اقتباس:لو كان في العالم أكاديمية علمية تمنح شهادة الدكتوراه في الغباء، بمرتبة الشرف، أو بمرتبة (البورد)، لأعطتها، دون منافسة تُذكر، للمخابرات السورية!
ولا شك في أنكم، أيها السادة القراء، تعرفون من الأمثلة والشواهد، في هذا الشأن، ما يشيب له شعرُ رأسي من جديد، على الرغم من أني لا أقترُ عليه بالأصبغة والحناء.. ولكنني، هنا، سأوظف معرفتي بغبائهم في فكرة أعتبرُها مهمة إلى أبعد الحدود.
ففي مطلع الثورة، وبينما أنا جالس أتفرج على التلفزيون، إذ لمحت الشيخ يوسف القرضاوي، وهو أحد أقطاب الإخوان المسلمين بالطبع، يخطب الجمعة في أحد مساجد الدوحة، وكان يقول ما معناه إنه يؤيد حق الشعب السوري في الحرية، والخلاص من الاستبداد، وفي أن يكف زوار الفجر (المخابرات) عن اعتقاله من دون أن يكون قد ارتكب جريمة، أو جنحة، أو مخالفة.. ثم روى قصة عنترة بن شداد الذي طلب منه أبوه أن يهب للدفاع عن قومه الذين يتعرضون للغزو، فقال له:
لا شأن لي بذلك يا أبتِ، فأنا عبد، أقوم بالأعمال التي يقوم بها العبيد، وحسبي ذلك.
فلما أعتقه أبوه من العبودية انطلقت قواه البدنية والروحية الخارقة التي كانت معطلة، وأصبح، بعد ذلك، شوكة في عين كل من يعتدي على بني عبس، قومه.
ويضيف الشيخ القرضاوي: هذا كله بفضل الحرية!
وعلى الفور، ومن دون تردد، وجهتُ تحية، عبر صفحتي على الفيسبوك، للشيخ القرضاوي.
فماذا فعل رجال المخابرات عندنا في إدلب؟
لقد سارعوا إلى إضبارتي (التي ينوء عتالٌ من أولي العزم بحملها!)، وشطبوا منها المترادفات التي تصفني بأني: اشتراكي- شيوعي- ماركسي- يساري- عَلماني- ليبرالي.. وكتبوا تحتها عبارة: إخوانجي من جماعة يوسف القرضاوي!!
وأصبحوا يسألون كل معتقل يحمل كنية (بدلة) عن السبب الذي جعل قريبهم خطيباً يعتنق فكر القرضاوي وينتمي إلى جماعته.. فيندهش ذلك المعتقل المسكين ويتساءل ببراءة: معقول؟ متى حصل هذا؟
ومما هو معروف للقاصي والداني، أن قسماً لا يُستهان به من رجال المخابرات في سورية قد أُفرزوا للعمل في الصحافة السورية، ليكونوا على احتكاك مباشر بأصحاب الثقافة، والعلم، والفكر، والرأي، ويرفعوا تقاريرهم إلى قياداتهم أولاً بأول.. وبعض هؤلاء لا يقبلون بالعمل في الصحافة بصفة شخص عادي (نَفَر)، بل يشترطون الحصول على مناصب إدارية رفيعة، ومنهم، على سبيل المثال، الأستاذ ديب علي حسن الذي كان، وما يزال، يشغل منصب أمين التحرير للشؤون الثقافية بجريدة الثورة.
والحقيقة أنني أعرف الأستاذ ديب علي حسن عن قرب، وهو شخص طيب، وحباب، وابن حلال، وليس فيه سوى عيب بسيط، وهو أنه يخطىء في الإملاء!
ذات مرة، كتب الأستاذ ديب، على الفيسبوك، نصاً مليئاً بالأخطاء الإملائية، نقلتُه، أنا محسوبكم، إلى صفحتي، وطلبت من القراء الأكارم إحصاء الأخطاء الإملائية التي يحفل بها النص، فما كان منه إلا أن غضب، واشمأزَّ، واشمأنط، وكتب لي تعليقاً نارياً يقول لي ما معناه (بعد تصحيح الأخطاء):
أنت، يا خطيب بدلة، بالذات، لا يحق لك انتقاد الآخرين. ولا تنسَ أنك رجعي متخلف من جماعة يوسف القرضاوي!!
***
نعم.. يا جماعة.. أنا، من هذه الناحية، قصدي ناحية الحرية، والخلاص من الاستبداد، وزوار الفجر، وكتاب التقارير، وأمين التحرير الثقافي الذي يخطىء بالإملاء.. من جماعة يوسف القرضاوي.. لا بل أنا من جماعة الشيخ خالد محمد خالد.. الذي ألف كتاباً بعنوان (مواطنون لا رعايا)..
تخيلوا.. يا سادتي.. النظام الاشتراكي، التقدمي، العَلماني، الممانع، يسمي الاستفتاء على استمرار اغتصاب البلاد من قبل حافظ الأسد وابنه لمدة سبع سنوات جديدة (تجديد البيعة).. والشيخ الرجعي خالد محمد خالد.. يطالبنا بالمواطنية.. ويرفض أن نكون من (الرعايا)!
http://www.zaman-alwsl.net/readNews.php?id=35275