نادي الفكر العربي
الإباضية - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5)
+--- المنتدى: قــــــرأت لـك (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=79)
+--- الموضوع: الإباضية (/showthread.php?tid=5768)

الصفحات: 1 2 3


الإباضية - الواد روقه - 03-31-2008




البديل الاباضي وفن الممكن 1 - 2 - 3


http://www.4shared.com/file/41365141/5f646...rified=e699dc93

http://www.4shared.com/file/41366568/132b2...rified=e699dc93

http://www.4shared.com/file/36815767/9739c...rified=e699dc93

نظرات حول المذهب الاباضي

http://www.4shared.com/file/41366568/132b2...rified=e699dc93


ابو الخطاب المعافري

http://www.4shared.com/file/41362890/fcb22...rified=e699dc93

إسماعيل بن درار الغدامسي

http://www.4shared.com/file/41362934/f38b6...rified=e699dc93



إعادة صياغة الدعاة- لمفتي سلطنة عمان

http://www.4shared.com/file/41524871/e0fd2...rified=e699dc93

اعادة صياغة الامة- لمفتي سلطنة عمان

http://www.4shared.com/file/41157147/1666d...rified=e699dc93

الإباضية في موكب التاريخ

http://www.4shared.com/file/41364874/b34e9...rified=e699dc93


الإباضية في ميدان الحق للإستاذ ناصر بن مطر المسقري

http://www.4shared.com/file/41269775/f623e...rified=e699dc93


تاريخ الاباضية

http://www.4shared.com/file/42389994/50bdaf9c/__online.html


الاباضية في الاندلس

http://www.4shared.com/file/41157298/31310...rified=e699dc93

الاباضية في المغرب

http://www.4shared.com/file/41157500/eb672...rified=e699dc93


الاباضية في ليبيا

http://www.4shared.com/file/42389911/e80ed11b/___online.html



الاباضية في موكب التاريخ - المجلد الثاني 1

http://www.4shared.com/file/42394140/2367b..._-___1.html?s=1

الاباضية في موكب التاريخ - المجلد الثاني

http://www.4shared.com/file/42394342/ceed005f/____-__.html

دور فقهاء الاباضية في اسلام مملكة مالي

http://www.4shared.com/file/42390531/934a2cc7/______.html

مدارس الاباضية عبر التاريخ

http://www.4shared.com/file/42390126/133c20f9/___.html


الرفع والضم في الصلاة

http://www.4shared.com/file/41315756/6eb66...rified=e699dc93


الامامه الاباضيه في عمان:دراسه تاريخيه لاحوال عمان في ظل الائمه الاباضيه في الحقبه
(من منتصف القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي حتي منتصف القرن السادس الهجري/الثاني

http://al-mostafa.info/data/arabic/depot2/...file=015627.pdf


الشيخ أبو مسلم

http://www.4shared.com/file/41157587/bdda3...rified=e699dc93


الشيخ علي يحيى معمر ووحدة المسلمين للشيخ محمد ناصر بوحجام

http://www.4shared.com/file/41524676/74079...rified=e699dc93

المخطوطات العمانية الإباضية في مصر

http://www.4shared.com/file/41316193/a4510...rified=e699dc93

حسم الخلافات الزوجيه عن طريق الخلع:دراسه مقارنه بين اهل السنه و الاباضيه

http://al-mostafa.info/data/arabic/depot2/...file=019141.pdf

المسيح وأمه للشيخ الخليلي

http://www.4shared.com/file/41366403/c178a...rified=e699dc93

تصحيحات فقهية- للشيخ العلامة القنوبي

http://www.4shared.com/file/41540552/4338e...rified=e699dc93

تفسير سورة الفاتحة للشيخ الرئيس جاعد بن خميس الخروصي

http://www.4shared.com/file/41266047/6e2cd...rified=e699dc93

ج1فتاوى الشيخ سعيد القنوبي

http://www.4shared.com/file/41522488/32c82...rified=e699dc93

ج1فتاوى الشيخ سعيد القنوبي

http://www.4shared.com/file/41524045/c2aee...rified=e699dc93


الاباضيه بين الفرق الاسلاميه:عند كتاب المقالات في القديم و الحديث-ج 001

http://al-mostafa.info/data/arabic/depot3/...file=001319.pdf

رواية الحديث عند الإباضية للإستاذ صالح بن أحمد البوسعيدي

http://www.4shared.com/file/41269947/399ef...rified=e699dc93

المدارس القرآنية الإباضية

http://www.4shared.com/file/40856275/e8c76...online.html?s=1

ملامح المدرسة الإباضية

http://www.4shared.com/file/41269637/7d832...online.html?s=1

اجوبه علي سؤال بشان الفرق الاباضيه

http://al-mostafa.info/data/arabic/depot3/...ile=m000622.pdf

دراسات اسلاميه في الاصول الاباضيه

http://al-mostafa.info/data/arabic/depot2/...file=019837.pdf


الاصول التاريخيه للفرقه الاباضيه

http://al-mostafa.info/data/arabic/depot2/...file=016654.pdf

نشأة المذهب الإباضي

http://www.4shared.com/file/42394289/f448f...online.html?s=1

رسالة ان لم تعرف الإباضية

http://www.4shared.com/file/42394614/5c3293c4/____.html?s=1

وللمزيد ...

http://www.4shared.com/dir/5342505/e1992fa5/sharing.html

http://www.4shared.com/dir/6299958/3e60d4b1/sharing.html

.



الإباضية - يجعله عامر - 03-31-2008

موضوع رائع جدًا جدًا يا روقة ويا حبذا لو تم تثبيته كي يتمكن الجميع وأبناء هذه الطائفة من تحميل هذه الذخائر
تسلم عليه (f)وألف شكر .. لاحقًا أقوم بتحميل هذه الكتب الذاخرة
لي سؤال حول سعيد القنوبي
حسب ما علمت أن له كتاب تتبع فيه مرويات البخاري في صحيحه ، وجمع كل نقد من كتب التراث يخص المروية ، وأورده تحتها ، هو كتاب يندرج تحت علم الحديث ، ومن المفترض أنه يجري على النسق الاعتزالي في نقده للحديث ، من عامين سألت عنه ولم اجده ... حتى الآن .. فهل له وجود على الشبكة ؟
اسمه لا اذكره جيدا ربما كان " السيف الحاد " ..لكن مما هو مؤكد أن كتابات هذا الشيخ لها مذاق خاص وتثير كثيرا من القلق وتحدث ردة فعل عنيفة ، يعتبره الأباضية شيخا كبيرًا .. وبالطبع يعده التيار السلفي الحديث من الزنادقة ..
ربما تذكرت اسم الكتاب جيدًا حتى نتمكن من البحث عنه
..
هناك مقال عن كتابه - الطوفان الجارف لكتائب البغي والعدوان للشيخ العلامة سعيد بن مبروك القنوبي ط1، 1420هـ-2000م يعرضه أحدهم ربما كان من الجيد وضعه هنا ..

سلسلة: صمود النص أمام الطوفان الجارف
الحلقــة الأولـى

البدايـة

خميس بن راشد العدوي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد؛؛؛

فقد صدر في هذه الأيام كتاب العلامة المحدث سعيد بن مبروك القنوبي بعنوان "الطوفان الجارف لكتائب البغي والعدوان" الذي صنفه الشيخ في الرد على أحد المقلدة الذين يرفضون الانصياع للأدلة الشرعية والبراهين العقلية، وإنما "يجتهدون" في إطار الدائرة التي وضعها لهم أسلافهم، ويرفضون خدش هذه الدائرة وإن كانت في منهجها قائمة على قواعد غير سليمة من جهة الشرع ولا صحيحة من جهة العقل ولا مسلّمة من جهة علماء الأمة وعقلاء البشر، ولست في هذا الموضع معتنياً ببيان مواطن خلله وخطله في كتابه "قدوم كتائب الجهاد" فهذا أمر قد قام به العلامة القنوبي، وإنما أريد أن أوجه القارئ الكريم إلى النظر بعمق إلى فلسفة النص في الإسلام وسر بقائه.

ينظر البعض إلى "الطوفان الجارف" على أنه رد شخصي وانتصار ذاتي على الذي رد عليه في كتابه "السيف الحاد" وهذا أمر غير مسلم له بل هو كاسد في ميزان العلم والمناظرة، إذ أن فضيلة شيخنا قد ابتدأ الأمر بتصنيف كتاب "السيف الحاد" رداً على ما يمكن أن نسميه بالمدرسة الأثرية، هذه المدرسة التي أصيبت وأصابت، أصيبت بدخول الفكر الأجنبي عن النص الشرعي إليها، وقد انخدعت بالذين روجوا لها الفكر الدخيل باسم الدين وجعلت من قبول النص بالخبر الآحاد واقياً لها من هدم قلعة فكرها ومعتقدها، وأصابت هي بدورها الأمة حيث قامت هذه المدرسة بترويج ذلك بين المسلمين، فجاء "السيف الحاد" مناقشاً لنظرية الأخذ بخبر الآحاد في الاعتقاد، مما أثار حفيظة أحد أتباع هذه المدرسة، فقام بتصنيف رد غير مهذب علمياً منتصراً للمدرسة التي أصيب المسلمون من قبلها بالشيء الكثير، إذن فنظرة هؤلاء –أقصد الذين رأوا في "الطوفان الجارف" بأنه انتصار شخصي- خاطئة مرفوضة، وبما أننا ملزمون أدبياً أن نلزم الناس بما يلتزمون به، نجد أن هذا الذي ذكرته هو الذي أوضحه العلامة القنوبي حتى لا تذهب بهؤلاء عقولهم إلى التخرصات الوهمية، حيث يقول: (وليس من شأننا بحمد الله تعالى تتبع الهفوات أو تصيد العثرات أو الانتصار للنفس بأي وسيلة أو مواجهة الباطل بمثله) الطوفان؛ ج3؛ ص4.

وربما ذهب البعض إلى أنه انتصار للمذهب الإباضي على اتباع المدرسة الأثرية، وهذا صحيح من حيث إن المذهب يدعو إلى التزام النص الشرعي الثابت وتطبيقه حسب القواعد العقلية واللغوية السليمة، أما الظن بأنه انتصار للمذهب تقليداً لسلفه بدون رؤية الدليل فهذا غير وارد البتة، (فأهل الحق والاستقامة ما فتئوا ينصرون الإسلام، ويذودون عن حياضه، ويبددون سحب الباطل بأشعة الحق، ويبذلون النفس والنفيس لإعلاء راية الإيمان، ونشر العدل والفضيلة، والتاريخ خير شاهد على ذلك، ومن شاء أن يعرف ذلك حق معرفته فليستقرئ ما سطرته أقلام أرباب التاريخ المنصفة حتى من غير أتباع هذا المذهب، وسيرى بمشيئة الله تعالى ما تقر به عين طالب الحق وملتمس الحقيقة) الطوفان؛ ج3؛ ص5.

إلا أن الذي نريد أن نستقريه هو –كما قلت- فلسفة النص وسر بقائه، حيث يجب أن نوجه أنظارنا شطر النص الشرعي وحده، ونزيل أي أثر للدخيل الذي ولج إلى الفكر الإسلامي من باب المدرسة الأثرية، فالأمة الإسلامية تمر بمنعطف مهم جداً وهو مراجعة الذات، وإلغاء الصفة الكهنوتية التي تمارسها المدرسة الأثرية، وأن يكون كتاب الله تعالى والثابت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النص الماثل أمام أنظارنا ونحن نحرر الفكر الإسلامي على وفق المنهج الإلهي، وعلى الأمة ألا تخشى من ذلك، وأن لا ترصد الأمر بخشية القضاء على المسلمات الموروثة التي تظن أنها من الدين وهي ليست منه على شيء، فإن ما لم يكن من الدين يجب أن لا نلحقه به بل نكشفه ونفضحه فهو عوار يبعدنا عن رضوان الله تعالى ويؤخر الأمة من الانطلاق نحو غد أرحب في عالم من الصراع على الوجود، وفي هذا المنعطف الذي تمر به الأمة سيظهر الجيل الذي يؤمن بالحقيقة الإلهية وحدها (إن الزحف قادم، فقد نصبت معالم الحق، واندك السد المنيع الذي حجب عقول كثير من الناس سنين طويلة، ووضح الصبح لذي عينين، ولسنا –بحمد الله تعالى- ممن تهوله القعقعة، أو تستهويه الألفاظ المسجعة، ولم يعد يقض مضجعنا اتهام الحاقدين الشانئين لنا بالخروج عن الإسلام ما دمنا متمسكين بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، معتصمين بالدليل نحاكم خصمنا إليه، فأي الفريقين أحق بالأمن) الطوفان؛ ج3؛ص5؛ بتصرف.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة؛ بإذنه تبارك وتعالى.
خميس بن راشد العـدوي

21 ذي الحجة 1420هـ

28 مـــارس 2000م


سلسلة: صمود النص أمام الطوفان الجارف

الحلقــة الثانية

المدرسـة الأثريـة

خميس بن راشد العدوي


تحدثت في الحلقة الماضية عن المدرسة الأثرية، وذكرت بأنها كانت سبباً لوجود الدخيل في الفكر الإسلامي، ويحسن بنا هنا التعرف على هذه المدرسة بشيء من القرب حتى تتضح الأمور أكثر. بعد اسيلاء الأمويين على أمر المسلمين، وتحويل الخلافة الراشدة إلى ملك مستبد، كان لا بد أن يصاحب هذا التحول قاعدة فكرية توطئ وترسخ وجودهم، وبما أن الأمة تدين بالإسلام ولا زال عقلها العام طرياً ندياً بالعهد النبوي، وليس من السهل أن تقبل شيئاً ناداً عن دينها، فإن القاعدة المؤسسة للأمة هي النص الشرعي، ومن الأكيد حتى يتم التغيير يجب أن يكون النص الشافع لشرعية هذا التغيير موجوداً، وبما أن كتاب الله تعالى قد تكفل سبحانه وتعالى بحفظه لقوله تبارك الحجر 9 فلم يبق إلا طريق السنة[إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون]وتعالى: النبوية الشريفة، فوضعت الأحاديث المؤيدة للأموية، وبذلك انفتح الباب لولوج النص المنحول الذي ألصق بكلام خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، وفي هذه المعمعة الفكرية المفروضة على الأمة قسراً دخل أرباب الأغراض المتنوعة، واستخدموا الأساليب المختلفة التي تجعل من حديثهم مقبولاً لدى المسلمين، بهذا وجدت المدرسة الأثرية التي كانت لديها أداة سبك وصك الحديث قوية وسريعة، وحتى لا تحاكم من قبل عقلاء الأمة اتخذت لها دروع حماية.

نذكر من ذلك:-

1. إبراز مصطلح "الأثر" وصبغه بصبغة الشرعية الممثلة للنص الشرعي، وجعله نقيضاً لاستخدام العقل في فهم النص، ومن لم يقبل النص الوارد من هذه المدرسة فهو من أصحاب الرأي المغضوب عليهم والضالين حسب تصنيفها، وقد بذل أتباعها جهوداً ضخمة لترسيخ هذا المفهوم وللأسف الشديد نجحت في ذلك نجاحاً كبيراً ولكنه مؤلم للأمة وفكرها الناصع النقي، ولم يقف نجاحها للسيطرة على عوام الأمة وعموم مفكريها، بل استطاعت أن تقتلع المدرسة العقلية التي نشأت كردة فعل للمدرسة الأثرية، وحتى قبل سقوط المدرسة العقلية استطاعت أن تؤثر عليها، وليس هنا محل توضيح ذلك، كما أن لديّ تحليل أكثر إيضاحاً لهاتين المدرستين، أرجئ الحديث عنه في مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى.

2. احتكار "صناعة" الحديث، وذلك بإنشاء مدرسة أهل الحديث، وهي مدرسة داخل مدرسة حتى يتسنى للأثرية الغالية رفض ما قد يتوصل إليه الفقهاء والأصوليون من حقائق تهدم مدرسة الأثر، وبهذا الاحتكار استطاعت الأثرية فرض مصطلحاتها على الأمة، وبالتالي رفض ما يأتي من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق آخر هو أسلم منهجاً وأقرب مورداً من معين النبوة الشريفة من طرق الأثرية المتشعبة، ونقول كما قال شيخنا الحافظ القنوبي حفظه الله تعالى بأنه آن الأوان لمراجعة مصطلح الحديث الأثري: (هذا؛ ومن الجدير بالذكر أن قواعد مصطلح الحديث تحتاج إلى مزيد من البحث والتحرير)الطوفان؛ج3؛ص317.

3. تسليط سيف مصطلح "أهل الأهواء والبدع" على كل من لم يكن أثرياً مثلهم، والقصد منه الصدّ عن أي طريق آخر لا يوافق الأثرية، ومن هنا نرى رفضهم لروايات أهل الحق والاستقامة، وإدخال رواتها تحت مظلته، وكان الأجدر أن ترفض روايتهم التي عرف منها وفيها الدس والوضع والكذب على حديث رسول الله صلى عليه وسلم، وخاصة أن هذه النحلة الأثرية أصيبت بداء الإرجاء الذي "يجوّز" لها الكذب، وإنها وإن وقعت في كبيرة فهي خارجة لا محالة من النار حسب زعمها، يقول تعالى نعياً على الأمم فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من]السابقة هذا المنهج المعوج: عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون، وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون، بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم .[فيها خالدون

4. رفض عرض الحديث المختلف فيه على كتاب الله تعالى وعلى الثابت المتفق عليه من سنة رسول الله صلى عليه وسلم، وأوحوا للمسلمين أن من يطلب ذلك بأنه رافض للسنة، وهو –حسب تصنيفهم- زنديق يكيد للدين، مع أن الله تعالى يقول: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في] شيء فردوه إلى الله ورسوله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن النساء 59.[تأويلاً

5. تعطيل العقل في فهم النص، وذلك حتى يلزموا الناس بالإيمان والأخذ بمتناقضات رواياتهم، ورمي من يعمل عقله بأنه راد لشرع الله تعالى، وأنه يقدم العقل على الشرع فهو إذن معتزلي، مع أن المعتزلة لا يقولون برفض النص، ولا بتقديم العقل على النص بإطلاقه كما يوحي هؤلاء للناس.

6. الوصاية على فهم النص، فعندما وجد الناس بأن ما هم عليه يناقض صريح المناقضة دين الله تعالى، وأخذوا يناقشون الأفكار الأثرية، نادى هؤلاء الأثريون بفكرة أن لا بد أن يفهم كتاب الله العزيز على ضوء السنة، وطبعاً من ضمن السنة الأحاديث التي سبكتها آلتهم العتيدة، ومع هذا عندما لم يسعفهم هذا النص السني، قالوا بضرورة فهم السنة على ضوء شروح سلفهم، وهم على هذه الوتيرة، فمنهم من يحاول أن يراوغ فيقول: (بأن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ليس على إطلاقهما، فهما يمكن أن يستدل بهما من شاء على معتقده حتى اليهود والنصارى!!! فلا بد من تقيديهما بفهم السلف) الألباني؛ شريط منهج الخوارج ويقصد أرباب المدرسة الأثرية، ومنهم من يفتضح فيقول: (لا خير في كتاب بدون سنة، ولا خير في سنة بدون فهم سلفنا) "الطحان؛ شريط الرد على قضية الرؤية من الحق الدامغ" يقول شيخنا القنوبي مخاطباً أتباع هذه المدرسة: (وهكذا اتخذتم أقوال سلفكم حجة قاطعة تركبون لنصرتها كل صعب، وتسلكون للدفاع عنها كل سبيل وعر، بل جعلتم الكتاب العزيز والسنة النبوية على صاحبها وآله أفضل الصلاة وأزكى التسليم مجرد قنطرة عبور، ليس لهما أي قيمة في حقيقة الواقع إلا إذا وافقت أقوال سلفكم، فقد سددتم الأبواب عن كل من أراد أن يحتج بشيء منهما إلا إذا كان ذلك الاستدلال موافقاً لأقوال سلفكم بعبارة واحدة؛ وهي قولكم: (بفهم السلف الصالح) الطوفان؛ ج3؛ ص14-15، بتصرف. بهذا يتضح شيئاً عن المدرسة الأثرية التي رسخت دخول النص البشري غير المعصوم إلى دين الله تعالى، ومن ذلك يتحتم على عقلاء الأمة مراجعة ذاتهم، وعدم التهيب من نقد الدخيل على الشرع الحنيف لأجل نيل رضوان الله تعالى والسير الحثيث نحو الرقي بأمة الإسلام.

يقول العلامة القنوبي مشخصاً هذه المدرسة: (فالعجب كل العجب أن تُجعل فرقة من الناس مقياساً للحق والباطل، وميزاناً للخطأ والصواب، فمن وافقها عدّ متبعاً للسلف الصالح من الصحابة والتابعين، متمسكاً بالكتاب والسنة، مبتعداً عن البدع والأهواء، أهلاً لكل ثناء وخير، منزهاً عن كل خطل ومين، فإن كان من العلماء وصف بأنه شيخ الإسلام وناصر السنة والقائم بالحق؛ دون غيره من الناس، والتمس له كل عذر وإن كان أوهى من نسج العنكبوت، وأخفى من السها، وأبعد من كل بعيد، وكلت العيون عن إبداء معايبه، وخرست الألسن عن ذكر مفاسده، وإن بلغت إلى حد البدعة في الدين، ومخالفة الدليل القطعي من الكتاب المبين، وسنة سيد المرسلين صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وإجماع جميع المسلمين، فلا يمكن أن يقدح فيه قادح بأي حال من الأحوال، ولئن وقع في ورطة وهال أتباعه الأمر فلم يجدوا من الاعتراف مناصاً؛ قالوا: أخطأ وهو في ذلك مجتهد معذور بل مأجور، وإن كان من عوام الناس وأشباههم جاهلاً بشرع الله تعالى عدّ تدينه محموداً، واتخذ قدوة للناس، وكلما أوغل في التشبيه وتسكع في مستنقع التجسيم، وبالغ في تضليل مخالفيه، عدّ من الشداد في السنة، وأصبح تعصبه المقيت وتضليله وتبديعه لمخالفيه انتصاراً للحق، ولئن روى الموضوعات قيل: إنه حدث بها عن حسن ظن وسلامة باطن، أما غيرهم من الناس فهم في قفص الاتهام، بل مجرمون حتى تثبت براءتهم، مبتدعون حتى يصح توحيدهم، مجروحون حتى تتبين عدالتهم، يبحث لهم عن أي زلة حتى يشهر بهم، ويجوز القدح فيهم والهمز واللمز بنية تنفير الناس عن باطلهم، وتحذيرهم من ضلالهم، ولو كان هؤلاء المخالفون من كبار أئمة المؤمنين، والعلماء الراسخين الهادين المهديين، ما داموا يخالفون الفكر الحشوي ولو في حرف واحد) الطوفان؛ج3؛ ص5-6.

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله سبحانه وتعالى.

خميس بن راشد العـدوي

29 ذي الحجة 1420هـ

4 إبـــريـل 2000م









سلسلة: صمود النص أمام الطوفان الجارف

الحلقــة الثالثــة

الإباضيــة والأثريــة

خميس بن راشد العدوي



وصلتني من بعض الإخوة الأعزاء استفسارات عن المقصود بـ"صمود النص" هنا، ومنها ما وصلني منهم عن طريق العلامة القنوبي حفظه الله تعالى، وكان بودي من أول الأمر أن أوضح المقصود، ولكن لزمني أولاً الحديث عن المدرسة الأثرية لأنه بها سيتعلق بيان المقصود من هذه العبارة، وسأرجئ الحديث عن ذلك في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى، وفي هذه الحلقة سأتحدث عن موقف المدرسة الإباضية من المسلك الأثري.

بداية لا بد من الاعتراف بأن المدرسة الأثرية كانت قوية جداً من حيث الانتشار لا الدليل، وقد تركت بصماتها على جميع المدارس الأخرى بدون استثناء، وذلك راجع -بتقديرنا- إلى أن المدرسة الأثرية تملك آلة سبك وصناعة النص المنحول، وإدخاله إلى النص النبوي جزءً لا يتجزأ منه لولا تنبه الأمة لذلك؛ ولكن –للأسف- بعد أن نجحت هذه الأثرية في إلصاق نصوصها بالنص الشرعي، وقد اختلفت درجة التأثر بها، فبعض المدارس حذت حذوها في اختراع النص واختلاقه بل وزاحمتها في ذلك وأصبحت أكثر أثرية منها، ومنها من انخدع بالنصوص الواردة من عندها، وهي في ذلك على درجات، وكل هذه المدارس أخذت صف الضد للمدرسة الأثرية، ودخلت معها في عراك حقيقي شديد، وكما قلت في حلقة سابقة؛ حتى المعتزلة قد تأثروا بها في بعض النواحي، مع أن أشد المعارك ضراوة كانت بين هاتين المدرستين، ناهيك عن تأثر بقية المدارس، ويكفي أن ندلل على ذلك بقضية ظهور المهدي المنتظر، حيث وضعت في ذلك أحاديث استغرقت بعد جمعها خمسة مجلدات، أي ما يفوق كثيراً النص الإلهي المنزل وهو القرآن الكريم، ولا يكاد يخلو مذهب إسلامي من التعرض لهذه القضية، ولها عندنا كتابات أخرى إن شاء الله تعالى، ولكن من الجيد أن يرجع فيها إلى كتاب "معالم للزمن القادم" للأستاذ المفكر خالد بن مبارك الوهيبي، حيث تعرض بإشارات لهذه القضية.

ونأتي الآن للحديث عن أثر المدرسة الأثرية على الفكر الإباضي، هل يوجد لها أثر في ذلك؟

من المعلوم أن المذهب الإباضي يعدّ امتداداً طبيعياً للإسلام الرسالي، وتبلور منهجه على أيدي أئمة شهدت لهم الأمة بالنزاهة والصيانة والبعد عن الكذب واعتباره كبيرة من الكبائر، نذكر منهم الإمام جابر بن زيد والإمام أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة والإمام الربيع بن حبيب، وفي ذلك الوقت تقرر لدى علماء المذهب التسليم للنص الشرعي فقط، وحتى يتجنبوا الدس الأثري، قاموا بجمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، متحرين في ذلك الدقة، وكانوا من حيطتهم في ذلك وحذرهم من الدس في حديث رسول الله صلى عليه وسلم؛ يغلقون أبوابهم على الكثيرين من الناس حتى لا تستغل روايتهم في غير محلها ممن همهم إضافة أفكارهم ومعتقداتهم إلى دين الله تعالى، ونافح أهل الحق والاستقامة دون ذلك بأرواحهم وأموالهم وأنفقوا زمنهم المبارك لأجل ذلك.

ومع كل هذا لم يغلقوا أعينهم من النظر فيما عند غيرهم، وبما أن الأمر المطلوب في قضايا الاجتهاد هو الوصول إلى مراد الشارع الحكيم، وهذا أمر مشاع لكل أحد إذا توفرت لديه شرائط الاجتهاد، وقد يتوصل إلى حقيقة المراد أفراد الناس المجتهدون، لزم النظر فيما عندهم، وأيضاً قد ترد الرواية الحديثية عند غيرهم دون أن ترد عندهم، لم يمنعوا أنفسهم من النظر إلى هذه الروايات ووضعها تحت المحك الشرعي، فما يثبت منها قُبل وإلا ردت على صاحبها، يقول الشيخ القنوبي عن هذه الروايات ومنها مرويات البخاري ومسلم التي تعدّ أصح المرويات عند المدرسة الأثرية: (هذا؛ وقد ألف العلماء في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤلفات كثيرة جداً منها الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم والمشيخات والأجزاء والفوائد وغير ذلك، وإن من أصح تلك الكتب كتابي "الصحيحين" للإمام البخاري محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، وقد اجتهدا ألا يضعا إلا ما صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أنهما كغيرهما من سائر البشر معرضان للخطأ والوهم والنسيان إذ لا عصمة لأحد مهما بلغ من سعة الاطلاع وطول الباع ورسوخ القدم في فنون العلم ما لم يكن نبياً مرسلاً، ولذلك أنكر عليهما بعض العلماء من مشايخهما وممن كان في عصرهما وممن جاء بعدهما إلى يومنا هذا) الطوفان؛ ج3؛ ص41-42. بتصرف

هذا ملخص المنهج الذي سار عليه أصحابنا أهل الحق والاستقامة، إلا أننا لا ننكر من جراء سمة التسامح التي يتميز بها المذهب وبإحسان الظن بالآخرين؛ أن تسربت آراء المدرسة الأثرية إلى بعض أجواء الفكر الإباضي، ولكن كل ذلك كان في بعض الظنيات وليس في شيء من القطعيات؛ ونحن نفرق بين المنهج والفكر، ومن الجيد أن أنقل هنا كلام علامة العصر الخليلي حفظه الله تعالى ورعاه ناعياً فيه على الأثريين من المذهب في معرض النقاش في بعض المسائل كما نقله الشيخ القنوبي: (ولعمري؛ لا أعجب إلا ممن يرضى بتقليد من يخطئ ويصيب ويعروه الذهول والنسيان، ويدع تقليد رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي المحفوف بالعصمة المتوج بوصف وهل عرف الدين إلا به؟ أم[وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى]العلي الأعلى: هل برزت الشريعة إلا من بابه صلوات الله وسلامه عليه؟ وهل يكون غيره وإن امتطى السماء أو ناطح الجوزاء إلا مديناً له ومتعبداً باتباعه؟ إذ لا يمكن أن يهتدي إلا بهديه ولا أن يستضيء إلا بشمسه، فكيف يعارض قوله صلى الله عليه وسلم بقول غيره، أو يناظر عمله بعمل أحد من الناس؟) الطوفان؛ ج3؛ ص41.

وفي الفترة الأخيرة –كما انساق بعض المتقدمين- شهدنا بعض طلاب العلم ممن اختلط عليهم الأمر وهالهم الزخم الإعلامي والعلمي للمدرسة الأثرية، فانساقوا بدون شعور إلى استعارت المناهج الأثرية، وفي بعض الأحيان عرض إرثهم الحضاري على هذه المناهج بغية البحث عن الشرعية لها، وكأن الشرعية في المدرسة الأثرية في حين أنها في الحقيقة هي التي يجب أن يبحث لها عن شرعية إن وجد لها ذلك.

ومن هنا ندعو طلاب العلم أن ينظروا في مناهج مدرسة أهل الحق والاستقامة التي لا تقدس الأفراد، وإنما تعترف بالنص الشرعي الثابت وحده بأنه دين الله تعالى وما عداه نقصان في الدين، وعلى حسب تعبير الإمام ابن بركة البهلوي رضي الله عنه: (لا حظ للنظر مع الإجماع والنص) الطوفان؛ ج3؛ ص24 وعليهم أن يُعمِلوا هذه المناهج في استنباط فكرهم وتقديمه للعالم الذي ينتظر الحل الإسلامي، وأقولها حقيقة لا مرية فيها أن روح الإسلام لا توجد متكاملة إلا في هذا المذهب، اللهم لا تعصباً إلا للحق وحده الذي ينجي عند الله تعالى.

إن من الواجب علينا أن نظهر مكنون الإسلام، وأن نزيل ما علق به من المدرسة الأثرية، وأن ننظر بعين الشرع والعقل في المناهج التي تواضع البشر عليها كعلم الحديث وعلم أصول الفقه وتدوين التأريخ ونحوها، فنرد الأمور إلى نصابها، فما وافق الحق أخذناه وما خالفه رددناه كما قال الإمام أبو نبهان الخروصي رحمه الله تعالى: (إياك أن تلتفت إلى مَن قال، بل إلى ما قال) الطوفان؛ ج3؛ ص34 وأهم المدارس المهيأة لتصحيح الفكر الإسلامي وغربلته من الشوائب هي المدرسة الإباضية، وما على الجيل الناهض إلا أن يتحمل أعباء التغيير العالمي، والمستقبل لهذا الدين بأمر الله تبارك وتعالى.

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله سبحانه وتعالى.

خميس بن راشد العـدوي

11 محـرم 1421هـ

16 إبـريـل 2000م








سلسلة: صمود النص أمام الطوفان الجارف

الحلقــة الرابعـة

صمـود النـص

خميس بن راشد العدوي



مهما قيل في تعريف الحديث والأثر، إلا أننا نستطيع أن نميز بينها بالآتي؛ الحديث: هو ما أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلقية.

والأثر: هو ما أضيف إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم من السلف.

ولا ريب أن المؤمن متعبد فقط بما أنزل الله تعالى في كتابه وبما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك من كلام البشر فلا يمكن أن يعدّ من الدين، ولنا مزيد بيان عن ذلك في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى، ولكن إذا كان قد وصلنا القرآن الكريم بالتواتر، ومن ينكر شيئاً منه يصبح فوراً خارج دائرة الإسلام، فإن هذا لا ينطبق على كل السنة التي وردت إلينا، حيث أصابها ما أصابها من الوضع والدس، إذن؛ فهناك جزء كبير من الأثر قد دخل في دائرة الحديث وأصبح سنة، وهذا الأثر يشمل الدخيل على الفكر الإسلامي كالإسرائيليات ونحوها، وهنا تأتي الخطورة حيث يضاف إلى دين الله ما ليس منه، ويتعبد به الناس على أنه من دينهم، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إذا ظللنا متمسكين به وأظهر الزمان عواره ومينه وزيفه نكون قد أدخلنا الإسلام في دائرة التشكيك، والعياذ بالله.

من كل ذلك؛ لا بد لنا أن نكون حازمين في نقد النص الدخيل وإخراجه من إطار النص الإلهي، وعلينا في مقابل ذلك أن لا نبقي قدسية لأي مخلوق غير النبي صلى الله عليه وسلم، حيث لم يعط الله غيره العصمة.

والأمة الآن تمر بمنعطف مهم جداً –في حلقة قادمة إن شاء الله سوف أتحدث عن بعض هذه المنعطفات- يجب أن يعيه جميع المسلمين، وهو أن أداة التفكير عند عموم الناس قد تطورت تطوراً ملحوظاً حيث لم يعد الإنسان ينقاد لغيره بمجرد الإملاء والتلقين، بل أصبح لديه من الوسائل ما يمكنه من تمييز الصواب من الخطأ وكشف المنحول على الشرع، وأصبحت الكتابات تتوارد في ذلك بحيث تشكل تياراً فكرياً عارماً سيطوح بالمدرسة الأثرية، بل قد يقتلعها من جذورها، ولن تنفعها سعة الانتشار طالما أنها تتشبث بأدلة واهية يردها دين الله تبارك وتعالى، ويرفضها العقل، ويناقضها الواقع، ولن تجدي سياسة أغلق عينيك واتبعني، واختم على عقلك وقلدني، فلا تقليد إلا لصاحب الشرع المصون عليه صلوات ربي وسلامه وبركاته، يقول وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه]تبارك وتعالى: وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى](البقرة170) ويقول سبحانه: [آباءنا وإذا قيل لهم] (المائدة 104) ويقول: [الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا (لقمان 21).[اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا

وكتاب "الطوفان الجارف" لفضيلة شيخنا القنوبي حفظه الله تعالى يشكل جزءً من التيار المنقي للنص الشرعي من الدخيل، والمميّز للحديث من الأثر، إلا أن الطوفان الجارف الذي سيكبس على المدرسة الأثرية قوي جداً قد لا يتصوره سدنة هذه المدرسة، ولن ينفعهم وهم ابن سيدنا نوح عليه السلام عندما قال: (سآوي إلى جبل يعصمني) حيث لا عاصم اليوم من أمر الله، وعلى الأثريين أن يلموا خرقهم البالية، أو ليطوعوا أنفسهم لدين الله تعالى الحق دون الركون إلى تخريصات المخرصين، وإضافات الكائدين.

إذن؛ لن يصمد أمام هذا الطوفان الهائل تلك النصوص الزائفة، ولن يصمد إلا الحقيقة الإلهية المطلقة، لأن هذه الحقيقة وحدها التي تشكل سفينة النجاة البشرية التي صنعها الله تعالى على عينه، وسيحرك هذا الطوفان الراكبين على هذه السفينة إلى بر الأمان والسعادة الدنيوية والفوز الأخروي.

ومن المهم أن أذكر أن التيار النقدي التمحيصي للرواية الحديثية موجود من القديم ولكن كان تعتريه أشياء؛ منها:-

1. لم يكن تياراً ظاهراً متميزاً، بل كان مبعثراً هنا وهناك.

2. لم يستطع الصمود أمام المدرسة الأثرية، وإنما استطاعت هي أن تضمه تحت جناحها الأثري.

3. غالب هذا التيار النقدي كان رهيناً للانغلاق المذهبي، مما جعل المرء يتوخى الحذر في أخذ هذا النقد.

4. لم يحمل طابع الاستمرار بل جمد في الفترة الأولى من نشوئه.

ولذاك جاء كتاب شيخنا القنوبي "الطوفان الجارف" ليتخطى شيئاً من هذه النواقص، وليكون لبنة صلبة في رجع الناس إلى النص الشرعي، حيث نجده قد عمل على تجميع شذرات النقد في الجزء الثالث من كتابه، وبذلك يعطي لهذا التيار دفعة ناشطة للأمام، مجابهاً بذلك رموز الأثرية الذين أغلقوا أعينهم عن البراهين والأدلة الشرعية الواردة في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، كما أنه وعد بتصنيف كتاب نقدي يبين فيه رأيه في النص المنحول، لا سيما كشف التعارض مع القرآن الكريم والثابت من السنة النبوية على صاحبها أزكى صلاة وأتم تسليم.

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله سبحانه وتعالى.

خميس بن راشد العـدوي

18 محـرم 1421هـ

23إبـريـل 2000م









سلسلة: صمود النص أمام الطوفان الجارف

الحلقـة الخامسـة

منعطفـات ظهـور النـص

خميس بن راشد العدوي



من المسلمات التي لا يجادل فيها مؤمن أن الله سبحانه وتعالى جعل دينه شاملاً كاملاً لا تفريط فيه ولا نقصان، وهو صالح لكل زمان ومكان، يقول اليوم أكملت] (الأنعام 38) ويقول عز من قائل: [ما فرطنا في الكتاب من شيء]سبحانه: (المائدة 3) إلا أن النص[لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً بعد نزوله مر بمنعطفات خطيرة -في نظري- عملت على تقليص فهم مادته والاستفادة منها، كما أضيف إليه ما يضخمها ويضعف من عملها في نفس الوقت، ولذلك ظهرت الكثير من التناقضات والنواقص في الفقه والفكر، وحتى تتضح الصورة لا بد من استعراض هذه المنعطفات:-

1. النزول: تعتبر فترة نزول الوحي أنقى عصور البشرية وأزهى أزمنة الأمة، به وحّد الله تعالى المؤمنين، وحفظ الإنسانية من الاندثار بعد أن كانت على شفا جرف هار، وبالوحي المحمدي ختمت الرسالات، وتم للناس دينهم، ولم يصبحوا مطالبين بشيء فوقه ولا معذورين -ما استطاعوا- عن شيء منه، وبه كسبت الأمة العز والتمكين، وطار شأوها في الخافقين، وذلت رؤوس الجبابرة لها، وعز المستضعفون بقوة يدها، وعاش الناس سواسية كأسنان المشط، يُأدَب ظالمهم، ويُنصَر مظلومهم. وفي هذه المرحلة تم تربية المسلمين على كيفية التعامل مع النص حتى غدا سجية من سجاياهم، وإلهاماً بفطرهم، ينقدح انقداحاً في عقولهم، ولم يحتاجوا إلى هيئة كهنوتية يقلدونها في دينهم وهم مغمضو الأعين والبصائر، لا يستطيعون أن ينفكوا عنها كما حدث لاحقاً.

2. الوضع: بعد اكتمال الوحي، وانتقال صاحبه إلى الرفيق الأعلى عليه صلوات ربي وسلامه، لم تمر فترة طويلة من عمر الزمن حتى بدأ الوضع في الحديث الشريف، مما شكل منعطفاً خطيراً في فقه الأمة وتفكيرها، فلم يعد مستندهما خالصاً كما أنزله الله تعالى، فإن كانت المرحلة الأولى هي مرحلة الازدهار والتألق في الأمة فإن هذه المرحلة هي بداية انحطاط الأمة وتخلفها، وإن تراءى للناظر شيء من التماسك فيها؛ فإنما ذلك من جراء الدفعة العملاقة التي خلفتها المرحلة الأولى.

ولنا هنا أن نذكر بعضاً من أسباب الوضع:-

الحزب الأموي: الذي عمل باكراً على الدس وخاصة فيما يتعلق· بالسلطة.

الدس الإسرائيلي بغية تحريف الدين القويم: وظهر هذا بوضوح· في العقيدة والتفسير والتأريخ.

الفتنة التي حدثت بين الصحابة: حيث ذهبت شيعة كل فريق· للانتصار لحزبها إلى وضع الأحاديث في ذلك، ونستثني من ذلك المحكمة -أو كما يسميهم خصومهم بالخوارج- وهذا الاستثناء ليس من عندي بل هو واقع الحال وشهادة الأمة واعتراف الخصم، راجع في ذلك كتاب "رواية الحديث عند الإباضية" للشيخ صالح البوسعيدي.

وظهر وضع هذه الفرق في أحاديث الخلافة والوصية عليها والمهدي والقحطاني والحميري، وأحاديث الخوارج.

التعصب المذهبي: وكان أكثر ما يكون في العقيدة كأحاديث· التجسيم والتشبيه والخروج من النار، وكذلك الفقه كأحاديث الرفع والضم في الصلاة.

3. تدوين الحديث ونقده: عندما شعرت الأمة بالخطر الداهم من وضع الحديث أخذت بتدوين الحديث وانتقاء الصحيح ونقد الزائف منه، وهي خطوة إيجابية من جهة، إلا أنها من جهة أخرى كان لها سلبيات لأسباب ذكرتها في الحلقة الرابعة، من هذه السلبيات أنها أعطت الموضوع الذي لم تكشفه أداة النقد نتيجة قصورها ومذهبيتها وانغلاقها؛ أعطته المصداقية والشرعية والتأكيد، مما حدا بمن جاء بعد ذلك أن يعتبره من دين الله تعالى، ومن يرفضه فهو رافض للسنة النبوية الشريفة، كما رفض أيضاً الصحيح الثابت من السنة الذي لم تمهره مدرسة الحديث والأثر، فهذه المرحلة لها وعليها، ومن هنا يتوجب علينا شرعاً دراسة هذه المرحلة والتبيين للأمة ما أصابت فيه أداة النقد وأخطأت.

4. المذاهب: تزامن مع المرحلتين السابقتين مرحلة وجود الأئمة المقلَدين، وبذلك استحكمت حلقات المدرسة الأثرية، ودخل النص في منعطف التفسير الأثري أو كما يسميه البعض السلفي، ووجد ما يسمى بمجتهد المذهب الذي يقابل المجتهد المطلق، والحقيقة أن الاجتهاد المذهبي هو الذي اتسعت دائرته؛ وإن ادعي نفيه، وضاقت جداً دائرة الاجتهاد المطلق، وإن ادعي سلوكه، واشتغل بالشروح والاختصارات المذهبية، وظهرت مقولات كفر من يتعامل مباشرة مع النص ويأخذ دون واسطة الأئمة من الكتاب والسنة، وتدرج الفقه والفكر في مدارك التخلف والتأخر، ثم وصلت الأمة بذلك إلى مرحلة إغلاق باب الاجتهاد، وكأن الحياة قد توقفت عند تلك الفترة الزمنية، وأصبح الإسلام بنصوصه الشاملة الكاملة أسير مصطلحات وألفاظ فصلت حسب مذاهب نشأت في القرن الثالث أو الرابع الهجريين، وتشكل العقل المسلم على ذلك، وأصبح من فروض العين التسليم والاستسلام لهذه المذاهب، ومهما نبغ العالم لا يستطيع أن يعدو خارج مضمار مذهبه إلا إن خرج من هذا المذهب ودخل في ذاك، واشتغل الناس بالانتصار للمذاهب، ووضعت أحاديث في سب العلماء المخالفين، وتقطعت الأمة إلى أشلاء ممزعة، وذهب كل فريق بما لديهم فرحين، يحسبون أنفسهم على شيء وما هم على شيء إن هو إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، وما نراه من سب وشتم مذهبي عبر "الإنترنت" إلا صدى واضح لهذه المرحلة المذهبية التي لا زالت عقول المذهبيين وأقلامهم تدور حولها، ولكن سواطع الحق قد لمع سناها، وخيوط الفجر قد شقت سمانا، فعلينا أن نستعد للتغيير القادم، وعلينا أن ندرس مناهجنا حتى نقوّمها بميزان الكتاب والسنة الثابتة، ولا يبقى تعصبنا إلا للحق وحده.

ولا ننسى هنا أن نجيب على السؤال الذي يطرح نفسه، أين المذهب الإباضي من هذه المنعطفات؟. وأقول وقولي عن قناعة علمية: أما المرحلة الأولى مرحلة النزول، فهذه مرحلة مباركة لم يكن الإسلام فيها مذاهب ولا الأمة شيعاً، وما إن جاءت المرحلة اللاحقة ووضع الدس والكذب في الحديث إلا كان الإباضية في منأى عن ذلك، حتى أصبح حديثهم أصح حديث، ورواتهم من أعدل وأضبط الرواة، وكانت سلسلتهم ذهبية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد لهم الدهر بذلك، وقال التأريخ قوله المحكم الذي لا ينسخه تمويه الأثريين، ولذلك لم يتضخم الحديث النبوي عندهم كما تضخم عند غيرهم، حيث لم تتجاوز أحاديث مسند الإمام الربيع بن حبيب 750 حديثاً، وهي شاملة لكل قضايا الإسلام، مما يجعلنا على مقربة من الواقع فيما يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولم يساوموا في جرح الرجال وتعديلهم، فلم يكن للمذهب عندهم أثر طالما اشتهرت عدالة الراوي وضبطه، ولم يسلطوا على خلق الله تعالى سيف مصطلح "أهل الأهواء والبدع" فقبلوا رواية مخالفيهم عندما يطمئنوا على صدق راويها، ومع كل هذا لم يرفعوا أقوال الرجال فوق منزلة النص، ولم يتبعوا أئمتهم تقليداً بل اتبعوهم تقييداً، ولذلك اعتبروا أقوال الإمام جابر بن زيد وأبي عبيدة والربيع كأقوال غيرهم يأخذ منها ويرد، وكانوا ينظرون إلى ما عند غيرهم نظرة مقارنة، ولذلك تميزوا من السابق بالفقه المقارن على مستوى الفكر الإسلامي دون سائر المذاهب.

ولم يعرفوا الفئة الكهنوتية التي يقلد فيها إمام بعينه، بحيث يصبح لا يجوز الخروج على تقريراته، ولذلك لم يتحجر الفقه عندهم بحيث يصل إلى إغلاق باب الاجتهاد، فلم نعرف أحداً في المذهب دعا إلى إغلاقه كما حدث في المدرسة الأثرية، وظلوا محافظين على صلتهم المباشرة بالنص الشرعي، وعلى حد تعبير المستشار عبد الجواد ياسين عندما وصف نقاء القيم عند سلف الإباضية: (أما نحن فبمقدورنا أن نفسر هذا النقاء بأنه ضرب من الصلة المباشرة بالنص بغير وصاية مرجعية وسيطة) السلطة في الإسلام؛ ص82-83.

إلى اللقاء في حلقة قادمة بلإذن الله تعالى.

خميس بن راشد العدوي

27 محـرم 1421هـ

2 مايـــو 2000م











سلسلة: صمود النص أمام الطوفان الجارف

الحلقــة السادســة

منعطـف نقـد التفكـيـر

خميس بن راشد العدوي



جاء العصر الحديث وأحدث نقلة نوعية في البشرية على جميع المستويات، وأساسها التغير في التفكير الإنساني، ونرى كثيراً من المحللين لهذه الظاهرة يذهبون مذهباً خاطئاً، حيث يعتبرون هذه الفترة قد أضعفت الدين في نفوس الناس وهيمنته على أعمالهم، وأرى عكس ذلك، أرى أن قوة الدين زادت وشوكته قويت، ودليل ذلك بروز الأصولية الدينية بشكل عاصف وصلت إلى حد الهيجان، وهذه ظاهرة عالمية لم يختص بها دين عن سائر الأديان، لا يقال: بأن الإنسانية قبل ذلك كانت مسحوقة تحت وطأة الدين والآن تحررت منه، لأننا نفرق بين خضوع الإنسان له رهبة، وهو ما كان قائماً، وخضوعه له قناعة وهو ما كائن الآن، وهذا بغض النظر عن سلامة الدين ونصوصه، وكان الناس أيضاً مقهورين بسلطان الخرافات -والخرافات نقيضة الدين وعدوه اللدود- وقد تحررت البشرية من الكثير منها، ولا يقال أيضاً: إن البشرية الآن أكثر تفسخاً من ذي قبل؛ وهو صحيح بلا ريب، لكن هذا التفسخ ليس راجعاً إلى ضعف الدين في النفوس، بل هو راجع إلى منبع الدين نفسه كأديان الشرق الوضعية، أو إلى التحريف في نصوصه كاليهودية والنصرانية، أو إلى الإضافة إلى النص كالوضع في السنة النبوية الشريفة.

ولنأخذ على ذلك مثالاً من الواقع الإسلامي، فبسبب عقيدة الإرجاء والخروج من النار والشفاعة للعاصين غير التائبين؛ وهي عقيدة يهودية دخيلة على الإسلام، بسبب ذلك وجد الانسلاخ عن أحكام الدين وبالتالي وجد التفسخ، لأن الإنسان عندما يجد دينه يرخي له العنان في هذا الأمر؛ فما الذي يلزمه به؟!.

هذا؛ وفي ظل التغير العالمي في نظرته للدين مما أدى إلى انبعاث الأصولية، وبالتقريب في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري، كان في العالم الإسلامي مخاض انبعاث وتغيير، ولد من رحمه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وبوجودهما وجد منعطف نقدي في التفكير الإسلامي، يشكل تهديداً للمدرسة الأثرية عرف هذا المنعطف "بالمدرسة الإصلاحية".

جاء الأفغاني ومحمد عبده؛ والعالم الإسلامي في حضيض انحطاطه السياسي يرسف تحت وطأة الآلة العسكرية الغربية، ولم يكن هذا بسبب التقدم الغربي فقط بل سبقه بكثير التخلف الفكري عند المسلمين، نتيجة الاستبداد والخرافات وجمود العلماء ومسلماتهم بالدخيل على فكرهم، وجد الأفغاني ومعه محمد عبده هذا الحال المزري بالأمة وموروثها الفكري، فعملا جادين على إقالتها من عثرتها، وكان لا بد أن يكونا جريئين في نقد هذا الموروث وانتزاع النص الخالص منه –حسب منهجهما الذي نبينه لاحقاً- وعرض هذا النص بثوبه البراق القشيب، فكونا بذلك تياراً فكرياً أنقذ الأمة من خط الانحدار المستمر. في هذا التيار؛ يشكل جمال الدين الأفغاني جناحه السياسي، الذي نظر إليه محمد عبده نظرة فاحصة فوجده لا يحقق المطلوب إلا إذا كان له قاعدة فكرية رصينة، فاتجه إلى ذلك؛ فشكل ما يمكن تسميته بالجناح الفكري، وكان مقداماً في نقده وشجاعاً في تأسيسه لمنهجه، بقدر ذلك الإقدام وتلك الشجاعة ترك أثره البالغ على الأمة، رغم وقوف التيار التقليدي للمدرسة الأثرية بكل ما أوتي من قوة ضده، ولا زالت هذه المدرسة إلى الآن تقف بكل عنفها محاولة طمس آثاره، انظر على سبيل المثال كتابات ربيع بن هادي المدخلي وجبهته الأثرية يتبين لك ذلك بوضوح.

لا ريب؛ كان لهذا المنعطف النقدي الفكري بصماته التي وضحت في شتى مناحي الحياة الإسلامية، سواء في الكتابات أو الحركات الإسلامية أو الدعوة بشكل عام، والأهم من ذلك وجد في الأمة منهج نقدي بعد أن كان ذلك ضرباً من الزيغ عن الدين.

رغم هذا العطاء الكبير الذي أوجده هذا التيار، إلا أنه وقع في أخطاء منهجية وشكلية، ليس محل ذكرها الآن، ولكن نحيل القارئ إلى "جواهر التفسير" لسماحة شيخنا العلامة الخليلي حفظه الله تعالى وأمد في عمره، ولكن لا يمنع أن نذكر سبب هذه الأخطاء، سببها أن الشيخين رأس هذا المنعطف انطلاقاً من التركيز على نهضة الأمة بشكل أساسي، وتبعه النظر في النصوص، وبمعنى آخر، كان محمد عبده وهو ينظر في النصوص، يتمثل له بين ناظريه واقع الأمة السيئ، فيرفض الأفكار التي تعوق نهضة الأمة وتحول عن تقدمها، سواء كانت هذه الأفكار تأويلات زائغة للكتاب العزيز أو أحاديث يراها مدسوسة وموضوعة، ولذلك وقع في تفسيره الجليل للقرآن الكريم كما يرويه عنه تلميذه السيد رشيد رضا في "المنار"، وقع في أغلاط لا تقبل منه، وبمعنى ثالث جعل نقد النص صدى لمتطلبات واقع الأمة، وهذا أمر يحتاج إلى نظر دقيق، لكن يجب أن لا يتخذ تكأة لرفض كل قضايا هذا التيار وهو ما تراهن به المدرسة الأثرية.

هذا؛ ورغم جدية المدرسة الإصلاحية ورسوخ قدمها في العلم، وتأثر من جاء بعدها بها من مختلف المدارس الإسلامية وفي شتى الميادين، إلا أنه لم يكتب لها البقاء والاستمرار، فالتأثر بها شيء؛ واستمرارها شيء آخر، وانقطاعها –في رأيي- يعود إلى الزخم الهائل الذي جابهت به المدرسة الأثرية مدرسة الإصلاح، حيث هاجمتها بشتى الوسائل والطرائق حتى وصفت عَلَميها بأنهم من الزنادقة الماسونيين الذين يكيدون للدين من داخله، واستخدمت أخطاءهم معولاً لهدم بنيانها، وهذا الأمر قائم منذ نشوئها وإلى الآن، هذا من جهة الهجوم، ومن جهة أخرى استطاعت أعاصير المدرسة الأثرية أن تعصف بالمريد الأول لشيخ الإصلاح محمد عبده ووريثه العلمي وهو السيد محمد رشيد رضا، فأصبح رجلاً يدور حول رحى الأثرية، وهو وإن لم يتنكر للإصلاح تنكراً تاماً بل نقل علم شيخه وقد يوافقه في كثير من آرائه، إلا أنه عنده توقفت عجلت مدرسة جمال الدين ومحمد عبده نتيجة جنوحه إلى التيار الأثري التقليدي في التعامل مع النص، وبذلك حققت المدرسة الأثرية لها بضغطها الشديد في الساحة الإسلامية نصراً آخر في العصر الحديث لكنه وللأسف الشديد تأخر في رقي الأمة، وإخلاد للموروث الذي خالط الدين سواء في تأويلاته لنصوص القرآن الكريم، أو بإضافته نصوصاً جديدة للسنة النبوية، ولا ننسى بروز الأصولية كتيار عالمي كاسح يعنى بإظهار الموروثات، رافضاً إعادة النظر فيها، ومتصلباً أمام نقدها، لأن النقد يعني له الحذف والإبعاد والإقصاء والإلغاء، فتأثر المدارس الإسلامية –ومنها الأثرية- بهذا الخط الأصولي العالمي كان له أثر أيضاً في عدم استمرار المدرسة الإصلاحية، وبذلك انكسر منعطف نقد التفكير، ولكن لا يمكن التنكر للأثر الذي أبقاه من بعده.

في الحلقة السابقة أبنت عن موقف المذهب الإباضي من المنعطفات التي ذكرتها، فما موقفه من هذا المنعطف؟.

إذا نظرنا إليه من زاوية التجديد الإسلامي والتحرر المذهبي، ومحاولة الاقتراب من النص الخالص وإزالة التأويلات المتعسفة التي ألصقتها المدرسة الأثرية بالنص، وكذلك العمل على رجع الأمة إلى سالف مجدها والتمكين لها بالعزة والسؤدد والأخذ بها نحو الرقي الحضاري، فهذا يعتبر الحق الذي لا ريب فيه، ولذلك وجد صداه عند علماء المذهب المعاصرين لمدرسة الإصلاح، فها هو قطب الإباضية في زمانه نور الدين السالمي يصف الأستاذ محمد عبده (بمفتي مصر الراجع إلى مذهب الحق) جوابات الإمام السالمي؛ ج2؛ ص336 ولم يقف أمامه موقف الأثريين الذين هالهم الأمر وظنوا أن الدائرة قد دارت عليهم، ويلخص سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي رؤية علماء المذهب في ذلك بقوله: (وقد امتد شعاع هذه المدرسة إلى آفاق واسعة في الأرض فتأثر الكثير من العلماء العاملين بمنهجها الإصلاحي، يبدو أثر ذلك في دروسهم وتآليفهم، ومن علماء التفسير الذين نهجوا هذا المنهج الشيخ الإمام إبراهيم بن عمر بَيُّوض الذي ظل يفسر القرآن الكريم لأكثر من نصف قرن في مسجد "القرارة" في "وادي ميزاب" بالقطر الجزائري حتى اختتمه قبيل وفاته، وإذا كان الاعتراف بالفضل لأهله فضيلة بفضل السبق في معالجة المشاكل المعاصرة على ضوء القرآن والوقوف في وجه التيارات الفكرية الوافدة من الغرب وتفنيد مزاعم المستشرقين وتلامذتهم ضد الإسلام، ومكافحة الخرافات والأوهام التي سيطرت على عقول المسلمين آنذاك… ومن هنا كان ثناء أقطاب العلماء على هذه المدرسة ومسلكها في التفسير، ومن هؤلاء قطب الأئمة الذي نقل عنه تلميذه العلامة أبو إسحاق أطفيش رحمهما الله في مجلة "المنهاج" إعجابه البالغ بتفسير "المنار"، ونجد إمام المسلمين العلامة محمد بن عبدالله الخليلي رحمه الله يثني على كتاب "الوحي المحمدي" للسيد محمد رشيد رضا في رسالته التي وجهها إليه) جواهر التفسير؛ ج1؛ ص29 ومع هذا التأييد الإباضي للخطوة الجريئة التي قامت بها هذه المدرسة، إلا أنهم لم يمنعهم من مناقشتها في أخطائها، وأنا هنا لا أريد أن أطيل عليكم في نقد هذه المدرسة، وإنما أختم كلامي بعبارة موجزة في ذلك من كلام شيخنا الخليلي حفظه الله تعالى: (وإذا كنا في ثنائنا على المدرسة الإصلاحية متأثرين بالواقع ولسنا مندفعين عن العواطف، فإن ذلك لا يمنعنا من أن ننبه على بعض سلبياتها، فإن نشأة هذه المدرسة في ظرف حرج ومرحلة دقيقة) جواهر التفسير؛ ج1؛ ص29 ومن أراد المزيد فليرجع كما قلتُ إلى "جواهر التفسير".

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله سبحانه وتعالى.

خميس بن راشد العدوي

17 صفـر 1421هـ

21 مـأيـو ..
______________

كل الشكر لك أخي روقة (f)


الإباضية - يجعله عامر - 03-31-2008

كتاب السيف الحاد في الرد على من أخذ بحديث الآحاد في مسائل الاعتقاد- للشيخ سعيد بن مبروك القنوبي .. وجدته هنا .. شكرا روقة لتذكيري به .


الإباضية - الحر - 03-31-2008

ومن كتبهم الحديثية كتاب الجامع الصحيح , وهم يؤمنون بصحة كل الاحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه و آله و الموجودة في هذا الكتاب , وبعد قراءتي لهذا الكتاب اكاد ان اتفق معهم في هذا الطرح .


الإباضية - الواد روقه - 04-01-2008

Arrayومن كتبهم الحديثية كتاب الجامع الصحيح , وهم يؤمنون بصحة كل الاحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه و آله و الموجودة في هذا الكتاب , وبعد قراءتي لهذا الكتاب اكاد ان اتفق معهم في هذا الطرح .[/quote]

الجامع الصحيح

.



الإباضية - كوكب الأرض - 04-01-2008

الواد روقة .. أنت رائع (f)


الإباضية - الحر - 04-01-2008

:redrose:تشكر يا روقة على مجهودك الجبار والسخي





الإباضية - الواد روقه - 04-02-2008

Array
الواد روقة .. أنت رائع (f)
[/quote]

وانت اروع ياكوكب الارض:redrose:


الإباضية - الواد روقه - 04-02-2008

Array
:redrose:تشكر يا روقة على مجهودك الجبار والسخي
[/quote]

العفو اخي الحر .. وهذا ماتستحقونه


الإباضية - ثائـر - 07-09-2008

Array
كتاب السيف الحاد في الرد على من أخذ بحديث الآحاد في مسائل الاعتقاد- للشيخ سعيد بن مبروك القنوبي .. وجدته هنا .. شكرا روقة لتذكيري به .
[/quote]
الكتاب عندي لو أحببت نسخة مصورة يمكنني تصويره