حدثت التحذيرات التالية: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
رجاء بن سلامة على وفاء سلطان أن تستفيق من سباتها الدغمائي - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: رجاء بن سلامة على وفاء سلطان أن تستفيق من سباتها الدغمائي (/showthread.php?tid=6105) |
رجاء بن سلامة على وفاء سلطان أن تستفيق من سباتها الدغمائي - نسمه عطرة - 03-14-2008 ( رجاء بن سلامة )على السيدة سلطان تستفيق من سباتها الدغمائي: ملاحظات حول آراء وفاء سلطان: العلمانية ليست ديانة جديدة بقلم رجاء بن سلامة قد نلجأ إلى الإفراط أحيانا لشعورنا بأنّ ملامسة مكبوت جماعيّ ما تدفعنا إلى ذلك، فتذكّر جروح الماضي وصدماته كما في تجربة التّحليل النّفسيّ التي يعيشها الفرد، كثيرا ما يصحبها الانفعال وتكون الشّكوى نمط تعبير عنها. ولذلك، ليس من الغريب أن تكون كتابة المرأة عن وضع المرأة كتابة متوتّرة لأنّها موتورة. فالموتور هو الذي يطالب بالثّأر، ولا مناص أحيانا من أن تكون مطالبته صراخا، كما في الأسطورة الجاهليّة التي تقول إنّ روح القتيل تظلّ تصيح "اسقوني" إلى أن يؤخذ بثأره. وليؤخذ هذا الكلام على أنّه اعتراف شخصيّ منّي باعتمادي من حين إلى آخر طريقة في الكتابة قد تكون مفرطة في التّشنّج، هي كتابة الموتورات، المطالبات بثأر مستضعفي الماضي والحاضر. وقد تكون الجرأة فضيلة في عالمنا العربيّ الذي لم يتبنّ بعد أبجديّات حرّيّة الرّأي والتّعبير، وحرّيّة المعتقد وتغيير المعتقد، وهذه الجرأة هي التي بهرت بها الدّكتورة وفاء سلطان مشاهدي قناة الجزيرة عندما واجهت ذلك الشّيخ الأزهريّ المحارب، وتكلّمت بلغة لم تعهدها وسائل إعلامنا، وتكلّمت آنذاك بلغة مغايرة للغته، وبمرجعيّة غير مرجعيّته، ممّا جعله يصاب بالبهتة ويكتفي بشتمها واتّهامها بالهرطقة. والمطّلع على كتابات السّيّدة وفاء سلطان على الإنترنت (انظر موقعها الفرعيّ في الحوار المتمدّن) لا يسعه أوّلا إلاّ أن يدافع عن حقّها المطلق في حرّيّة التّعبير، وحقّها في أن يكون في كلامها إفراط الموتورات، ولا يسعه إلاّ أن يدافع عنها ضدّ ما يهدّد حياتها، وضدّ الشّتائم التي تكال إليها في المواقع والمدوّنات. إلاّ أنّ الجرأة في حدّ ذاتها لا تكون كافية إذا لم تنبع من شعور بالمسؤوليّة. والمتألّم الموتور، بعد أن يتذكّر الآلام الماضية يجب أن يتجاوز الشّكوى إلى بناء الحاضر، وإلى إبداع تفكير غير قائم على ردّ الفعل بالفعل نفسه، وإلاّ فإنّنا نواجه الحقد بالحقد، والتّطهير بالتّطهير، وتجرّنا تدميريّة بعض قوى الماضي إلى المتعة المطلقة بالتّدمير أو باستدامة الألم والشّكوى. ولذلك فإنّ دفاعي عن حقّ وفاء سلطان في التّعبير والإفراط وحقّها في الحياة لا يمنعني من إبداء ملاحظات نقديّة حول خطابها، ومن إبداء اختلافي عنها في تصوّرها للعلمانيّة، وفي طريقة نقدها للدّين، وفي اعتبارها الولايات المتّحدة الأميركية ممثّلة في حكومتها كفيلة بانتشالنا من التّخلّف، وفي تقسيمها العالم إلى كتلتين على طرفي نقيض تمثّل إحداهما الحضارة وتمثّل الثّانية الهمجيّة، وغير ذلك من الآراء التي قد تضعها هي أو يضعها قرّاؤها في خانة العلمانيّة، لاسيما أنّها تجوّز لنفسها الحديث باسم كلّ العلمانيّين العرب والمسلمين، بحيث أنّ عبارة "نحن العلمانيّين" تتردّد في كتاباتها وتصريحاتها. والرّأي عندي أنّ ما في خطاب وفاء سلطان من إفراط لا يعود فحسب إلى أسلوبها في الدّفاع، بل إلى طريقة في التّفكير يلتقي فيها الضدّ بضدّه، فلا ينتج ثقافة جديدة بقدر ما ينتج ديانة جديدة. هذه الدّيانة الجديدة تقول وفاء سلطان إنّها علمانيّة، وهي ليست علمانيّة، وتقول إنّها إلحاد وهي ليست إلحادا، إضافة إلى أنّ الخلط بين الإلحاد والعلمانيّة غير جائز مفهوميّا، وغير مفيد عمليّا، بما أنّ الإلحاد اختيار شخصيّ مشروع، والعلمانيّة مبدأ سياسيّ وأخلاقيّ لتنظيم الدّولة والمجتمع. إنّه مبدأ حياد واستقلاليّة، وليس مبدأ سيطرة وتطهير، وهو يقتضي اعتبار الدّين مسألة شخصيّة، وعدم اتّخاذه مرجعيّة للقانون، وعدم تدخّل الدّولة لفرض دين من الأديان، وعدم تدخّلها أيضا لفرض الخروج من الدّين. إنّ الصّمت عمّا في خطاب وفاء سلطان من هشاشة ومن مزالق لا يمكن إلاّ أن يعزّز معسكر التّفكير الثّنائيّ، ومعسكر مهدّدي حقّها في الحياة. تقول وفاء سلطان في أحد مقالاتها (محمد وظاهرة اللسان الداشر 1) : "هذه الفوضى الفكريّة التي سقط بها العالم الإسلامي أنهكته وشلّت القدرات العقليّة لإنسانه! هذا الإنسان الذي يتذبذب في مساره بين الضد وأقصى ضدّه. أسامة بن لادن يمسك بأحد طرفي المسار، ووفاء سلطان تمسك بالطرف الآخر والناس منقسمون بينهما، لا يقف اثنان منهم على نقطة واحدة في هذا المسار! والسؤال: هل تستطيع أمّة مشتتة كهذه أن تجد لها موقع قدم بين الأمم؟! ".ّ هل من باب التّفكير العقلانيّ المسؤول أن تعتبر وفاء سلطان نفسها المخلّص الممسك بحبل النّجاة في مواجهة الإرهابيّ بن لادن؟ هل يمكن أن يجوّز أيّ كاتب لنفسه هذا التّضخّم النّرجسيّ الذي يجعله يرى نفسه زعيما أوحد يأتي ليخلّص أمّة غارقة في غياهب الإرهاب؟ وقد ظننت في البداية أنّ الأمر يتعلّق بأسلوب في التّعبير، فإذا بهذا التّعاظم يتكرّر على نحو لافت، لأنّه ليس مجرّد أسلوب بل محتوى تفكير، وليس من باب الإفراط الذي ذكرته آنفا، بل هو إفراط من نوع آخر. فكما هو الشّأن في التّفكير الدّينيّ الدّعويّ، تعتقد وفاء سلطان أنّها صاحبة رسالة تنتشر انتشار النّار في الهشيم، فيتكاثر الدّعاة من حولها، كما تكاثر الحواريّون من حول المسيح، والمؤمنون حول نبيّ الإسلام، بحيث أنّها حصدت من الأتباع أكثر ممّا حصده أيّ مصلح وأي مفكّر تصدّى لجهالات الأمّة الإسلاميّة في العصر الحديث، ومات مغمورا بعد أن نال نصيبه من الحيف والغبن: تقول في أحد حواراتها : "... أما اليوم فلقدأصبحت حديث الشارع العربي والخبز الذي تتشاطره العائلة العربية على مائدةالعشاء. هناك الكثير من الجمعيات التي تشكلت وتتشكل سريّة على امتدادالعالم العربي التي تتبنى أفكاري وتقوم بطبع مقالاتي وتوزيعها. واحدة منهاتضم أكثر من خمسة آلاف عضو وتطلق على نفسها "جميعه أصدقاء وفاء سلطان." (تقرير واشنطن، عدد 103، 7 أبريل 2007). ولئن كانت الكاتبة تقول عن نفسها إنّها لا تؤمن بالغيبيّات الدّينيّة، فإنّها تعتبر نفسها في علاقة مباشرة باللّه، قائمة على الاصطفاء من ناحية والوفاء بالدّيْن من ناحية أخرى : فهي تقول : "مولدي في سوريّة هو هدية الله لي، وقراري بأن أكون أمريكيّة هو هديّتي لله.أرسلني الله مسلمة عربيّة لغاية عنده، وقررت أن أكون أمريكيّة لا دينيّة كي أصل الى غايته!" (مقال "ويل لأمّة يتمشيخ طبيبها و -يتدكتر- شيخها"). فلوفاء سلطان إله آخر غير "إرهابيّ" كإله بن لادن، وهي نبيّته الجديدة المبشّرة به المحقّقة لغايته. إلاّ أنّ النّبيّة الجديدة لا تختلف كثيرا عن نبيّ الإسلام الذي تنتقده في استعمال العنف، وفي نشر رسالته بحدّ السّيف، فهي تستعمل أداة مختلفة عن السّيف، ولكنّها لا تقلّ قدرة عن التّطهير، وإن كان الأمر يتعلّق بتطهير الأدمغة. وهذه الأداة هي المطرقة: "عندما يتكلّس الإنسان داخل قالب فكري كالمستحاثة داخل صخر يعود للعصر الحجري، يحتاج الأمر إلى مطرقة وفاء سلطان وليس إلى سيف الحجّاج الثقفي!" (المقال نفسه). وكما يقوم التّفكير الدّينيّ البدائيّ على ثنائيّات الخير والشّرّ والطّهارة والنّجاسة بحيث لا يلتقي الضّدّان، ولا يلتبسان، ولا يخرج هذا من ذاك، يقوم تفكير وفاء سلطان على ثنائيّة الحضارة والتّخلّف، وتعتبر أميركا بلدا طاهرا لأنّه مهبط حقوق الإنسان لا مهبط الأديان (كلمتها في مؤتمر الأقباط المنعقد بواشنطن في نوفمبر 2005)، وتنسى أنّ هذا البلد لم يعلن عن حقوق الإنسان إلاّ بعد أن أباد أهله الهنود الحمر، واسترقّوا الأفارقة السّود، ولا تريد حكومته اليوم نشر الدّيمقراطيّة في العالم إلاّ بقدر ما تنتهك حقوق الإنسان والشّعوب، وتعرقل سير المجموعة الدّوليّة نحو إرساء سلطة أمميّة شرعيّة نافذة. ذلك أنّ هذا التّفكير الدّينيّ تفكير إطلاقيّ ماهويّ يلغي التّعقّد ويلغي عامل التّاريخ. وإلغاء التّاريخ هو ما تقوم به وفاء سلطان في قراءتها لأحداث وقعت في زمن الرّسول. الأصوليّون يلغون عامل التّاريخ باعتبارهم النّصوص المقدّسة بكلّ ما فيها صالحة لكلّ زمان ومكان، وهي تلغي التّاريخ بعزل النّصوص القديمة عن سياقها ومحاكمتها بمعيار العصر الحديث، وكأنّ النّبيّ الذي ظهر في القرن السّابع يجب أن يكون مؤمنا بحقوق الإنسان وحقوق المرأة، وكانّ تعدّد الزّوجات والزّواج المبكّر لم يكونا جائزين في ذلك العصر، أو كأنّ النّبيّ يفترض فيه أن يكون فعلا ملاكا طاهرا. إنّ القول بأنّ الإسلام ساوى بين الرّجال والنّساء وجاء بحقوق الإنسان قبل مئات السّنين تفكير لاتاريخيّ، وتمويه يجب أن نواجهه بالحجج وبالقراءة التّاريخيّة، ولكنّ محاكمة المجموعة الإسلاميّة الغازية في القرن السّابع بعيون عصرنا الحديث تفكير لاتاريخيّ أيضا، يمكن أن يساعد على تبديد الهالة القدسيّة للنّبيّ في سياق خصوميّ، ويمكن أن يثير، ولكنّني أعتقد أنّه لا يمكن أن يبني معرفة علميّة مقنعة، وأن يحقّق تراكما ثقافيّا على المدى البعيد. وكما يردّ الأصوليّون كلّ مظاهر الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة إلى الدّين ويعتبرونه الحلّ الوحيد لكلّ القضايا، تعتبر وفاء سلطان الدّين المشكل الوحيد المتسبّب في مآسينا بأنواعها، تقول في النّصّ المذكور : "في شرقنا الأوسط لم تكن ديكتاتوريّة الحاكم أصل المشكلة، بل كانت ديكتاتورية الدين، ولم تزل، أصل كلّ مشكلة. ولا يمكن أن تنبت للحرية بذرة في وسط مازال الدين فيه السيّد المطلق!" فالدّين حسب هذا التّصوّر مجموعة من الأفكار والعقائد المعزولة عن القوى التّاريخيّة الفاعلة في الأبنية الاجتماعيّة والسّياسيّة. يصيح الإسلاميّون : "الإسلام هو الحلّ"، فتصيح وفاء سلطان : "الإسلام هو المشكل"، وبين النّظيرين يضيع الواقع بتعقّده، وتغيب القوى الاجتماعيّة والسّياسيّة التي تتحكّم في رقاب النّاس، والتي لا يمثّل الدّين غير تعبير إيديولوجيّ لها. وكأنّ طغيان الدّين في هذه الرّبوع ليس ناتجا عن انعدام الإرادة السّياسيّة في الفصل بين الدّين والدّولة، وليس ناتجا عن انعدام شرعيّة الأنظمة السّياسيّة، وعن مصالح أسر حاكمة باسم الدّين، ومصالح قوى ضغط تريد أن تصل إلى الحكم باسم الدّين. إنّ طغيان الدّين على السّياسة والقانون والتّعليم شوّه مجتمعاتنا فعلا كما تذهب إلى ذلك وفاء سلطان، وعدم التّخلّي عن أحكام الفقه في منظوماتنا القانونيّة والتّربويّة مكّن الإرهابيّين والأصوليّين من إيديولوجيا جهاديّة استشهاديّة منتشرة ومترسّخة، لكنّنا لا نرى صلة آليّة بين العقيدة الإسلاميّة والإرهاب، لسبب بسيط هو أنّ المسلمين المؤمنين ليسوا جميعا إرهابيّين، وأنّ آباءنا وأجدادنا كانوا مؤمنين ولم يكونوا إرهابيّين، وكانوا يقبلون العيش مع اليهود والنّصارى، ولم يكونوا ضحايا للهوس الحصاريّ الذي نشهده اليوم. وقد ظننت أنّ المنهج السّلوكيّ الأميركيّ القائم على الفعل وردّ الفعل بعلمويّته الفجّة وتبسيطاته الصّارمة المخلّة، وبعدم اعتباره لتعقّد الذّات البشريّة وتعقّد دوافعها، وطرحه سؤال "كيف" بدل "لماذا"... قد تجاوزته الأحداث، إلى أن وقفت على آراء وفاء سلطان، وعلى قاعدتها "الذّهبيّة" القائلة بأنّ "العقائد تقود السّلوك" (Beliefs drive behaviors). إنّ شخصيّة الإنسان تتحدّد بنيتها في سنوات طفولته الأولى، ولو كان الإسلام في حدّ ذاته ديانة تدميريّة مرضيّة كما تصفه وفاء سلطان لكان كلّ المسلمين ذهانيّين وانتحاريّين وإرهابيّين ومجانين بالمعنى السّلبيّ المرضيّ للكلمة. فالطّفل المسلم لا أظنّ أنّه يتماهى مع الرّسول بل يتماهى مع والديه والمحيطين به. أمّا تماهي الإرهابيّ مع صورة النّبيّ المحارب فهو من باب التّماهيات الثّانويّة التي تتكوّن لاحقا بفعل غسل الدّماغ الإيديولوجيّ، وبفعل منطق المجموعة المتماهية مع زعيمها حسب ما بيّنه فرويد منذ سنة 1921 في نصّ بديع لم يفقد ألقه إلى اليوم، هو مقاله عن "دراسة نفسيّة الجموع وتحليل الأنا". وقد بيّنت تقارير الخبراء وأبحاث المحلّلين النّفسانيّين، عن بعض حالات الإرهابيّين التي عرضت عليهم، أنّ اندفاعهم نحو الإرهاب ناتج في الكثير من الأحيان عن الذّهان الذي يتسبّب فيه الارتباط الالتحاميّ بالأمّ، وعدم وجود مكان للثّالث الذي يفصل ويمثّل عامل تقبّل للقانون. أمّا إيديولوجيا الإرهاب فهي محدّد آخر، وليست محدّدا وحيدا ولا مباشرا. إنّ إيديولوجيا الشّهادة والجهاد لا بدّ أن تتضافر كلّ الجهود الفرديّة والجماعيّة لمقاومتها، لأنّها تغذّي الإرهاب، ولكنّ الرّبط الآليّ بين العقيدة الإسلاميّة والإرهاب على هذا النّحو ليس مقنعا، ويمكن أن يساهم في نشر الشّعور لدى المسلمين بأنّ إسلامهم هو العار عينه وهو المشكل، فيردّون الفعل صارخين بأنّ الإسلام هو الحلّ، ويرفضون كلّ الحلول التي توفّر تحوّلا ديمقراطيّا وعلمانيّا. الدّين ليس ظاهرة معزولة عن القوى المادّيّة التّاريخيّة، والإسلام في حدّ ذاته، وإذا بقي في حدود الإيمان الشّخصيّ لا يولّد الإرهاب. الإسلام مع النّفط الوهّابيّ يولّد الإرهاب، والإسلام مع الحرمان السّياسيّ والمدنيّ يولّد الإرهاب، والإسلام مع الأنظمة التي لا تعمل لصالح شعوبها يولّد الإرهاب، والإسلام مع الرّأسماليّة العالميّة الوحشيّة التي تفقّر النّاس وتخلي البيوت وتلجئ الشّباب إلى قوارب الموت يولّد الإرهاب، والإسلام مع الفكر الأصوليّ المتمسّك بأحكام الشّريعة يولّد الإرهاب إضافة إلى التّمييز ضدّ النّساء والأقلّيّات. لا أعتقد أنّ هيمنة الدّين على السّياسة والمجتمع والقانون والمعرفة يمكن أن نقاومها بإنتاج ديانة أخرى ترتكز على نفس آليّات التّقديس والتّبشير والتّطهير وعبادة الأشخاص والتّفكير الثّنويّ والماهويّ الميتافيزيقيّ. وما أذهب إليه هو أنّ خطاب الإسلام السّياسيّ الإفراطيّ ولّد ضديده الإفراطيّ لدى بعض اللّيبراليّين والعلمانيّين، في نوع من لعبة المرآة التي تجعل بعض الخطابات العلمانيّة صورة معكوسة للخطابات الإسلاميّة. فكيف نعمل معا لنجد لغة وطريقا خارج لعبة المرآة هذه، وخارج ثقافة الإثارة وردّ الفعل بالفعل المعاكس؟ رجاء بن سلامة على وفاء سلطان أن تستفيق من سباتها الدغمائي - بسام الخوري - 03-14-2008 هل تصبح رجاء بن سلامة شهيدة الحق الليبرالي؟ بقلم: شاكر النابلسي -1- تتعرض الكاتبة والناقدة والأكاديمية التونسية رجاء بن سلامة لحملة هوجاء مسعورة في الصحافة التونسية وفي الأوساط الأكاديمية، نتيجة لآرائها وكتبها ومحاضراتها وبحوثها المختلفة. وبلغ بالأصوليين المتشددين في تونس مثلاً حداً، أن فضلوا ما قالته المطربة التونسية المعروفة "لطيفة" عن حزب الله عما قالته رجاء بن سلامة، كما كتبت أسماء القرقني في موقع "تونس نيوز" على الانترنت، في مقالها الذي اختتمته بقولها: " قارنوا أيها القراء بين كلام بن سلامة وكلام لطيفة، وستفهمون الفرق بين ثقافة المقاومة والعز، وثقافة الهزيمة والخراب." وأسماء القرقني هذه، هي احدى طالبات الدكتورة رجاء بن سلامة، والتي يحاول معها التيار الديني الأصولي التونسي، أن يجمع أكبر عدد من طالبات الدكتورة رجاء لكي يشهدن ضدها، بأنها في محاضراتها تهاجم الإسلام، وتهاجم القرآن، لكي يصل الأمر بهم إلى تكفيرها، واباحة دمها. -2- وهنا نتوقف قليلاً. إننا كليبراليين لا نحجب الرأي الآخر. ولا نمنع رأياً يقال ضدنا أو معنا. ولا نستعمل العنف لكي نمنع الرأي الآخر المعارض لنا. ولا نُبيح دماً. ولا نُخرج من الملّة، كما سبق للشيخ ابراهيم الخولي أن أخرجني من الملّة من على شاشة تليفزيون الجزيرة. ولا نُكفِّر من يأتي باجتهاد جديد يخالف اجتهادنا ورأينا، في مسألة من المسائل، أو قضية من القضايا. ولا نستعمل الدين، أو أية أيديولوجية معينة، لكي نسفك من خلالها دماء الآخرين. نحن قومٌ سلاحنا الكلمة، والكلمة فقط. ونتخاصم بالرأي والرأي الآخر، وليس بالسيوف والسكاكين والخناجر والسيارات المفخخة. وإلا لما كنا دعاة حرية وديمقراطية. ونحن رأينا ونرى، أن لا فئة في تاريخ الثقافة والفكر السياسي العربي المعاصر شُتمت وسُبت وهُزئت واتُهمت بشتى التهم البذيئة والرخيصة كما حصل مع الليبراليين العرب من قبل الآخرين. فقد اتُهمنا بأننا عملاء امريكا، وطابور خامس، وحلفاء للمحافظين الجدد، وعملاء اسرائيل، وبأننا صهاينة في دمائنا وافكارنا، وبأننا نناصر اسرائيل على الحق العربي، وبأننا مرتزقة، وبأننا سفهاء، وبأننا نأتمر بأمر البيت الأبيض والأخضر والأصفر، وبأننا... الخ. ورغم هذا لم نقصَّ لسان أحد من هؤلاء، ولم نهدر دم أحدهم. ولكن أن تقود هذه الاتهامات إلى فتاوى بهدر دمائنا، فهذا ما لن نسكت عنه. ويجب أن نتصدى له بالكلمة وبالكلمة فقط، وليس بالسيف، أو السكين، أو الخنجر، أو السيارات المفخخة. فنحن لا نساند ولا ندافع هنا عن رجاء بن سلامة، ضد من يخالفونها الرأي، فهذا من حقهم، ونحن نؤمن بهذا الحق. ولكننا نساند رجاء بن سلامة وندافع عنها ضد من يدفعون ويحرضون - بمقالاتهم - فقهاء السلطان إلى اصدار فتوى لقتل رجاء بن سلامة، أو اهدار دمها، أو الاعتداء عليها، أو على غيرها، حتى ولو كان مخالفاً لنا في الرأي والتوجه. فما زلنا ندافع حتى الآن عن سيد قطب، لأنه شُنق بسبب آرائه، وهو الذي على نقيض تام منا. -3- اليوم، تقول الأخبار الواردة من تونس – ونرجو أن تكون غير صحيحة ولا وجود لها - بأن هناك فتوى دينية صدرت في تونس، أو ستصدر قريباً من أحدهم، تقول بأن رجاء بن سلامة كافرة، وبأنها قالت كفراً في محاضراتها بالجامعة. وجيء بمجموعة من طالباتها، ليشهدن بذلك، ومنهن الطالبة أسماء القرقني التي كتبت مقالاً – أو كُتب لها – في موقع "تونس نيوز"، بتاريخ 8/9/2006 ، تقول فيه "رغم معرفتي بآراء رجاء بن سلامة المعادية للحضارة العربية الاسلامية وللعروبة والاسلام، فإني لم أكن أتصور أن تكتب ما كتبت، وتتجرأ في التبشير بهزيمة المقاومة ونجاح إسرئيل." والخطير هنا، هي هذه التهمة التي توجه علانية لرجاء بن سلامة، بأنها معادية للإسلام. وهي تهمة تكفيرية واضحة وخطيرة في زمن الارهاب الفكري والجسدي الذي يتحكم في العالم العربي الآن، ولا يتوانى أي فقيه من فقهاء السلطان في هذا الزمان الأغبر، من أن يستند عليها، لتكفير رجاء بن سلامة وغيرها، وبالتالي أهدار دمها وقتلها، لتكون أول شهيدة من شهداء الحق الليبرالي. -4- وفي جريدة "الصباح" التونسية 10 /9/2006 كتب محمد الرحموني مقالاً آخر، قال فيه عن فكر رجاء بن سلامة وفكر "رابطة العقلانيين العرب"، الذي تتمثل فيها رجاء بن سلامة وكوكبة كبيرة من المفكرين والمثقفين التونسيين الليبراليين: " إنه الفكر المطلق والمنطلق من كل عقال فكري أو أخلاقي يتجاهل التاريخ، ويتعامل مع الأمر بمنطق ملّة الكفر واحدة." ويتابع الرحموني مقاله، الذي يدفع به نحو تهمة التكفير لرجاء بن سلامة، ونحو تسويغ اصدار فتوى اهدار دمها طبقاً لذلك، بقوله عن مواقف وفكر رجاء بن سلامة وزملائها من "رابطة العقلانيين العرب" في تونس: "صحيح أن هذه المواقف تنقصها الأخلاق والتوفيق، وتكشف عن فكر بلا ضوابط. ولكن الأخطر من ذلك هو ما لا تعلنه صراحة. فكل من يقول كلمة خير أو حق في الإسلام أو الإسلاميين فوعيه بقري وعامي. لأنه ما زال في مرحلة العقل الهيولاني، الذي هو مجرد استعداد لإدراك البديهيات." -5- وفي 13/8/2006 كتب الحبيب أبو الوليد، في جريدة "الوسط" التونسية مقالاً بعنوان (ولم تتحقق نبوءة ادعياء العقلانية) دافعاً فيه نحو الفتوى التكفيرية المنتظرة، مضيفاً المزيد من المسوغات "الشرعية" لإصدار هذه الفتوى، قال فيه: "يكتب هؤلاء من موقع عدائهم للحركة الإسلامية، ودفاعا عن خيارهم في الانحياز إلى جانب الديكتاتورية ، فيدعون أنهم وحدهم الذين فقهوا ما تتطلبه المرحلة من رؤية متبصرة. و بالتالي فهم يسقطون في تبرير جرائم العدوان، وينتصرون للظالم بما ينسجم مع مواقفهم الجبانة وتطلعاتهم الفاسدة . فهم يناصرون الاستبداد في إجرامه ويقفون مع العدو ضد أهلهم." فيكفي أن تكون عدواً للحركة الإسلامية ليهدر دمك وتُقتل. ويدفع الحبيب أبو الوليد بكلام آخر نحو المزيد من المسوغات الموجبة للقتل، فيقول عن رجاء بن سلامة وزملائها: "طالما راهنت في الماضي على أن الصحوة الإسلامية ليست إلا ظاهرة عابرة، ستزول بزوال أسبابها وأنها ردة فعل وقتية على تيار الحداثة الجارف، وما إلى ذلك من أطروحات تبين أنها لا تستوعب حاضراً، ولا تستشرف مستقبلا. وهم يرفضون اليوم أن يصدقوا عناداً ومكابرة، أن كل حديث عن المقاومة والديمقراطية و الحرية بعيداً عن مطالب الصحوة الإسلامية وتطلعاتها و فعالياتها هو باختصار شديد خروج عن الموضوع ." وفي نهاية المقال يأتي حكم الحبيب أبو الوليد على "رابطة العقلانيين العرب" في تونس، بأنهم كفار لا يؤمنون بمبدأ، وهم مهزومون ومستسلمون: "مهزومون ومستسلمون، لا يفكرون في مقاومة، ولا يؤمنون بمبدأ، امتلأت بطونهم بالمال الحرام، وتمكنت منهم ثقافة الهزيمة حتى لم تعد لديهم إشارة حياة". -6- مثل هذه التعليقات، وهذا الكلام الخطير المليء بالتهم الزائفة، فيما لو قرأه أي شاب ارهابي أصولي متشدد، سيكون كافياً لأن يدفعه لقتل رجاء بن سلامة، حتى بدون صدور فتوى "شرعية" بقتلها. فهي تعليقات تفوّر دم الأصوليين، وتدفعهم لارتكاب جريمة سوف يكون مثل هؤلاء الكتاب الذين كتبوا مثل هذه المقالات سبباً في وقوعها. وسيكون دم رجاء – فيما لو سال – في رقابهم جميعاً. فهل تصبح رجاء بن سلامة شهيدة الحق الليبرالي؟! وضعت المقال ليعرف القارئ أن رجاء بن سلامة تنتقد وفاء سلطان من منطلق علماني ليبرالي وليس من منطلق اسلامي متطرف |