُنَّة.
و في قلب هذا الصراع كان يقف الشيعة طرفاً أساسياً يستلُّون-كما يستل غيرهم-سلاح النص الديني.ولم يقف الخلاف عند حدود فريقين، بل كانت الفرقية متشعبَّة بشكل واضح و لافت للنظر؛ و تسللت الفرقية حتى إلى داخل أسوار التيارات المذهبية المتجانسة؛ فهذا تيار التشيع، الذي ينهل المتشيعون لآل البيت من منهله الواحد، يتشرذم ويتشتت.
ومن هنا، لو كانت النصوص واضحة، على الرغم من أنها ذات مصدر إلهي،كما يحسب المسلمون، لما عرف التشيع تعددية و تشرذماً؛ فهذه الزيدية والإسماعيلية والإمامية وعشرات الفرق الشيعية غيرها هي ذات أساس معرفي واحد قائم على وجوب إمامة آل بيت الرسول، وقد نشأت هذه الفرق في أثناء حياة الأئمة أنفسهم، ولم يتدخل-إلى حدود ما وصل من مصادر- أحد من هؤلاء الأئمة إلى حسم الجدل القائم بين الفرق الشيعية؛ فكان الانشقاق يحصل بين الأخوين من أب واحد وأم واحدة، أو بين العم وابن أخيه… فعن الخلاف الذي حصل بين محمد الباقر -الإمام الخامس عند الشيعة الإثني عشرية- وبين أخيه زيد، وكلاهما ولدان لزين العابدين، فنشأت عن هذا الخلاف الفرقة الزيدية([30]).
وعلى قاعدة الخلاف بين أصحاب اسماعيل، و أصحاب موسى الكاظم، ابنا جعفر الصادق، الذي أوصى لابنه موسى الكاظم بعد موت ابنه اسماعيل، تأسست الفرقة الإسماعيلية ([31]).
لم يكن النص واضحاً في استخلاف الأئمة عند الشيعة و إلا لم يكن الخلاف ليقع بينهم، فتتعدد فرقهم. ونحسب أن الخلاف، حتى بين الأخوة، لم يكن لأسباب دينية خالصة، بل قد تكون وراءه أسباب سياسية أو فكرية أو شخصية أو عدم وضوح في النص -على الأقل غياب وحدة الرؤية في طريقة الاستخلاف عند الأئمة أنفسهم- وهذا يمكن استجلاؤه ببحث مخصص لتاريخ و عقائد مختلف الفرق الشيعية. و إلى أن يحصل ما نتمنى سوف تبقى أسئلة في النفس ليس لها توضيحات تفي بالغرض المطلوب.
ففي الصراع الساخن الذي كان دائراً بين شتى المذاهب الإسلامية، أو بينها و بين السلطات الإسلامية السياسية، و الذي كان حاداً و عنيفاً ودموياً، اندفع الشيعة إلى ابتكار مباديء سياسية تتناسب مع حدة الصراع و عنفه، و كانت تسبغ عليها شرعية دينية بالنص و التأويل. فكان من جملة تلك المباديء، التي وضعها جعفر الصادق، مبدأ (التقية). ولقد اختلف أئمة الشيعة حول شرعية هذا المذهب أو لا شرعيته، فهل هذا المبدأ سياسي أم ديني ؟ هل هو مرحلي أم استراتيجي ؟ متى يأخذ الشيعي بهذا المذهب و متى يتخلى عن ممارسته ؟ هل هو مسلَّمة دينية يصلح تطبيقه في كل زمان وكل مكان ؟
عدَّ الفكر الشيعي الإمامة مسألة أساسية طبعت اتجاهات الشيعة السياسية بمميزات خاصة سواء على صعيد صراعهم مع الآخرين أو على صعيد منطلقاتهم الفكرية. وحتى إنه لو لم تشكل هذه المنطلقات نظريات متكاملة متفق على كامل أسسها بين شتى الفرق الشيعية، فإن ا لنظر إليها من زاوية معتقداتهم في مسألة الإمامة يعطيها أهميتها و موقعها، وتأتي إشكالية مبدأ التقية في صلب هذا الاهتمام.
كانت الزيدية من الفرق التي عدَّت هذا المذهب لا شرعياً. وكانت الأكثر اعتدالاً- بالنسبة إلى مواقفها من صحابة الرسول-بين الفرق الشيعية، فهم قد ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة، سواء كانوا من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين. وأقروا بشرعية خلافة أبي بكر و عمر، وإن كان علي-حسب اعتقادهم-أفضل منهما.ولم يقروا سياسة محمد الباقر، و ابنه جعفر الصادق، بالاكتفاء بالإمامة الروحية من دون إعلان الثورة. و قالت الجارودية، إحدى الفرق الزيدية: «من ادعى منهم الإمامة و هو قاعد في بيته مرخي ستره عليه فهو كافر مشرك؛ وكل من اتبعه على ذلك، وكل من قال بإمامته»([32]). و قال زيد بن علي: «ليس الإمام منا من أرخى عليه ستره، إنما الإمام من أشهر سيفه»([33]).
أما الشيعة الإثني عشرية فعدَّت التقية أنها مسلَّمة دينية قال بها جعفر الصادق- ابن أخ زيد-واستناداً لمبدأ طاعة الإمام أصبحت جماهير الشيعة ملزمة بالتقيد بها.
فالتقية هي، إذاّ، مبدأ ديني، وتتضمن ضرورة الإلزام حتى لو كان الدافع إليها سياسياً -أمنياً، وهو الاحتماء من الخصوم؛ فكان من أهم تأثيراتها فصل الدين عن الدولة. ولهذا حسب عدد من الفقهاء المعاصرين أن مبدأ التقية يصب في مصلحة الحاكم الجائر، بسبب ابتعاد رجال الدين الشيعة عن التفكير في إقامة حكم إسلامي انتظاراً لظهور الإمام المهدي، كما و يصب في مصلحة الاستعمار الأجنبي؛ لهذا السبب دعوا تلميحاً لمحاربة التقية، وكان الخميني هو رائد هذا الاتجاه؛ و كانت دوافع هذا الاتجاه هي إزالة عوائق النص من على طريق فقهاء الشيعة لإحداث ثورة هدفها استلام السلطة في إيران.
فسواء كانت الدوافع للاعتقاد بمبدأ التقية سياسية أم دينية، فهو مبدأ جدير بالمناقشة لما يتضمن من أهمية في مجريات الاتجاهات السياسية عند الشيعة، و لما له من دوافع الرفض الشيعي الدائم لأية سلطة سياسية غير سلطة الإمام المعصوم.
فإلى من آمن بها كمبدأ ديني على قاعدة(من لا تقية له لا دين له)، نسأل: هل كان هذا الاعتقاد محدداً بظرف ومكان معيينين ؟ وهل يمكن تجاوزه بعد أن يصبح طريق الثورة سالكاً وشروط نجاحها مضمونة، أم أن إلغاءها مرهون بظهور المهدي المنتظر لأنه من غير المشروع-دينياً-عند الشيعة أن يقوموا بأية ثورة قبل الظهور ؟
من هنا نحسب أن هناك تلازماً وثيقاً-عند التيار الشيعي المحافظ-بين مبدأ التقية وبين مبدأ الظهور.لكن هذا الأمر لم يكن واضحاً منذ أن وضع جعفر الصادق هذا المبدأ، لأنه عندما وضعه لم يحدد ظروف إلغائه، بل جاءت صيغته مطلقة غير مقيدة بأية شروط، ويتغير الأمر فيما لو قيل: ( من لا تقية له لا دين له إلا إذا…). فهل في هذا الغموض ما يدفعنا إلى الافتراض التالي: إن إلغاء مبدأ التقية يتم بزوال الظروف التي فرضته ؟ ولكن ما هي تلك الظروف ؟
إن ضروب المحن التي تعرَّض لها الشيعة هي التي فرضت القول بالتقية؛ لكن لم تبدو أية نهاية لهذا الصراع منذ ألف أربعماية سنة تقريباً. ولم يكن الصراع يجري، في كل زمان ومكان، بالحدة و العنف ذاتهما، فكان يخف تارة و يعنف تارة أخرى. فإلغاء مبدأ التقية-كما نحسب- مرهون بتوفير الظرف الملائم لاستلام السلطة السياسية، وهذا الظرف الملائم لن يكون ملائماً إلا قياساً إلى نظرية المعرفة الشيعية، وهذه بدورها لم تبق واحدة منذ عصر جعفر الصادق وصولاً إلى العصر الذي اختفى فيه الإمام الثاني عشر.
ففي عصر الصادق كان العائق ملموساً ومرتبطاً بإمكانية إسقاط النظام الظالم السارق لحق آل بيت في الخلافة؛ أما في عصر ما بعد غياب آخر الأئمة في السلسلة الإثني عشرية فأصبح مرتبطاً بالغيب الذي لا يعلم إلا الله متى يضع حداً للغيبة ويسمح بالظهور.وهذا ما سوف يعيق الحركة السياسية إلى أجل غير منظور عند التيار الإثني عشري المحافظ. أما عند التيار المجدد-القائل بولاية الفقيه-فمرهون بتوفر الظروف المناسبة للثورة.
فإذا كانت الفرقة الزيدية قد هاجمت القول بمبدأ التقية وقامت بثورتها ضد الأمويين في الوقت الذي لم تكن فيه إشكالية الغيبة و الظهور قد بدأت في الفكر الإثني عشري، فها هو التيار المجدد في الوقت الراهن يهاجم مبدأ التقية لكنه مكبًّل اليدين من جراء وجود إشكالية الغيبة والظهور.
ففي الحالتين: انتظار نضوج الظروف المناسبة للثورة، أو انتظار ظهور الإمام الغائب، ستبقي حالة الرفض الشيعية لكل نظام إسلامي سياسي أو غير إسلامي قائمة؛ وحالة الرفض تلك ستُبقي على مبدأ التقية أسلوباً من أساليب المواجهة السلبية السياسية المستندة إلى أساس ديني مدعَّمٍ بالنص الإسلامي.
وسواء التجأ الشيعة الإثني عشرية إلى الخلاص من هذا المبدأ، بإلغائه، أم استمروا بتثبيته، فالنتائج واحدة، لأنه في اتِّباع إحدى الوسيلتين نكون كمن ينقل الصراع من الأسلوب الصامت إلى الأسلوب الصاخب، و العكس صحيح أيضاً. فليست المشكلة في إلغاء هذا المبدأ أو ذاك من المبادئ المذهبية عند شتى الفرق والمذاهب الإسلامية، لأن المشكلة المذهبية ليست محصورة عند هذا المذهب أو ذاك بمفرده، و إنما المطلوب - كما نحسب- هو النظر الشامل في كل البنى المذهبية الإسلامية على حد سواء؛ و تأتي المضامين الفكرية المذهبية على رأس الأولويات في النقد والمراجعة.








________________________________________

([1]) المنتظري: دراسات في ولاية الفقيه (ج1): الدار الإسلامية للطباعة: بيروت: 1988: ط2: ص421.
([2]) م . ن : ص 422.
([3]) الخميـني: م . س : ص 42.
([4]) م . ن : ص 31-32.
([5]) م . ن : ص 137.
([6]) م . ن : ص 50.
([7]) م . ن : ص 35.
([8]) المنتظري: م . س : ص 423.
([9]) الخمـيني : م . س : ص 35.
([10]) م . ن : ص 54.
([11]) المنتظري: م . س : ص 423.
([12]) م . ن: ص404-405. راجع، أيضاً: الخميني: م. س: ص61.
([13]) م . ن : ص 408.
([14]) م . ن : ص 420.
([15]) الخمــيني: م . س : ص 50.
([16]) م . ن : ص 51.
([17]) م . ن : ص 51.
([18]) المظفر، محمد رضا: م . س : ص 69.
([19]) الخمــيني:م . س : ص 51.
([20]) م . ن : ص 151.
([21]) م . ن : ص 60.
([22]) م . ن : ص 60.
([23]) م . ن : ص 55.
([24]) م . ن : ص 60.
([25]) م . ن : ص 38.
([26]) م . ن : ص 39.
* حسن طباطبائي قمي هو من العلماء الشيعة البارزين في إيران؛ وقد اتخذ سلسلة من المواقف المعارضة للخميني؛ وفُرِضَت عليه الإقامة الجبرية في منزله في مشهد. وفي أول تشرين الأول/أوكتوبر1987، أصدر هذه الفتوى باللغتين الفارسية والعربية.
([27]) قمـي، حسن طباطبائي: «نص الفتوى التي أغضبت الخميني»: مجلة الوطن العربي: باريس: العدد (43-569): تاريخ8/1/1988.
([28]) أركـون، محمـد:م . س : ص 184.
([29]) وات، مونتغمري: م . س : ص 150-151.
([30]) اعتقدت الزيدية أن الإمامة تكون لمن أشهر سيفه في وجه البغي والظلم كما فعل زيد، وقُتِل في أثناء قيامه بالثورة على الأمويين في العام 122هـ؛ أما أخوه محمد الباقر فلم يخرج للمعركة.
([31]) اعتقدت الفرقة الإسماعيلية أن الإمامة تكون في الولد الأكبر لحعفر الصادق وهو اسماعيل ولابن اسماعيل من بعد وفاته؛ ولما توفي اسماعيل قبل والده جعفر الصادق أوصى والده بالإمامة، من بعده، لابنه موسى الكاظم.
([32]) الليثي، سميرة مختار: جهـاد الشيعـة: دار الجيل: بيروت: 1978: ط2: ص93.
([33]) المازندراني ، محمد بن علي(ت سنة 588هـ=1192م):مناقب آل أبي طالب:نقلاً عن: إيبش، يوسف: الإمام والإمامة عند الشيعة: دار الحمراء:بيروت:1990:ط1:ص63.


الرد على: مخاطر الإسلام السياسي على حركة التحرر العربي - زحل بن شمسين - 05-26-2013

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

نار الثورة العراقية تشب في هشيم العملية السياسية
المالكي يقمع الثوار بعقيدة الاحتلال
ذاب ثلج التقية الأميركية والإيرانية فبان مرج العملية السياسية
المقاومة العراقية تقف من جديد وجهاً لوجه ضد الاحتلال



شبكة البصرة

حسن خليل غريب
http://www.albasrah.net/ar_articles_2013/0513/qarib_230513.htm

المشهد العراقي اليوم هو مشهد فعل المقاومة الوطنية العراقية بعد أن التفَّت جماهير غفيرة من الشعب العراقي حول مقاومته. بل هو مشهد جديد لم يحسب نوري المالكي وأتباعه من التابعين للمشروعين الأميركي والإيراني، له حساباً لأن المقاومة كانت تركِّز نضالها قبل هذه المرحلة حول (قطع رأس أفعى الاحتلال الأميركي) لأنها الأفعى الأساس التي حاولت ابتلاع العراق. وما أن كادت تسترخي لابتلاع فريستها، عجزت عن ذلك لأن رأسها أخذ يتعرض إلى ضربات شديدة لمنعها من ابتلاع فريسة طالما منَّت نفسها بحرب خاطفة ضد العراق.
في تلك المرحلة لم تضع المقاومة ثقلها من أجل إسقاط أذيال الاحتلال لأن أذيال الأفعى ستفقد تأثيرها إذا ما تعرَّض رأسها للسحق. وهذا ما حصل طوال ما يقارب السنوات العشرة. وبعد أن سحقت المقاومة رأس أفعى الاحتلال، أعدَّت عملياً لمشروع تطهير العراق من الفلول بعد أن كانت قد صاغته نظرياً منذ بداية الاحتلال، خاصة أن أصحاب (العملية السياسية) انتقلوا من حماية الاحتلال الأميركي إلى التحصن تحت خيمة الاحتلال الإيراني.
وبعد أن بلغ منسوب الاحتقان الشعبي مستواه الأعلى كانت المقاومة جاهزة لتحويل تلك الحالة إلى درجة الغليان فدرجة الانفجار فدرجة استعادة المقاومة صلاتها مع جماهيرها، وهذا شبيه بظهور المخلص لإنقاذ العراق من أكبر محنة تعرَّض لها في تاريخه الحديث. كانت نظرية المقاومة التي تعبِّر عن نظرية (خلاص الوطن) التي تجمع حولها كل الوطنيين في مواجهة الاحتلال، وفي سبيل استعادة سيادة الشعب العراقي على أرضه وقراره.
مشهد الساحة العراقية اليوم هو مشهد التفاف الشعب العراقي حول مقاومته، التي تشكل (خشبة خلاص العراق) من محنته الكبرى. لذا كانت المقاومة الشعبية الكبرى الوسيلة الأفضل للخلاص من (المحنة الكبرى). ولما اندلعت الثورة الكبرى في 25 كانون الأول من العام 2012، إنما كانت وسائلها تعتمد على الحراك الشعبي السلمي، مضافاً إليه إعلاناً للمقاومة المسلحة تتعهد فيه أنها لن تلجأ إلى السلاح إلاَّ إذا لجأت حكومة المالكي إلى قمع الحراك بالقوة، فكان إعلانها واضحاً أنها لن تقف على الحياد، بحيث لن تكون البادئة بعسكرة الثورة. وعلَّلت إعلانها بأنها ترفض أن تتحول الثورة المشروعة إلى حرب أهلية يقاتل العراقي أخاه العراقي. والتزمت المقاومة بتعهدها، على الرغم من تهديدات المالكي، واستمرت المقاومة بتعهدها إلى أن أطلقت تلك الحكومة صفارة الإنذار في فجر يوم 23 نيسان من العام 2003، بارتكابها مجزرة في بلدة الحويجة. لقد كانت فظاعة الجريمة تدل على أن المالكي يريد بها أن يزرع الرعب في نفوس المعتصمين في المحافظات الستة. ولكن انقلب السحر على الساحر بعد أن أخذت المقاومة تفي بوعودها في حماية الثورة الشعبية، وقد أعلنت معظم الفصائل والقوى والعشائر أنها ستحول دون تكرار المجزرة في مدن أخرى، لذا شهرت السلاح لحماية الشعب، ولكن على أن لا تكون العسكرة حلاً وحيداً، بل راحت تستخدم السلاح أينما اقتضى الأمر ذلك.

أولاً: المقاومة العراقية بين العسكرة والحراك السلمي
عادة ما يكون الحراك الشعبي السلمي وسيلة رئيسية وضرورية في مواجهة الأنظمة التي تتجاهل مصالح المواطنين، ونادراً ما يكون الصدام المسلح من الوسائل المشروعة في المواجهة بين النظام والشعب، لأن الأجهزة الأمنية للنظام هي من أبناء هذا الشعب، ويُعتبر الصدام المسلح معها بمثابة الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد، وهو ما تصح عليه تسمية (الحرب الأهلية). ولكون النظام السياسي قد انقلب على وظيفته الأساسية، وهي المحافظة على مصالح المواطنين، فلن يهتم بالتضحية بأرواح أفراد الأجهزة الأمنية، كما أرواح المواطنين، لذا تصب الحرب الأهلية غالباً لمصلحة النخب التي يمثلها النظام.
ولذا يشكل الاستمرار في الحراك الشعبي السلمي الوسيلة الأساسية لأنه سيأتي يوم تنتفض فيه المؤسسات الأمنية ضد أوامر النظام السياسي، عندما يصر النظام على استخدام وسيلة السلاح في قمع أي حراك سلمي، فمع استمرار الصراع ستنحاز قواعد المؤسسة الأمنية للشعب، لأن تلك القاعدة هي أساساً من رحم الشعب وهي من الطبقات المتضررة من عسف النظام وتجاهله لمصالح المواطنين.
فهل يصح هذا القول كلياً على ما يجري في العراق اليوم؟
ليست المواجهة في العراق اليوم شبيهة بما يجري بين شعب وحكم وطني ولكنه ديكتاتوري فاسد، أي حراك شعبي يطالب بإصلاحات مطلبية فحسب، بل هي أيضاً، قبل أي شيء آخر، مواجهة بين شعب وحكم وريث للاحتلال والاحتلال هو من صنعه، فإسقاطه إذن هو إسقاط للاحتلال. والمواجهة ليست ضد مؤسسات عسكرية وأمنية تلعب دوراً فنياً تحركه أهداف المحافظة على أمن الوطن والمواطن، بل بُنيت هذه المؤسسات من أجل حماية الحكومة المنصَّبَة من قبل الاحتلال، وبالتالي يشكِّل بقاؤها حماية للاحتلال ومصالح الاحتلال. لذا تُعتبر المواجهة معها إذا أصرَّت على مواجهة الحراك الشعبي السلمي بقوة السلاح، شبيهة بالمواجهة مع قوات الاحتلال. وإذا عرفنا هيكلية هذه الأجهزة لزال العجب من الدعوة لمواجهتها بقوة السلاح.
تتألف المؤسسات العسكرية والأمنية العراقية اليوم من جيش حكومي وشرطة حكومية تنتسب الأكثرية فيها إلى تلك المؤسسات بسبب ضرورة العيش. أما الأجهزة الأمنية، من مخابرات ذات وظيفة داخلية أو خارجية، فقد تم تشكيلها على عقيدة الاحتلال وعملائه وهدفها الوحيد ضمان أمن العملية السياسية التي بنيت بالكامل على أسس الولاء للاحتلال. لذا كان من الواجب التمييز بين مؤسسات الجيش والشرطة الحكومية وبين أجهوة الأمن والمخابرات. ولكن ولكي لا تقع عملية الاحتلال السياسية في مطب استخدام الجيش والشرطة الحكومية ضد أي حراك شعبي، قد يؤدي هذا الاستخدام إلى انشقاقات في تلك المؤسسات، فقد ابتكرت قوات الاحتلال مؤسسات بديلة تتلطى تحت خيمة الأجهزة الرسمية، وقد اختصرها بجهازين تم انتخاب المنتسبين إليهما بمواصفات لا تمت إلى الشرعية الأخلاقية والوطنية بأية صلة، يتم تكليفهما بمهمات أطلق عليها الاحتلال اسم (المهمات القذرة). فكانت قوات (سوات)، والشرطة الاتحادية من أهم تلك المؤسسات. وهي القوات المرتبطة مباشرة بنوري المالكي، كونه القائد العام للقوات المسلحة وفقاً للدستور المسخ.
لقد سُلِّطت الأضواء على قوات سوات بعد الكشف عن تكليفها بقمع اعتصام (الحويجة)، بتاريخ 23/4/2013، والتي راح ضحيتها 125 شهيداً، وأكثر من 400 جريحاً. فما هي قوات سوات؟

1- قوات (سوات)، قوات المهمات القذرة، وعقيدتها أميركية إيرانية:
نقلاً عن عماد الدين الجبوري - لندن، جاء ما يلي: بعد دخول القوات الأمريكية إلى بغداد في 9/4/2003، أنشأت قوة عسكرية خاصة بها، بدأت بأقل من ألفي عنصر موالين للمحتل وتساعده في عمليات القمع داخل المناطق الساخنة. وكان زيها ولثامها الأسود وتدريبها وتسليحها لتأدية تلك المهمات الشنيعة بحق أبناء بلدهم من العراقيين. ونظراً لذلك كان الأمريكان يسمونها أيضاً بـ(القوات القذرة). ثم تكاثر عددها في السنتين الأوليين حتى تجاوز الأربعة آلاف عنصر، مدججين بأحدث أنواع الأسلحة الأمريكية المتطورة، ومنها الناظور الليلي. فضلاً على الآليات والعجلات نوع همر وغيرها. وفي العام 2006، لاتفاق لم توضح أسبابه، أجازت قوات الاحتلال الأمريكي لرئيس حكومة الاحتلال الرابعة نوري المالكي أن يصدر بعض الأوامر إلى قوات سوات. وفي العام التالي تم إلحاقها نهائياً بمكتب المالكي. ورغم أن تدريبها وتسليحها يقع على عاتق وزارة الدفاع، لكنها تابعة إلى قانون وزارة الداخلية.
وما أن أصبحت قوات سوات تابعة لمكتب المالكي، حتى تضاعف عددها إلى خمسة عشر ألف عنصر، معظمهم يتم اختيارهم من مناطق محددة في الجنوب والوسط ومن طائفة معينة، وينتشرون في بضع محافظات بغداد، البصرة، نينوى، كركوك، بابل وغيرها. ولقد وصلت ميزانيتهم السنوية إلى مستوى ميزانية وزارة الدفاع العراقية. وأعلى من ميزانية وزارة الداخلية التي ينتمون إليها شكلياً، ولا وجود لهم على صفحات موقع الوزارة الرسمي من حيث سرد المعلومات المتعلقة بمهام أعمالهم وترتيب تشكيلاتهم الخ. ولا احد يأمرهم بالتنفيذ العملي غير المالكي عبر قائد هذه القوات الفريق فاروق الأعرجي المقيم في مطار المثنى، مركز حزب الدعوة في بغداد. كما ولا توجد أي جهة رسمية أمنية أو عسكرية تستطيع محاسبة أو مراقبة جنود وضباط قوات سوات.
هذا ومن بين سلسلة العمليات الكثيرة التي اشتركت فيها قوات سوات هي معركة الفلوجة الأولى، ومعركة النجف في العام 2004، وصولة الفرسان في البصرة 2009، واقتحامهم لكنيسة النجاة في منطقة الكرادة بالعاصمة بغداد عام 2010، وصولاً إلى مجزرة الحويجة الآنفة الذكر. ناهيك عن تدخلاتها الشتى في القضايا والأمور التي تقررها السلطة تجاه خصومها السياسيين في الإقصاء أو الاعتقال أو ترويع المواطنين في المداهمات الليلية، وغيرها من السلبيات.
على أي حال، من الناحيتين القانونية والدستورية لا تمتلك قوات سوات أي غطاء يبرر لها أعمالها الميدانية. وليست لها أصولها الواقعية في العملية السياسية القائمة على المحاصصة أصلاً.
ويشير عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية شوان محمد طه إلى أن هذه القوات لم تراع التوازن الوطني في تشكيلها وتقتصر على الشيعة ولا يوجد أي عنصر فيها من الكرد أو السنة. وأوضح أن قوات سوات خارج الغطاء القانوني.
أما عضو مجلس النواب مها الدوري، عن كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري، فقد كشفت أن هنالك معلومات تشير إلى وجود قواعد أمريكية في مطار بغداد تدرب قوات سوات التي استخدمت القوة بشكل مفرط في ساحة الحويجة وقامت بضرب المتظاهرين بالذخيرة الحية.
اما قائمة متحدون فقد أصدرت بياناً يوم الجمعة الموافق 26»4»2013 جاء فيه إن العمليات العسكرية التي قامت بها هذه القوات سيئة الصيت والتي أنشأها الاحتلال الأمريكي وتلقت تدريباتها في معسكراته على عقيدة المحتل، أثبتت أنها لم تكن إلاَّ ضد أبناء الشعب العراقي، ولم تتورع عن أعمال القتل المروع تجاه العراقيين وبدم بارد. وطالب البيان بإلغاء قوات. وطالب اللجان التحقيقية بتقديم قادتها للمحاكم المختصة عن جرائم القتل المتعمد وغير القانوني التي قامت بها.

2- الشرطة الاتحادية خليط من الميليشيات التي تخدم أحزابها الطائفية
نقلاً عن عماد الدين جبوري/لندن: تم تأسيس الشرطة الاتحادية، في العام 2004، من قوتين منفصلتين. الأولى هي قوات مغاوير الشرطة تابعة لمكتب المستشار الأمني لوزير الداخلية. والأخرى تسمى قوات حفظ النظام تابعة لمديرية العمليات. وبعد فترة ارتبطت هاتان القوتان تحت قيادة واحدة هي قيادة القوات الخاصة. ثم تغير اسمها لاحقاً إلى قيادة الشرطة الوطنية. ويبدو أن الاسم الأخير جاء للتغطية على كثافة الدمج للعناصر المليشية في هذه القوات، والتي كانت ومازالت تعمل لخدمة أحزابها الطائفية.
الواقع أن الشرطة الاتحادية تمثل ثقلاً آخر من بين قوى وزارة الداخلية. فهي القوة الضاربة التي يرتدي أفرادها واقية الرصاص ويشتركون مع قوات سوات في العمليات التي يستوجب حضورها معهم. فالتدريب والتجهيز والتسليح يجعلها قوة إسناد كبيرة إلى قوات سوات. فضلاً عن العقلية والعقيدة الميليشاوية التي يشتركون فيها في الخدمة والولاء لأحزاب السلطة الحاكمة من حزب الدعوة ومنظمة بدر والمجلس الأعلى وغيرهم.

3- عمليات فصائل المقاومة تطال المجرمين في تلك المؤسسات
وعلى الرغم من ذلك، أعلنت المقاومة أنه لا يجوز إراقة الدم العراقي، وان المجابهة يجب أن تقتصر فقط على الأفراد العسكريين الذين:
- ارتكبوا جرائم القتل بحق المواطنين العراقيين، أو ممن ينفذون الأوامر بالقتل.
- الذين يصرون على قمع المواطنين أو تهديد أمن المقاومين.
لذا كانت مجزرة الحويجة حداً عملياً فاصلاً بين عسكرة الثورة وسلميتها، خاصة أن جلاوزة المالكي أعلنوا أن مجزرة الحويجة ستكون البداية لعمليات أخرى لإنهاء ساحات الاعتصام.
وإذا علمنا أن حكومة المالكي تكلف قوات سوات للقيام بالمجازر، وقوات سوات ذات عقيدة ميليشاوية أميركية وإيرانية، لأصبح من الواضح أنها ستكون المُستَهدَف الأول لسلاح المقاومة.

ثانياً: حكومة المالكي: تطبيق عقيدة الاحتلال في مواجهة الثورة الشعبية
1- مداهمات واعتقال وإغتيال تتماثل مع عقيدة الاحتلال
حكومة المالكي عاجزة عن معالجة الوضع الخدماتي للعراقيين لأنها بالأساس وكيلة حصرية للاحتلال المركَّب، أميركياً وإيرانياً. ومن كانت وظيفته الإذعان لأوامر أسياده وتنفيذ أجنداتهم، سيقوم بتطبيق عقائدهم الموضوعة لخدمة مصالحهم ولو كانت على حساب العراق.
فعلى الصعيد الخدماتي فقد أكدت التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية والإنسانية مدى تغلغل الفساد والجريمة المنظمة في عراق ما تحت الاحتلال أصالة وما تحت حكم عملائه وكالة. وأصبح غني عن البرهان أن المطالبة بالإصلاح ليست أكثر من محاولات عبثية. فمصالح الآخرين، أميركيين وإيرانيين، لا يمكن أن تسير على خطٍّ متواز، بل لا بدَّ من أن تتغلب مصلحة الآخرين على مصالح الشعب العراقي.
أما على صعيد وسائل مواجهة الثورة الشعبية من قبل حكومة المالكي فهي مستندة إلى سياسة الإرهاب والترويع، كعقيدة (ديموقراطية) للرأسمالية الأميركية، وهي السياسة التي استخدمتها قوات الاحتلال الأميركي فور دخولها للعراق. فاستخدمت وسائل (الصدمة والترويع) في معارك الاحتلال، وأعدت وسائل (الإرهاب والترويع) لتطويع إرادة المقاومة في نفوس العراقيين. وعندما أذعنت قوات الاحتلال وأعلنت هزيمتها مُرغَمة، كانت قد أعدَّت مؤسسات أمنية لها العقيدة نفسها القائمة على أسلوب (الإرهاب والترويع)، وهكذا وُلِدت (قوات سوات) على مقاييس تلك العقيدة، ولإضفاء شرعية (حكومية) على أعمالها، تم تشكيل قوات (الشرطة الفيدرالية) لمشاركة (قوات سوات) في عملياتها.
لم يكن أمن المواطن هو الذي برَّر إنشاء مؤسسات أمنية بعيدة عن أطر الرقابة والمساءلة، بل كانت وظيفتها المحافظة على أمن (العملية السياسية)، وذلك بملاحقة كل مقاوم للاحتلال وأدواته، ولهذا تكاثرت عمليات المداهمات والاعتقالات والتهجير والاغتيالات، ولم تهدأ في أي وقت، ولكن اشتدَّت بشكل واسع بعد أن بدأت الثورة الشعبية، وكانت تزداد وتيرة القمع كلما كانت وتائر الثورة تتصاعد.
لن يشكِّك أحد بواقع أن المؤسسات الأمنية التابعة لـ(حكومة العمالة)، حتى لو كانت تتشكل من عراقيين، فهي تأتمر بأوامر الاحتلال وتنفذها، فهي عراقية بالشكل وتتساوى مع وجود الاحتلال بالجوهر والمضمون، ومواجهتها بالسلاح حق من حقوق المقاومة طالما ظلت تنفِّذ عقيدة الاحتلال.

2- أهداف التفجيرات تعميق الشرخ الاجتماعي بين مكونات الشعب العراقي:
كل تفجير ينال من التجمعات الشعبية هو تفجير مشبوه، خاصة التفجيرات المتنقلة بين مختلف المناطق المتمايزة طائفياً، بحيث يطال أذاها كل أطياف العراقيين، بما يوحي، أو يؤكد بأن تلك التفجيرات تحمل (صواعق التقسيم والتفتيت والفيدرالية).
فليس من عقيدة المقاومة أن تعمل على تعميق الشروخ الطائفية ولا الإثنية لأنها قاتلت الاحتلال، وتقاتل الآن عملاءه، لهدف واحد ثابت هو استعادة وحدة العراق. وليس من المنطقي أن من كانت عقيدته الوحدة يعمل من أجل التفتيت. ولأن التفجيرات متنقلة بين الأطياف الإثنية والطائفية، هدفها التفتيت، إذ من بذل الغالي والنفيس من أجل إقرار دستور يشرِّع الأقاليم على قواعد طائفية وإثنية هو المستفيد من تلك التفجيرات.
ولهذا أشار بيان قيادة قطر العراق، في 20/5/2013، إلى خطورة هذه الظاهرة، وقال إن (استمرار التفجيرات الإجرامية وتعبيرها الصارخ (لدليل على) إيغال حكومة المالكي العميلة وميليشياتها الإرهابية في سفك دماء أبناء شعبنا وفي مناطق محددة هنا وهناك في بغداد والمحافظات الأخرى وعلى النحو الذي يسعى إلى تأجيج الفتنة الطائفية البغيضة والاقتتال الطائفي المقيت).

3- عمليات التطهير الطائفي والاغتيال تجري على قدم وساق في بغداد:
إلى جانب قوات الشرطة الحكومية تتحرك مجاميع ميليشاوية من القوات الأمنية والمخابراتية الخاصة التي تعمل تحت إشراف من امتهنوا عقيدة الاحتلال المركب، الأميركي – الإيراني، بتعميق الشرخ الطائفي بحيث ترغم عائلات من طيف محدد للهجرة خارج مناطقهم، ظناً من حكومة المالكي أنها تضمن الأمن في تلك المناطق وتضمن إذعان سكانها للوضع الشاذ القائم. وهي غالباً ما تستخدم أسلوب الاغتيال والملاحقات والتشدد بالمراقبة.

4- شعار إقليم الوسط من بعض المحسوبين على الثورة دعوة مشبوهة:
لقد راهنت بعض الأنظمة العربية، في مواجهتها الخطر الإيراني، على تأسيس إقليم (سني) لإحداث التوازن الطائفي في العراق. وهذه الأنظمة لا تدري أنها بمثل مراهنتها إنما تحفر قبر وحدة أقطارها بيديها. فمواجهة الخطر الإيراني لن يكون بأقل من إقفال (البوابة الشرقية) في وجه الزحف الإيراني، ولن تكون هذه البوابة قادرة على صدِّ الخطر الإيراني إذا لم يكن العراق موحداً. وهذا الأمر يحتاج إلى مساندة مشروع المقاومة العراقية القائم على أهداف (وحدة العراق وعروبته).
وإذا كانت بعض تلك الأنظمة مترددة بسبب خوفها من عقوبات أميركية إذا ما قامت بتقديم دعم للمقاومة العراقية، فليعلموا أن الأميركيين هم في حالة تصالح مع الإيرانيين على الساحة العراقية، فاستمرار وجودهما على أرض العراق مرهون بعقد تسوية دائمة بينهما. وهذا ما هو حاصل الآن، كما كان قبل الآن. فالواحد منهما هو أضعف من أن يستطيع الإمساك بالساحة العراقية.
ولقد حذَّر الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، في أواسط أيار 2013، من خطورة الدعوة للإقليم (السني)، قائلاً: (إن الدعوة للأقاليم والترويج لها هي مشروع أمريكي ـ صهيوني ـ صفوي لتقسيم العراق... ودعاة الأقاليم اليوم في العراق هم ممن استقبل قوات الاحتلال بالأحضان ورقصوا لها وتعاونوا معها وروّجوا لمشاريع الاحتلال... وهم يعلمون إن الأقاليم هي تقسيم العراق لكنهم متحمسون لتنفيذ هذا المشروع الخطير على العراق وعلى الأمة... وهو خدمة للقوى الكبرى وإيران وهم يساهمون بشكل واضح لإثارة الطائفية في العراق... وهذه التيارات السياسية الدينية معروفة... لذا ندعو العراقيين جميعاً للوقوف ضد هذه الدعوات التي تخدم الأجنبي وتعرّض العراق للفتنة وتسعى إلى تشرذمه وتفتيته من خلال زرع الفتنة والعداء..).
وكذلك حذَّرت هيئة علماء المسلمين في العراق، بتاريخ 3/5/2013، من الدعوة لقيام إقليم آخر في العراق، لأن (الأقلمة أو الفدرلة، وحقيقتها التفريط بالقضية العراقية).
وكذلك فعل جيش الطريقة النقشبندية، في بيانه بتاريخ 6/5/2013: لأن هذه الدعوة (تمثل الخطوة الأولى لتقسيم العراق الذي هو من أهم أهداف الاحتلال).

ثالثاً: تحذير أميركي – إيراني للثورة العراقية
ذاب ثلج التقية الأميركية والإيرانية فبان مرج (العملية السياسية)
غني عن البيان أن الاحتلال الأميركي لم يكن لينجح من دون المرور بـ(البوابة الإيرانية)، والآن لن تبقى البوابة الإيرانية مشرَّعة من دون التنسيق وتوفيق المصالح مع أميركا.
وغني عن البيان أن نيران الثورة العراقية التي تشبُّ الآن في هشيم (العملية السياسية) زرعت القلق في نفوس الإدارتين الأميركية والإيرانية، الأمر الذي يبرهن على أن الإدارتين وإن افترقتا بالمواقف في ساحات عربية أخرى، فإنهما متفقتان تماماً بالمواقف ضد الثورة العراقية.
1- عن ثلج التقية الأميركية، وعن الدكتور خضير المرشدي، قال: جاء في بيان الرئيس الأمريكي (أوباما) قبل عدة أيام، والذي عبر فيه عن المخاوف الأمريكية من أن عدم إعمار العراق، وعدم إرساء السلام والاستقرار فيه، يشكل تهديدا (استثنائيا)!!! للأمن القومي الأمريكي، وللسياسة الخارجية الأمريكية!!! مما يستوجب إعلان حالة الطوارئ، بل تمديد حالة الطوارئ القائمة منذ 2003، هناك (ويقصد العراق) لمدة سنة؟؟ لإحلال الاستقرار فيه!!! ولحماية الأمن القومي الأمريكي!!

2- وعن ثلج التقية الإيرانية، وعن عماد الدين الجبوري، نقلاً عن جريدة أخبار روز الإيرانية: صرح العميد ناصر شعباني بعد ثلاثة أيام من مجزرة الحويجة. فقال بكل وضوح إن الحرس الثوري الإيراني نفذ أول عملية أمنية له في العراق بالاشتراك مع الجيش العراقي. وأضاف أن هذه العملية لن تكون الأخيرة. بل إنها بداية لتعاون امني عسكري إيراني عراقي.
وماذا نقرأ من جديد في هذه التصريحات؟
نرى أنه لا جديد فيها، بل جاءت لتؤكد ما تعلن عنه المقاومة العراقية من أن أوباما عندما اتخذ قراره بترك العراق لأهله لم يكن صادقاً، بل كان يمارس التقية والخداع، لأنه عندما سحب القسم الأكبر من قواته منذ سنتين كان ما يزال يمارس عقيدة اليمين الأميركي المتطرف الذي أمر باحتلال العراق ليس ليخرج منه، بل ليحكم السيطرة عليه بواجهات من عملائه، وكان آخرهم حكومة نوري المالكي. وهو بسحب قواته القتالية ظلَّ يراهن على أن وجوده سيكون مدعوماً بعاملين اثنين، وهما:
- أن تقوم حكومة المالكي بتنفيذ مضمون الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية والعسكرية التي وقَّعها مع الأميركيين. على أن تحتفظ الولايات المتحدة الأميركية بقواعد عسكرية لتحمي ما تبقى لها من وجود ديبلوماسي وسياسي واقتصادي.
- ضمانة بقاء إيران في العراق يعني له أن مشروع تقسيم العراق والهيمنة على قراره السياسي سيبقى ثابتاً.
أما بالنسبة للنظام الإيراني فقد استغل فرصة دخوله للعراق تحت مظلة الاحتلال الأميركي، ولن تتاح له هذه الفرصة مرة ثانية إذا خرج الآن. وهو، كما الأميركيين، عقد اتفاقيات عسكرية أمنية مع حكومة الاحتلال المالكية. وبتلك الاتفاقيات يحمي الطرفان أحدهما الآخر. إذ يوفِّر النظام الإيراني الحماية الأمنية والعسكرية والسياسية لحكومة المالكي، وهذه بدورها تحمي الوجود الإيراني في العراق بكل ما فيه من فساد ونهب وسرقات لثروات العراقيين، هذا ناهيك عن أن النظام المذكور طالما ظل ممسكاً بالعراق سيؤهله هذا الإمساك لفرض دور وتأثير كبيرين له في الوطن العربي والإقليم المجاور للأمة العربية.
وبهذين الإعلانين، الأميركي والإيراني، لن يبقى شك لدى أي كان إلاَّ من كان لا يريد أن يرى، أن الاحتلال المركب سيقوم بأدوار مباشرة في مواجهة الثورة العراقية.

رابعاً: المقاومة العراقية في مواجهة مباشرة من جديد مع الاحتلال الأميركي والإيراني:
1- مواجهة التدخل الأميركي الآن يمر عبر إضعاف التدخل الإيراني:
مع الأخذ بعين الاعتبار كل هذه الوقائع تدرك المقاومة العراقية حجم المسؤولية التاريخية التي تقع على عاتقها في هذه المرحلة. وندرك نحن حجم هذه المسؤولية إذا ما عدَّدنا عناوينها الكبرى، التي من أهمها:
- مواجهة مباشرة مع النظام الإيراني.
- وإعادة مواجهة مباشرة وجديدة مع الولايات المتحدة الأميركية.
- مواجهة كل التجمعات العراقية العاملة في خدمة هذين المشروعين من ميليشيات وأحزاب ميليشاوية، وأجهزة أمنية وعسكرية عامة وخاصة.
- هذا ناهيك عن غياب الدعم العربي الشعبي والرسمي، هذا الغياب موجود على الرغم من إدراك العرب حجم الخطورة التي يشكلها استمرار الوجود الإيراني على كتف دول الخليج العربي وممالكه وإماراته، إذ تبقى البوابة الشرقية مشرَّعة أمام الغزو الإيراني للتدخل في كل شاردة وواردة في شؤون تلك الإمارات والممالك. وتزداد خطورة تشريع تلك البوابة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مدى تأثيرها في البوابة الغربية للوطن العربي. والوصول إلى البوابة الغربية بفعالية يتم عبر البوابة الشرقية.
فلكل المراهنين على منع تأثير النظام الإيراني في شؤون الوطن العربي إنما عليهم أن يساعدوا في طرد إيران من العراق أولاً، لأن طرده من بوابات أخرى غير العراق لن يؤدي إلى نتائج ذات قيمة وتأثير طالما ظل هذا الوجود قوياً في العراق، فخاصرة الوطن العربي الرخوة هي البوابة الشرقية التي إذا ما أٌقفلت سيدب الضعف في كل مفاصل التأثير الإيراني في العراق وفي غير العراق.

2-عوامل القوة في مشروع المقاومة العراقية:
ليست الصورة سوداء في وجه المقاومة على الرغم من الحجم الكبير للتحالف الذي يواجهها، وأما السبب فلأن هذا التحالف كان أكبر منذ بداية الاحتلال حتى تاريخ هزيمة الاحتلال الأميركي. فعقيدة المقاومة والتحرير والثأر للكرامة الوطنية واستعادة السيادة على القرار الوطني والأرض والثروات لم تتغير عند المقاومة بل زاد منسوبها بعد إنجاز الحلقات الأهم منها.
وإذا علمنا أن المقاومة العراقية كانت كالأيتام على موائد اللئام من أنظمة أجنبية وإقليمية وعربية، وما كان أكثرهم، ولكنها استمرت وحققت النصر، فأنها كانت تعتمد على إمكانياتها الذاتية، وإيمانها بالنصر. ولم يتغير شيء من العوائق التي كانت تواجهها حينذاك، ولكنها في هذه المرحلة حازت على عاملين إيجابيين كانا شبه غائبين في السنوات العشر التي مرت من عمر الاحتلال، أحدهما عربي والثاني داخلي عراقي:
أ- العامل العربي ظهر في مدى الخوف الذي بدأت معالمه تنتشر وتتسع من خطورة المد الإيراني والعنجهية الإيرانية التي راحت تتصرف وكأنها مالكة لقرار المنطقة، إقليمياً وعربياً.
ب- وأما العامل الداخلي العراقي فيتمثل بمظهرين، وهما:
- تآكل العملية السياسية من داخلها، فالأطراف المشاركة فيها تتشظى كل يوم أكثر من اليوم الذي يسبقه.
- التفاف شعبي واسع ظهر زخمه الكبير في المحافظات الستة من جهة، ومعالم الاحتقان في المحافظات الأخرى التي تتنامى وتنتظر الانفجار الكبير من جهة أخرى.
ويكفي من أجل إثبات مدى تلاحم الشعب العراقي مع المقاومة أن نعيد قول ما يقوله المالكي وزمرته الحاكمة: إن الشعارات التي يرفعها المعتصمون هي (شعارات بعثية).
وأخيراً، نشد على أيادي أبناء العراق الذين يقفون الآن في خندق إسقاط العملية السياسية بصمود وإصرار، كما نناشد من كاد الاحتقان يفجرهم أن يتفجروا كالبركان الآن وأن لا يتأخروا، فلن تُتاح للعراقيين فرصة أكثر أهمية من هذه الفرصة في الوقت القريب.

شبكة البصرة

الخميس 13 رجب 1434 / 23 آيار 2013


الرد على: مخاطر الإسلام السياسي على حركة التحرر العربي - زحل بن شمسين - 06-16-2013

لن يطيق عملاء الاحتلال صبراً


لن يطيق عملاء الاحتلال صبراًفهم سيتساقطون تباعاً أمام لاءات الثورة العراقيةوالنظام الإيراني دخل في العراق مرحلة استنزاف قدراته الفعليةبين أخلاقيات الثورة العراقية ولا أخلاقيات (عملية الاحتلال المركَّب السياسية) مسافة لا يمكن أن يملأها إلاَّ انتصار الحق على من يقومون بتزوير مفاهيمه. وأما السبب فلأن الثورة العراقية هي الثورة الوحيدة في ظلام العرب الدامس التي لم تقترب من دنس العلاقة مع الأجنبي، ولن تقترب منه. وإنما سبب ابتعادها عنه فلأنها ثورة تمثِّل ضمير الوطن والشعب، ثورة رفعت لاءات تستند إلى مفاهيم وثوابت وطنية وأخلاقية وإنسانية، مفاهيم مبنية على أساس الولاء لـ(السيادة الوطنية) وليس الولاء لأي شيء آخر. أما عملية الاحتلال المركَّب الأميركي الصهيوني الإيراني فتستند إلى كل المفاهيم الشاذة المنافية للوطنية والأخلاق والإنسانية.ولكل ذلك، ومن أجله، وإن كان التاريخ قد سجَّل انتصارات للمفاهيم الشاذة على المفاهيم القيمية في محطة ما من محطاته، فإنما كانت انتصارات مرحلية لا تحمل بذور الاستمرار. بل بمراجعة التاريخ منذ بداياته السحيقة يتأكد أن النصر كان معقوداً لكل من ناضل من أجل القيم الإنسانية العليا، ويأتي في المقدمة منها الولاء للوطن بكل ما يعنيه من أبعاد ومفاهيم.فاستناداً إلى تلك المبادئ تدور على أرض العراق مواجهة مريرة بين المفاهيم الشاذة والمفاهيم القيمية، يمثل الأولى تحالف يضم كل قوى الشر التي لا تريد للعراق خيراً كما أنها تريد إيقاع أمتنا العربية بحبائل الجريمة والخديعة والفساد. وفي المقابل يقوم بأود المواجهة مقاومة عراقية، بجناحيها: العسكري والسياسي، تجمع مقاومة عسكرية عراقية تمثل كل أطياف الشعب العراقي مع مقاومة سياسية سلمية تضم كل أطياف الشعب العراقي أيضاً.ففي هذه المواجهة، ولكل من طرفيها عوامل ضعف وعوامل قوة، وتلك العوامل هي التي ستحدد نتائج الصراع في نهاية المطاف لصالح الشعب العراقي. أما عوامل الضعف في تحالف الاحتلال المركَّب، فنشخِّصها بالتالي:تمَّ احتلال العراق بدفع من المصالح الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية للاستيلاء على العالم، وعمقها الصهيوني الموبوء بلوثة توراتية لاستعادة ما يُسمونه دولة «إسرائيل«، وبمشاركة إيرانية فاعلة وحاقدة وملوَّثة بأضغاث أوهام تاريخية وأيديولوجية. فهذا الاحتلال المركَّب ليس بأقل من جريمة اغتصاب مخالفة لكل الأعراف والتشريعات والقوانين الدولية والإنسانية. فهي جريمة أخلاقية وإنسانية بكل المقاييس. ودافعها سرقة ثروات العراق ونهبها، وصحَّ فيها قول الوزير البريطاني السابق طونى بن: «إن احتلال العراق هو سطو مسلَّح«. فنقاط ضعف هذا التحالف تكمن بأهداف الثلاثي الأميركي الصهيوني الإيراني المخالفة للقيم الإنسانية والتاريخية والأخلاقية والقانونية.وإذا كانت الأسباب الظاهرية التي خِيض العدوان على العراق على أساسها، والتي أصبحت مشهورة: (امتلاك سلاح الدمار الشامل والتعاون مع تنظيم القاعدة)، قد أثبتت التجربة بطلانها وكذبها، تبقى ذريعة نشر الديموقراطية التي مثَّلت أكثر الأكاذيب قذارة على الإطلاق. وإذا كانت صحة الأسباب الأولى لم تثبت أمام الوقائع، فإن اتهام النظام الوطني في العراق بالديكتاتورية تم تعميمه من أجل نشر الديموقراطية فيه كان من أكثر الفضائح التي انكشف الغطاء عنها بفعل الممارسات البشعة التي قامت بها سلطات الاحتلال بذاتها بشكل مباشر، والتي تقوم بها حكومة المالكي، والحكومات التي سبقتها. تلك الممارسات جاءت لتكذب المزاعم والافتراءات التي أُلحقت بحق النظام الوطني، إذ يكفي أن تقارير المؤسسات الدولية غير المرتبطة بأنظمة قد أكَّدت أن تصنيف وضع العراق تحت الاحتلال يحتل المراتب الأخيرة من انتشار الفساد والجريمة بشتى أشكالها وأنواعها.فنقاط الضعف إذن في أهداف التحالف الثلاثي بيِّنة وواضحة، ولن يجرؤ على إنكار لا إنسانيتها ولا أخلاقيتها ولا مشروعيتها إلاَّ متواطئ أو غبي مأفون. وإذا كان لا بدَّ من قرائن تدين كل طرف من أطراف التحالف الثلاثي، فسنوجزها بما يلي:أصبح من الواضح أن أهداف الولايات المتحدة الأميركية الحقيقية من احتلال العراق، هي غير الأهداف المعلنة، ويكفي البرهان على لا مشروعيتها ولا إنسانيتها تلك الإدانة التي صدرت عن الشعب الأميركي نفسه ضد إدارة جورج بوش، تلك الإدانة التي أسقطت الحزب الجمهوري الذي في عهده حصل احتلال العراق. ويكفي برهاناً ساطعاً عليها أن أوباما مرشح الحزب الديموقراطي قد فاز بالانتخابات لأنه وعد الشعب الأميركي بالخروج من العراق. ويكفي أن جورج بوش، وأعضاء إدارته، قد نالوا ما نالوه من أوصاف الشعب الأميركي بما يليق بجريمتهم الكبرى في العراق. فقد خرج بلقب (الكذاب). ويبقى على الشعب الأميركي أن يطالب ويضغط من أجل محاكمة جورج بوش وكل أركان إدارته لأنهم ورطوا أميركا بحرب دفعوا بها من أموال المكلف الأميركي آلاف المليارات من الدولارات، هذا ناهيك عن خسائر الشعب البشرية التي تجاوزت مئات الآلاف من الجنود، بين قتيل ومعاق جسدياً ونفسياً. ولن يكفِّر الأميركيون عن ذنوب إدارة بوش وجرائمها إلاَّ بالضغط من أجل خروج آخر جندي أميركي من العراق، وتطهير أرضه من كل القواعد العسكرية المنظورة وغير المنظورة. وإذا لم تفعلها إدارة أوباما بالرضى فإن المقاومة العراقية سترغمه بالإكراه كما أرغمت سلفه جورج بوش.أما الطرف الصهيوني المشارك بالحرب، فقد كان يُمنِّي النفس بتوسيع حدود حلمه إلى شواطئ الفرات بعد أن مدَّ نفوذه إلى شواطئ النيل بواسطة اتفاقيات كامب ديفيد، ولكن المقاومة العراقية قد أحبطت استكمال هذا المشروع الخبيث، ولن يتم اجتثاثه نهائياً إلاَّ بعد أن تنجز المقاومة مهمتها في تحرير العراق بشكل كامل. وأما النظام الإيراني فقد دخل مرحلة استنزاف قدراته الفعلية بعد أن أخذ يلعب دور التناقض الرئيسي الأصيل على الساحة العراقية بعد أن كان وكيلاً للاحتلال الأميركي. وأما السبب فهو أنه قبل اندلاع الثورة الشعبية العراقية، منذ 25 كانون الأول من العام 2012، كان يتكئ على عاملين ينوبان عنه وهما: الوجود العسكري الأميركي قبل تقليص جنوده إلى الحد الأدنى، وأركان (العملية السياسية) مزدوجو الولاء له وللولايات المتحدة الأميركية. أما الآن فقد أخذ يزج بكل قوته بشكل مباشر الأمر الذي يعني أن عليه أن يدفع من رصيده المادي والبشري في معركة المواجهة مع الشعب العراقي.ولأن النظام الإيراني قد انخرط في مشروع خطير وكبير، مشروع التسلل إلى الوطن العربي متوهماً أنه سيعيد أمجاد الإمبراطورية الفارسية، فإنه لا يدري خطورة النفق الذي زجَّ نفسه به. وهذا يستدعي تذكيره بأنه إذا كان يدري كم سيكلفه تنفيذ هذا المشروع وهو ما يزال مصراً على تنفيذه فهي مصيبة، وإذا كان لا يدري فالمصيبة أعظم.لعلَّ النظام الإيراني لم يتعلَّم من الدرس الأميركي المر في العراق، والذي لم يستطع الصمود في معركة المواجهة مع المقاومة العراقية، خاصة والعالم يشهد كم هي ضخمة قوة أميركا التي حلمت إدارته بأنها ستمول الحرب من ثروة العراق. وهي لم تفشل فقط باستخدام تلك الثروة بل أوصلت اقتصاد أميركا إلى حد الإفلاس على الرغم من أن أنظمة النفط العربي كانت سخية بتقديم المساعدات له على أكثر من صعيد وبأكثر من وسيلة.وبالمقارنة بين قدرة الولايات المتحدة الأميركية وقدرة إيران تدل النتيجة على هزالة مقدرة الأولى قياساً إلى مقدرة الثانية. هذا علماً أن إيران كانت تأخذ من العراق ولا تعطي، أما الآن فهي ستدفع من مالها واقتصادها ورجالها، ولن تجد أحداً من الأنظمة العربية الرسمية ليس من يمد لها يد العون، بل ستجد من يعمل على الحفر لها لتقع في شتى أنواع الأفخاخ والحفر. لقد شكَّلت بداية الحراك الشعبي في الأنبار، منذ أواخر كانون الأول 2013، الإنذار الأول لإيران لكي تدرك أنها ندبت نفسها في العراق لدور لن تستطيع تحمَّل أعبائه وتداعياته، ولهذا لم تفت قيادة العراق الوطنية إبداء حسن النية تجاه الجار الإيراني، ودعوته لأن يقلع عن مشاريعه التوسعية على حساب الأمة العربية. ولكن على الرغم من كل ذلك أصمَّ النظام أذنيه، وراح يوغل بتحقيق أحلامه التي ليست أكثر من سراب يركض وراءه ولكنه لن يجني منه ليس حرق أصابعه فحسب، بل ستدفع الشعوب الإيرانية ثمناً باهظاً أيضاً.وأما الآن، وبعد التداعيات الخطيرة التي ولَّدتها حماقات حكومة المالكي، بدعم وتشجيع ومباركة ومشاركة من النظام الإيراني، نؤكد بأن النظام المذكور قد دخل النفق المظلم في مواجهة الشعب العراقي، ولن ينقذه منه كل من يحسب أنهم من أنصاره في الجنوب العراقي، إذ سيستيقظ قريباً على أسنة رماح العراقيين الجنوبيين الأشراف، ولن يحميه منهم شلل وميليشيات كانت قد أوغلت في خيانة وطنها، وهم يحضرون أنفسهم للجوء إلى إيران كما لجأوا إليها أثناء وقائع القادسية الثانية التي امتدت لثمان سنوات. تلك القادسية التي لم يبلغ بها النظام مآربه مفضلاً أن يتجرع السم على أن يعترف بهزيمته فيها. إن هذا النظام بالغ النتيجة نفسها في هذه المرحلة بعد أن بدأ الشعب العراقي ثورته التي تحمل عنوان الثأر ممن داسوا كرامته وحلموا بأن زمرة من المنتفعين ستشكل لهم موطئ قدم على أرض العراق، حاسبين أن الانتماء إلى مذهب يجيز لهم جريمة الاستعانة بأجنبي. ولكنهم غفلوا عن أن الانتماء لوطن هو أكثر جذباً لهم من أي انتماء آخر. ولهذا سيبقى المُضلَّلون من أبناء جنوب العراق معزولين عن العمق الوطني الذي يشد أكثرية هؤلاء الأبناء إلى وطنهم لأن استقلال قرارهم عن أي تأثير خارجي يضمن لهم حقوقهم كاملة بما فيها الكرامة والعزة والعنفوان ولقمة العيش الكريم من دون مِنَّة من أحد، وهم لن ينشدُّوا إلى نخبة من الطائفيين التي تسرق باسمهم وتمارس الفساد بحجة حماية المذهب، خاصة أن تجربة عشر سنوات قد أذاقتهم مرارة الفوضى وانعدام الأمن والفساد والإذلال التي مارسها بعض زعمائهم ممن يزعمون بأنهم ينتمون إلى المذهب ذاته. هؤلاء الزعماء الذين أُتخموا من تكديس الثروات في داخل العراق وخارجه، بينما الأكثرية الساحقة من العراقيين من كل الطوائف يغرقون في فقر مدقع يتسولون لقمة العيش على أيدي ظالميهم ممن يزعمون أنهم حرَّاس للأديان والمذاهب.لقد آن للنظام الإيراني أن يرعوي، وان يتَّعظ، وأن يعود إلى رشده، ليكفِّر عن ذنوبه وجرائمه التي ارتكبها بالعراق، وينسحب منه ويرفع هيمنته عنه ويتركه لأهله، وأن يتحول إلى صديق حميم بدلاً من أن يبقى عدواً لدوداً، وأن يعتذر من شعب العراق، ويعوِّض عليهم كل ما سرقه من ثرواته، وكل ما أزهقه من أرواح. لقد آن له أن يكتفي بما أنزله بالعراقيين من أذى، وأن يحافظ على ما تبقى من إمكانيات يصرفها لمصلحة الشعوب الإيرانية بدلاً من إنفاقها على مشاريع غيبية مستحيلة التحقيق.كما آن للإدارة الأميركية أن تعي أن ما عجزت عن حمايته في عزِّ قوَّتها مباشرة، ستكون أكثر عجزاً عن حماية ما ترجوه من مصالح في العراق بالواسطة، سواءٌ أكانت إيرانية أم كانت بواسطة عملاء أصبحت قوتهم أوهى من خيوط العنكبوت.لقد آن للاحتلال المركَّب، الأميركي – الإيراني، أن يعي أن عوامل ضعفه تزداد كل يوم أكثر من اليوم الذي سبقه. وأما في المقابل فإن عوامل القوة في الثورة العراقية الراهنة تزداد باستمرار، وتجربة عشر سنوات من الصمود والانتصارات تشكل الدليل الأكبر على اقتراب ساعة الحسم. وساعة الحسم هي تحرير العراق كاملاً بأرضه وإرادته وقراره المستقل.إن اندلاع الثورة المسلَّحة التي انطلقت في الثالث والعشرين من نيسان ستكون كبقعة الزيت التي ستنتشر وتتوسَّع إلى بغداد، ومنها ستمتد إلى الجنوب، وأما السبب فلأن عوامل الاحتقان هي أكبر مما يتصوره من يعيش خارج العراق، ولكن يستطيع أن يتلمسه كل من عانى من عنت الاحتلال أولاً، وكل من عانى من عنت السلطة السياسية ثانياً.في ظل هذه الوقائع تشكل لاءات المقاومة العراقية عوامل قوَّتها، وتلك اللاءات تعبِّر تمام التعبير عن آمال الشعب العراقي ومصالحه، خاصة أن تلك اللاءات جاءت ممهورة بدماء الضحايا وأرواحهم التي دفعوها ثمناً لتمسكهم بوطنيتهم وعروبتهم، وعرق جبينهم الذي نضح من جراء جهادهم لتحرير وطنهم، ومعاناتهم التي ذاقوا فيها مرارة الجرائم التي ألحقها بهم الاحتلال المركَّب. وإذا كنا نريد أن نحصي تلك اللاءات فإننا لن نستطيع لكثرتها لأنها تشمل كل مناحي القضايا التي تمس حياة العراقي اليومية، وإذا أردنا التعبير عنها فإنها تمتد امتداد عشر سنوات من عمر الاحتلال. تلك السنوات التي لا نستطيع أن نصفها بالعجاف بل هي من السنوات التي أكلت من عمر الدولة العراقية أكثر إنجازاتها نهضوية وفيها أعيد العراق ليس إلى مرحلة ما قبل الصناعة فحسب، بل أعيد العراق إلى ما قبل الدولة القطرية الحديثة أيضاً، أي إلى عصر ما قبل ثمانماية عام، أخذ فيها الأخ يجتث أخاه في معركة الطوائف والأعراق. ويبتزُّ فيها الأخ أخاه من أجل لقمة العيش.لم تكن لاءات المقاومة العراقية إلاَّ لاءات الشعب العراقي بكل طوائفه وأعراقه ومناطقه، ويتقدمها لاءات ضد خيانة الوطن، ولاءات ضد الاحتلال، وضد أعوان الاحتلال، وضد الفساد والجريمة وغياب الأمن، وأشدها مرارة إذلال شعب العراق الذي ما نام على ضيم ظالم في الداخل أو ضيم ظالم آتٍ من خارج. كل هذا جعل من لاءات المقاومة العراقية لاءات لكل الشعب العراقي.فبورك اللقاء الرائع بين المقاومة وشعب المقاومة. وهذه تداعياتها التي لا نستطيع اللحاق بمتغيراتها لسرعتها، لأنه عندما يثور البركان لن يتوقَّف قبل أن يقذف كل حممه، فيجرف بطريقه كل ما يحيط به. وسيجرف بركان الشعب العراقي كل ما حمله من أثقال وأدران مما ولَّده الاحتلال المركب.وما على أميركا التي راهنت بعد هزيمتها في العراق على أنها قد تنقذ ماء وجهها وبعض مصالحها على أرجل (العملية السياسية) الخشبية إلاَّ أن تقوم بالخطوة الأخيرة بسحب جنودها الذين ما زالوا في العراق أولاً، وثانياً أن تقدِّم للمحاكمة كل إدارة جورج بوش نتيجة توريط بلدهم بمستنقع دفع فيه المواطن الأميركي ضريبة اقتصادية وخسائر بشرية هائلة، وثالثاً أن تعوِّض على شعب العراق كل ما دمرته من المرافق العامة والخاصة، وما أزهقته من أرواح، وما أحدثته من أمراض في بنية المجتمع العراقي على شتى الصُعُد.فتحية لشعب العراق الذي التفَّ حول مقاومته الوطنية، وتحية لمقاومته لأنها وعدت فأوفت. وما تحديد مسار الحركة تجاه بغداد إلاَّ تلك الخطوة الثورية الجبارة، التي ستفتح الطريق نحو الجنوب حيث ستنطلق صفارات (القادسية الثالثة)، من أجل إعلان عراق عربي حر من الموصل إلى البصرة