الثورة السورية بأصغر تفاصيلها بكل حسناتها ومساوئها ، صغرت أو عظمت ، نجحت أو فشلت ، ستبقى في ضمائرنا أعظم ثورات العالم ، يكفي أنها فقط إنطلقت بالفطرة فأبناء هذا الشعب العظيم لم تحركهم دولة أو جهة أخرى لخدمة مصالحها ، كما لم يكن لهم قائد سيرفعونه فوق رؤؤسهم املآ ورجاءا به ، فيعجبه المقام لعقود من الإستبداد حتى إن أرهق كاهلهم وحطم إرادتهم واغتال أملهم لن يتذكر ذلك اليوم الذي رفعوه فيه ولن يتردد بالدوس على جثثهم أو بقايا أرواحهم كي يبقى بل أكثر من ذلك ..
ومع احترامنا لكل من ثار لأنه ظلم ..فقد كشفت الثورة السورية أن ما تمخضت عنه بعض ثورات العالم ،والتي دعت إلى الديمقراطيات وحريات الإنسان .. قد تسلط عليها قادة لا يقلون خطورة عن الطواغيت ، ولكنهم أكثر خبثا ومكرا ، فكل ما فعلوه أنهم استبدلوا استبداد شعوبهم باستبداد باقي شعوب العالم ، لنسأل أنفسنا أو نسأل قادة ما يسمى العالم المتحضر ، والاهم إن نسأل الإنسان في العالم المسمى المتحضر ، هل عندما تنادي بالحرية والكرامة تنادي من أجل المواطن الفرنسي أو الأمريكي أو الياباني ... الخ أم تنادي من اجل الإنسان في إي مكان بغض النظر عن جنسيته أو عرقه.. فلأننا بشر سأقول لكم مع انه أمر مخجل بكل صراحة دائما كنت أتسائل لو إني لم أكن سوريا وكنت فرنسيا أو سويديا مثلا ،لتنعمت بما يتمتع به مواطني هذه الدول من كرامة وحريات و رفاه ..وليس غريبا بحكم الطبيعة البشرية أن يرفض أبناء تلك الدول أن يفكروا للحظة بشعورهم لو كانوا يعيشون تحت وطأة أنظمة حكم مماثلة للأنظمة المستبدة لدينا ،ولكن اليوم وبكل فخر سأقول أن ما سأبقي معتزا" به أني من سورية الشعب الذي لم يشعل فتيل ثورته شيئا إلا الضمير الإنساني والأخلاق العظيمة ، والتي انقرضت في هذا العالم بشقيه فلم يعد يحكمه إلا منطق المصلحة الخاصة ،أما الضمير فهو فقط في الروايات الأسطورية الساعية لجوائز نوبل أو الأفلام الهوليوودية .
هذا الشعب العظيم عندما ثار من أقصاه لأقصاه لنصرة بضعة أطفال في قرية تعتبر نائية من درعا .. برهن لكل العالم أن الضمير و الإنسانية والأخلاق لم ولن تنقرض لديه فقبل التحدي وهو يعلم انه قد يواجه كل الشياطين ، فالروس مع ملالي إيران وقد خدروا المارد الصيني فجعلوه كالصنم دعوه إن احتاجوه وان جاعوا التهموه ، يقفون علنا مع إراقة دم السوريين نصرة للظلم والاستبداد ، أما الغرب فشيطان ارتدى وجها ملائكيا ، فلم يعجز عن إيجاد الحجج لعدم الوقوف بجانب السوريين ،و استمرار القتل والدمار في سورية من انتشار للتشدد والتطرف والإرهاب ، والطامة الكبرى أن حججهم تصبح واقعا" ، فهي صنعهم شراكة مع عملائهم ، أما خطوطهم الحمراء كإستخدام السلاح الكيماوي ، فتتلاشى أمام وقاحة عملائهم عندما يتعمدوا اجتيازها ، فمن سيجرؤ على محاسبة عميل ضامن لأمن إسرائيل كالأسد ..ولن يخجل سيد البيت الأبيض وهو يختبأ وراء إصبعه ،وهو يحاول إيجاد الحلول لحماية هذا العميل ،ولو على حساب هيبة أمريكا الزائفة .
إن ما يزيدنا فخرا" بهذه الثورة أنها لا تهرب من المعارك التي فرضت وستفرض عليها ، فالمعركة مع الأسد مستمرة وهذا درس يوجه للطاغية الذي لم يتوانى عن تقديم التنازلات للغرب ، والخنوع تحت الضربات المذلة من سلاح الجو الاسرئيلي ، هروبا من أي معركة كان من الممكن أن تقضي عليه ، وبدلا" من مواجهة العدو والعمل على رد تعدياته والتأكيد على ممانعته ، إختار أن يواجه شعبه فصب قذائفه ونار حقده وتجبره عليه ، حيث رأى في شعبه الخصم الأسهل والأضعف الذي يستطيع قهره ، فأرشده غباؤه لهذا الخيار..
لكن الشعب الذي يدافع ويقاتل دفاعا عن مبادئ وأخلاق وقيم ، لاتبدلها مصالح ، ولا يحرفها خوف ..أقوى منه ومن الشياطين التي تعينه بشكل أو بأخر ،وهذه الثورة ستسطر للعالم سطرا" واحدا"، هو أنها ثورة الضمير في الإنسان السوري ..والذي بالرغم من تشتت وحدته وإفتقاره لأي سلاح ، لم يخف ولن يتردد في مواجهة كل من سحقوا الإنسان أو كتموا ضميره لحماية مصالحهم ، وبعد هذه الثورة ليس فقط سيكون بوسع الشعوب أن تحيا كقطيع وفر له المرعى الخصب ،ولو على حساب إفقار وإذلال الأخر له .. بل كبشر يحكمهم الضمير الذي فطر على الخير مع العقل والحكمة .

مظاهرات طيارة ، مظاهرات عفوية ، مظاهرات علنية، مظاهرات في الباصات ، مظاهرات في المسابح ، مظاهرات على الدارجات ، مظاهرات جامعية ، مظاهرات طلابية .
مظاهرات مسائية ، مظاهرات فجرية ، مظاهرات انتحارية قرب الأفرع الأمنية ، مظاهرات بعد الجمع و بعد التراويح وبعد صلوات التهجد الليلية .
تشييع شهيد ارتقى في مظاهرة ، تشييع شهيد ارتقى في تشييع .
صبغ بحرات ، قطع طرقات، رمي كرات ، توزيع منشورات ، بخ جدرايات، نشر ملصقات، توزيع مجلات، زرع مكبرات، رسائل على الهواتف والموبايلات، و محاولات عديدة لاعتصامات .
هتافات ثورية، أهازيج شعبية، أغاني قاشوشية .
حملات تكبير، ثورة فيسبوكية وألاف الصفحات ، اضرابات محلية و قٌطرية ،دق على الطناجر ، توزيع ورود على الجنود ......وغيرها الكــثـيــر .
يحتاج العالم لسنوات ، ليؤلف عشرات المجلدات تُدرس في أرقى الجامعات عن أساليب الثورة السلمية في سوريا .
بالرغم من كل ما ذكرنا و غيرها الكـــثيــر ..مازال هناك من ينتمي لفصيلة الـح*ير يشكك في الثورة السورية ويتهمها بأمور زرعها في خياله المريض ، ومنها الزعم بأنها بدأت مسلحة .‬