اشكالية الردة في الاسلام - العاقل - 03-30-2008
(1)
النفي الاجتماعي
(...فيجب أن يحاكم ليرجع عن ذلك. فإن تابَ ورجع، وإلا وجب قتله مرتداً عن دين الإسلام، فلا يغسَّل ولا يكفَّن ، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون). بهذه الكلمات –أو لنقل: الرصاصات- أجاب الشيخ عبدالرحمن البراك من استفتاه حول رأيه في مقالة كل من يوسف أبا الخيل عن "الآخر في ميزان الإسلام" وعبد الله بن بجاد عن "اسلام النص واسلام الصراع!".
يمكن إدراج هذه الفتوى تحت ظاهرة اجتماعية ملازمة للمجتمعات المغلقة، أو المسكونة بهاجس الهوية والمحافظة عليها. ظاهرة نسميها "النفي الاجتماعي"، تمارسها مؤسسة اجتماعية أو أحد ممثليها من أصحاب "رأس المال المعنوي" والمدافعين عن ما يتم تثبيته أنه "الأصل" و"الهوية"، اتجاه أحد أفراد المجتمع نتيجة سلوكه مسلكا يصادم فيه أو حتى يخالف هوية هذا المجتمع. وتتعدد مراحل هذا النفي، فقد يكون نفيا أفقيا يكتفي باستبعاد هذا المنفي أو تجريده من كل قيمة اجتماعية وخلق حواجز بينه وبين أفراد المجتمع عبر إدراجه تحت بند "المارقين عليه". وهذا المروق، قد تتعدد أسماءه من نفاق، وزندقة، وابتداع، وهرطقة، ولبرلة، وعلمنة...إلخ. وينتهي هذا النوع من النفي إلى عزل هذا المنفي اجتماعيا، تماما كما كان العرب الأوائل يفعلون مع الإبل "المطلي به القار". أما النوع الأخطر من هذا النفي فهو النفي العمودي، أي السعي لإلغاء وجود هذا المنفي في المجتمع، سواء بسجنه أو إحراق كتبه أو طرده أو –وهذا الأشد خطرا- تصفيته جسديا!
وأحكام النفي هذه تصدر كما ذكرنا من مؤسسات أو شخصيات ذات قيمة اجتماعية ووجاهية عالية، مما يعني أنها غير محكومة بضوابط وغير قابلة للاستئناف، وتعتمد في حدتها وشدتها على عوامل عدة، من أهمها وأشدها مدى تعصب القاضي ومدى تقييمه لحجم "المروق" في سلوك المنفي.
نستطيع ذكر العديد من الأمثلة لهذا النفي منذ مطلع النهضة العربية المصرية الحديثة. يكاد يكون أولها قرار علماء الأزهر طرد علي عبد الرزاق منه بعد كتابه "الإسلام وأصول الحكم". وكذلك ما تعرض له طه حسين عندما كتب "في الشعر الجاهلي"، مما اضطره لإعدام بعض الأجزاء المارقة في الطبعات التالية. ومنها تلك المحاكمة التي تعرض لها خالد محمد خالد بعد تأليفه لكتاب "من هنا نبدأ". هذه الحالات قد تعتبر أمثلة على النفي الافقي الذي ينتهي بعزل الفرد عن المجتمع.
لكن، ونتيجة لظروف متنوعة، تحول النفي إلى نفي عمودي حاد... ابتدأ بفتاوى التكفير والحكم بالردة التي طالت الكثير من المفكرين والادباء، التي تكاد تكون فتوى الخميني ومجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي عام 1989 بحق سلمان رشدي مؤلف رواية "آيات شيطانية" أهمها، إن لم تكن أولها. وإن كان سلمان رشدي قد نجا من الموت، فإن عددا لا يستهان به من مترجمي روايته قد تمت تصفيتهم. وإن كانت بريطانيا قد حمت حق رشدي بالتعبير عن رأيه، فهذا ما لم تستطع مصر أن توفره لفرج فودة الذي اغتيل بعد اهدار دمه في اشهر عملية تصفية لمفكر كان كل ذنبه أن عبر عن أفكار اعتبرها المدافعين عن المجتمع "مارقة". وهو نفس الأمر الذي لم تستطع مصر توفيره أيضا لنجيب محفوظ الذي كاد أن يموت نتيجة محاولة اغتياله الشهيرة، واكتفى جسده بتحمل طعنة تحولت لعلامة جسدية تذكره دوما بموقف مجتمعه المغلق اتجاهه. وتتجدد هذه الفتاوى في الأعوام الأخيرة، ولعل أهمها على المستوى العربي قضية تكفير نصر حامد أبو زيد والتفريق بينه وبين زوجته، مما اضطره للفرار إلى مجتمعات أخرى مفتوحة.
في الداخل سنجد حضور النفي الأفقي سباقا، وذلك بعيد توحيد المملكة العربية السعودية، عندما تم العزل الاجتماعي لكل من محمد سرور الصبان ومحمد حسن عواد وحمزة شحاته. ويتلو ذلك الحكم بالردة ومحاولة تطبيقها على عبد الله القصيمي بعد كتابته لـ "هذه هي الاغلال"، في عملية تحول من النفي الافقي للعمودي. وبعدها يبدأ النفي الاجتماعي بالتنقل بين هذاوذاك، فتارة يكتفى بالاشارة الى مروق المفكر أو الاديب كحالة غازي القصيبي، وأخرى يشدد على ردته وكفره كما حدث لتركي الحمد. ومنذ 11 سبتمبر، وما تعرضت له البلاد من أعمال إرهابية تنطلق من مقولات تكفيرية، أصبح النفي العمودي شبه مختفيا... فتم الاكتفاء بالتأفف من رواية "بنات الرياض" لرجاء الصانع، والإنكار على حلقات من "طاش ما طاش"، والتأزم إزاء آراء منصور النقيدان في برنامج إضاءات.
لكن ما قام به الشيخ البراك، يعتبر عودة جديدة للنفي العمودي للفرد، ودعوة صريحة لإلغاء وجوده، حتى وإن حاول البعض التعذر بقضية أن التكفير جاء "عاما" ولم يأتِ "معينا"، فالذي قتل فرج فودة وطعن نجيب محفوظ لم يتحل بذاك الضمير الذي يجبره على تحري الدقة في تعيين التكفير!
ما أريد قوله... أن هذه الفتوى ليست مجرد أزمة شخصية لكاتب قد تنتهي به إلى فقدان حياته، بل تمثل أزمة عامة تشمل المجتمع وفكره بأكمله، وتضعه أمام عجزه وتبرمه إزاء تقبل التنوع والاختلاف، رغم ترديده اللامتناهي بأن الاختلاف سنة وناموس. بصيغة أخرى: كل ما قام به ابا الخيل وبن بجاد هو الكتابة... هو التفكير: فهل هذا جرم ضخم يستحقان به التكفير وإهدار الدم؟! هذا السؤال طرح بشكل مكثف بعد اغتيال فرج فودة، وأثير حوله نقاش مطول، سنحاول استعادته في الاسبوع القادم.
اشكالية الردة في الاسلام - العاقل - 03-30-2008
(2)
لا.. لاحتكار المعرفة !
من المفترض أن يكون حديثي اليوم إكمال ما بدأته عن “إشكالية الردة في الإسلام”، ولكن اعتراضا طرح علي سيؤجل هذا الحديث. هذا الاعتراض يقول: إن الحديث في أمور الدين محصور بعلماء الدين، فكيف يبيح غير المتخصص في العلوم الشرعية لنفسه الخوض فيها في حين أنه لا يجرؤ على هذا عندما يتعلق الأمر بتخصصات أخرى كالطب والهندسة والفيزياء النووية؟!
في الحقيقة هذا الاعتراض اعتراض مراوغ، فهو يقول نصف المسألة فقط ولا يتمها كلها. فالنصف الآخر هو أنه في الوقت الذي تتم المطالبة باحترام التخصص، فإن المتخصصين في العلوم الشرعية يبيحون لأنفسهم التدخل في كل شيء وكافة الاشياء انطلاقا من كون الدين شاملا لكل جوانب الحياة. فتكون النتيجة كالتالي: لا أحد يخوض بالشريعة إلا أهلها انطلاقا من مقولة: احترام التخصص، وبالمقابل مباح لهؤلاء الخوض في كل تخصص انطلاقا من مقولة: كليّة الشريعة وشموليتها.
وحتى نخرج من هذا كله، لنسأل السؤال التالي: أليس الدين –بالمقام الاول- علاقة بين الانسان وربه؟ وألا تعني هذه العلاقة ضرورة المعرفة: معرفة الانسان لربه ونبيه ودينه؟ فإن كانت الاجوبة على هذه الاسئلة كلها بـ: نعم، فهذا يقتضي أن المعرفة الدينية معرفة ضرورية لكل مسلم يريد أن يعبد الله على بصيرة، ومن هذه الضرورة العامة تنتفي مقولة الاختصاص من أصلها!
وحتى يتفادى المطالبون بـ: “احترام التخصص”، هذه الحجة فهم عادة ما يفصلون بين نوعين من المعرفة الدينية: معرفة يلزم كل فرد معرفتها وهي معرفة العامة، ومعرفة اخرى خاصة بالخاصة. وهذا الفصل لا أساس له ولا معيار. إنما هو فصل تحكمي ينتهي بالمجتمع بإحداث ظاهرتين: الأولى نشوء طبقة تدعي ملكية المعرفة بالشريعة وأنها الجسر الموصل بين العامة و الشريعة، وهذه الطبقة تؤدي نفس الدور الذي كان الأحبار والرهبان والذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا يؤدونه في الأمم الأخرى. ومعلوم موقف القرآن من هذه الطبقة فقد فسر الرسول قول الله “اتخذوا احبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله”، بأن هذا الاتخاذ لم يكن عن طريق العبادة المباشرة بقدر ما كان عن طريق الطاعة التامة، معتبرا طاعتهم هذه هي عبادتهم لهم من دون الله. ويتشابك مع ظهور طبقة رجال الدين هذه، سلوك اجتماعي هو التقليد. فيتحول الفرد المؤمن المطالَب بالنظر أبدا والاجتهاد قدر الاستطاعة، إلى مقلد لا هم له سوى تتبع أقوال من اتخذهم مرجعيات، وهذا السلوك يؤثر سلبا على المؤمن لا من حيث خبوت نار التساؤل والفضول في نفسه، ولا من حيث تعامله مع الآخرين المختلفين وتفاعله معهم. فالذي يستقي آراءه من غيره تقليدا لهم، يكون غالبا متعصبا لهذه الآراء تعصبا يشابه أولئك الذين قالوا: “إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون”.
بالإضافة إلى كل هذا، لا بد أن أشير إلى أمر مهم. وهو أن توظيف “احترام التخصص” هنا، ليس توظيفا بريئا، فهو يخفي خلفه عدة أمور. فهو، أولا، يخفي كون التعليم النظامي المتبع في الجامعات هو تعليم “حديث” مقتبس من حضارة الغرب، الهدف منه تخريج خبراء في المعارف التي تنظم الحياة المدنية: من علوم طبيعية وعلوم انسانية وإدارية وغيرها. ودور الخبير في المجتمع الغربي أن يطور ما هو واقع او يوجد حلولا لما يطرحه من اشكالات انطلاقا من تعمقه في هذا المجال، والضريبة التي يدفعها نتيجة هذا التعمق هو ألا يدخل قناعاته وقيمه فيما يؤديه من عمل وإنتاج وألا يفكر أبدا في تغيير هذا الواقع. وفي هذا المجال، على المهندس إن أراد أن يكسب أجره نهاية الشهر ألا يسأل في أي شيء سيستخدم هذا الذي يعمل على تصميمه أو بنائه. وهذا الدور يعني تهميش “المتعلم” وحصره في دائرة ضيقة هي دائرة اختصاصه، في حين المطلوب من المثقف أن يكون معبرا عن ضمير أمته ساعيا في تطورها وأن يسعى لزيادة معارفه وتطويرها دون إهمال لمجال اختصاصه.
وهو، ثانيا، يخفي الفرق بين تكوين الآراء في مجال ما ومعرفة ما، وبين التدخل في هذا المجال وهذه المعرفة. فمرفوض تماما أن يقوم أي شخص بإجراء عملية جراحية دون أن يدرس الطب و”يتمرمط” فيه، ولكن هذا لا يعني أن هذا الشخص لا حق له في إبداء رأيه في فروع علوم الصحة المختلفة والسعي في المساهمة فيها ولو لم يكن متخصصا فيها. فأعظم العلماء، كأينشتاين، لم يكونوا متخصصين في فروع المعرفة التي أحدثوا فيها نقلات مهمة.
دعوى “احترام التخصص”، في التحليل الأخير، لا تهدف إلا إلى “احتكار التخصص”. احتكارا يوصد الباب أمام كل منتقد أو مساهم أو حتى معترض. احتكارا يجعل غير المختصين أحد اثنين: إما مقلدين هم أقرب للعميان، أو- إن كان التخصص شرعيا: مارقين إن حاولوا الاقتراب...
اشكالية الردة في الاسلام - thunder75 - 03-30-2008
أرى أن اشكالية الردة هي عند المسلمين لا في الإسلام
اشكالية الردة في الاسلام - محارب النور - 03-30-2008
Arrayدعوى “احترام التخصص”، في التحليل الأخير، لا تهدف إلا إلى “احتكار التخصص”. احتكارا يوصد الباب أمام كل منتقد أو مساهم أو حتى معترض. احتكارا يجعل غير المختصين أحد اثنين: إما مقلدين هم أقرب للعميان، أو- إن كان التخصص شرعيا: مارقين إن حاولوا الاقتراب...[/quote]
يـُحكى إنَ آغراهام بيل مخترع التلغراف عندما أراد نصب الاسلاك عبر امريكا من اجل توصيلها بشبكة تغطي القارة الشمالية فكر هو الشركة بوضع الاسلاك تحت الارض , ولكن المشكلات بدءت تظهر خاصة ٍ في المناطق الزراعية حيث كانت المحاريث تقطع الاسلاك وهذا ما كان يكلف الشركة اعباء اضافية وتأخير في وقت التسليم وخروج عن مسار خطة العمل .
ولكن الحل جاء عن طريق فلاح بسيط وأجزم إنه أمي لا يعرف القرأة ولا الكتابة , فقال لسيد بيل : سيدي الكريم الحل بسيط جداً ,نصب أعمدة من الخشب ودع الاسلاك تمر عبر هذة الاعمدة وليس كما تعملون بوضعها تحت الارض ..فوق الاعمدة سوف تكون سهلة الرؤية والصيانة سوف تكون اسهل بكثير؟.
للعاقل على هذا الموضوع الجميل (f)
محارب النور (f)
اشكالية الردة في الاسلام - العاقل - 04-03-2008
(3)
هل هناك تكفير في الإسلام؟
عندما نسأل هذا السؤال، فعلينا أن نتفادى سوء فهم مبدئي متوقع، وهو التفريق بين "الكفر" و "التكفير". فكل دين له مؤمنين وكفار. لا أحد يستطيع إنكار ذلك، فعندما بُعث الرسول آمن به أبو بكر وكفر به أبو لهب الذي أخبر الله أنه "سيصلى نارا ذات لهب"، وهو لن يفعل ذلك إلا لأنه كفر. وانطلاقا من هذا التوضيح نطرح مسألة التكفير كالتالي: إذا كان أمامنا رجل يقول: "أنا مسلم"، فهل يستطيع أحد، مهما بدر من ذلك الرجل من قول أو عمل، أن يحكم عليه بأنه ليس مسلما؟ بمعنى آخر: هل يستطيع أحد أن يكفر رجلا يقول أنا مسلم تحت أي مبرر؟
تأتي الإجابة السائدة على هذا السؤال كالتالي: صحيح أن وصف الإسلام يثبت للفرد بمجرد إقراره بذلك، لكن لهذا الإقرار مقتضيات يلزم تحقيقها. وأنه إن لم يحققها فإنه يكفر، وتكفيره لا يكون إلا بعد التأكد من تحقق الشروط وانتفاء الموانع.
ونلاحظ على هذه الإجابة أنها عند حديثها عن فعل التكفير تركز على "مفعوله"، أي الفرد الذي سيتم تكفيره، وكيفية استحقاقه لهذا الفعل. تفعل هذا في الوقت الذي تكتفي فيه بالإشارة إلى هوية "الفاعل"، بأنه ولي الأمر أو القاضي أو العالم المتمكن. وهي إذ تصرح بهذه الإشارة، فإنها تسكت عن مصدر هذه الصلاحية المخولة لهذا الفاعل بأن يمارس فعل التكفير. بمعنى آخر، هي لا تجيب عن هذا السؤال: من أين للعالم أو القاضي الحق بأن يحكم على شخص يدعي الإسلام بالكفر؟
لا تخلو الإجابة على هذا السؤال من أمرين اثنين، الأول هو الانتماء لمؤسسة دينية، تتبنى تفسيرا ثابتا للإسلام. والثاني هو الجزم بأن هذا التفسير مطابق تماما لما جاء به الرسول. وانطلاقا من هذين الأمرين، يصبح أي عالم أو قاضي منتم لهذه المؤسسة الدينية، ضليعا في التفسير الذي تتبناه، الذي قلنا أنه مقطوع بصحة مطابقته لما كان عليه الرسول؛ يصبح هذا العالم مخول للحكم على الأعيان بالانتماء أو لا لهذه المؤسسة، التي ليست شيئا سوى الإسلام نفسه.
والمتأمل لنصوص القرآن يرى بوضوح أن الإسلام يحارب بشدة المؤسسات الدينية وطبقة رجال الدين الذين يحتكرون التفسير الديني وينطقون باسم الله على الأرض. فالله يقول: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله". وقال عن الذين يحتكرون تأويل الكتاب ويتكسبون من هذا التأويل: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون". ووصف الله طبقة رجال الدين هذه بقوله: "يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم". وقد يظن البعض أن التشنيع جاءهم لأنهم جعلوا أنفسهم وسائط بين الناس والله، ونحن نزيد على ذلك فنقول: ولأنهم جعلوا أنفسهم وسائط بين الناس وكتابهم فاحتكروا الفهم والتفسير وصدوا الناس عن التدبر والتفكر في آيات الله.
والجميع يتفق على أن الإسلام لا يوجد فيه كهنوت أو طبقة رجال الدين. وعلى الرغم من ذلك لا يخلو مذهب إسلامي من طبقة تحتكر التفسير الديني إما بدعوى سد باب الاجتهاد، أو حصر الاجتهاد في فئة معينة، أو اشتراط شروط مستحيلة للاجتهاد، كل هذا من أجل إبقاء الفرد في خانة التقليد والترديد ومجرد التلقي، وإبعاده تماما عن النظر والتدبر الذي جاءت الآيات الكثيرة بالحث عليه والمطالبة به.
وبعد اعادة الاعتبار إلى هذا كله، نستطيع أن نفهم التكفير لا على أنه إخراج للفرد من دائرة الإسلام، بقدر ما هو إخراج للفرد من مؤسسة تتبنى تفسيرا ما للإسلام تزعم أن هذا التفسير هو تفسير مطابق تماما لحقيقة الإسلام. وهنا، في هذا السياق، تتحول قضية التكفير من قضية عقدية إلى قضية اجتماعية-سياسية، تسعى من خلالها المؤسسة الدينية للحفاظ على تجانس المجتمع وهويته بمحاربة أي نزعة لمخالفة ما تتبناه من تفسير للدين.
والآن، لنتسائل من جديد: هل هذا يعني أنه لا وجود للتكفير في الإسلام؟ والجواب: بلا يوجد، ولكن فقط لمن يستطيع أن يثبت لنا أن التفسير الذي يتبناه للإسلام مطابق لما جاء به النبي مطابقة تامة. هل مثل هذا التفسير موجود؟ جوابي أنا: أنه لا، وكل المذاهب الموجودة إنما تعتمد في أصولها على أدلة وتحيزات مبنية على غلبة الظن لا على اليقين التام.
ولهذا أقول أن التكفير موجود بشكل نظري تجريدي، ولكن عمليا لا يوجد مسلم مخول على إطلاق هذا الحكم على آخر يدعي الإسلام، وذلك لأنه ببساطة لا يستطيع الجزم أن الصورة التي يتصور بها الإسلام هي مطابقة لتلك التي أرسل بها الرسول.
ما أطرحه هنا، لن يعجب أولئك المنتمين لمؤسسات دينية تسعى للدفاع عن سلطة تصوراتها بسلاح التكفير، ولكنه سيعجب أولئك المؤمنين الذين إذا اطلعوا على رؤية أخرى للإسلام مخالفة لهم، قالوا: هذه رؤية للدين تختلف عن رؤيتنا، دون أن يتكلفوا عناء التنقيب عن قلوب الآخرين!
اشكالية الردة في الاسلام - المقاتل7 - 04-04-2008
عزيزي العاقل ..
لولا معرفتي لكتاباتك منذ سنوات .. لوجدت في موضوعك رائحة الإلحاد ، أو اعتناق المذهب الشحروري المنتسب إلى القرآن دون السنة..
ولكني عندما قرأت الجزء الثالث .. وجدت العجب !
أنت تتحدث عن إشكالية الردة بوصفها أحد مبررات النفي الاجتماعي العمودي في المجتمعات الإسلامية (المغلقة) ..
ثم تعزو أحكام النفي إلى غير الشرع الملزم فتقول :
Array(وأحكام النفي هذه تصدر كما ذكرنا من مؤسسات أو شخصيات ذات قيمة اجتماعية ووجاهية عالية، مما يعني أنها غير محكومة بضوابط وغير قابلة للاستئناف )[/quote]
فإن كان كان النفي من الشرع فما الإشكالية في التزام المجتمع المسلم بالعمل بنص ينفي المرتد نفيا عموديا ؟
Arrayأن هذه الفتوى ليست مجرد أزمة شخصية لكاتب قد تنتهي به إلى فقدان حياته، بل تمثل أزمة عامة تشمل المجتمع وفكره بأكمله، وتضعه أمام عجزه وتبرمه إزاء تقبل التنوع والاختلاف،[/quote]
لماذا تخلط بين تقبل التنوع والاختلاف وحكم قتل المرتد ؟ فالمرتد يُنفى عموديا لأنه ارتد وليس لأنه خالف المجتمع ، والمجتمع الاسلامي صاحب المذهب الذي ينفي المرتد ، يتقبل أهل الكتاب ويحسن معاملتهم كأهل ذمة رغم الاختلاف ، و أن حالهم كحال المرتد ..فتأمل !
الجزء الثاني من المقال لا بأس به ..
و لكن الإشكالية فيه عندما يتكلم من لا يعلم فيما لا يعلم وهو يظن أنه يعلم ، فيصل بجهله إلى مخالفات شرعية ، وأقوال ساقطة ، وهو لا يدري .. أذكر أن أحد الأطباء قال لي يوما أن معنى (واضربوهن ) في قوله تعالى (فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن..) هو الابتعاد عن الحجرة ، واستدل على ذلك بأن معنى الضرب هو الحركة كما في قوله تعالى (وإذا ضربتم في الأرض )
فهل تقول لهذا أحسنت لأنك أعملت عقلك ؟ أم تقول له دع الكلام لمن يعلم ، ولا تتكلم قبل أن تتعلم ..؟
الجزء الثالث..( العجب )
Arrayوالآن، لنتسائل من جديد: هل هذا يعني أنه لا وجود للتكفير في الإسلام؟ والجواب: بلا يوجد، ولكن فقط لمن يستطيع أن يثبت لنا أن التفسير الذي يتبناه للإسلام مطابق لما جاء به النبي مطابقة تامة. هل مثل هذا التفسير موجود؟ جوابي أنا: أنه لا، وكل المذاهب الموجودة إنما تعتمد في أصولها على أدلة وتحيزات مبنية على غلبة الظن لا على اليقين التام.[/quote]
هذا الكلام يعني أنه لا أحد يستطيع الجزم بأن فهمه للإسلام هو الفهم الصحيح !
فهل الإسلام وفهمه مبهم إلى هذا الحد ؟
الجواب : لا و الدليل قوله تعالى (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا )
والتيسير يتنافي مع الإبهام ..
و أتفق معك أن كل المذاهب تبني بعض أصولها أو أكثرها على الظن ، وأنا- بالمناسبة - أتبرأ من كل المذاهب ، ولكن هذا لا ينفي أن هناك مساحة من اليقين وهذا اليقين هو الدين الحق الذي نُطالب باتباعه ، بعد طرح كل الظنون جانبا ..
فإن قلت ما الدليل على هذا ؟
أقول :
قال تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )
و مادام الله قد أمرنا برد التنازع إلى الله و رسوله فلابد أن يؤدي هذا الرد إلى حسم التنازع ، و لا يمكن ذلك إلا بالنصوص ذات الأحكام الواضحة الظاهرة التي تميز بين الحق و الباطل على وجه اليقين لا الظن ، أما الأحكام الظنية فلن تحل التنازع أبدا ، فالتقلب بين الظنون و الراجح و المرجوح لا يحل تنازعا لاختلاف الترجيح باختلاف الأفهام ، وسيصبح الأمر في الآية من باب التكليف بما لا يُطاق ونحن ننزه الله تعالى عن ذلك وكفى بذلك عبرة لمن رأى أن الدين فيه شئ من الظن.
قال تعالى (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا )
وقال ( ولا تقف ما ليس لك به علم )
فهذا النهي أبطل اتباع الظن وإن غلب ، فالعلم ليس فيه من الظن شئ .
فإن كنا لا نستطيع الوصول إلى العلم ! فهل يكلفنا الله بما لا نطيق ؟
كل ما يُبنى على الظن في أي مذهب لا يصح نسبته إلى الدين . ولذا أقول دائما يجب التخلص من الموروث الفقهي الذي يشمل كتب الفروع والمسائل المسماه زيفا بكتب الفقه والعقيدة والتي تُطرح فيها ألوف المسائل التي تُبنى أكثرها على الظن.
اشكالية الردة في الاسلام - خوليــــو - 04-09-2008
up
(f)
اشكالية الردة في الاسلام - كرداس - 04-10-2008
الإسلام دين يجعل الظن علامة على الحكم .... لذلك تنوعت الأحكام والأراء وكلها من الإسلام .
اشكالية الردة في الاسلام - نادين - 04-12-2008
(f)
صديقي العاقل
دخلت بداية لأسجل إعجابي للجرأة والفكر الذي تحملهما
وللتطور الذي أسجل قراءته في طروحاتك مؤخراً
وأود هنا أن أدعوك لمنازلة فكرية أيها الصديق
;)
فأنت محرض على التوقد الذهني، ورائع في تسامحك وسعة صبرك
وأريد الحكم أن يكون جادمون
ما رأيك ؟
إختر الموضوع وراسلني
كل الاحترام لك ولضيوفك الكرام . نادين
(f)
اشكالية الردة في الاسلام - vodka - 04-12-2008
تحية للعاقل ونادين :97:
ونحن هنا نتابع
|