حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
دولوز وابن سينا - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: عـــــــــلــــــــــوم (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=6)
+--- المنتدى: فلسفة وعلم نفس (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=84)
+--- الموضوع: دولوز وابن سينا (/showthread.php?tid=5702)



دولوز وابن سينا - لايبنتز - 04-05-2008



الحسين الزاوي



لقد أولى جيل دولوز اهتماما بالفيلسوف الإسلامي ابن سينا ،فما هي الأسباب التي حددت هذا التوجه؟ وكيف يمكن لفيلسوف عاش في القرون الماضية ، وينتمي الي حضارة مغايرة ان يستقطب اهتمام فيلسوف معاصر كجيل دولوز ؟ ما عسي ان تفيدنا فلسفة الشيخ الرئيس ابن سينا، وهي الفلسفه التي خاضت في اشكالات لم تعد هي اشكالاتنا؟

يتعلق الامر في هذا البحث بدراسة طريقة دولوز قي قراءة فلسفة الشيخ الرئيس ، وتتبع الاشكالات التي اثارت اهتمامه كذلك معرفة ما اذا كانت طريقة دولوز في التحليل تنساق و منوال تاريخ الفلسفة ام انها سطرت لنفسها مسارا آخر، مسار قادر علي بناء حقول فلسفية بين دولوز و ابن سينا يتعذر ادراك ما يتم وما يحدث فيها ويعطي للفلسفة السينوية بعداً خلاقاً قادراً علي امتلاك راهنية بين الفلسفات المعاصرة و يتعلق الامر في الاخير بمعرفة كيف يمكن للطريقه الدولوزيه ان تكون نافعه ومفيدة للفكر العربي المعاصر في محاولاتة منذ اكثر من قرن ، من إحداث قناطر و جسور مع الفكر العربى الكلاسيكى .

لم يكتب دولوز الكثير عن الفلسفة العربية، ولم يخصص سوي نصين لابن سينا ؛النص الاول موجود في كتاب منطق المعني(1) ، والنص الثاني ، اكثر اقتضاباًموجود في كتاب اسبينوزا وفلسفة التعبير(2) .بينما يتضمن كتاب حوارات(3) إشارة تفصح عن تمجيد دولوز للشيخ الرئيس.

في كتاب "اسبينوزا و فلسفة التعبير" ، يشير دولوز الي ابن سينا بصدد مشكل الماهية و الوجود عند اسبينوزا ، وقد تناول هذا الأخير هذا المشكل عندما تطرق لمعضلة الاحوال المتناهية فلكل حال ماهية تترتب علي الله ، الجوهر الفرد .فالله حسب اسبينوزا هو العلة الفاعلة لكل حال وليس الله علة فاعلة لوجود الاشياء فحسب ، بل هو كذلك علة لماهيتها ."فعندما يبين اسبينوزا ان ماهية حال لا تفيد الوجود ، فانه بالتاكيد يريد ان يقؤل اولا إن الماهية ليست علة وجود الحال . لكنه يريد أن يقول كذلك ان الماهية ليست علة وجودها الخاص"(4) يجب اولا الاشارة الي ان زيادة الوجود علي الماهية هاته التي ورثها اسبينوزا عن دان سكوت Duns Scot` وابن سينا تقابل في ان واحد التوجه الارسطى والافلاطوني وهي اولا تختلف عن التوجه الارسطي ، لان هذا الاخير يوحد الوجود والجوهر وحده تترتب عليها فلسفة التناسب ؛ وهي، ثانيا ، تختلف عن الفلسفة الافلاطونية التي كانت بالتأكيد تميز الماهية عن الوجود ، لكنها تجعل من هذا التمييز إنفصالاً يفيد تعاليا حقيقياً . فالماهية تتعالي علي الوجود الفعلي والحقيقي لشئ ما , فعالم المثل يجمع الماهيات الخالصة والكاملة في حين ان عالم الحس يكتفي باحتضان الموجودات المنحطة وغير قابلة للضبط والنظام , هناك اذن قي هذه الاشكالية ، الوجود والماهية ، كما هي مطروحة عند ابن سينا ودان سكوت و اسبينوزا ، تجاوز فعلي للافلاطونية وللارسطية

ومن جهة اخري لا تعني هذه الاشكالية ان الاحوال المتناهية عند اسبينوزا هي عباره عن اشياء ممكنة وجائزة تحت رحمة ارادة الهية مطلقة عمياء تفعل ما تشاء. لايتعلق الامر باعادة بناء احكام الدين المسبقة التي تطمح الي اخضاع وجود الاشياء الي قوة اله متعالي . فلأحوال المتناهية عند اسبينوزا تتمتع بالوجوب وبالضرورة . والامر الذي يؤسس هذا الوجوب ويبينه ، هو استحالة تصور فرق واقعي بين الوجود والماهية ." لا يعني هذا بتاتا ،قيول دولوز ان فرق واقعيا بين الماهية وجودها الخاص ؛ فالفرق بين الوجود والماهية مؤسس تاسيسا مباشرة عندما يفترض للماهية علة هي ذاتها متميزة وعند ذلك تكون الماهية بالضروره ، لكنها توجد بفضل علتها ( وليس بقضل ذاتها ) نتعرف هنا علي مبدا لاطروحه شهيره لدان سكوت ولاطروحةتعود ، الي اقدم من ذلك ، لابن سينا : فالوجود يلازم الماهية لزوما ضروريا ، لكن بفضل علة هاته ؛ انها اذن ليست محتواه أو متضمنة في الماهية ؛ انها زائده عليها . ولاتكون زائده عليها مثل فعل متميز تميز واقعيا ، وانما كمثل تحديد نهائي يترتب عن علة الماهية . وبكلمة واحده ، للماهية الوجود الذي تستحقه بفضل علتها "(5)

يتعلق المشكل الذي يجمع اسبينوزا ودان سكوت وابن سينا بوجوب الماهيات المتناهية ، او بالممكنات حسب تعبير الشيخ الرئيس . كيف يمكن الجمع بين زياذة الوجود علي الماهية ووجوب العالم . فاذا كان الكون مركبا من الموجودات التي يكون وجودها زائد علي ماهيتها .فكيف يمكنها الا تكون مجرد امكانات بدون وجوب وضرورة ؟ غير ان المشكل يحيل بشكل اعمق علي اشكال انطولوجي ومنطقي . وبالفعل اضطر ابن سينا ، في مواجهة هذه المعضلة ، الي إبداع صنف جديد من العله لقد اعتادت الفلسفة ، قبل ابن سينا ، ان تميز بين صنفين من الموجودات . تلك التي تتمتع بالوجوب ، لله ؛ وتلك التي تكتفي بالإمكان ، المخلوقات ويظل كل صنف مطابقا لنفسه لا مغير لحكمه . وافتراض قلب للحقائق امر مستحيل حسب كل المتكلمين ورجال الدين ، بل ومجمل الفلاسفة . إذ كيف يمكن للوجوب أن يصبح ممكنا أو العكس ؟ هكذا يبدو الممكن والواجب كعالمين متناقضين ومتقابلين ، فحضور الطرف الأول هو رفع للطرف الثاني . يناسب هذا التصور الفكر الديني بكل تنوعاته ، إذ غايته الأولى والأخيرة هي الحفاظ على الواجب الخالق لكل شئ ، إذ أن تطابق كل العالم مع نفسه هو الذي يحفظ تعالى الخالق وسموه . والواقع ان في عمق هذا التصور يكمن منطق ثنائي صارخ ، منطق لا يستطيع تصور الا صنفان من العلل ، العلة الواجبة والعلة الممكنة اللذان يطابقان نوعين من الوجودات ، الوجود الواجب والوجود الممكن . هكذا ينتهي هذا المنطق الي إقامة هوة سحيقة بين الوجودين .

سيواجه ابن سينا هذه الهوة الانطلوجية في مجمل فلسفته . فاذا كان العالم يتكون من موجودات ممكنة ، فان هاته الاخيرة تتمتع بوجوب ما . هذا لا يعني ان الممكن من حيث هو ممكن يصبح واجب ؛ فابن سينا لا يسقط هذه الاستحالة . لكن الممكن يصير واجبا من حيث استقباله لفعل علة واجبة . فالممكن في ذاته يصير واجبا بفعل علته .هناك اذن " منزلة بين المنزلتين " ان امكن القول ، هناك حالة وسطية بين الوجوب في الذات والامكان في الذات ، وهي حالةالممكن في نفسه والواجب بغيره ، واجب الوجود . فلا يلحق الوجود الممكن الا في الخارج ، من العلة الواجبة وهكذا تصبح الثنائية المعتادة ثالوث عليا ، بل وكذلك ، ثالوثا منطقيا وانطولوجيا . الواجب في ذاته ،والممكن في ذاته ، والممكن في ذاته والواجب في طرف غيره ، من العلة الواجبة . يطيح هذا الثالوث من وجهة نظر الارسطية بمبدا اللاتناقض وبالفعل ، فقد انتقد ابن رشد وهو "الارسطي الوفي " هذه الحالة المستهجنة بين الممكن والواجب.(6) غير ان الامر ليس كذلك اذ ليس الممكن من حيث هو ممكن يظل دائما ممكنا أي انه ينفر من الوجوب . واذا اصبح واجبا فلأنه يستقبل فعل واثر عله واجبة . اذن يصبح الممكن واجبا ، لا من حيث هو ممكن ، وانما من حيث كونه يستقبل فعل عله واجبه .

وبالجملة فبفضل هذا التصور الجديد استطاع ابن سينا تفادي مخاطر الفرق الواقعي بين الماهية والوجود ، وابداع مجال لا افلاطوني ولا ارسطي فان كان حقيقة ان الممكن زائد علي ماهيته ، واذا كان حقيقة ان كل ماعدا واجب الوجود يحتوى على احضانه ، منذ الازل علي طبيعة جائزة وممكنة لن يستطيع تغييرها ، فإن كل ماهية تتمتع بالوجود الذي تستحق بفضل الوجود الواجب الذي يلزمها حقيقة ان الوجود يلحق الماهية كعرض خارجي لكنه يعرض بشكل واجب وضرورى . وكي نتكلم كالشيخ الرئيس ، فالوجود يلازم الماهية .

ان الامر الذي اثار اعحاب دولوز فيى اشكالية الماهية والوجود ، هو اولا وقبل كل شئ قلب الأفلاطونية وتجاوز الارسطية اللذان تحققا من طرف كل من الشيخ الرئيس ودان سكوت واسببنوزا . ونجن نجد عندهم جميعا ابداعا خلاقا لمجال انطولوجي خارج الافلاطونية والارسطية ، حقيقة ان هناك تميزا بين الماهية والوجود ، لكن هناك كذلك لزوما . غير ان الأمر الذي اثار اهتمام دولوز كذلك في هذه الاشكالية ، هو ابداع هذا الممكن بالذات والواجب بالغير ، هذا التوسط ، وهذا "البين -بين" الذي يرسم خطوط انطولوجيا جديده . وهذا الذوق الفلسفي نحو المفاهيم التي تمر بين المتعارضات والمتقابلات والذي يميز فلسفة دولوز يتحقق مرة اخره بصدد تصور سينيوي اكثر اثاره وثورية ، وهو التصور الشهير الذي علق باسم ابن سينا واصبح غلامه علي نبوغ الشيخ الرئيس في الفلسفة وهو تصوره للماهية . وهنا سيقيم دولوز علاقة مباشرة مع هذا المفهوم جاعلا من ابن سينا طرفا في الفلسفة المعاصرة ومحاور جديد في الحقل الفلسفي الراهن ز وقد شكل كتاب دولوز الشهير ، منطق المعني ، معالم هذا المشروع الهائل والمثير . ولكن قبل تقديم عمل دولوز حول ابن سينا ، نري انه من الواجب علينا ، اولاً عرض، ولو بعجاله، نظرية ابن سينا بصدد الماهية وتسجيل اللحظات الفلسفية الهامة التي قطعتها.

تبدو نظرية الماهية عند ابن سينا كاحدي اهم اسهاماته في تاريخ الفلسفة . فقد كانت مفخرته في كل كتبه، وظل اسمه عالقا بها طوال تاريخ الفلسفة الاسلامية بل وتعداه الي الفلسفة المسيحية . وهي بالفعل إبداع خلاق ملأ الدنيا وشغل الناس . فالماهية هي الامر الذي يحدد الشئ ويعطيه قواما واتساقا وتميزا ." فإن لكل امر حقيقة هو بها ما هو ، فللمثلث حقيقة انه مثلث ،وللبياض حقيقة انه بياض"(7) . " إنه من البين ، يقول ابن سينا ، ان لكل شئ حقييقة هي ماهيته"(8) فكل ما هو موجود له ماهية يكون بها هو هو . والماهية ، الانسانية مثلا ، تكون متحققة عند كل الناس . والسؤال المطروح هو التالي : هل الانسانية خاصة ، لا تتخقق الاعند زيد مثلا ؛ ام انها كلية ، تحمل علي زيد وعلي كل الناس ؟ واذا افترصنا ان الانسانية خاصة فإنها لن تحمل ولن تطلق علي كل الناس . غير ان هذا يناقض العيان ، فنحن نعرف بالمشاهدة ان الانسانية لا تحمل علي زيد فقط ،وانما تحمل وتطلق علي كل الناس . وهكذا نخلص الى هذه النتيجة : إن الماهية ، سواء كانت انسانية او غيرها ،ليس جزئية ولا يمكنها ان تكون جزئية . لنفرض الان ان الانسانية كلية ، أي لا تحمل عي زيد فقط بل علي كل الناس .فالامر الذي يكون كليا يحمل عي كثيرين . لكن أليس تحديد الكلي ، من حيث هو كلي ، أن يكون كليا أي ألا يكون جزئيا ؟ أليس من طبيعة الكلي أن تستحيل عليه الخصوصية ؟ أذا كان هذا هكذا ، فأن الماهية التي افترضنا انها كلية يستحيل ان تكون مقولة علي الشئ ، أي علي الموجود الجزئي المحدد . وافتراض ذلك مكابرة للاعيان . اذ اننا نعرف بالمشاهدة ان الانسانية ، هى ماهية ، تقال علي الموجودات الجزئية ، كعمرو وزيد . وهكذا بلخص الشيخ الرئيس الي القول ان الماهية ليس كلية.ولنقر ابن سينا نفسه في كتاب الشفاء" قالكلي من حيث هو كلي شئ ، ومن حيث هو شئ تلحقه الكلية شئ . فالكلي من حيث هو كلي هو ما يدل عليه احدي هذه الحدود ، فاذا كان ذلك انساناً او فرسا فهناك معنى اخر غير معني الكلية وهو الفرسية ,فان حد الفرسيةليس هو حد الكلية فان الفرسية لها حد لا يفتقر الي الكلية لكن تعرض له الكلية فانه في نفسه ليس شئ من الاشياء ألبته الا الفرسية ، فانه في نفسه لا واحد ولا كثير ولا موجود في الاعيان ولا في النفس ولا في شئ من ذلك بالقوة ولا بالفعل علي ان يكون داخلا في الفرسية ، بل من حيث هي فرسية فقط . بل الواحداية صفة تقترن الي الفرسية؛ فتكون الفرسية مع تلك الصفة واحدة .

وكذلك للفرسية مع تلك الصفة صفات أخري كثيرة داخلة عليها فالفرسية –بشرط انها تطابق بحدها أشياء كثيرة - تكون عامة ولأنها مأخوذة بصفات واعراض مشار اليها تكون خاصة . فالفرسية في نفسها فرسية فقط"(9)

يحقق ابن سينا ،كما فعل ذلك في إشكالية زيادة الوجود علي الماهية ، قلبا للافلاطونية . وانتقادات الشيخ الرئيس لنظرية المثل الأفلاطونية شهيرة في تاريخ الفلسفة(10) . فالحياد يموضع الماهية في مجال لا متعال ولا اقلاطوني . فالماهية محايدة عند ابن سينا . ليست كلية وليست خاصة . انها ماهية فقط ." فاذا الموضوع في المسألة هوية الإنسانية من حيث هي انسانيةكشئ واحد ، وسئل عن طرفي النقيض فقيل : أواحد هو ام كثير ؟ لم يلزم أن يجاب لأنها من حيث هي هوية الانسانية شئ غير كل واحد منها ، ولا يوجد فى حد ذلك الشيء الا الإنسانية فقط .

واما انه هل يوصف بانه واحد او كثير علي أنه ،وصف يلحقه من خارج ، فلا محاة أنه يوصف بذلك ،ولكن لا يكون هو ذلك الموصوف من حيث هو إنسانية فقط ، فلا يكون من حيث هو أنسانية هو كثيراً بل يكون كأن ذلك يلحقه من خارج"(11) لذلك فالماهية من حيث هي ماهية ليست بواحدة او كثير ، وانما هي ماهية فقط .

وقد شكل هذا التصور الجديد والخلاق للماهية أختراق الاحقاب والعصور بل وحني ابفرق الكلامية والفلسفية بل أن خصومه لم يترددوا استجلابه لأنساقهم . وخير مثال على ذلك الشهرستانى المتكلم الاشعرى ، خصم ابن سينا . فرغم أنه كان يطمح الي تحطيم فلسقة الشيخ الرئيس في كتاب مصارعة الفلاسفة ، فانه لم يتردد في أخذ نظريته بصدد الماهية واستعمالها من اجل الدفاع عن مذاهب أصحابه ضد نظرية الاحوال التي قال بها أبو هاشم الجبائي(12) غير أن بهاء مفهوم الماهية سيتجاوز حدود الفلسفة الاسلامية الي الفلسفة المسيحية ، محققاً بذلك دخولا شرعياً في حقل تاريخ الفلسفة من بابه الواسع .

إن المفهوم الخلاق والاصيل لا يفقد ابداً قوته وحيويته . ذلك هو مسار وقدر مفهوم الماهية لابن سينا . وبالفعل فقد وجد استعمال واستثماراً عند دان سكوت الذي لم يخف اعجابه به والدفاع عنه ضد اعدائه وخصومه . والواقع أن دان سكوت لا يكتفي بالرجوع الي هذا المفهوم بشكل سلبي بل انه يقوم بتحويل معناه وباستثماره في شكل جديد ، اشكال الوجود وهكذا سيقوم دان سكوت بربط مفهوم حياد الماهية عند ابن سينا بمشكل الوجود ، فاتحا بذلك الباب لأنطولوجيا جديدة

وبالفعل سيعمل علي إقران مفهوم الحياد الذي ربطه ابن سينا بالماهية مع مفهوم الوجود . وبذلك سيصبح مفهوم الحياد نقطة انطلاق ، في الفلسفة المسيحية، لانطولوجيا تواطؤ الوجود التي مازالت تحمل توقيع دان سكوت .

لقد رأينا أن الماهية عند ابن سينا لا تبالي بالكلية كما أنها لا تبالي بالخصوصية . فهذه المنزلة هي التي اثارت انتباه دان سكوت وحركت طموحه للظفر بتصور جديد للوجود . ويكمن عمله بالأساس بنقل مجال هذا المفهوم الي حقل الوجود . يقول إيتيان جيلسون في بسط ذلك " يمكن للعقل الانساني ، في شروطه الحالية ان يتصور الوجود دون تصوره كمنتاه او لا منتاه كمخلوق او لا مخلوق ، وبالتالي فمفهوم "الوجود"هو مفهوم متميز عن هذه الأمور الاخيره وبالتأكيد هو متضمن في إحداهما ، لكن أحد منهما يكون متضمناً فيه.فمن حيث هو هو فإنه ليس هذا وليس ذاك .(…)انه " محايد"بالنسبة لهما ؛وباختصار ،إنه متواطئ(13) ."فمن "الحيوان فقط"(ANIMAL TANTUM )" ننتقل الي الوجود فقط (esse tantum) يستثمر دان سكوت اذن هذه النظرية في فلسفته، لكن بعد تغيير مجال اجرائها وعملها انها تقدم له وسائل مفهوميه من اجل الدفاع عن احادية معني الوجود ضد المذاهب التي تقيم اشتراكا وتناسبا للوجودوالتي تقحم التراتب والتعالي في معانيه يقوم دان سكوت اذن باستعمال اونطولوجي للنظرية السينوية

في كتاب "الاختلاف والتكرار" ، مجد جيل دولوز فلسفة دان سكوت لكونه قد دافع عن أحادية معنى الوجود "لم تكن هناك ابدا سوي قضية اونطولوجية واحدة: الوجود متواطئ . ولم تكن هناك سو ي اونطولوجيا واحدة ، اونطولوجيا دان سكوت لانه قد استطاع حمل الوجود المتواطئ الي اعلي مستوي من اللطافة مع احتمال جعله مجردا (14) ويميز دولوز بين ثلاثة لحظات أساسية(15) ، في "بناء تواطئ الوجود:الأولي يمثلها دان سكوت . ففي كتاب"Opus Oxoniese" وهواكبر كتاب في الاونطولوجيا الخالصة , يتصور الوجود كمتواطئ ،غير ان الوجود المتواطئ يتصور كوجود محايد ،لا مبال بالنسبة لللاتناهي وللتناهي ،للمفرد وللكلي ,للمحدث ولغير المحدث(16) . لقد راينا كيف ان دان سكوت قد استعمل حياد الماهية عند ابن سينا في هذا التواطئ المتعلق بمفهوم الوجود.

قد يبدو ان مشكل تواطئ الوجود مشكل مجرد وبعيد عن الاهتمامات الفعلية والواقعية للفلسفة وللحياة ، عير ان الامر ليس علي هذا المنوال انه في واقع الامر يتضمن عواقب اساسية لا تمس مستوي الفلسفة فحسب ، بل ومستوي السياسة والاتيقا ، فالنقاش الحاد حول التواطئ يتجاوز الاشكالات النظرية المجردة .فقبل الوجود السياسي ، كما يقول فيلكس غاتاري .وبلغة السياسة وعبر خلق يقيم تعدد معاني الوجود الذي ناهضة كل من دان سكوت وسبينوزا و دولوز ، تراتبا سياسيا ومجالا امبراطوريا بعمل وفق وتصور عمودي . انه "تعالٍ ووجود عمودي ودوله امبرطوريه في السماء او فوق الارض … " في حين ان تواطئ معني الوجود الذي ينادي به كل من دان سكوت و اسبينوزا ودولوز يفيد مجالا سياسيا يعمل عبر امتداد محايث لقوي الحياة الخلاقة ، مجالات من الحرية المحايثة للتفردات الواقعية والفعلية أما تناسب الوجود الذي يعود منبعه إلى أرسطو .والذي جعل منه ابن رشد مفهومة الاساس ،فإنه يعني توسطا أنطولوجيا يمر عبر المقولات والأجناس . وهكذا فإنه يعني توسطا سياسيا يخضع القوي الحقيقية للحياة ويجعلها تمر بالضرورة من خلال مطهر سياسي ، وتوسط قانوني ، حزبي ، جمعوي ، الخ . في حين ان التواطئ ، تواطئ معني الوجود ،يحمل مباشرة وبدون واسطة علي الماهيات المنفردة والمتعددة والمختلفة , أي علي قوي الحياة الفعلية والواقعية . هكذا نري ان نشيد تواطئ الوجود الذي يغنيه دولوز يجد انطلاقته مع الشيخ الرئيس ، ودان سكوت . فكل من زيادة الوجود علي الماهية وتواطئ معني الوجود يفيدان معا مجالا لا افلاطونيا ولا ارسطيا.

ومع ذلك ، فرغم اهمية هذا التصور فان موقف ادن سكوت يسجن مفهوم الوجود في حياد لا يرضي متطلبات اونطولوجيا الاثبات والصيرورة التي يقول بها جيل دولوز . فمن اجل ضمان حياد قوي التناسب في الحكم ، فان دان سكوت بادر الي تحييد مفهوم الوجود داخل مفهوم مجرد . لذلك فانه قد تصور فقط الوجود المتواطئ .ونري الخصم الذي يسعي الي الهروب منه ، تبعا لمتطلبات المسيحية وهو المتمثل في وحدة الوجود التي سيسقط فيها لو لم يكن الوجود العام محايدا"(17)

فالوجود ، بالنسبة لجيل دولوز ، اثبات لا حياد ، صيرورة لاتطابق، اختلاف لا تماثل . ومن هنا نخلص لا محالة الي النتيجة التالية . فكون الوجود اثبات وصيرورة ، دفع دولوز الي فك الارتباط ، الذي اقامه دان سكوت ، بين الوجود والحياد وبتعبير اخر ، بين الحياد الذي يلحق ماهية ابن سينا وطبيعة الوجود . فالوجود اكثر من حياد ؛ انه اثبات ،صيرورة، اختلاف وتكرار . والحال ان دولوز اذا استبعد نظرية حياد الوجود ، فانه لن يبعد مع ذلك حياد الماهية كما تبدو وتتبلور عند الشيخ الرئيس بل انه سيحتفظ بثروته الفلسفية . والواقع ان نصوص دولوز تجعلنا نلمس انه يري في نظرية ابن سينا حول حياد الماهية امكانات فلسفية واونطولوجية هائلة لا تتوافق وفلسفة الاختلاف فحسب ، بل انها تغنيها و تثريها بنفس جديد. وهكذا فاذا كان لهذا المفهوم السينوي من "حقيقة " فانها تكمن اساسا في"خصبها، لانها تعطي للمشاكل حلا افضل"(18) ، "وتجعلنا نسمع تغيرات جديدة ورنات غير معروفة ، وتقيم تقطيعات غير معهودة ، وتحمل حدثا يحلق فوقنا"(19)

وقد دفعت هذه الاعتبارات بدولوز الي البحث عن اقتران جديد لنظرية الماهية السينوية . وبالتالي لن يصبح الحياد في اقتران مع الماهية ،كما كان الامر مع ابن سينا ، ولا مع الوجود ، كما هو الشان مع دان سكوت ، وانما مع المعني .منطق جديد للمعني ، ولكن كذلك ايتقا جديدة يريان النور .

ان عمل دولوز بصدد فلسفة ابن سينا لا يدخل ضمن اعتيادات تاريخ الفلسفة ، باعتبار ان مجاله لا يتعلق باعادة انتاج فلسفة الشيخ الرئيس ، ولا في وضع فلسفته ضمن سلسة من التأثيرات المتعددة التي يتلقاها او يكون قد مارسها علي غيره . فما يبحث عنه دولوز في دراسته لفكر الشيخ الرئيس ، وما ينقب عليه هو بالاساس النقط الامعة والقوية في فلسفته ، وبتعبير اخر المفاهيم الجديدة والاصيلة التي تشرق كبلورات علي صحيفة فلسفة ابن سينا . وطريقة دولوز في قراءة فلسفة الشيخ الرئيس متميزة وخاصة . وبالفعل فهي تسلك طريق انتقاء واختيار المفاهيم التي تبدو له قادرة علي لرسم خط جديد . وبالتالي فانه سيعمل،كما اعتاد ذلك ، علي تحقيق "اقتناص" حيث يتم كسر الوحدة الأصلية للنص المقروء من أجل تطبيق أفكاره في تنسيقات جديدة "(20) .

وقد شكلت الطريقة التي بواسطتها قرأ دولوز الفلاسفة ودرس فكرهم مفارقة فلسفية في حد ذاتها داخل تاريخ الفلسفة . ففي قراءته لفلسفة سبينوزا ، مثلا ، عمد دولوز الي جعل مفهوم التعبير النقطة البلورية في فلسفته ، وبالفعل ، " فباختيار تقديم عمل اسبنوزا في مجمله بمواجهته لمشكل واحد ، مشكل "التعبير" وهو المشكل ذو معاني لابينتزية واضحة المعالم فان دولوز قد ابتعد منذ البدء عن الاشكال التقليدية لتاريخ الفلسفة ، وعن هم هاته بالتكيف مع المعني الحرفي للنصوص . وبالفغل فما يشكل تميز القراءة التي يقوم بها دولوز لاسبينوزا ، تميز يخوله العثور علي ذاته في داخل اسبينوزا لانه كذلك تميز اسبينوزا ، هو كون المفهوم الذي يعطيه قيمة لا وجود لاي صياغة او طرح بارز له في كتاب الاتيقا.(21)

لا يبدو ان القراءة التي قام بها دولوز لفلسفة ابن سينا قد اتبعت نفس السبيل. يبدو ، علي العكس من ذلك ، إنه قد ركز علي مفهوم سينوي قد شكل موضمع تعاريف متعددة من طرف الشيخ الرئيس ةكان محط شروح ودراسات من طرف المهتمين بتاريخ الفلسفة والكلام سواء تعلق الامر بالمسلمين او المسيحين . الم يشكل اختيار دولوز لمفهوم سينوي شائع عودا ورحوعا لتخشبات تاريخ الفلسفة التي عمل دولوز في كل انتاجه جهدا وطاقة خلاقة للتنحي عنها ؟.

والواقع أن الأمر ليس على ذلك المنوال . إذ إذا كان صحيحا أنه قد ركز على مفهوم شهير في تاريخ الفلسفة ، فإن لم يطمح إلى بلورة تفسير جديد ينضاف إلى التفاسير الموجودة في تاريخ الفلسفة ، إن الأمر الذي يهم فيلسوف الاختلاف دولوز ، هو إقامة استثمار جديد لهذا المفهوم ، توجه جديد قادر على إعطائه حياة وقوة جديدتين . وبالفعل "ليس أمامنا سوى خيار بين أمرين : أما تاريخ الفلسفة ، وإما لقح أفلاطون من أجل مشاكل لم تعد أفلاطونية وهكذا سيعمل دولوز على تحقيق لقح سينيوي من أجل مشاكل ليست بمشاكل سينوية . وهذا الجانب بالضبط هو الذي يمنح للفلاسفة الذين درسهم دولوز راهنية رائعة وخارقة . سيجد اسبينوزا راهنية اونطولوجية متميزة ، مثلما ستصبح مفاهيمه أدوات ضد الديالكتيك ، ضد التجريدات الفلسفية الجوفاء . مثلما سيجد برجسون في كتاب الصورة – الحركة والصورة – الزمن شبابا وجدة تجعل منه منظرا كبيرا في مجال الفن السينمائي . وسيجد ابن سينا مع دولوز راهنية متميزة كذلك . وهكذا سيصبح تاريخ الفلسفة عبارة عن ورشة عمل ، عن تجريب واختيار . إذ لا يتعلق الأمر بتأمل مفاهيم تاريخ الفلسفة أو بالنظر فيها ، بقدر ما يتعلق الأمر باستعمالها من أجل حل مشاكل حالية وراهنة ، مشاكل تتعلق بحياتنا ، هنا والآن .

التحليل الفلسفي كاقتران وكاستثمار

يبدو أن عمل دولوز حول ابن سينا يتخذ اتجاهين أساسيين : يتعلق الاتجاه الأول بربط فلسفة الشيخ الرئيس بالفلسفة الرواقية في حين يتعلق الاتجاه الثاني بإيجاد اقترانات تمنحها حياة جديدة في الفلسفة المعاصرة .

والواقع أن العلاقة التي يقيمها دولوز بين ابن سينا والفلسفة الرواقية قد تبدو علاقة مفارقة من جهة نظر تاريخ الفلسفة . وبالفعل ، فإذا كان ابن سينا قد يثير فلسفة المعلم الأول ، أرسطو ، والفكر المشائي عموما ، وإذا قدم وانتقد بحرية نظرية المثل الأفلاطونية ، وإذا احتفظ بعناصر أساسية من نظرية النفس الأفلاطونية ، فلا يبدو أن نصوصه تشير إلى الفلسفة الرواقية . ولا يبدو أن مفهوم اللاجسمانيات ومفهوم الحدث ، وهما المفهومان الأساسيان في الفلسفة الرواقية ، قد وجدا استعمالا في كتابات الشيخ الرئيس . بل أن كل القرائن تدفعنا إلى الإثبات بأن فكرة قد ظل بمنأى عن التأثير الرواقي المباشر . غير أن دولوز يكتشف ، تحت ركام الظواهر ، تشابهات سرية وصامتة بين الفلسفتين . وهكذا يتأسس التقاء بين فلسفة أهل الرواق وفلسفة الشيخ الرئيس عوض أن تتسجل في تتال تاريخي وزمني

والحال أن إحدى نقط التقاء الفلسفتين تكمن في طموحتها لقلب الأفلاطونية . إذ يتعلق الأمر في الحالتين بالإطاحة بالماهيات والصور الخالصة دون السقوط في فخاخ التجريبية الساذجة . وقد حقق الرواقيون هذا المشروع بإبداع مفهوم الحدث في حين أنجز الشيخ الرئيس المشروع نفسه بإيداع مفهوم الماهية . ويملك هذان المفهومان ، الماهية والحدث ، الخاصية نفسها ، أي الحياد . فالماهية والحدث يوجدان في مجال محايد ، مجال يسمح لهما بتفادي المحسوس والمجرد ، الأعماق والأعالي .

ويأخذ حياد الماهية في التصور السينوي كما يفهمه دولوز بعدا إيجابيا وإثباتيا . فليس الحياد سلبا . أنه لا يتضمن نقصا أو تحديدا . إنه ليس اللاتحديد المعروف في الفلسفة الشرقية كما قد نميل إلى القول مع هيجل (23) مثلما انه ليس هو الأعمق الذي ينادي به الافلاطونيون المحدثون . يتفادي دولوز كل هذه التأويلات التي لا تنتمي الي الفلسفة السينوية ، كما انها لا تنتمي الي المنطق الدولوزي ، ان الحياد كما ورد عند كل من دولوزوابن سينا يفيض تحديدا واثباتا . فبالزيادة لا بالخصاص ، يحقق الحياد الاثبات ، فاذا كانت الماهية محايدة ، فلانها تستطيع ان تكون " كل شئ في ان واحد " هكذا نري ان دولوز يوجه فهمه للنظرية السينوية بعيدا عن اتجاهات النقص والسلب التي تشكل عضد الفلسفة الدياليكتيكية . وباختصار فكأن دولوز يقيم قراءة لا هيجلية للفلسفة السينوية .

وقد استثمر دولوز مفهوم الحياد ، الذي يطبع مفهوم الماهية عند ابن سينا ، في مجالين اساسيين ، مجال المعني ومجال التمييز .

لقد بات من المعروف ان الفلسفة الدولوزية قد اتت بتصور جديد للمعني وثيق الصلة بنقدها الصارم الموجه ضد كل من الفلسفة الترنسندالية ، والفينومينولوجيا ، اللسانية ، والمنطق القائم غلي مفهوم الاضافة ، وتكمن دراسة دولوز للمعني بتحليله للقضية المنطقية . واذا كانت القضية تتضمن ثلاث ابعاد التي هي الاشارة ، " انها علاقة القضية مع حالة للاشياء الخارجية " – ؛ والظهور، - يتعلق الامر بعلاقة القضية باذات المتكلمة والمعبرة " ؛ - والدلالة ، - " يتعلق الامر هذه المرة بعلاقة الكلمة مع المفاهيم الكلية او العامة " -، فان المعني كما يكتشفه دولوز عند الرواقيين يكمن في بعد رابع للقضية . انه " تعبير القضية ….. انه اللاجسمي فوق سطح الاشياء ، وكيان معقد لا يختزل ، وحث خالص يلح في القضية او يثبت فيها " ومن بين المفارقات الاساسية في المعني ، هناك مفارقة الحياد ، فالمعني محايد . انه ليس كليا . وليس خاصا . هنا يرجع دولوز الي نظرية الشيخ الرئيس في الماهية . هكذا نري ان دولوز يحقق تحولا رائعا لنظرية ابن سينا بصدد الماهية . فمن مجال اونطولوجي نمر الي مجال منطقى ، والحدث . يملك المعني عند دولوز نفس الخصائص التي اطلقها الشيخ الرئيس علي الماهية . انهما معا يمتدان فوق السطح ، فوق شاطئ الحياد هو اصل ومنبع كل تحديد ممكن ومتصور .

وقد دفعت هذه الاعتبارات دولوز الي اعادة النظر في اشكالية التميز . وهنا يتدخل مفهوم الحياد بقوة ليقدم تصورا جديدا امام الفلسفة المعاصرة . ان المبتافيزيفا شأنها شأن الفلسفة الترنسنتدالية ، تضعنا امام اختيار شبيه بذلك الذي واجه ابن سينا والذي دفعه الي احداث مفهوم الماهية . انها " تفرض علينا : اما عمقا بدون اختلاف لاعمق ، لا وجود بدون تشكل ، هوة بدون اختلافات وبدون خصائص _ واما موجود متفرد بشكل سام ، صورة متشخصة بشكل قوى . خارج هذا الموجود او هذه الصورة ، فلن يكون امامكم الا السديم " . ومن اجل تفادي هذا الاختيار المفتعل ، اضطر دولوز الي ابداع مفهوم جديد لمشكل التميز ، ان التميز حسب الفلسفة الدولوزية " حر ومجهول ورحال يخترق الناس كما يخترق الحيوانات باستقلال عن مواد تفردها وصور شخصيتها " . واذا كانت التميزات مضبطة بهذا الشكل ، فذلك لان حال المعني هذا باحداثه – تميزاته يقدم حياد لا ينفك عنه " فالتميزات كحياد هي اصل وقاعدة نشوء كل التحديدات الممكنة ، فالتميزات التي ليست بكلية ولا خاصة توجد ، شأنها في ذلك شان ماهية ابن سينا ، علي مستوي الحياد . ان التصورين معا ، الماهبة السينوية والتميز الدلوزي ، خزان كل تفرد ممكن.


ومن جهة أخرى ، تنفلت قراءة دولوز لمفهوم الماهية السينوية من كل قراءة نظرية محضة ، إذ لا يتعلق الأمر بالنسبة إليه بوصف هذا المفهوم وتحديد محيطاته وحدوده . يتعلق الأمر في القراءة الدولوزية بالعثور على بعد عملي للحياد ، بعد يتم نزعه من حدوده اللازمة له ويأخذ لا كنقطة ثابتة ، وإنما كخط واتجاه قادر على رسم معالم إتيقا جديدة . وهكذا يقيم دولوز استثمارا إتيقيا لمفهوم الحياد . فمن الحيوان فقط ، animal tantum ننتقل إلى الحدث فقط eventum tantum ويحقق هذا التحول تغيرا عميقا في الاتجاه الفلسفي ، فمن المجال الأنطولوجي والمنطقي ننتقل إلى الحقل الإتيقي ، إتيقا الحدث ، والحياد.

وبالفعل ، إذا كان مفهوم الحيوان فقط يقصي الخطرين الذين يتربصان به ، تعالي الماهيات وتلاشيها في المحسوس الذي يختزل الماهية في كيان بدون عمق وسمك ، فإن مفهوم الحدث فقط يجد نفسه أمام العمل نفسه ، عمل ينضاف إليه بعد عملي وانشغال إتيقي يتعلق الأمر بانتزاع حدث محايد ، وهكذا ترتسم معالم إتيقا عملية تأخذ على عاتقها تفادي الأخطار التي تتهدد الحياة . "نعيش بين خطرين: هناك من جهة التأوه الأزلي لجسدنا ، الذي يقع دائما على جسد رهيف يقطعه ، أو على جسد ضخم جدا يلفه ويخنقه ، أو جسد لا يستساغ ويسممه ، أو أثاث يصدمه ، أو مكروب يلحق به دملا ، ولكن هناك أيضا من جهة أخرى تهريج أولئك الذين يقلدون حدثا خالصا ويحولونه إلى استيهام وينشدون الكرب والتناهي والخصي . ينبغي التواصل إلى "أن ننصب بين الناس وأعمالهم وجودهم السائد قبل حضور المرارة" كيف يمكن للمرء أن يرسم ، بين صياحات الألم الفيزيقي وأناشيد المعناة الميتافيزيقية ، سبيله الرواقي الضيق ، سبيل يكمن في أن نكون في مستوى ما يحدث ، وفي انتزاع شئ ما مما يحدث يتوفر على ابتهاج وعلى حب ، انتزاع بصيص أو التقاء أو حدث أو سرعة أو صيرورة ؟ سأستبدل ميلي نحو الموت الذي كان إفلاسا للإرادة ، برغبة في الموت تكون انشراحا فائقا للإرادة "سأستبدل رغبتي البشعة في أن أكون محبوبا ، بقوة في الحب : لا يعني ذلك إرادة غير معقولة لمحبة أي شخص أو أي شئ كان ولا التوحد مع الكون ، وإنما استخراج الحدث الخالص الذي يجمعني مع أولئك الذين أحبهم والذين ينتظرونني ولا أنتظرهم ، ما دام أن الحدث وحده هو الذي ينتظرنا ، الحدث فقط" (30) بتفادي الخطرين الأساسيين ، تلوح معالم هذا التصور الإتيقي الجديد ، وتأخذ قوة وتماسكا. وفي نص رائع ، يرسم هنري ميللر Henry Miller خطوط هذه الإتيقا الجديدة التي تحاول ترسيخ طريق رهيف ومكسر ولخفة الحياة . "إن النسور التي خفقت أجنحتها القوية في السماء لبعض الوقت قد سقطت فوق الأرض . لقد أصابنا الدواران بسبب خفقان وهدير أجنحتها . امكثوا فوق الأرض ، يا نسور المستقبل إن السموات قد استكشفت لكنها فارغة . وما يجثم تحت الأرض فارغ كذلك ، مليئ فقط بالعظام والأشباح . أمكثوا فوق الأرض ، واسبحوا إذن بعض آلاف السنين"(31) إنها السباحة في شواطئ المحايثة هي التي ينشدها بسعادة وزهو هنري ميللر في هذا النص الرائع . فإن يعيش المرء حياد الحدث ، يعني أن ينشرح ويلقي بنفسه ، لا كذات أو كشخص ، وإنما كتغير جوي – تيار هواء ، "تغير في نبرة اللون ، جزيئية متعذرة الإدراك ، جموع خفية ، ضباب أو كسحابة من القطرات"- فوق شواطئ المحايثة هاته التي تبعد التعالي والأعماق ، الثقل والعصاب ، وتحمل معها سعادة ، وقوة وخفة للحياة دائمة التجدد والصيرورة.

هكذا نرى أن مسار مفهوم الحياد لا يتحقق ضمن تاريخ جامد ومسبق التجديد ، وإنما داخل صيرورة فلسفية . فكل ظهوراته تفتح مجالا جديدا وغريبا ، وتحقق تغيرا في الاتجاه ، وكل اتجاه يثير انبجاسا من الصوت والضوء ، من العواطف ومن المدركات الجديدة . ذلك هو قدر نظرية ابن سينا بصدد الحياد ، فمن دان سكوت إلى دولوز ، مررنا من استثمار أونطولوجي لمفهوم الحياد إلى استثمار منطقي وإتيقي . لكن عبر كل هذه الاقترانات ، وكل هذه الإشكالات ، من نظرية زيادة الوجود على الماهية إلى تواطئ الوجود ، ترن نبرة مشتركة ، هي الرغبة في قلب الأفلاطونية .

وقد تبين لنا من خلال هذا البحث أن دولوز قد أقام مع الفكر السينوي علاقة تنفلت من قبضة تاريخ الفلسفة ، وتبتعد عن التقليد التفسيري الذي عادة ما يهيمن على الدارسين . أنها في الواقع علاقة صادرة عن التقاء . فبين الفيلسوفين ، يتأسس مجال من اللاتمييز قادر على إنتاج مفاهيم جديدة وإيحاء التقاءات جديدة . فنظرية حياد الماهية السينوية التي أثارت إبان فلسفة الحقبة الكلاسيكية أهتمام كل المتكلمين والفلاسفة تجد عند دولوز تطبيقا في مشكل منطق المعنى ، ومشكل التميز ، ومشكل الإتيقا . إن ابن سينا الذي ينتمي إلى القرن الحادي عشر ، يكتسب مع دولوز حداثة رائعة تجعله يلج باب الحوار الفلسفي المعاصر .

وتقدم هذه العلاقة التي يقيمها دولوز مع ابن سينا أمام الفكر الفلسفي المعاصر ، بل وحتى أمام الفكر العربي الحالي إمكانات كبيرة لخلق ممرات جديدة تربط الحاضر بالماضي الفلسفي . وبالفعل إذا كان الفكر العربي المعاصر يركن في الوقت الراهن تحت وطء أزمة خانقة تفرض عليه تشنجا وتخشبا بدون خلاص، فإن سبب ذلك يعود ، في أحد أسبابه ، إلى انعدام وجود قنطرات عبور واقترانات جديدة مع ماضيه الفلسفي ، اقترانات من شأنها إعادة خلق وابتكار الماضي ، والحاضر ومنح قوة جديدة للمستقبل . ويمثل لنا عمل دولوز حول ابن سينا دليلا ونموذجا من الممارسة الفلسفية التي ينبغي على الفكر العربي القيام بها في الوقت الراهن .



دولوز وابن سينا - د. رائق النقري - 05-31-2008

أعود لاحقا اليك ايها الصديق الممتع واللذيذ عرضه لاادري من ؟:لايبنتز ام الحسين الزاوي؟ ولعله الاخير ولكن ارغب من لايبنتز المساغدة اذا

يقول النص :
لكن أليس تحديد الكلي ، من حيث هو كلي ، أن يكون كليا أي ألا يكون جزئيا ؟ أليس من طبيعة الكلي أن تستحيل عليه الخصوصية ؟ أذا كان هذا هكذا ، فأن الماهية التي افترضنا انها كلية يستحيل ان تكون مقولة علي الشئ ، أي علي الموجود الجزئي المحدد . وافتراض ذلك مكابرة للاعيان .

والرد هو بل قول النص ذاك؟ هو مناف للبرهان فالكلية اي كلية هي مفهوم تجريدي اي وجود منطقي اما الجزئية فهي تشخيص ولحظة في الكل ؟؟
مارأيكم دام فضلكم