حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
حقيقة ظاهرة الصراعات الدينية في العالم...؟! - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: الحوار الديني (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=58) +--- الموضوع: حقيقة ظاهرة الصراعات الدينية في العالم...؟! (/showthread.php?tid=50366) |
حقيقة ظاهرة الصراعات الدينية في العالم...؟! - زحل بن شمسين - 05-30-2013 حقيقة ظاهرة الصراعات الدينية في العالم http://www.albasrah.net/pages/mod.php?mod=art&lapage=../ar_articles_2012/1112/jamil_031112.htm من وحي رسالة الكترونية/المقال الثاني شبكة البصرة القس لوسيان جميل المقدمة: بعد ان بينا خطأ الدعوات السلمية في عصرنا وميزنا، في المقال الأول، بينها وبين الدعوات السلمية الحقيقية، سنحاول ان نبين الآن حقيقة الصراعات الدينية في العالم، لكي نرى بوضوح اذا كانت مسؤولية الصراعات الدينية والمذهبية تقع على الأديان نفسها، ام اذا كانت تقع على المنتسبين الى هذه الأديان، ام ان صراع الأديان في حقيقته الأساسية، ليس غير ناتج عارض يتبع طبيعة مسيرة الأديان، وانتقالها من وجه حضاري وديني الى آخر، اذا ما تكلمنا عن هذه الأديان كلاما علميا؟ رأي المتدينين ورأي العلمانيين والملحدين: وفي الحقيقة نجد أناسا كثيرين لا يقبلون ان يكون الدين مسئولا بأي شكل عن الصراع الديني او المذهبي، ولذلك يتهمون اتباعَ الدين بالإساءة الى دينهم، او يتهمون الأعداء من الخارج بهذه الاساءة. غير ان آخرين، ومن كان منهم من أصول علمانية سطحية، ومن كان منهم ملحدا اصلا، ومن كان من الناشطين في شيطنة الأديان، يعتبرون الدين بحد ذاته افيون الشعوب، ولا يمكن ان ينتج غير الصراعات والدمار والتخلف عن المواكبة الحضارية. موقفنا العلمي من الصراعات الدينية: أما نحن الذين نقف الموقف العلمي من الصراعات الدينية، فلا يمكننا ان نكون بالحقيقة، لا مع الفئة الأولى ولا مع الفئة الثانية، كما اننا لا نقبل بالحلول الغيبية في شرح واقع صراع الأديان وتفسيره، لكننا سوف نقول بأن ما نشاهده من صراعات يقع ضمن " ظاهرة " اجتماعية دينية مماثلة لظاهرة قيام وسقوط الحضارات، وما ينتج عن هذه الظاهرة من خصومات بين المستفيدين من سقوط الحضارة وبين المتضررين منها، وأن ما يحدث بالتالي للأديان ناتج أساسي لظاهرة نشوء الأديان وشيخوختها وموتها، مثلما يكون صراع الحضارات والصراع الطبقي ظاهرة أساسية لظاهرة قيام وسقوط الحضارات، ومثلما تكون الشيخوخة والموت ظاهرة أساسية من ظواهر الحياة. غير أننا هنا لا نقصد موت الله ذاته, لأن الله حي لا يموت، وإنما نقصد موت وجه انثروبولوجي (لقب- صفة بشرية) من اوجه الله الذي يتجلى للإنسان ويصبح موضوع ايمانه، كحاجة حضارية ترتدي بأعين المحتاجين اليها صورة مقدسة مطلقة لا يمكن الاستغناء عنها. فهل في هذه الظواهر كلها الم وعذاب؟ نقول نعم، لكنه الم وعذاب الموت والولادة الجديدة، لذلك يكون هذا الألم الماً مفهوما ولا يثير غضب الانسان وانتقاداته، سوى في بعض الأوساط الفلسفية. وعليه فإننا قد نتكلم هنا عن الشر الناتج عن الانقسامات الدينية الطبيعية، لكننا نقول أيضا بأن شر هذه الانقسامات ليس شرا ادبيا اخلاقيا، وإنما هو شر طبيعي، كالشر الصادر عن موت آلاف الناس بزلزال او بكارثة طبيعية، في حين يتحول شر الانقسام الى شر ادبي ومسؤولية أخلاقية عندما يستخدم الناس انقساماتهم الدينية والمذهبية لغايات أخرى لا تعود الى الاختلافات الدينية بل تعود الى خلافات عشائرية او سياسية او طبقية اقتصادية مثلا، الأمر الذي يُدخل المسألة برمتها في باب آخر. لماذا نتكلم في المسألة الدينية عن الظاهرة: في هذه الفقرة نبدأ بسؤال يقول: ترى لماذا نتكلم هنا عن الظاهرة، في حين ان غيرنا لا يقبلون ان يقحموا مفهوم الظاهرة في الدين؟ ونجيب أننا نتكلم هنا عن الظاهرة لعدة اسباب، منها تصميمنا على ان نكون علميين في كلامنا، هذا الكلام العلمي الذي لم يعد لنا خيار في قبوله او رفضه، ومنها ما نراه، من خلال تحليلنا من تماثل واضح وشديد بين ظاهرة صراع الأديان او المذاهب وظاهرة صراع الحضارات، وأيضا ما نراه من شيوع هاتين الظاهرتين في كل مكان وزمان. فنحن في الحقيقة، اذا ما قارنا بين ما يحدث للأديان من صراع، مع ما يحدث للحضارة من هذا الصراع ايضا، سنجد التماثل بينهما شديد الوضوح. فالحضارات تخضع للتغيير وللجدل التاريخي، وكذلك الأديان، وان كانت مسيرة الأديان ابطأ من مسيرة الحضارات وصراعها اشد وأقوى. والحضارات تنشأ ثم تزدهر ثم تموت، وكذلك الأديان ايضا، حيث يضعف وجه من أوجه الله ليحل محله وجه جديد يحتاجه الانسان اكثر من الوجه القديم، الأمر الذي نفهم منه ان الله نفسه بالحقيقة لا يموت، لكن الذي يموت هو وجهه الانثروبوجي الانساني حسب، هذا الوجه الجديد الذي عندما يتغير يغير اللاهوت (الكلام العقلاني عن الله) بشكل حتمي. وهنا نرى ان التغيير الذي يحصل في أوجه الحضارة وفي اوجه الله يماثل ما يحدث للمادة من تغيير في صورها المختلفة المتعاقبة، أي في اوجهها، في حين تبقى المادة ثابتة وواحدة، حسب القاعدة الفيزيائية التي تقول: المادة لا تفنى ولا تستحدث. تفاصيل ظاهرة صراع الأديان: بعد ان تكلمنا عن الشبه الكبير بين صراع الحضارات وصراع الأديان، فإننا سنستلهم صراع الحضارات هذا لنتكلم عن صراع الأديان خطوة فخطوة، بسبب التماثل القائم بين الظاهرتين. غير اننا من الآن، وبعد هذا الكلام الوجيز، يمكننا ان نؤكد على بعض التماثل بين صراع الحضارات وبين صراع الأديان، ومن ذلك في مسألة نشوء او قيام الأديان الذي يماثل نشوء وقيام الحضارة. ويقينا قارئي العزيز أن الحضارة، كأي انتاج آخر، تنشأ بسبب "حاجة" الانسان اليها، وهو في طريقه التصاعدي نحو اهدافه المستقبلية. وهكذا لا تكون "الحاجة" ام الاختراع فقط، لكنها تكون ايضا صانعة الحضارات، بكل تفاصيلها المادية والروحية. وهنا نسأل ونقول: ترى اليس نشوء دين حاجة تخدم بنى الانسان العليا السامية، من اجل تنسيق الحياة الانسانية الروحية في اعلى مستوياتها خاصة؟ نقول: نعم، وإلا ما معنى ان يكون لكل البشر دين؟ وعموما يمكننا ان نقول ان الحضارات تمر بمراحل معروفة هي: مرحلة نشوء الحضارة ومرحلة ازدهارها وسيادتها ومرحلة ضعف الحضارة بسبب اطلالة حضارة احسن منها، ثم أخيرا مرحلة تدهور الحضارة وموتها، الأمر الذي يحدث للأديان ايضا بشكل مماثل. فالأديان تنشأ وتزدهر وتسود، ثم تضعف في اداء خدمتها، ثم تحتضر وتموت، كما حدث للحضارات القديمة وللديانات الوثنية مثلا، حيث مات الوجه الوثني لله، في حين لم يمت الله نفسه، لأن الله لا يموت، كما قلنا من قبل. وتعقيبا على ما كنا فيه من تحليل ادرج للقراء الكرام حادثة يقال انها حدثت في كنيسة بألمانيا، موطن الفيلسوف الملحد نيتشه. فعن هذه الحادثة يقال ان الفيلسوف نيتشه كان في يوم من الأيام في الكنيسة، لحضور القداس بمناسبة ما. فلما وصل القسيس المترئس لطقس القداس الى فقرة مهمة من الطقس نهض نيتشه من علـى كرسيه وصاح بأعلى صوته قائلا: يا ايها الحاضرون، ان الله قد مات. بعد ان لفظ نيتشه كلماته هذه على عجل، لكي لا يقاطعه أحد، بدأ عازف الارغن الكنسي يعزف لحنا بكل قوته لكي يغطي على صوت نيتشه الملحد، فلا يسمع الجمع كلامه. وهنا نقول: صحيح، لقد استطاع صوت الارغن العالي ان يسكت نيتشه الملحد، غير ان تلك الحادثة صارت بداية لبزوغ لاهوت معاصر جديد، سمي لاهوت موت الله، هذا اللاهوت الذي اعترف به كثير من اللاهوتيين المتأثرين بالمجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الذي ميز بين الايمان وبين اللاهوت ككلام عقلاني عن الايمان، والذي لا يتمتع بالتالي بأية عصمة. وهكذا شرع اللاهوتيون يقولون مع نيتشه: نعم مات اله حضارة القرون الوسطى واله حضارة القرون الرأسمالية الحديثة، لكن الاله الحي لم يمت ولن يموت ابدا. مرحلة نشوء الحضارات: مما لا شك فيه ان حضارة معينة تكون جذابة ومطلوبة في فترة نشوئها، حتى ان الناس يقبلون عليها بحماس ولهفة، وأحيانا كثيرة بالضد مما يرضي المجتمع، ولهذا تحصل في هذه الفترة صدامات بين المجددين والمحافظين على مستوى البنى التحتية وعلى مستوى البنى العليا. غير ان مثل هذه الصدامات لا تكون خطيرة، وتقتصر غالبا على ما يسمى بصراع الأجيال. علما بأن ما يحدث للحضارة يحدث للدين ايضا مع فارق غير جوهري يعود الى حدة الصراع الديني وقوة الحماس عند المتحمسين، والى رغبة تجديد الأطر الدينية عند الأجيال الجديدة خاصة. علما ان هذه الظاهرة نفسها تظهر في المرحلة التالية، مع قلب الأدوار، حيث من كان فيما مضى مجددا ومتحمسا للتغيير، يصبح من الداعين الى الحفاظ على التقاليد بقوة، الأمر الذي يخفف من حدة الصراع، ويؤمن مسيرة الانتقال الحضاري والديني من دون خسائر كبيرة. (هنا أكدنا على منافع الوسطية، لكننا لم نتكلم عن مضارها الكثيرة لقلة المجال). فترة ازدهار الحضارة وسيادتها: أما فترة ازدهار الحضارة وسيادتها فهي فترة البناء المادي المتصاعد وفترة بناء الأيديولوجيات والقيم والقوانين التي ترتبط بالحضارة السائدة، الأمر الذي يحدث للأديان بشكل يكاد ان يكون حرفيا. علما بأن فترة الازدهار تكون ايضا فترة يسود فيها الاستقرار وتهيمن النمطية على حياة الناس، مع وجود رضا عام عند المؤمنين بهذه الفترة. وفي هذه الفترة ايضا تنتهي الاسئلة الكبيرة تقريبا ولا يهتم الناس إلا بأن تكون حياتهم مواكبة لحياة الجماعة، كما تكون اخلاق الجماعة الاجتماعية هي التي تسير المجتمع بأسره، حتى يبدو خرق اي عرف اجتماعي وكأنه خرق لإرادة الله تعالى نفسه، وذلك بسبب تأثير ما يسمى في علم الاجتماع بالضغط الاجتماعي Pression sociale. علما بأن كثيرا مما يحدث في المجال الحضاري مما قلنا يحدث ايضا في المجال الديني، حيث تأتي فترات دينية يتحول المؤمنون بدين معين الى قطيع يتبعون رعاة دينهم وسنن مجتمعهم الدينية من دون تساؤلات كثيرة. فترة ضعف الحضارة وموتهما: في هذه الفقرة نرى ان نؤكد على ان فترة ضعف الحضارة وموتها لا تعد خللا في الحضارة، لكنها مرحلة من مراحل موت القديم وتكوين الجديد. ولذلك ايضا لا تعد هذه الفترة عيبا او نقصا تعاب تلك الحضارة عليه، وإنما تعد تجديدا وقوة لها، مع وجوب تأكيدنا على ظاهرة أخرى مفهومة ومنطقية وهي ظاهرة ارتباط المدة الزمنية التي تفصل بين نشوء الحضارة وموتها، ارتباطا عكسيا بالزمن، حيث تقصر هذه المدة كلما تقدم الزمن والحضارة الى الأمام، مما يسمى بظاهرة "التسرع" الحضاري. وبما ان الايمان الديني هو ارقى وأسمى الأبعاد والبنى العليا عند الانسان، فان ظاهرة نشوء وموت الحضارات تنطبق على الأديان بصورة لا ريب فيها، فضلا عن الظاهرة التي تحدد الفترة الزمنية بين نشوء حضارة معينة وموتها، وكذلك بين نشوء وجه من أوجه اله الايمان وموت هذا الوجه. علما بأن القانون الأنثروبولوجي الذي يحدد المسافة الزمنية بين نشوء وجه جديد وموت هذا الوجه يختلف قليلا عن القانون الذي يحدد الزمن المطلوب لنشوء حضارة معينة وموت هذه الحضارة، بسبب أهمية الايمان الديني بعين الانسان، وما يكون الانسان قد بذله في سبيل هذا الايمان من مجهود وتضحيات. ومهما يقال فانه من الملاحظ أن ديمومة وزمن تأثير المنظومات الروحية، ومنها المنظومات الدينية اطول من زمن المنظومات الحضارية المادية، ولهذا غالبا ما يحصل تخلف المواكبة بين الايمان ـ الدين ـ اللاهوت وبين الحضارة وأبعادها الحضارية الأنثروبولوجية الأخرى. حقيقة ضراوة صراع الأديان والمذاهب: قلنا ان صراع الأديان والمذاهب، ظاهرة مفهومة ومنطقية، لأن هذا الصراع يعني رفض التخلي عما بنته كل مؤسسة دينية في فترة النشوء، كما في فترة البناء المادي والروحي واللاهوتي للأديان، ولكن لكي نفهم تماما حقيقة ضراوة الأديان والمذاهب علينا اولا ان نفهم مكانة الدين، او بالأحرى، مكانة الايمان الجديد للإنسان، ونفهم ما عانى منه المؤمنون الأولون من آلام ومشقات في سبيل هذا الايمان الجديد. كما علينا ان نفهم مقدار تشبث الناس بدينهم في مرحلة الاستقرار والبناء، وما كان يحمله المؤمنون من اعتزاز بهذا الدين او الايمان الذي ينتسبون اليه، حتى صار اللاهوتيون في كل الأديان يحسبون ان هذا الدين سيبقى الى ابد الآبدين، لاسيما وأن الأديان غالبا ما تكون مرتبطة بحضارة معينة وبحكم سياسي وبأمة دينية ينتسب المؤمنون بذلك الدين اليها. وبما ان السيد المسيح كان يفهم حقيقة صراع الأديان والمذاهب، ولأنه كان يعرف ايضا ان رسالته شكلت خطرا على ايمان المؤسسة الدينية اليهودية، لذلك حذر تلاميذه قائلا لهم: سوف تأتي ايام يحسب من يقتلكم انه يقرب قربانا لله. غير ان الطامة الكبرى المؤلمة والمخجلة تكمن في الخصومات التي كانت تعني شيئا حقيقيا في يوم من الأيام ثم صارت فيما بعد امرا تاريخيا عفا عليه الزمن واندثرت معانيه مع التحولات الحضارية والدينية واللاهوتية التي تكلمنا عنها. فمثلا صارت الخلافات التي تسمى بالخلافات الكريستولوجية (خلافات حول طبيعة المسيح) شيئا تاريخيا لا معنى له بعد موت الفلسفات التي بنيت عليها تلك الخلافات، منذ زمن طويل، وموت الامبراطوريات التي كانت تحمي تلك الخلافات. كما ان الخلاف البروتستانتي الكاثوليكي شارف على الانتهاء هو ايضا مع بروز افكار علمية حلت محل الفلسفات القديمة ومحت من اساسها كثيرا من مبادئ الخلافات القديمة، أو اضعفتها. اما الخلافات المذهبية والأيديولوجية التي اصبحنا نصطلي بنارها اليوم في البلدان العربية والإسلامية، فهي الأخرى لم يعد لها ما يبررها، باستثناء السياسة والمصالح المادية التي صارت السبب الوحيد للخلاف ولسفك الدماء، الأمر الذي يتألم منه كل انسان شريف يحمل في نفسه قدرا كافيا من الانسانية. التتمة في المقال الثالث تليف- محافظة نينوى - العراق fr_luciendjamil@yahoo.com شبكة البصرة السبت 18 ذو الحجة 1433 / 3 تشرين الثاني 2012 الرد على: حقيقة ظاهرة الصراعات الدينية في العالم...؟! - زحل بن شمسين - 06-03-2013 القس لوسيان جميل تناحر الاديان المقدمة: قرائي الأعزاء! الرسالة الالكترونية التي استلمتها والتي سوف يكون هذا المقال من وحيها، كان كاتبها، او مرسلها، يبدي ألمه واستغرابه من ظاهرة تناحر أهل الأديان وكراهية بعضهم لبعض وعداء بعضهم لبعض، على الرغم من تصريحاتهم جميعا أنهم يؤمنون باله واحد، في حين يلاحظ كاتب الرسالة أن البوذية تشكل الاستثناء الوحيد في هذا المجال، حيث هناك آلاف من الكتب المقدسة والمزارات البوذية، لكن الجميع يعيشون بمحبة وسلام مع بعضهم البعض. علما بأنها المرة الثانية التي استلم هذه الرسالة عينها، ولكن هذه المرة كانت باللغة العربية، في حين كانت الرسالة الأولى مكتوبة بالانكليزية. وبما ان الرسالة جذبت انتباهي، ليس بما تحويه من ايجابيات، بل بما كان فيها من دس ومغالطات ونقص في دقة الحكم على الأديان، قررت أن اكتب ثلاث مقالات معمقة حول حقيقة هذه الرسالة، من اجل وضع الأمور في نصابها الحقيقي، تاركا الحديث عن ظاهرة البوذية لمقال ثالث، إن شاء الله. تحليل لمحتوى الرسالة المذكورة: بعد كل هذه الفترة التي قضيناها، نحن الكتاب، في تفنيد مغالطات المحتلين وأكاذيبهم، ورفع الغشاوة عن عيون أبناء الشعب البسيط من اجل حمايتهم من التضليل بقدر المستطاع، فقد اكتسبنا خبرة ثمينة في تمييز الغث من السمين، فيما يقال وفيما يكتب, حول شؤون المحتل والمحتلين. لذلك أسرعنا في كتابة هذا المقال الذي يهدف الى فرز الحنطة الجيدة عن الزؤان. أما بعد مقدمة الفقرة أعلاه فنقول: نعم إن ما يحدث للأديان مؤلم حقا، غير ان من اعتاد على التفكير والتحليل والتأمل بمثل هذه الأمور بعلمية كافية لا يستغرب من هذا الانقسام، حتى وان كان يرفضه في السر والعلن. وعليه فان ما سنقوله بشأن ظاهرة الانقسام المذكورة، سوف يستند إلى التحليل العلمي لهذه الظاهرة الدينية الاجتماعية، وحينئذ سوف يتحقق المثل الذي يقول: إذا عرف السبب بطل العجب، وحينئذ أيضا لن يتمكن احد من الاصطياد في الماء العكر، ولن يستطيع أحد أن يدس السم في العسل، ولا ان يقول كلاما ظاهره حق وباطنه باطل. ومن هنا، وكمحللين للظواهر الاجتماعية، لن ننساق وراء المهرجين المنادين بالسلم والتمدن والمحبة المزيفة، وسيكون لنا كلام يعطي لكل بعد من أبعاد الظاهرة المذكورة حقها، وحينئذ ايضا نفهم حقيقة الرياء الذي نجده في كثير من الدعوات السلمية ودعوات المصالحة التي ينادي بها بعض رجال الدين، مسلمين ومسيحيين، وتطالب بها منظمات المجتمع المدني المزعومة. ومن يدري! فقد يقال لنا: ترى لماذا لا تشاركون المروجين لمثل هذه الظواهر المؤلمة استنتاجاتهم ودعوتهم السلمية، انتم الذين تقولون إنكم طلاب سلم ولستم طلاب حرب؟ أما جوابنا فواضح: اننا لا نشارك في مثل هذه الدعوات السلمية، لأنها دعوات مرائية وخبيثة تظهر وجها وتبطن الوجه الآخر الخبيث، وبذلك تعمل على شيطنة المقاومة والمقاومين، ليس في العراق وحده بل في العالم العربي كله. حقيقة الدعوات السلمية والمدنية في زماننا: قبل ان ندخل في تفاصيل هذه الفقرة حري بنا ان نميز بين أشكال الداعين الى السلام، لكي نستطيع ان نحكم الحكم الصحيح على جميع أشكال الدعوات السلمية هذه ولا نقع في فخاخ المضللين. ولكي يكون ما نكتبه واضحا سوف نلجأ الى ترقيم بعض أشكال الدعوات السلمية التي نجدها في مجتمعنا العراقي وفي المجتمعات العربية التي تخضع لمسيرة اجتماعية مماثلة. 1 - الدعوات السلمية الصادرة عن بسطاء الناس: من يدرس عقلية الشعوب البسيطة سوف يكتشف ان هذه الشعوب، وعلى قدر وعيها الاجتماعي، لا تقوم خياراتها على مبادئ فكرية، ولا حتى على مبادئ أخلاقية، وإنما تقوم على المصلحة الآنية المباشرة. لذلك تأتي رغبة هذه الشعوب بالسلام عن مصلحة مادية: خوفا على الأرواح والممتلكات وطمعا بفائدة مادية تحصل عليها جراء السلام، كما حدث عندنا في العراق عندما جوع الأعداء شعبنا العراقي ومن بعد ذلك أخذوا منه كل ما يريدون بحجة الخلاص من الجوع والحرمان، دون الالتفات الى الضرر الناتج للعراق بسبب موقفهم هذا. وهكذا نرى هؤلاء الناس وكأن لسان حالهم يقول: أنا ! وليكن من بعدي الطوفان. 2 – المضللون بوهم السلام كثابت: الجماعات الثانية التي تشدد على ثابت السلام نراها بين الذين يعتقدون أن المبادئ الأخلاقية السليمة تدعوا الناس إلى السلام، دون قيد أو شرط، سواء كان هؤلاء الناس ظالمين أم مظلومين. غير أن هذه الفئة المسالمة المؤدلجة بأيديولوجية الوهم تجهل أن دعوتها أقوياء العالم إلى السلام لا تؤثر قليلا أو كثيرا في هؤلاء الأقوياء، ولا تزحزحهم عن أهدافهم الشريرة وعدوانهم قيد أنملة. أما خيارات مثل هؤلاء المسالمين فتستند الى وهم ناتج عن حالة نفسية معينة، في اغلب الأحيان، او عن حالة صوفية سطحية لا دخل لها بالسلام أصلا، أو عن فهم لاهوتي خاطئ ومؤدلج للدين، الأمر الذي يظهر عند المسيحيين خاصة. وهكذا يتحول الإيمان عند هؤلاء المتصوفة المزعومين الى ما سماه كارل ماركس بأفيون الشعوب، هذا القول الذي لا يصح في الحقيقة إلا على هذا الطراز من الداعين الى السلام، من الذين تصبح الدعوة الى السلام المطلق عندهم، من الثوابت التي لا تمس. 3 – حالة المظلَلَين السلمية: ويقينا أننا عندما نتكلم عن المضلَلَين هنا نقصد بهم من ليس تمسكهم بالدعوة الى السلام حالة ذاتية ناتجة عن أي مسبب داخلي، لكننا نعني بالمضللين هنا من يقع عليهم التضليل الخبيث المصطنع بدهاء، من قبل جهات سياسية سيئة النية والقصد، او من قبل جهات دينية تضع نفسها، من حيث تدري ومن حيث لا تدري، الى جانب المعتدين الدوليين. أما هؤلاء المضللين ( بفتح اللام ) فنراهم يتفانون في مدح السلام كالببغاوات، وكأن السلام وفي كل حالاته قضية هامة وخاصة عندهم. وهكذا لا يقع هؤلاء المضللون في حبائل التضليل الخبيث فقط لكنهم يقعون ضحية لما يسمى، في علم النفس، بآلية الحيل الدفاعية، وأسميه شخصيا بالوهم الأنثروبولوجي أيضا، هذا الوهم الذي قد نكتب عنه مقالا خاصا في يوم من الأيام. 4 – حالة ضحايا أقوياء العالم: إن هذه الحالة تحدث في أيامنا بشكل مكثف، ولاسيما عندما تكون هناك حرب باردة او حارة بين الامبرياليين المعتدين وبين الشعوب الضعيفة. ففي هذه الحالة يستخدم الامبرياليون الأشرار الإعلام المضلل بشكل ملحوظ ، من اجل تيئيس الضعفاء من قدرتهم على المقاومة، كما يستعملون الوسائل التي بدأ العالم يسميهـا بالشيطنة Diabolisation ، من اجل النيل من عناصر القوة عند الخصم، حيث تطال الشيطنة كل شيء نبيل عند الضعفاء، بما في ذلك تضحية الضعفاء بحياتهم وحتى بسلامتهم الشخصية والوطنية، في سبيل النصر على الظالمين. اما المظللين ( بكسر اللام ) انفسهم فيشكلون فوجا كبيرا من علماء النفس ودهاقنة المخابرات الخبثاء والسياسيين الكبار وفوج من المنتفعين من السياسة من الذين يقدمون خدماتهم للمحتلين لقاء ما يدفع لهم من أجر. ويقينا أننا لا نخطئ إذا حسبنا جماعات " المجتمع المدني " من بين هؤلاء المضللين اللذين يخدمون أهداف المحتلين العدوانية. وهنا! نقولها مرة أخرى، يحاول المضللون السياسيون وأذنابهم ان يقنعوا المعتدى عليهم بأن طريق السلام هو الأفضل لهم وللعالم، مع أننا نعرف أن المحتلين في العراق وفي فلسطين مثلا، سدوا كل الطرق، العنيفة منها والسلمية، بوجه الذين لا يطلبون غير حقهم الطبيعي والشرعي: السيادة الكاملة والتخلص الكامل من الاحتلال في العراق وفي فلسطين. ثم الم يكن إصرار النازيين في البيت الأبيض، والذي يسميه العراقيون بالبيت الأسود، على احتلال العراق، على الرغم من المظاهرات الحاشدة التي خرجت في كل أنحاء العالم لردع العدوان، دليلا كافيا على أن المعتدين أقوياء العالم لا يفهمون غير لغة القوة، وأن لا شيء آخر يردعهم غير القوة؟ حقا! يبدو أن العنف والقوة قدر لا مفر منه امام الضعفاء ماديا، ما دام عالم الأقوياء لا يثق إلا بالقوة الغاشمة ولا يعرف شريعة غير شريعة الغاب. أما أن المضللين السياسيين وأتباعهم بكلل صنوفهم الدينية والمدنية، ومنهم رجال كنيسة وما يسمى بمنظمات المجتمع المدني المخادعة، يأتون الآن وينادون بالسلام والمصالحة، بعد ان أطبق المحتل أنيابه على العراق وغير العراق، فتلك لعمري أقصى خدمة يقدمها هؤلاء المضللين للمعتدين المحتلين، بدعوة من وقع عليهم الاحتلال الى السكينة والسلام، هذا السلام الذي هو أقصى أمنيات المحتلين في زمن النهايات، أي في الزمن الذي فيه يعتقد المجرمون أنهم أنجزوا مهمة عدوانهم، ولم يبقى لهم سوى ان يتمتعوا بثمار عدوانهم، دون ان يقلق راحتهم أحد، هذا الزمن المعروف عند كل المعتدين في العالم، من الذين يحاولون بعد انجاز الجريمة ان يخلعوا ثوب الذئاب ويلبسوا ثوب الحملان؟ فهل سوف ينجحون في ذلك؟ ان تحليلنا للأمور يقول: ما كل مرة تسلم الجرة. 5 – طوبى لفاعلي السلام فانهم بنو الله يدعون: هذه العبارة قارئي العزيز مستلة مما يسمى موعظة يسوع على الجبل. ففي هذه الموعظة على الجبل تطويبات عديدة متماثلة من حيث انها تمدح الفضائل الانسانية التي تجعل مجتمع العالم مجتمعا انسانيا سعيدا، ومنها التطويبة التي تقول: طوبى لفاعلي السلام فانهم بني الله يدعون. فاذا كان السيد المسيح يقول هذا الكلام الرائع، واذا كانت انسانية الانسان، قبل ان يفسدها المفسدون تقول كذلك ايضا، فمعنى ذلك ان هذه المقولة هي حقا صحيحة ولا غبار عليها. غير اننا هنا نردف ونقول: نعم طوبى لفاعلي السلام فانهم بنو الله يدعون، ولكن لن يكون ابناء الله حقا، اولئك الجبناء الذين يدعون الى الاستسلام للقدر وللقوة الغاشمة الشريرة، ولن يكون ابنا لله من يشبه ذلك الجنرال الذي دمر مدينة وارشو في الحرب العالمية، ثم ابرق الى رؤسائه قائلا: السلام يخيم على مدينة وارشو. فذلك الجنرال بالحقيقة، لم يعمل ولم يحقق السلام، وانما حقق الخراب حسب، ولذلك نقول بان ذلك الجنرال وأمثاله لا يستحقون التطويب والتمجيد، بل الزجر والاحتقار. من هنا نقول ان من يريد السلام حقا لا يفرضه على الآخرين، بل يعمل به هو نفسه اولا، لكي يغري الآخرين على طلب السلام، الأمر الذي لم يفعله السيد بوش ولا السيد بلير ولا غيرهم من الكبار والصغار الذين اعتدوا على العراق، وأحلوا الفوضى فيه عوضا عن السلام، مما لم يؤثر على السلام في العراق وحده، بل أثر سلبا على السلام في مناطقنا العربية كلها، وفي العالم بأسره. وعليه فان المتأمل بما يجري اليوم في مناطقنا جراء اعتماد الأشرار العالميين على القوة الغاشمة، وجراء تمسكهم بمصالحم قبل تمسكهم بقوانين السلام وأخلاقياته، يفهم ان ما يجري انما يجري بحسب المقولة التي تقول: اذا اردت السلام فأعدد للحرب، في حين ان السلام الحقيقي لا يقوم الا على مقولة أخرى تقول: اذا اردت السلام فأعدد للسلام الحقيقي، وليس فقط للسلام المبني على توازن القوى، هذا السلام الحقيقي الذي يقوم على الحق والعدل بين ابناء الوطن الواحد وبين الدول والشعوب. يتبع... القس لوسيان جميل تلكيف – محافظة نينوى – العراق Fr_luciendjamil@yahoo.com RE: حقيقة ظاهرة الصراعات الدينية في العالم...؟! - عبدالله بن محمد بن ابراهيم - 06-03-2013 تسجيل متابعة. كل احترام. RE: حقيقة ظاهرة الصراعات الدينية في العالم...؟! - زحل بن شمسين - 06-04-2013 (06-03-2013, 09:14 AM)عبدالله بن محمد بن ابراهيم كتب: تسجيل متابعة. شكرا اخ عبدالله لمرورك الكريم انتم من العقلاء ...ما زالت الدنيا بالف خير ... طالما يوجد عقلاء مثلكم تقرأ عن الحقائق وليس ... عن الدعايات والزمر والطبل للامبريالية وخدامها لاحتلال الاوطان ؟! البابلي الرد على: حقيقة ظاهرة الصراعات الدينية في العالم...؟! - زحل بن شمسين - 06-07-2013 بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من وحي رسالة الكترونية/المقال الثالث البوذية وتناحر الأديان شبكة البصرة القس لوسيان جميل أعزائي القراء! ان مقالي الثالث يحمل عنوان: من وحي رسالة الكترونية/ البوذية وتناحر الأديان. فقد أظهرت الرسالة اتباع الأديان يتناحرون فيما بينهم باستثناء اتباع الديانة البوذية، حسب زعم الرسالة، هذا الزعم الذي يحمل شيئا من الصحة، ويحمل ايضا كثيرا من المبالغة والتعميم الذي يأتي لأسباب سياسية واضحة، لا تخلو من نية شيطنة الأديان، كما سبق ان قلنا في مقالنا الأول بالموضوع عينه. وفي الحقيقة لا يوجد دين يخلو من اتباع يفضلون حالة السلم على حالة الصراع والحرب، حالهم حال البوذيين الذين لا يمكن تبرئتهم من بعض العنف في حالات قد تكون استثنائية وقد لا تكون. ومع ذلك، وبما ان صبغة الوداعة والسلام تطغى على سلوكية البوذيين العامة، وخاصة في ماضيهم القديم، فإننا سوف نبحث عن سبب هذه الظاهرة السلمية عندهم، لنرى فيما اذا كان سلوكهم السلمي ناتجا عن اسباب، ما ان تتوفر عند غيرهم، حتى يسلكوا سلوك البوذيين السلمي في حياتهم، في حين يمكن ان تنقلب اية حالة سلمية الى نقيضها مع تغيير بيئة المجتمع. اسباب الروح السلمية عند البوذيين: على الرغم من ان معرفتي بالديانة البوذية ليست معرفة عميقة، لكنني اعتقد أن ما اعرفه عن هذه الديانة كاف للإجابة على السؤال الذي يقول: ترى ما هي اسباب الطبيعة غير العنيفة عند البوذيين؟ غير أننا، قبل الاجابة على السؤال المطروح، نتساءل اولا عما اذا كانت تعاليم بوذا السلمية هي التي ولدت هذه الصفة عند تلاميذه وأتباعه، او على الأقل عند شرائح كبيرة منهم، أم ان روح المسالمة والابتعاد عن العنف هو ميزة ناتجة عن البيئة الطبيعية او الاجتماعية عند اهل المنطقة التي شاعت فيها البوذية؟ وبما ان علم الاجتماع يعطي اولوية التأثير على الانسان للبيئة الاجتماعية، فإننا سنقول أن المؤثر الحقيقي في الطبع السلمي للبوذيين هو البيئة أولا، حيث ان هذه البيئة هي التي انتجت بوذا الناسك المسالم، وليس العكس، ومن ثم أثر بوذا بدوره سلميا في سائر ابناء المنطقة البوذية، بعد ان صار بوذا، الذي يأتي في المرتبة الثانية من حيث التأثير معلما ونموذجا ومثالا للسلم والوداعة لأهل المنطقة جميعهم، ولاسيما لتلاميذه المتحمسين لتعاليمه. وبما اننا كنا بصدد النماذج، وقلنا ان البيئة جعلت من بوذا نموذجا ومثالا ومعلما، فهذا يعني أولا بأن بوذا كان يملك استعدادا طبيعيا ومكتسبا لكي تجعل منه الطبيعة نموذجا: بلغة أخرى دينية يمكن ان نقول ان بوذا كان يملك استعدادا طبيعيا ومكتسبا لكي يجل الله منه نموذجا ومثالا ومعلما، كما حصل مع جميع الأنبياء. وهكذا نستطيع ان نؤكد ايضا ان بوذا بصفته نموذجا، صار "وسيطا" بين الطبيعة (البيئة) وبين الناس، او صار وسيطا بين الله وبين الناس، بلغة دينية. فالبشر الذين يتحولون الى نماذج انثروبولوجية، يتحولون الى خدمة او " وظيفة " انثروبولوجية، من شأنها ان تضع هؤلاء البشر في خدمة اخوتهم البشر، من المحتاجين الى خدمتهم هذه. علما بأن الخدمة تختلف من حقبة حضارية الى أخرى، ومن جيل اجتماعي الى آخر، ومن هوية انسانية الى أخرى. البيئة الطبيعة وتأثيراتها على مزاج الانسان وسلوكه: هذه الفقرة لن تكون مفصلة كثيرا، لأسباب منها ان السعي وراء التفاصيل في مثل هذه المواضيع المعقدة يحتاج التخصص الواسع والخبرة المعمقة التي لا نمتلكها قطعا. اما السبب الآخر لعدم سعينا الى البحث عن التفاصيل فيعود الى اننا لا نحتاج هذه التفاصيل الدقيقة أصلا، من اجل كتابة مقال لا يتطلب اكثر من بعض التلميحات التي تفيد موضوعنا. أما مفردة الطبيعة هنا فتعني على الأخص طبيعة الأرض والمناخ الذي يسودها، كما تعني ما على الأرض من تضاريس كالسهول والجبال وما يملأ الارض من نبات وحيوان وبشر. اما البيئة الاجتماعية فتأتي اهميتها من كونها حلقة وصل اساسية تنقل الحضارة من البيئة الطبيعية لتوصلها جيلا بعد جيل الى الأجيال القائمة في زماننا، جنبا الى جنب مع تأثير البيئة الطبيعية المباشر. أمثلة عن البيئات الطبيعية: بما أننا نتبع منهجا علميا في هذا المقال، كما في سائر مقالاتنا السابقة، فإننا نحن ايضا نقر مع البيولوجيين (علماء الحياة)، ومع الأنثروبولوجيين، ومع علماء الاجتماع، ان البيئة الطبيعية بكل أبعادها ومكوناتها تنحت الانسان نحتا بارعا من جميع الأوجه. وهنا لابد من الاقرار بأن جميع البيئات التي سكنها الانسان قادرة على انتاج انسان بكل المواصفات الانسانية، غير اننا نفهم ايضا ان بيئات معينة تستطيع ان تؤثر في انسانها تأثيرا خاصا وقويا، لا تستطيع بيئات أخرى ان تعطيه بعين القوة والعمق. مع علمنا الأكيد بأن هناك ظاهرة تضافر البيئات المختلفة لإنتاج حالة انسانية واحدة. وهكذا نجد ان البيئة الصحراوية مثلا، تفتح افق الانسان نحو البعيد وتدعو انسانها اما الى التقشف واما الى الصراع من اجل الحياة التي تشح في الصحراء. كما ان الصحراء بامتداداتها المترامية الأطراف وبغموضها ورهبتها، وكذلك بأفق سمائها الواسع، تشجع على التأمل وعلى النزعة الميثولوجية ايضا. اما السهول الخصبة فإنها تدعو مباشرة الى الاستقرار والإنتاج، غير انها، في الوقت عينه، تدعو الى التوسع والحروب، في حين تشجع البحار بعمقها الغامض وبمكنوناتها الكثيرة على الأمور الغيبية والحلول الاسطورية. وأخيرا، وليس آخرا، فان الجبال تخلق في سكانها وفي من يجاورها من البشر الرهبة والخوف، كما تخلق لديهم القوة البدنية والقوة الروحية للتغلب على الصعوبات المختلفة التي تقدمها هذه الجبال، دون ان تزيل من سكان الجبل روح الخوف والعجز المسيطر عليهم. وعليه، وبناء على ما جاء أعلاه عن خواص الجبال، فاننا نرى بعض الشعوب تقدس اعالي الجبال وتؤلهها، او تعتبر الجبل اقرب الى الرب من سائر الأمكنة الأخرى. من جهة ثانية فان الجبل، ولاسيما في الأزمنة القديمة كان اما حنونا تقدم القوت لأبنائها كفاف يومهم، الأمر الذي كان يخلق عند هؤلاء الأبناء فضيلة القناعة ويجنبهم مشاكل الصراعات من اجل الغذاء، ويجنب صراع الأديان الناتج عن الصراع من اجل القوت احيانا، كركيزة للسياسة. أما الان، وبعد ان عرفنا تأثيرات البيئة على طبع الانسان وسلوكه، وحتى على تأمله وسبر اعماق نفسه، وعلى صلاته، وعلى علاقته بربه، فاننا لا نستغرب ان يفضل الرهبان القدماء خاصة السكن في اعالي الجبال او في قلب الصحراء، حيث يصير الانسان بعيدا عن صخب البشر وضوضائهم، وقريبا من الاله(قرب روحي وأنثروبولوجي طبعا)، الأمر الذي لا يساعد على الروح السلمية فقط، ولكنه يساعد على روح الرهبنة والنسك والقناعة في الماديات، حيث يصير الراهب مبدئيا معلما " لروح " القناعة هذه، مما يمنع الناس من التكالب والاقتتال فيما بينهم على الشؤون المادية، دون ان يمنعهم عن الجد والكسب الحلال. ومع ذلك نقول للقارئ الكريم ان كل ما اتينا الى ذكره مقاربات نسبية لا تمثل الحقيقة كاملة، لأن تأثير البيئة معقد بدرجة لا يمكننا الجزم معها بأن بيئة محددة تعطي نتيجة معينة حتمية وفريدة exclusive. كما نقول له صراحة بأن جميع البيئات ممكن ان تكون صالحة لكل شكل من اشكال الحياة، نظرا لقدرة الانسان على تدجين بيئته وتطويعها لما يخدم حياته. بعد هذا الكلام المختصر، يمكننا ان نؤكد الآن بأن بوذا وكل من سلك درب الزهد والتقشف بكل اوجهه، وطريق التأمل الروحي، على خطى بوذا، انما قد ساعدته بيئته الخاصة على هذه الحالة، ونعني بها البيئة الجبلية خاصة، دون ان نقلل من اهمية البيئات الأخرى في هذا المجال. سر تعدد المذاهب المتآخية في البوذية: من كل ما تقدم نفهم اذن، ان المذاهب والطرق التأملية قد تعددت نتيجة لتعددية "حاجات البشر" الانسانية وتنوعها. ومن هنا نفهم ان لا تكون هناك منافسة بين انسان وآخر على حاجات انسانية مشتركة، حيث لا مشترك بين البشر غير انسانيتهم، وحيث يجد كل فرد حاجته الخاصة في ذاته وليس خارجها. ومع ذلك نحن لا نرى في هذه المنهجية وهذه الحكمة التي شاركت البيئة في صياغتها اي انغلاق وأية فردية Individualisme لأن ما يكسبه الفرد البوذي او الروحاني الذي يعرف ان يسبر خفايا نفسه يفيد المجموع دائما، ولأن الحياة الداخلية العميقة الخاصة تنعكس ايجابا على حياة المجموع، بشكل تكاملي، حيث يعطي كل فرد حصيلة تأمله الخاص للجماعة الاجتماعية، على الرغم من اننا نعلم ان الشعب العادي البسيط La masse لا يتأمل كثيرا، لكنه يتعرف على حقيقة نفسه بشكل شعبي بسيط جدا ايضا، من خلال المجتمع الذي ينقل الى وجدان الآخرين، قبل عقولهم، ما كان هو نفسه قد اخذه عن المجتمع الذي سبقه والمتأثر كله بالبوذية المسالمة. وهكذا يصير السلام تقليدا يتناقله المجتمع المسالم من جيل الى آخر. الفيلسوف سقراط: وهنا، لعله يفيدنا ان نعرف، ان الفيلسوف والحكيم الكبير سقراط، كان يدعو الانسان الى ان يعرف نفسه بنفسه، لكي يجد الفضيلة كامنة داخل هذه النفس التي كان يقول انها كينونة سماوية تسكن البدن وتسير جميع فعالياته الانسانية، وأن الانسان يستطيع ان يعرف الفضيلة ويعمل بها، اذا عرف حقيقة نفسه بنفسه، اي من خلال خبرة داخلية، وليس عن طريق الاملاء من الخارج. غير اننا نعرف ان البوذية، (القرن الخامس ق. م) وقبلها الهندوسية، تسبقان الفيلسوف سقراط كثيرا، ولذلك نستطيع ان نقول بأن سقراط كان قد تأثر بالتعاليم الهندية بشكل مباشر او غير مباشر، هذه التعاليم التي كانت تحترم ذات الانسان، ولا تقبل ان يفرض اي تعليم خارجي عليها، لكي يصل بنفسه الى سر السعادة. الفلسفة الرومانسية: اغناء لموضوعنا نرى ان نعطي نبذة عن فلسفة حديثة مشابهة في افكارها لفلسفة سقراط وبوذا، من حيث منهجيتها الاستقرائية التي تعتمد هي الأخرى على سبر اغوار النفس البشرية من خلال أحداث التاريخ وكل التراث الفكري الانساني، ومنه الروايات Romans التي تتكلم عن الانسان في الماضي والحاضر، والتي يمكن بمجموعها ان تعطي للإنسان تعريفا كافيا ومقبولا، شرط ان يكون هذا التعريف مفتوحا باتجاه الـ لا نهاية، مما يعني امكانية ظهور تعريف جديد للإنسان، مع كل عمق جديد يكتشف في حياة الانسان المتجددة دوما، هي الأخرى. حقيقة المنهجية البوذية: بعد كل ما اتينا الى ذكره اعلاه، نفهم معنى وجود قاعدة ذهبية في البوذية، تساعد الانسان البوذي، وربما كل انسان، على السير في طريق الكمال الانساني. اما هذه القاعدة الذهبية فهي تعتمد منهجا انثروبولوجيا استقرائيا واضحا قادرا على تحرير الانسان من اي تحكم يأتيه من خارجه، ويمنعه من ان يكون سيد نفسه. فالذات في البوذية، كما في الأنثروبولوجيا، بؤرة مركزية للسيادة، لا نقول تجاه الله، لأن الله الذي خلق طبيعة العالم بحكمة كبيرة، قد خلق معها الحرية والسيادة الذاتية ايضا، ولأن الله لن يتراجع ابدا عما وهبه للإنسان، ومن ذلك ان يكون حرا وسيدا لنفسه، وأن يربح هذه السيادة من عمله التأملي الجدي المقرون بالمثابرة، حتى نهاية الحياة. المشكلة ليست مع الله بل مع الانسان: ويقينا ان مشكلة حرية الانسان الحقيقية ليست مع الله، لأن الله لا يجبر احدا على الايمان، او حتى على ان يكون صالحا، ولكنها مع اللاهوتيين الذين يفرضون بشكل عنيف افكارهم على اتباعهم، بدون احترام لحق هؤلاء الأتباع في ان يصلوا الى الحقيقة عن طريق خبرة شخصية مع الارادة الالهية. فماذا يحدث للبشر مع عنف رجال الدين الذي يصب غالبا في مصلحة اقوياء العالم، يا ترى؟ أن ما يحدث حقا هو ان العنف يولد عنفا، سواء كان ذلك بين رجال الدين أنفسهم، او كان بين الأتباع الراكضين وراء مصالحهم. وبما ان المكتوين بنار العنف الديني والطائفي عرفوا سبب تناحر الأديان، فقد اوصلهم تحليلهم، الى ان ما يجب ان يطلبه الانسان من الايمان، ليس هو "الحق القويم" Orthodoxie وانما هو "العمل القويم" Auto praxie، كما قيل في الستينيات من القرن الماضي، وذلك لأن العمل القويم يتعلق كثيرا بقوى الانسان الوجدانية، التي تضع الانسان السليم على طريق الخير والفضيلة، من خلال تأمل روحـي بأعماق النفس، في حين ان من يطلب الحقيقة القويمـة (الحقيقة العقلانية اللاهوتية) يعرض نفسه والآخرين الى الضلال. وهكذا يرى القارئ العزيز كيف يتقلص مجال النظريات الدينية الغيبية عند البوذيين، وكيف تقل فرص التناحر الديني بين اوساطهم، في حين تصعب السيطرة على هذا العنف في الأوساط التي تعتمد على العقائد النظرية الضبابية والغيبية. فقد رأينا كيف يتصارع رجال دين على النقطة وعلى الفارزة، وكأن الله سلم بيدهم كل حقائقه، في حين لا وجود في البوذية لرجل دين يعتقد انه يملك الحقيقة الكاملة وأنه وصي على الآخرين باسم الله، لأن الدين في نظر البوذيين لا يحقق اي نوع من المصلحة خارج الانسان، ولأن رجال الدين البوذيين يعرفون ان الفضيلة لا تسلم نفسها الا لمن يسعى اليها بتواضع وإيمان ورجاء ومحبة. ومع ذلك، يبقى ان نقول باختصار شديد، ان جميع الأديان كانت في بداياتها ايمانا يعتمد على "خبرة ذاتية" قبل ان يتحول هذا الايمان البسيط الى دين ولاهوت نظري يُنظّر للدين وللإيمان معا. ولذلك كانت جميع الأديان تتبع الحق الذي يتجلى امامها انثروبولوجيا لكي تمتلك هذا الحق مهما كان الثمن باهظا. تلكيف – محافظة نينوى – العراق fr_luciendjamil@yahoo.com للمقال صلة. شبكة البصرة الرد على: حقيقة ظاهرة الصراعات الدينية في العالم...؟! - زحل بن شمسين - 06-12-2013 من وحي رسالة الكترونية / المقال الرابع / معالجات غير سحرية للعنف الديني السبت, 24 تشرين2/نوفمبر 2012 08:35 | | | القس لوسيان جميل http://www.iwffo.org/index.php?option=com_content&view=article&id=61204:2012-11-24-14-35-14&catid=4:2009-05-11-20-54-04&Itemid=5 المقدمة : قبل ان ابدأ بمعالجة موضوعنا، اود ان اتقدم لقرائي الأعزاء بملاحظة مهمة تقول: نظرا لاحتمال حصول التباس في بعض العبارات في هذا المقال، وفي غيره من المقالات المشابهة له، مثل عبارة عنف الأديان، او ما يماثلها من العبارات، ارجو من قرائي ان يستبدلوا ذهنيا " عبارة الأديان" بعبارة " اتباع الأديان "، او بغيرها من العبارات المشابهة لها، اينما اتت في جميع مقالاتي، لكي يأتي الكلام عن هذه الأمور دقيقا ومقبولا. اما سبب طلبي لهذا الاجراء الذهني فيأتي لكون الأديان، لا تحمل عنفا ولا يمكن اتهامها بذلك، وانما العنف يمكن ان يصدر من اتباع الأديان وليس من الأديان نفسها. اما اذا وجد تفاوت في الدعوة السلمية بين دين وآخر، فذاك ناتج عن ظروف التبشير نفسها، وعن مقتضيات تلك الظروف والتباساتها، وليس عن الدين ذاته. وهكذا، وبعد هذا التنبيه البسيط، ارجو ان اوفق في القاء الضوء، في هذا المقال الرابع، على ماهية العنف والعنف الديني وعلى سبل معالجته، سواء كان هذا العنف عنفا دمويا او كان عنفا ناعما ودفينا يؤدي الى التمييز بين الناس اوالى كراهيتهم او الى احتقارهم من دون وجه حق، او ربما يؤدي الى ايجاد ذريعة لاستباحة الآخر المختلف واستلاب حقوقه او دفعه الى التنازل عن حقه للطبقات المستغِلة باسم تعليم ديني او باسم سلطة دينية غاشمة. حقيقة العنف البشري وطبيعته: قبل ان نتكلم عن ظاهرة العنف الديني والمذهبي، لابد ان نتكلم باختصار عن حقيقة وماهية عنف البشر، طالما نعرف ان اتباع الأديان ورجالها، بشر يحملون مزاج البشر ويتبعون القواعد الانسانية الأنثروبولوجية والحضارية والاجتماعية التي يتبعها البشر، حتى وان كانت لهم تربيتهم الدينية الخاصة بهم. وعليه نقول: بما ان العنف ظاهرة ملازمة لحياة الانسان، فان ذلك يعني ان العنف ظاهرة حياتية انسانية عامة، تخدم الانسان، كما يخدم العنف الحيوان، مع فارق وجود عقل منظم للعنف الانساني. تاريخ العنف في الحياة: بناء على تحليلنا ومشاهدتنا نرى ان العنف ابتدأ مع ابتداء الحياة الحيوانية، ثم اصطبغ بصبغة عقلانية، بعد ظهور الانسان على وجه الارض، في الفترة التي يسميها علماء الاجتماع بفترة القطف La cueillette او المشاع، حيث كان العنف يقتصر خاصة على الصراع من اجل الغذاء والجنس. غير ان العنف تحول بعد ذلك الى عنف طبقي بالدرجة الأولى، يدور بين العبيد والأحرار، ثم تحول الى عنف يدور بين الطبقة الاقطاعية وبين طبقة اليد العاملة الزراعية. وأخيرا تحول العنف الى عنف بين الطبقة الرأسمالية وطبقة العمال، هذا اذا نظرنا الى المسألة نظرة شمولية سريعة. أما اليوم فان من يقود العنف في العالم هو الرأسمالية العالمية، وعلى رأسها الرأسمالية الأمريكية التي اصبحت المصدر الأساسي لكل حادث عنيف يقع في العالم. اما ظاهرة صراع الطبقات المنوه عنه اعلاه فقد اكتسبت، منذ التسعينيات من القرن الماضي، مع ظهور العولمة، صيغة جديدة، هي صيغة صراع الأمم، هذه الصيغة التي ابتدأت بعد الحرب العالمية الثانية، على شكل صراع بارد بين معسكرين هما: المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي. اسباب العنف عند الانسان: ويقينا اننا هنا لن نتكلم عن الأسباب المباشرة للعنف، لأن الأسباب المباشرة للعنف البشري لا تعد ولا تحصى، كما أننا في هذه الفقرة لن نتكلم عن العنف السليم او المقبول، لأنه لا يدخل في موضوعنا هذا، لكننا سوف نتكلم عن العنف الرديء وغير المشروع الذي نشكو ويشكو العالم منه معنا، مع ان مصدره ومنبعه هو عين المصدر وعين المنبع الذي ينتج العنف الجيد والسليم، والذي هو غريزة التملك Appropriation المعروفة في علم الاجتماع، والتي يمكن ان نجد آثارها ايضا في البيولوجيا ( علم الحياة )، لأن الحياة عبارة عن علاقة تملك شمولية. وبما اننا كنا بصدد العنف السيئ نقول انه عنف يمارسه انسان معين بغاية الاستحواذ على حاجات ليس من حقه ان يتملكها. اما اذا طلبنا المزيد من التوضيح فنقول بأن هذا العنف يرتدي صيغا عديدة، مثل صيغة الاغتصاب والغزو والاحتلال وصيغة السلب والسرقة والاستحواذ على ملكية الغير عن طريق العدوان، وغير ذلك من الصيغ. فالإنسان بطبعه أناني وطماع ويريد دائما المزيد من الحاجات، ولا يتورع منن استخدام القوة والعنف ضد كل من يحاول ان يحرمه من انانيته وطمعه ويضعه في حدود الحق والعدل. أما اسباب العنف الذي نراه في مجال السياسة وفي مجال العلاقات بين الدول، فهي عين الأسباب التي تسبب العنف العام، مع فارق في نوعية الهدف المستحوذ عليه عن طريق العنف.اما الأيديولوجيات الفلسفية والدينية العنيفة فتقع ضمن قانون الجدل هي الأخرى وضمن قانون غريزة التملك، ولا تكون سببا حقيقيا للعنف، بل سببا محرضا ومشجعا حسب. حقيقة العنف الديني: اذا اردنا ان نعرف العنف الديني فنعرفه بأنه فعل بشري ناتج عن قوى Facultés بشرية انثروبولوجية شبيهة بالقوى التي ينتج عنها اي عنف آخر، طالما قلنا ان العنف هو وظيفة تخدم حيـاة الانسان. ففي الحقيقة ان القوى التي تخدم حياة الانسان كثيرة ومتعددة ومختلفة، ليس من حيث جوهر وظيفتها الانسانية، ولكن فقط من حيث نوعية الخدمة او الوظيفة الخاصة التي تقدمها كل واحدة من هذه القوى للإنسان الفرد ام للمجتمع. اما الدين، او بالأحرى الايمان الديني، كخدمة وكوظيفة، فيقدم للإنسان القدرة على ان يفهم بأن مستقبله الموعود سيكون افضل من حاضره ومن ماضيه طبعا، الأمر الذي يشعر الانسان بنوع من الانعتاق من الحياة القديمة والولوج الى دائرة الخلاص وما يعطيه للإنسان من شعور بالانتماء الآمن الذي يسوده الحق والعدل والكرامة التي يتمناها اي انسان في الحياة، فضلا عن حاجات أخرى تفصيلية لا نخوض فيها الآن، لأنها حاجات تخص دينا معينا دون غيره. الصفة الجدلية لحاجات الانسان الدينية: هنا لا يسعنا سوى ان نؤكد على حقيقة الصفة الجدلية لحاجات الانسان، بشكل عام، ولحاجاته الدينية بشكل خاص. فقبل الانقلاب الجدلي كان الانسان يعيش على حاجات معينة، ولكنه ما ان يستقبل البشرى ويؤمن بها حتى يشعر شعورا عارما بأنه مدعو الى مزيد من الحاجات، كما ونوعا، ولاسيما الحاجات الانسانية والروحية التي يحيا بها الانسان ويسعد. وهكذا نفهم ان الايمان والبشائر التي يحملها ليس امرا مضافا الى حدث الانقلاب الحضاري، ولكنه يقع في صلب هذا الانقلاب، يحاذيه ويوازيه، هذا اذا كان لا يقوده قيادة كاملة، او بالتعاون الوثيق مع عوامل قيادة الثورة الحضارية الأخرى، حيث يموت القديم تدريجيا ويحيا الجديد مكانه، ولاسيما فيما يخص الحق والعدل، الأمر الذي لا يتحقق من دون مجهود حقيقي وعنف يصاحبه، اي ان الأمر لا يتحقق من دون مساهمة الانسان في خلاصه مساهمة جدية ومخلصة وسخية ايضا، ربما حتى الاستشهاد احيانا. دور الدين في العملية الانقلابية: وهنا علينا ان نلاحظ بأن عاملين مهمين يشتركان في احداث الانقلاب الحضاري: العامل الأول هو ما يصيب بنى المجتمع التحتية من خراب نتيجة شيخوخة المجتمع، ولاسيما على مستوى الاقتصاد والعدل بين الناس، اما العامل الثاني فيكمن في مساهمة الدين، كبنية عليا، في تعجيل التغيير والقضاء على الركائز الأيديولوجية للمجتمع القديم، وهو ما تقوم به الاتجاهات الدينية الجديدة، التي تشمل رجال الدين المجددين وبعض الفلاسفة والحكماء والأدباء والشعراء، الأمر الذي يؤدي الى الصدام الأول والكبير في المجتمع، بين المجددين وبين الرافضين للتجديد من اصحاب المصلحة في محاربة التغيير.علما بأن الصدام المذكور قد ينشأ بين دين ودين، او بين دين وعلمانية تتحول الى نوع من الدين ايضا، وبين دين ومذهب، وبين مذهب وآخر. لماذا يحدث الصدام: فما يحدث في الحقيقة، في قلب العملية الانقلابية، هو ان كل طرف من اطراف الصراع، يكون قد تمسك بقوة بحالته: بالحالة القديمة، بالنسبة للمقاومين للتغيير، وبالحالة الجديدة الراهنة او الموعودة بالنسبة للمجددين، من خلال عملية انثروبولوجية تسمى التوحد Identification هذه الكلمة التي تعني ان كل جماعة ترى " ذاتها " في الحالة التي ترتاح اليها، كما ترى في حرمانها من الحالة التي ترتاح اليها نوعا من الضياع او الاستلاب الذي لا يمكن قبوله. وهكذا، ونظرا لظاهرة التوحد هذه يبذل كل طرف ما بوسعه للانتصار في المعركة التي تدور بينهما بقيادة أيديولوجيتين: أيديولوجية المجددين وأيديولوجية المقاومين للتجديد. وهنا نفهم طبعا دور الدين وعنفه في هذه المعركة التي غالبا ما يتحمل فيها المجدد كل الوان العنف والاضطهاد من اجل ذاته التي يراها في المجتمع الجديد، دون ان ننكر وجود حالات يضطر المجددون فيها الى استعمال العنف مع خصومهم، من اجل السيطرة على مواقعهم التي يدافعون عنها غالبا بضراوة. العنف الديني في زماننا: بحسب تحليلنا نرى انه لا يختلف العنف الديني في زماننا، من حيث اسبابه العميقة والرئيسية، عنه في الأزمنة التي تكلمنا عنها في الفقرات السابقة. غير اننا عندما نتكلم عن العنف الديني في زماننا فإنما نقصد امورا كثيرة، لكننا الآن نقصد الزمان الذي انتهت فيه جميع الأمم الدينية ( الثيوقراطية ) في العالم وتحولت الى امم ديمقراطية لا تحكمها الشريعة الدينية ولا يهيمن عليها اللاهوت الخاص بكل دين. ففي زماننا، وعلى الرغم من انتهاء الدين كوظيفة لأمة، او حتى كوظيفة اجتماعية، نرى ونسمع بأحقاد دينية بين الشعوب وكراهية ومقاطعة وحذر بين المذاهب، هذا اذا لم يصل الأمر احيانا الى المناوشات الدموية الساخنة. وقد يكون واضحا لجميعنا ان السبب هنا لا يمكن ان يكون الجدل الذي يقسم الناس الى مجددين ومقاومين للتجديد، لأن العنف الجدلي له علامات أخرى ليست موجودة في ايامنا. وبما ان الأمر هكذا، فاننا نعود مرة أخرى الى جذور اسباب العنف لنجد فيها السبب الحقيقي، هذه الجذور التي سميناها غريزة التملك، والتي منها تتفرع غرائز اخرى كثيرة غير سليمة، عندما يكون اي تملك تملكا غير مشروع، يقوم بتحريف الدين، او المذهب، عن خدمتهما الجدلية( الديالكتيكية ) الحقيقية ليوظف توظيفا تعسفيا لخدمة مصالح انانية قد يرافق السعي اليها كثير من رغبة ابعاد الآخر وممارسة التمييز عليه والحط من قدره وشيطنته وابتزازه وسلب ما يملك. اما ما يحدث في هذه الحالة فهو لجوء الجميع الى استمداد القوة من دينهم او من مذهبهم، من اجل التعامل مع خصمه. طبعا نحن لا ندهش اذا وصلت الحالة بالناس الى ان يطلبوا العون حتى من الشيطان، كما يقال من اجل الحصول على النصر. اما ما يبقى من بعد زوال الأمة الدينية فيسمى في بعض الفلسفات بالرواسب، لكنه بالحقيقة ليس غير تخلف البنى العليا عن اللحاق بـالبنى التحتية بعد ان تتغير. ولذلك فان اية عودة الى الدين او الى المذهب، ولاسيما اذا كانت هذه العودة عودة الى القديم بحرفيته، تكون متناقضة مع رسالة الدين الأصيلة، وتكون مجرد توظيف للدين او للمذهب توظيفا اعتباطيا تعسفيا، مضادا لطبيعة الدين وغاياته الأساسية، مما يوصل العنف الى اوجه احيانا كثيرة، كما يحدث عندنا في العراق وفي كثير من الدول العربية، علما بان المؤسسات الدينية في الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية لها عنفها الخاص بها، والذي هو اسوأ احيانا من العنف الدموي، لأن هذه المؤسسات تضع سلطتها الدينية ولاهوتها بفرعيه النظري والأدبي في خدمة استمرارية هيمنة اقوياء العالم على الطبقات الاجتماعية السياسية وعلى الدول الضعيفة. انها تمارس هنا ما سماه كارل ماركس بأفيون الشعوب، وهو نوع خبيث من العنف، حتى اذا لم يعد بإمكان المؤسسات الدينية ان تحرق وتعدم من يخالفها في رأيها اللاهوتي. علاج العنف ممكن لكنه ليس سحريا: مما تقدم نعرف اذن ان علاج العنف الديني والمذهبي الذي ابتلينا به في ايامنا هذه بشكل غير اعتيادي، علاج ممكن، لكنه ليس علاجا سحريا. اما هذا العلاج فيكمن في إصلاح البيئة الاجتماعية ـ السياسية المسؤولة عن العنف في العالم، بشكل رئيسي. ففي الحقيقة نحن نؤمن بأن العالم ( البيئة الاجتماعية )، له القدرة على اصلاح نفسه بنفسه، بناء على تركيبة الانسان الذاتية، وذلك اذا توفرت ثلاثة عوامل اساسية مهمة وهي 1 - عامل الجهاد والنضال الانساني بالطرق المناسبة للتحرر من استعباد اقوياء العالم، حتى ييأس اقوياء العالم من الاستمرار في قتل الناس وفي القاء الاضطراب والبلبلة في العالم. 2 – العامل الانثروبولوجي الذي يقول: ان الانسان، مهما كان شريرا لا يتحمل ضميره الا قدرا معينا من القتل والتدمير الذي يحصل على يده. 3 – اسهامات المفكرين ورجال دين صادقين مع ايمانهم ومع ربهم ومصلحين في فضح تعسف ولا انسانية الوضع الذي تسببه الوحشية الرأسمالية المدافعة عن وجودها وهيمنتها. وهنا نود ان نذكر كل المتألمين من وحشية الامبريالية بأن الوصول الى السلام الحقيقي الذي يخدم الحق والعدل لا يأتي من دون نضال ومن دون تضحيات كثيرة، وان نهج الاستسلام والركض وراء الحلول السريعة لا يشجع ابدا على الوصول الى السلام ونبذ العنف. الديمقراطية الدولية: ويقينا ان الوصول الى نوع متدرج من الديمقراطية الدولية ممكن، كما وصلت الشعوب من قبل الى الديمقراطية الوطنية. فإذا كانت الديمقراطية التي ابتدأت بالثورة الفرنسية قد خففت كثيرا من العنف بين الطبقات في الأوطان التي تربت على تلك الديمقراطية فان اضطرار اللجوء الدولي الى الديمقراطية من خلال دستور عالمي ديمقراطي سيؤدي هو الآخر الى تخفيف العنف في العالم السياسي الأممي ويقلل من ردود فعل الناس الذين يستخدمون دينهم كرافعة تساعدهم على فرض ما يريدون بالعنف على خصومهم، كما يتوهمون ذلك على الأقل. القس لوسيان جميل تلكيف – محافظة نينوى – العراق Fr_luciendjamil@yahoo.com |