حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
فلسفة المجتمع العربي الإسلامي - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: فلسفة المجتمع العربي الإسلامي (/showthread.php?tid=51269) |
فلسفة المجتمع العربي الإسلامي - حسن عجمي - 06-16-2014 فلسفة المجتمع العربي الإسلامي حسن عجمي كل مجتمع قائم على فلسفة معينة. و المجتمعات تختلف باختلاف فلسفاتها. فالمجتمع مجموع سلوكيات و عقائد. لكن فلسفتنا تحدِّد سلوكياتنا و عقائدنا. من هنا , أي مجتمع مبني على أسس فلسفية. المجتمع في اللغة العربية مشتق من " جَمَعَ " , و بذلك المقصود من المجتمع العربي الاسلامي هو الجمع فالتوحيد. و بالفعل في العصور الذهبية لحضارتنا كان المجتمع العربي الاسلامي قائماً على فلسفة التوحيد ليس بالمعنى الديني فقط بل بالمعنى الفلسفي و العلمي أيضاً. تتجلى فلسفة التوحيد في تجليات متعددة و مختلفة منها فلسفة توحيد الآلهة في إله واحد و فلسفة توحيد الأديان و العلوم و فلسفة توحيد النظريات الفلسفية المتنوعة. لقد صاغ العرب و المسلمون في عصورهم الذهبية هذه الفلسفات التوحيدية و بنوا مجتمعهم على أساسها. و لذا كان من المتوقع أن تصبح الحضارة العربية الاسلامية سيدة الحضارة الإنسانية و مصدر العلم و المعرفة. و أول خطوة في صياغة فلسفة التوحيد كانت كامنة في توحيد الله و من ثم توحيد التقاليد الدينية التي ظهرت قبل الاسلام كالمسيحية و اليهودية. و بالفعل تمكن الاسلام من توحيد الديانتيْن السابقتيْن و إن نظرياً. هذا لأن الاسلام يجمع بين مبادىء المسيحية و اليهودية كأن يدعو إلى المبدأ اليهودي القائل إن العين بالعين و المبدأ المسيحي القائل بأن المسامحة أفضل. كما أن اعتراف الاسلام بأنبياء اليهودية و بالمسيح في آن ليس سوى محاولة توحيد أخرى بين اليهودية و المسيحية. و لقد استمرت عملية بناء فلسفة التوحيد فوحّد فلاسفة المجتمع العربي الاسلامي بين الفلسفة المثالية المتمثلة في فلسفة أفلاطون و الفلسفة الواقعية المادية المتجسدة في فلسفة أرسطو. فمثلا ً , فلسفة ألفارابي و إبن سينا ليست سوى نموذج فكري لتوحيد الفلسفتيْن السابقتيْن المتنافستيْن. فبينما أفلاطون يؤكد على أن ماهيات الأشياء و الظواهر منفصلة عن عالمنا الواقعي المادي و موجودة فقط في عالم مثالي مختلف و منفصل عن عالمنا , يصر أرسطو على أن الماهيات موجودة في العالم الواقعي المادي. لكن العديد من فلاسفة المجتمع العربي الاسلامي كألفارابي و إبن سينا وحّدوا بين مثالية أفلاطون و واقعية أرسطو من خلال نظرية الفيض الإلهي. و باختصار تم ذلك من خلال مبدأ أن الكون و كل ما فيه من تجليات مثالية و تجسدات واقعية ليس سوى فيض من الله ما يشير بقوة إلى توحيد الفلسفة المثالية و الفلسفة الواقعية. فحين تكون العوالم المثالية و العوالم الواقعية ليست سوى تجليات متنوعة للفيض الإلهي نفسه , تتوحّد حينئذ ٍ الفلسفة المثالية و الفلسفة الواقعية في نموذج فلسفي واحد. بالإضافة إلى ذلك , سعى العديد من المعارضين لفلسفة الفيض كالغزالي و إبن رشد و إبن تيمية إلى التوحيد بين الدين أي الاسلام و الفلسفة. و بذلك صاغوا نماذج فكرية متعددة ضمن فلسفة التوحيد. فمثلا ً , بالنسبة إلى الغزالي و إبن تيمية , لا يوجد تعارض بين النقل أي الدين الاسلامي و العقل لأن مصدرهما واحد ألا و هو الله. بالنسبة إليهما , الدين هو معيار الحقيقة و المعرفة و مصدرهما فإن بدا أي تعارض بين الاسلام و الفلسفة حينها لا بد من إعادة تأويل أو إعادة قراءة الفلسفة لجعلها منسجمة مع الاسلام و بذلك يزول الخلاف بين النقل و العقل. أما بالنسبة إلى إبن رشد فالعقل هو معيار الحقيقة و المعرفة و مصدرهما , و لذا إذا بدا أي تعارض بين النقل و العقل لا بد حينها من إعادة قراءة أو تفسير النقل أي الدين على ضوء العقل أي الفلسفة , و بذلك يزول أيضاً الخلاف بين الاسلام و الفلسفة. على هذا الأساس , رغم اختلاف فلسفة إبن رشد عن فلسفة الغزالي و إبن تيمية ما زالت فلسفة كل واحد من هؤلاء الفلاسفة مجرد صياغة لفلسفة التوحيد بين ما يبدو في الظاهر على أنه مختلف و متعارض. و تتجسد فلسفة التوحيد في أجمل صورها في التصوف العربي الاسلامي لدى إبن عربي و جلال الدين الرومي و غيرهما. فالمبادىء الأساسية في التصوف العربي الاسلامي هي : وحدة الوجود أي أن كل الكائنات ليست سوى كائن واحد , و وحدة الأديان أي أن كل الأديان دين واحد , و وحدة الإنسانية أي أن كل البشر ليسوا سوى إنسان واحد. و لقد أكمل علماء المجتمع العربي الاسلامي بناء فلسفة التوحيد من خلال توحيد النماذج العلمية المختلفة المأخوذة من اليونان و الهند و أماكن أخرى. مثل ذلك ما قام به عالِم الرياضيات الخوارزمي الذي وحّد بين التفكير الرياضي اليوناني و التفكير الرياضي الهندي ما دفعه إلى إنشاء ما هو جديد في العلم ألا و هو علم الجبر. هكذا فلسفة التوحيد انتشرت في الحضارة العربية الاسلامية الماضية و على ضوئها أنتج العرب و المسلمون نظريات فلسفية و علمية و دينية جديدة , و كانت فلسفة التوحيد النموذج الأساس الذي عليه بنى العرب و المسلمون مجتمعهم. فحين نوحّد بين الفلسفات المثالية و الواقعية و نوحّد بين العلوم المتعارضة يتوحّد المجتمع لا محالة لأن المجتمع يتكوّن من عقائد و أفكار منتجة بطبيعتها لسلوكيات الأفراد. من هنا , فلسفة التوحيد بكافة تجلياتها أساس و مصدر المجتمع العربي الاسلامي في عصره الذهبي. مثل آخر على فلسفة التوحيد و كيف من الممكن استخدامها لتوحيد المجتمع و بنائه يتمثل في خطاب قاضي البصرة عبيد الله بن الحسن : " كل ما جاء به القرآن حق , و يدل على الاختلاف. فالقول بالقدر صحيح ... و القول بالإجبار صحيح ... و سئل يوماً عن أهل القدر و أهل الإجبار فقال : كل مصيب ... قال و كذلك القول في الأسماء , فكل من سمى الزاني مؤمناً فقد أصاب , و من سماه كافراً فقد أصاب ... قال و كذلك السُنن المختلفة ... و بأي ذلك أخذ الفقيه فهو مصيب. قال : و لو قال إن القاتل في النار كان مصيباً , و لو قال هو في الجنة كان مصيباً , إذ كان إنما يريد بقوله إن الله تعبده بذلك و ليس عليه علم الغيب ... " ( ابن قتيبة : تأويل مختلف الحديث ). المقصود بأهل القدر هم الذين قالوا بأن الإنسان حر فيما يفعل كالمعتزلة و لكن أُطلِق عليهم لقب أهل القدر في بعض الأوساط الثقافية القديمة رغم عدم دلالة الاسم على مدلول المذهب المقصود بينما أهل الإجبار هُم مَن قالوا بأن الإنسان غير حر فيما يفعل كالأشاعرة. في هذا الخطاب يوحّد قاضي البصرة بين المذاهب الدينية و الفكرية المختلفة من خلال اعتبارها صادقة رغم ما تبدو عليه من اختلاف. و بذلك يوحّد بين التيارات السلوكية و الفكرية المتعارضة في المجتمع فيوحّد المجتمع تحت راية فلسفة التوحيد. و ينجح قاضي البصرة في التوحيد بين المذاهب المختلفة بفضل اعتبارها كلها صادقة ؛ فحين نعتبر أنها كلها صادقة تتوحّد بذلك المذاهب المتنافسة لكونها تتصف بصفة أساسية و جوهرية واحدة هي صفة الصدق. و يظهر في خطاب قاضي البصرة المبدأ الأساس الذي دفعه لقبول كل المذاهب الدينية و الفكرية المتعارضة و توحيدها. و هذا المبدأ مفاده : " و ليس عليه علم الغيب " , أي بما أننا لا نعلم الغيب أي بما أننا غير معصومين عن الخطأ إذن علينا قبول كل المذاهب السلوكية و الفكرية فالسماح بتواجدها و صياغة المجتمع على أساسها. هكذا ينشأ المجتمع من خلال توحيده , و يتم توحيده من خلال قبول كل ما يولد فيه من سلوكيات و أفكار و عقائد. هذه هي الديمقراطية بثوبها العربي الاسلامي. لكننا اليوم قتلنا المجتمع العربي الاسلامي من جراء قتلنا لفلسفة التوحيد التي على ضوئها وُلِد المجتمع العربي الاسلامي و ازدهر. اليوم انتقلنا إلى فلسفة التفريق لأننا لم نقرأ تراثنا قراءة صحيحة. و من معالم فلسفة التفريق التي نتبعها : التفريق بين الذات و الآخر و بين الإسلام و المسيحية و بين الشيعة و السُنة. لكن كل تفريق و تمييز يصطحب معه التعصب لفريق دون آخر. من هنا , فلسفة التفريق مصدر اقتتالنا و حروبنا و انهيار حضارتنا. هذا يدل على أن لا خلاص لنا سوى من خلال الاعتماد على فلسفة التوحيد و اتباعها و صياغة فلسفات توحيد جديدة. ليس في هذا المنهج عودة إلى سجون الماضي بل عودة إلى حرية التراث من أجل بناء تراث مستقبلي جديد. و بما أننا لم ننجح في قراءة تراثنا قراءة صحيحة لم ننجح أيضاً في فهم تراث الغرب و إنجازاته الحضارية. هذا لأن حضارتنا و حضارة الغرب حضارة واحدة في جوهرها و ذلك بفضل اعتماد كل من الحضارتين على التفكير المنطقي و الموضوعي ما ضمن قبول الآخر في عصورنا الذهبية و قبول الآخر في الغرب. فالحرية الفكرية و السلوكية كانت متاحة في العصر الذهبي للحضارة العربية الاسلامية تماماً كما هي سائدة اليوم في الغرب ما سمح بصياغة فلسفات و علوم جديدة. و عدم فهمنا للتراث العربي الاسلامي جعلنا سجناء تراث وهمي و كاذب ما أدى بدوره إلى عدم فهم الآخر الغربي. فكل من التراث الفكري الغربي و الفكر الغربي الحديث و المعاصر يعتمد أيضاً على فلسفة التوحيد. مثل ذلك أن أرسطو يوحِّد الظواهر من خلال اعتبارها متكوّنة من ماهيات معينة ؛ فكل الأشجار أشجار لأنها تملك ماهية واحدة هي ماهية الشجرة , و كل البحار بحار لأنها تملك ماهية واحدة هي ماهية البحر. و الأمثلة عديدة على فلسفة التوحيد في الغرب منها عمليات توحيد الظواهر في العلوم. فمثلا ً يوحِّد أينشتاين بين الزمان و المكان فيعتبر أنهما يشكّلان بُعداً واحداً أطلق عليه اسم الزمكان. و يوحِّد أينشتاين أيضاً بين الجاذبية و الزمكان حين يقول إن الجاذبية ليست سوى انحناء الزمكان. و يوحِّد أينشتاين بين المادة و الزمكان حين يؤكد على أن المادة ليست سوى اضطراب الزمكان. كما توحِّد نظرية ميكانيكا الكم العلمية بين الجسيم و الموجة من خلال اعتبارها أن الجسيم نفسه كالإلكترون هو جسيم و موجة في آن. و تصر ميكانيكا الكم على هذا الاتجاه التوحيدي عندما تقول إن كل التواريخ الممكنة العديدة و المتعارضة متحققة بالفعل في عالمنا الواقعي , و بذلك توحِّد بين التواريخ المختلفة. أما فلسفة الهجرة التي يتبعها الغرب فمفادها جمع الجماعات الدينية و العرقية المختلفة و توحيدها في مجتمع واحد لا يتجزأ ما يسمح بالتنافس الشديد بينها فيؤدي بها إلى إنتاج ما هو الأفضل و الأنجح من أفكار و سلوكيات. هكذا قبول المهاجرين إلى الغرب هدفه توحيد الحضارات في حضارة واحدة قادرة على تحقيق التفوق الحضاري في السلوكيات و العقائد و العلوم. كل هذا يرينا أن الحضارة الغربية معتمدة على فلسفة التوحيد تماماً كما كانت حضارتنا معتمدة على التوحيد و إنتاج التوحيد ما يشير إلى أن التفوق الحضاري أساسه فلسفة التوحيد. لكننا الآن نرفض فلسفة التوحيد و نؤمن بفلسفة التفريق و فلسفة الوهم و الإيهام. فاليوم , التاريخ العربي الاسلامي تاريخ وهمي من صنع خيالنا. فمثلا ً , علي لم يقاتل عمر , و إبن تيمية لم يُكفّر الشيعة. لكننا نعتقد نقيض ذلك لأننا اخترعنا تاريخاً كاذباً لنا , و على ضوء تاريخنا المتخيل و المخادع نفكر و نتصرف. هكذا أمسى الإسلام إسلاماً وهمياً ؛ فهو إما إسلام تكفير الشيعة و إما إسلام رفض السُنة. فبالإضافة إلى فلسفة التفريق التي نتبعها نتبع أيضاً فلسفة الوهم التي بفضلها نحوّل الحقائق إلى أوهام و الأوهام إلى حقائق. و سر صراعاتنا الطائفية و المذهبية و العرقية كامن في توهم أن الآخر منا عدو لنا. و أصبحت فلسفة التوهم لدينا عقيدة و أيديولوجيا معقدة التفاصيل و المبادىء. فثمة مؤسسات و مدارس تكوّن أوهامنا عن بعضنا البعض و عن الآخر الغربي. فالعديد من السُنة يعتقدون أن الشيعة يعبدون الأوثان و الأضرحة , و العديد من الشيعة يعتقدون أن السُنة يعبدون أوثان قريش و يكرهون أهل بيت محمد. لكن هذه العقائد ليست سوى أيديولوجيات الوهم التي نحن الذين قمنا بصياغتها و الدفاع عنها. و كما أننا نحيا في تاريخ عربي إسلامي وهمي , نحيا في مجتمعات عربية إسلامية وهمية. فمجتمعاتنا تتكوّن من الآخر الشيعي أو السُني أو العربي أو الكردي , و بذلك لا تتشكّل مجتمعاتنا منا. و لذا لا مجتمعات حقيقية لدينا. فالمجتمع تفاعل سلمي و تواصل إيجابي بين الأفراد. لكننا اليوم لا نجيد سوى لغة السلاح و لغات إلغاء الآخر. لذلك لا نحيا سوى في مجتمع وهمي. فالمجتمع هو عمليات تبادل القدر الأكبر من المعلومات الصحيحة. لكننا اليوم لا نتبادل سوى المعلومات الكاذبة. لذا خسرنا المجتمع الإنساني فخسرنا بذلك أيضاً إنسانية الإنسان. لقد أصبح وجودنا وجوداً وهمياً. لذا لم نتمكن و لم يتمكن أحد من أن يفهم مَن نحن. |