حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
إشكالية قوانين مكافحة الإرهاب في العالم العربي - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: حول الحدث (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=64) +--- الموضوع: إشكالية قوانين مكافحة الإرهاب في العالم العربي (/showthread.php?tid=50950) |
إشكالية قوانين مكافحة الإرهاب في العالم العربي - رائد قاسم - 02-06-2014 إشكالية قوانين مكافحة الإرهاب في العالم العربي رائد قاسم أصدرت الحكومة السعودية قانونا بموجبه يعاقب كل سعودي يدان بالانتماء لجماعات مسلحة خاضت قتال في الحروب والنزاعات الإقليمية أو الدولية بالسجن لفترة تتراوح ما بين ثلاث إلى عشرين عاما، وبمعاقبة كل من يثبت عليه الدعم بكافة أشكاله ، أو الانتماء للجماعات والتيارات المتطرفة ، أو تلك المصنفة على قوائم الإرهاب المحلية أو الإقليمية أو الدولية ، وذلك في إطار إستراتيجية مكافحة الإرهاب التي تنتهجها غالبية دول العالم ، وفي مقدمتها دول الشرق الأوسط ، وفقا لاجندت كل دولة وقوانينها المحلية ، وبعد المرسوم السعودي صدر في بريطانيا تصريح لمصدر قضائي يؤكد على أن كافة البريطانيين العائدين من سوريا سوف يقدمون للمحاكمة ، وان نظام الأسد رغم بشاعته ليس مبررا للانضمام لجماعات قتالية متطرفة ، يشكل الانتماء إليها خطرا على المصالح البريطانية ، وكافة الدول تقريبا ( عدا العراق ولبنان وإيران واليمن) توعدت مواطنيها العائدين من سوريا بالاعتقال الفوري والمحاكمة السريعة. بيد أن دول العالم العربي تعاني من مشكلة عويصة حقا ، فالبيئة العربية غير مستقرة وتعاني الكثير من الأمراض والأدران السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وبيئتها منتجة وحاضنة للكثير من الظواهر الإنسانية السلبية ، فقمع الحريات ، والفساد ، والتخلف والانحطاط الإنساني والحضاري ، والفقر ، وضعف برامج التنمية البشرية والاقتصادية ، والتمييز الجندري والعرقي والديني والطائفي، جميعها عوامل تؤدي إلى نشوء تنظيمات وحركات اجتماعية هستيرية وعنفية ، سرعان ما تتحول إلى حركات إرهابية خطيرة. كما أن دعم الاتجاهات الدينية والأيدلوجية المتسمة بالتعصب وعدم تقبل الآخر المخالف يساهم في تشنج المجتمع وسيادة مشاعر التعصب والكراهية ونظم التفرقة والتمييز بين أبنائه ، ويدفع باتجاه ظهور قوى وتيارات اجتماعية متنافرة ومتصارعة ، مما يحول البيئة العربية إلى بيئة منتجة وحاضنة للظواهر السلبية وفي مقدمتها الإرهاب والتعصب ، وهذا ما تعاني منه الكثير من المجتمعات العربية ، خاصة في العقدين الأخيرين من القرن العشرين وحتى اليوم. القانون السعودي الأخير يأتي كغيره من القوانين العربية المماثلة التي أصدرتها السلطات التشريعية في عدة دول عربية ، إلا إنها تأتي في سياق احتواء الإرهاب لا استئصاله ، فالقانون لا يستأصل الجريمة بل يحتويها ، أما الاستئصال فيحتاج إلى معالجة عميقة وجذرية للمسببات ثم الأسباب ، ولبواطن المعضلات لا ظواهرها ، وهنا تكمن إشكالية صناعة القوانين في البلدان العربية بشكل عام، فعند وضع قانون مضاد للإرهاب لا بد من إصلاح البيئة العربية حتى لا تكون منتجة وحاضنة للظواهر الإرهابية والعنفية ، وإلا فان الجهات المنفذة له ستخوض حربا مفتوحة مع طواحين الهواء!!! من ناحية أخرى فان صناعة قوانين مضادة للإرهاب في العالم العربي بحاجة إلى التمييز بين جرائم الإرهاب المادي والمعنوي وبين الحريات المدنية وحق الفرد والمجتمع في التعبير عن آرائه ومعتقداته ، حتى لا تساهم القوانين أو تستغل في قمع المزيد من الحريات ، وحتى لا تستخدم في قمع النشاط النقدي السلمي الذي يستند على مرتكزات الإصلاح والتنمية المدنية. من جانب آخر فان مشكلة العالم العربي بشكل عام أن اللاديمقراطيين يمارسون الديمقراطية !! ففي مصر مارس الإخوان المسلمون السياسة وخاضوا الانتخابات وهم لا يؤمنون بالديمقراطية ، وكذلك الأمر في الكويت والبحرين والعراق ولبنان والأردن والسودان والجزائر وتونس وغيرها، مما أذى إلى المزيد من التشنج وبث ثقافة التعصب والتطرف في المجتمع ، وادخل هذه البلدان في معمعة الصراعات الأيدلوجية والسياسية المتداخلة ، المبنية على مشاعر مذهبية وطائفية وعرقية مليئة بالكراهية العمياء والأحقاد المتشابكة ، مما ساهم في ترسيخ الظواهر السلبية وفي مقدمتها الإرهاب والتعصب ، وساعد في بروز القوى الراديكالية المسلحة التي تؤمن بالقوة في سبيل تحقيق أهدافها الايدولوجية، تماما مثلما كان من أمر ألمانيا وايطاليا في النصف الأول من القرن العشرين، فقد وصل كل من هتلر وموسوليني للسلطة في انتخابات عامة، وبعدما امسكا بزمام الحكم مارسا دكتاتورية دموية دمرت كل من البلدين في نهاية الأمر. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان كل من الشعبين الألماني والايطالي قد مرا بتجربة حكم مرعبة ودامية، وكان كل من الفكر النازي والفاشية لا يزالان من أكثر القوى تنظيما وقوة على الساحة، بالرغم من حكمهما الدموي وفشلهما الدريع في إدارة كلا الدولتين، إلا إن المسئولين الجدد في كل من ألمانيا وايطاليا وبتأييد شعبي واسع النطاق بدئوا بإجراء إصلاحات عميقة وشاملة ، وسن دساتير وطنية ديمقراطية حقيقية، تمنع الأحزاب والقوى الغير ديمقراطية من ممارسة حقوقها السياسية ، فكان أن حرم النازيون في ألمانيا والفاشيون في ايطاليا من خوض أية انتخابات أو شغل أي منصب حكومي، وحوربت ثقافة الإقصاء والعنصرية والتمييز والشمولية وكافة مرتكزات نظم الإرهاب والتعصب ، مما أذى في النهاية إلى ضمور الحركات المتطرفة والإرهابية في كل من ألمانيا وايطاليا ،وسيادة قيم الحرية والتعددية فيهما. وحتى يومنا هذا فان الجماعات الدينية والأيدلوجية والسياسية المتطرفة موجودة في شتى أنحاء أوربا والولايات المتحدة، إلا أنها جماعات خاملة لا تشكل خطرا على النظام العام ، بل ولا يمكنها أن تسود أو أن تتحول إلى تيارات مؤثرة في مجتمعاتها، بسبب حيوية البيئة وديناميكيتها ، ورصانة وقوة أنظمتها السياسية والاقتصادية والثقافية ، وسيادة نظم الحريات والحقوق ورسوخها. في عالمنا العربي تعاني العديد من المجتمعات العربية من سطوة الجماعات الإرهابية والعنفية والمتطرفة والمتشددة ، وذلك بسبب ضعف التنمية الإنسانية ، وهشاشة النظم السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية ، علاوة على قمع الحريات المدنية ،وترسخها كقيم حاكمة، الأمر الذي أدى إلى تهيأ بيئة ملائمة لنمو قوى توازي الدولة في قوتها وسطوتها، كما في العراق ولبنان وليبيا واليمن والسودان وغيرها. من جهة أخرى فان مؤسسة الدولة في عدد من البلدان العربية عجزت عن استيعاب الأفراد والجماعات التي نشأت في الخارج ولم تتمكن من إعادة تشكيلها ودمجها في منظومتها الوطنية والاجتماعية ، مما حولها إلى قوى منافسة للدولة أو مهددة لها. إن المواطن المسلم الأوربي أو الأمريكي أو الكندي عندما يعود إلى بلده من سوريا أو غيرها من مناطق النزاع فانه سوف يجد بلدا يستوعبه إذا ما أعيد تأهيله جيدا، ووطنا يجد فيه هامشا واسعا من الحرية، وبحرا من الفرص والإمكانيات ، مما يرفع من نسبة احتمال نجاح إعادة تأهيله ، وبالتالي تركه للإرهاب والعنف وسائر الظواهر السلبية الأخرى ، أما الشاب العربي الذي يعود من مناطق القتال الدامية إلى وطنه فانه سوف يعيش في بيئة ضيقة ذات نظام اجتماعي مغلق وافق إنساني محدود، على مختلف الأصعدة والميادين، لتتهيأ له عوامل تدفع به نحو ممارسة الإرهاب الفكري والسيكولوجي داخل محيطه الاجتماعي ، سرعان ما يتحول إلى إرهاب تقليدي يشكل خطورة على امن بلاده ومجتمعه، لذلك فان إنشاء المؤسسات الإصلاحية التي تعنى بإعادة تأهيل المتطرفين والمنتمين للجماعات الإرهابية بمختلف مستوياتها ومصنفاتها لن يكون دا جدوى ما لم يتم إصلاح البيئة التي يعيشون فيها ، حتى يمكن أن يحصلوا على فرص وامتيازات تفوق ما كانوا يحصلون عليه من انتماءاتهم للجماعات المتطرفة، وهذا لن يتأتى إلا بالإصلاح الحقيقي والجوهري والعميق في شتى الجوانب والاتجاهات والأصعدة، هذا ما جعل الفكر النازي الألماني يضعف كثيرا في ألمانيا ، وحول ألمانيا إلى دولة مسالمة وديمقراطية ، وهذا ما جعل اليابانيون ينهضون ببلدهم بعد الكارثة التي حلت بهم بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث تخلوا عن نظامهم الإمبراطوري الاستعماري ، وأسسوا نظاما إمبراطوريا دستوريا ، واتجهوا نحو العلم والصناعة والتنمية ، وتركوا الحروب والسعي نحو استعمار الأمم الأخرى، واستثمروا في بناء شبابهم وثروتهم البشرية عوضا عن استعباد الشعوب واحتلال بلادهم. إلا إن السؤال الملح الذي قد يطرح: لماذا بعض الدول العربية والإسلامية محصنة إلى حد كبير من مظاهر الإرهاب والتعصب ؟ كالإمارات وماليزيا مثلا! بينما تعاني دول أخرى منها اشد المعاناة؟ لا شك أن مثل هاتين الدولتين أنشئتا فضاء اجتماعيا مفتوحا إلى حد ما، مما ساهم في امتصاص الظواهر السلبية، علاوة على محاربتهما لكافة أشكال التطرف والتشدد ، خاصة تلك التي يمكن أن تمارس في دوائر الدولة ومؤسساتها ، لا سيما الدينية والتعليمية والقضائية. إن الإرهاب كالفيروس لا يظهر سوى في الأجساد العليلة! وانه في معنى آخر كالشجرة الخبيثة لا بد من قلع جذورها وإصلاح الأرض التي تنبت فيها حتى تقل احتمالات ظهورها مرة أخرى ، بيد أن الإرهاب لا يمكن القضاء عليه بشكل مطلق، فمتى ما توفرت مسبباته وأسبابه وعوامل ظهوره فانه سيظهر ، فإذا ما أهملت الأرض عادت الشجرة الخبيثة، وإذا ما أهمل الجسد فسوف تعيث فيه الفيروسات فسادا ، إلا انه بالإصلاح والتنمية والحرية سيتحول إلى فيروس خامل لا يقوى على شي أمام سيادة نظم التنوير والحداثة والحرية. |