حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$archive_pages - Line: 2 - File: printthread.php(287) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(287) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 287 eval
/printthread.php 117 printthread_multipage
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
ليس بعثيا، بل والبعث منه براء.. اي عضو من اعضاءه، يؤمن أو يفكر أو يتحدث أو يسلك أو - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57)
+--- الموضوع: ليس بعثيا، بل والبعث منه براء.. اي عضو من اعضاءه، يؤمن أو يفكر أو يتحدث أو يسلك أو (/showthread.php?tid=50388)

الصفحات: 1 2


ليس بعثيا، بل والبعث منه براء.. اي عضو من اعضاءه، يؤمن أو يفكر أو يتحدث أو يسلك أو - زحل بن شمسين - 06-05-2013

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الدكتور خضير المرشدي الممثل الرسمي لحزب البعث/العراق :
· حزب البعث العربي الاشتراكي.. والذي هو حزب الأمة الحقيقي... لو كان طائفيا كما يتهمه العملاء... لما تم اجتثاثه بقرار أممي صهيوني.. وبتنفيذ أدوات إقليمية ومحلية طائفية حقاً وحقيقة!
· ليس بعثيا، بل والبعث منه براء.. اي عضو من اعضاءه، يؤمن أو يفكر أو يتحدث أو يسلك أو يتصرف بطائفية أو عنصرية أو مذهبية.. او يروج لها او يؤيدها... أنها امراض اجتماعية قاتلة يرفضها ويحاربها البعث، بل والعراقيين جميعا بفكرهم وعقيدتهم الوطنية والقومية والإنسانية.
· البعث وقيادته المخلصة ومناضليه الحقيقيين عابرين للطوائف والمذاهب والقطرية والفئوية.. صوب العروبة المؤمنة في جميع أقطار أمتهم العربية، ونحو رحاب خيمة الإنسانية الحقة حيثما وجدت.
شبكة البصرة

مقابلة اجراها الاعلامي السيد داود الجنابي لصحيفة حقائق الإلكترونية

• مع اشتداد الهجمة الطائفية على الامة العربية بشكل عام وعلى العراق بشكل خاص. تحاول القوى الطائفية من تضليل الشعب العربي والنيل من حركات التحرر ومنها (حزب البعث العربي الاشتراكي). من خلال نعتها بالطائفية. يسر صفحة {الحقائق} على شبكة التواصل الاجتماعي الفيس بوك وموقعها على تويتر ان توجه اسئلة للدكتور المناضل خضير المرشدي الممثل الرسمي لحزب البعث العربي الاشتراكي. لتوضيح الحقائق
1- يحاول عدد من كتاب واعضاء احزاب العملية السياسية ان يوحوا للناس بان حزب البعث العربي الاشتراكي هو حزب (سني) طائفي.. وان الرئيس الشهيد صدام حسين (رحمه الله) كان طافيا، كيف تفندون هذه الادعاءات.؟
2- هل مفهوم العلمانية لدى البعث يختلف عن المفهوم العام لـ(العلمانية) بعد ان حافظ على هويته العربية الاسلامية.؟

الأجوبة :
تحية طيبة
وأود أن أحيي جهودك، وجهود جميع الأخوة الإعلاميين الذين يتصدون بصدق وعلمية لحملات التشويه والتزييف والتزوير التي تمارسها أحزاب السلطة العميلة ضد البعث وقيادته ومناضليه... تحية خالصة لجميع من يكتب ويفكر بصوت عالي من اجل قول الحق، وإظهار الحقيقة.
1- اتهام البعث بالطائفية... والقائد الشهيد بمثلها... من قبل أحزاب وأقطاب السلطة، وأشخاص آخرين متصالحين معها روحيا وفعليا خلاف ما يعلنون من ادعاءات بانهم مفكرين أو منظرين أو سياسيين أو إعلاميين أو غيرهم...!!!
كمن يصف أو يتهم... نبيا بالكفر!!
أو يتهم راهب الدير والقديس..بالزندقة!!
أو يصف من اسمه زيدا.. بانه عمر!!
إن هؤلاء لايطلقون مثل تلك الاتهامات إلا للتغطية على ما يفكرون ويؤمنون به من أفكار طائفية وعنصرية كما هو وصفهم الحقيقي الذي يستحقون وبموجب تكوينات تلك الأحزاب ونشأتها وسلوكها ونظامها وتكوينها، وما يترشح عنها من أفعال وسلوكيات منحرفة ومتخلفة وظلامية... بفعل تلك النشأة وذلك التكوين.

- إنه حالة من حالات الإنكار... التي هي انعكاس لأفكار ونفوس مريضة وشاذة ومنفصلة عن روح العصر ومتطلباته، والحضارة ومقتضياتها.

- أنها واحدة من عمليات التزوير والتزييف والتشويه والكذب والصاق التهم، التي يتصف بها عصر هؤلاء العملاء، وواحدة من اهم الصفات والركائز التي بني عليها المشروع الأمريكي الصهيوني الفارسي في العراق، الذي تديره وتحرسه هذه الأحزاب والعصابات الطائفية الشاذة.
اتهام حزب البعث بالطائفية...!!! أمر يثير الضحك والسخرية لمستوى هذا التفكير الاهوج السادج من ناحية، ويبعث الاسى على بلد بمكانة العراق أن يحكم من قبل تلك العصابات الضالة والمزورة!!!
لأنه كيف لحزب، كحزب البعث العربي الاشتراكي... بفكره الوطني القومي الإنساني المؤمن، وبعقيدته القومية الاشتراكية الصافية، وبأهدافه في الوحدة والحرية والاشتراكية، وبصفاته في التقدمية والثورية والعلمية والانقلابية والشعبية، ومنهجه ومشروعه الحضاري الثوري التحرري... أن يكون طائفيا أو عنصريا؟؟؟؟
كيف يمكن أن يجتمع مفهوم وحدة الأمة التي ناضل البعث ويناضل من أجل تحقيقها وقدم التضحيات الكبيرة من اجلها بما فيها حل وتجميد تتظيماته عند قيامها عام 1958 بين مصر وسوريا، وبين مايلصق به من تهمة الطائفية أو العنصرية؟؟ والتي هي سمة أساسية من سمات عصر الانحطاط والفتنة والقتل وكواحدة من اذرع المشروع الامريكي - الصهيوني الذي استهدف البعث فكرا وعقيدة ومشروعا ومناضلين!!!
والتي بثت وانتشرت هذه الفتنة منذ مجيء الخميني للسلطة عام 1979.. وأخذت مداها بعد احتلال العراق.. لتنخر في جسم الأمة العربية.. قتلا وتدميرا وضياع على ايدي هذه الأحزاب الشاذة كما هو حاصل في العراق، وكما يحصل في سوريا وغيرها من أقطار الأمة.

- كيف يمكن لحزب يؤمن بأهداف كبرى، تستهدف بناء ونهضة أمة العرب بأكملها، وليس في قطر فيها، أن يكون طائفيا؟؟؟

- كيف يمكن لحزب كحزب البعث، اتهمه أعداؤه من دعاة القطرية والفئوية والاقليمية الضيقة، بأنه حزب قومي ويطمح في قيادة الأمة وتحقيق الثورة في جميع أقطارها وبدؤا يحرضون ضده القيادات الرجعية العربية؟؟ من ناحية، كما اتهمه دعاة الأممية الخيالية زورا وبهتانا، بانه (حزب عنصري)؟؟ يدعو للانكماش في حدود الامة العربية والتعنصر لها... من ناحية اخرى..
أن يكون طائفيا؟؟؟ وهذا هو تاريخه وذلك هو فكره ونضاله ومشروعه الحضاري... وتلك هي أهدافه ومبادئه!!!

- حزب البعث العربي الاشتراكي.. والذي هو حزب الأمة الحقيقي... لو كان طائفيا كما يتهمه العملاء... لما تم اجتثاثه بقرار أممي صهيوني.. وبتنفيذ أدوات إقليمية ومحلية طائفية حقاً وحقيقة!

- حزب البعث لو كان طائفيا أو عنصريا.. لما كان قد تعرض لمثل هذه الهجمة الكونية الشرسة التي استهدفته فكرا وعقيدة ومباديء وأهداف ومشروع!! بل لو كان كذلك... لأصبح جزءا من مشروع الفتنة والقتل والطائفية الذي تنخرط فيه الأحزاب العميلة لأمريكا وإيران في العراق والمنطقة.

- أما اتهام القائد الشهيد صدام حسين بتلك التهمة،،، فأن أهل العراق، وأبناء الأمة لديهم الجواب... ولايحتاج أحدنا لعناء كبير لكي يفند تلك الترهات...
قائد عظيم.. لشعب عظيم.. بكل أطيافه... ولامة مجيدة بجميع مكوناتها.. هكذا كان مشروعه، وهذا هو طموحه.. وهكذا كان يعمل، كيف يمكن أن يكون غير ذلك ويفكر بعقلية زعيم الطائفة أو المذهب، انه والبعث والأمة حالة واحدة؟

- البعث وقيادته ومناضليه الحقيقيين عابرين للطوائف والمذاهب والقطرية والفئوية.. صوب العروبة المؤمنة في جميع أقطار أمتهم العربية، ونحو رحاب خيمة الإنسانية الحقة حيثما وجدت.

- ليس بعثيا، بل والبعث منه براء.. اي عضو من اعضاءه، يؤمن أو يفكر أو يتحدث أو يسلك أو يتصرف بطائفية أو عنصرية أو مذهبية.. أو يروج لها أو يؤيدها، أنها امراض اجتماعية قاتلة يرفضها ويحاربها البعث، بل والعراقيين جميعا بفكرهم وعقيدتهم الوطنية والقومية والإنسانية.

2- العلمانية لدي البعث، كما لخصها القائد المؤسس، هي علمانية الدولة، أي بمعنى أن لافرق بين موظف وموظف، أو عامل وآخر، في التنافس على وظيفة آو الحصول على مهنة أو منصب، الا على أساس الكفاءة والخبرة والسيرة والمؤهلات، وليس على أي اعتبار اخر، ديني أو مذهبي أو طائفي أو قومي أو غير ذلك.
أما ما يتعلق بفكر وعقيدة البعث...
فإن من عناصر الأصالة العقائدية، والقوة الفكرية لدى البعث، وسر من اسرار صموده وديمومته وتجدده، هو ان البعث منذ بداياته قد سلط الضوء على ثلاثة حقائق في حياة الامة، بل وآمن بها وشكلت اساس نظريته، تمثلت في :
- قومية الاشتراكية
- إنسانية القومية
- الربط العضوي بين العروبة والإسلام كحقيقة خالدة ثورية في حياة الامة.
ولم يكن الاهتداء الى هذه الحقائق الثلاث ممكنا لولا ان سبقهما اكتشاف أهم وأعمق من ذلك، وهو ان التلازم والترابط والتكامل بل والانصهار بين العروبة والاسلام قد وحد العرب، واطلق مواهبهم، وجعلهم يمسكون السماء بعد ان ابدعوا في بناء الارض والانسان، ولم يكن ذلك ممكنا، لولا الانطلاق من الحرية وتجسيد فكرة الحرية كحقيقة ازلية في حياة البشر، وإن الموقف الأصيل لفكر الحزب مدين اساسا لتلك الروح، وذلك الفضاء الحيوي لقيمة الحرية والتي استلهمها البعث في بداياته.. والتي كان لها الفضل في انتاج كل قيم وتقاليد واخلاقيات البعث الاصيلة المبدعة على امتداد مسيرته الطويلة، بل ان كل موقف ثوري نضالي في تاريخه، إنما كان بفضل ذلك الفضاء الوحدوي المليء بالحرية.
مع خالص التقدير ودمتم أعزاء

شبكة البصرة

الاثنين 24 رجب 1434 / 3 حزيران 2013


RE: ليس بعثيا، بل والبعث منه براء. - Dr.xXxXx - 06-05-2013

لنسلم جدلاً بالرأي القائل أن حزب البعث حزب قومي داعٍ للوحدة العربية (رغم أنه احتل دولة عربية)، فهل تسقط عنه باقي التهم كاغتصاب السلطة وارتكاب جرائم حرب بحق شعبه؟
هل كان صدام حسين شريفاً حينما أوكل إلى علي الكيماوي بأن يذبح مئات الألوف على الهوية؟
هل كان صدام شريفاً حينما استفرد بالرئاسة مدة ربع قرن دون وجه شرعي، أدخل خلالها بلاده إلى دوامات لن تخرج منها إلا إن فتحت رجليها للقاصي والداني لعلّ وعسى أن يكون من بين المارين "إبن حلال"؟
هل كان صدام شريفاً حينما كانت معتقلاته مضرب أمثال للهمجية الحيوانية؟
قد يكون البعث العراقي بعيداً عن الطائفية إلا أن عاره أعمق من أن تمحيه 10 سنوات، لذا رأفة بعقولنا، فمقال كهذا هو استخفاف بالقراء.
ثم ما معنى العلمانية لدى البعث كما لخصها القائد المؤسس هي بلا بلا بلا...
هذه ليست علمانية، بل مساواة بين الأفراد، وهي ليست منّة تمنون بها علينا، ولا أراها مدعاة فخر بالقرن ال21.
ثانياً، من الحقائق الثلاث في حياة الأمة حسب منظار البعث ما تحير به العقول، فالربط "العضوي" بين العروبة والإسلام يضع "العرب" المسيحيين مع المسلمين الأكراد خارج دائرة المرغوب بهم بعثياً، (وهو ما لمسه الأكراد للأسف على جلودهم) وهذا بحد ذاته تمييز ديني عنصري قائم على أساس إعطاء الأفضلية لفئة معينة من الشعب على حساب البقية بسبب علّة نفسية من قبيل العرق الآري واللون الأبيض، وهذه بحد ذاتها صفعة للحقيقة الثانية "انسانية القومية"، لأن القومية هنا مايزت بين المواطنين مستندة على معطيات غير إنسانية.
أما الحقيقة الأولى، فرغم تحفظي الشديد عليها كرأسمالي، إلا أني لن أدخل في تفاصيلها.


رد - خالد - 06-05-2013

موضوع الربط بين العرب والإسلام عند البعثيين جديد يا دكتور أكس، إنما دعت له ضرورة المرحلة والموجة العاتية من المدّ "الإسلاميّ" المتعاظم بعد مجموعة من المصائب البعثية العبثية، وإلا فاسألهم ماذا كان مصير الإسلامي في عراق البعث في الستينات والسبعينات والثمانينات.

وحتى ما حدا يقلي شيعة، اسألهم عن الأزهريّ السنيّ الشيخ عبدالعزيز البدري، فيم أعدم وأين محاكمته ولم فرضت عليه الإقامة الجبرية قبل إعدامه. مع العلم أنه حين أعدم لم يكن عضوا في أي تنظيم إسلامي شيعي أو سني أو خلاف ذلك.


RE: ليس بعثيا، بل والبعث منه براء. - مصطفى علي الخوري - 06-06-2013

(06-05-2013, 08:56 AM)Dr.xXxXx كتب:  لنسلم جدلاً بالرأي القائل أن حزب البعث حزب قومي داعٍ للوحدة العربية (رغم أنه احتل دولة عربية)، فهل تسقط عنه باقي التهم كاغتصاب السلطة وارتكاب جرائم حرب بحق شعبه؟
هل كان صدام حسين شريفاً حينما أوكل إلى علي الكيماوي بأن يذبح مئات الألوف على الهوية؟
هل كان صدام شريفاً حينما استفرد بالرئاسة مدة ربع قرن دون وجه شرعي، أدخل خلالها بلاده إلى دوامات لن تخرج منها إلا إن فتحت رجليها للقاصي والداني لعلّ وعسى أن يكون من بين المارين "إبن حلال"؟
هل كان صدام شريفاً حينما كانت معتقلاته مضرب أمثال للهمجية الحيوانية؟
قد يكون البعث العراقي بعيداً عن الطائفية إلا أن عاره أعمق من أن تمحيه 10 سنوات، لذا رأفة بعقولنا، فمقال كهذا هو استخفاف بالقراء.
ثم ما معنى العلمانية لدى البعث كما لخصها القائد المؤسس هي بلا بلا بلا...

تحية لك، فقد سبقتني بهذا الكلام
البعث ليس اكثر من واجهة تترك لبعض الهمج ان يحكموا بلادنا و يتصرفون بها وكأنها املاكهم الشخصية

بعهد البعث "وو بفضله" تم تدمير العراق، و اليوم تمزق بالطائفية

و اليوم يحصل بسوريا نفس الشيء، بعهد البعث تدمر سوريا، و تحرق
و تشبثا بحكم البعث، تتفجر بها الطائفية

فكفى الافتخار بشيء لم يجلب لأمتنا سوى البلاوي


RE: - Dr.xXxXx - 06-06-2013

خالد ومصطفى، تحية لكما وسؤال صغير، هل ينفع قلب الأنظمة الموجودة في الدول العربية كلها إلى أنظمة ديموقراطية مستقلة؟ (إن كنتم تؤمنون بالديموقراطية)
والسؤال للجميع طبعاً


RE: ليس بعثيا، بل والبعث منه براء.. - vodka - 06-07-2013


ينابيع البعث : مم يتشكل الفكر البعثي؟
حقائق واوهام

شبكة البصرة
صلاح المختار


مقدمة
منذ شرعنا بمقاومة الغزو الصهيو- امريكي - ايراني للعراق، ونحن نعلن هويتنا البعثية بصوت عال، مع اننا لم نفعل ذلك اثناء حكم البعث، ونتمسك بها حد الاستشهاد، بصفتها منار هدايتنا وصوابنا في عالم مظلم وظالم، اخذنا نتلقى رسائل كثيرة تسأل عن البعث وهويته وميزاته وحقيقته، لان البعث تعرض لمسلسل اكاذيب شوهت صورته لدى البعض، او لان بعض البعثيين قصروا في واجباتهم. وكانت اكثر الرسائل اثارة لاهتمامي تلك التي تلقيتها من اشخاص في المغرب العربي من الجزائر والمغرب بشكل خاص. احد الاشخاص يقول لي انه معجب بالبعث ومقاومته المسلحة للاحتلال، ولكنه يتسائل بصدق : لاجل تسهيل انضمام الملايين العربية والاسلامية الى البعث لانها تحترمكم وتحبكم وهي تشاهدكم تقاتلون الاحتلال الامريكي للعراق لم لا تبدلون اسمكم من حزب البعث العربي الاشتراكي الى حزب البعث العربي الاسلامي؟
واخر يسألني ان ازوده بكتب عن البعث، خصوصا عن مفهوم العلمانية لديه، لانه فوجئ بنهوض هذا الحزب المقاوم وشجاعة مناضليه وعدم ارتداد اي منهم رغم اغتيال الاف البعثيين والتصفيات الجسدية التي يتعرضون لها في ظل الاحتلال، وصفة البطولة البعثية هذه هي صفة لا يتمتع بها الا مؤمن بالله وبوطنه وقداسة قضيته. ورغم انني اجبت على هؤلاء برسائل شخصية الا انني قررت منذ اكثر من عامين ان اكتب عن البعث لاعرف اولئك العرب به، اضافة لتثقيف جيل جديد كامل انخرط في البعث بعد الغزو وهو يتالف من الاف المجاهدين المقاتلين في العراق، والذين يحتاجون لمعرفة فكر البعث الحقيقي وليس فقط معرفة انه حزب شجاع ومقاتل. لقد تعرضنا نحن البعثيون لاشرس حملة تصفيات جسدية لكن الحملة الاخطر كانت حملة تشويه هوية البعث والتي قامت بها اطراف عديدة في مقدمتها امريكا واسرائيل وايران، اضافة لجماعات مضللة او جاهلة لم تعرف البعث الا بالواسطة! سامح الله هذه الجماعات المضللة وهداها بنوره لرؤية الحق البعثي.

ظهور الحق : سقوط مؤامرة الشيطنة
بعد 350 عاما من الحكم عليه بالاعدام نتيجة اتهامه بالهرطقة، وهي تهمة تكفيرية من الطراز الاول، اعترفت الكنيسة بان غاليلي غاليلو العالم الكبير كان محقا وان الكنيسة كانت مخطئة، وقدمت اعتذارا لعظام غليلو بعد 350 عاما على خلوها من اللحم! كان غاليلو قد اكد ان الارض ليست مركز الكون وانما تدور حول الشمس، وكان تابو (المقدس الذي لا يمس) الكنيسة انذاك هو القول بان الارض هي مركز الكون، وفسرت الكتاب المقدس على نحو يخدم هذه النظرية وكفرت غاليلو وحكمت عليه بالاعدام بسبب اصراره على نظريته العلمية، والان وبعد 350 عاما تعتذر الكنيسة وتعترف بانه كان على حق وكانت هي على باطل! والبعث تلك الحركة الانقلابية التاريخية التي هزت القرنين العشرين والحادي والعشرين بافكارها وحيويتها وتميزها باهداف تديم وجودها لقرون وربما لالاف السنين، تعرضت الى ما يشبه ما تعرض له غاليلو من سوء فهم او تعمد اساءة الفهم من (كنائس) العصر، السياسية والدينية والعلمانية، في الوطن العربي ثم في العالم والتي تعمدت شيطنته، بتلفيق سلسلة اكاذيب وسخة، كما شيطن غاليلو للتمهيد لاعدامه.
لكن كان هناك فرقا جوهريا بين غاليلو والبعث وهو ان غاليلو كان فردا حمل رسالة علمية لوحده فجاء الحكم بتكفيره من الاصولية الدينية المتطرف ليضع حدا لوجوده الشخصي، بينما البعث حركة تاريخية، قبل ان تصبح حزبا سياسيا، لها مؤمنون بها على امتداد الوطن العربي، حملوا رسالتها الانسانية الخالدة (خلود تطور المهام التاريخية وانجازها)، لذلك فان حركة البعث، التي انتجت حزب البعث والناصرية، استمرت بفضل توالي المؤمنين بها، فكلما افل جيل بعثي تقدم جيل اخر يحمل الراية البعثية لتستمر في العطاء الثر وتستمر في التحدي لاعداء الامة من الرجعيين والقوى الاستعمارية والصهيونية العالمية.
لقد عاد البعث الى ساحة النضال علنا، بعد حوالي اربعة سنوات من النضال السري الشاق جدا، رغم ابادة الالاف من مناضليه على يد الاحتلال الامريكي وعصابات وفرق الموت الفاشية الايرانية، ورغم وجود الاف اخرين في سجون الاحتلال، عاد البعث يدق ابواب حرية العراق واستقلاله كبلدوزر يزيل الانقاض لاقامة عمارة المستقبل الوضاء بفضل مقاومته المسلحة للاحتلال، هو واشقاءه المجاهدين غير البعثيين، والتي مرغت انف امريكا في وحل الهزيمة. والسؤال الجوهري الذي اخذ يفرض نفسه بقوة بعد كل ما حصل هو : ماسر استمرارية البعث وجاذبيته رغم كل محاولات الشيطنة التي تعرض لها من قبل امريكا واوربا وانظمة عربية وايران؟ ان السر السهل الفهم والاكتشاف هو تجسيد البعث للاتحاد الخلاق بين اربعة مفاهيم هزت القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين وستهز بقية هذا القرن وهي : توليفة القومية العربية والحرية والاسلام والاشتراكية. بفضل هذه المفاهيم المترابطة صعد البعث الى قمة مجد النضال وحقق، عندما استولى على السلطة في العراق، ما لم يحققه اي نظام عربي او عالمي على الاطلاق من انجازات عظمى خلدتها الاجيال، من بينها أزالة الفقر تماما وتحقيق الرفاهية لكل العراقيين وليس لفئة منهم، وكان لها ابلغ الاثر في توفير حزام امن شعبي حول البعث، بعد اسقاط الاحتلال الامريكي لنظامه الوطني التقدمي، مما مكن الحزب من اشعال اعظم مقاومة مسلحة في التاريخ الانساني كله هي المقاومة الوطنية العراقية المسلحة.
ما هي معاني ومضامين هذه الكلمات الاربعة؟ وهل هي تشابه نفس الكلمات من حيث المضمون لدى غيره البعث من الفئات السياسية؟ ما معنى القومية في البعث؟ وما هو تعريف الحرية في التراث البعثي؟ وماهي اسلامية البعث؟ وهل اشتراكية البعث تشابه الاشتراكية الماركسية – اللينينية؟ اننا عندما سنجيب على هذه الاسئلة فاننا سنساهم في التذكير بمنطلقات البعث الاصيلة والاصلية من اجل توضيح مسار البعث في القرن الحادي والعشرين استنادا الى ما وضعه القائد المؤسس العبقري الكبير والمجاهد العظيم احمد ميشيل عفلق، وما اضافه قادة الحزب ومنظريه لفكر الحزب وممارساته، منطلقين من تكييف عصري لمنطلقات البعث، ليس بمعنى تغييرها، فهي اداة عمل ثابتة في مراحل تاريخية كاملة، بل بمعنى تفسير قوانين العصر الجديد في ضوء المنطلقات الاساسية للبعث والتي وضعت بالدرجة الاولى لتدوم قرونا، وليس سنوات كما هي حال الاغلبية الساحقة من الاحزاب العابرة.
وهنا لابد من لفت النظر الى ان فكرة (التكيف مع العصر) ما هي الا خداع وابتزاز سايكولوجيين هدفهما تحقيق انحراف عن المبادئ، لان التكيف مع ضرورات مرحلة من تطور الفساد العالمي والاقليمي فعل انتهازي وردة حقيقية لا تقع في فخها الا الاحزاب الطارئة، وتناس تام لحقيقة ان البعث حركة تغيير جذري وانقلابي شامل لواقع الامة الفاسد والشاذ، وتأسيس بديل له وليس التكيف مع متطلبات الواقع الفاسد مع ترقيعه. لذلك فان البعث لا يتكيف مع الانحراف عن المبادئ، ولا تجرفه موجات العصر، بل انه يتفاعل مع الانجازات العلمية والتكنولوجية ويعدل هوامش مساراته الكبرى، انسجاما مع سنة التطور، دون المس بجوهر مبادئه، كما تتجسد في ينابيع البعث وهي القومية والحرية والاسلام والاشتراكية.
اننا اذا راجعنا وتراجعنا عن الاشتراكية والحرية والقومية والاسلام، نزولا عند حاجات انية، او موضات تجتاح الهضاب، فان هويتنا العربية الاسلامية التقدمية تكون عرضة للضياع، كما اننا نمهد لتحولنا من حزب يحمل رسالة تاريخية عظمى يستغرق تحقيق اهدافها عقودا وربما قرون من الزمن، الى حزب اني قد يتوسع في ظرف ما لكنه يزول حتما بعد حين. والان نواجه حملة اجتثاث البعث، فكرا قبل التنظيم، لان تشويه الفكر يفقدنا البوصلة التي تحدد مسارنا التاريخي ويفضي الى قيام بعث بلا روح البعث ولا يختلف عن الاحزاب الرجعية والالحادية والقطرية والشخصية. وفي مرحلة اجتثاث الفكر البعثي، وهو اهم اهداف الاحتلال الصهيو- امريكي – ايراني للعراق، نجد انفسنا كبعثيين امام نقطة البداية، اذ علينا ان نؤكد هويتنا القومية الاسلامية الاشتراكية ونحفر الخنادق الحصينة حولها لمقاومة ليس الجيوش المحتلة فقط بل لمقاومة الغزوات الايديولوجية قبل ذلك، التي تستبطنها تيارات مدمرة كالطائفية والعرقية والعصرانية المنفلتة من اي ضابط قيمي والتي تصدرها لنا امريكا واسرائيل وايران.
ان البعث حركة تاريخية انتجت حزبا جماهيريا، اصبح الاكبر والاوسع جماهيرية في الوطن العربي، والارسخ جذورا وقدرة على مقاومة عمليات التصفية الجسدية التي تعرض لها مرارا واخطرها بعد احتلال العراق من قبل الصهيونية الامريكية وايران، نتيجة الاندماج التام بين وجوده كحزب محدود بالتنظيم مهما كبر و كحركة تاريخية مفتوحة على المستقبل، مع احتفاظ الحركة البعثية بخصوصيتها الايديولوجية ونقاوتها المبدأية التي اصبحت مرجعا للبعث الحزبي الممارس يعود اليها كلما اربكته الممارسة في بيئة خطرة وتنطوي على التباسات قد تكون مدمرة للاصل. ولهذا فان البحث في البعث فكرا وسلوكا يتطلب التنبيه لاهم مميزاته التكوينية والتي اصبحت النبع الصافي لتجدده وشبابه الدائم وتجاوزه لمحن التصفيات الجسدية والفكرية والانشقاقات غير المبررة التي تعرض لها.
وقبل ان نبحث في الفكر علينا ان نوضح مسالة مهمة وحيوية وهي ان اخطاء البعث سواء في السلطة او خارجها هي نتاج طبيعي للتكوين الاجتماعي للحزب كحركة بشرية تتشكل من بشر خطائين بالطبع، اضافة لقانون مطلق يتحكم بكل من تصدى لاحداث تغيير تاريخي كبير في مسار البشرية وهو الخبرة والتي لا تأتي من فراغ بل من التجربة الحية، وليس من بطون الكتب مهما كانت هذه الكتب عظيمة، وهي لذلك، اي الخبرة، تتشكل تدريجيا وتبدأ بالحد من الاخطاء البشرية وتشخصها كلما تراكمت وتعمقت. لهذا نقول بشجاعة الفرسان نعم كانت لنا اخطاء كثيرة لكنها اخطاء بشر وهي، اذا قورنت بالانجازات، فانها تبدو محدودة وثانوية وطبيعية. لقد كنا بنائين ومنجزين عظام لافضل تجربة حكم في الوطن العربي، لعدة اسباب منها ان البعث كان اول من ازال الفقر والامية وجعل الطب والتعليم مجانيين ووفر الامن والامان للمواطن، وحرره من الخوف المادي من الغد، وانشأ جيش العلماء والمهندسين، وامم النفط وجعله في خدمة الشعب العراقي وفقراء العرب...الخ، وقبل هذا وذاك اصبح البعث اول من بطح امريكا، وهي تنفرد بحكم العالم، واطلق رصاصة الموت على مشروعها الامبراطوري.
وبهذا المعنى فان التجربة البعثية التي ابتدأت عام 1963 باستلام السلطة في العراق ثم في سوريا كانت فقيرة انذاك، وتضافرت هذه الحقيقة مع الاثر الذي تتركه التحديات الاتية من الخصوم والمنافسين والاعداء، فنتج عن ذلك مسلسل من العمل التجريبي الغريب عن الحزب بعضه صائب وبعضه الاخر خاطئ. ما نريد تاكيده هو ان الحركة التاريخية، ومهما كان للافراد دور عظيم في انشاءها وتطويرها، تبقى ملك الجماهير والتاريخ وتسير وفق اليات ذاتية مستقلة عن الافراد، وتنحو منحى العودة للينابيع الاصيلة والاصلية كلما اجبرتها تجارب الحكم على دخول مسارات غريبة عنها. لذلك فاننا لاننظر للبعث من زاوية انجازاته العظمى فقط او اخطاءه فقط بل أيضا من زاوية انه حركة تاريخية تقترن اليوم بطلائع مناضلة معينة لكنها غدا ستزول وستبرز من رحم الحزب والمجتمع طلائع اخرى تحمل الراية وتواصل السير في طريق البعث مهتدية باهدافه المقدسة نافضة عنه الخدر وغبار المعارك والبناء ومتمسكة بالفكر البعثي التأسيسي.

لماذا البعث كحركة تاريخية؟
لقد شهد الوطن العربي ظهور الحركة القومية العربية على نحو بالغ الوضوح نتيجة عاملين حاسمين، العامل الاول مجاورة الامة العربية لاثنين من اكبر الامم الاسلامية واكثرها تفاعلا مع الامة العربية، سلبا وايجابا، وهما الامة الفارسية والامة التركية العظيمتين، والعامل الثاني هو حالة التجزئة التي تعرضت لها الامة العربية وحولتها الى اقطار متناثرة تتحكم فيها اقليات غريبة او دول مجاورة او استعمار. فالامة الفارسية من الامم العظيمة التي قدمت للبشرية انجازات حضارية كبيرة قبل الاسلام، والامة التركية عظيمة لانها ساهمت بنشر الاسلام بعد تدهور دور العرب فاوصلته الى اوربا. وكان لهذا التجاور الاثر الحاسم في تمييز الحركة القومية العربية في المشرق العربي عن جزءها الاخر في المغرب العربي، ففي حين كان التهديد الذي واجه المغرب العربي استعماري غربي يتبرقع بالمسيحية، فاصبح المضمون الاسلامي للنضال التحرري المغاربي طاغيا على المفهوم القومي، كان التهديد الذي واجه المشرق العربي يأتي من امتين اسلاميتين، احداهما، وهي الامة الفارسية دخلت في صراعات وحروب متكررة مع العرب قبل الاسلام واخذت بعد ادخالها الاسلام بحد السيف تتحين الفرص لتدمير الدور العربي والحضارة العربية، وسجل التاريخ بعد الاسلام ان هذه الامة المجاورة قد غزت العراق اكثر من مرة ودمرته وقتلت مئات الالاف من ابناءه. والثانية هي الامة التركية، التي اقامت امبراطورية اسلامية باسم الامبراطورية العثمانية وكان ذلك انجاز عظيما جدا، لكنها فتحت باب الصراع، مع العرب وغير العرب داخل الامبراطورية، من خلال سياسة التتريك ومحاولة تذويب الهويات القومية المكونة للامبراطورية.
نتيجة لهذا الوضع الجغرافي نشأ نوع من الخصوصية في الصراع الاقليمي في المشرق العربي، ميزته الطاغية هي التمسك بالهوية القومية لتجنب تأثيرات الامة الفارسية او الامة التركية الاحتوائية! وهنا تغير دور الاسلام، ففي حين كان الاسلام عامل توحيد للمغاربة ضد الاستعمار الغربي فان الصراعات في المشرق استبعدت الاسلام لانه دين كل المتصارعين من عرب وفرس واتراك، ثم شهدنا الانقسامات الطائفية تضرب جسد المسلمين نتيجة الرغبة العارمة للشوفينية الفارسية في التحكم بمصائر كل شعوب المنطقة باسم التشيع الصفوي الذي صنعته هي لخدمة اغراضها الستراتيجية.
حركة البعث انبثقت من رحم هذه السمات الواقعية وعبرت عن رد تاريخي ضد هذا الواقع، وتلك هي الخصوصية البعثية التي امسكت بطرفي المعادلة : ففي المشرق اتسمت الحركة الوطنية العربية بانها ذات طبيعة قومية طاغية لمواجهة التتريك والتفريس، فتنحى الاسلام الى الخلف واحتفظ بدوره التقليدي، وهو انه المعين الروحي للحركة القومية وروادها دون ان يزج في الصراع والتعبئة. اما في المغرب فان التحدي الاستعماري الفرنسي لم يكن فقط قائما على نهب الثروات بل ايضا على تذويب الهوية العربية عبر محاولة الطعن بالاسلام وتشويهه، مادام الاسلام هو مصدر تماسك وحيوية الهوية العربية. بين التخلص من التتريك والتفريس في المشرق، واشتعال النضال ضد تذويب الهوية العربية بالتخلص من حافظها وهو القران الكريم في المغرب العربي، برز البعث حركة توحيدية هدفها الحفاظ على الهوية العربية الاسلامية في ان واحد.

خصوصية البعث : تجسيدها الواقعي
كيف رد الاصلاحيون العرب في احزابهم وحركاتهم السياسية والايديولوجية على هذا الواقع العربي المعقد جدا؟ ان الواقع العربي معقد ومركب وليس بسيطا في تكوينه السكاني والثقافي وفي مسارات تطوره الثقافي والاجتماعي وفي المؤثرات التي تعرض لها، لذلك كانت النتيجة نشوء حركات انعكاسية تختلف في اهدافها وتتناقض في مسارتها. وحينما نقول انعكاسية نعني بذلك انها نشأت كرد فعل على الاوضاع الفاسدة في الوطن العربي، سواء كان فسادها ناجما عن الاستعمار او العفن الداخلي. فما هي اهم التيارات والاحزاب التي ظهرت؟ ولماذا فشلت في التعبير عن حاجات الامة العربية الحقيقية؟ ببساطة ان فشل كل تلك الاحزاب منذ الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي والايطالي في المغرب وعن الاستعمار البريطاني في المشرق يعود الى ان تلك الاحزاب تعاملت مع الواقع العربي بنظرة ومنطلقات مناطقية تجزيئية وموضعية وعجزت عن التعامل مع الواقع العربي بنظرة ومنطلقات شاملة تغطي كل مشاكل العرب الرئيسة وتضع لها الحلول العملية.
كان الواقع العربي يتميز اساسا بثلاثة ميزات جوهرية، الميزة الاولى هي التجزئة، فالعرب، بعد ان كانوا امة واحدة صنعت واحدة من اعظم حضارات العالم امتدت من اوربا الى الصين، تعرضوا لانهيارات متعاقبة وضعتهم فوق واقع انهم اصبحوا اقطارا متفرقة ومتخلفة، بينما الشعوب التي جاءت بعدهم الى مسرح العالم توحدت وتقدمت! فطرح اول هدف للوطنيين والقوميين العرب منذ مطلع القرن العشرين وهو تحقيق الوحدة العربية ليس فقط لاستعادة مجد مضى بل، قبل هذا واهم من هذا، لضمان مكان لائق للعرب في عالم ليس فيه قيم سوى قيم الربح المادي وقانون الغاب، ومن ثم فان الصغير والضعيف يتعرض حتما لطمع واعتداء الاقوى. اما الميزة الثانية للوضع العربي فكانت الفقر والتخلف وما يترتب عليهما من نتائج سيئة في المجتمع. ان الفقر وكما ثبتت تجارب الواقع منذ بدء الخليقة هو المصدر الاساس للشرور في المجتمع الانساني، من كذب وفساد وامية وتخلف وانحطاط قيمي وكفر وتحلل...الخ. وعرب ما بعد التحرر من السيطرة العثمانية كانوا بغالبيتهم فقراء وهو وضع انتج كافة ابناءه الشرعيين من التخلف الى الانحطاط والجريمة والفساد. ولذلك كانت هناك حاجة اساسية للقضاء على الفقر بصفته الشرط المسبق والحاسم لتحقيق التقدم عبر أزالة الامية وهي اخطر ابناء الفقر، ونشر العلم والتكنولوجيا. اما الميزة الثالثة فكانت الانحطاط الروحي وغربة الاسلام في وطنه الاصلي الوطن العربي، ففي ظل الفقر والتجزئة وما نجم عنهما من امراض ضاعت القيم الروحية او ضعفت مع انها تشكل عماد شخصية الانسان. وبالنسبة للعرب فان الاسلام قبل ان يكون دينا هو الطاقة الحيوية الروحية الاعظم التي تقرر ماهية الانسان وموقعه في الوجود. لذلك فان الفساد لا يعالج فقط بحل المشاكل المادية فلابد من هزة تربوية عظيمة واعادة بناء منظومة القيم الضابطة للانسان والحافظة له من شرور شياطين المجتمع الانساني.
اذا عولجت هذه المشاكل الثلاثة يمكن بناء مجتمع عربي سليم وقوي ومعافى يستطيع ان يبرز قوة كبرى فاعلة في المجتمع الانساني الكبير. ماذا حصل؟ وكيف جاء الرد السياسي والحزبي على هذه المشاكل الرئيسية الثلاث؟ لقد نشات احزاب منذ مطلع القرن العشرين لتعالج مشاكل الامة، فراينا احزابا قومية تدعو للوحدة العربية، لكننا اذا بحثنا في مضامين فكر هذه الاحزاب القومية سنجد انها اخفقت في التعامل مع المشاكل الاجتماعية كالفقر واختارت ان تناى بنفسها عمليا عن التعامل مع المشاكل الاجتماعية المعقدة وتركز همها على تحقيق الوحدة العربية، لهذا بقي هناك نقص جوهري كان الفرد العربي حينما يفكر بمشاكل الامة يشعر بالحاجة لسده وهو فقر الاغلبية الساحقة من العرب، وجاء الرد من الشيوعية التي طرحت نفسها كحزب هدفه الاساس القضاءعلى الفقر والفوراق الطبقية في المجتمع، واستبشر من كان يريد للفقر ان يزول بذلك خيرا لكنه اكتشف ان الاحزاب الشيوعية، وان كانت تتحدث عن ازالة الفقر، الا انها غريبة عن المجتمع العربي وقيمه الروحية والدينية، فهذه الاحزاب ملحدة من جهة، وذلك انحراف خطير بالنسبة للشعب العربي المؤمن لا يمكن تقبله، وهي من جهة ثانية اممية ترفض الوحدة العربية وتقفز من فوقها في دعوتها للاممية البروليتارية، اي وحدة الجزء الرث من الطبقات العاملة في العالم من مختلف الامم، لذلك فان المناضل العربي، الذي كان يتطلع لحزب يزيل الفقر لكنه لا يزيل معه الدين والروح والرابطة القومية، اصيب بخيبة امل.
وزاد رفض المناضل العربي لما يراه من احزاب وهو يتعامل مع احزاب قطرية حتى تلك التي تدعو للوحدة العربية، فالاحزاب العربية في مطلع القرن العشرين كانت قطرية التنظيم ولم يكن هناك تنظيم واحد يغطي الوطن العربي بل كانت هناك احزاب قومية لا يربط بينها رابط وان وجد فهو رابط تنسيقي لا يرقى لمستوى تشكيل اداة نضالية عربية واحدة وفعالة تشمل كل اقطار الوطن العربي. واخيرا انتبه المناضل العربي الى نشوء احزاب دينية التسمية والهوية لكنها تكفيرية، من جهة، لانها ترى في كل من لا ينتمي اليها كافرا، وهذا الموقف شكل صدمة انقسامية بين صفوف الوطنيين العرب ، كما انها كانت احزابا اممية تهاجم القومية العربية وتتجاوز عليها بالدعوة لوحدة اسلامية دون المرور قبل ذلك بالوحدة العربية، كما يفرض الواقع والمنطق من جهة ثانية. والاهم هو ان هذه الاحزاب الدينية لم تكن محصنة ضد الاختراق العربي الرسمي او الاجنبي، فبعضها نشأ بقرار من انظمة عربية ارادت مواجهة الشيوعية والحركات القومية، وبعضها الاخر انشاته مخابرات بريطانيا لنفس الغرض، وهو محاربة الشيوعية والحركات القومية، لذلك كان نشوء اكثر الاحزاب الدينية مقترنا بشنها حربا شاملة ضد كافة القوى الوطنية وتعاونها مع انظمة كانت احد اهم اسباب تخلف العرب ومأسيهم. ان النزعة المعادية للقومية العربية وللاشتراكية لدى الاحزاب الدينية ولدت فراغا كبيرا في مجال بروز حزب يجمع بين الاسلام والتسامح والاشتراكية والقومية.
في هذا المناخ ولد البعث كرد شامل وغير جزئي على الوضع العربي الفاسد، فاراد ان يحل المشكلة الاكبر على المستويين الايديولوجي والتنظيمي، وهي مشكلة احادية تشكل كل الاحزاب التي كانت قائمة قبله وتمثيلها لجانب واحد فقط من الجوانب المركبة لازمة ومشاكل الامة العربية. فالبعث جمع الصفات الثلاثة الضرورية للامة فيه، فهو اولا حزب قومي يتميز بان له تنظيم يشمل كل الوطن العربي ويعد الوحدة العربية شرطا لا غنى عنه لصعود العرب وتقدمهم وحصانتهم في عالم لا يعيش فيه الا القوي، وهو ثانيا حزب يؤمن بالله والاسلام بصفته روح القومية العربية وبدونه لا توجد قومية تحررية، وهو ثالثا حزب اشتراكي يريد ازالة الفقر والامية والامراض المزمنة بصفتها مصدر الشرور الاساسية في المجتمع. بهذه الهوية الفريدة المركبة من عدة سمات عبر البعث عن هموم الامة اصدق تعبير ولخص هويتها، وبها تميز عن كل الحركات والاحزاب العربية. ولكن هناك سؤالين مهمين جدا وهو : كيف يفهم البعث القومية والحرية والاسلام والاشتراكية؟ وهل فهمه مشابه لفهم الاخرين لها؟

المفهوم البعثي للقومية
في الاربعينيات من القرن العشرين تبلورت توليفة جديدة من الافكار والاتجاهات التي لم تعد القوالب القديمة تستوعبها، ومن بين اعظم مظاهر التوليفة الجديدة بلورة مفهوم تقدمي وانساني للقومية العربية، فبعد ان كانت هذه القومية، في نظر من كتب عنها، تمجيدا للجنس العربي وانغماس في مهاترات مع ابناء القوميات الاخرى وتركيز على الجنس والنسب الاصيل... الخ راينا نظرة قومية منفتحة وذات طابع انساني عمادها تجسيد الشخصية القومية للامة العربية على اسس ثقافية وسايكولوجية وتاريخية ومصلحية وليس عرقية. لقد اعلن البعث بولادته الرسمية في عام 1947 بانه حزب قومي لكن قوميته ليست عرقية بل ثقافية وتاريخية بمعنى انها ليست انتسابا عرقيا للعرب القدماء بل هي انتسابا اختياريا تقرره مقومات ثقافية واجتماعية وتاريخية.
وكان تعريف العربي هو افضل تعبير عن هذه النظرة القومية غير العرقية، اذ ان دستور الحزب عرف العربي بان كل من تكلم العربية وقبل الانتماء الى الامة العربية واخلص لها فهو عربي بغض النظر عن اصله العرقي. وهذا التعريف للعربي مستمد مباشرة من التعريف المحمدي النبوي للعربي، حيث قال النبي العربي الكريم (ليست العربية في احدكم بامه وابيه بل بلسانه فمن تحدث العربية فهو عربي). وبطبيعة الحال فان التحدث بالعربية ليس وحده ما يمنح العروبة بل هناك متطلبات اخرى وهي حب العرب والاخلاص لهم وتركز الولاء للعروبة، والا فان المترجم اليهودي والانكليزي والروسي يتحدث العربية لكنه ليس عربيا لان ولاءه لاصله او لامته. وبهذا التعريف حسم البعث مسالة من هوالعربي وسمح ذلك بتاكيد ان الامة العربية من موريتانيا الى عمان هي ليست مفهوما عرقيا بل مفهوما ثقافيا تاريخيا، بمعنى ان العربي اكتسب عروبته بتثقفه بثقافة العرب واخلاقهم وسايكولوجيتهم وقطعه لصلة الولاء باصله واقتصاره على الامة العربية. ولكن هذه العروبة لا تختمر او تتبلور عند الانسان الذي اختارها لانها تحتاج لزمن طويل تجري فيه عمليات تفاعل خلاق بين مكونات هذا الانسان السايكولوجية والثقافية والاقتصادية تكون نتيجتها صهره في بوتقة العروبة وقطعه لصلاته القديمة كليا، او تعامله معها على اساس انها تاريخ انقضى واصبح مجرد ذكريات، او اصول يعتز بها لانها اصله.
ان تفاعل التكون النفسي مع عملية الاندماج التاريخية ثقافيا ونفسيا واقتصاديا تستغرق زمنا ليس بالقصير، وهنا تظهر اهمية التاريخ في خلق الانسان العربي، فبدون التاريخ بصفته الرحم الذي تنمو فيه عروبة الانسان والقابلة التي تولده صحيحا وسليما لا يمكن تصور وجود عروبة سليمة. ان ما يوجد في المجتمع العربي من مكونات ثقافية ونفسية واقتصادية وبيئة جغرافية وارث ديني يشكل المصدر الاساس لبناء الشخصية العربية. من هنا نرى ان عربية الانسان تعني اول ما تعني انه تشرب بثقافة الامة بكافة مكوناتها خصوصا الاسلام بصفته الطاقة الروحية الجبارة التي تضع الانسان على الطريق الصحيح قيميا وانسانيا.
وانطلاقا من هذا الفهم نستطيع ان نفهم حقيقة الدعوة القومية للوحدة العربية، فهي ليست نتاج ميل للاستقواء بالكم العربي على الاخرين بل هي حاجة تفرضها الهوية المشتركة لكل عربي من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي، فالانسان بطبيعته الفطرية منجذب تلقائيا لمحيطة وابناء محيطه، وكل مجتمع يبنى على اساس القسمات المشتركة بين افراده والتي تتشكل منها جماعة متميزة عن غيرها ليس عرقيا بل ثقافيا وسايكولوجيا ولغويا. ان الانسان مخلوق اجتماعي وصفته هذه تجعله لا يستطيع العيش الا ضمن جماعة، ولذلك يختار تلقائيا الاقتران بعائلته النووية (اي الاصغر) ثم بعائلته الاوسع، ثم بعشيرته ثم بقبيلته واخيرا بوطنه الذي هو مجموع القبائل المتشكلة هرميا، لكنه مجموع وان كان يعبر عن مكوناته الا انه تطور نوعي ارقى من القبيلة او الاسرة او العشيرة او المنطقة، لانه حصيلة اندماج تطوري بطئ انتج مجتمعا صلته الاقوى هي الصلة الوطنية والقومية وليس العشائرية او الاسرية.
في كل مجتمع انساني، بل حتى في الكثير من المجتمعات الحيوانية، توجد حلقات متدرجة من الصلات تبدا بالحلقة الاصغر وهي العائلة النووية وتكبر تدريجيا لتصل الى حلقة الامة، والتي يبدو ان اوضح رابط بين ابناءها هو اللغة المشتركة. ان اللغة تختزن ثقافة الامة وتشكل الاداة الرئيسية للتفاهم بين ابناءها ولهدا فهي الميسم الابرز في تشكل الامة وتميزها عن غيرها. وحينما يختار الانسان بصفته عضوا في جماعة متكونة ان يعبر عن ذاته فانه يدرك انه بحاجة للاتحاد مع بقية ابناء امته الناطقين بلغته والناشئين في مناخه السايكولوجي والثقافي منذ مئات السنين وربما الاف السنين كالعرب. وبهذا المعنى فان القومية بالنسبة للبعث هي وجود اجتماعي – ثقافي لمجموعة من البشر تربطهم لغة مشتركة ومصالح مشتركة وتقاليد مشتركة وارض مشتركة، تعبر عن اندياح الصلات لانسانية كما تنداح موجات المياه حينما تلقي حجرا في بركة ماء فتتكون اولا حلقة صغيرة ثم اكبر فاكبر، والامة هي الحلقة الاكبر في درجات اندياح حركة المجتمع الانساني، وهي لذلك تحتوي الحلقات الاصغر والاقدم منها وتصهرها في بوتقتها وتحولها الى عنصر مندمج في ثقافة الامة وسايكولوجيتها المتبلورة.
في عالم لا يمكن للانسان ان يعيش فيه الا اذا كانت له هوية مميزة تقررها لغته بصفها المظهر الاول الذي يتعامل معه الانسان، فانت حينما ترى انسانا لا تعرفه تبدا بالتعرف اليه من خلال لغته ثم تتعرف على ثقافته وتقاليده وسايكولوجيته. وهذه الحقيقة الواقعية تثبت ان الانسان منقسم سواء اردنا ذلك ام رفضناه الى امم وثقافات مختلفة، الرابط الاساس بينها هو انها جميعا تنتمي الى المخلوق الانساني وان الاختلافات في اللون او الثقافة لاتعبر عن تباين في قيمة الانسان المطلق لان اصله واحد وقدراته الكامنة واحدة من حيث الجوهر، ومن ثم فان كل انسان مساو للانسان الاخر من حيث القيمة والاحترام والذكاء، وما يظهر من اختلافات في الذكاء مثلا ليس نتيجة للاصول العرقية بل للوضع الاقتصادي والاجتماعي والفرص التي تتاح للانسان كي يفجر طاقاته الابداعية. لهذا فان البعث تعامل مع القومية على اساس انها الحلقة الاساسية في عالم توجد فيه امم وقوميات مختلفة، نشب بينها صراع او قامت بينها صداقة، لكنها كلها تنتمي لجنس واحد هو الجنس البشري، وهذا الانتماء يفرض على الانسان ان يقيم علاقات اممية مستندة على فكرة المساواة والتعاون الجاد من اجل الانسان كل انسان وحريته واحترام ادميته.
اذن القومية بالنسبة للبعث تتشكل من عدة عناصر، العنصر الاول انها هوية وجودية تميز قوما ما عن غيرهم ثقافيا وليس عرقيا، والعنصر الثاني هو ان الجماعة ذات الهوية الواحدة من حقها ان تتوحد اذا كانت مجزءة، لان العالم يمر بمرحلة من تطور البشر تتميز ببروز وحشي للانانية والاعتداء نتيجة نظم الانتاج الاستغلالية كالنظام الراسمالي، والعنصر الثالث هو ان القومية العربية ليست مفهوما عرقيا بل تاريخيا وثقافيا، ولذلك تجد بين العرب من هو اسمر ومن هو ابيض ومن هو اسود، والعنصر الرابع هو ان القومية العربية ليست استثناء في عالمنا من حيث الحق في التوحد القومي، لان اغلب الامم توحدت وبقي العرب وحدهم من بين الامم الكبيرة مجزءين مع ان العالم الحالي هو عالم الكتل الكبيرة، كما وصفه التقرير العقائدي (او المنطلقات النظرية) الذي صدر عن المؤتمر القومي السادس للحزب عام 1963. وفي عالم الكتل الكبيرة تاكل الحيتان الكبيرة الاسماك الصغيرة لذلك لابد من الوحدة العربية لمواجهة محاولات الافتراس التي تتعرض لها الامة العربية من قبل اطراف عديدة اقليمية ودولية. ومااغتصاب فلسطين، من قبل الصهيوينة، والاحواز (تضم ثمانية ملايين عربي ومنطقة النفط والمياه)، من قبل ايران، والاسكندرون، من قبل تركيا، الا امثلة واضحة لاضرار التجزئة في الوطن العربي، فلو كان العرب امة موحدة تتالف من اكثر من مائة مليون عربي، عند اغتصاب فلسطين والاحواز والاسكندرون، لما استطاع الاستعمار والصهيوينة وايران وتركيا اغتصابها، ولولا تناثر العرب لما نجحت امريكا وايران في احتلال العراق وتدميره مع انهم الان اكثر من 300 مليون انسان.
الوحدة العربية بهذا المعنى ليست مفهوما عرقيا ولا هي حركة عدوانية وتوسعية بل هي حركة دفاعية في عالم تسوده القوة ومنطقها الظالم، لذلك فان اول واهم ميكانيزم دفاعي قومي عربي هو اقامة الوحدة العربية. كما ان عالم اليوم هو عالم التكامل بين اجزاءه المكونة فاذا كانت الامم الكبيرة الموحدة تبحث عن الاندماج مع غيرها، كالامم الاوربية التي اتحدت رغم انها تتشكل من قوميات مختلفة وليس من قومية واحدة كالعرب، فهل يجوز ان لا يعمل العرب على تحقيق وحدتهم من اجل تامين متطلبات التنمية والسوق القومي الواسع والاستثمار الامثل للموارد العربية المتنوعة والمتكاملة، مع انهم شعب واحد وينتمون لقومية واحدة؟
ما معنى هذا الشرح من زاوية خصوصية القومية العربية؟ ان ما قلناه عن القومية العربية يطرح امامنا حقيقة جوهرية يجب ان لا تنسى عند فهم القومية العربية وهي ان هناك نوعين من القوميات، النوع الاول قوميات وظيفية والنوع الثاني قوميات هوية، فالقوميات الاوربية هي التي تجسد القوميات الوظيفية، لانها تبلورت وظهرت للقيام بوظيفة اقتصادية اجتماعية وهي توفير اطار لغوي قومي للتوسع الراسالمي. ان الراسمالية التي نشات في احضان الاقطاع الاوربي، والذي قام على التشتت الاجتماعي على شكل اقطاعيات متنافسة متصارعة ومنعزلة، رغم وجود عامل التوحيد اللغوي، رات، اي الراسمالية، في رحمها الذي نشأت فيه وهو الاقطاع عائقا امام توسعها الراسمالي وامام الانتقال من الانتاج البضاعي الصغير ثم من راس المال التجاري المحدود النشاط، الى راس المال الصناعي الذي كان بحاجة لسوق اكبر من السوق التناثري المجزء الذي اوجده الاقطاع، فجاءت الدعوة القومية لتوحيد الاقطاعيات المتناثرة في اوربا في دولة واحدة في كل جماعة لغوية خاصة، اداة لضمان انطلاق التوسع الراسمالي ليشمل ارضا ومجتمعا كبيرين وواسعية يمكن فيهما ترويج السلع الصناعية، وطمر مرحلة الانتاج البضاعي الصغير في المشاغل البيتية والتخلص من ضيق راس المال التجاري.
استنادا لهذه الحقيقة الاقتصادية كان ظهور القوميات الاوربية كالفرنسية والبريطانية والالمانية، عبارة عن استجابة قاهرة لاهم قوانين النظام الراسمالي الصاعد : السوق الكبير. لقد ولدت اللغات الاوربية الحالية اما من اللاتينية او الجرمانية او السلافية لتنهي مرحلة الغموض اللغوي وهو عامل مرافق للاقطاع، لان المطلوب كان تحديد هوية بدائية خاصة وظيفية مهمتها هي تحشيد الناس المنتمين للهجة ما خلف زعيم ما لاجل السيطرة على السوق في اكبر رقعة جغرافية ممكنة وهي الرقعة المتشابهة لغويا. ان اللغة التي سبقت نشوء الامة ومهدت له لم تكن تكفي وحدها لقيام الامة ما دام العامل التجميعي والانصهاري لم يظهر بعد وهو الحافز الاقتصادي. لذلك وبتوفر البيئة المناسبة لتجاوز الاقطاع ظهرت الحاجة للقومية في اوربا. لقد طغت الوظيفة الراسمالية على تلك القوميات وتنحت الهوية الثقافية وخضعت للهوية الوظيفية، وهذا ما يفسر فقر الفكر القومي الاوربي وضعف منطقه واعتماده اساسا على القوة لتحقيق اهدافه التوسعية، وما حروب اوربا الدموية بين ابناء القومية الواحدة وبين القوميات المختلفة الا تعبير عن افتقار الفكر الاوربي الى الهوية الثقافية المزدهرة والناضجة.
اما قوميات الهوية فهي لم تكن نتاج نشوء النظام الراسمالي ولا اي نظام اقتصادي اخر بل كانت نتاج تطور تاريخي طويل انتج مياسم مشتركة بين كتل سكانية هائلة وميزها بلغة وثقافة خاصة كانت من القوة بحيث ولدت حروب تغيير الهوية في الجانب الاخر. ان العرب والفرس والصينيين هم امثلة حية لهذا النوع من قوميات الهوية، والتي تخضع فيها العوامل الاقتصادية وتطورها للعامل الثقافي القومي. ان قوميات الهوية نشات منذ الاف السنين وليس منذ مئات السنين كما كان حال اوربا، ففي حين كانت اوربا تشهد مرحلة الحياة السابقة للاقطاع كان العرب والفرس والصينيون اصحاب حضارات كبرى وابداعات ثقافية عظيمة. وكان العامل الطاغي في ذلك النشوء هو الثقافة المشتركة وليس التطور الاقتصادي، فلم تكن هناك راسمالية ولا اقطاع كلاسيكي وانما كانت هناك انظمة هي مزيج من الاستبداد الاقطاعي والعبودية وغيرها دون اقترانها بنمط انتاجي محدد، وهذه الحقيقة تنقض التنظيرات التي قدمها ماركس او انجلز عما يسمى ب(الاستبداد الشرقي) او (نمط الانتاج الاسيوي) والتي بنيت على قاعدة معلومات سطحية وعابرة، على العكس من قراءتهما لواقع اوربا والتي كانت عميقة وثرية جدا.
في قوميات الهوية تمتزج قوانين مراحل تاريخية مختلفة وتتداخل حتى ان المحلل والمؤرخ يحير في تفسير الواقع وفق قاعدة تحليل متماسكة ويبقى اي تحليل ناقصا الا اذا عالج حالة محددة بذاتها وهو ما يؤدي الى الغرق في خيار تجزيئي لمشاكل شعوب قوميات الهوية. ولكن اهم ما في قوميات الهوية هي انها نتاج تطور طويل استغرق الاف السنين كانت نتيجته هوية قومية تتوسط الجوهر منها ثقافة وطنية خاص وقوية وراسخة الى حد انها توصل احيانا الى التعصب القومي واستهداف هوية الاخر سواء بالحروب او النزعة الاستعلائية. وفي هذه القوميات تتنحى العوامل الاقتصادية وتسود العوامل الثقافية المعبرة عن هوية خاصة. ان القومية الفارسية مثال ممتاز لهذه الحالة من التشبث بالهوية وتغليبها على رابطة طرات فيما بعد على الهوية القومية، وهي رابطة الاسلام، فبالرغم من اعتناق بلاد فارس للاسلام الا ان الهوية القومية الفارسية بقيت هي المحرك الاساس للنخب القومية الفارسية في تعاملها مع (اشقاءهم) في الاسلام العرب، وكانت نزعة الانتقام من العرب والتطرف في العمل لاقامة امبراطورية فارسية اقوى من رابطة الاسلام، لذلك شهدت العلاقات العراقية الفارسية حروبا بعد ظهور الاسلام اشرس من الحروب التي وقعت في المنطقة قبله.
اما العرب فانهم، وبالاضافة لتشربهم برسالة الاسلام التي حدت من التعصب القومي وعدته من اثار الجاهلية، فانهم تبنوا مفهوما للقومية حدده النبي الكريم بتعريفه التطبعي للعربي، فازال عنصر الاستعلاء من الفكر القومي العربي وجعله فكرا يعبر عن انتماء ثقافي، سمح للعروبة ان تخرج من جزيرة العرب وتصل الى المغرب العربي وتدمج في بوتقتها اجناسا شتى دون تمييز او تعصب لعرق ما، بعكس القومية الفارسية التي كانت، وبسبب تعصبها القومي ونزعة الاستعلاء لديها، عاجزة عن التوسع بقبول هويتها من قبل الاقوام الاخرى والاندماج بها، فلجات الى الحروب والدسائس للتوسع، وفي مقدمة الدسائس فبركة هوية طائفية بين المسلمين استخدمتها وتستخدمها لاختراق حصون العرب وتمزيقهم، فصاغ مفكروها منظومة طائفية لا صلة لها بالاسلام بل هي نتاج فكر قومي فارسي، يتمثل في تمجيد تراث ما قبل الاسلام بما في ذلك القيم والتقاليد الزرادشتية. ان النزعة التامرية الفارسية بعد الاسلام ليست سوى تعبير اصيل عن تجذر الرابطة القومية الفارسية، وتحكمها في النخب الفارسية وكان ابرز مظاهرها التاريخية، اضافة لفركة الطائفية داخل الاسلام، عملها وفقا لخطط طويلة المدى لتدمير الهوية العربية واختراق الانسان العربي.
هذه الحقيقة التاريخية هي التي استخدمها بعض المنتمين لتيارات الاسلام السياسي لاتهام القومية العربية بتهمتين خاطئتين، التهمة الاولى وصفها بانها تعصب جاهلي، والثانية القول بانها متأثرة بالقوميات الاوربية، وفي كلا الاتهامين نجد الخطأ واضحا وفاضحا، فالتعصب القومي في القومية العربية غير موجود لان المكون الجوهري لها، وهو الاسلام كما سنوضح، يمنع التمييز بين البشر بشكل عام وبين المسلمين بشكل خاص على اسس العرق واللغة. صحيح ان هناك نزعات تعصب قومية عربية تظهر في فترات محددة تقف في مواجهة تعصب قومي اخر، لكنها رد فعل اني وليست فعلا اصليا ودائما. والمثال هو الموقف من الدولة العثمانية حيث ساهم العرب في بناءها على اساس انها دولة اسلامية لكنهم انقلبوا عليها حينما بدأت تمارس سياسة التتريك وتذويب هوية العرب. كما ان العرب وقفوا ضد النخب الشوفينية الفارسية اثناء قيام الدولة العباسية لانها تعمدت شتم العرب، بل انها كانت تسيطر على البيئة الثقافية والسياسية في بغداد العباسية بعد ان وصلت الى مركز الخلافة بالزواج والاموال وغيرها، فاضطر الكتاب العرب للرد على شتائم الكتاب الفرس ومعاداتهم للعرب مثلما فعل الجاحظ .
في هذين المثالين فان حالات التعصب القومي العربي ضد الاتراك والفرس كانت نتيجة طبيعية، وان كانت خاطئة، لعمل مسبق وسابق ولم يصدر من مبادرة عربية ابدا. لذلك فان من يصف القومية بالجاهلية عليه ان يدرس تاريخ الاسلام وما جرى فيه لانه سيكتشف ان العرب تمسكوا بقوميتهم ولكن مع التمسك التام بثقافة الاسلام المتجاوزة لثقافة الجاهلية، وان من خرق ثقافة الاسلام هي النخب الفارسية والتركية. اما اتهام القومية العربية بانها متأثرة بالقوميات الاوربية، او انها نشات بعد بروز القوميات الاوربية، فهو اتهام يدل على الجهل بالتاريخ وهو جهل محزن تماما، لان القومية العربية كما وضحنا نشات قبل الاف السنين في جزيرة العرب واليمن ومنهما توسعت مع الهجرات التي فرضتها ظاهرة التصحر التي اجتاحت الجزيرة العربية بعد انقضاء العصر الجليدي الاخير. وفي فترة نشوء القومية العربية كظاهرة لغوية وثقافة صحراوية جمعت القبائل العربية كان الاوربيون عبارة عن مخلوقات تعيش فوق اغصان الاشجار، وتقتصر لغتها على كلمات قليلة وهمهمات كثيرة، مصحوبة باشارات يدوية وجسدية اكثر.
وفي ضوء ما تقدم فان القومية الوظيفية، كما في اوربا، اخذت تضمر وتضعف ثقافتها وتحل محلها ثقافة الضياع والعولمة وتبديل الهوية بسهولة، والسبب هو ان الوظيفة التي من اجلها نفخت القوميات الاوربية قد تراجعت بعد تحول الراسمالية الى ظاهرة كونية وتجاوزها لحدود الامة، خضوعا لقوانين النظام الراسمالي ايضا. فالذي انتج القوميات الاوربية هو نفسه الذي قرر سحبها من التداول في السوق واحل محلها العولمة، بصفتها الغطاء الجديد لتوسع السوق وممارسة عبادة الدولار. ولكن قوميات الهوية ذات الاعمار الالفية ما زالت ارسخ من اي نظام اقتصادي او ظاهرة اجتماعية، فالصين مثلا ورغم اعتناقها للشيوعية ذات الجوهر الاممي تغلبت فيها الرابطة القومية على الرابطة الاممية، ولم تستطع كل قوانين الشيوعية والاممية وكل الحملات الثقافية ان تمحو الهوية القومية الصينية، وهذا الحال نجده كذلك في الاجزاء المقتطعة من الصين (تايوان مثلا)، فبالبرغم من مرور اكثر من مائة عام على فصل بعضها وخمسون عام على بعضها الاخر نجدها محافظة على هويتها القومية الصينية وتتطلع للعودة الى الوطن الام رغم وجود التناقض الجذري بين النظام الاقتصادي الاجتماعي الصيني والاخر الموجود في الاجزاء المقتطعة.
وهذا الحال ينطبق على ايران، فهي بالرغم من دخولها الاسلام فانها ما زالت متمسكة بهويتها القومية وعلى نحو متطرف جعلها تبتكر طرقا مموهة لفرض المصلحة القومية الفارسية على العرب المجاورين، من خلال اكبر فتنة صنعتها وهي التشيع الصفوي الذي حول الخلاف السياسي حول الخلافة في بلاد العرب الى مذهب جديد ثم دين جديد. كما ان الدستور الايراني لما يسمى (جمهورية ايران الاسلامية) هو من حيث الجوهر دستور قومي دون ادنى شك لانه يؤكد مرارا وتكرار على مصالح ايران بصفتها هي المقرر للسياسات الايرانية. اما الامة العربية فانها ورغم المؤامرت التي نفذت وتنفذ ضدها كسلب فلسطين ومحاولة تهويدها فانها لم تضعف ولم تتراجع ونجد الشعب العربي بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص يتمسك بقوة بحقوقه وهويته لدرجة ان المشروع الصهيوني وبعد نصف قرن على تاسيسه في فلسطين يواجه اكبر تحد الان، لان العرب متمسكون بهويتهم التي افشلت كل محاولات التهويد والصهينة. ولو ان هذا الذي يواجهه العرب من تحديات ونكبات تعرض له شعب اوربي لما صمد ولتمزقت هويته لانها هوية سطحية. ان على من يتعاملون مع القومية العربية ان يدرسوا التاريخ اولا لا ان يسمعوا قصصا اسطورية نسجتها السن تمتهن حرفة ترديد ما يسمع من الاخرين دون التدقيق والتمحيص مباشرة.

المفهوم البعثي للحرية
بخلاف ما سيدته حملة شيطنة البعث، التي تشنها الاجهزة الغربية والصهيوينة والايرانية وتوابعها العرب، فان البعث قد حدد للحرية مسارا رئيسيا داخل صفوفه وفي المجتمع حول الحرية. يقول دستور الحزب في (المبدإ الثاني) ما يلي : (ولهذا فان حزب البعث العربي الاشتراكي يعتبر : 1 – حرية الكلام والاجتماع والاعتقاد والفن مقدسة لا يمكن لاي سلطة ان تنتقصها). وفي فصل (مبادئ عامة)، في الفقرة 5 يرد ما يلي : (حزب (البعث العربي الاشتراكي) شعبي يؤمن بان السيادة هي ملك الشعب وانه وحده مصدر كل سلطة وقيادة، وان قيمة الدولة ناجمة عن انبثاقها عن ارادة الجماهير، كما ان قدسيتها متوقفة على مدى حريتهم في اختيارها). وفي فصل (المنهاج سياسة الحزب الداخلية) نقرأ ما يلي : (المادة 14 – نظام الحكم في الدولة العربية هو نظام نيابي دستوري والسلطة التنفيذية مسؤولة امام السلطة التشريعية التي ينتخبها الشعب مباشرة.).
وفي المادة 17 من نفس الفصل نقرأ ما يلي : (يعمل الحزب على تعميم الروح الشعبية (حكم الشعب) وجعلها حقيقة حية في الحياة الفردية، ويسعى الى وضع دستور للدولة يكفل للمواطنين العرب المساواة المطلقة امام القانون والتعبير بملء الحرية عن ارادتهم واختيار ممثليهم اختيارا صادقا ويهيئ لهم بذلك حياة حرة ضمن نطاق القوانين.) وفي فصل (سياسة الحزب الاجتماعية) نقرأ في البند الخامس ما يلي : (تاليف نقابات حرة للعمال والفلاحين وتشجيعها لتصبح أداة صالحة للدفاع عن حقوقهم ورفع مستواهم وتعهد كفاءاتهم وزيادة الفرص الممنوحة لهم، وخلق روح التضامن بينهم وتمثيلهم في محاكم العمل العليا).
وفي المادة 42 من نفس الفصل، نقرأ في البند الثاني ما يلي : (الدولة مسؤولة عن صيانة حرية القول والنشر والاجتماع والاحتجاج والصحافة، في حدود المصلحة العربية العليا، وتقديم كل الوسائل والامكانيات التي تحقق هذه الحرية.). وفي البند الثالث نقرأ ما يلي : (العمل الفكري من اقدس انواع العمل وعلى الدولة ان تحمي المفكرين والعلماء وتشجيعهم.). وفي البند الرابع نقرأ ما يلي : (فسح المجال، في حدود الفكرة القومية العربية، لتأسيس النوادي وتأليف الجمعيات والاحزاب ومنظمات الشباب ومؤسسات السياحة والاستفادة من السينما والاذاعة والتلفزة وكل وسائل المدنية الحديثة في تعميم الثقافة القومية وترقية الشعب.).
ما معنى هذا؟ اولا يجب ان نلفت الانتباه الى مؤشر مهم جدا وهو ان دستور الحزب لم يستخدم عمدا كلمة (ديمقراطية) ابدا واستعاض عنها بتعبير اوسع واعمق وهو (الشعبية)، لان الشعبية تتجاوز حدود الديمقراطية بكثير. اما بخصوص ما اوردناه من نصوص فلا حاجة لشرح ما عرضناه لانه واضح، وكل ما يجب فعله هو تثبيت حقيقة اساسية وهي البعث، في اصوله التكوينية، حركة انسانية تقدس حرية الانسان بل ان موقف البعث يصل حد الليبرالية كما راينا. وهذا التقديس لحرية الانسان لا يقتصر كما في الليبرالية على حرية التعبير والحريات الفردية بل هو يشمل الاهم وهو حق الحياة الحرة الكريمة المتحررة من العوز المادي والروحي. من هنا فان المفهوم البعثي للحرية والديمقراطية عتيق وتضرب جذوره في اصول البعث التكوينية، وهو لذلك مقوم ثابت لا يمكن تغييره، حتى لو شهدت التجارب العملية ابتعادا عنه، جزئيا او كليا، احيانا لاسباب قاهرة، في مقدمتها ان خصوم ومنافسي واعداء البعث في الداخل والخارج قد فرضوا فرضا حالة الطوارئ والاحتراب والازمة مما سمح ببروز رد فعل طوارئ ايضا. ان حالة الطوارئ الناجمة عن التحدي الخطير لا تمحي الهوية الجوهرية للحركة التاريخية بل تؤخرها وتحجمها وتعطلها ولكن الى حين، بعدها يفرض الاصل نفسه وتتجدد الحياة الحرة والتفكير الحر وتقديس حرية التعبير داخل الحزب وخارجه، لان الحرية قضية واحدة وتفسد حينما تجزء الى حرية داخلية وخارجية.

المفهوم البعثي للاسلام : اسلام بلا طوائف
لئن كنا نواجه منذ الاربعينيات جدلا مع التيارات الدينية السياسية حول الاسلام ودوره في المجتمع، وادى ذلك الى مشاحنات وصراعات غير مبررة بين التيار القومي والتيارات الاسلامية السياسية، فان مرحلة ما بعد غزو العراق قد اثبتت، واقعيا وعمليا، ان مفهوم البعث للاسلام كان هو الصحيح وان الاخرين لديهم مفاهيم اما ملتبسة او ضارة ومدمرة. كيف فهم البعث الاسلام؟ وما معنى العلمانية في الفكر البعثي؟ هل هي نفس العلمانية الغربية؟ ام انها الية احترازية لمنع استغلال الدين في السياسة لان في ذلك اضرار فادحة كما اثبتت تجربة العراق في ظل الاحتلال؟
بداية البعث كانت الموقف الخالد للبعث : (كان محمدا كل العرب فليكن اليوم كل العرب محمدا). من قال هذا الكلام البليغ والدقيق دقة لا مثيل لها في التعبير عن فكرة في كل الكتب الارضية؟ من قاله لم يكن منظر اسلاموي ولا فقيه ولا صانع فتاوى دينية بل قاله مناضل عربي مسيحي هو المرحوم القائد المؤسس للبعث احمد ميشيل عفلق. كيف نجح مسيحي عربي في تحديد الصلة الاعمق والادوم بين الشعب العربي ونبيه الكريم؟ ولماذا لم يلهم الله وهو قادر على ذلك مفكرا ومفتيا مسلما لطرح هذه المعادلة التي لا تلخيص لصلة العربي بنبيه او بالاسلام ادق واعظم وافصح منها؟ لقد طرحت في دراستي (الصليبية الجديدة) الجواب على هذه الاسئلة وغيرها، ولاهمية ودقة الموضوع ساعيد طرح الاجوبة لان لها مساسا مباشرا وجوهريا باوضاعنا الحالية.
ان الاسلام هو مزيج خلاق وطبيعي من الجانب الايجابي من ثقافة وتقاليد العرب قبل الجاهلية وبين تعاليم ربانية مقدسة، فالدين اي دين لا يمكن ان ينشأ ويتوسع الا اذا فهمته طلائع من هذه البيئة وتبنته مرشدا لها. لذلك فان النبي والصحابة كانوا هم الطليعة التي استوعبت الاسلام وحملته رسالة لها دون ان تشعر بالغربة او انها تدخل بيئة غريبة عنها. نعم كانت في الجاهلية تقاليد وثقافة سلبية جاء الاسلام للقضاء عليها، ولكن بنفس الوقت كانت هناك ايجابيات في مجتمع الجزيرة، وفي مقدمتها ثقافة التوحيد والقيم التضامنية في القبيلة وهي قيم انسانية راقية تتمثل في الكرامة والكرم والتسامح واحترام الاخر والشورى القبلية، واللغة العربية التي كانت وما زالت التي تشكل عالما كبيرا قائما بذاته، سحريا بموسيقاه ومضامينه الثرية ومعانيه الشاملة الخالدة وفنونه كالشعر، ديوان العرب وحافظ تاريخهم وجهاز اعلامهم الاول...الخ. لقد جاءت الرسالة السماوية لتغليب هذه القيم وهذه الثقافة واكمالها ودمجها باخر وارقى صور ثقافة التوحيد وهي الاسلام. من هنا فان الاسلام لم يكن دينا فحسب بل كان قبل ذلك ثقافة وقيم منتشرة في جزيرة العرب واطرافها في بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام ومصر. وكان من مفاخر العرب ان العربي المسيحي كان يقف مع العربي الاخر غير المسيحي ضد غزوات الاجانب كالفرس والرومان قبل الاسلام، وبعد الاسلام وقف المسيحي العربي ضد الصليبيين وغيرهم، منطلقا من انتماء الجميع، مسلمين ومسيحيين، لثقافة قومية سائدة بين القبائل العربية المختلفة الديانة. ومن الحقائق ذات الدلالات العميقة ان بعض المسلمين، كالعلقمي، قد تعاونوا مع الصليبيين والتتار لتدمير الدولة العربية الاسلامية خدمة لبلاد فارس! فما الذي يجعل المسيحي العربي ينتخي للمسلم العربي، في حين ان المسلم الصفوي يغدر بالمسلم الاخر ويتعاون مع اعداء الاسلام؟ أنه الثقافة القومية العربية والوعي القومي العربي هو الذي جعل المسيحي العربي يقف مع المسلم العربي ضد غزوات تبرقعت باسم المسيحية. كما ان الثقافة القومية الفارسية – الطائفية للصفويين العرب، او ذوي الاصول الفارسية، هي التي جعلتهم ينحازون لاعداء المسلمين من اجل تدمير ملك العرب وخلافتهم للتمهيد لامبراطورية بني فارس! هذه ما حصل بالامس حينما تعاون الصفويون مع التتار والصليبيين ضد العرب المسلمين، وهو ما يحصل اليوم حيث نجد الصفويين العرب والفرس يقفون مع امريكا ضد الامة العربية في العراق وغيره لتدمير حصون العرب وتذويب الهوية القومية للامة العربية.
لقد جاء الاسلام تعبيرا شرعيا ومطلوبا عن ثقافة العرب في جانبها الايجابي على صعيد الحياة الدنيوية، و(هزة حيوية)، القت بعيدا بثقافة الشرك والظلام واحلت محلها ثقافة التوحيد، التي عبرت عن ارتقاء هذه الرسالة بعد تجارب الديانتين التوحيدتين اليهودية والمسيحية وتهيئتهما للبشر لدخول عالم الاسلام، في فترات استغرقت اكثر من الفي عام، انتقل فيها البشر من الديانات الوثنية البدائية، التي كانت نتاج الخوف من الطبيعة والكون اكثر من الايمان بالله الى ديانات التوحيدي ابراهيم الخليل العراقي المولد والثقافة . بهذا التدرج التربوي نجح الاسلام في هضم وتجاوز كل الثقافات التي كانت سائدة قبله وصار دينا متبلورا بعد ان كان ثقافة قومية سائدة فقط. في هذه البيئة القومية عاش عفلق، وملايين العرب المسيحيين، مؤمنا بالله وابنا شرعيا للثقافة العربية ومواطنا عربيا بارا، خصوصا لجزئها المقوم وهو الاسلام. ان الاسلام ليس دينا فقط، كما راينا، بل هو ايضا ثقافة قومية للعرب تشكل روح الامة، والامم بدون الروح محض (لحظات) عابرة وضائعة في كون لا نهائي وبالغ التعقيد.
البعث التقط هذه اللحظة التاريخية (اللحظة بمعناها الفلسفي وليس الزمني اي القوة التي تنقلنا من حالة الى حالة اخرى بزخم انقلابي شامل) واختار ان يكون حزبا قوميا عربيا، لانه يعيش في بيئة عربية ويمثل تطلعات امة عربية، لكنه دمج الاسلام عضويا بالقومية العربية بتاكيده ان العروبة جسد روحه الاسلام. بهذه التوليفة العبقرية اعاد عفلق تحديد صلة الاسلام بالعروبة على نحو مدهش في دقته المبدأية واللغوية. فاولئك الذين حاولوا وضع تعارض بين العروبة والاسلام باسم الاسلام وقعوا في فخ الجمود وعدم القدرة على فهم روح الاسلام، فاوجدوا منظومة فكرية ساذجة، لان التخلف في الفهم لا يجد مخرجا له سوى السذاجة التكفيرية التي تحل الاشكالات المعقدة بطريقة كاريكيتيرية مدمرة للفكر الخلاق وللحلول الصحية. البعث اكتشف ما انقطع المسلمون عن الايمان به والتعامل به منذ انحطت الخلافة الاسلامية واصبح الاسلام غريبا في داره، وهو ان القومية العربية بلا الاسلام ما هي الا جسد مادي سياتي يوم يموت فيه كما يموت اي جسد، لذلك وللحفاظ على ديمومة القومية العربية كان لابد ان تكون لها روح تميزها عن موجة القوميات الوظيفية التي ظهرت في اوربا، فكانت عملية اعادة البعث اكتشاف جوهر كل من العروبة والاسلام بالدمج العضوي بينهما. لقد عادت الروح الى جسد الامة بعد ان فارقتها بانحراف الخلافة وتدهورها، وحطت روح الامة (الاسلام) في جسد مادي هو القومية العربية، كي تستطيع ان تتعامل مع عالم مادي بفعالية تامة ونجاح محسوب من خلال طليعة مقاتلة هي الحركة البعثية.
اننا نحن البعثيون، المسلمون في ثقافتنا القومية مهما كانت ديانتنا، فتحنا طريق البعث الاسلامي الحقيقي من خلال فتحنا الاول وهو فتح البعث العربي، فلن يكون هناك بعث اسلامي من دون ان يسبقه البعث العربي. هذا ماحصل عند ظهور الاسلام والذي اقترن ببعث عربي شامل وحد العرب، اولا وقبل كل شيء ووضع القبلية في الخلف، ثم قام العرب ببناء عالم اسلامي وحضارة عربية توجت بقيم الاسلام امتدت من الصين الى اوربا، وما كان بالامكان قيام هذه الدولة الاعظم في وقتها لولا الايمان العميق بان للعرب رسالة خالدة انسانية الطبيعة توحيدية الجوهر. ان الصحابة والفاتحين الاوائل كانوا رجال مهمات تاريخية وحملة رسالة خالدة ولم يكونوا دعاة سياسة او فتوحات امبراطورية هدفها النهب او السيطرة، كما فعلت امبراطوريات سادت ثم بادت كالامبراطورية الفارسية، لانها بلا رسالة روحية وانسانية وانما كانت محض توسع لصوصي لا محرك له سوى الناسوت وبغياب تام للاهوت.
اذن البعث حزب ايماني في اصله وجذوره، وهو المؤهل اكثر من غيره للبعث الاسلامي ولكن بعد تحقيق البعث العربي وليس قبل ذلك ابدا. وهذا الكلام ليس دعاية حزبية بل هو واقع عاشه العراقيون عندما استلم البعث السلطة، وكان دستوره متوجا ببند غالب وهو (الاسلام هو المصدر الاساسي للتشريع) وليس مصدرا من مصادر التشريع، وهذا المفهوم مهم وجوهري. كما ان الممارسة العملية قد شهدت اعظم رعاية للدين والعلماء، تمثلت في تحمل كل اعباء رعاية دور العبادة، الاسلامية والمسيحية والصابئية وغيرها، وتخصيص رواتب تساوي راتب الوزير للمراجع الدينية اضافة لكافة الامتيازات المالية والاعتبارية في المجتمع. وشهد العراق لاول مرة في تاريخه حملة ايمانية منظمة وطويلة الامد شملت كوادر الحزب والدولة وصار بموجبها التثقف بالفقه الاسلامي وختام القران شرطا للترقية الحزبية والوظيفية، فانخرط ملايين البعثيين في الحملة الايمانية الفريدة في التاريخ العربي والاسلامي الحديثين.
في ضوء ما تقدم نجد ان البعث حزب مؤمن بطبيعة بنيانه العقائدي ولا صلة تربطه باي شكل مع العلمانية الغربية والتي سجنت الدين ورجاله في الكنيسة ومنعتهم من التدخل في السياسة، لكنه ونظرا للتعددية في المذاهب الاسلامية، من جهة وتعددية الديانات للمواطنين العرب من جهة ثانية، فان حكم رجل الدين بالنسبة للبعث امرا خطيرا ومدمرا للوطن ووحدته وللاسلام ووحدته وللمواطنة ودورها. ان الاسلام يعاني من تعددية المذاهب سنية وشيعية، ولو كانت هذه التعددية مجرد اجتهادات ومدراس فقهية يكمل بعضها البعض الاخر لامكن تقبل الامر، لكن الامر المعقد هو اننا لا نتعامل مع طوائف وجودها طبيعي بل مع طائفية انعزالية وتكفيرية واقصائية في كلا طرفي الاسلام، ومن المستحيل ان تتفاهم فيما بينها على مستوى الواقع وليس على مستوى ظواهر الامور. ولكي نتجنب السرد والتنظير لدينا مشهد حاسم وواضح بما يكفي لادراك مخاطر التعدد الطائفي وانتاجه الحتمي للطائفية كلما ضعفت الرابطة القومية او الوطنية.
لقد قدمت لنا تجربة العراق المحتل صورة حقيقية لمخاطر الطائفية نرى انها حسمت الى الابد الجدل حول حكم رجال الدين والمرجعيات الدينية، فلقد حصل الاحتلال بفضل تعاون الطائفية الصفوية، ممثلة بالحوزة الصفوية الايرانية في النجف والتنظيمات التابعة لايران، والاحزاب الطائفية السنية ممثلة بالحزب الاسلامي، وكانت تلك اول خطيئة لا يمكن غفرانها لكلا الطرفين لان التعاون مع الاستعمار الامريكي المدفوع بتاثير صهيوني واضح وثابت اضافة للدافع الراسمالي اللصوصي، انما هو خروج فاضح على كل قواعد الدين والوطنية. دافع الصفويين كان خدمة المصالح الايرانية التي حددتها الزعامة الايرانية بوضوح وهي تدمير العراق العربي المستقل وتقاسمه مع امريكا واسرائيل، في حين ان دافع التنظيمات السنية الطائفية كان تدمير البعث والقضاء على نظامه الوطني! هذا الخروج على الدين لم يكن الخطيئة الوحيدة بل انه انتج الخطئة الثانية وهي التعامل مع الوضع العراقي على اساس طائفي، فكلا التيارين الصفوي والطائفي السني اراد ان يفرض مفهومه للاسلام، فحصل الصدام بينهما وكفر احدهما الاخر واصبح من المستحيل توافقهما.
ان كل حزب ينشأ على اساس طائفي في الاسلام لابد وان يواجه حتمية لا مفر منها وهي تكفير الطرف الاخر علنا او سرا، وهكذا راينا الطائفية الصفوية تعد السنة بصفة عامة نواصب سرقوا الاسلام من اهله ولابد من القضاء عليهم لاجل اعادته الى اهله! اما الطرف الطائفي السني فقد عد الشيعة العراقيون روافض خارجين على الاسلام ولابد من تصفيتهم بهذه الطريقة او تلك! لقد شهد العراق في ظل الاحتلال محاولات متعمدة لاحداث فتنة طائفية كبرى من خلال الاعداد والدعوة لتصفيات دموية طائفية اساسها التكفير، وكان يمكن ان تكون كارثة لا نظير لها لولا المقاومة الوطنية العراقية التي حددت هدفها في تحرير العراق كله، وضمت في صفوفها كل الاطياف العراقية مما ادى الى تحجيم مشروع تمزيق العراق على اسس طائفية. لقد جرت الطائفية المتقابلة العراق الى كوارث انسانية لم تحصل في كل تاريخه واستنزفت قسما كبيرا من طاقات العراقيين في القتال بين هذه الجماعات التكفيرية في الطرفين بينما كان ممكنا ان تضاف هذه الطاقات للحملة الوطنية العظمى لتحرير العراق التي تقوم بها المقاومة.
ماذا كانت النتيجة؟ حفر خندقان طائفيان لا يلتقيان ابدا حولا الصراع من صراع تحرري الى صراع بين عراقيين! وهذه اعظم خدمة قدمت للاحتلال بعد تسهيل غزوه! ومن الملاحظات الخطيرة التي تؤكد ان الطائفية تنتج الخيانة اشهار الطائفيين من الطرفين لمواقفهما الحقيقية، وممارسة كافة اشكال التحقير والشتائم فيما بينهما لدرجة ان الصفويين تعاونوا ويتعاونون مع الاحتلال لنصرة مذهبهم ومقابل ذلك تعاون الطائفيون السنة مع الاحتلال اولا لتدمير العراق وثانيا للقضاء على الشيعة! هذا هو بؤس الفكر والتفكير الديني الطائفي، وتلك نتائجه الحتمية وقانونه المطلق.
ما جرى اعاد طرح السؤال المنطقي التالي : اذا افترضنا ان الاحزاب الدينية السنية والشيعية وصلت للحكم فماذا سيحدث؟ هل ستتمكن من الاتفاق على الحكم بشكل مشترك؟ الجواب الذي اكدته التجربة العراقية هو ان افضل ما تتمناه اسرائيل والغرب هو وصول احزاب اسلامية للحكم، لان الطريق الوحيد الذي ستسلكه هو تطبيق مفاهيمها الطائفية وهو موقف سيخلق رد فعل طائفي من الطرف الاخر وهكذا ينغمس المسلمون في صراع حول من يمثل الاسلام حقا. ان من المستحل تصور امكانية تخلي حزب او جماعة طائفية عن مسلكها او اهدافها والا لم نشأت اصلا الطوائف؟ اننا بازاء مشكلة عملية وفقهية وهي انه لا يوجد تفسير للاسلام متفق عليه بين الطوائف الاسلامية ومن ثم فان سعي هذه الاحزاب لاستلام السلطة هو سير مفتوح نحو الاصطراع الاسلامي – الاسلامي. ربما يقول البعض ان هذا المنطق ان انطبق على العراق لانه منقسم الى شيعة وسنة وبنسبة متقاربة، فانه لا يصلح لاقطار اخرى يشكل السنة فيها الاغلبية. وهذا المنطق دحضته الاحداث الاخيرة، فاولا لا يجوز في الاسلام الحديث عن الاغلبية والاقلية لان الجميع متساوين بمعاييره وبمعايير الوطنية والمواطنة، وثانيا ان الحركة الصفوية تقابلها التيارات الطائفية السنية تتنافس على تبشيرها الطائفي وتصرف مليارات الدولارات لشراء الناس او لاقناعهم بالتخلي عن طائفتهم. انظروا الى التحرك الايراني في سوريا مثلا، حيث الاغلبية سنية ماذا يحدث؟ ايران تصرف الملايين شهريا لشراء فقراء السوريين بالمال لتغيير طائفتهم! انظروا لمصر السنية والتي زجت زجا في حربين تتصاعدان منذ رحيل المرحوم جمال عبدالناصر، فهناك حرب كلامية تتخللها صدامات بين المسلمين والاقباط، وهناك محاولات نشطة لخلق طائفة شيعية في مصر!
وفي المغرب العربي هناك نشاط ايراني واضح جدا لنشر التشيع الصفوي، يقابله نشاط محموم للطائفية السنية للحفاظ على التسنن وعدم السماح بالتبشير الصفوي! لقد جرت الطائفية الامة العربية لظروف هي الاسوأ والاخطر في كل التاريخ الاسلامي، لدرجة ان التامر الصهيوني الغربي وتنفيذ مخططات تقسيم واحتلال اقطار عربية والاعداد لاحتلال اخرى لم يردع الطائفيين ويدفعهم لتوحيد الصفوف لمواجهة اعداء الاسلام، والذي حصل هو العكس تماما، فالطائفية الصفوية تعاونت وتتعاون مع امريكا ضد العراق والسنة، والطائفية السنية تتعاون مع نفس الطرف وهو امريكا للقضاء على التوسعية الصفوية الايرانية! فاي غباء هذا الذي يجعل الطائفيين من مختلف الجهات يرى انه يتعاون مع اعداء الاسلام ضد مسلمين ومع ذلك لا يتراجع! وفي خضم الصراع مع امريكا والصهيونية تتوغل الطائفية السنية والشيعية في مجاهيل اللاعقلانية فتكفر البعثيين رغم انهم يخوضون صراع الحسم مع امريكا والصهيونية! وهذا يعني ان الطائفية حالما تبدأ الياتها الذاتية بالعمل تجد نفسها عاجزة عن ايقاف دوران عجلة التكفير حتى للسلفيين والطائفيين من نفس الجماعة! انها لعنة التفتيت والشرذمة التي اصابت تنظيمات لاترى ابعد من انفها.
وفي ضوء ما تقدم يطرح السؤال التالي : ما الحل؟ هل نتخلى عن الاسلام بسبب هذا الخلل البنيوي في التنظيمات الاسلامية؟ الجواب هو كلا، فالامة لا تستطيع التخلي عن روحها وهو الاسلام، وما يجب فعله هو تحرير الاسلام من السرطان الطائفي عبر العمل من اجل اسلام بلا طوائف، اسلام عام مصدره الاساس القران، وما يتقف عليه المسلمون من السنة النبوية في ضوء ما ورد في القران. كيف ذلك؟ وماهو الطريق العملي للوصول اليه؟ هنا نصل الى الفهم البعثي للاسلام. نعم لقد دعا البعث للعلمانية ولكن اي علمانية؟ انها علمانية عزل الطائفية عن تطبيق الاسلام سياسيا من خلال اعتماد دستور الدولة على الاسلام العام المجرد من الطوائف بصفته المصدر الرئيس للتشريع، لان هذا الاعتماد يفرض حتمية لا يمكن التملص منها وهي نزع المفاهيم الطائفية من الاسلام ليكون قاعدة التشريع الاساسية وتجنب كل ما من شانه اثارة الفتن بين المسلمين. ويمكن تطبيق ذلك بجعل الانتماء لطائفة امرا شخصيا او خاصا لا يدخل في اطار الاسلام المعتمد قاعدة للتشريع في الدولة، وهذا ينطبق على غير المسلمين، فالدولة هي لكل الشعب وليس لطائفة منه مهما كانت صغيرة او كبيرة، والواجب الديني والوطني والقومي يفرض على الدولة ان تمثل الجميع مواطنيها، وان تتجنب كل ما من شانه التمييز بين المواطنين على اي اساس غير المواطنة والمساواة امام القانون.
وهنا يجب ان نوضح بان رجال الدين وبسبب انتماءهم الى طائفة ما لا يصلحون لتولي الحكم مباشرة لانهم سيواجهون مشكلة فقه وموقف اي طائفة يعتمدون؟ لكن ذلك لا يحرمهم من حق ممارسة السياسة بصفتهم مواطنين وتوليهم المسؤوليات العامة في الدولة. بهذه الطريقة فقط يمكن التخلص من سرطان الطائفية ونحافظ على وحدة الاسلام والوطن ونمنع اقتتال المسلمين. هذا هو الفهم البعثي للاسلام وهذا هو المعنى الدقيق للعلمانية البعثية، والتي بخلاف علمانية اوربا لا تتجه لعزل الدين عن الدولة ما دامت الدولة طبقا للبعث عمادها الاساس في التشريع هو الاسلام، بل لعزل الطائفية وحصرهافي مناطق خاصة وشخصية، وليس تصفيتها، لتجنب الانقسامات والصراعات الطائفية.

بماذا تتميز اشتراكية البعث؟
نأتي الان الى اخر مصادر وينابيع البعث وهو الاشتراكية، والتي لفقت الرجعية الدينية ضدها القصص والاقاويل الباطلة خدمة لانظمة فاسدة ومفسدة. كيف يفهم البعث الاشتراكية؟ وهل هي تختلف عن الاشتراكية الشيوعية؟ واذا كان الجواب نعم يطرح سؤال اخر : كيف تختلف واين؟ قبل الاجابة على هذه الاسئلة من الضروري تحديد معنى الاشتراكية لانها ظلمت من قبل التيارات الدينية بشكل عام. الاشتراكية من حيث الجوهر هي الحل المطروح للمشاكل الاجتماعية التي تفسد المجتمع، وفي مقدمتها الفقر الناجم عن فوارق الطبقات الحاد، وما يترتب على الفقر من امراض خطيرة كالامية والفساد والتخلف والصراعات الاجتماعية...الخ. فالاشتراكية بهذا التحديد هي النظام الذي يزيل الفقر من اساسه بتحطيم نظام الفوارق الطبقية الكافرة، وتوفير الحاجات الاساسية للانسان مثل الخبز والتعليم والطب والخدمات الاخرى التي تحرر الانسان من العوز المادي فتتهاوى بقية الامراض الاجتماعية.
الاشتراكية اذن نظام اجتماعي يحمل الدولة مسؤولية توفير احتياجات الانسان الاساسية لاجل تحريره من عوائق الابداع والعمل الاجتماعي المنتج وازالة الشرور التي ينتجها الحرمان والفوراق الطبقية. لذلك فانها نظام انساني واخلاقي في نفس الوقت يعيد للانسان انسانيته ويحفظ كرامته ويوفر له المناخ الملائم للتحرر من الفساد وكل الامراض التي تتولد تلقائيا من الفقر مباشرة او بصورة غير مباشرة. والسؤال الجوهري هنا هو هل يوجد دين سماوي يرفض الاشتراكية مع انها تريد اقامة العدالة الاجتماعية وازالة الظلم؟ الجواب يعتمد على الصورة النمطية التي رسمتها الدوائر الغربية للاشتراكية مقتبسة النموذج الشيوعي على اساس انه النموذج الشائع للاشتراكية. فما هي هذه الصورة النمطية للاشتراكية التي تقبلتها احزاب دينية بلا تمحيص؟ اول مظاهر الصورة النمطية هي صورة اشتراكية الحادية اقترنت بالمادية الجدلية وهي الفلسفة الكونية للشيوعية، والتي اطلقت المقولة الشهيرة : (ان الكون لم يخلقه اله او انسان وانما هو نتاج التطور والصدفة)! ثم اكملت صورة الاشتراكية الظالمة بنشر مقولة الشيوعية ايضا وهي (الدين افيون الشعوب)! بهاذان الموقفان وضعت الاشتراكية في سياق مناقض للدين والايمان الديني دون نظرة موضوعية تمييزية بين الانواع المختلفة للاشتراكية، كما سنرى. اما المظهر الاخر للصورة النمطية للاشتراكية فهي وصفها بانها نظام يلغي الملكية الفردية ويحرم الانسان من التملك. واخيرا وليس اخرا قدم المظهر الثالث للصورة النمطية للاشتراكية بوصفها انها اممية تتجاوز الحدود القومية وتتعامل مع البشر كلهم على قدم المساواة. هل هذه الصورة النمطية للاشتراكية صحيحة؟ دعونا نتناول الاشتراكية البعث لنرى كم ان تلك الصورة ظالمة وغير صحيحة.
هناك ثلاثة اختلافات جوهرية بين اشتراكية البعث والاشتراكية الماركسية – اللينينية، وهي الاختلاف الفلسفي – الديني والاختلاف حول الملكية، والاختلاف حول القومية. فالبعث يرفض الربط القسري المصطنع وغير المبرر بين النظرة الفلسفية للماركسية – اللينينية ، وهي المادية الجدلية التي انكرت وجود الله وعدت الدين افيون الشعوب، ويرى اي البعث، ان الاشتراكية مفهوم اجتماعي يعالج الفقر والفوارق الطبقية واثارهما وليس له صلة بالفلسفة الجدلية ولا باي مفهوم فلسفي اخر يتناول الكون والطبيعة. لقد تناولت المادية التاريخية، وهي الفلسفة الاجتماعية للماركسية – اللينينية، الاشتراكية من زاوية اجتماعية تاريخية، وهذا صحيح، لكنها حينما اعتبرت ان الماركسية - اللينينية هي فلسفة شمولية تفسر المجتمع والطبيعة بنفس الوقت افسدت على نفسها البيئة الاجتماعية للناس الميالين بالطبع للايمان بالله. لذلك فان البعث يرفض المادية الجدلية ويعدها موقفا فلسفيا اقحم على نحو مصطنع على الاشتراكية والتي تقول بان اصل الشرور الاجتماعية هوالحرمان المادي الناجم عن فوارق الطبقات، وهو موقف صحيح، ويرى البعث ان الايمان بالله هو الجزء المقوم في الوعي الاجتماعي السليم والذي يدعم الاشتراكية من زاوية ان العدالة الاجتماعية هي مطلب ديني، لان الله خلق البشر ولم يخلق الفوارق الطبقية بينهم وساوى بينهم في القيمة الانسانية.
ومن مظاهر احتواء الاسلام للاشتراكية التجربة الغنية لعهد الخلفاء الراشدين حيث كانت الثروة تقسم بالتساوي بين المسلمين ولا فرق بين خليفة ومواطن عادي وقصة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع ابنه عبدالله حول قطعة القماش مشهورة، كما ان الامام علي كرم الله وجهه قال (لو كان الفقر انسانا لقتلته) في اشارة الى ان مصدر الشرور الاساسي في المجتمع هو الفقر. في هذا الاطار راينا البعث يرفض الفكر الالحادي الشيوعي منذ نشوءه ويؤكد على ان الاشتراكية البعثية ايمانية وليست الحادية وانها تتوافق مع تعاليم الاسلام وتخدم هذه التعاليم.
واذا تناولنا الميزة الاخرى لاشتراكية البعث وهي انها لا تحرم الملكية على وجه الاطلاق وانما تحرم الملكية الاستغلالية وتسمح بالمكية الفردية على ان تخضع لشرط حاسم وهو انها يجب ان تقع ضمن سيادة الملكية العامة لوسائل الانتاج الكبرى. وبهذا المعنى فان الاشتراكية البعثية توفق ما بين الملكية العامة المسؤولة عن تامين عدالة المجتمع وانتاجه وخدماته، وبين الملكية الفردية التي تلبي الحاجات الطبيعية للانسان في التملك بصفته احد اهم حوافز العمل والانتاج والابداع لدى الانسان. ان منع الملكية الفردية يفضي الى خمول الانسان وتدهور ملكته الابداعية لان الحافز الشخصي للعمل يعطل او يضعف وهذا هو احد اهم اسباب فشل الشيوعية وتدهورها.
واخيرا وليس اخرا فان البعث رفض الاممية الشيوعية لانها كاي اممية اخرى تقفز من فوق القومية مع ان الاممية، سواء كانت دينية او شيوعية، يجب ان تمر اولا بالرابطة القومية، وتعترف بها بصفتها وضعا انسانيا طبيعيا لا يمكن القفز من فوقه. اذ كيف يمكن ان تقام الاممية اذا كانت الرابطة القومية غير مبنية او مقامة؟ يجب اولا اكمال الوحدة القومية قبل التفكير بوحدة اوسع، تماما كالبناء العالي فانك لا يمكنك من الوصول الى اعلاه الا اذا بنيت ادناه.
أذن الاشتراكية البعثية هي نظام اجتماعي يوفر بقواعده البيئة المناسبة لتفرغ الانسان للنشاطات الروحية بلا قلق او ضغط الحاجة المادية او تهديدها للانسان يوميا بعد توفير احتياجات الانسان، وهو نظام يفتح المجال امام النشاط الفردي اقتصاديا لانه عامل ابداع وحافز انتاج، ويكمل دور الدولة في تامين السلع والخدمات لافراد المجتمع الانساني، وبقدرة الاشتراكية على تحرير الانسان من الخوف من غده يتفرغ للعمل المنتج وللقضايا الروحية والثقافية ويلج عالم تفجير طاقاته الانسانية الكامنة ممهدا لرقي الانسان خلقيا وماديا. والسؤال هنا هو : ما الذي يجعل الدين ضد الاشتراكية البعثية؟ بالتاكيد ان الاسلام هو المصدر الاساس لاشتراكية البعث وكل من فهم الاسلام على نحو صحيح توصل الى استنتاج صحيح اخر وهو ان الاسلام بذاته يتضمن الاشتراكية الايمانية.

خلاصات واسنتتاجات ختامية
اولا : ماهي اهم ميزات البعث عن غيره من الاحزاب والحركات الدينية والعلمانية والقومية والماركسية؟ هناك ظاهرة تكوينية ولادية مشوهة او ناقصة في التنظيمات العربية، فهي اما احزاب اسلاموية ترفض القومية والاشتراكية مع انهما ظاهرتان لا يمكن اقصائهما من جسد الامة السليم، او هي احزاب قومية تتنصل عمليا من الاسلام مع انه روح العروبة، واغلبها يهمل الاشتراكية او يتبنى اشتراكية هي في الواقع تخريج بورجوازي او اقطاعي للاستغلال مع ان ازالة الفقر والفوارق الطبقية شرط مسبق لنهضة الامة وتقدمها. وهناك احزاب اشتراكية كالاحزاب الشيوعية ترفض الاسلام والقومية لذلك تبقى الامة تعاني من مشاكل التجزئة في عصر الكتل الكبيرة وزمن الفقر الروحي الذي لن يزول الا بالاسلام. البعث نجح في دمج كل هذه الضرورات الحياتية فبرز حزبا قوميا اشتراكيا روحه الاسلام. واذا نظرنا الى الساحة العربية لن نجد حزبا اخرا يجمع هذه السمات الثلاثة. يضاف الى ذلك ان البعث هو التنظيم العربي الوحيد الذي انتشر في الوطن العربي ويعمل تحت قيادة واحدة وتنظيم واحد ليعبر عن وحدة الامة العربية على المستوى الشعبي تمهيدا لقيام الدولة العربية الواحدة من المحيط الى الخليج العربي. لذلك لا يمكن للمرء الا ان يرى في ظل الاوضاع الحالية ان البعثي هو وحده من يحمل في يمينه القران وفي يساره الاشتراكية وفي عقله القومية وفي قلبه الحرية. وتلك اسلحة جبارة وبالغة الحسم يقاتل البعثي بها وهي متعددة ولا يملكها غيره.
ثانيا : بدمج هذه العناصر الجوهرية الاربعة وتجسيدها فكرا وتنظيما في البعث اكتسب هذا الحزب صفته التاريخية، وهي صفة لا تسبغ الا على الاحزاب والحركات التي تستمر عقودا وقرونا من الزمن لانها تحمل رسالة عظمى يحتاج تطبيق مضامينها الى مراحل زمنية طويلة. ان الحزب التاريخي هو الذي لا ينشأ تلبية لرغبة فردية او طارئة بل هو ذلك التنظيم الذي يحدد امراض الامة ويقرر العلاجات الجذرية لها ثم يبدأ عملا ستراتيجيا طويل المدى لتنفيذ اهدافه ، بمعزل عن قياداته التاريخية او التي تليها بحكم تقدم الزمن. فالحزب التاريخي حركة تخضع لاليات موضوعية تستقل حتى عن مؤسسيها ومن يتولى القيادة فيها. ولعل افضل تجسيد لتاريخية البعث هو انه يعمل على تحقيق اهداف عظمى وجوهرية لا تتحقق بسهولة بل تحتاج لنضال قاس وتضحيات لا حدود لها وزمن طويل وخدمة اجيال متعددة، فتتكون سايكولوجيا تاريخية لدى مناضلي الحزب تنقلهم من كونهم افرادا عاديين الى نوع خاص من البشر سمته الابرز انه صاحب رسالة يهب نفسه للامة وقضاياها ويتقبل الموت من اجلها كضرورة من ضرورات الحياة النضالية. وهذه الصفة غابت عن حياة العرب منذ انتهاء عصر الصحابة ووجدها العرب في البعثيين الذين جسدوا مفهوم البطولة الاسطورية ورفض الخنوع والاستسلام للعدو الخارجي وللديكتاتوريات داخل الوطن العربي. ان البعث في العراق قد فتح ابواب تجذره واكتسابه الصفة التاريخية اعتبارا من محاكمات المهداوي (1959) التي شهدت بطولة نادرة عبر عنها من كانوا في قفص الاتهام يواجهون احكام الاعدام دون اي خوف او تراجع، وكان ابطال البعث يردون على المهداوي شتائمه بكلام قاس ويتحدونه ويتحدون الديكتاتور قاسم رحمه الله. وبعد حوالي نصف القرن من تلك المحاكمات شهد العالم مجددا دليلا اخرا على تاريخية البعث حينما اسر قائده الرفيق صدام حسين امام المجاهدين فك الله اسره، وقسم كبير من قيادته نتيجة احتلال العراق، ووقفوا يتحدون الاستعمار واعوانه ويحولون المحاكمة الى منبر لتعبئة الملايين من الناس ولتجنيد الاف البعثيين الجدد وكشف الاحتلال، وهكذا بدل الاستمرار في شيطنة البعث عبر تلفيق الاكاذيب برز البعث حزبا لافضل المناضلين واشدهم ايمانا بالله وبالمبادئ السامية للبعث.
ثالثا : لقد سبقت البعث حركات ورافقته اخرى على طريق النضال، واعقبت نشوءه احزاب كثيرة، وبعض هذه التنظيمات نشات تلبية لحاجة حقيقية لكنها نكصت وتراجعت وتلاشت او اصبحت هامشية لانها لم تكن تمثل الامة بكامل احتياجاتها القومية والاسلامية والاشتراكية بل اختارت التعبير عن جانب من مشاكلها، فكتب على تلك التنظيمات الزوال وبقي البعث متألقا يضيء سماء الامة العربية بافكاره ومبادئه السامية. وهذه الحقيقة تفرض على كل منصف وموضوعي ان يبحث فيها ويتامل في دلالاتها، من خلال السؤال التالي : لم بقي البعث رغم اعدام واغتيال الالاف من مناضليه وشن حملات شيطنة له هي الاكبر والاذكى في كل التاريخ الانساني، فيما زالت احزاب اخرى لم تتعرض لجزء بسيط مما تعرض له البعث؟
رابعا : لقد طور البعث مفهوما جديدا عصريا وعمليا للاسلام، من حيث التطبيق والممارسة، وهو انه طرح مفهوم الاسلام العام المجرد من الطائفية والطوائف بصفته المصدر الاساسي للتشريع في الدولة البعثية وطبق ذلك فعلا، فنجح في تجاوز مخاطر الشرذمة داخل الاسلام الناجمة عن الطائفية التكفيرية بكافة اشكالها. فالاسلام البعثي هو الاسلام العام المجرد من الطوائف والمعتمد على القران الكريم بصفته المرجع الحاسم في تقرير صواب او خطأ كل ما ورد في التراث الاسلامي من اتجاهات في المجتمع والحكم على الفتاوى والنظريات الاجتهادية الدينية. ان الاسلام العام هو وحده الذي يسمح بانطلاقة عربية وحدوية وتقدمية واسلامية ناجحة وبلا عقد وتحديات التشرذم الطائفي الذي لا يحقق الا اهداف اعداء العرب والمسلمين.
خامسا : الاسلام كدين لا يكفي لوحده للبقاء والانتشار وتطبيق مبادئه لانه بحاجة لبيئة صحية تسمح بفعله الخلاق، وهذه البيئة هي الجسد المادي له الذي يسنده في حركته الاجتماعية والنضالية، ويستخدمه كقوة روحية لا تقهر عندما تجتمع بجسد مادي. فما هو الجسد المادي للاسلام؟ انه القومية العربية التي كانت قاعدة الفتوحات الاسلامية عند بدء الرسالة الاسلامية، والتي كان ضعفها السبب الرئيسي في تدهور الخلافة الاسلامية. ان قوة الدولة لا تكون مستمرة ومتطورة باستمرار الا اذا اعتمدت على عنصرين عنصر الروح، وهو الاسلام، وعنصر المادة والجسد لتلك الروح وهو القومية العربية. وبتكامل هذين العنصرين تحدث النهضة القومية والاسلامية. اما اذا اعتمدنا على نظريات خيالية تقول بان ابناء الامة الاسلامية دون تمييز يمكنهم بناء الدولة الموحدة لكافة العرب والمسلمين فاننا لن نصل الى الاهداف المرسومة بل سنصطدم بجدار العصبيات القومية العنصرية الفاعلة داخل شعوب اسلامية مصالحها القومية اقوى وارسخ من اسلامها. وتجربة العرب مع الفرس اثناء حياة الدولة العباسية مثال على هذه الحقيقة، كما ان دور ايران الان القائم على التعاون مع امريكا لتسهيل غزو العراق وافغانستان وتدميرهما وتنفيذ مخطط اسرائيل لتقسيم الوطن العربي طائفيا وعرقيا، كما اعترف خاتمي وغيره رسميا، هو تأكيد على اسبقية الانتماء القومي على الانتماء الديني لدى الفرس. من هنا فان نشر مبادئ الاسلام هي بالاصل مهمة العرب ورسالة العرب، وبترسيخ دور العرب هذا في قيادة النهضة العربية والاسلامية يمكن دمج دور الشعوب الاسلامية الاخرى في دائرة محكمة التحديد وبعد خلق توازن ردع يمنع طغيان النزعات والمصالح القومية داخل الحركة الاسلامية العالمية كما يحلم البعض.
سادسا : لماذا فشلت كل محاولات اجتثاث البعث منذ الهجمة الشيوعية والقاسمية والبارزانية الدموية في عامي 1958 و1959 وحتى الغزو الامريكي، الذي تبنى لاول مرة في تاريخ العالم شعارا جسده في قانون اسمه (قانون اجتثاث البعث)؟ لقد فشلت محاولات اجتثاث البعث، رغم اعدام الالاف من مناضليه وتعذيب الاف اخرى منهم حتى الموت، لسبب بسيط وهو ان البعث حركة تاريخية لها اهداف حبيبة على قلوب الجماهير وتجد فيها انقاذا لها من واقع التخلف والظلم والفساد والضعف، ولذلك وما دامت هذه الاهداف (الوحدة العربية والحرية والاشتراكية) غير متحققة فان البعث سيبقى خالدا تتبدل قياداته وتتغير بيئته لكنه يبقى جبلا راسخ الصمود يتحدى الاعاصير ويدفع بالامة العربية نحو فجر التحرر من الاستعمار والجوع والتخلف والفساد الاجتماعي والروحي.
سابعا : واخيرا وليس اخرا من الضروري الانتباه الى حقيقة بارزة ومهمة جدا وهي ان البعث ينفرد من دون كل القوى السياسية ودون استثناء، اسلاموية وعلمانية، بكونه حزبا يجمع بين اهم اشتراطات الاسلام بشكل خاص والديانات السماوية الاخرى بشكل عام، وهو انه حزب انقلابي يشترط على البعثي ان ينقلب على ذاته اولا كي يستطيع قلب المجتمع الفاسد. بمعنى انه حزب يعيد تشكيل قيم واخلاق ومنطلقات مناضليه الاجتماعية، بتحريرهم من سيئات وموبقات المجتمع الفاسد، ليتمكنوا من التحول الى قدوة محترمة، وهذا هو منطلق الاحزاب الدينية، ولكن البعث لا يكتفي بالوعظ التربوي والاخلاقي بل انه يخوض تجربة تغيير المجتمع ماديا وجذريا بالقوة او بغيرها لاجل القضاء على ينابيع الفساد الاساسية، وهي الفقر الذي ينجب اولاده الشرعيين : الامية والتخلف والانحطاط الاخلاقي بكافة اشكاله، وتلك هي مهمة الاحزاب الاشتراكية والدنيوية. من هنا فان البعث يحتوي ويجمع في روحه، وعلى نحو عبقري وخلاق، بين متطلبات الدنيا والدين، ويدمج بين قوانين الحياة الواقعية، وفي مقدمتها ان الانسان الحر لا يمكن ان ينشأ الا في مجتمع حر ومتحرر من الجوع والامية والتمييز، وبين قوانين الاسلام وفي مقدمتها ان المسلم كي يكون مسلما عليه ان ينقلب على ذاته اولا وقبل ان يتولى مسؤولية تغيير المجتمع.
أيها البعثيون: هل عرفتم الان سر خلودكم وخلود رسالة البعث وقدرته على التغلب على كل التحديات والعودة اقوى واصح وارسخ مما كان بعد كل جولة اضطهاد يتعرض لها؟

salah_almukhtar@yahoo.com

شبكة البصرة



رد - خالد - 06-08-2013

عزيزي دكتور أكس،

أي فكرة يراد لها أن تحكم، بغض النظر عن كونها نبيلة أو حقيرة، لا بد أن يعمل لها بين الناس لإيجاد رأي عام حولها يؤيد تحكيمها أصولا وفروعا في المجتمع، وهذا لا علاقة له بصواب الفكرة أو خطئها، ويستوي فيه كون الفكرة هي الديمقراطية، الشيوعية، النازية، وخلافه.

لا يمكن أن نفكر بالانقلاب أو التحكم الانقلابي بالمجتمع، لأنه سيؤدي إلى أمراض أكبر من التي أتينا لعلاجها، لكن من الممكن أن نفكر بإزاحة الحواجز بين الناس والأفكار بالقوة.

النظام السوري هو حاجز حديدي بين السوريين وكل الأفكار السياسي بعجرها وبجرها، ولا يمكن الحديث مع السوريين عن أي نظام سياسي بغض النظر عن لونه حتى يتم خلع هذا الجدار الحديدي أولا. ومن عناصر هذا الحاجز الحديدي حزب البعث، لذلك لا بد من خلعه معه. وهنا لا نقال أننا نحقق انقلابا ديمقراطيا، فهذه التسمية خاطئة، بل يقال هنا أننا أزلنا الحواجز بين الناس والمفاهيم السياسية بعامتها، وبعد ذلك كل جماعة سياسية مهمتها هي أن تعمل بين الناس لترسيخ فكرتها وتثبيت مبدأ أن هذه الفكرة وما يتولد عنها من معالجات ومفاهيم قادرة على حل المشاكل اليومية المتكاثرة للمجتمع، حينها سيثق الرأي العام بهذه الفكرة إلى الحد الذي يجعله يقبل بها أن تصل إلى الحكم، أو أن يعمل لإيصالها إلى الحكم، ويعمل أن يحافظ عليها من الانتكاسة والخروج من الحكم لاحقا.

هذا يحتاج عملا جبارا، لكن وقته ليس اليوم، كل فجر وله أذان كما قال المثل المصري. والآن وقت كسر الحواجز وليس التنظير والكلام والإقناع.


البعث منه براء. - Dr.xXxXx - 06-08-2013

إذن فيتحول السؤال إلى إمكانية القدرة على علاج المجتمع..
هل برأيك يمكن علاج مجتمع ما فكرياً عن طريق نظام حكم ولو كان مثالياً؟ طبعاً الجواب مستند على معطيات واقعية وليس نظريات من مجتمعات أفلاطون.
في حال تطبيق النظام الديموقراطي بعد استعمال القوة أتوقع أن نصل إلى هذه النتيجة:
القوة التي ستهدم الحواجز الفكرية في المجتمع ستُكوّن بنفسها حاجزاً فكرياً.. بالضبط كالمناعة الذاتية، سيفقد المجتمع بوصلته إلى الأبد ليصل إلى مرحلة من مرحلتين، إما حرب أهلية دائمة، أو مجتمع مائع يتقبل أي فكر جديد دون فلترة لانعدام قدرته عليها.

لكن سؤالي من الأساس كان عن فكرة الديموقراطية نفسها، هل برأيك هي نظام صالح أم لا؟


الرد على: ليس بعثيا، بل والبعث منه براء - زحل بن شمسين - 06-08-2013

صنميات قرن الخداع الشامل : ما هي صلة ايران واسرائيل وامريكا
بعد بروتوكولات حكماء صهيون : هل توجد بروتوكولات حكماء الفرس؟ (1)

صوت شيطاني : أنت تخدع اذن انت مسعود

http://www.albasrah.net/ar_articles_2006/0806/mukht_300806.htm



صنميات قرن الخداع الشامل : ما هي صلة ايران واسرائيل وامريكا
بعد بروتوكولات حكماء صهيون : هل توجد بروتوكولات حكماء الفرس؟ (1)

شبكة البصرة
صلاح المختار

صوت شيطاني : أنت تخدع اذن انت مسعود

والمسعود ليس مسعود البرزاني فقط بل هو ايضا علي خامنئي ونهجه الشوفيني الصفوي التوسعي، وبنيامين نتنياهو رمز التوسعية الاسرائيلية، وجورج بوش العوبة النخبة الانكلوسكسونية الحاكمة في امريكا، فهؤلاء هم أبرزاقطاب عصر الخداع الشامل وهم عبدة اصنامه وصانعي صنمياته! انني اجزم ان البشرية لم تشهد في تاريخها كله زمنا صار فيه الخداع مهنة الاكثر ثراء، والاكثر تقدما مدنيا، واحتل المركز الاول بلا منازع على عرش عهر الضمير، كما يحصل في عصرنا المعولم هذا، عصر تعهير كل شيء من احقر الاشياء وادناها في سلم الغرب وهو الضمير، الى اعلاها شانا في نفس السلم وهو الدولار. أن اخطر مظاهر عصر ما بعد الحرب الباردة بروزا وطغيانا عولمة عهر الضمير، بحيث صار مصدروا الديمقراطية وحقوق الانسان في اوربا وامريكا الشمالية يصدرون بضاعتهم الاصلية التي من ارباحها اقاموا رفاهيتهم : ابادة شعوب الاطراف لاجل نهب ثرواتها، وفقا لسياقات ما كان يسمى (المركزية الاوربية) في عصر الاستعمار، والتي صارت المركزية الامريكية في عصر الايدز المزروع عمدا في ارحام البشرية البائسة في الاطراف.

وابادة (الشعوب الملونة) ليس هوسا بوشيا، ولا هو من عنديات (المحافظون الجدد)،
بل هو تجل صارم واصيل لتطلعات نخب اوربية امريكية شمالية، مزروع في نخاعها الشوكي منذ وطأت ارجلها امريكا،لابتلاع كل ما هو ثمين وسمين لدى الاطراف حتى لو ادى ذلك الى دفن مئات الملايين من شعوب الاطراف وهم احياء، وتحويله الى رفاهية ملعونة للجنس الابيض حتى لو كانت معدته تئن من تخمتها وراس صاحبها ينام على وسادة صنعت من شعر ملايين الاطفال الذين رحلوا قبل ان ينبت الشعر في وجوههم! ان ما اطلق عليه تسمية (تقرير عام 2000)، والذي اصدرته وكالة المخابرات المركزية الامريكية في السبعينيات حينما كان جورج بوش الاب مديرا لها، يكشف بصراحة ان امريكا قد خططت لابادة الشعوب الملونة أي السمر والسود والصفر كي يبقى الجنس الابيض الانكلوسكسوني مسيطرا على العالم بلا منازع!
انها كارثة البشرية الاعظم في تأريخها التي تجسدت في قفز قرد ابيض الى مسرح العالم، مستغلا زمن غفوة الاطراف التي صنعت اول الحضارات البشرية، وهو يحمل ابتسامة ملوثة بفايروس الايدز اسمها (الخداع الشامل)، والعالم كان لا يعلم ماهو الايدز الذي دس في أبتسامة ذلك القرد، فبدأت المأساة، واخذت الملايين تتساقط وهي تذوي دون ان تعلم لماذا، والقرد يضحك وهو يعرف سر موت الملايين لانه هو الذي وضع الفايروس عمدا فوق تفاحة قدمها اليهم باسم التحضر، ونسج حولها اكاذيب جميلة لم يسبق للانسان الطيب ان سمع بها من قبل مثل حقوق الانسان والحيوان والديمقراطية!
انهم يخدعون العالم عن عمد وتخطيط، ويلقون الضمير في زبالات احياء الاحتضار، خصوصا ان الدب الروسي مات بعد ان تعاطى جرعة مخدرات كبيرة، وبعد ان رحل التنين الصيني الى جزيرة نائية مستمتعا بدف شمس احلام المستقبل، وهكذا اصبح القرد الابيض قادرا على ممارسة احقر انواع عهر الضمير دون خوف من رادع. والخداع الشامل هو ابرز تجليات عهر الضمير، ونحن العرب اهم ضحايا هذا السلاح الفتاك، لانه يجردنا من حصانتنا، ويضعنا مام تحديات قاتلة ونحن لا نعرف اننا متجهون الى الموت والابادة، او نعرف لكننا، وبسبب الخداع الشامل، نجد انفسنا حائرين في فهم حقيقة ما يجري، عاجزين عن الامساك براس كبابة الخيوط، او رؤية الضوء في نهاية النفق، فنمشي نحو حتفنا حتى حينما نظن باننا ندخل بيت الامان.
وابرز ما يواجهنا الان من مخاطر قاتلة هو ذلك التمويه الخطير والمدمر للدور الايراني

في الوطن العربي بشكل خاص وفي العالم الاسلامي بشكل عام. اننا وعبر تجارب كارثية اكتشفنا وتيقنا بان الغرب والصهيونية هما مصدر مأسينا واصبح الطفل لدينا يعرف ذلك، لهذا كان من الحتمي خداعنا بواسطة خطر جديد لا نفهم دوافعه الحقيقية وان فهمنا لا نصدق او لا يصدقنا البعض، فكما احتجنا الى عقود من الزمن لنتيقن ان الصهيوينة وداعميها وحماتها في الغرب هم مصدر الخطر المميت، فان البعض يحتاج لعقود للتيقن من ان ايران الصفوية هي الاخرى تشكل خطرا مميتا على العرب! وحينما نكتشف تلك الحقيقة ربما بعد فوان الاوان نكون قد تمددنا في قبورنا، ان كنا كعرب سنجد قبورا ونحن نرى فيلق بدر وجيش المهدي ينتشران من موريتانيا الى اليمن، ولا يكتفيان بقتل العرب بل يتلذذان بتشويه جثث قتلانا ثم رميها في المزابل او المياه الثقيلة والاسنة بعد ان تفقد ملامحها كما يفعلون الان في العراق! ان الة الدعاية الجهنمية الغربية وبالتعاون مع الالة الايرانية الصفوية العريقة في فن الخداع والتغلغل الشامل خصوصا في زمن العباسيين، وضعت العرب شعبا وحكاما امام معضلة فهم حقيقة الصلة بين ايران وامريكا واسرائيل، ففي حين ان ظاهر الامور كان يشير الى وجود خلافات عميقة بين ايران خميني والطرفين الاخرين الا ان ثمة مؤشرات قوية جدا تنبه الى ان ثمة قواسم مشتركة تربط هذه الثلاثي حينما يتعلق الامر بالامة العربية رغم ان التنافس على الغنائم موجود بينهم! ان ما يجري في العراق خصوصا منذ غزوه في عام 2003 يقدم لنا صورة شائكة بالنسبة للبعض في فهم الدور الحقيقي لايران.
والارباك في الفهم ناجم عن ان هذه الاطراف تحترف مهنة لا يتقنها العرب، مع الاسف الشديد، وهي التخطيط الطويل المدى لتحقيق اهداف ستراتيجية عظمى تحتاج لعشرات السنين، وربما مئات السنين احيانا لتنفيذها، بحيث لا يكتشفها من تعود على التفكير العفوي والاني. كما ان هذا الخداع الشامل يستخدم التقية وسيلة للخداع والتغلغل داخل صفوفنا، والتقية هي تمثيل ادوار لاجل خداع الطرف الاخر وتضليله. واذا نظرنا الى تاريخنا سنجد ان بلاد فارس كانت حينما تضعف او تريد تسهيل الغزو تعتمد على الخداع او القوة المجردة، واوضح مثال على الخداع هو البرامكة واختراقهم للدولة العباسية ونخرها من الداخل لان العرب كانوا اقوياء جدا ولا يمكن دحرهم في الحرب. مقابل ذلك نجد ان استخدام القوة من قبل الفرس، متمثلا في التمردات الكثيرة على العباسيين وفي مقدمتها تمرد بابك الخرمي الذي استمر حوالي عشرين سنة وانهك العباسيين، يكمل دور البرامكة السلمي ضمن ستراتيجية واضحة تقوم على نزع الملك من العرب! اما الصهيونية فهي الاخرى تخطط على حسابنا لمئات السنين اضافة للقرد الجديد الاتي الى مسرح العالم وهو النخبة الانجلو- سكسونية، التي خططت لنهب العالم والسيطرة عليه بكافة الاساليب وفي مقدمتها الخداع الشامل.
وهذا الحال يفرض علينا ان نعيد النظر بما حدث، وبما يحدث، لاجل اكتشاف الحقائق وادراك ما يحيط بنا وتحديد حركة ارجلنا وهي تسير، وفقا لنقد وتحليل عقلانيين يعتمدان على متابعة ودراسة كل الاطراف ودون فرضيات مسبقة بل يجب الاعتماد فقط على الواقع الملموس والتنقيب فيه وخلفه وتحته وفوقه حتى نصل الى تكوين صورة متكاملة عن محيطنا وبيئتنا الاقليمية والداخلية وما فيها من تحديات ومخاطر ووحوش.


تأملوا فقط كيف ان فلسطين اغتصبت بعد عمل استمر حوالي نصف قرن منذ مؤتمر بال
[/align] في سويسرا الذي قرر الاستيلاء على فلسطين، والانطلاق منها لاقامة اسرائيل التوراتية على الرقعة الجغرافية الممتدة بين الفرات والنيل. والان وصلنا الى حد تفتيت المفتت من الاقطار العربية، كمقدمة لنشوء اسرائيل التوراتية طبقا لمخططات لخصت في ما يسمى (بروتوكولات حكماء صهيون) التي انكر وجودها وعدت مؤامرة ضد الصهيونية العالمية مع اننا نرى تطبيقها اليومي على الارض. وعلى الجهة الاخرى انظروا الى ايران التي فقدت امبراطوريتها حينما جاء الفتح العربي الاسلامي ومنذ ذلك الوقت اصبحت ايران (الاسلامية) مصدر اخطر التحديات المجاورة التي تواجه العرب والمسلمين. ففي زمن الخلفاء الراشدين كانت العناصر الفارسية منبع الفتن والاغتيالات والانقسامات واهمها واخطرها تحويل الخلاف السياسي حول الخلافة الى انشقاق مذهبي خطير! ثم جاء اسماعيل الصفوي ليختار من التشيع اسمه وشكله فقط تهربا من الخضوع للولاية العثمانية، ففرضه بانهار من الدم، واصبحت ستراتيجيته هي اقامة امبراطورية فارسية باسم التشيع الصفوي كغطاء للمطامع الفارسية القديمة.
واستمر النهج الصفوي الفارسي الصريح حتى سقوط الشاه محمد رضا بهلوي وقيام نظام ادعى انه اسلامي، لكنه وبفضل النظرة الشوفينية الفارسية غلف المطمح الامبراطوري القومي للشاه باسم (الثورة الاسلامية) ونشرها تطبيقا لخطط مشابهة لخطط الصهيونية تضمنتها (بروتوكولات حكماء فارس)! وكانت النتيجة المؤلمة هي ان العالم الاسلامي يشهد منذ وصول الملالي للسلطة أسوء مراحل تاريخه من حيث الكوارث والازمات والحروب الطاحنة والانشقاقات المذهبية!
هل كنا نحن العرب نخطط مثل النخب الفارسية او النخب اليهودية للمستقبل من اجل الحفاظ على وجودنا وليس التوسع على حساب الغير؟ وهل وضع حكماء العرب بروتوكولات كتلك التي وضعها حكماء بني صهيون او كتلك التي وضعها حكماء بني فارس لضمان التوسع على حسابنا وحساب ارضنا ومستقبل أبناءنا وفقا لخطط شاملة وبعيدة الزمن؟ كلا بالطبع فاننا خصوصا النخب الاكاديمية والسياسية والانظمة الحاكمة لا نفكر ابعد من انوفنا، لذلك واجهنا النكبات والماسي المتواترة والتي لم تنتهي حتى الان! من هنا علينا اذا اردنا انقاذ انفسنا واطفالنا من العبودية للغرب واسرائيل وايران ان نفهم اللعبة المشتركة بين هذه الاطراف والتي تتمحور حول كيفية السيطرة على الامة العربية وتقسيمها لاجل نهبها واستعمارها.

ومضة ضوء تذكيرية
منذ اسقط الشاه بدعم غربي واضح، وحولت ثورة الشعوب الايرانية التحررية الى محض ثورة ظاهرها طائفي لكن مهمته الاساسية تغطية مطامع توسعية شوفينية فارسية، تمثلت في صعود الخمينية في ايران والمنطقة، بصفتها تجديد عصري لمطامح امبراطورية فارسية عتيقة بدأ نظام خميني دعوته العنصرية، المغلفة بغطاء اسلامي طائفي اطلق عليه اسم (تصدير الثورة الاسلامية)، واخذت المؤشرات تترى واحدا اثر الاخر لتزرع يقينا متناميا عام 1979 بان ايران خميني تنفذ مخططا يقوم على تقسيم الوطن العربي والعالم الاسلامي على اسس طائفية ظاهرية تموه الهدف الفارسي العنصري التوسعي، وهو اقامة امبراطورية فارسية تتستر باسم الاسلام. وهذا يعني عمليا تغيير خارطة العالم الاسلامي والذي ستكون بدايته في العراق كما اعلن خميني ونهايته في كوالالامبور! ووقعت الحرب العراقية الايرانية نتيجة اصرار خميني على اسقاط النظام الوطني في العراق واقترن ذلك بزرع اعنف واخطر الاضطرابات في الوطن العربي والعالم الاسلامي.
كما ان هذا النهج التوسعي تزامن مع وصول اليمين الاسرائيلي الى السلطة واعادة العمل في برنامج التوسع الصهيوني على اسس حديثة تمثلت في تحييد مصر في الصراع والتركيز على العراق بعد النقل الرسمي لمحور التركيز الامريكي من اوربا الى الخليج العربي منذ منتصف السبعينيات. واخيرا وليس اخرا طرح عوديد ينان المستشار الخاص لمناحيم بيجن صيغة عصرية للبروتوكولات الصهيوينة عام 1980 والتي اطلق عليها اسم (خطة لاسرائيل في الثمانينيات) قامت رسميا على تقسيم الاقطار العربية، كلها ودون استثناء من موريتانيا الى اليمن، على اسس عرقية وطائفية. وكان اساس الخطة هو دعم اسرائيل والصهيونية لايران خميني من اجل اسقاط النظام الوطني في العراق كما قال ينون. منذ حصل ذلك اخذت اسئلة مهمة تفرض نفسها ومنها :
ما هي علاقة نهج خميني بالغرب واسرائيل ، هل هي علاقة صراع عدائي رئيسي، كما تبدو الصورة الظاهرية؟ ام هي علاقة تحالف مخطط له؟ ام هي لقاء ستراتيجيات كما بدت الصورة على ارض الواقع خصوصا في العراق؟ وازدادت هذه الاسئلة اهمية وخطورة عقب غزو العراق ولعب ايران الدور الحاسم والاساسي فيه، بعد الدور الامريكي. وكان الجواب يعتمد على زاوية رؤية السائل، فمن كان بعيدا عن منطقة التجاور العربي - الايراني كان لا يرى الا شعارات ايران الاسلامية، وكان ذلك المنظور يفضي الى التعاطف مع ايران، خصوصا وانها رفعت شعارات حبيبة على قلوب العرب والمسلمين، اهمها دعم نضال الشعب الفلسطيني، وانشأت أذرع عربية لها في اكثر من مكان لتقوم بدور خطير غير معلن لكنه مرئي، وهو تبييض وجه ايران الذي بشعته جرائمها في العراق وجعله مقبولا من قبل العرب والمسلمين الأبعدين عن ساحة التجاور، بتبني مواقف مع الشعب الفلسطيني، تنفيذا لتكتيك التقية المعروف في بروتوكولات حكماء بني فارس، حتى حين تكون ايران في حالة غزو مع العرب الأقربين، مثل غزو جزر الامارات العربية، او في حالة حرب وجود، مثل الحرب العراقية الايرانية، او غزو العراق واسهام ايران فيه بدور رئيسي.
لكن من كان يعيش في جوار ايران من العرب كان يرى العلاقة من منظور اخر مختلف تماما، فايران، بالنسبة للعرب الاقربين، هي حاضنة ومنبع اخطر واقدم حركة توسع على حساب العرب في الخليج العربي والجزيرة العربية عمرها الاف السنين، ظهرت قبل الاسلام بكثير وقبل ظهور الصهيونية بزمن طويل، وكانت تستبطن، وتعبر عن،(حتميات) جيوبولتيكية منفصلة عن الحكام ونواياهم الشخصية، قررت مسارات العلاقات العربية – الفارسية عبر اكثر من ثلاثة الاف عام، خصوصا على جبهة العراق وبلاد فارس، حيث تمحورت الصراعات والتفاعلات، ومنها انتشر اشعاعها الى دائرة تتوسع تدريجيا لتشمل اجزاء اخرى من الوطن العربي. في ضوء هذه الحقيقة التاريخية كان عرب جوار ايران ينظرون اليها بعين الشك والتحسب او بعين الرفض والعداء.
وبعد غزو العراق دخلت العلاقات العربية - الايرانية مرحلة خطيرة جدا بعد ان لعبت ايران الدور الاقليمي المباشر الاخطر (الدور الاسرائيلي مختف خلف امريكا) في تدمير العراق


وقتل واضطهاد مئات الالاف من اهله، ونهبه بصورة منظمة ومخططة، والعمل على تغيير هويته العربية بزرع الفتنة الطائفية وادخال اربعة ملايين ايراني فارسي وكردي غير عراقي الى العراق ومنحهم الجنسية العراقية وبدعم امريكي كامل، لايجاد توازن سكاني جديد يصبح العرب فيه اقلية او في افضل الحالات قومية من بين قوميات متقاربة العدد لتسهيل تقسيمه لاحقا مع ان القومية العربية قبل الغزو كانت تشكل اكثر من 85 % من سكانه! لذلك توقف الجميع، اولئك الذين نظروا الى ايران بعين ملدوغ متشكك، او اولئك الذين نظروا اليها بعين مسلم يتعاطف مع كل مسلم، وطرحوا سؤالا مهما جدا وطري جدا وهو : هل حقا ان ايران خميني وخامنئي تحركت وما زالت تتحرك بدافع اسلامي؟ ام بدافع قومي فارسي يتبرقع باسم الاسلام للسيطرة على ارض النهرين والخصب، قديما، وارض الخصب والماء والنفط حديثا، والتي تعدها ايران خلال اكثر من ثلاثة الاف عام منطقتها الحيوية جيوبوليتيكيا؟
ان ما حدث ويحدث في العراق منذ الغزو الصهيو- امريكي- ايراني للعراق، من تدمير منظم له شعبا وبنية تحتية ووحدة وطنية وتصفيات جسدية للعلماء والمبدعين ونهب المعامل والاموال وتدمير اثار العراق وتغيير تكوينه السكاني...الخ، والذي لعبت فيه ايران الدور التنفيذي الاخطر من بين كل من ساهموا في الغزو بعد امريكا، اجبر حتى اشد انصار ايران من العرب، بل اجبر حكام ايران بالذات على الاعتراف بان ما يحرك ويقرر اهداف ايران الستراتيجية هو مصالحها القومية وليس الاسلام او الطائفة.


في مطلع عام 2004 وفي مؤتمر عالمي في ابو ظبي وقف السيد محمد علي ابطحي، نائب الرئيس الايراني محمد خاتمي وقتها، ليعترف بما كانت ايران وتوابعها العرب ينكرونه بشدة، وقال : لولا ايران لما نجحت امريكا في غزو العراق وافغانستان. وفي نهاية ذلك العام، وقف الرئيس الايراني شخصيا ليقول الشيء ذاته ويعترف مجددا بانه لولا ايران لما نجحت امريكا في غزو العراق، ودخل على هذا الخط هاشمي رفسنجاني، رئيس (مجلس تشخيص مصلحة النظام) اثناء حملته الانتخابية عام 2005وتنافسه مع احمدي نجاد ليقول للسي ان ان معاتبا ان امريكا تنسى انه لولا دعم ايران لما نجحت في غزو العراق.
اذن نحن بأزاء صورة قديمة خدعت الكثيرين وصورة جديدة حررت الكثيرين من اوهام (تحررية واسلامية) ايران خميني وتوابعها التنظيمية، واجبرت الجميع، بما في ذلك اتباع ايران العرب، على التساؤل عن صواب او عدم صواب التقويم السابق لايران خميني. كما انه وضع انصار ايران في اضعف موقف منذ جاءت الخمينية، لدرجة ان احد اشد دعمي ايران في لبنان واسمه هاني فحص قد قال علنا اثناء لقاء له مع فضائية العربية بان ما يحرك ايران في سياستها الخارجية هو مصلحتها القومية وليس الاسلام. والسؤال هنا بعد غزو العراق هو هل انتهت مرحلة التماهي مع الاسلام والتبرقع بغطاء الطائفة وبدات مرحلة العمل المباشر باسم مصلحة ايران القومية؟ واذا كان الجواب نعم ان ايران تفقد الغطاء الاسلامي المناهض لامريكا واسرائيل، ويحل محله وجه قبيح وبشع نتيجة الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها في العراق، فان سؤالا اخرا يفرض نفسه وهو : هل ستتوقف ايران عن محاولة انقاذ مشروعها الامبراطوري القومي المتستر بالاسلام ام ستغير تكيتيكاتها واساليب عملها لاحتواء موجة النقد الحاد لها والقلق منها والتراجع عن تاييدها وتمثيل مسرحية متقنة النص والاخراج لاعادة من وقف معها واتبعها الى صفها بعد ان تننظف ذاكرته من صور مأساة العراق؟ وهل يمكن لهذه المسرحية ان تكون غير التبرقع بغطاء فلسطين؟
هذه الاسئلة والتساؤلات تتحكم بمسألة الدور الايراني الحقيقي وما اذا كانت امريكا ستضرب ايران. كما ان دورها المتماهي مع الدور الامريكي في العراق يطرح تساؤلات جدية حول الهدف من تصعيد الحملات والتهديدات بين امريكا وايران مع انهما مازالتا تعملان سوية ضد الشعب العراقي ووحدة العراق، ويفسر ما كان غامضا وموضع خلاف شديد، وهو سر عدم ضرب امريكا او اسرائيل لايران خميني خلال حوالي ربع قرن منذ اسقاط الشاه ووصول خميني، رغم الهرج الاعلامي ودق طبول الحرب بين هذه الاطراف الثلاثة؟! بل بالعكس فانه وسط قذائف مدفعية الصراع الخلب قامت اسرائيل بتقديم اسلحة وعتاد لايران ومعلومات عن العراق اثناء الحرب العراقية الايرانية، وقد كشف ذلك سقوط الطائرة الارجنتينية التي كانت تحمل اسلحة وعتاد من اسرائيل الى ايران في عام 1981 في جنوب الاتحاد السوفيتي! كما يفسر ما اطلق عليه رسميا اسم (ايران جيت) او (ايران كونترا) ، والتي عقد صفقتها رسميا هاشمي رفسنجاني وروبرت مكفارلين مستشار الامن القومي الامريكي الذي زار ايران سرا، وتم بموجبها تقديم اسلحة وعتاد ومعلومات استخبارية الى ايران عن العراق ادت الى غزو الفاو في جنوب العراق. وقتها كذبت ايران ذلك ولكن، وبعد ان برزت وثائق دامغة، اعترفت ايران بان الصفقة مع اسرائيل قامت على استرجاع دين ايراني لدى اسرائيل منذ زمن الشاه اعيد بشكل اسلحة وعتاد! كذلك اعترفت ايران بايرانجيت وصورتها على انها رفع للتجميد عن اموال ايرانية في امريكا ودفعها على شكل اسلحة! ورغم هذه الحقيقة نجد عهار ضمير عرب يتهمون العراق بانه تلقى الدعم من امريكا اثناء الحرب مع ايران مع اننا تحدينا من يقول ذلك ان يثبت وجود (عراق جيت) واحدة ففشلوا لان الواقع يؤكد ان العراق لم يستلم رصاصة واحدة من امريكا!
هذا الواقع فرض فرضا طرح اسئلة كان طرحها يواجه بعض الصعوبة ومنها : لماذا تقدم امريكا واسرائيل دعما لايران رغم انها تعلن بصخب عال انها تحارب الشيطان الاكبر؟ ولماذا لم تضرب ايران خلال ربع قرن رغم كل التهديدات من قبل امريكا واسرائيل؟ ولماذا سمح لايران ببناء مشروعها النووي، المؤلف من عدة مفاعلات نووية، حتى وصل مرحلة الاكتمال، في حين انه كان للعراق مفاعلا واحدا في طوره الابتدائي وضرب ودمر؟ ولماذا اشركت امريكا ايران في غزو وتدمير العراق وسلمتها حكومة العراق في ظل الاحتلال وسمحت لايران بتصدير حوالي اربعة ملايين ايراني (فارسي وكردي غير عراقي) للعراق ومنح اكثر من مليونين ونصف المليون منهم الجنسية العراقية رسميا كما اعترف ابراهيم الجعفري حينما كان رئيسا لوزراء حكومة الاحتلال، ولماذا سمحت لايران بالقيام بنهب العرق وتدمير قدراته العلمية والتكنولوجية؟ ولماذا لم تتدخل امريكا عند قيام ايران بذبح مئات العلماء والضباط العراقيين؟ ولماذا زورت امريكا الانتخابات مرتين والاستفتاء مرة في العراق لاجل احكام قبضة اتباع ايران على الحكم في العراق؟ ولماذا جاءت امريكا بفكرة دعائية كاذبة تلقفتها ايران بسرور غامر وهي فكرة (ان الشيعة كانوا مضطهدين رغم انهم الاغلبية)؟ وما حقيقة ماسمي بسياسة (الاحتواء المزدوج) التي عدت العراق وايران خصمان يجب احتواءهما، وسياسة محور الشر التي شملت العراق وايران وكوريا الشمالية؟
هذه الاسئلة وغيرها يجب ان تناقش الان بكامل الصراحة ويجاب عليها هي وغيرها، في ضوء الواقع العياني الذي نراه وليس بتأثير الدعاية والتثقيف الامريكي والايراني الطويلين، واللذان اديا الى غسل ادمغة ملايين الناس ومنعهم من اكتشاف الخيط الرفيع، ولكن الفولاذي القوة، الذي ربط ويربط ستراتيجيا وتكتيكيا ايران بامريكا واسرائيل.



انها لحظة اماطة اللثام عن كل الوجوه وتحديد ملامحها الحقيقة تحت ضوء الحقائق الموضوعية لندرك الخطر المميت الذي تشكله ايران على مستقبل الامة العربية وشعبها والذي يكمل ولا يتناقض مع الخطر الاستعماري الغر بي والصهيوني. ولاجل تسهيل عميلة اماطة اللثام عن الوجه الحقيقي لايران يجب التذكير ببعض اساسيات وقواعد الصراع وتكتيكاته المتناقضة والغامضة او المموهة غالبا.
وا يجب الانتباه الى ان هناك فريقا من المثقفين العرب، ولاسباب مختلفة، يدافع عن ايران ويرى ان بالامكان كسبها الى جانب العرب في صراعهم مع امريكا والصهيونية! وهذا الكلام حينما كنت اسمعه اتسائل بجدية : هل من يقول ذلك ساذج او جاهل بما فعلته وتفعله ايران في العراق وفي كل الوطن العربي حتى الان من زرع للفتن والاضطرابات؟ ام انه يتلبس قناعة ذاتية يعرف انها خاطئة لكنه يريد اقناعنا بان نتوقف عن الدفاع عن انفسنا وايران تحرك سكينا صدئة على رقاب شبابنا ورجالنا ونساءنا واطفالنا وهي تذبحنا كل يوم كما تفعل العصابات الايرانية في العراق؟ لقد قلنا لهؤلا ء ونكرر الان : نعم سيكون اسعد من السعد ذاته ان تتوقف معاركنا مع ايران وان ننصرف الى التحدي الصهيوامريكي ولكن اليس من حقنا ان نطلب من ايران ان تتوقف عن ابادتنا في العراق؟ كيف نتوقف عن كشف اعمالها الاجرامية وهي تواصلها وتزيدها وتفتعل معارك مموهة، هنا وهناك لاجل تحسين صورتها من اجل ان تواصل قتلنا وتذويب هويتنا العربية في العراق بشكل خاص، ولكي تقدم لانصارها المهزومين نتيجة خدمتهم للاحتلال الامريكي منطقا يدافعون به عن خياناتهم برفع راية حروب مسرحية؟ لتوقف ايران مجازرها ضدنا، لتوقف ايران تعاونها مع الاحتلال في العراق عند ذاك سنكون اول من يطالب بالتحالف معها ضد أي عدو مشترك، ولكن لن يكون هناك صمت الا بعد ان تتوقف ايران عن تنفيذ خطة غزو الوطن العربي وتفتيته طبقا لبروتوكولات حكماء الفرس، لذا يجب على هؤلاء المادحين للدور الايراني ان يقنعوها بذلك وان يكفوا عن الضغط علينا.
يتبع ........
salah_almukhtar@yahoo.com


شبكة البصرة

الاربعاء 6 شعبان 1427 / 30 آب 2006


الرد على: ليس بعثيا، بل والبعث منه براء.. - زحل بن شمسين - 06-08-2013

صنميات قرن الخداع الشامل : ما هي صلة ايران واسرائيل وامريكا
بعد بروتوكولات حكماء صهيون : هل توجد بروتوكولات حكماء الفرس؟ (2)


شبكة البصرة
صلاح المختار


قواعد التقويم : من هو العدو الاول؟



في أي صراع تتحكم ضوابط صارمة تستند على تقديرات عقلانية ومنطقية الترتيب في الاولويات من جهة، واستثمار الامكانات والفرص المتاحة من جهة ثانية. ان العفوية وتقرير قواعد الصراع آنيا، أي رؤية المشهد المباشر دون اكتشاف خلفيته، سمة اساسية للتخلف واللاعقلانية في خوض الصراعات خصوصا المصيرية منها، وهذا هو حال النخب العربية الحاكمة منذ الاستقلال عن الدولة العثمانية، التي، أي النخب، كانت اخر من يفهم الاهداف البعيدة للغرب والصهيونية وان فهمتها فهي اخر من يخطط بنجاح لاحباط الخطط المعادية. ان كسب الحرب يعتمد ليس على الحق والعدالة وقيمهما بل على الادراك الصحيح لما يريده الاعداء لكي يتم وضع التخطيط المحكم والدقيق المبني على المعرفة العلمية للعدو، لهذا شهد التاريخ هزيمة انصار الحق حينما كان انصار الباطل افضل تخطيطا وتنظيما وكان اهل الحق عفويين وانيين ومبعثرين ولا عقلانيين في التعامل مع العدو وقد قيل بصواب تام (ان معرفة العدو - او أي طرف - كسب نصف المعركة).
ويشمل التخطيط العقلاني ليس تحديد الستراتيجيات الصحيحة فقط بل اختيار التكتيكات المناسبة ايضا. فالستراتيجية الصحيحة اذا خدمتها تكتيكات جامدة وغير خلاقة تفشل , ويسقط التخطيط كله، لهذا من الضروري وضع التكتيكات المناسبة لضمان نجاح التخطيط الستراتيجي. واول مظاهر النضوج في التخطيط للصراع هو التحديد الصحيح للصراع الرئيس، بعد تحديد من هو العدو الرئيس الذي يشكل الخطر الرئيسي والداهم. وهذا يعني تحديدا ان نكتشف التناقض الرئيس ونخضع له ولمتطلباته كل التناقضات الاخرى وما يتفرع منها من صراعات وتكتيكات ومناورات.
ما هو التناقض الرئيس؟ كيف نحدده؟ ما هي معاييره؟ هل هي المعايير السياسية ام الستراتيجية؟ ومن ثم ما هي التناقضات الثانوية. ما هي جبهة الصراع الرئيسية؟ ومن ثم ما هي جبهات الصراع الثانوية. ما صلة الرئيسي بالثانوي؟ ايهما الاهم : استمرارية نمط الصراع ام تبدلاته؟ ما معنى تحكم نمط واحد بالصراع وباتجاه واحد؟ ما هي تكتيكات مواجهة الخطر الرئيس؟ هذه الاسئلة تساعد على ولوج منطقة الفهم الصحيح ستراتيجيا وسياسيا. وفي حالتنا نحن العرب ان اهم منطلق تخطيطي صحيح هو معرفة من هو عدونا الرئيس وتحديد اهدافه الستراتيجية العظمى ثم الالتصاق التام والصارم بهدف مقاتلته هو والعمل على تاجيل الصراعات الاخرى وتحييد خصوم اقل خطورة، بل وحتى البحث عن نقاط تعاون معهم، لان ذلك سيجعلنا نرى مساحات خيارات العدو الاخطر الستراتيجية ومناوراته التكتيكية بتعددها وتبدلاتها، كما سيمنحنا امكانية اضافة قوى اخرى لقوانا او على الاقل تحييدها وعدم تخصيص جزء مهم من امكاناتنا لمواجهتها. ان عدونا الرئيس، الذي فرض عداوته علينا دون رغبة منا، هو الولايات المتحدة الامريكية، وليس ايران، وبغض النظر عن خطورة الاخيرة . فامريكا ومعها حكومات غربية خلقت اسرائيل لتكون قاعدة متقدمة لها تحمي مصالحها، لذلك فنحن نواجه عدوين رئيسيين هما امريكا، وخلفها النخب الراسمالية الغربية، والصهيونية العالمية وتعبيرها السياسي والسكاني اسرائيل.
ان هذا التحديد يبدو بديهيا، وهو كذلك لكن بديهيته لا تعني نهاية المطاف في اتخاذ القرار الستراتيجي الصائب، بل يجب فوق ذلك ان نعيد دوريا دراسة هذه المسالة لنلتقط التبدلات التي تحدث والتقرير الصحيح لطبيعة كل منها، لان ذلك يوفر امكانية متابعة الصراع بعين يقظة تبقي العدو الرئيسي امام نواظرنا، دون ان نهمل أي طارئ او تبدل يظهر ويتحول الى تهديد جدي يجعل من كان عدوا ثانويا اشد خطورة من العدو الذي كان رئيسيا. فمثلا حين يداهمك لص يريد نهبك او قتلك وتستدير الى جارك لطلب العون، وانت تحبس اللص في غرفة في الدار، فتفاجأ بان الجار يضع سكينه على رقبة ابنك ويطلب منك ما راه من ذهب، ماذا تعمل؟ هل تذهب وتفتح الغرفة وتقاتل اللص وتترك جارك يقتل ابنك؟ ام تحاول اولا انقاذ ابنك؟ عليك ان تنقذ ابنك قبل ان يذبحه اللص دون ان تنسى الاتصال الفوري بالشرطة للمجئ. وحينما نقول ان العدو الرئيسي هو النخب الراسمالية الغربية، معبر عنها بانظمة حكمها، نواجه الولايات المتحدة الامريكية اولا وقبل أي عدو اخر.
ان من يقول بان امريكا ذيل لاسرائيل ومن ثم فان المطلوب هو التركيز على الصهيونية العالمية ومحاولة تحييد امريكا لا يتعدى في قوله التمنيات الذاتية العوراء، لان امريكا سواء كانت اداة اسرائيل، وهو قول نرفضه، او كانت تنفذ الاهداف الاسرائيلية، فانها قبل هذا وذاك دولة راسمالية لا قيم لها سوى تحقيق الربح. واستنادا الى تلك الحقيقة فان علاقة اسرائيل بامريكا تخضع، اولا واخيرا، لقاعدة الربح والخسارة الراسمالية وليس الى تاثير ديني مفترض والصق عمدا بالصراع لتحشيد الراي العام في بلدان الغرب وتمويه الصراع واسبابه الحقيقية.
ان مصالح امريكا هي المحرك لها وليس صلتها باسرائيل، والتي تعد مصلحة امريكية لانها بالاساس مشروع غربي استعماري اقيم لخدمة مصالح الغرب الستراتيجية في الوطن العربي، وفي مقدمتها النفط، كما ورد في تقرير (لجنة بنرمان) في مطلع القرن العشرين. لكن جدلية الصراع في المنطقة بين الامة العربية وعدوها الاول الاستعمار طور اسرائيل لتكون وكيلا عنه يحمي مصالحه في المنطقة ضد حركة التحرر العربية. وهكذا لم تعد مصالح الغرب هي النفط فقط بل النفط ومن كلف بحماية النفط وبقية المصالح الغربية. وقد عبرت السياسة الخارجية الامريكية منذ الخمسينيات، وبثبات لم يتغير رغم تغير الحكومات الامريكية، عن ذلك باعتماد هدفين اساسيين ثابتين لها وهما امن النفط وامن اسرائيل. وهذا الترابط العضوي والجدلي بين امن النفط وامن اسرائيل تتحكم فيه حقيقة معروفة وهي ان اسرائيل تقوم في وجودها واستمرارها على الدعم الغربي بشكل عام والامريكي منه بشكل خاص، وبدون هذا الدعم تبدو اسرائيل غير قابلة للبقاء حتى دون حرب، لانها تعتمد اساسا على الدعم الاقتصادي الغربي ووجود نظام اواني مستطرقة يربط بينهما يوفر لاسرائيل عوامل التقدم العلمي التكنولوجي. بتعبير اخر ان ما يتوفر للغرب من ابداعات واختراعات وتقدم يصل الى اسرائيل بسرعة البرق، لذلك فانها تبدو ارقى من حجمها الحقيقي فيما يتعلق بقدراتها التكنولوجية والعلمية والعسكرية.
اذن ان خطر اسرائيل على الامة العربية غير ممكن عمليا الا عبر القناة الغربية التي توفر لها كل اسباب التفوق وبالمقابل تحرم العرب من كل اسباب التقدم، وما جرى خلال العقود الخمسة الاخيرة يؤكد هذه الحقيقة الواقعية، وابرز مثالين هما حرب 1973 حينما انقلبت الموازين لصالح العرب فتدخل الغرب لاعادة التفوق الاسرائيلي، ومثال العراق الذي تجاوز الخطوط الحمر بتطوره العلمي التكنولوجي وتحقيقه انجازات تعد خطرا على اسرائيل، خصوصا وانها اقترنت بسياسة وطنية استقلالية، فحشد الغرب بقيادة امريكا كل طاقاته لاجهاض تجربة النهصة القومية في العراق، والتي ابتدأت بفرض الحروب عليه ثم الحصار ثم الغزو المسلح. في هاتين التجربتين اكد الغرب المبدأ الثابت في سياساته تجاه الصراع العربي الاسرائيلي وهو ان اسرائيل يجب ان تبقى اقوى، خصوصا عسكريا من كل العرب مجتمعين.

الشجرة والأغصان


ما معنى ذلك؟ ان المعنى الاعظم لكل ما تقدم هو ان مصدر قوة وتفوق اسرائيل وضعف وهزائم العرب هو الغرب الاستعماري والذي تقوده امريكا الان. فالغرب هو الاصل واسرائيل هي الفرع، وحين يضعف او يهزم الاصل يهزم تلقائيا الفرع. صحيح ان الفرع وهو اسرائيل يتمتع بنفوذ قوي داخل الاصل لكن هذا النفوذ هو تحصيل حاصل لسياسة الامنين (امن النفط وامن اسرائيل)، والتي طرحت في دول الغرب على انها تخدم مصالح الغرب، وعلى هذا الاساس اقتنع الجزء الاكبر من الراي العام في الغرب بان اسرائيل استثمار مربح، ويخدم مصالح الغرب الاساسية. وترتب على ذلك تداخل عميق في الصلات خصوصا وان الصهيونية العالمية لها امتدادات بشرية مقتدرة في الغرب تلعب دورا هاما جدا في تنمية الدعم الشعبي والحكومي لاسرائيل، وفي تحقيق تداخل فكري واجتماعي وحتى ديني بين المجتمعات الغربية المسيحية وبين اسرائيل، مستغلين حقيقة ان الكتاب المقدس عامل ديني مشترك بين الطرفين. وبفضل النفوذالاسرائيلي داخل المجتمعات الغربية اصبح لاسرائيل ادوات تاثير في العملية الانتخابية في الغرب عبر ترجيح كفة مرشح او حزب بالصوت اليهودي او الخاضع للنفوذ اليهودي، الامرالذي جعل اسرائيل تبدو في حالات توازن وتقارب الاصوات الطرف المقرر لنتائج الانتخابات.
ومع ذلك ورغم ذلك فان اسرائيل تبقى كيانا لايقوم بذاته معتمدا على موارده بل انه كان وما زال يقوم على غيره، فلولا حماية الغرب العسكرية والامنية والدعم الاقتصادي والتكنولوجي...الخ لما بقيت اسرائيل مهما كانت متفوقة على العرب. ولذلك فان حقيقة عدم قيام اسرائيل بذاتها تكفي لجعل اسرائيل تذوب تدريجيا حتى بدون حروب عسكرية اذا توقف الدعم الخارجي الذي تقوم عليه. اذن، وفي ضوء ما تقدم، يطرح السؤال التالي : من هو العدو الرئيس؟ والجواب الدقيق هو انه الغرب الاستعماري بقيادة امريكا، ويترتب على هذه الحقيقة تحديد ستراتيجي صحيح ودقيق وهو ان الساحة الرئيسية للصراع ليست تلك التي تقاتل فيها اسرائيل بل الساحة التي يقاتل فيها الدرع الذي يحمي اسرائيل ومصدر وجودها وديمومتها أي امريكا. ففي حرب اكتوبر كادت اسرائيل تفقد المبادرة لولا الجسر الجوي الامريكي الذي اعاد اليها المبادرة، ومعنى هذا ان الانتصار على اسرائيل مرهون ومرتبط عضويا بالانتصار بمختلف اشكاله على مصدر قوتها وديمومتها وهو امريكا وقوى غربية، وهنا تظهر الاهمية الستراتيجية الحقيقية لكل ساحة من ساحات الصراع العربية وهي العراقية والفلسطينية واللبنانية.
ولتجنب الوقوع في متاهة عدم الدقة في تحديد المعركة الرئيسية، لابد من التذكير بوجود فرق كبير بين المعركة الرئيسية والقضية المركزية، اذ من الممكن ان تدور المعركة الرئيسية في خارج ارض القضية المركزية دون تغيير طبيعة القضية المركزية، ومعارك العرب مع اسرائيل دارت اغلبها خارج فلسطين وابرزها في مصر وسوريا والاردن. ان صورة الوضع الستراتيجي واضحة لا لبس فيها ولا غموض، ومن ينظر فيها يجد ان المعركة الرئيسية والحاسمة هي في العراق وليس لبنان او فلسطين، لان الدرع الذي يحمي ويغذي ويديم اسرائيل هو امريكا والاستعمار الغربي عموما، وبدون هذا الدرع ستنكشف اسرائيل ستراتيجيا وتقف منتظرة موتها البطيء حتى بدون حرب عسكرية. والتجربة الاخيرة في حرب لبنان، وهي ليست التجربة الاولى، تؤكد ان اسرائيل ليست نمرا من الورق المقوى فقط بل هي شريحة رقيقة وشفافة من ورق الكلينكس.
نعم يجب ان نفكر ونعمل ستراتيجيا وليس عاطفيا او تكتيكيا، ولا يجوز ان نصف حروب التحريك كحرب اكتوبر بانها حرب تحرير او حرب الحسم لان الهدف السياسي هو تحريك قضية او تحسين صورة وليس حسم صراع ستراتيجي رئيسي. ان المعركة الحاسمة والرئيسية، من منظور ستراتيجي، تجري في العراق وليس في غيره، والمعارك الاخرى مهما كبرت ستتقرر نتائجها في ضوء نتيجة الحرب التحررية الدائرة في العراق. وهذا لا يعني ان القضية المركزية لم تعد القضية الفلسطينية وحلت محلها القضية العراقية، لان القضية المركزية، من منظور قومي، ما زالت هي تحرير فلسطين وقضية العراق من هذا المنظور ملحقة بالقضية الفلسطينية ونتيجة لها. كما ان ذلك لا يعني التقليل من شان المعارك الاخرى لانها مهمة جدا، كمعركة لبنان، ما دامت كل حرب مع اسرائيل هدفا وطنيا وقوميا مطلوبا وكل ما عنيناه هو ضرورة ترتيب الأولويات الإستراتيجية.
وهنا يجب ان نذكر بان الإستراتيجية الكونية الامريكية قد تغيرت وانتقلت في السبعينيات من اعتبار اوربا هي خط الدفاع الاول عما يسمى (العالم الحر) الى النظر الى الخليج العربي بصفته مسرح الصراع الذي سيقرر مصير العالم وخط الدفاع الاول عن الغرب الاستعماري، فأنشئت قوات التدخل السريع (RDF) وبدأ التدرب على حروب الصحراء منذ السبعينيات، وبذلك اصبح الخليج العربي هو ساحة الصراع الرئيسية طبقا لما يطلق عليه اسم مبدأ كارتر.
وحصل تركيز اشد في الاهتمام الستراتيجي الامريكي في الخليج العربي عام 1988 وهو انتقال الصراع الرئيسي من كل الخليج العربي الى البؤرة العراقية، وتحول قوى التحالف الغربي الاستعماري الصهيوني الاساسية الى هذه الساحة، خصوصا وان السبب الرئيس للتركيز على العراق هو انه تجاوز الخطوط الحمر الغربية الصهيونية في مجال السياسة النفطية، بتاميم النفط وتسخير موارده لبناء مجتمع قوي ومتقدم علميا وتكنولوجيا وبناء انسان جديد وخلاق وليس لبناء مجتمع استهلاكي طفيلي، وبنفس الوقت بقي العراق متمسكا بواحد من اهم الثوابت الستراتيجية والمبدأية وهو حقوق الشعب الفلسطيني كاملة ورفض المساومة عليها حتى مقابل رفع الحصار الذي قتل حوالي مليوني عراقي.

ومن يريد ان يتأكد من ان المعركة الحاسمة والرئيسية تجري في العراق عليه ان يتعامل مع الاسئلة التالية بدقة وموضوعية وبرودة عقل : ما الذي سيترتب على معركة لبنان من تغيير في موازين القوى اكثر من تغييرات غير جوهرية على الحدود وداخل لبنان نتيجة العامل الحديدي للجيوبولتك؟ وما الذي ستحققه المقاومة الفلسطينية اكثر من حكم ذاتي مقزم مسيطر عليه اسرائيليا، في افضل الاحوال، نتيجة للعامل الحديدي للديموغرافيا والجيوبولتيك؟ ولكن بالمقابل ما الذي سيترتب على هزيمة امريكا في العراق؟ ان كل خبير ستراتيجي يعرف بوضوح تام بان هزيمة امريكا في العراق تعني اول ما تعني انهيار وتكسر الدرع الذي حمى ومازال يحمي اسرائيل، والتي لا تستطيع العيش بدونه ابدا. كما يعني انقلابا عالميا جذريا ستصعد على اثره قوى دولية واقليمية وتنزل اخرى، وسيكون الرابح الاكبر على الارجح هو حركة التحرر الوطني العربية التي ستتحول الى مركز جذب اقليمي وعالمي من خلال قاعدتها المحررة العراق. وعلى الصعيد الفلسطيني سيعود العرب الى عصر النهوض القومي واللاءات الثلاث ومن موقع قوة : لا صلح لا اعتراف لا مفاوضات مع اسرائيل.
اما اذا حصل أي انتصار جزئي او نسبي على اسرائيل من قبل أي طرف عربي خارج الساحة العراقية فان وجود امريكا غير المهزومة سيعيد لاسرائيل قوتها ويحميها من الانهيار ويوجه ضربات مميتة للامة العربية، وتجربة حرب اكتوبر ماثلة اما نواظرنا حيث حولت امريكا النصر العربي الاولي على اسرائيل الى هزيمة فتحت الباب للصلح والمساومة والتخلي عن الحقوق. ان نظرة سريعة الى القرار 1701حول لبنان تؤكد ان امريكا،ومعها اوربا، تريدان منح اسرائيل نصرا سياسيا كبيرا يفتح الباب امام انهيارات عربية جديدة تؤدي الى قيام شرق اوسط جديد واغتيال المقاومة العراقية!

خسارة جبهة ثانوية لكسب جبهة رئيسية


من بين اهم مبادئ الحرب، وكذلك السياسة، قانون يقول انك اذا كنت لا تستطيع دحر عدوك في كل جبهات القتال فعليك ان تحدد الجبهة الرئيسية التي تقرر نتائج المعركة فيها مسار ونتائج الحرب في الجبهات الاخرى، ثم تركز جهدك الرئيسي فيها وعليها لضمان الانتصار، حتى لو خسرت المعركة في جبهة ثانوية لا تحسم الحرب فيها. وطبقا لهذا المبدأ فان هناك جبهات ثانوية وجبهات رئيسية، ومن دون وضع خط فاصل وواضح بين هذين النوعين من الجبهات يصبح خوض الحرب مغامرة طائشة عواقبها الهزيمة والكوارث.
ويترتب على ذلك بروز امكانية تمييز درجات الخلاف والعداء الاخرى تبعا للتحديد الاساس. كما نستطيع توقع امكانية اقدام العدو على خسارة جبهة ثانوية من اجل كسب الحرب في الجبهة الرئيسية، واخيرا وليس اخرا بامكاننا ان نتوقع عقد صفقات بين العدو الرئيس والخصوم الثانويين على حسابنا. كيف نترجم هذه البديهيات التي تتحكم في الصراعات المخططة عقلانيا على واقعنا؟ في اطار الصورة الشاملة للصراع الحالي من الواضح ان الصراع بين ايران من جهة وامريكا والغرب واسرائيل من جهة ثانية هو صراع ثانوي، كما اكدت واثبتت الوقائع منذ اسقاط امريكا للشاه وايصال خميني للسلطة، وان ايران تلعب دورا اساسيا في تنفيذ المخطط العالمي والاقليمي للصهيوامريكية المعادي للامة العربية، سواء بالتقاء الستراتيجية الامبراطورية الايرانية مع التحالف الغربي الصهيوني او بتطابق الاهداف ووجود اتفاق رسمي.
ان دراسة الواقع الاقليمي والدولي منذ عقود خصوصا منذ عام 1990 تظهر حقيقة ان الصراع الرئيسي والمعركة الرئيسية تدور حول العراق ومعه وليس مع ايران، فايران طبقا للسياسات الرسمية لامريكا، وبدرجات مختلفة درجيا وليس نوعيا طبقا للسياسات الاوربية ايضا، تقوم على هدف اقناع ايران باتباع سياسات اخرى بالطرق الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية، وبالضغوط العسكرية أي التهديد بالقوة دون استخدامها. ويكفي ان ندرس السياسات الامريكية المتبعة رسميا وفعليا منذ زمن كلنتون لنتوصل الى هذه الحقيقية. ويمكن تمييز سياسة محددة ثابتة تجاه ايران والعراق اتخذت تسميات اختلفت جزئيا ومنها (سياسة الاحتواء المزدوج) والتي طورت وسميت (سياسة الاحتواء التمايزي)، واخيرا (سياسة محور الشر). ما هو القاسم المشترك في هذه السياسات؟ انه التمييز الرسمي والفعلي الدقيق بين الموقف من العراق والموقف من ايران، ففي كل هذه السياسات حددت ايران كطرف مخالف يجب انهاء مخالفته بالحسنى وليس بالحرب، أي باتباع اساليب الضغط والاقناع المختلفة وليس الحرب لاقناع النظام الايراني بالتخلي عن سياسات معينة خدمة لمصالحه ومصالح الغرب واسرائيل.
اما العراق فان الموقف الرسمي والفعلي، طبقا لهذه السياسات، فهو اسقاط النظام الوطني وعدم التحاور معه، لان الامل في التفاهم معه معدوم، وقد تبنى الكونغرس الامريكي، في عام 1998، قانونا اطلق عليه اسم (قانون تحرير العراق) التزمت الحكومة الامريكية بموجبه باسقاط النظام الوطني وخصصت مبالغ كبيرة لتنفيذ ذلك القانون. هذا على المستوى الرسمي المعلن، اما على المستوى الفعلي فانه انعكاس للسياسات الرسمية، بل اكثر من ذلك ان علاقات ايران بامريكا والغرب تبدو عمليا متلاقية او متطابقة، قدر تعلق الامر بالعراق، من خلال قيامها على وضع الخلافات جانبا، لانها في الواقع ثانوية والتعاون الوثيق ضد العدو المشترك : العراق قبل الغزو ممثلا بنظامه الوطني التقدمي وبعد الغزو ممثلا بمقاومته الوطنية المسلحة.
لقد تحالفت ايران بشكل رسمي وكامل مع امريكا ضد العراق،وكانت وما تزال، الطرف الاخطر في تنفيذ المخطط الامريكي الرامي الى تدمير العراق وتغيير هويته العربية وتحويله الى قطر (متعدد الاعراق والطوائف والاديان) كما ورد في الدستور الذي وضعه اليهودي الامريكي نوح فيلدمان ودعمته ايران عبر الميليشيات التابعة في العراق، وقام على تقسيم العراق الى 3 دويلات تحت اسم مضلل وهو الفيدرالية، والتي تخفي نظاما اخر هو الكونفدرالية، لانه ينشأ دولا متحدة وليس نظم حكم ذاتي في دولة واحدة. ويتجلى التعاون الامريكي - الايراني ضد العراق في اوضح صوره في الدعم المشترك للحكومات العميلة التي نصبها الاحتلال في العراق، واخر مظاهر التلاقي الكامل هو دعم بوش وخامنئي لحكومة المالكي وتعاون ميليشيات ايران في العراق مع الاحتلال الامريكي رغم طبول الحرب التي تقرع بين ايران وامريكا منذ ربع قرن دون اطلاق رصاصة واحدة على ايران!
لماذا هذا التلاقي الكامل بين ايران وامريكا حول هدف تدمير العراق وتغييب دوره وتذويب هويته العربية رغم وجود خلافات بينهما؟ ان عملية(ثعلب الصحراء) التي نفذت بصيغة حرب شنها الرئيس كلنتون ضد العراق عام 1998، كان هدفها الحقيقي هو اسقاط النظام الوطني في العراق، عبر قصف جوي وصاروخي امريكي كثيف وشامل قد يمهد الاجواء لتمرد داخلي في الجنوب يكمل تمرد الشمال، وبذلك تحاصر الحكومة الوطنية في الوسط ويصدر قرار من مجلس الامن بضغط امريكي يقدم الحماية للتمرد في الجنوب من رد فعل الحكومة العراقية، الامر الذي يؤدي، بعد مرور زمن، الى تقوض الحكومة او تقسيم العراق. لكن هذه الخطة فشلت تماما لان الجنوب لم يتمرد وبقيت السلطة المركزية مسيطرة على كل العراق.
عند ذاك اعلنت الحكومة الامريكية ان اسقاط النظام الوطني غير ممكن الا بالتعاون مع ايران لان لها من يتعاون معها في جنوب العراق. وعقدت اجتماعات سرية امريكية ايرانية في اوربا وغيرها توجت بالتوصل الى اتفاق امريكي ايراني يقوم على التعاون لاسقاط النظام الوطني في العراق مقابل امتيازات تمنح لايران في العراق، وتخفيف الحملات الاعلامية بينهما. واستنادا لهذا الاتفاق حضر المجلس الاعلى (جماعة الحكيم) اجتماعات لندن التي عقدتها المخابرات الامريكية لما كان يسمى(معارضة عراقية) واصبح التنسيق ميدانيا بين الطرفين الامريكي والايراني. وشمل هذا التعاون افغانستان حيث قاتلت ايران ضد طالبان اثناء الحرب على البلد المسلم افغانستان، كما اعترف هاشمي رفسنجاني حين (اكد ان القوات الايرانية «قاتلت طالبان» وساهمت في دحرها. وكشف رفسنجاني في خطبة الجمعة بجامعة طهران انه لو لم تساعد قواتنا في قتال طالبان لغرق الاميركيون في المستنقع الافغاني) جريدة الشرق الاوسط 9 -2 -2002. ثم جاء دور العراق وتم غزوه بدعم ايراني كامل مفتوح ورسمي عبر عنه محمد خاتمي ونائبه حينما قالا لولا دعم ايران لما تمكنت امريكا من غزو العراق وافغانستان. بل ان القوى الاساسية التي استند اليها الغزو وكانت سببا في نجاحه هي البيش مركة الكردية والاحزاب الطائفية التابعة لايران، ومن دون هذا الدعم الايراني ما كان ممكنا لامريكا ان تغزو العراق بنجاح، ولأصبحت عملية غزوه تيهان امريكي في صحراء العراق، كما وصفت صحيفة ايطالية بسخرية نتائج عملية ثعلب الصحراء بقولها لقد ضاع الثعلب الامريكي في الصحراء!
وبعد الغزو جاء دور ايران في تدمير الدولة العراقية وتصفية كوادرها وعلماءها وضباطها ووجوه العراق وشخصياته ونهب ثرواته واسلحته، ومحاربة مقاومة العراق المسلحة … الخ من الاعمال الاجرامية الخطيرة التي قامت بها ايران ضد العراق وشعبه بدعم امريكي كامل. لقد انجزت ايران المهمة القذرة لامريكا في العراق، وهذه حقيقة يعرفها كل عراقي عاش وما زال يعيش مأساة الغزو وعواقبه الكارثية. لماذا سمحت امريكا لايران بان تلعب هذا الدور الخطير في العراق رغم وجود خلافات بينهما؟ الجواب لان العدو الاول والاخطر حسب الموقف الامريكي هو العراق وليس ايران، لذلك وبعد هذا التحديد قدمت امريكا لايران كارت بلانش، اي دعم كامل للعمل في العراق لاجل اكمال تدميره وتفتيته طائفيا. بهذا المعنى فان ايران قدمت خدمة عظمى لامريكا بتمكينها من غزو العراق، في اطار اعتقاد امريكا بان ايران بعد اكمال تدميرها للعراق سيتم اخراجها منه وعندها سيكون العراق جاهزا لاستعماره من قبل امريكا.
اما ايران فقد خططت للتعاون مع امريكا لانها كانت ترى ان العقبة الاساسية امام توسعها الاقليمي على حساب الامة العربية هو العراق الحر، كما اثبتت تجربة الحرب العراقية الايرانية القاسية والتي قام خلالها العراق بحماية الاقطار العربية كلها، خصوصا الخليجية، من النزعة الاستعمارية الايرانية، ففشلت محاولات خميني لغزو الوطن العربي تحت شعار مضلل هو (نشر الثورة الاسلامية).
من هنا فان ايران عملت وفق قناعة تقول ان العراق هو العدو الرئيس وليس امريكا او اسرائيل، وهذا يتطلب تدميره بواسطة امريكا وبمساعدة جوهرية منها، وبذلك تتخلص من القوة الاقليمية العظمى في المنطقة والتي منعت ايران الخمينية من التوسع، طبقا لبروتوكولات حكماء الفرس. بعد ذلك تقوم باستغلال ورطة امريكا في العراق لاجبارها على التساوم معها وعقد صفقة تمنح ايران بموجبها نفوذا في العراق والخليج العربي والجزيرة العربية، خصوصا في البحرين والكويت. وهكذا تحل ايران اصعب مشكلة واكبر تحد واجهها منذ بدأت في تنفيذ خطة اقامة امبراطورية فارسية تتبرقع باسم الاسلام الصفوي. اذن اللقاء الامريكي الايراني ضد العراق تم بناء على اتفاق الطرفين على ان خلافاتهما الثنائية ما هي الا خلافات ثانوية قياسا بطبيعة خلافات كل منهما مع العراق وحاجة كل منهما لتدمير العراق، امريكا تريد دماره لاجل استعماره وايران تريد دماره لاجل التخلص من اخطر عقبة امام توسعها الامبراطوري وتحويله الى قاعدة انطلاق عظمى لغزو الوطن العربي ثم العالم الاسلامي واقامة امبراطورية صفوية عنصرية.
ان دعم امريكا وتعاونها مع الخصم الثانوي، وهو ايران، لاضعاف العدو الرئيس، وهو العراق، هو من اهم مبادئ الحرب والصراعات السياسية. وقد أظهرت ايران دهاء خبيثا باللعب باوراقها افضل بكثير من كل الانظمة العربية، لانها عرفت كيف تناور وتتكتك تحقيقا لمصالحها القومية الى حد النجاح في استخدام امريكا لتدمير القوة الاساسية التي كانت تعطل تنفيذ مشروع استعمارايران للامة العربية والعالم الاسلامي. وهذا النجاح يوجب علينا ان نعبر عن احترامنا لذكاء الشوفينية الفارسية وبعد نظرها وحسن ترتيبها لاولوياتها الستراتيجية، ونأمل من النخب العربية الحاكمة وغير الحاكمة ان تتعلم من ايران كيف تعمل على تحقيق اهداف بعيدة او قريبة .
ولكن هل كسبت ايران فقط ام امريكا فقط؟ وهل خسر الطرفان شيئا؟ في هذا التحالف كسبت ايران موطأ قدم في العراق اضافة لتدمير القوة الاقليمية الوحيدة التي كانت تمنع التوسعية الايرانية من النجاح، لكن ايران خسرت كثيرا نتيجة تعاونها مع امريكا، وخسارتها الاساسية هي سمعتها كبلد اسلامي ادعى انه يدافع عن الاسلام ويقف ضد الشيطان الاكبر وكسب دعم الكثير من العرب والمسلمين بسبب هذا الادعاء، اما بعد غزو العراق وافغانستان فان هذا البعض الذي صدق ادعاء ايران بانها ضد الشيطان الاكبر صدم او في افضل الاحوال ارتبك واصبح عاجزا عن الدفاع عن ايران.
وهذه الخسارة ليست قليلة لان بروتوكولات التوسع الايرانية تحتاج اولا وقبل كل شيء لطابور خامس داخل الوطن العربي يمهد لها الطريق، ولذلك بذلت ايران خميني جهودا جبارة لاعطاء انطباع بانها حامية حمى المسلمين وانها تقف بوجه الاستكبار العالمي المعادي لهم، واخذت تزايد على القوى الوطنية العربية في الموضوع الفلسطيني، بعد ان ادركت ان القضية الفلسطينية هي المحرك الجوهري الاول لكل العرب ولاغلب العالم الاسلامي، من اجل كسب ثقة المسلمين تمهيدا لاختراقهم بغطاء طائفي وبقفاز حريري يريح اليد التي تصافحه. ولكن دور ايران في العراق قلب صورتها راسا على عقب فبعد ان كانت تبدو ولو شكليا ضد امريكا راينا ايات الله التابعين لها في العراق لا يترددون عن تقبيل بول بريمير، الحاكم الامريكي في العراق، من فمه امام كاميرات العالم كله الذي ذهل لرؤية رجال دين، بلحاهم الطويلة، يقبلون امريكي من فمه مع ما تعنيه هذه السلوكية من شذوذ جنسي! كما راينا ايران،بواسطة اعوانها، تغرق العراق ببحر من الدم العراقي الطاهر وتدمر كل ما ارتفع فوق الارض من عمران وبشر وعلم وعلماء وقادة عسكريين!
لقد تكونت قناعة واسعة النطاق في الوطن العربي، وهو المجال الحيوي الاهم والاول للاستعمار الايراني، تقول ان نخب ايران الحاكمة ما هي مجموعات براغماتية وانتهازية تمارس كل انواع الخداع باسم الدين خدمة لاهدافها العنصرية التوسعية ومنها التعاون مع اعداءها الرسميين، كامريكا واسرائيل، ضد مسلمين في العراق وافغانستان واذربيجان. اذن لقد فقدت ايران جهود اكثر من ربع قرن بمشاركتها في غزو العراق وعادت الى نقطة الصفر وهي ان ايران الاسلامية لا تختلف عن ايران الشاه التي كان العرب ينظرون اليها على انها تسعى لبناء امبراطورية فارسية قومية! لقد تماهت صورة خميني مع صورة الشاه لدى اغلبية من احسن الظن بالخمينية، بينما اهتزت صورة خميني لدى اخرين كانوا من اشد اتباعه، فما العمل لانقاذ مصالح ايران واعادة تجميل صورتها؟ الجواب كان ذكيا وعبقريا اكد ان النخب الفارسية هي الاكثر دهاء من بين نخب المنطقة، وانها تشابه حكماء بني صهيون في دهاءها.

تغيير قواعد اللعبة بين توم وجيري


يقول ابو الحسن بني صدر اول رئيس لايران بعد سقوط الشاه، بان خميني رحمه الله كان مولعا بمشاهدة افلام توم وجيري الكارتونية وانه كان يضحك بصوت عال عند مشاهدتهما ويضرب ساقيه نشوة وفرحا، وما نراه الان هو عودة توم وجيري الى اللعب لاجل اضحاك صغار ايران في الوطن العربي والعالم الاسلامي، بعد ان اصابهم الهم والقلق نتيجة جرائم ايران في العراق ورفع اتباعها لشعارات علنية في اقطار اخرى تزرع الفتنة الطائفية فانهارت سمعة ايران ونزلت الى الحضيض. لقد قررت ايران ان تغير قواعد اللعبة من داخلها اولا بتنصيب رئيس يعود لرفع شعارات خميني (الموت لامريكا والموت لاسرائيل) فتبدأ المطاردة من جديد بين توم وجيري، من اجل اعادة بناء صورة جميلة لايران، فصعد رجل مغمور للرئاسة، وهو احمدي نجاد، وتغلب على احد رموز نظام خميني ورئيس الجمهورية السابق هاشمي رفسنجاني، والذي عرف عنه اعتداله وقبوله من قبل الغرب. بهذه الخطوة اراد علي خامنئي بعث رسالة تقول ان ايران تعود للاصولية الخمينية. كما انه قرر ان يغير قواعد اللعبة خارج ايران لنفس الغرض، فصعد الخلافات حول المشروع النووي وجعل منها قضية ساخنة لعبت فيها ايران دور المتحدي لامريكا واوربا والمصمم على عدم الرضوخ للتهديدات والضغوط الغربية. من هو المتحدي توم ام جيري؟
ولاكمال اللعبة الصفوية اصدر خامنئي اوامر لقسم من اتباعه في العراق وغيره من الاقطار العربية، بمهاجمة امريكا وحلفاءها، مثل القيام ببعض الاعمال الاستعراضية ضد الجيش البريطاني في الجنوب بنفس الوقت الذي كانت عصابات ايران تذبح فيه يوميا اكثر من مائة عراقي! وكلفت المخابرات الايرانية داخل الجنوب بالقيام ببعض الهجمات ضد البريطانيين ولصقها باسم جيش المهدي للتخلص من عار التعاون الكامل مع امريكا في تدمير العراق. ومن جهة اخرى استغلت ايران ازمة فلسطين بعد وصول حماس للحكم ومقاطعتها من قبل الحكومات العربية والغرب فصعدت لهجتها في تأييد حماس والجهاد الاسلامي. كل ذلك وغيره تم لاجل تجميل وجه ايران الشنيع في قبحه وللضغط على امريكا ومساومتها.
اما امريكا فقد خسرت نقاطا مهمة بتعاونها مع ايران ضد العراق، وفي مقدمة ما خسرت أضطرارها لمواجهة النفوذ الايراني في العراق ومحاولة تحجيمه وليس القضاء عليه، بعد ان اخذ ينافس امريكا ويحاول ان يحل محلها. لقد اصبح وجود ايران في العراق مشكلة لامريكا بعد ان كان داعم فعال لها، فلجأت امريكا هي الاخرى الى لعبة توم وجيري ببدء الاتصالات بضباط عراقيين ومجموعات عراقية لاقناعها بان الخطر الايراني في العراق قد تجاوز الحدود وانه يجب وضع حد له بمشاركة مناهضي ايران في الحكم وانخراط المقاومة الوطنية والبعث في العملية السياسية! بل وصل الحديث الى حد تلويح امريكا بضرورة قيام انقلاب عسكري يصفي الميلشيات الايرانية، وهذا الكلام يشبه نكات يطلقها توم او جيري على لسان السفير الامريكي زلماي خليل زادة لخداع الخدج والسذج لثلاثة اسباب: الاول ان امريكا التي غزت العراق تستطيع ضرب الميليشيات وتصفيتها، والثاني ان امريكا هي التي أنشأت الميليشيات وعصابات الموت بالتعاون مع ايران اونمتها وشجعتها وجعلتها اداة التصفيات الجسدية للعراقيين، والثالث ان امريكا هي التي ادخلت ايران الى العراق وهي التي اتفقت معها على كل ما قامت به من اعمال قذرة واجرامية ضد الشعب العراقي!
وفي خارج العراق كشفت ايران عن خطط كانت تنفي وجودها وتقوم على التدخل المباشر في شؤون الخليج العربي والجزيرة العربية بشكل خاص، والوطن العربي بشكل عام، فسبب ذلك مشاكل ل(اصدقاء امريكا) العرب، وخلق المزيد من المشاكل الامنية لهم.
لقد تحولت ايران من منفذ لخطط امريكا الى طرف يريد ثمن ذلك داخل وخارج العراق واخذت تمارس تكتيكات هجومية على امريكا، على المستوى السياسي والاعلامي، مستخدمة كل امتداداتها الاقليمية لاحاطة امريكا وحلفاءها بضغوط متعددة الجهات لاقناعها بمنح ايران مكاسب ستراتيجية في الوطن العربي، في مقدمتها اعتراف امريكا بايران كقوة عظمى اقليميا واشراكها في ترتيب اوضاع المنطقة ومنحها مناطق نفوذ، من جهة، والتوقف عن معارضة مشروعها النووي من جهة ثانية. لقد اراد علي خامنئي ان يرمم وجه ايران البشع بعد ارتكاب جرائمها في العراق، وبعد ان تيقن ان ايران مهددة بفقدان أي امل بنشر التشيع الصفوي في العالم الاسلامي كمقدمة لاقامة امبراطورية صفوية فارسية تتبرقع باسم الاسلام اذا لم تعالج خسارتها المحسوبة لسمعتها. والمبادرات التي قام بها اتباع ايران هنا وهناك لا يمكن باي حال من الاحوال ان تكون منعزلة عن التوجيهات والمصالح الايرانية المباشرة وهي مصممة لخدمة ايران وحل مشاكلها، بالعودة لإنشاد شعارات حبيبة على قلوب العرب والمسلمين، وفي مقدمتها (يا فلسطين جينالك)! وهنا لابد من طرح سؤال جوهري وحاسم نختم بالجواب عليه دراستنا هذه وهو : ما السر في التوافق الستراتيجيي القائم بين امريكا واسرائيل وايران؟ عند الجواب لابد من مناقشة طبيعة المشاريع المستقبلية لكل من ايران والعراق (في زمن الحكم الوطني وبعد الغزو) وامريكا واسرائيل لان ما يقرر المواقف النهائية هو تلك المشاريع العظمى.
يتبع
salah_almukhtar@yahoo.com


شبكة البصرة

الجمعة 8 شعبان 1427 / 1 أيلول 2006

يرجى الاشارة الى