حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
أسانسير رابعة - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: أسانسير رابعة (/showthread.php?tid=50510) |
أسانسير رابعة - عاشق الكلمه - 08-13-2013 «الإخوان دول كفرة».. تقولها موظفة محجبة في منتصف الأربعينيات من العمر، بينما تهوي بختمها الحكومي الصارم، لتعتمد ورقة ما على مكتبها. وفي هذه الأثناء يؤمن على كلامها (أن الإخوان كفرة!) عدد من الواقفين..رجال ونساء بسطاء. جرى المشهد الصادم أمامي، في إحدى البنايات الحكومية، قبل وقت قريب، ولم أستوعب الملابسة التي أوصلت هذا القطاع من المصريين لهذه القناعة. *** يحكي الروائي اللاتيني الأشهر جابرييل ماركيز عن مشاركته في إحدى ورش كتابة الحلقات التليفزيونية،عن حلقة كتبوها وأخذت تتطور منهم رويدا رويدا دون تخطيط.. وبدت لي هذه الحلقة في نهايتها قريبة لحد مدهش من اعتصام الإخوان في رابعة وتطوراته الممكنة. *** القصة ببساطة أن شابا وسيما وفتاة جميلة استقلا أسانسير إحدى البنايات، وبينما كانا يختلسان النظر لبعضهما البعض، تعطل الأسانسير فجأة. فأخذا يناديان على سكان البناية، فتجمهر الناس وحاولوا الاتصال بالمطافئ، لكن اليوم كان يوم إجازتها. فهدأ الناس من روعهما وأنزلا لهما الطعام والشراب عبر حبل يتدلى إلى فتحة في سقف المصعد. وفي اليوم التالي اندلعت ثورة في البلد واشتعلت الأوضاع. فطمأن سكان البناية كلا من الشاب والفتاة المحبوسين في الأسانسير وأنزلا لهما المزيد من الطعام والشراب. ثم تطورت الأحداث بعد الثورة واشتعلت المعارك بين مؤيدي الثورة وأنصار النظام القديم وتعطلت الدولة كلها تقريبا. وفي هذه الأثناء كانت العلاقة تتطور بين الشاب والفتاة على مهل، من ائتناس لاستلطاف لإعجاب لحب.. استمرت القلاقل في البلدة، واستمر الأهالي في إمداد الشاب والفتاة بالطعام والشراب، بينما يهيم الحبيسان ببعضهما البعض..مضت الأيام والأسابيع إلى أن قررا أن يتزوجا.. ولو داخل الأسانسير! تزوج الاثنان، ومضت الشهور والسنون، وأنجبا داخل الأسانسير، بينما البلاد بالخارج لاتزال في فوضى شاملة. وفجأة، توصل الجميع لصيغة تعايش وتم انتخاب حكومة وتوافق الكل على رئيس.. وحين عادت المطافئ للعمل مرة أخرى، طلبهم سكان العمارة لإنقاذ الشاب والفتاة وأولادهما العالقين داخل الأسانسير منذ سنوات. وحين جاءت قوات الإنقاذ، وحاولت استخراجهما من الصندوق العالق، أحس كلاهما بصدمة عنيفة، ورفضا بصورة قاطعة أن يخرجهما أحد منه.. وتمسكا بمحبسهما الاختياري الذي اعتادا عليه ورفضا أي محاولة لإجلائهما من الأسانسير. *** بعد أسبوع من إزاحة مرسي من السلطة، تجول مراسل صحيفة معاريف الإسرائيلية في ميدان رابعة، بصحبة القيادي الإخواني جهاد الحداد، في سابقة مدهشة في انحطاطها، تكشف أن الإخوان لا يتحركون وفقا لسقفهم الديني المزعوم (عداء إسرائيل) ولا وفقا لسقفنا الوطني المتفق عليه. قال الحداد في 10 يوليو الماضي للصحفي الإسرائيلي الذي كان يتجول بأريحية وسط حشود الإخوان «حدث لنا مع الجيش ما حدث منكم مع حماس». حسنا.. الحداد بكلماته المقتضبة يختزل الكثير جدا..فالجيش المصري والإسرائيلي..سواء، والإخوان وحماس شيء واحد! *** وربما انطلاقا من هذه النقطة الوجدانية، التي أفصح عنها الحداد، والتي يعتبر الإخوان عندها أنفسهم شعوبا منثورة جغرافيا بامتداد المنطقة، تحارب أنظمة حاكمة (يستوي الجيش المصري وجيش الاحتلال لدى الإخوان في هذه الحالة!).. يمكن أن نفهم التطورات الدرامية التي ضربت اعتصام رابعة، وورطته في حماقات وطنية وأخلاقية لا أول لها ولا آخر. أولى الحماقات: بدأ الأمر مع الاعتصام هناك في نهار رمضان، ومصادرة المنطقة لصالحهم تماما ومعاداة وتطهيق وتطفيش سكانها، ثم استكمال معالم حياتهم بإقامة موائد الإفطار وممارسة التمرينات الرياضية والإنشاد وتزويج العرسان.. وصولا لصناعة كعك النهضة وإقامة رابعة لاند وافتتاح مشروعات غريبة (ساقية رابعة)!. ربما يصر الإخوان على توصيل رسالة مفادها: نحن نعيش رغم أي ظرف! وهي ذات الرسالة التي طالما دأبت حماس على تأكيدها تحت العدوان والاحتلال الإسرائيلي. في نشر صور الحياة، بكل أطوارها وتجلياتها، داخل قطاع غزة تحت كل الظروف العصيبة التي تعتصر أهله وسكانه. وفي هذه المسيرة وفي هذه المقاربة غير المنطقية التي سعت لتحويل الجيش المصري إلى «ميليشيات السيسي» و«جيش سوسن» و«العسكر»، وإعادة تأطير صورته بحيث تبدو قيميا مطابقة لصورة الجيش الإسرائيلي، اقترف الإخوان الكثير من الحماقات في الطريق. وأحس المصريون مدى كراهية الإخوان المتوارية للجيش المصري بثقله الوجداني في المكون المصري، وربما تغاضى الكثيرون عن تحفظاتهم تجاه أداء الجيش في بعض القضايا، نكاية في كراهية الإخوان السوداء للمؤسسة العسكرية المصرية. *** ثاني الحماقات كانت في عدم استيعاب الإخوان مشاعر وأفكار من هم خارج رابعة ممن ارتضوا إزاحة مرسي، وربما لا يستوعبون أن المصريين رفضوا الإخوان المسلمين و«الخير الذي يحملونه لمصر»، وربما لا يفهمون كيف رفض الناس «الدين الحنيف» الذي يقبض عليه الإخوان في حين يفرط الباقون! وتحت وطأة الصدمة، خرجت حشود الإخوان لتصلي فوق مداخل ومخارج الكباري في رمضان، لغرض غير مفهوم إيمانيا، وغير مبرر سياسيا.. إلى أن تطور الأمر لاشتباكات بينهم وبين المواطنين في كل ركن يحلون به. وبدا وجه الشبه عميقا بين صلاتهم الاحتجاجية التي يريدون بها إيصال رسالة ما غير الصلاة ذاتها، وبين سلوك «الخوارج».. بل راحت التشبيهات بين الطائفتين تفرض نفسها على مزاج قطاع واسع من المراقبين واستعاراته في توصيف حالة الجماعة. وحيال صلاة الإخوان التي سدت الطرق بقوة العدد والاحتشاد..وحيال عصابات فحص المارة التي انعقدت في عدة نقاط مرورية.. تذكرت صلاة غزالة الشيبانية، إحدى أشهر زعيمات الخوارج. حيث أقسمت غزالة أن تصلي ركعتين في مسجد الكوفة، الأولى بالبقرة والثانية بآل عمران، ثم دخلت الكوفة وسط مقاتلي الخوارج الذين كانوا أشبه بجماعات متدينة مسلحة منظمة، في مشهد أثار هلع أهل الكوفة. ثم صلت غزالة ركعتيها وسط حراسة سبعين مقاتل مسلح، وخرجت بمنتهى الشموخ والكبرياء من صلاتها. فأنشد أهل الكوفة (وفت الغزالة نذرها.. يارب لا تغفر لها).. وهو رد فعل أشبه باعتراض كثير من المصريين لصلاة الإخوان التي كانت العلاقة بينها وبين الصلاة هي الهيئة والشكل والحركات.. دون المضمون والهدف والمرمى. بل وصل الأمر لدرجة حصار مجموعة من الإخوان في مسجد الفتح برمسيس، والإفراج عنهم بيد الأهالي بعد ساعات من الاحتجاز المثير في ليل رمضان ونهاره! *** الإخوان الآن عالقون في «أسانسير رابعة».. يصنعون الكعك، ويعقدون قران المتزوجين (قصة ماركيز!) ولا يدركون التطورات الجارية خارج حدود وجودهم، ولا يستوعبون شيئا مما يحدث.. يستمرون في ممارسة أنشطتهم الهستيرية التي باتت مادة ضحك وتندر، بينما تتمادى قناعاتهم في الإفصاح عن نفسها.. لدرجة أوصلتهم لمربع مسدود مع قطاع كبير من المصريين الذين لم يكونوا يعادون الإخوان أو يرفضونهم بشكل منهجي أو لأسباب منظمة معروفة. لقد زالت آخر جدر الحياء التي يضعها المصريون بينهم وبين أي شخص يزعم الحديث باسم الدين. ومن هنا ربما استوعب تماما قول الموظفة البسيطة بمنتهى الحسم: «الإخوان دول كفرة». وحين ينفض الإخوان، آجلا أم عاجلا، بالتفاهم أو بالسحق أو بعودة مرسي (وسع قدراتك الفانتازية على التخيل عزيزي القارئ)..حينها.. سيرفضون الواقع الجديد.. أو أن يجليهم أحد عن الأسانسير الذي هم به عالقون. بقلم / أحمد الدرينى |