نادي الفكر العربي
الكابوس الأميركي - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3)
+--- المنتدى: حول الحدث (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=64)
+--- الموضوع: الكابوس الأميركي (/showthread.php?tid=5377)

الصفحات: 1 2


الكابوس الأميركي - shahrazad - 04-24-2008

الكابوس الأمريكي..د/ أحمد خالد توفيق بقلم د/ أحمد خالد توفيق
الكابوس الأمريكي



كلما رأيت تداعي الأحوال في مصر، وذلك الشرخ الذي يتسع ويتسع في الجدار منذرًا بالويل، فكرت في أنانيتي الخاصة عندما لم أفكر في الهجرة للولايات المتحدة من أجل أولادي .. لقد عانى (كونتا كينتي) جد (أليكس هيلي) الكثير عندما تم اختطافه من سواحل غانا وحُمل في قاع سفينة إلى العالم الجديد، لكننا – لو فكرنا تفكيرًا جانبيًا – لوجدنا أنه كان يكافح كي ينعم أحفاده اليوم باستعمال الألفاظ البذيئة وشرب الكولا ورقص الراب في بروكلين .. يكفي أن أحد أحفاده صار هو الكاتب العظيم (أليكس هيلي) ..

لي صديق فعلها في هذه السن المتأخرة نسبيًا .. السن التي لا تسمح لك بأن تغسل الصحون أو تقف في محطة وقود، بينما تقضي الليل منكبًا على دراسة الطب .. لكني في النهاية أجد أنني بالفعل لا أحب نمط الحياة الأمريكي ولا أطيقه .. حياة رُسمت سلفًا بكل مراحلها وسوف تتحرك فيها كأنك قطار يتحرك على خط حديدي .. صحيح أنك في مصر قطار آخر يتحرك بجرار تالف على خط حديدي متآكل، لكن الحياة هنا في مصر ذات طعم ولون ورائحة ..الكثير منها في الواقع ..



لو أنني ولدت في نيويورك وكنت ذكرًا بروتسنتيًا أبيض WASP فإن حياتي مرسومة عبر محطات معروفة صرت أحفظها من قراءة المجلات الأمريكية ومشاهدة أفلامهم ..



عالم المراهقة: هذا هو عالم المدرسة الثانوية وقلة الأدب والتطاول على المعلمين لأن التعليم ممل Boring.. مشكلتي هي البلطجي (هانك) الذي يتربص بي لأنني نحيل وبنظارة وهناك نمش على وجهي، وهو يتعمد إهانتي وسكب اللبن على رأسي ساعة الطعام، ولا احد يتعاطف معي في مجتمع لا يرحم المهزومين سواء كانوا هنودًا حمرًا أو عربًا أو زملاءك في الصف . ثم يأتي موعد الحفل الراقص السنوي وانتخاب الـ Broom queen أو ملكة الحفل .. كيف أقنع فتاة بأن تصحبني للحفل ؟.. كيف يرضى أبي بالتخلي عن السيارة ؟.. في حفل كهذا سوف تفقد حسناء الصف (كارول آن) عذريتها، وهي ليست مشكلة لأن أباها كان سيصحبها للطبيب النفسي لو تأخر الأمر أكثر من هذا ، ولربما ظهرت في إحدى حلقات (أوبرا) لمناقشة مشكلتها ...

البيزبول لعبة مملة يستحيل فهمها .. ملعب يشبه الماسة وشخص يضرب الكرة بمضرب يستعملونه لقتل الزوجات كذلك، وهناك ثور يلبس درعًا على صدره يتلقفها بقفاز .. ثم يصرخ الكل : "اركضوا يا فتيان !" ونحرز نقطًا لا ادري على أي شيء، لكن البيزبول هو الطريقة الوحيدة لقبولك في مجتمع كهذا، وكي تحبك الكتاكيت Chicks .. هناك كرة القدم الأمريكية العجيبة التي تلبس فيها الدروع وتضرب عددًا من الثيران، ولا تلمس قدمك الكرة مرة واحدة .. بينما المدرب (رالف) يصرخ في وحشية: سوف نسحقهم يا شباب !

كلها ألعاب معقدة تختلف عما يلعبه العالم كله، وكلها تحتاج إلى إمكانيات وثراء .

الكلية: تقريبًا نفس روتين المدرسة الثانوية.. أضف لهذا الحفلات الصاخبة التي يشرب فيها الجميع البيرة Booze وتتعرى الفتيات تمامًا .. هذه هي الفترة التي سأجرب فيها المخدرات لأول مرة .. سأكون محظوظًا لو شاركت في احتفالات (ماردي جرا) التي تذكرك بأعياد (باخوس) الرومانية الماجنة..

بعد التخرج: أنا أعمل في شركة تنفيذية ما تمارس المنافسة قاطعة الرقاب مع شركات أخرى .. القميص قصير الكمين وربطة العنق والعروض على جهاز الكمبيوتر .. مغازلة زميلة العمل عند براد الماء .. العمل من التاسعة للخامسة والخوف المزمن من الطرد والجوع .. لو طردت سأقوم بتعبئة لوازمي في علبة كبيرة من الورق المقوى وأخرج من الباب يرافقني رجل الأمن ...ولسوف أصير سكيرًا...

الأسرة: حفل الزفاف والسيارة التي ربطوا بها علب طعام محفوظة فارغة تحدث قعقعة .. مشكلة زوجتي هي تقليل السعرات في الطعام بسبب الشحوم حول الخصر .. يجب أن أقلل من ولعي بشطائر الهامبرجر والجبن .. ابنتي (سو ألين) صارت الآن مراهقة وقحة تصر على أن ترافق الفتية للمرقص وتقول لي: "داد .. أنت ابن عاهرة وسافل وحقير .. أنا أكرهك".. تقولها وهي تهز شعرها الطويل ليغطي نصف وجهها ثم تندفع خارجة من الغرفة كنمر هائج …

فأبتلع الإهانة .. لو صفعتها لشكتني للشرطة وقُبض علي .. لابد من الصبر حتى أحل مشكلة تعاطيها المخدرات ومشكلة الحمل في سن الخامسة عشرة .. أذهب أنا وزوجتي لحفلات الكوكتيل حيث أقف أمام الناس لأحكي لهم عن (أظرف شيء حدث لي في طريقي لهذا الحفل).. و (أفضل مطعم يمكن أن تتناول فيه شطائر التونة بالبطاطا المقلية).. ثم نعود للبيت لتطالبني زوجتي بالطلاق بلا سبب وتبدأ في حساب ما يناله كل منا من ممتلكاتي ..

ربما تنجب زوجتي – لو لم تطلقني - طفلاً مشوهًا له أربعة أنوف وثلاث آذان وذيل .. هنا أقرأ في الصحف عن معهد في أوهايو متخصص في الأطفال الذين لهم أربعة أنوف وثلاث آذان وذيل .. أذهب هناك لأقابل د. (سميث باركر) خبير الأطفال ذوي الأربعة أنوف والثلاث آذان والذيل الذي يقول لي: "أهم شيء أن نجعل طفلك لا يشعر بالاختلاف عن الآخرين"

هكذا يصير طفلي رسامًا وأستاذًا جامعيًا وبطلاً في كرة القدم ، ويظهر في حلقة من حلقات (أوبرا) حيث يبكي الجميع مع كثير من (الواو والأوه وماي جاش) ...

السياسة: سواء كنت ديمقراطيًا أو جمهوريًا فأنا مؤمن أن الفلسطينيين إرهابيون يحاولون أن يأخذوا من اليهود الطيبين أرضهم .. أؤمن بالقيم الأمريكية وطريقة حياتنا .. أؤمن بالديموكراسي وماي فيلو أمريكانز .. أدعو لهم بالنصر في العراق الذي لا أعرف أين هو ولا مشكلته بالضبط .. ولا يعنيني شيء من هذا .. أحترم بشدة – أو أتظاهر باحترام - اليهود والزنوج والشواذ جنسيًا حتى لو كنت أنتمي للحزب الجمهوري ..كنت أمقت الشيوعية واليوم أمقت الإسلام .. هؤلاء القوم الذين يعبدون القمر ويذبحون الأطفال قرابين من أجل إلههم الذي يسمونه (الله) .. ويرقصون عراة في موسم الحصاد ..

الحادث: ثم أسقط من على الجبل وأنا أمارس التزلج فيتهشم ظهري وأصاب بالشلل، لكني أصر على المقاومة .. وأروح أضرب كرة البيزبول في الحائط طيلة اليوم على سبيل التدريب .. هكذا أستعيد صحتي، وأكتب قصتي في كتاب اسمه (كيف قهرت الشلل) وهو الكتاب الذي يشتريه التلفزيون فورًا، من ثم أتمكن من شراء ذلك البيت الجميل الذي كنت احلم بشرائه في (بالتيمور)..

النهاية: هذه هي سن سرطان القولون.. مشكلة التقدم في الرعاية الصحية هي أنك لا تموت بالتيفود ولا نوبة قلبية في سن الخمسين كما كان يحدث، بل تنتظر حتى سن الثمانين حين تقرر خلاياك أن تصاب بالجنون.. سأموت في المستشفى ويحرقون جثتي .. ثم يقف أولادي متظاهرين بالتأثر فوق قبري ويطوق أحدهم كتف أمه مواسيًا ويقول آخر: "وداعًا داد .. كنت عظيمًا ... "

أموت مطمئنًا لأن أولادي باقون من بعدي وسيمشون في نفس الدرب، ويحافظون على القيم الأمريكية .. قيم (علم النجوم اللامعة)...



هذه هي حياتي لو نشأت في أمريكا أو هاجرت إليها .. وإنني لأسألك بكل صدق : متى عشت ؟.. متى اختلفت ؟... هل هذه هي الحياة التي من أجلها أغسل الأطباق، ,و أدرس الطب ليلاً، وأبحث عن فتاة أمريكية (مضروبة) تقبل الزواج مني وتمنحني الجنسية ؟.. بصراحة عندما أقارن بين حياة (ماي فلو أمريكانز) هذه وحياتنا الحالية بما فيها من فوضى وعشوائية وفقر ومرض و(شعبان عبد الرحيم) فإن شعبان يكسب بالتأكيد ..!




http://www.rewayty.com/Public/ShowArticle.aspx?ArticleID=451



الكابوس الأميركي - قطقط - 04-25-2008

لا .. جديدة ( يعنى فكرة جديدة )

--------------
أحمد خالد توفيق !!؟؟
http://www.nadyelfikr.net/index.php?showtopic=53625


الكابوس الأميركي - نسمه عطرة - 04-25-2008

,و أدرس الطب ليلاً، وأبحث عن فتاة أمريكية (مضروبة) تقبل الزواج مني وتمنحني الجنسية’
................
:yes::thumbup:





الكابوس الأميركي - shahrazad - 04-25-2008

هوامش عن الحرب السادسة..د/ أحمد خالد توفيق بقلم د/ أحمد خالد توفيق
هوامش عن الحرب السادسة

في اليوم التالي مباشرة لسقوط بغداد، وجدت عند بائع الصحف جريدة أسبوعية تتصدر صفحتها الأولى صورة عملاقة لوزير الإعلام العراقي (الصحاف)، وقد كتب تحتها: "الصحاف: رمز الصدق الإعلامي".. هذه الجريدة لم تعرف بما حدث أمس ولم تجد الوقت لتبدل عناوينها، ففي الأسابيع التالية تحول الصحاف إلى رمز الكذب والجعجعة الخطابية الفارغة وانضم اسمه إلى اسم (أحمد سعيد) في مصر، وصار فقرة للإضحاك في الكوميديات الفضائية .. والكاريكاتور المرفق رسمه الفنان الشاب شريف عرفه تعبيرًا عن الرأي العام السائد وقتها .

برغم كل شيء فإن ذكرياتي عن الصحاف كانت إيجابية جدًا، ورأيي أنه أدى عمله كأفضل ما يكون .. يسقط الصاروخ الأمريكي في مكان من بغداد فيكون هناك خلال ربع ساعة غير خائف على حياته من قنبلة لم تنفجر بعد أو غارة تابعة، ويقدم الحقائق للصحفيين في ثبات وثقة مع الكثير من المرح.. وكم من مرة وجه ضربات محكمة لأكاذيب آلة الدعاية الأمريكية التي تقودها (سي إن إن) .. لقد كان بارعًا بحق حتى اللحظة الأخيرة، لكن الجيش خذله ..

نفس الشيء ينطبق على صمود العراقيين أمام القوة العظمى في الكون.. هل نسينا الأسابيع الثلاثة الأولى من الحرب والوقت العصيب الذي منحه العراقيون للأمريكيين ؟.. هل نسينا القتال لمدة عشرة أيام في ميناء (أم القصر) والهجمات على قوافل المؤن، وسقوط الأباتشي، والمدفعية الأرضية التي تصدت لكل صورايخ (كروز) ؟.. هل نسينا المشاجرات في البنتاجون ؟.. والاستجوابات التي خاضها رامسفيلد حول (هل وضعتنا في فيتنام جديدة ؟.. كيف دخلت هذه الحرب من دون قوات برية كافية ؟).. ملحمة رائعة ساعد فيها أن خطة الدفاع عن العراق وضعها عسكريون محترفون، بينما سقطت بغداد ذاتها خلال ساعات لأن خطة الدفاع عنها وضعها المحامي (قصي صدام حسين)، وبما أنه ابن رئيس الجمهورية فقد افترض أن هذا كاف لجعله يجيد الاستراتيجية والسباكة والفن التشكيلي وميكانيكا الكم ..

سقطت بغداد .. وعلى الفور نسى الناس كل شيء وتبخرت كل هذه المقاومة الأسطورية، فلم يعد أحد يذكر إلا مشاهد الاقتحام والنهب ..ونسى الأمريكان كل اتهاماتهم لرامسفيلد فلم يعد إلا القائد المنتصر ..

قلبي معك يا شيخ (حسن نصر الله).. فلو أن إرادتك انتصرت واستطعت أن ترهق إسرائيل إلى حد وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، فلسوف تصير بطل الأمة ويخرس كل منتقديك .. الرجل الذي استطاع أن يقهر إسرائيل بمجموعة من الميليشيات ..

أما لو حطموك – لا سمح الله – فلسوف يلعنك هؤلاء الذين بحت حناجرهم هتافًا لك اليوم .. وسيذكر لك الناس إنك الرجل الذي تسبب في دمار لبنان، وبدد بحماقة النصر الجميل الذي صنعه من قبل .. وسيُقال إنك عميل إيران الذي أنسته الطاعة واجب الحذر .. ووقتها لن يتذكر احد حرفًا عن قصف حيفا والذعر الإسرائيلي وبطولات قرى الجنوب وقصف البارجة .. بل – الأدهى – سوف يقال إنك عميل لدى الموساد كلف بمهمة تبرير دخول إسرائيل إلى لبنان ...



-2-

منذ سمعت اسم (حسن نصر الله) للمرة الأولى وقعت في حبائله ككل من عرفه .. إنه كاريزما تمشي على قدمين، وعقل متزن ومنطق قوي لا تشوبه شائبة .. في الوقت نفسه هناك لمحة معينة من المكر اللطيف في عينيه، وهي لمحة تشي بأنه لم يتخل بعد عن براءة الطفل بداخله .. هذه البراءة بالذات هي التي تجعله يرفض أنصاف الحلول، ويحتفظ بدهشته تجاه ألعاب السياسة السخيفة .. الحق واضح لا شك فيه، والباطل واضح لا شك فيه، فلم الخلط إذن ؟.. إنه يتصرف بالضبط بالطريقة التي تتصور أنك كنت ستتصرف بها لو كنت تملك القوة، ولهذا يشعر الإسرائيليون بأن لهجة خطابه مختلفة عن لهجة باقي العرب الذين يتكلمون عن السيف والخيل ولا يستعملونهم ..

هذا الرجل لا يملك أوهامًا، ولا يشعر بحاجة لتفسير نفسه أو تقديم شهادة حسن سير وسلوك للغرب.. لقد كرر مرارًا إن المجتمع الدولي لا وجود له، وهو ما يؤمن به كل مواطن عربي، حتى ان أحدهم سألني: ما الذي نجنيه من مجلس الأمن والأمم المتحدة ولا عمل لهما إلا إدانتنا وحماية إسرائيل ؟.. لماذا لا تعلن الدول العربية جميعًا انسحابها من هاتين الجمعيتين التمثيليتين ؟.. حسن نصر الله يؤمن بالشيء ذاته، ويعمل بالضبط وفق بيت أبي القاسم الشابي:

لا عدل إلا أن تعادلت القوى ... وتصادم الإرهاب بالإرهاب

أذكر منذ عدة سنوات أن لبنان قام باستغلال حق مشروع له في مياه نهر الليطاني، لكن شارون هدد بأنه سيدمر أية مشاريع مائية تقام على هذا النهر لأنها تتعدى على حصة إسرائيل من المياه.. رأيت حسن نصر الله في قناة الجزيرة يقول بعبارات واضحة باردة: أية محاولة إسرائيلية ستقابل برد قاس، ولن يتأخر هذا الرد أكثر من الوقت الذي تستغرقه مكالمة أجريها على الهاتف المحمول !... هل تعرف ما حدث ؟.. أعلن (شارون) أن إسرائيل تحتفظ لنفسها بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين !!! وكنت أحسب هذه العبارة مقصورة على العرب فقط ..

الإسرائيليون أذكياء ويعرفون جيدًا أن هذا الرجل لا يطلق التهديدات جزافًا .. ليس صدام حسين الذي وعد بأن ينتحر مغول العصر على أسوار بغداد، ثم سقطت بغداد نفسها من دون رصاصة واحدة .. ليس الظواهري الذي فجر قنابل في مقهى أو في محطة أتوبيس في شبرا ليقتل طفلة عائدة من مدرستها، وذبح بعض السياح الألمان العزل، ولا يكف عن الكلام عن الكفاح برغم أنه لم يطلق طلقة واحدة على إسرائيل .. وفي العراق يتلخص كفاح القاعدة في تفجير مزارات الشيعة وذبح الجنود العراقيين .. قد يقول قائل إن الأمريكان هم من يفعل هذا.. إذن لماذا لم تنكر القاعدة ذلك في بيان واضح يا أخي ؟

الطريف في الموضوع هو أن الظواهري قرر أن يدلي بدلوه في الموضوع .. لا يمكن أن يسمح بكل هذه الشعبية لنصر الله الذي يوشك على التحول إلى بطل العروبة .. لابد من بيان لا معنى له كالعادة، وعلى الأرجح سوف يفجر محطة مترو في دولة أوروبية تساند العرب وترفض الحرب .. وسوف يتظاهر بالتحالف مع الشيعة مؤقتًا برغم أنه يراهم ألعن من الصهاينة ..



-3-



تذكرني ملامح (كوندوليزا رايس) بكومبارس مصرية شهيرة جدًا تلعب دائمًَا دور فتوة المدبح أو كودية الزار في الأفلام، وهذا مع احترامي الشديد للكومبارس لأنها لم تستمتع بقتل المدنيين، ولم تصف تمزيق الأطفال بأنه (مخاض من أجل شرق أوسط جديد).. فقط أتساءل ماذا كانت كودية الزار (رايس) ستقول لو كان هؤلاء الأطفال الممزقون في الصور إسرائيليين .. مش كله مخاض يا وليه ؟ (سامحوني على هذه اللغة السوقية)..

(بولتون) مندوب أمريكا في مجلس الأمن بشاربه الأبيض المضحك يقول إن ما فعله حزب الله بإسرائيل لا يمكن مقارنته بما فعلته إسرائيل في لبنان .. لقد خطف حزب الله جنديين كاملي التسليح وأزعج الإسرائيليين وجلب لهم (الخضة).. هذه جريمة شنعاء كما ترى لا تتساوى مع تمزيق بعض الأطفال العرب الذين لا قيمة لحياتهم .. والأرقام على كل حال تدل على تقييمهم للأمر .. خمسون إسرائيليًا مقابل أربعمائة عربي .. الإسرائيلي الواحد يساوي ثمانية من العرب وكانوا يودون لو ساوى عشرة ..

رأيت (بوش) بعينيه الضيقتين الغبيتين يقضم قطعة خبز بالكافيار، وبفم مليء يقول لبلير: "سيكون علينا الاتصال بسوريا لإنهاء هذا الـ Shit" .. ونسى الأحمق أن الميكروفون مفتوح. دعك من بلير الذي يقف مصغيًا لكلمات سيده الحكيمة، وقد رسم على وجهه تعبيرًا هو خليط من الاهتمام والفروسية والإخلاص من أعماق قلبه . وهو تعبير يجيد تمثيله دائمًا ..

سبحان الله !... شاهت الوجوه فعلاً.. من النادر أن يجتمع قبح القلوب وقبح الوجوه بهذا الشكل .. كلامك عن (الديموكراسي) يا مستر بوش لم يعد يخدع طفلاً عربيًا ..

لقد انتهت اللعبة ولم تعد هناك أية أوهام .. زال القناع عن وجه الأمريكي القبيح، وقد حرقت الولايات المتحدة أية جذور مستقبلية لها في العالم العربي .. حرقت أية مصداقية .. وكما قال أحد الإسرائيليين في جريدة (ها آرتز): "لقد قضينا على آخر أمل لنا في الذوبان في المنطقة .. صرنا مجرد بلطجي شرس أحمق .. "

قوة الرد الإسرائيلي رفعت الكثير من اللوم عما قام به حسن نصر الله وأعطته شرعية لا بأس بها .. عندما يقذفك طفل بحجر فتقوم بحرقه بالكيروسين، عندها لن يلوم أحد الطفل على قذفه الحجر .. سوف ينهال اللوم عليك أنت .. وأعتقد أن التراجع النسبي في موقف مصر والسعودية والأردن سببه بشاعة ما يحدث في لبنان، حيث صار لوم الضحية مخاطرة غير محمودة العواقب ..



-4-



قلبي معك يا شيخ (حسن نصر الله).. أعيش ذلك الكابوس الذي صار متكررًا .. أن ينتهي كل شيء في ساعات وبلا سابق إنذار، وأن يذوب حزب الله ونرى الإسرائيليين يملئون الجنوب اللبناني، بينما يبحثون عنك ويرجحون أنك فررت إلى سوريا .. رأيت هذا المشهد في كابول وبغداد، فليس من حقنا نحن العرب أن نشعر بنشوة النصر أو نتشفى في أقوى جيش في المنطقة وهو مرتبك ممزق .. وكما قال (محمد حسنين هيكل) تتعمد الولايات المتحدة في تكتيكاتها أن تظهر بمظهر المتعثر الذي يلاقي مصاعب في البداية.. هذا يرفع توقعات الجماهير لدرجة عالية، من ثم تكون السقطة مضاعفة لهذه التوقعات، ويكون الإحباط هائلاً.. المطلوب أن يؤمن المواطن العربي أنه لا جدوى، وأنه لا سبيل لهزيمة هؤلاء .. واحد فقط احتفظ بتفاؤله واحتفظ بيقينه الهادئ .. هذا الواحد ليس مغرورًا واهمًا مثل صدام حسين، وليس بائع كلام مثل الظواهري ..

أدعو الله أن تكون مدركًا لما تفعله حقًا يا شيخ حسن، وان تكون على قدر الحكمة وبعد النظر الذي توحي به كلماتك وقسماتك .. لقد احتل حزب الله مكانًا عزيزًا في وجداننا ومن العسير أن يصير هذا المكان خاويًا لا سمح الله.




الكابوس الأميركي - shahrazad - 04-25-2008

Array
لا .. جديدة ( يعنى فكرة جديدة )

--------------
أحمد خالد توفيق !!؟؟
http://www.nadyelfikr.net/index.php?showtopic=53625
[/quote]


نعم هو نفسه، هذا هو الموقع وهذا هو الرابط:

http://www.rewayty.com/Public/writerArticl...ت%20لماضة%20وبس


http://www.rewayty.com/Public/ShowArticle.aspx?ArticleID=15



الكابوس الأميركي - shahrazad - 04-25-2008

الأمير فوق من ذكرت



لست أذكر المناسبة بالضبط، لأنني كنت مراهقًا في المدرسة الثانوية أجلس أمام جهاز التلفزيون، أتابع ما أذكر أنه حفل تكريم أو عيد للعلم .. شيء من هذا القبيل .. على المنصة يجلس الرئيس الراحل (أنور السادات)، واللحظة هي تكريم أحد أستاذته السابقين في المدرسة .. كان الرئيس الراحل يحب هذه المواقف لما فيها من مسحة درامية .. (هل تذكر الحطاب الفقير الذي آويته في دارك وأطعمته في تلك الليلة ؟.. لقد كان هو الخليفة متنكرًا ! .. وقد خلع عليك قصرًا وزكيبة من الذهب).. وقد سبق هذا تكريم مماثل لمن يدعى (سائق دمرو) الذي ساعد السادات في ظروف مماثلة ..

المهم أن الأستاذ المسن الذي تصلبت شرايين مخه، والذي عاش عصور النفاق منذ أيام مولانا ولي النعم، اعتلى المنبر فقال بالحرف الواحد: "الله يقول: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب .. أما نحن فنقول: إن في خلق السادات والأرض .. كذا .."

أقسم بالله أن هذا قيل حرفيًا، وسوف أُسأل عنه يوم القيامة .. لقد أصابني الهلع من هذه الدرجة العبقرية المفزعة التي يمكن أن يبلغها النفاق .. والأغرب هو أن أحدًا لم يعترض، والرئيس المؤمن نفسه لم يهب لتصحيح كلمات الرجل ..

كانت نهاية عصر السادات كما أذكرها مهرجانًا دائمًا من المزايدة على فن النفاق، وإنني لأذكر جلسة مجلس الشعب الصاخبة لتنصيب السادات سادس الخلفاء الراشدين.. بما أنني طنطاوي فقد شعرت بجو المولد الأحمدي العام حيث الكل يصرخ .. الكل مبتل بالعرق .. الكل يزايد .. ثم قتل السادات في ذات العام تقريبًا فلم يفده أحد بالروح أو الدم، وبادر كاتب صحفي كبير إلى انتقاد طريقة حكمه بعد دفنه بيومين ..

تذكرت هذا كله عندما قرأت مذهولاً قصة الطالبة التي عبرت عن نفسها في موضوع التعبير فقامت الدنيا ولم تقعد .. كنت قد كتبت من قبل عن مفهوم الإذاعة المدرسية والمدرس الذي يرغب في أن يرضى عنه ناظر المدرسة، وناظر المدرسة الذي يشتهي أن يرضى عنه وكيل الوزارة، ووكيل الوزارة الذي يتمنى أن يرضى عنه الوزير .. كتبت عن التصور الحكومي للتلميذ المثالي الذي يرقص طربًا لاتفاقية الكويز أو توشكى، وقد امتلأ رأسه بكلمات من عينة (النبراس) و(العلياء) و(السؤدد) يرصها في أي موضوع تعبير .. التلميذ الذي يؤمن أن الحكومة دائمًا على حق، وأن أفضل رئيس جمهورية هو الرئيس الحالي في اللحظة الحالية ..

لم تكن (آلاء) كذلك .. وقد كتبت ما خطر لها في ورقة التعبير لأنها افترضت أنه ما دام اسم المادة تعبيرًا، فعليها أن تعبر عن نفسها .. قال البعض إنها كتبت تشتم (بوش) وقال البعض إنها طالبت الرئيس بأن يتقي الله ..المهم أنها اصطدمت بعقلية (النبراس) و(العين ما تعلاش على الحاجب) هذه فكانت النتيجة كما يعرفها الجميع .. وكما يقول الأستاذ محمد حماد في جريدة (العربي ) الناصري: " والذى رأى وقرأ وسمع دفاع المسئولين فى وزارة التعليم والتربية سابقا عن الإجراء الذى اتخذوه بحق الطالبة يتصور أنها خانت الوطن وخرجت عن الملة، إذ قالت للرئيس اتق الله واحكم بالإسلام، والأغرب أنهم لحسوا كلامهم صبيحة أعلن الرئيس عفوه الكريم عن ابنته الطالبة، وتغير الحال فاستقبلها الوزير بنفسه وهنأها على نجاحها الذى كانوا يريدون لها أن تخسره وتخسر معه عاما من عمرها! .. انقلب حال الوزارة وانقلب حال الصحف وخرست ألسنة السوء التى طالبت بمعاقبة الطالبة التى خرجت عن الأخلاق وأساءت الأدب، وتبدل الحال وأصبح ما قالته يدخل فى باب حرية الرأى التى يحترمها الرئيس ويحرضها وزميلاتها وزملاءها على ممارستها! "

هناك إشاعة قوية يتناقلها الناس حول أن أمن الدولة اقتنع بأن ما تقوله الفتاة ليس كلامها، بل هو كلام جهة أكبر وأخطر !.. هكذا تم اعتقال أبيها للتحقيق معه باعتباره بداية الخيط التي ستقود إلى (أيمن الظواهري) نفسه !.. سمعت هذه الإشاعة فلم أصدقها .. منطق النفاق يقول إنه لن يجرؤ أحد على التحرش بهذه الطالبة ثانية .. لقد اهتم الرئيس بها شخصيًا وصار الاقتراب منها محفوفًا بالخطر، وأعتقد أن هؤلاء المسئولين الملكيين أكثر من الملك سوف يدفعون ثمن نفاقهم غاليًا .. نفس ما حدث لمذيع شهير حاول أن يتملق الرئيس بطريقة ضايقته، وكانت النتيجة أن تم استبعاده تمامًا من أية حوارات أخرى مع الرئيس.. لقد انقلب السحر على الساحر ..

إن ثقافة النفاق عتيقة جدًا في بلادنا .. ومهما دارت الأيام فإن مفهوم الشاعر الذي يدخل على الخليفة فيمدحه، ويخرج حاملاً زكيبة مال ، هو مفهوم متأصل فينا ويصعب الخلاص منه ..

لا ازعم أنني درست الأدب العالمي، لكن أزعم أن أي دارس للأدب سيتعب كثيرًا حتى يجد بيتًا من الشعر في أية لغة يماثل ما قاله ابن هاني الأندلسي في مدح الخليفة الفاطمي المعز لدين الله :



ماشئت لا ماشاءت الاقدار....فاحكم فأنت الواحد القهار

وكأنما أنت النبي محمد .....وكأنما أنصارك الانصار !!



بصرف النظر عما في هذا الكلام – البيت الأول - من شرك صريح، فإن أية أمة يُقال فيها كلام كهذا هي أمة مقضي عليها بالفناء، فلا غرابة أن يقال إن هذا الشعر كان نذيرًا بفناء دولة العرب في الأندلس.

المزايدة تتكرر في قصص التراث بلا انقطاع .. ها هو ذا (أبو تمام) ينشد قصيدته السينية أمام الأمير (أحمد بن المعتصم) .. فيقول الشاعر في نفاق صادق حار واصفًا الأمير:



إقدام عمرو في سماحة حاتم .....في حلم أحنف في ذكاء اياس



هنا يتدخل رجل بلغت به (سلطنة) النفاق درجة أعلى .. هذا الرجل هو أبو يوسف يعقوب الكندي قائلاً:

ـ"الأمير فوق من ذكرت !"

يعني كل هذا النفاق غير كاف .. الأمير أعظم من هذا .. لابد من المزايدة فقد بدأ (مولد) النفاق .. وعلى الفور يستغل (أبو تمام) موهبته ليرتجل شعرًا لم يكن مكتوبًا:



لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلا شرودا في الندى والباس

فاللّه قد ضرب الاقل لنوره ......مثلا من المشكاة والنبراس



هذه القصة لا ترد في المراجع دليلاً على عبقرية النفاق أو قلة الأدب (فهناك تشبيه ضمني للأمير بالله تعالى) ، بل على براعة الشاعر وحسن تصرفه .. ولسبب ما أوشك أن أرى ذلك المسئول التربوي الذي ألغى امتحان آلاء يصرخ فيها : الأمير فوق من ذكرت !...

الأمثلة كثيرة جدًا ولا شك في أنني نسيت ذكر أهمها .. لكني أتذكر كذلك مقولة الأستاذ (أحمد بهجت) الرائعة : "للنفاق في بلادنا هيبة".. كان يحكي عن زيارته لأحد أصدقائه – ممن لم يعرف عنهم أي تدين - الذي صار شيخ طريقة .. قابله جالسًا في سرادق محاطًا بالمريدين، فتقدم نحوه ليصافحه وهو يوشك على الانفجار ضحكًا .. ثم أخذته هيبة النفاق فانحنى يلثم يده !

أحيانًا يبلغ النفاق درجات من التعقيد يصعب أن تتخيلها .. مثل ذلك المطرب الذي ينشد في أحد أعياد أكتوبر: "لا حيغنيني ولا يرقيني .. ولا فيه مصلحة بينه وبيني .. باقولها وأجري على الله .. علشان كده احنا اخترناه !" .. يريد أن يقنعني أن مدحه لرئيس الجمهورية هو كلمة حق أمام سلطان جائر ! .. وأجره بعد ذلك على الله ..

ذات مرة – قبل أن يدخل معترك السياسة بهذا الوضوح – زار السيد (جمال مبارك) مدرسة خاصة للفتيات في القاهرة، فنشرت التلميذات في إحدى المجلات رسالة مناشدة إلى الرئيس تقول: "نحن في بلد ديمقراطي ومن حقنا التعبير عما يجول بخاطرنا، وانت علمتنا الحرية وعدم الخوف .. لذا نطالب الرئيس مبارك بأن يكلف السيد (جمال) بوظيفة سياسية مهمة !".. هذا نوع من النفاق عجيب، على غرار: "أتركني أقول شهادتي التي سأسأل عنها أمام الله .. أنت أعظم وأروع من رأيت !".. تخيل لو أنهن نشرن رسالة يطالبن فيها الرئيس بعدم إسناد أي منصب رسمي لابنه !

المنافقون .. المنتفعون .. مشكلة هذا البلد وكل بلد عربي ..

هناك دومًا من يريدون أن يبقى الحال على ما هو عليه، وهم قادرون في أية لحظة على تنظيم المظاهرات المضادة، ونشر العرائض المكتوبة بالدم والمبايعة، وأن يملئوا البلد باللافتات المؤيدة لأي شخص وأي قرار في أية لحظة .. هؤلاء هم الذين يفرغون أي إصلاح حقيقي من محتواه ..

سواء كانت نية الرئيس (علي عبد الله صالح) صادقة في التخلي عن الحكم أم خلاف ذلك، فقد تكفل هؤلاء في اليمن بإحباطها وعادت الأمور كما كانت، وهم مستعدون في أي بلد عربي كي يهتفوا (الأمير فوق من ذكرت) في أية لحظة .. ولسوف يظهر لهم من يزيد بيتين من الشعر لإرضاء الحاكم..

الأمير فوق من ذكرت .. فلا مكان لطالبة ساذجة تعتقد أن موضوع التعبير يعطيها الحق في أن تعبر عن أفكارها .. والويل كل الويل لمن يبتعد عن ثقافة (السؤدد) و(النبراس) هذه .

http://www.rewayty.com/Public/ShowArticle.aspx?ArticleID=429




الكابوس الأميركي - shahrazad - 04-25-2008

أسعد أيام هدى ... د/أحمدخالد توفيق بقلم د/ أحمد خالد توفيق
أسعد أيام هدى





عظيمة هي قناة الجزيرة .. قد نختلف معها، وقد نراها منحازة لجهات بعينها ومتجاهلة لأمور بعينها، وقد يتهمها البعض بالعمالة وهي التهمة الجاهزة لوصم كل من نختلف معه .. إن من يختلف معك فكريًا في العالم العربي هو على الأرجح ملحد أو عميل أو شاذ جنسيًا، وبما انه من الصعب اتهام قناة كاملة بالشذوذ الجنسي تبقى تهمة العمالة .. (لم أصدق حتى سمعت بأذني أن هناك من اتهم منظمة حماس وحزب الله بالعمالة لإسرائيل، ولا أعرف المنطق اللوذعي الذي قاد لهذه الاستنتاجات العبقرية)..

أقول إن قناة الجزيرة فتحت نافذة وسط ستار التعتيم الإعلامي الكثيف، ولولاها لما عرفنا عن الانتفاضة إلا أنها (اضطرابات في الأرض المحتلة) كما كانت وسائل إعلامنا ستصفها .. وعن طريق قناة الجزيرة رأينا أبا (محمد الدرة) يصرخ متوسلاً للإسرائيليين كي يوقفوا الرصاص، ورأينا ظهر جثة الرضيعة (إيمان حجو) الذي تحول إلى فجوة دامية كبيرة، بينما حرصت (سي إن إن) وإعلامنا على إظهار الوجه فقط لأنه لا يعبر إلا عن سلام عميق لرضيعة نائمة، كأن ما فعله الإسرائيليون هو أن ساعدوا الصغيرة كي تنام في سلام ..

هذا التفوق الذي حققته الجزيرة في فلسطين جاء بفضل كتيبة العظماء وليد العمري وجيفارا البديري وشيرين أبو عقلة ومن معهم من مخرجين ومصورين وفنيين ..

حظي الأسود جعلني أفتح قناة الجزيرة يوم الجمعة 9 يونيو لأرى هذا المشهد الرهيب .. الطفلة (هدى) تجري على رمال الشاطئ وتتعثر وتنهض، وتصرخ في جنون وهستريا : أبويا !

أبوها جثة مفتوحة العينين فوق الرمال، بينما الفتاة تحتضنه .. لا تعرف السبب الذي جعله فجأة يرفض النطق وتلبية ندائها ربما للمرة الأولى.. ثم تجول الكاميرا لترينا ما تبقى من حياة هادئة لأسرة أرادت قضاء يوم على شط البحر في غزة .. العوامة .. دلو الماء .. الجاروف .. ثم أسرة الفتاة التي تحولت إلى عجين من اللحم المتفحم والدم .. العوامة والجاروف أشياء مدنية جدًا مسالمة جدًا يصعب أن تتلطخ بالدماء إلا في فيلم (الفك المفترس) لكن إسرائيل فعلتها ..

ما حدث هو أن سفينة حربية إسرائيلية في عرض البحر قررت أن تمازح هذه الأسرة البريئة بطريقتها .. وكان المذيع يجري التحقيقات ويصور بينما السفينة ما زالت هناك تراقب الموقف في استمتاع واضح ..

إن مشاهد الموت في فلسطين صارت يومية منذ زمن بعيد، لكن عندما يتعلق الأمر برجال المقاومة وقياداتها فهؤلاء أبطال اختاروا وتحملوا مسئولية قرارهم، وكل واحد منهم يتوقع اليوم الذي سيتحول فيه إلى أشلاء متفحمة يخرجونها من سيارة انصهر معدنها .. أما تلك الأسرة على الشاطئ فلم تختر شيئًا على الإطلاق .. كل ما أرادوه هو يوم من المرح بين الموج والرمال، فلابد أن (هدى) الصغيرة صحت صباحًا منتظرة أسعد يوم في حياتها .. ذات المشهد يذكرني بمشهد رأيته منذ ثلاث سنوات لذلك الصغير الفلسطيني الذي جلس وحده جوار النافذة في غرفة نومه يعد ألعابه لعيد الأضحى غدًا، فكان نصيبه طلقة في رأسه من قناص إسرائيلي يهوى المزاح بدوره .. ظرفاء وأولاد حظ هؤلاء الإسرائيليون حقًا ..

أسوأ ما في الأم أن هذه الحوادث صارت كثيرة إلى درجة أنها أذابت بعضها ونسيت.. عندما تملأ جوالاً بالبيض الهش فإنه يحطم بعضه فلا يبقى شيء، وإسرائيل تهوى تكديس البيض بحق ..

من أعطى قائد السفينة الحربية هذا الحق ؟.. إنه ليس ربًا ليقتلني بمشيئته كما يقول العظيم (أمل دنقل).. من أعطاه الحق في أن يحيل حياة هذه الطفلة إلى كوابيس ؟.. من أعطاه الحق في أن يملأ حياتي أنا بالكوابيس ؟

ويخرج بيان الحكومة الأمريكية كما هي العادة .. هم فقط يتفننون في العبارات التي تثير غيظك: "وقال الناطق باسم الخارجية شون ماكورماك إن بلاده تشجع إسرائيل على التفكير في نتائج هذه الأعمال" ..

يا سلام على التعبيرات العبقرية ! .. هذه أعمال أدبية وليست تصريحات سياسية .. لو أحضرت تشيكوف وكافكا وموم وماركيز وشكسبير لصياغة جملة سخيفة تتحسس دربها ولا تجرؤ على أن تقول أي شيء مثل (تشجع إسرائيل على التفكير في نتائج هذه الاعمال ) لاعترفوا بأنهم معدومو الموهبة .. من قبل رأى (بوش) أن قصف غزة بطائرات إف 16 (غير مفيد) .. دعك من التعبير العبقري الآخر : "نحن نشعر بقلق" .. طيلة الوقت هم قلقون .. ما كل هذا الحلم وهذا التهذيب ؟.. أتمنى للأخ بوش مصيبة تطيح به كي يشفى من عادة القلق نهائيًا ..

رجالنا لا ثمن لدمهم .. نساؤنا لا ثمن لدمهم .. أطفالنا لا ثمن لدمهم، بينما يبكي هؤلاء الغربيون تأثرًا ويرفعون الأنخاب وتعصر الأخت (أوبرا وينفري) عينيها تأثرًا بعملية إنقاذ درفيل جنح على ساحل فلوريدا، مع الكثير من الـ (واو) والـ (ياي) والـ (أوه) .. أي نفاق هذا ؟

السؤال الأهم هو ماذا يعتقد (عباس) أنه يفعله ؟.. يخرج ليتهم أعمال المقاومة بأنها حقيرة، ويشجب قصف المدنيين الفلسطينيين بلغة عقلانية هادئة .. ما هو دوره بالضبط وهو عاجز عن حماية شعبه، وعاجز عن الاحتجاج على ما يحدث لشعبه ؟

لابد من أن يدفع هؤلاء الثمن .. أما من يتكلم عن الواقعية والتحضر ويطالب الفلسطينيين بأن يموتوا في أدب ورقي، فليخرس من فضله .. لا ثمن لهذا الدم إلا الدم .. لا .. ليس الدم كافيًا .. لو مات ألف إسرائيلي فلن يعوضوا (هدى) الصغيرة عن أبيها، ولن يعوضوا أم (إيمان حجو) عن رضيعتها ..لكنه أقل شيء ممكن لو كانت هناك عدالة حقًا في هذا العالم




الكابوس الأميركي - shahrazad - 04-25-2008

بلدهم ياعم ..د/ أحمد خالد توفيق بقلم د/ أحمد خالد توفيق
بلدهم يا عمّ







كانت قناة الجزيرة تعرض على الهواء أحداثًا غريبة في ذلك اليوم: وزير خارجية مصر (أحمد ماهر) يزور الحرم القدسي .. منذ لحظة دخوله الحرم راح أحدهم – حماسي الهيئة واللهجة – يهتف في مكبر الصوت:

ـ"لا أهلاً بك ولا سهلاً... عد إلى أسيادك الصهاينة ولا تدنس هذا الحرم"

وبدأت الأحداث تتخذ منحى خطيرًا عندما تزاحم الغاضبون حول الوزير المسن، فصنع حراسه طوقًا حوله بأجسادهم ورأيت على وجهه أمارات الاختناق من فرط الانفعال ونقص الأكسجين، مع قلب ليس في أفضل حال .. كان يشخص بعينيه إلى السماء فاغر الفم متلاحق الأنفاس بينما يحاول الحراس حمل جسده الضخم خارج الحرم ..

كان المشهد مؤسفًا أليمًا .. هذا الذي تتصاعد الهتافات ضده ليس (شارون)، بل هو وزير خارجية أهم وأكبر دولة عربية .. الدولة التي ضحت بالكثير بسبب تحالفها مع الفلسطينيين .. دعك من البعد الإنساني لرؤية عجوز يوشك على الموت اختناقًا ..

مر المشهد بسلام، وتم نقل الوزير إلى مستشفى إسرائيلي حيث قيل إن الوضع مطمئن .. لكن هذا لم يكن أسوأ ما في الأمر .. ما أثار رعبي وضيقي هو أنني كنت أشاهد هذا الأحداث بلا أدنى انفعال على الإطلاق .. لم أشعر بذرة تعاطف معه ولم تدمع عيني بسبب الإهانة التي وجهت لمصر على شاشات الفضائيات بلا داع .. كان مشهدًا غريبًا وكفى ..

عندما فكرت في الموضوع بهدوء بعد ذلك، وحاولت فهم سبب هذا البرود العجيب الذي تابعت به الأحداث، فهمت أن السبب هو ببساطة عدم انتماء مفرط .. هذا وزير خارجيتهم يتلقى الإهانات بسبب سياساتهم الخاطئة .. فما دخلي أنا في هذا كله وما دخل مصر ؟

هذا هو ما صنعوه بنا .. أعتقد أنني كنت سأبكي لو كان المشهد يمثل هدفًا يحرز في مرمى مصر في مباراة دولية ما .. بينما أنا فعلاً لا اعرف لماذا جاء (أحمد ماهر) إلى منصبه، ولا اعرف لماذا ذهب، ولا أعرف فيم تميز (أبو الغيط) عنه . وبالطبع لن أعرف أبدًا ما دار في تلك الزيارة التي قام بها (ماهر) إلى فلسطين ولن أعرف ..

هل لي رأي في الموضوع ؟.. هل هناك من يبالي بما أعتقده ؟.. ما زالت هناك بنود كاملة سرية في معاهدة (كامب ديفيد) عجز أكبر الصحفيين عن معرفتها .. كل ما يرشح لنا يأتي من الخارج .. هكذا هم يتفقون دون أن يأخذوا رأيي .. يوقعون .. يعينون .. يبيعون .. كل هذا من دون أخذ رأيي، فإذا أبديت اعتراضًا قيل لي إن هناك قنوات شرعية مخصصة لذلك .. القنوات الشرعية هي برلمان طُعن في شرعيته مرارًا.. وأعضاء يوافقون على كل شيء ولو كان الانضمام إلى جزر الكاريبي أو بيع الهرم (صحيح أن الأخوان صاروا يشكلون جانبًا لا يستهان به منه، لكن يظل عددهم غير مؤثر في القرار النهائي بدليل تمديد قانون الطوارئ)، ورئيس برلمان متأهب لوأد أي استجواب جاد حقيقي طالبًا الانتقال إلى جدول الأعمال..

إذن فليتلقوا الإهانات .. لتهاجمهم الصحافة العالمية .. لتوجه لهم أبلة (كوندي) اللوم وتضربهم بالخيرزانة على أطراف أناملهم.. لا يهم .. ليس هذا شأني .. هم ليسوا قومي وليسوا رجالي..

نفس السيناريو حدث بشكل مخفف مع خسارتنا فرصة تنظيم المونديال .. كانت فضيحة مدوية، لكني قابلتها بذات البرود المعتاد .. قلت لنفسي: هذه حكومتهم وهم قد حاولوا استضافة المونديال فتلقوا صفعة لأن استعداداتهم غير كافية .. ما لي أنا وهذا ؟.. ولماذا يجب أن أنفعل ؟

وقد اصطك الحس الشعبي المصري المرهف تعبيرًا مناسبًا للموقف هو (بلدهم يا عم).. نحن مجرد ضيوف هنا نعيش حياتنا على الهامش قدر الإمكان ..

الحقيقة أن هذا الاستقطاب الذي جعل الشعب والحكومة دولتين مختلفتين موجود منذ أواخر السبعينات ، وله عدة عوامل منها غياب الديمقراطية .. لا يمكنك أن تشعر بالانتماء لمشروع لا دخل لك فيه ولم يؤخذ برأيك في إنشائه، لكنهم يطالبونك بدفع ثمن فشله ، العامل الثاني هو ذبول فكرة القومية ذاتها، ويعود جزء منها إلى زحف المد الديني الذي يرى بعض أفراده أن الإندونيسي (محمد طوار) أقرب لك من المصري (مينا اسكندر) الساكن في شبرا.. في لحظة ما من التاريخ كف عبد الناصر أن يكون قائد الثورة و(بابا جمال) وتحول إلى طاغية علماني، وقال داعية كبير إنه سجد لله شكرًا يوم هزيمتنا في 1967 .. أي أن اليهود – بعبارة أخرى – هزموا دولة الكفر !.. وتحول (كمال أتاتورك) من عقلية تقدمية خلقت تركيا الجديدة إلى السفاح الذي مزق دولة الخلافة،. وقد كنت في مؤتمر طبي ذات مرة ودعت المحاضرة الجالسين إلى الوقوف لأن السلام الجمهوري لجمهورية مصر العربية سيُعزف حالاً.. وقف غالبية الموجودين، لكن من ظلوا جالسين راحوا ظلوا ينظرون لنا في تحد واشمئزاز غريبين .. لسان حالهم يقول: هل ما زلتم تؤمنون بهذه السخافات ؟.. هل سنعود لهذه الوثنية ؟

عندما يكف أفراد شعب عن تحية علمه أو الوقوف لدى عزف سلامه الوطني، فإن أجراس الخطر تدق .. إن العلم خرقة من القماش لكنها ترمز لكل شيء في مصر : الهرم .. النيل .. الشيخ رفعت .. الأزهر .. عبد الوهاب .. أم كلثوم .. ثورة 1919 .. نجيب محفوظ .. سيد قطب نفسه .. الخ .. وعندما ترفض تحية العلم فأنت في الواقع ترفض كل هذه الأشياء التي صنعت كلمة مصر ..

حتى فكرة كراهية إسرائيل ذاتها لم تعد بذات الوضوح الذي عرفناه في المدارس قديمًا .. ولولا المد الديني الذي يحمل تراثًا هائلاً من كراهية اليهود، ووجود المسجد الأقصى في الموضوع لذبلت الفكرة تمامًا .. دعك من الأخ السفاح شارون الذي نجح في أن يعيد القضية دامية متوهجة في الأذهان، وبالتالي قدم خدمة لا تُنسى للفلسطينيين من حيث لا يدري. كنت أحيانًا أجرب أن أدخل برامح المحادثة (شات) منتحلاً اسم فتاة إسرائيلية على سبيل جس النبض.. وكنت أطلب محادثة شاب مصري .. عندما أعلن له (حقيقة) إنني فتاة إسرائيلية، كان الشاب في 100% من الحالات يقول لي: وماذا في ذلك ؟.. العرب عفنون Arabs stink أصلاً.. وهو اعتراف وتنازل لا داعي له سوى كسب ثقة هذه الإسرائيلية التي إن لم تكن حسناء فعلى الأقل هي مستعدة لعمل أشياء كثيرة !

اجتماعات ومحادثات وجلسات مغلقة ومكالمات هاتفية تخبرنا بها الصحف .. لا تعرف أبدًا ما دار فيها .. المهم أن هناك من اجتمع ومن تكلم هاتفيًا .. والنتيجة هي أنك تمر بحالة أبوية فريدة .. أنت مجرد طفل يلهو في الصالة بينما أبوك يجلس في الصالون مع أصدقائه الكبار يقولون كلامًا لا تفهمه أنت ومن العيب أن تحاول أن تعرفه.. سوف تتحمل هذا لأنه أبوك .. لكن ماذا عن من ليس أباك ولا دور لك في وجوده هنا ؟

يحذر الجميع من بيع القطاع العام فيُباع .. يحذر الجميع من توقيع الكويز فتُوقع .. يحذر الجميع من ذبح القضاة فيذبحون .. ينصح الجميع بحضور جنازة بابا الفاتيكان فلا يحضرها أحد ذو أهمية .. ينصح الجميع باستقبال وزير الخارجية الفلسطيني المنتخب فلا يستقبله أحد .. ينصح الكثيرون – وأولهم محمد حسنين هيكل - بأهمية وجود خطوط دبلوماسية قوية مع إيران فلا يبالي أحد .. يحذر الكل من خطر تعويم الجنيه فيعومونه .. كل شيء يتحرك برغم إرادتك وبلا أخذ رأيك .. وكما يقول العظبم محمود المليجي في فيلم (اسكندرية ليه؟): وعايزني أكسبها ؟

نتيجة هذا تنمو اللامبالاة ويذبل التعاطف وتراقب وزير خارجيتك يُضرب في الحرم القدسي فلا تهتم .. هذه هي الصورة الأقل خطرًا , أما الصورة الأخطر فمثالها سقوط بغداد خلال ساعات ..لقد ذاب الجيش العراقي تمامًا لأن أفراده لم يستطيعوا الشعور بأنهم يدافعون عن بلادهم بل عن صدام .. صدام الذي ورطهم في حرب طاحنة مع إيران ثم غزا الكويت لأن (دماغه كده).. فلماذا يطالبهم بالموت في سبيله هو الذي لم يصغ لأحد سوى نفسه، ولم يسمح لأحد أن يفتح فمه إلا لإلقاء قصيدة مدح فيه ؟.. (صدام) الذي كان أطفال بلاده يموتون بسبب سياساته الحمقاء، لكنه كان يجد الوقت الكافي ليناقش المخرج الذي صنع فيلمًا عن قصة حياته في جلسات مطولة: أنت أظهرت معالم الألم على وجه الممثل لحظة إخراج الرصاصة .. هذا كذب .. أنا لم أبد أية علامة على الألم!

هكذا تسير الأمور .. لكن مصر هي مصر .. بالتأكيد لم نفقد انتماءنا لمصر الهرم والنيل وأحمد شوقي والشيخ رفعت والفول والطعمية ورائحة النعناع في الحقل وصوت أم كلثوم في الليل وعم (بسيوني) الفلاح العجوز الجالس يشرب الشاي على المصطبة ليلاً، وحتى جندي الأمن المركزي الذي يرفض أن يطيع أمر ضابطه ويضرب المتظاهرة الحامل .. هذه هي (بلدنا يا عم).. مصر الحقيقية الولود التي لا يعرفونها، والتي بدأت ملامحها تتقلص ألمًا معلنة قرب ولادة جديدة!




الكابوس الأميركي - shahrazad - 04-26-2008

لمصلحة من ؟..د/ أحمد خالد توفيق بقلم د/ أحمد خالد توفيق


لمصلحة من ؟



كان الفيلسوف الكلبي الشهير (ديوجين) يمضي تحت جنح الظلام حاملاً مصباحًا يفتش به عن رجل واحد شريف، ويقال إن بحثه كان سدى .. أعتقد أن القصة تتكرر في عالمنا العربي اليوم، لكن (ديوجين) المعاصر كان سيتعب كثيرًا جدًا في البحث عن رجل واحد يتحرى الدقة والعدل ..

سوف يبدو هذا المقال للبعض دفاعًا مستميتًا عن الحكومة في أسوأ وقت ممكن، لكنه ليس كذلك على الإطلاق، فليس الدفاع عن هذه الحكومة المتخبطة الفاسدة من الأمور المحببة للنفس .. إنه دفاع عن الدقة وعن تحري الصواب فيما يقوله المرء دون الخضوع لدكتاتورية الجماهير، ودون الشهوة الطاغية لأن تقول لها ما تريد سماعه .. أذكر مقولة بديعة للشيخ (القرضاوي) يقول فيها: إن نفاق رجل الدين للحاكم أمره مفضوح وبالتالي خطره محدود.. لكن الخطر كل الخطر هو أن ينافق رجل الدين الجماهير بأن يقول لها ما تحب سماعه .. الحقيقة أن المواطن المصري قد تغير كثيرًا جدًا، وما أريد قوله هو أن هذه الحكومة هي الإفراز الطبيعي لهذه الحالة.. إن الشعوب تستحق حكوماتها وكيفما تكونوا يول عليكم .

الموضوع يتعلق بأنفلونزا الطيور .. بالتحديد ذلك الحوار الذي أجراه مذيع قناة الجزيرة (أحمد منصور) مع مسئول مهم عن المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في مصر .. منذ اللحظة الأولى للحوار بدا واضحًا أن أحمد منصور يغلي غضبًا ويريد إخراج حممه على الحكومة المصرية .. لقد عاد أحمد منصور القديم العدواني الذي يقاطع ضيفه في كل جملة بلا استثناء ولا يكف عن ترقيص حاجبيه .. منذ فترة طويلة كف أحمد منصور عن أن يكون مشاكسًا مغرورًا ضيق الأفق، لكنه في هذه الحلقة استعاد ذلك التراث القديم ..

الضيف هادئ ثابت راسخ الحجة، وهو يؤكد في إصرار أن ما قامت به الحكومة المصرية هو ببساطة ما أوصت به منظمة الصحة العالمية حرفيًا، وان الوباء قد بدأت السيطرة عليه فعلاً بسبب هذه السياسة الحازمة .. لكن المذيع يزداد عصبية وخيبة أمل .. لقد جاء بالضيف ليقول إن الحكومة أخطأت وإن هناك مؤامرة، وإن الحيتان الكبيرة هي التي بدأت هذه الإشاعة للقضاء على ثروة مصر من الدواجن والبدء من جديد بشروطها ومصلحتها الخاصة ..

يصر أحمد منصور على كشف فساد الحكومة، فيعرض فيلمًا شنيعًا يظهر رجلاًَ يجمع الكتاكيت بمكنسة والسيجارة بين شفتيه ثم يشعل فيها النار وهي حية .. ويعرض فيلمًا آخر نرى فيه فلاحين يفرغون أجولة مليئة بالدجاج الميت في مصرف مائي (لم يسأل المذيع نفسه عن سبب موت كل هذه الدواجن إذا كانت انفلونزا الطيور إشاعة) .. علام تدل هذه الأفلام ؟.. تدل على أن المواطن جاهل همجي لا يبالي بتلويث مجرى النيل .. أي أنه فقد الحس الحضاري الذي تمتع به جده الفرعوني .. وتدل على انه وحش قاس لا يبالي بحرق الحيوانات حية، برغم تعليمات الدين الذي لا يكف عن الكلام عنه لحظة .. فما دخل الحكومة في هذا ؟.. الضيف يقول إن هذا الفيلم يخبرنا بحجم المشكلة.. وإنها لكبيرة وضخمة، لكن الحكومة غير مسئولة عن هذه التصرفات الارتجالية من البعض ..

يزداد المذيع عصبية .. خاصة عندما يكرر الضيف إنه مسئول عن الطب الوقائي ولا يدافع عن أية حكومة .. فقط هو يؤكد أن الحكومة المصرية تصرفت بحكمة لمرة واحدة في تاريخها .. "لا تدافع يا احمد عن الجهل بحجة الدفاع عن الفقراء .. للأسف كل من يعلم ومن لا يعلم يتكلم .. لو استطاع الفيروس أن يطور نفسه لينتقل من إنسان لإنسان لكانت كارثة على الفقراء والأغنياء معًا.."

يسأله أحمد منصور: لماذا تعدم الحكومة الدجاج دون فحصه ؟.. فيرد الضيف : لأنه لا يمكن فحص دجاجة دجاجة .. بروتوكول الصحة العالمية يقضي بإعدام الدجاج في دائرة محددة القطر تحيط بأي إصابة .. يسأله أحمد منصور: لماذا تنفرد مصر بهذه النسب العالية دون العالم ؟.. يقول الضيف إن مدينة هونج كونج سنة 1997 أعدمت مليون دجاجة .. فيصيح المذيع: هذا في عام 1997 .. نحن في عام 2006 !! ولسان حاله يقول: لقد جئت بك هنا كي تشتم الحكومة فماذا دهاك ؟.. كان يبحث عن وجبة دسمة من الهجوم على الحكومة ونظرية المؤامرة، فخيب الضيف أمله بهدوئه ومنطقه العلمي المتزن ..

الخلاصة أن المذيع أنهى الحلقة قبل موعدها بعشر دقائق، وتشاجر مع الضيف فعلاً عندما قال له هذا الأخير: كل ما تريدون هو أن تهاجموا الحكومة، فرد أحمد منصور: لسنا كذلك ولا أسمح لك .. وانتهت الحلقة وهو يضغط على عضلات فكيه من فرط انفعال ..

الحقيقة أن إنفلونزا الطيور نموذج ممتاز للطريقة التي يتعامل بها المصريون مع الحقائق .. قبل أن يظهر الوباء في مصر بستة أشهر، وبينما منظمة الصحة العالمية تؤكد بعناد أن مصر خالية من انفلونزا الطيور، خرجت جريدة مستقلة واسعة الانتشار بصفحة كاملة تؤكد أن انفلونزا الطيور تجتاح مصر وأن الحكومة تخفي الحقائق عن الشعب كالعادة .. ثم ظهر الوباء في مصر فعلاً فإذا بهذه الجريدة تخصص كل أعدادها للكلام عن الخدعة الكبرى التي قامت بها الحكومة لمصلحة الكبار .. !..

إذن متى كذبتم ؟.. هل كذبتم منذ ستة أشهر أم الآن ؟.. لكن الجميع ينسى .. حتى من كتب هذا الكلام نسى أنه كتبه ..

وفي القاهرة ترى مظاهرات أصحاب المزارع تشق الطريق متجهة لمبنى التلفزيون، وهي تحمل لافتات عليها العبارة المصرية الخالدة (لمصلحة من ؟).. و(إشاعة انفلونزا الطيور .. لماذا يا حكومة ؟)..

وفي سوق مزدحم بمدينتي طنطا يقف رجل حاملاً مكبر صوت يصيح: "الشيخ فلان الفلاني عضو مجلس الشعب يقول لكم إن موضوع انفلونزا الطيور إشاعة أطلقتها الحكومة من اجل بعض المستوردين وتجار اللحوم .. ربوا الدجاج كما يحلو لكم .. وكلوه .. فقط لا تنسوا التسمية قبل أن تأكلوا ".. مع الإشاعة الأخرى: "سبب انفلونزا الطيور هي الخنازير التي يربيها النصارى ..!" وتشعر بأن القائل يوشك أن يقول:"تخلصوا من النصارى لتنجوا من الوباء !".. طبعًا بما أن الدقة هي الدقة فأنا أعرف أن فيروس انفلونزا الطيور نشأ نتيجة تربية البط والخنازير في مكان واحد لدى الفلاحين الصينيين، لكني أعرف كذلك أن الخنازير ليست هي مصدره في مصر وإنما هي الطيور المهاجرة .. وأعرف كذلك أن الشيخ فلانًا عضو مجلس الشعب لا يحق له أن يبدي رأيه في قضية طبية ..

ثم يتفاقم الوباء، فينسى الناس على الفور ما قيل، ويشكون من أن الحكومة لم تتخذ الإجراءات الكافية لمنع دخول هذه الكارثة .. تبدأ الحكومة في إعدام الدجاج في حملة صارمة غير مسبوقة، فيشكو الناس من أنها تتخذ من الإجراءات ما هو عنيف ولا داعي له على الإطلاق .. توفر الحكومة الدجاج المجمد فيتساءل الناس عن المصدر الذي جاءت منه بالدجاج بهذه السرعة ..

المؤامرة .. دائمًا المؤامرة .. وهو تفكير مبرر من شعب لم يسمع الحقيقة مرة واحدة في حياته، لكن هناك شيئًا اسمه المنطق .. هناك الحقيقة المجردة التي لا يجب أن تتأثر بكونك من أعضاء الحزب الحاكم أو المعارضة ..

القصة التي تؤثر في كثيراً كلما تذكرتها هي قصة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه (ابراهيم) وحدث خسوف للشمس .. قال المسلمون: لقد خسفت الشمس حزناً على (إبراهيم).. عندها كان غضبه صلى الله عليه وسلم شديداً مخيفاً وقال لهم: الشمس والقمر آيتان من آيات الله ولا تخسفان لموت أحد ..

هذا درس في الموضوعية والدقة .. ما حدث حدث وما لم يحدث لم يحدث .. فقط .. كان بوسعه - صلى الله عليه وسلم - أن يؤكد القصة أو يصمت وكان المسلمون سيصدقونه على الفور، لكنه لم يطق هذا الخلط المستفز للحقائق والأوهام في عقول العامة ..

أحياناً تأخذنا الحماسة الشوفينية فنقول أشياء غير دقيقة على طول الخط.. مثلاً أذكر أنني قرأت ترجمة لقصة (رحلة إلى باطن الأرض) صدرت في العراق في الثمانينات .. حين وجد بطل القصة الوثائق قالت الترجمة إنه وجدها مكتوبة باللغة العربية، وإنه حين سئل (جول فيرن) مؤلف القصة: لماذا اخترت أن تكون الوثيقة بالعربية ؟ . رد: لأنها لغة المستقبل ..

حسن .. بالطبع لم يرد في القصة بتاتاً أن الوثيقة كتبت بالعربية .. ما قيل نصًا هو أنها كتبت بالحروف الرونية المستعملة في أيسلندا قديماً.. وهو منطقي لأن القصة تدور هناك .. وبالطبع لم يقل (جول فيرن) هذه العبارة قط .. هذا نموذج للشوفينية المضرة التي تلوي عنق الحقيقة وتجانب الموضوعية، لكنها تروق للناس وتدغدغ غرورهم ..

إن قصة انفلونزا الطيور وأحمد منصور وعضو مجلس الشعب الذي يعرف الحقيقة كلها هي قصة تلخص تفكيرنا الحالي كله .. ومن الغريب أن المعارضة تحتاج إلى شجاعة لا بأس بها، لكن معارضة المعارضة تحتاج إلى قدر أكبر منها !.. التشكيك عمل جريء، لكن التشكيك في التشكيك صار عملاً أكثر جرأة !




الكابوس الأميركي - shahrazad - 04-26-2008

مراد بية...د/ أحمد خالد توفيق بقلم د/ أحمد خالد توفيق
عصر مراد بيه






يحدث الصبي ذو السنوات العشر صخبًا في فصل المدرسة الخاصة فتنهره المعلمة ، لكنه لا ينتهر ولا تحمر أذناه إنما ينظر في عينيها بتحد، ويقول ضاغطًا على كل كلمة من كلماته:

ـ"انت مش عارفة بتكلمي مين .. .. إنت نسيتي إن أهلي هما اللي بيدفعوا لك المرتب ؟.. وحياة أمي بكرة مش حتشتغلي في المدرسة دي !!"

تصاب المعلمة الشابة حديثة الخبرة بحالة جنون هستيري ممزوج بالدموع، وتقتاد الصبي إلى مدير المدرسة الذي يتصل بأبيه .. طبعًا كلنا يعرف بقية القصة .. الأب (مراد بيه) يأتي للمدرسة وينهال تقريعًا على المدرسة والمدير أمام ابنه ومن تيسر من تلاميذ أو عمال، ويكرر ما قاله ابنه من أن كل هؤلاء يتقاضون رواتبهم من جيبه، والأغرب هو أن شيئًا لا يحدث للصبي على الإطلاق .. فقط تطلب المعلمة أن يتم نقلها فلا تدرس لهذا الفصل ثانية .. أي أن تهديد الطفل قد تحقق بشكل ما لو أردت أن تأخذ الأمور بشكل متشائم..

من هو (مراد بيه) ؟.. هو شخصية ذات نفوذ وإن كان أحد لا يعرف مصدر نفوذه بالضبط.. ترى على ملامحه ذلك المزيج الفريد من الصفاقة والغلظة والغرور الذي يفوق الحد، وقد تعلم تلك النظرة البوليسية الموحية بالأهوال والتي تقول: "إنت مش عارف بتكلم مين".. يجيد إلقاءها وهو يفتح باب سيارته المرسيدس ليتشاجر مع هذا أو ذاك ..

لقد تغلغل (مراد بيه) في حياتنا إلى حد غير مسبوق .. سيطر على كل مكان وكل مرفق .. إنها الروح القبلية التي تضخمت في مجتمعنا والاستهانة بالقانون .. ما دمنا نحن من يرتكب الأخطاء ونؤذي فكل شيء على ما يرام والحياة حلوة. الجرم كل الجرم أن تُؤذى بفتح الذال..

مصر قد تحولت اليوم إلى فصل كبير من فصول هذه المدرسة الخاصة .. فصل لا يحترم أحدًا ويزرع في عقول أطفاله أن عدم احترام القانون هو جزء من السمو الاجتماعي .. نحن أكبر من المدرس .. اكبر من القانون .. الضعفاء والفقراء فقط هم من يحترمون المدرس ورجل الشرطة ويقفون في الصف، بينما نحن سادة (بنو مخزوم) ومن يجرؤ على اعتراضنا ميت ..

الأمثلة على ذلك كثيرة، وفي جعبة كل منا العشرات منها، لكني على سبيل المثال لا الحصر أذكر موضوع تقاطع شارعي (بطرس) و(سعيد) الذي يعرفه كل من يسكن في مدينة طنطا .. منذ أعوام وعند الثامنة مساء تقريبًا تلتقي في هذا الموضع عشرات من سيارات الشباب .. تراهم يسدون الطريق سدًا ويقفون خارج سياراتهم وأبوابها الأربعة مفتوحة، وموسيقا الكاسيت عالية جدًا وهم يتبادلون المزاح البذيء .. فلا يستطيع من يريد المرور عمل ذلك إلا بصعوبة وبعد ضغط آلة التنبيه عشرات المرات إلى أن يتنازل أحدهم ويغلق بابًا في قرف شديد، أما الفتيات فقد تعلمن أن يتجنبن هذا التقاطع بأي ثمن .. الملحوظة المهمة هي أن أغلب لوحات السيارات تحمل رقمين أو ثلاثة لا أكثر، وهناك عدد من النسور واللوحات السود والزجاج الفيميه .. بينما يقف شرطي مرور ريفي بائس من طراز (يا سنة سوخة) على بعد ثلاثة أمتار منهم عاجزًا عن عمل شيء، فيكتفي بالتعرض لسيارات الأجرة .. هو لا يريد أن يجازف، ولابد أنه يذكر أمثلة كثيرة لزملاء له فشلوا في تبديد هذه المظاهرة أو عوقبوا .. وكل سائق أجرة يعرف أنه من المستحيل تفرقة هؤلاء لأن كل واحد فيهم ابن اللواء (مراد بيه) أو ابن المستشار (مراد بيه).. ونحن نعرف كيف ينتهي كل كمين شرطة ببضع مكالمات بالموبايل .. و(كلم مراد بيه على التليفون).. فإذا رفض الضابط أن يضع الموبايل على أذنه، صاح الفتى في السماعة: يا مراد بيه .. الضابط مش عاوز يكلمك .. هكذا يتلقى الضابط المغتاظ المكالمة واللوم ويعيد الرخصة للفتى .. حبة جديدة تضاف لمسبحة غرور الفتى وثقته بأنه فوق أي قانون، وقصة جديدة يتفاخر بها في قعدات البانجو ..

سيارة تتوقف في مكان ممنوع وحساس أمنيًا بالمطار، فيعترض رجل الشرطة، هنا يخرج من السيارة رجل ضخم فخيم يلوح بالموبايل وينزع نظارته السوداء ليسمح للنظرة الأمنية الثاقبة بالخروج، ويقول للشرطي بلهجة تهديد: "أنا المستشار مراد كذا " .. برغم أن كلمة (مستشار) توجب عليه – كي يستحقها – أن يضرب المثل في احترام القانون .. وبالطبع يمتثل الشرطي البائس ويتراجع .. هو الغلبان الذي أفطر فجلاً وتغدى عدسًا .. هو القادم من (دشنة) ولو لم يأت البوكس ليحمله في نهاية الوردية لما عرف كيف يعود ولمات جوعًا ..

وفي (مارينا) منذ أعوام – كما قالت الصحف - أوقف شاب يبغي استعراض القوة سيارته بالعرض لتسد شارعًا رئيسًا، فتبقى السيارة حيث هي أربع ساعات لأن أحدًا لم يجرؤ على استدعاء الونش لجرها .. ما دام الفتى قد فعل هذا، فهو على الأرجح ابن (مراد بيه).. مراد بيه الذي قد يكون وزيرًا أو عضو مجلس شورى أو لواء كبيرًا في الداخلية، أو ربما هو صاحب مارينا نفسه ..

المستوى الآخر الذي بلغته المشكلة هو الادعاء .. كل الناس تعلمت كيف تتصنع أنها تمت بصلة لـ (مراد بيه).. لي صديق متأنق يجيد التمثيل، ويعرف في كل كمين مروري كيف يدعي أنه المستشار (مراد كذا) .. وقد ساعده الملصق الموضوع على زجاج سيارته والذي لا ينوي أن ينتزعه أبدًا .. صارحته بأنها مخاطرة وأنه لو طلب منه رجل الشرطة هويته لوجد نفسه في مأزق، فقال في ثقة إن هذا مستحيل .. لا أحد يجرؤ على طلب هوية (مراد بيه).. دعك من تلك النظرة الأمنية الغامضة التي تعلمها من أفلام (مراكز القوى)..

إنه ذلك الإحساس بعدم فعالية القانون، وأن هناك طبقة فوقه، وأن إجراءات التقاضي بطيئة، فإن تمت صار لديك حكم لا جدوى منه وعليك أن (تبله وتشرب ميته).. وكما يقول الغربيون: إن لم تستطع هزيمتهم فلتنضم لهم .. لا جدوى من هزيمة هؤلاء الذين صاروا يملكون مصر فعلاً، فلا مناص من الانضمام لهم بشكل ما .. عن طريق ابنك .. عن طريق النسب .. عن طريق المماحكة.. عن طريق لوحة سيارة عليها رقمان أو ثلاثة لا تقبل أن تبيعها مهما عرض عليك من مال ..

هناك حل آخر هو البلطجة .. بعض الناس سيأخذون حقهم بأيديهم ما دام القانون لن يعيده لهم .. منذ أيام استعمل أحد رؤساء الأحزاب – أستاذ قانون - مجموعة من البلطجية يقتحم بهم مقر الحزب، لأنه امتلك حكمًا لا يستطيع تنفيذه وهو مؤشر خطير جدًا على تراجع سلطة القانون واحترامه. أعتقد أن حوادث العنف سوف تتزايد باستمرار مع نمو هذه الطبقة وتنامي سلطة (مراد بيه).. من لا يملكون مراد بيه سوف يلجئون إلى (سوكة) و(سيد سوابق)..

لماذا تتسابق الأسر على أن يدخل أبناؤها كلية الشرطة ؟.. هناك أسباب كثيرة لكن أهمها أنها تريد أن تملك (مراد بيه) الخاص بها والذي تخالف به القوانين .. ولتحقيق هذا تتصل بـ (مراد بيه) آخر ليسهل لها أن يصير ابنها (مراد بيه).. كل أسرة تريد أن يكون عندها وكيل النيابة والمستشار فإن لم تجد واحدًا ناسبته أو تمحكت في قريب بعيد .. هكذا تستطيع أن تخالف القانون كما تشاء .. وترى السيدة تحدثك في فخر عن قرابتها لـ (مراد بيه) في الجمارك و(مراد بيه) في أمن الدولة و(مراد بيه) في دار القضاء العالي و(مراد بيه) في قسم (الساحل).. حتى كأنها من هواة جمع الطوابع تحدثك عن مجموعتها الخاصة من الـ (مراد بيهات)..

والمشكلة في مصر أن الأمر تجاوز مجرد لذة قهر الجيران .. إن النجاح الاجتماعي صار يقترن اقترانًا قويًا بالقدرة على خرق القوانين .. مش إحنا .. لقد تعبت كثيرًا حتى أبلغ مكانة تسمح لي بمخالفة القانون ولن أسمح لواحد من العامة بأن يحاسبني ..

لقد وصل الدرس كاملاً إلى ابن (مراد بيه) وإلى كل طفل في ذات الصف معه .. إلام سيصير هذا الصبي ؟.. وإلام سيصير زملاؤه الذين رأوا المواجهة بين قيمة العلم والاحترام وقيمة النفوذ والبلطجة وعرفوا بوضوح من الفائز .. ؟.. إلام سيصير الجميع بعد عشر سنوات؟.. لا أتمنى أن أكون موجودًا لأعرف ..


http://www.rewayty.com/Public/ShowArticle.aspx?ArticleID=375